الفعل

الفعل


03-16-2004, 05:21 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1079410874&rn=0


Post: #1
Title: الفعل
Author: هلال زاهرالساداتى-القاهرة
Date: 03-16-2004, 05:21 AM

الفعل

هلال زاهر الساداتى-القاهرة

صوحت أوراق الأشجار في حديقة المنزل و اصفرت النجيلة و تبدلت صورة الجمال الأخضر إلى لون شاحب ابعث للحزن و أميل للقبح فقد قال له الجنائنى العجوز أن النبات يحس و ينفعل كالأنسان … و كانت تلك الحديقة ملك لرجل من الطبقة الوسطى من الزين أوتوا نصيبا من رقة الزوق و إحساسا متوهجا بالحسن في الطبيعة فانشأ تلك الحديقة في مساحة اقتطعها من منزله و رعى اغراسها من أشجار و أزهار وورود بفيض من العناية الفائقة و الحب … و كان يرى تجدد الحياة مع كل تفتح زهرة و يحس نشوة الخلق مع عبير كل وردة , و كان شذا الفل الأبيض و الياسمين يعطر جو الحوش في الصباح الباكر و ألوان الزهور القزحية تبث سرورا و خفة في النفس و كان يحس في مطلع كل صباح بنشاط يعتري جسمه كله فيقف متأملا عند كل زهرة أو وردة يغمر روحه إحساس نوراني لا يدرى كنهه … و في ذلك الصباح وقف وقفته تلك و لكن كان تبدو عليه الحسرة الممزوجة بالحزن الممض متأملا لما آل إلي حال حديقته الغناء من نزر تنبئ بالفناء المقبل عليها و كأن القدر حسده على أن يستأثر وحده بهذا الحس , فقد زحف الذبول إلى الأزهار و الورود و بدت و كأنها تنازع الموت ؟ و هو في وقفته تلك جاءه صوت ابنته الصغيرة تصيح في استغراب : ( أبى ! أبى إن قطتي تلتهم النجيلة ) , و لكنه لم يعرها التفاتا فقد كان كأنه غارق في حلم مزعج يحاول الفكاك منه , و صاحت به البنت الصغيرة مرة أخرى :

(أبى ! أبى ! قلت لك إن قطتي الصغيرة تأكل النجيلة ) , وجاءه صوتها كآلاتي من بعد سحيق و رد عليها قائلا: (دعيها تأكل بقدر ما تستطيع و انتقى لها ما يزال به خضرة من النجيل ) .

و أجابته باندهاش : ولكن يا أبى القطة لم تأكل نباتا من قبل و لم أشاهد قطة تفعل ذلك !

يا ابنتي كنا نطعم القطة مما تيسر لنا من قطعة من اللحم أو شيئا من اللبن , ولكن الآن لا نستطيع ذلك و أجدى للقطة أن تأكل النجيل و لا تموت من الجوع

ولكن يا أبى لماذا لا توفر لنا لحما أو لبنا ؟

لأن نقودي لا تكفينا ولا نقدر على شراء شيئا من ذلك … ألا ترين إننا نشرب الشاي بدون لبن و نأكل لحما قليلا مرة أو اثنتين في الشهر !

و سكتت البنت عن غير اقتناع منها و ربما مستنكرة ما سمعته من أبيها ثم قالت حسنا , ولكن ماذا سنطعم القطة عندما تموت النجيلة ؟ لماذا يا أبى لا تروى الحديقة كما كنت تفعل قبل ذلك ؟

و أجاب في شئ من الضيق : أنت تعلمين إن الماء قد شح في المواسير و أننا ننتظر إلى منتصف الليل لتجود الحنفية بنقط منها نجمعها في البرميل حتى يمتلئ في الصباح و هذا الماء نشرب منه و نغتسل و لا يتبقى منه شيء . و أضاف في صوت ضعيف في يأس محدثا نفسه : ومع ذلك تأتينا فاتورة استهلاك الماء بآلاف الدنانير في كل شهر !

وسكتت الصغيرة هنيهة ثم عاودت سؤالها لأبيها : أبى ! لماذا لا تقدم شكوى للحكومة لترجع الماء كما كان و أيضا لكي نستطيع أن نأكل لحما كل يوم و أطعم قطتي حتى لا تموت ؟!

و أحس بحرقة في صدره و غصة في حلقه و حدث نفسه قائلا : ماذا أقول لها ؟ كيف أجعلك تفهمين يا صغيرتي ؟ و خرج صوته متحشرجا : يا ابنتي الحكومة تعلم بحالنا و لا يخفى عليها شيء …



وردت عليه الصغيرة في حدة و تصميم : اذا يا أبى اشتك الحكومة ! و قال الأب على مضض : حسنا , اذهبي الآن وسنرى هذا الأمر فيما بعد … و اخذ يدير فكرة شكوى الحكومة في رأسه و لكن راجع نفسه متسائلا عن الجهة التي يشكو فيها الحكومة وهو الفرد الضعيف , وما جدوى الشكوى على أية حال ؟!

ورد على نفسه قائلا : لا ! لا ! لابد من الفعل , لابد من الفعل …


هلال زاهر الساداتى

[email protected]