الارض . . الارض - صالح فرح

الأرض . . الأرض

دارسو التاريخ وقارئو مدوناته يعلمون أن القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أو ربما قبلهما بقليل شهدا استقواء الإنسان الأبيض على إنسان إفريقيا الأسود واصـطياده كما تصطاد الأرانب ليباع عبدا في أسواق النخاسة التي أقاموها في أمريكا ، كما شهدا تسابق دول أوربا الإستعمارية ـ بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا والبرتغال ، نحو إفريقيا . يتملكون الأرض ومن عليها وما عليها ، وربما باع من ادعى أنه مالك إلى من اشترى ممن باع . مد التسابق نحو إفريقيا كان من إفرازاته ما عرف بحادث فاشودة . بريطانيا ومصر حين استعادتا فتح السودان سعتا إليه من الشمال . من الجنوب اندفعت فرنسا تريد نصيبا من الكعكة فكانت مواجهة بين بريطانيا وفرنسا في فاشودة في جنوب السودان . وأوشك أن يقع بين القوم صدام لولا أن أنجتهم المساومة من عواقبه كما أنجت السودان من تقسيم مبكر لأرضه .
غزاة إفريقيا الجدد صنفوا ما استولوا عليه بقوة الحديد والنار بأنه ممتلكات لهم يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه ، فاستولوا على خير أراضيه بشتى الذرائع والمسميات كما شهدنا في الجزائرـ بلد المليون شهيد ـ وحتى عشية استـقلالها ، كانت دعواهــم بأنها فرنسية Algerie Francaise ، وروديسـيا ( زمبابوي اليوم ) التي أسموها بإسم رودس الذي استولى عليها ، وجنوب إفريقيا وغيرها مما خلف للناس مشاكل جعلت للإستقلال مذاقا مرا ما فتئت تكافح لأن تتخلص منه وتدفع في سبيل ذلك الثمن الغالي . فالإنسان مذ كان وعى قيمة الأرض والله تعالى يقول " منها خلقناكم وفيها نعيدكم تارة أخرى " . وبين الخلق والإعادة رعى الإنسان وزرع وعدن وكانت الأرض مناط كل ذلك كما كانت بداية خلقه . فما كتب للإنسان من بقاء وثراء إرتبط بالأرض .
حكومة السودان يوم استقر الأمر للحكم الثنائي كان من حسناتها الإعتناء بأمر الأرض فجعلت لها سلطة مركزية وأقامت على رأسها من عرف بمدير الأراضي ، وابتدعت إلى جانبه السجل العيني للأرض . . يتبع الأرض فيدون فيه ما يتصل بالأرض مما يؤثر في ملكيتها أو في التصرف في منافعها . السجل العيني كان تطبيقا رائدا قام به الإنجليز في السودان ومنعتهم التقاليد يومئذ من القيام به في بلادهـم . مركزية السلطة على الأرض والسجل العيني للأرض كان من آثارهما أن حيل بين الأجنبي وتملك الأرض أو منافعها بغير ضوابط . ولعل في قلة مالكي الأرض من الأجانب ومحدودية ملكيتهم يوم الإستقلال دليلا على شح سماح المسؤولين بذلك .
واليوم مع سودان الإنقاذ الذي أصبح دويلات ، ومع تعرضه لهجمة المستثمرين الذين يتجه جانب مقدر من مساعيهم لاستعمالات الارض ، أنت تسمع ولعلك تقرأ وربما مررت بأرض ممتدة الأطراف عظيمة الرقعة خصصت لمستثمر . فإذا كان أهل الصحراء ـ على قلة نفعها - حريصين عليها حين يتعلق الأمر باستعمال غير أهلها لها ، فإن صاحب أرض ذات نفع باد ومؤكد أولى بالحرص على أرضه . ولا ينبغي للناس مع الكسب أن يكونوا غافلين عن " تسرب " الأرض . وغدا حين ينتبهون عن وعي أو عن حاجة قد يكلفهم اصلاح الحال جهدا كان يغنيهم عن بذله وتكاليفه وعي القائمين على الأمر لو كان بهم وعي لغير المتداول عن أثرتهم وما يقوم بين الناس من شواهد على ذلك .

صالح فرح ـ أبوظبي
نشر بصحيفة السوداني 26 مايو 2007

للاطلاع . . .

.