الفنان الذي روض الأسود
بقلم: ذوالنون بشري
عندما غني عبد الدافع عثمان"مرت الأيام" أحدثت الإغنية دويا فنيا هائلا وليس ابلغ من قوة هذا الدوي وصف موسيقار الأجيال برعي محمد دفع الله لها بأنها"قنبلة" اناه قنبلة تفجرت لم تدمر. ولم تخرب ولكنها اغرقت الناس في بحور من حنان.. وجمال.. وطرب.. ورومانسية حالمة فالكلمات لشاعر انيق المشاعر والكلمات.. مموسق المفردات مخملي التعابير.. انه صاحب "عصارة قلب" مبارك المغربي الذي عصر قلبه واحاسيسه.. ومشاعرة الندية الخضراء فسالت عشقاوحبا ساميا.. باهرا.. زاهيا.. واحتضن عوده واستلهم بنات الخيال وحوريات الجمال فجاء اللحن عذبا رائعا براقا سري كالنسيمات يعانق القلوب.. ويلتف شفافية وراحة حول النفوس.. ويدغدغ بايقاعه الحالم الشفاف في الارواح انه الملحن الفذ"عربي الصلحي" وإذا بحثت في قائمة الملحنين قد تجد برعي محمد دفع الله وعلاء الدين حمزة, وعلي مكي, وخليفة عبد الله,وسيف عبدالقادر, وغيرهم من الملحنين الكبار ولكن قطعا لا تجد اسم عربي الصلحي في قائمة الإبداع تلك ليس لانه غير مبدع.. ولا مجهول ولكنه مقل والإقلال دائما صنو الإبداع مثل الملحن المقل كالشاعر المقل.
ووضعتني الظروف وجها لوجه أمام عربي الصلحي وتعرفت الية ودار بييننا حديث طويل ومن خلال الحديث تلمست عشقة ومحبته للأطفال وامنياته ان يصبح ملحنا للأطفال ويدخل عالمهم الملئ بالبراءة ليعكس تلك البرءة ويصيغها الحان يتعشقها الأطفال. واتفقت معه في المشاعر والأمنيات وبدأ بيننا تعاون كبير وانتجنا أغنيات كثيرة لركن الأطفال بالإذاعة.
وكان هنالك فتي صغيرا يتمتع بصوت اخضر فاخذناه ليغني تلك الأذاهيج ومرت الأيام.. كثيرة وفي يوم بمنزل الفنان الراحل محمد احمد عوض والتقيت بشقيقة صلاح عوض وساقتنا الذكريات الي مدراج الطفولة والي مدرسة بيت الأمانة حيث كان يدرس صلاح عوض وتحدث صلاح عن مدرستة وعن استاذه المميز عربي الصلحي. وقال صلاح انا غنيت كل الالحان التي لحنها عربي للاطفال في تلك الفترة وسجلتها للإذاعة ولكنني افقد شيئا واحدا وهوذلك الشاعر الذي كان يؤلف تلك الأناشيد. وهنا التقت دهشتان دهشتي بأن صلاح عوض هو ذلك الطفل صاحب الصوت الأخضر ودهشة صلاح بأنني هو ذلك الشاعر الذي ظل يبحث عنه اعواما في دهاليز الذاكرة. وحكيت تلك الواقعة لعربي الصلحي فأستغرق في ضحك عذب وكان دائما ضاحك الوجه بشوشا طيب القلب. وبعد ذلك سألتة عن ذكرياتة في اليمن عندما ذهب اليها معلما مبعوثا فحكي الكثير ولكن من اطرف ما حكاه عربي الصلحي هو انه نقل الي قرية نائية في اليمن وخصص له منزلا في اطراف القرية يجاور المقابر وكان اهل القرية كرماء جدا فكانوا يحضرون له طعاما كثيرا. كثر من حاجتة ولكن عند العصر ينقطعون عن المجئ الية ويلزمون بيوتهم وعندما استفسر عن السبب قالوا له نخاف المقابر لاننا كثيرا ما سمعنا في الامسيات صيحات مرعبة منبعثة من تلك المقابر واننا نعجب كيف تسكن انت في هذا المنزل ولا تخاف. وضحك عربي كثيرا. وكان عندما يرخي الليل سدولة يحتضن عربي عوده ويسافر مع الاوتار الي السودان تحمله اجنحة الذكريات الي امدرمان الي عبدالدافع عثمان ومبارك المغربي ويشاهد الايام تمر. وقال لي عربي الصلحي هنالك أسود يمنية تأتي منحدرة من الجبال ويسمونها أسود"البدر" نسبة للأمام البدر وهذة الأسود في حجم الكلاب وكنت اضع لها الطعام في فناء المنزل فتلتهمه رويدا رويدا ازداد عدد الاسود التي تحضر لي.
وشاهدأهل القرية هذة الأسود وهي تخرج من منزلي فأمتلأت قلوبهم رعبا وظنوني ساحرا اسكن بالقرب من المقابرواستأنس الأسود. وصاروا يهابونني مهابتهم للمقابر ويتحاشون ان يغضبوني ويتبارون في كسب ودي ومودتي.
رحم الله عربي الصلحي الموسيقار الذي الف القلوب وروض الإسود