مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن

مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن


12-19-2006, 09:31 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1166560308&rn=4


Post: #1
Title: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: مي أبوقصيصه
Date: 12-19-2006, 09:31 PM
Parent: #0

يوم السبت في مثل هذا اليوم من عام 1981م طوى الثرى أعز الناس إلى قلوبنا ، فقد ظلت تلك الذكرى الحزينة محفورة في ذاكرتنا لا تبرحها يوم أن ألقينا نظرة الوداع الأخيرة على أبي المسجى في البياض ، ولكنا لا نفتأ أن نحمد الله على حكمته التي تجل على الأفهام ولا نقول إلا ما يرضيه تعالى ( إنا لله وإنا إليه راجعون ).

أبي كان أحد صفوة ذلك الزمن الصعب الحلو الذي مضى وقد لا يتكرر أبدا ، هو من ذلكم الجيل الذي نهل العلم وإرتشف المعرفة من منابعها وتذوقه وعلمه وسقاه غضا طريا للأجيال والأجيال من بعده ، هو أبتي الذي علمنا أن الصبر مفتاح الفرج وأن مع العسر يسرا وان مع الجد النجاح وأن لكل مجتهد نصيب وأن من فرط عض على أصبع الندم.

هو أبي الرجل المدرسة الذي كان يؤمن بأن أساس التربية هي القدوة والنصح والإرشاد . كان يطابق قوله فعله ، كانت سريرته نقية بيضاء بياض كفنه الذي سجي به ، لم يكن صخابا ولا لعانا ولا مراءا يقول من الكلام ما قل ودل ، كان حليما صبورا تكاد لا تراه مغاضبا أبدا ، كان منهجه الحكمة والتوسط في كل الأمور لا يشكو إلا لمن يرجو البرء عنده , مولعا بمعالي الأمور وفضائل الأعمال ومكارم الأخلاق .

جاب بنا أقاليم السودان ملبيا نداء الوطن وناشرا معرفته التربوية والتعليمية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا فكان أن ترك بصماته المعرفية في المدارس الثانوية للبنين في كل من حنتوب ومروي وكوستي وسنجة وخور طقت (الأبيض) وملكال وكانت المحطة الأخيرة بمدينة ود مدني حاضرة الجزيرة تلك البلدة التي كانت وما تزال متألقة جمالا ، علما وفكرا وسياسة وفنونا .

كان مجلسه الرجال الصفوة يتحدثون فيما ينفع الناس ويصلح أحوال البلاد والعباد لا مكان لمرائ بينهم ، كان يقود صحبه بالحكمة وحسن الخلق والحزم إذا إحتدم الأمر ، شهدناه من أهل الفجر قواما قراءا تلاءا نهله من خلاوى بربر العريقة . تلكم البلدة التي شع منها نور العلم في السودان أول ما شع فقد خرج منها آل أبو قصيصة والخنادقة وآل عابدون وآل أبشر والهاشماب .. وغيرهم كثير ، كانت البلدة نبراسا للعلم تلقى فيها الرعيل الأول علمهم في دور الخلاوى التي تتوهج بنور القرآن . كان أبي يحفظ للصبا ملحا يقصها علينا بأسلوب محبب يشوقنا أن لو قد عشنا معهم تلكم الأيام .

تخرج أبي في كلية غردون - كلية العلوم- والتي كانت إذ ذاك المدرسة الوحيدة الثانوية بالسودان والتي تحولت فيما بعد لأول جامعة بالسودان (جامعة الخرطوم) ، كانوا زمرة طيبة وأعلام سودانية رسمت الطريق لأجيال تلتها في مجال العلوم الإنسانية والمعرفة ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر : المرحوم د/ عبد القادر مشعال ، المرحوم المهندس سيد عبد الله السيد المرحوم طلسم محمد طلسم ، والمرحوم / عبد الكريم ميرغني ، المرحوم محمد أحمد الأمين ، المرحوم / ضرار صالح ضرار. إنتقل معظمهم بعد تخرجهم إلى بريطانيا للإستاذة من معين المعرفة والعلم ، أما هو فقد إلتحق بجامعة لندن العريقة ودرس التربية إختيارا وإيمانا بحاجة البلاد لمن يعلم الأجيال ويربيها في ذلك الزمن الذي قل فيه عدد المعلمين المؤهلين .

لم يكن العلم في زمنهم محصورا في غرف الدراسة ، بل كانت أسقف العلم والمعرفة أعلى بكثير من أن تحصر في المحاضرات والدروس فقد كان تخصصه ،على سبيل المثال، في علم الأحياء واللغة الإنجليزية ولكنه كان أبرع ما يكون في علم الإعراب والنحو العربي تعلموا فنون الرياضة والذوق وعلموها ، درسوا السلالم الموسيقية وعلوم اللباقة واللياقة ، فتجملت حياتهم بالجد واللهو المباح فكانت ساعة وساعة.

كان ذواقا للشعر وبحوره ومتونه متفاعل متفاعل متفاعل كما يجري النظم والنغم ، كان مولعا بالمطارحات والمسابقات الشعرية فأنجب شاعرة أديبة.

كانت علوم الطبيعة ( الفيزياء) مرتبطة أشد الإرتباط بالحياة اليومية ، كان يعلمنا ما قاله أرخميدس حينما قال "وجدتها" وركض عاريا .

كانت في حياتهم مساحة فيما بينهم كثلة وما بينهم وبين تلاميذهم المتعلمين ، مساحة للمزاح واللهو المباح ، حتى لا تكل النفوس وتمل . كانوا يتندرون على بعضهم نوادر لطيفه تحكي تفاصيل حياتهم اليومية بلا همز ولا لمز بل بطيب خاطر وسماحة نفس دونما تحسس أو غضب .

كان لنا في الأســـرة أبا صديقـــا يعاملنا كأننا أقرانه ، يسمو بعقولنا لتكبر حتى تستوعب أقـــوال شكسبيـــر ( Life is but a walking shadow...….)، وناصحا حكيما يرشدنا ويهدينا إلى جادة الطريق كلما مالت بنا الأهواء أو إختلطت علينا الأمور ، وقدوة مثلى يؤمن بأن القيادة الرشيدة أساسها الأسوة ( Lead by example) كان مثلا أعلى لطلابه ، إذ كانوا لا يستجيبون لأحد إبان فترة الإعتصام السياسي الطلابي إلا له وينصتون بأدب جم لنصحه السديد ويستجيبون لرأيه دون غيره من المسؤولين في الدولة آنذاك . كان يسعد أيما سعادة بنبوغ أحد تلامذته فيستدعيه إلى المنزل ليحتفي به ويكرمه في جو أسري ، كما يدفع بأصحاب المواهب إلى الأمام بتحفيزهم تحفيزا خاصا حتى لا تفتر العزائم وتخور الهمم.

أما عن علاقاته مع زملائه من المعلمين فكان القائد الأخ الصديق والجار الصاحب يتفقد أصحابه ، ويزورهم ويزورونه ، يصل من قطعه ويعفو عمن أساء إليه بطيب نفس وسماحة خلق . كان كريما جوادا مضيافا يكاد بيته لا يخلو من زائر أو مقيم من طالب علم أو صاحب مسألة لا محالة أمره مقضي .

يؤمن بالمشورة ومشاركة زملائه وطلابه في كل ما استجد وجد فقد كان لديه إجتماع أسبوعي ( Assembly) لكل منتسبي المدرسة من معلمين وطلاب وعاملين وإداريين يطلعهم فيه على كل الأمور التي تهمهم ويجيب على تساؤلاتهم وإستفساراتهم ويحيل الأمر إلى أهله كلما إستدعت المسألة لتوسعة دائرة مشاركة الرأي حتى يحس الجميع بأنهم أصحاب رأي وعقد وحل . حاول أن يسلك منهجه من خلفه ولكن لم يفلح أكثرهم .

أدركه المرض ، فلم يمهله طويلا ، لم يجزع ولم يقنط كان يتبسم في قمة الألم حتى لا ينطفئ ضوء الأمل الذي كان يبشر به دوما من حوله . وحين أتى الأجل كان كمن أكمل رسالته وبلغ أمانته إذ فارقنا في عمر النبوة ، فرحل عنا مخلفا إرث الأنبياء ألا وهو العلم ، واضعا لنا المنهج وهو مكارم الأخلاق زادا من بعده إن نحن إلتزمناه وتمسكنا به أفلحنا ، وإن حدنا عنه فلا نلومن إلا أنفسنا ، ونحن على أثره سائرين.

رثت فقده أختي ( منى) بهذه القصيده :

ورحلت عنا يا أبي
وخلفت جرحا داميا لا ينتهي
وظللنا نرقب عودتك
وكما عهدنا أن نراك فنرتوي
يا حامل الحب العميق في صدره
يا حاضن الصبر الجميل في قلبه
من بعدك الهادي إلينا والهدي

ورحلت عنا يا أبي
ورأيت أدمع إخوتي
خلفك تودع نائحات وتغتدي
ما كنت تقبل أن تراهم دامعين
ما كنت تقبل أن تراهم نائحين
لكن خلفك كل شئ لا يعود كما مضى
خلفك جراح الحزن عظمها الصدى
خلفك قلوب الناس لم تعد الهدى
خلفك فقدنا كل شئ كان بالأمس الهدى

ورحلت عنا يا أبي
عبثا نحاول أن نطالع طلعتك
تهفو إلينا من بعيد
عبثا نحاول أن نُقبِّل وجنتيك
في كل عيد
عبثا نقول البدر يظهر
من جديد
بالفعل قد مات المُربي
مات ذو الرأي السديد

ورحلت عنا يا أبي
وتبعثر الأمل الوليد
لكنا خلفك لن نكون
سوى قلوبٍ من حديد

ويحفظ أخي (محمد) - الذي يحمل الكثير من صفات الوالد رحمه الله- في ذاكرته هذه المرثية :

حم القضاء فبات قلبيا موجعا
وطوى الردى ذاك اللواء المشرعا
وطفقت أهفو بالديار مرددا
ماذا؟ أأمسى في الثياب ملفعا

ردت جموع النائحات تساؤلي
ذاك المساء وكان ردا مفجعا

أبتا وهل يجدي ندائيا بعدما
رد الغطاء وحال دونك مسمعا

حملوك فوق رؤوسهم وعقولهم
والكل ساروا من ورائك خشعا

كم كنت تبتدر الوفود محييا
واليوم صرت من الوفود مشيعا

يلقاك في بشر بوجه ضاحك
ويزينه تاج الوقار مرصعا

يهفو لمرضاة الضعيف تواضعا
ويعف عن ملق العظيم ترفعا

ترنو بطرفك للمكارم شامخا
قد كنت بالمثل العوالي مولعا

وضربت للآباء أحسن قدوة
إذ طاب فينا ما غرست وأينعا


علمتنا أن نستهين إذا القضا أصمى
ونال من العزائم موضعا

لكن فقدك كان فوق عزائنا
حتى إستحال الخلف ألا نجزعا

ونزلت في قبر بأكرم ساحة
سمح الجناب وكان سمحا طيعا
فالموت حق لا جنود تصده
إذ إعتقال كسرى ازدشير وتُبعا

ألا رحم الله أبي رحمة واسعة وغفر له وتقبله قبولا حسنا وأنزله منزلة الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا وألهمنا من بعده الصبر والسلوان وحسن العزاء شاكرين الله العلي القدير أن وهبنا والدة صبورة متصبرة جامعة للشمل من بعده في صبر وثبات ،

أردت في هذا اليوم أن تشاركوني بعض من تلك الأشجان وأختم بالصلاة والسلام على خير المرسلين وصحبه الميامين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

Post: #2
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: عبدالكريم الامين احمد
Date: 12-19-2006, 09:40 PM
Parent: #1

له الرحمه اختي مي فهذه هي الدنيا
ونبكي عليها ومامن معشر جمعتهم الدنيا والا كان الفراق هو الامر الحتمي..
وفي حضور الفجيعة وسيرة الراحلين من الاعزاء تتداعي اسمي خواص الانسان وهي الذكرة
واجترار غياب الموتي وحضور ارواحهم التي ترفرف حولنا وتمنحنا القوة والعزيمة
ولك كل تحية

Post: #3
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: Adil Osman
Date: 12-19-2006, 11:26 PM
Parent: #1


Life is but a walking shadow
الاستاذة مى
الحياة ليست سوى ظل يمشى على قدمين. ظل مؤقت. وهكذا هم الاباء والامهات. ظل وحماية ولكن إلى حين. أما ذكراهم واثارهم وجيناتهم سوف تبقى ما بقى الدهر.
ولكم فى ابائكم قدوة حسنة. كانوا ومازالوا قدوة حسنة. اتمنى ان نكون مثلهم، قدوة حسنة. ولن نبلغ شأوهم. ذاك من المستحيلات. على المرء أن يسعى. أن يسعى. يسعى.

Post: #4
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: رأفت ميلاد
Date: 12-19-2006, 11:46 PM
Parent: #3

رحم الله الأسـتاذ العظيم عبدالعظيم التجانى أبو قصيصة
رحمه الله رحمة واسـعة بقدر مأعطانا من علم ومن حب ومن خلق


شـكرآ يا أخت مى على هذه الخلفية الجميلة عن أسـتاذنا العظيم
والتأريخ المخلص . وصدق المثل (من أنجب لم يمت)

كنت تلميذه فى مدرسـة مدنى الثانوية بنين . كان متفردآ بإنضباط المدرسـة
بقيادة أبوية لا حدود لها وقد كان أول مدير يلجأ الطلاب له فى كل صغيرة وكبيرة .


Quote: كان مثلا أعلى لطلابه ، إذ كانوا لا يستجيبون لأحد إبان فترة الإعتصام السياسي الطلابي إلا له وينصتون بأدب جم لنصحه السديد ويستجيبون لرأيه دون غيره من المسؤولين في الدولة آنذاك .


كنت من طلابه فى تلك الحقبة . فأسـمحوا لى بقصة صغيرة سـأختصرها بقدر الإمكان .

أبان ثورة الطلاب كان مدرسـة مدنى الثانوية تجمع لكل مدارس مدنى ومدرسـة حنتوب . ظهر أحد الطلاب يدعى (معتصم) من كوادر الأخوان المسـليمين وتزعم التجمع بأجندة منظمة . وأسـتطاع جزب الطلاب بخطبه وتخطيطه . لم يروقنا الأمر فتصدينا له ولزعامته . فكان ذكى جدآ ولم يسـتجب لإسـتفزازنا وهتف فى الطلاب بإعلان إحتلال لمدرسـة وبذكاء وزع المهام على الطلاب وكان من نصيبنا أنا وأربعة من الذين تصدوا له إحتلال الإدارة .

الفكرة كانت واضحة لوضعنا فى وجه المدفع وقد نكون أول المفصولين . لم تغب عنا المؤامرة ولكنا أصبحنا أمام أمر واقع رفضنا تخازل وفى ثورتنا وعمرنا فى ذلك الوقت لم نسـتطيع التراجع .

ذهبنا الى الإدارة ولم نتجرأ دخول مكاتب المدرسـين . فبدأت أنا بمكتب الأسـتاذ إبراهيم سـليمان كان من منطقتنا وأخوانه من عمرنا وأصدقائنا . شرحت له ما نحن بصدده وصعوبة الموقف . فتكلف بالمهمة نيابة عنا. ولكن الأسـتاذ .... ثار ووصفنا بأسوأ الألفاظ .

خرج الأستاذ عبد العظيم أبو قصيصة ونادانا الى مكتبه . لم يصعب الأمر وقال إنه يتفهم الأمر وأوصانا بالمدرسة والممتلكات وطلب منا المغادرة وقام بإخلاء الإدارة بنفسـه . وكان يتفقدنا دائمآ ومنزله أمام المدرسـة .

وبعد الأحداث لم يتخذ أى إجراء نحو أى من الطلاب .

كان أب للجميع وبحكمته كان صمام الأمان لمسـتقبل أبنائه الطلبة .

شكرآ أخت مى لإتاحة الفرصة لتسـطير هذه الذكريات

ودمتى حافظة الود لهذا الرجل النبيل

أخوك

رأفت ميلاد

Post: #5
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: سمية الحسن طلحة
Date: 12-20-2006, 08:48 AM

الأخت الكريمة مى أبوقصيصة
لم يمت من خلف منى ومحمد ومى ومن ورائهم السيدة العظيمة الخالة سـيـدة
متعكم الله بالصحة والعافية.

Post: #6
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: محمد أبوالعزائم أبوالريش
Date: 12-20-2006, 09:24 AM
Parent: #1

الأستاذة والأخت الكريمة مي

Quote: لم يمت من خلف منى ومحمد ومى ومن ورائهم السيدة العظيمة الخالة سـيـدة


نعم لم يمت أبوك ... فقد أحسن الغرس .... رحمه الله

التحية لك وللأخوان والوالدة

Post: #8
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: بابكر عثمان مكي
Date: 12-20-2006, 10:17 AM
Parent: #6

الاخت الفاضلة مى

رحم الله الاستاذ المربى والدكم رحمة واسعة بقدر ماقدم لهذا الوطن

ماكتبته يدل على شموخ متوارث ووفاء ابنة بارة بوالديها

Post: #7
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: فدوى الشريف
Date: 12-20-2006, 10:00 AM
Parent: #1

رحم الله الأسـتاذ العظيم عبدالعظيم التجانى أبو قصيصة
اختي مي
كلنا راحلون وكلنا الي الثري عائدون
رحم الله اباكي وطيب ثراه وجعله رفيق الصديقين والشهداء في جنان الخلد
انشاءالله
وله الفاتحه ولامة محمد كافة اجمعين الاحياء منهم والاموات يااارحم الراحمين
ونستغفر الله ونتوب اليه وانا لله وانا اليه راجعون

Post: #10
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: عبدالغني كرم الله بشير
Date: 12-20-2006, 10:35 AM
Parent: #7


العزيز مي...

صباح حنون، كوجه أبيك، هناك، وهنا، فالأمر سيان، فلا موت، ولكنه رحيل لعوالم أخرى، تجهلها حواسنا المحدودة، فالقبور رياض بهية، خضراء، ترفل بالمجد والصفاء، وتتداخل الحياة بنسيج جميل، يجهله بعضنا، ويتمتع به أصحاب البصائر (ألهما اجعلنا منه)، ألم يزور النبي يوميا اصحابه في البقيع، ويسلم عليهم ، ويحكي لهم، ويحكون له، حلو الجنان، وملذات ا لفردوس، لا موت في الفكرة الدينية، وفي كل الأديان، ولكنه انتقال لحيوات أخرى، سميت مجازا (موت)، كباب يفصل بين قصرين، لا أكثر، ولا أقل..

أبيك يرفل في مجده، كل من امسك الطباشير فهو رسول حقيقي، وقد ترك بصماته على تلاميذه في اصقاع الوطن، كأثر جاري، ونهر لا ينضب...

كم احسست بالشجو، وللحق، توفى ابي وانا طفل، وبالامس كنت أقرأ رواية للكاتب الكبير (صنع لله ابراهيم،)، الفصل الاول منها (التلصص)، ويحكي فيها بحب، وشجن، علاقته بأبيه، في الحل والترحال، وفي الازرقة، كم بكيت، وسرحت، وفرحت معا.. للأب نكهة خاصة، وجمال فريد، وحنان موزون بالعاطفة والعقل..

لي صديق جميل، اسمه (أمين لطفي)، استاذ حلو المحيا، كلما ازوره يوم الجمعة كان يذهب لقبر والدته، ويأتي منه مليح، مضئ، يتحدث معه، ويبرها، بمناخ سمح، وعذب، مستحضرها سحرها، وقلقها، وتضحياتها النبيلة، فالذوات البشرية مطلقة، لا تقف عن سقف الموت، أو القبر، بل تمد محياها إلى أفاق بعيدة، ولو متنا لناضلت المقابر... ولذا كان النبي يوصي بإكرام صديق الوالد، حين يتوفى، وزيارة اصدقاءه، وللحق، كنت حين اتسكع في السوق، يمضني الكثير من اصدقاء ابي، فكنت اشمع رائحته فيهم، للحياة معجزات كثيرة، فالروائح لا تزال، كالمادة، لا تفنى ولا تستحدث...

ابيك حي، مستمتع بحياة أكمل وأجمل واتم، لقد تجاوز الجسر النبيل، جسر الموت، كي يمضي لذاته المغيبة..

كم فرحت باحساسك بأبيك، وأبينا معا، طوبى له...

Post: #9
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: Mayada
Date: 12-20-2006, 10:22 AM
Parent: #1


العزيزة مي...

تغمد الله روح والدك برحمته والهمكم الصبر على فراقه...

انا لله وانا اليه راجعون...



ست البنيـــــــــــات


Post: #11
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: elameen
Date: 12-20-2006, 10:39 AM
Parent: #1

له الرحمة والمغفرة يا مي وامثال والدك كنا نريدهم في هذا الزمن العصيب الذي فقدنا فيه القدوة والنصح والارشاد.. حقا نبكي على زمهنم الذي ملوه باصلاح أحوال البلاد والعباد...

فنرفع ايدينا الى الله متضرعين له بان يرحمه ويغفر له ويدخله الجنة مع الصدقين والشهداء.


Post: #12
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: ابوبكر يوسف إبراهيم
Date: 12-20-2006, 11:15 AM
Parent: #11

أختي مي

لقد كان أيضاً أستاذي في يومٍ من الأيام وكان حديث عهد بالتعليم وكان في ميعة الشباب .. وفي عز إغترابي وأنا خارج الوطن سمعت النبأ الفاجع ورثيته بقصيدة عنوانها كما سيرد وأذكر منها:

المربي أبوقصيصة

أجب دعوتي يا قبر إن جئت داعياً فـإن سـهام الحـزن أصــمّتْ فواديا
وإنّ جـواباً منك يشــفي لواعجي فجاوب حزيناً مثقل القلب داعـــيا
أبا قصيصة الذي حجبت في الترب أترى راجع فألقاك بـعد الموت آتــيا
أم الموت بينٌ ليس يتبعه لقــا فنـقـطع فيـمن بـان عنـا الأمانــيا

( هذا كل ما أذكره الآن فقد فعلت بنا السنون فعلتها أخية

أعلم قدر هذا المربي الدمث الرؤم وأكاد أحس كيف يكون فقد مثله جرحٌ غائر لا يلتئم.. فمثله لا ينسى فإن كان هذا حالنا ونحن تلامذته فكيف حالكن يامي .. لكم الله فذكرى الأحبة أبداً تدوم

د. ابوبكر يوسف

Post: #13
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: الزاكى عبد الحميد
Date: 12-20-2006, 12:06 PM
Parent: #12

الأستاذة مي:

"وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاًً"
صدق الله العظيم..

لوالدك المغفور له بإذن الله الرحمة نسألها ممن هو أقرب
إلينا من حبل الوريد..

اللهم أنزل عليه شآبيب رحمتك وأنزله منازل النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
وإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله من قبل ومن بعد..

الزاكي

Post: #14
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: نجوان
Date: 12-20-2006, 12:12 PM
Parent: #12

الف رحمه على روح والدك اخت مي..

وهو مقيم فيكم وبكم..

و ياليتنا جميعا حين نغادر..
نترك اثارا وذكريات .. تعجز الأيام عن طمسها..

Post: #15
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: JAD
Date: 12-20-2006, 12:55 PM
Parent: #1

Quote: أدركه المرض ، فلم يمهله طويلا ، لم يجزع ولم يقنط كان يتبسم في قمة الألم حتى لا ينطفئ ضوء الأمل الذي كان يبشر به دوما من حوله . وحين أتى الأجل كان كمن أكمل رسالته وبلغ أمانته إذ فارقنا في عمر النبوة ، فرحل عنا مخلفا إرث الأنبياء ألا وهو العلم ، واضعا لنا المنهج وهو مكارم الأخلاق زادا من بعده إن نحن إلتزمناه وتمسكنا به أفلحنا ، وإن حدنا عنه فلا نلومن إلا أنفسنا ، ونحن على أثره سائرين.


الأخت مي أبو قصيصة ..

بارك الله فيكم من ذرية طيبة .. ورحم الله المربي الجليل الأستاذ أبو قصيصة بفضله ومنه .. وجزاه خير الجزاء بما قدم لوطنه ولأبناء وطنه من معرفة وحكمة وأدب الرفيع .. وجعل كل قيمة أعلى شأنها مصدر سرور وحبور حين يراها تثقل ميزان حسناته يوم يوضع الميزان. ونسأل الله ألا يحرمنا أجره ولا يفتنا بعده ..


Quote: حم القضاء فبات قلبيا موجعا
وطوى الردى ذاك اللواء المشرعا
وطفقت أهفو بالديار مرددا
ماذا؟ أأمسى في الثياب ملفعا

ردت جموع النائحات تساؤلي
ذاك المساء وكان ردا مفجعا

أبتا وهل يجدي ندائيا بعدما
رد الغطاء وحال دونك مسمعا

حملوك فوق رؤوسهم وعقولهم
والكل ساروا من ورائك خشعا

كم كنت تبتدر الوفود محييا
واليوم صرت من الوفود مشيعا

يلقاك في بشر بوجه ضاحك
ويزينه تاج الوقار مرصعا

يهفو لمرضاة الضعيف تواضعا
ويعف عن ملق العظيم ترفعا

ترنو بطرفك للمكارم شامخا
قد كنت بالمثل العوالي مولعا

وضربت للآباء أحسن قدوة
إذ طاب فينا ما غرست وأينعا


علمتنا أن نستهين إذا القضا أصمى
ونال من العزائم موضعا

لكن فقدك كان فوق عزائنا
حتى إستحال الخلف ألا نجزعا

ونزلت في قبر بأكرم ساحة
سمح الجناب وكان سمحا طيعا
فالموت حق لا جنود تصده
إذ إعتقال كسرى ازدشير وتُبعا


مرثية مجودة .. أكسبهاصدق المشاعر هيبة وضعتها في مصاف عيون الشعر العربي الأصيل ..
كنت أود أن أقتبس أجمل رباعية فيها فعجزت .. إذ تساوت أبياتها في الرقة والرصانة ..


Quote: صباح حنون، كوجه أبيك، هناك، وهنا، فالأمر سيان، فلا موت، ولكنه رحيل لعوالم أخرى، تجهلها حواسنا المحدودة، فالقبور رياض بهية، خضراء، ترفل بالمجد والصفاء، وتتداخل الحياة بنسيج جميل، يجهله بعضنا، ويتمتع به أصحاب البصائر (ألهما اجعلنا منه)، ألم يزور النبي يوميا اصحابه في البقيع، ويسلم عليهم ، ويحكي لهم، ويحكون له، حلو الجنان، وملذات ا لفردوس، لا موت في الفكرة الدينية، وفي كل الأديان، ولكنه انتقال لحيوات أخرى، سميت مجازا (موت)، كباب يفصل بين قصرين، لا أكثر، ولا أقل..

عبدالغني كرم الله بشير



الأخ الكريم عبدالغني .. أعجبني كلامك فقرأته مرات رغم انشغالي .. كلام عارفين .. أدركوا كنه الحياة وحقيقة الموت .. ولامست بصائرهم أهداب الحكمة فهيمنت على منطقهم ورؤاهم ..

بارك الله فيك ..

أخوكم
جاد

Post: #16
Title: Re: مرثية في رحيل أبي بعد مضي ربع قرن
Author: Yassir7anna
Date: 12-20-2006, 01:20 PM
Parent: #1


الاستاذة مي عبدالعظيم ابو قصيصة

الا رحم الله الاستاذ عبدالعظيم ابوقصيصة رحمة واسعة وجعل الجنة مثواه مع الصديقين والشهداء وحسن اؤلئك رفيقا


لم نتشرف بلقاكم يوم جيتوا لوداعنا انت والوالدة وانت عارفة زحمة السفر والسوق، الف الف شكر ليكم، والله اميمة زعلت شديد انها ما لاقتكم اليومة ديك، لكن ان شاء الله لم تجوا الاجازة الجاية السودان

تحياتي وسلامي لمحمد

وتقبلوا تحياتنا جميعا