دوفليبان في "بلدنا "... يا سلام

دوفليبان في "بلدنا "... يا سلام


02-28-2004, 06:36 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1077946573&rn=0


Post: #1
Title: دوفليبان في "بلدنا "... يا سلام
Author: طلحة جبريل-المغرب
Date: 02-28-2004, 06:36 AM

دوفليبان في "بلدنا "... يا سلام
الجمعة 27 فبراير 2004 14:13
طلحة جبريل
دوفلبان أمام أهرامات مروي حين قال لي الصغار إن القناة الفرنسية الأولى ستبث برنامجاً حول " جبل البركل خلت أن الأمر اختلط عليهم. ذلك المساء جلست معهم أنتظر البرنامج . كان مفاجأة طيبة أن أشاهد فعلاً مراتع الطفولة والصبا. بعثة آثار فرنسية ذهبت إلى هناك تنقب وتبحث . تتقصى وتحلل . تقارن وتستخلص. شاهدت بعض الوجوه التي أعرفها جيداً. تحلقوا حول البعثة يتابعون هذا " العجب العجاب" الذي يقوم بها هؤلاء الفرنسيون.

أولئك ناس أعرفهم تسهل معاشرتهم . حياتهم هينة. لا يكترثون كثيراً لآثار خلفها وراءه تاريخ مضى. لعلهم كانوا يتساءلون: هل يعقل أن يترك أحداً باريس حيث الحياة الجميلة الراقية المترفة، حياة الدعة والراحة ، ويأتي إلى ديارنا هذه يقلب ويحرك حجارة وصخور صماء يبحث عن تاريخ دفنته قرون متعاقبة.
كان المذيع يعلق ويبين للمشاهدين أهمية المكان، والعدسة تلتقط مغامرة تلك الثلة من الفرنسيين الذين ينقبون عن تاريخ غابر. يصعدون الجبل . ينزلون . يدخلون إلى المغارات . يخرجون . يزحفون زحفاً ثم يتسلقون الصخور برافعات وحبال بلاستيكية . يلتقطون حجراً يحركون صخرة .
هنا عاش أحد ملوك الفراعنة، يقال إنه الملك الفرعوني الوحيد الذي عاش في شمال السودان وحكم مصر. بعض الكتب تسميه " تهراقا " وبعض الناس يسمونه " ترهاقا ".
هؤلاء الفرنسيون جاؤوا ينقبون عن " تراث " هذا الملك الفرعوني. وعن معبد داخل " جبل البركل " .
أما الناس وكنت بين الفينة والأخرى التقط كلمات أعرف دلالاتها ، فكانوا يضربون كفاً بكف لا يصدقون أعينهم وهم يسمعون أولئك الخبراء يتحدثون عن " حجر مكتمل وحجر غير مكتمل " .
كان برنامجاً وثائقياً ممتعاً .
وتشاء الصدف أن يكون دومنيك دوفليبان وزير الخارجة الفرنسي أحد الذين شاهدوا البرنامج الوثائقي .
دوفليبان شاعر ومثقف . الحكومات الفرنسية لا بد أن تضم مثقفين . حين عين وزيراً للخارجية لم ينس مسقط رأسه . الرباط لا سواها . جاء الى العاصمة المغربية حيث ولد وعاش ، وقرأ أشعاره على المغاربة .
حين تهكم دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي من مواقف فرنسا والمانيا وبلجيكا ضد الحرب في العراق وقال " إنه موقف قارة عجوز" . تصدى له دوفليبان بكلمة أنيقة في مجلس الأمن وقال له " أنا فخور بالانتماء الى قارة عجوز ظلت تحمل مشعل العلم والمعرفة الثقافة " .
وقوبلت كلمته بعاصفة من التصفيق ، في بادرة غير مسبوقة .
الثقافة هي ذي الكلمة الفاتنة . هي ذي الكلمة التي تزعج رامسفليد . قبله قال نورينغ وزير " الإعلام والتوجيه" النازي " أتحسس مسدسي كلما سمعت كلمة ثقافة " .
ما لنا و وهذا الاستطراد .
السبت الماضي زار دو فليبان شمال السودان . زار أهرامات منطقة "مروي" . زار " جبل البركل " الذي شاهده في الشريط الوثائقي .
"بلدنا" على مرمى حجر من الجبل . أصطف له الناس أمام القرية يرحبون به . خرجوا طواعية .
كان أول وزير خارجية دولة أوربية يزور المنطقة على الإطلاق .
الناس في " بلدنا " كانت تؤرخ للأحداث بفيضان النيل .
يقال إن فلاناً ولد قبل الفيضان أو أن فلاناً تزوج بعد الفيضان .
الآن سيقولون حدث هذا " قبل زيارة "دوفليبان " أو حدث ذاك بعد زيارة "دوفليبان" .
أيها الفتى طوحت بك الأيام شرقاً وغرباً يا ليتك كنت هناك تستقبل "دوفليبان" . أليست هناك الحياة هينة وخيرة .
"دوفليبان في بلدنا " يا سلام .

طلحة جبريل