محمد سعد ذياب شاعر حزين غارق في وحل الصعيد

محمد سعد ذياب شاعر حزين غارق في وحل الصعيد


11-13-2006, 02:46 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1163382410&rn=0


Post: #1
Title: محمد سعد ذياب شاعر حزين غارق في وحل الصعيد
Author: احمد حماد ادريس
Date: 11-13-2006, 02:46 AM

محمد سعد دياب

ما برحت اتمشى فى وادى عبقر واتغشى بحور الادب وجزائره وانشد مبدعى مدينة سنجة بلد الانسان الاول فى السودان – انسان سنجة- من ديار محجوب برير صاحب خربشات على درب الزملن ..الى فرقان الدكتور الزين عباس عمارة شاعر ادينى كلمة لعثمان حسين وغيرها من الدرر النطاسى البارع فى علم النفس واسرارها..قد رانى الصبح فى مرافىء ابراهيم دقش ..وقد ادركنى المساء فى ساحات الاغبش عبد الله بن رجب..ولم انس المرور كالدعاش والعفرت لاريث ولا عجل على مضارب عمنا حسن نجيلة صاحب الاسفار والذكريات داخل وخارج السودان..وها نحن اخيرا وفى الختام نحط الرحال فى وديان الشاعر المرهف محمد سعد دياب....
كان الصعيد ونتمنى ان يظل حنينا مضيافا يعمه الخير والخصب والغمام الموحى للشعراء بالكثير والمثير –الدندر صعيد كعب البزمو ..لالوبا كثير نبقا تخمو ..كاعكولا كبير ينسى الجاهل امو..فقد انسى الصعيد محمد سعد ام درمانه وصباباته وذكرياته السابقات وبدا وكانه ولد من جديد فاحب الناس واحبوه واصبح واحدا من اهل سنجة ونثر بينهم احلى الدرر من الشعر والنثر فطاب له المقام واقام ما شاء الله ان يقيم..
عند وصوله لاول محطة فى اغترابه الاخير اتصلت به جزعا مستفسرا كيف هان عليه الرحيل وانا اعرف حب الرجل لثرى وطنه وكان يسمى المغتربين الهاربين-فاجابنى شعرا ..ترك لنا اللص ملحوظة فوق الحصير..جاء فيها لعن الله الامير لم يدع لنا شىء نسرقه الا الشخير..ولم ازد وتاكد لى ان الكارثة قادمة لا محالة..
ولد محمد سعد دياب بمدينة امدرمان عام 1945م ويوم كان للمعلمين معهدا التحق به محمد وتخرج منه متخصصا فى اللغة الانجليزية وكان مجيدا لها تحدثا وكتابة وقراءة وملما بادابها..كان محمد اصغر مبتعث سودانى الى جامعة ليدز للدراسة وتحصل على دبلوم تدريس اللغة الانجليزية لما وراء البحار ومكنته دراسته فى انجلترا من تعميق رؤيته للادب الانجليزى واستيعابه..عمل محمد سعد مدرسا للغة الانجليزية فى كل من حنتوب ونيالا والجنينة واخيرا استقر المقام به فى مدينة سنجة ..
كان محمد سعد الرجل الموهبة الشاملة فقدم العديد من البرنامج الادبية والثقافية من الاذاعة والتلفزيون ونشر العديد من القصائد والمقالات بالمجلات السودانية والسعودية والخليجية فى منفاه الاختيارى ..اول ديوان نشر له عام 1971م باسم حبيبتى والمساء ..اما ديوانه الثانى فهو عيناك والجرح القديم والذى صدر عام 1986م..شغله المرض عن طباعة ديوانه الاخير وهو بعنوان –ونكتب فى زمن الحزن..
فى مسابقة جريدة الشرق الاوسط التى نظمتها بالتعاون مع منظمة الغذاء العالمى والتى تنادى لها الشعراء من ربوع السودان ومن كل الربوع العربية من الخليج والى المحيط كانت القصيدة الفائزة بلا منافس هى قصيدة شاعرنا محمد سعد دياب –الجوع فى العالم..
مات محمد سعد دياب اخيرا ..مات بعد ان غرق فىسباته العميق سنينا طويلة لم يره خلالها احد ولم يقف احد على المرض الذى اقعده عن الحياة كما عن الشعر..لذلك فقد حسبناه قد مات منذ زمن وانفضضننا عنه الى مشاغلنا وهمومنا الشخصية متناسين ذلك الرجل الذى كان يقطر الشعر من روحه كما يقطر الشهد من تلقائه فى البرارى القصية..لقد ظلم محمد سعد مرات ثلاث مرة فى حياته ومرة فىموته ومرة فى شعره..ففى حياته كان الشخص الكريم والخفر الذى يبادل الغدر بالوفاء والجفاء بالمودة واللؤم بالاحسان وفى موته كان الرجل الذى اثر ان يغيب والجمهورية فى بداية حرب ضروس وفى كل الاتجاهات لايعبا معها الناس بالموت العادى ولايجدون انفسهم معنيين بالسير وراء الجنازات..وفى شعره تجاهل الكثيرون تلك التجربة الرائدة التى لم تقع فى التبشير السياسى والخطابة الحماسية رغم سطوة الايديلوجيا بل راحت تبحث وراء البساتين والوديان والجبال عن مساحات مناسبة للتبحر فى جمال العالم وروعة كائناته..
لا اعرف لماذا عزفنا نحن الجيل الذى تلاه عن الاهتمام بذلك الشاعر اللماح والمكتظ بالشغف والشديد الرهافة فى اصغائه الى الطبيعة والانوثة ..اكثر ما يلفت فى شعر محمد سعد دياب الخشن نعومة ملمسه ..كان شعره فى طباق حقيقى مع اسمه شعر السعد واليمن والتفاؤل ..فيه ذلك الانسياب الهادى الذى يجعله مائى الحضورذلك الالتفاف المشبوب الى الانوثة والحياة الذى يتبدى فى قصائد مادلينا والشايل التلفون –ونكتب فى زمن الحزن فيه التجانس اللافت بين الشكل والمعنى بين الروحى والجسدى بين الايقاع وخلجات النفس وهو يتصادى مع التنغيم الجمالى الراقص لشعر صاحب الغابة –غابة الابنوس- ومع منمنمات نزار قبانى واحتفائه بالمراة والحب مع فارق نزوع شعر محمد سعد دياب للبراءة والتى يبدو ان منشاها دينى على الارجح..
ينحدر شعر محمد سعد من مصادر ريفية الهوى والمنشا علما بان طفولته الاولى ام درمانية وظلت روائح التراب الاول عالقة فى اهدابه ومسامات روحه ..هكذا بدات الريفية فى شعره غير متصلة بالمكان فحسب بل بالزمان ايضا حيث تحولت الى بؤرة دائمة من الاشعاع المنبعث من جهة الماضى ..وهكذا يتكرر بحث الشاعر عن عوالم السعادة التى غربت وعن الدفء الاصلى الذى يجد فى الطفولة حاضنه الوحيد..هذا الحنين الى الماضى عنده ليس استقالة نهائية من العالم بل رغبة فى ايقاظه من جديد..
وكما هو شاعر الطبيعة فهو شاعر الغزل ايضا غير انه يرى الى المراة بوصفها حالة من احوال الطبيعة وبقى محمد سعد دياب فى منطقة وسطى بين جسدية نزار قبانى واثيرية شعراء الحقيبة حيث تظل المراة حضورا مترنحا بين الضوء والظل او بين الحضور والغياب..
على اهمية ما كتبه محمد سعد دياب من شعر الا ان مجموعته –عيناك والحزن القديم- تظل ذروة مسيرته وخلاصتها المصفاة..فهنا يتجه الشعر من البساطة الى التكثيف ومن الحوار مع الطبيعة الى الاتحاد بها ..مازجا بين الفكرى والوجدانى وبين الغناء ولغة الداخل فى ما يمكن تسميته بغنائية التصوف..الشاعر لايصل للتوحيد عبر مفهومه المذهبى الصرف عبر سبر عناصر الكون والاندماج فيه من خلال استقراء عميق لحقيقة الوجود التى لا تكف عن العودة الى بدايتها كلما شاخت مستفيدا الى ابعد الحدود من اشراقات ابن عربى وتجليات جلال الدين الرومى والعطار وسلطان العاشقين الصوفى العابد ابن الفارض وصولا الى العوالم الخصبة لنوفاليس الذى يرى بان كل شعور مطلق هو شعور دينى..
لابد من الاشارة اخيرا الى تجربة محمد سعد تقع فى قلب الحداثة وفنها لا عند اطرافها وهوامشها..لكنه لم يفهم الحداثة ركضا وراء الاشكال والتراكيب المفتعلة ولا غرقا متعمدا فى ضباب التهويمات بل محاولة جديدة لاكتناه لغز الوجود والوقوف على اسراره وخفاياه من خلال لغة مخاتلة تفصح عن نفسها حينا وتختفى حينا اخر وراء ستار شفاف من الرموز والاشارات ..
عندما بدا الصومال فى انشاء جامعة له ...وقع اختيار عبد الرشيد شارماركى رئيس وزراء الصومال على درتين من درر السودان المدرسين يومئذ بحنتوب الثانوية وكانا محمد سعد دياب وتاج السر محجوب ورفض محمد سعد الاغتراب ووقع الاختيار على تاج السر الذى انشا جامعة مقديشو ..وعبد الرشيد يعتبر ازهرى الصومال وقد سحقته دبابات الجنرال محمد زياد برى اخر ستينيات القرن الماضى..
كان محمد سعد دياب يعتقد ان الشاعر الحقيقى بالنسبة اليه هو بمثابة –ادم الجديد-الذى لن يرتاح حتى يعرف ما التفاحة ..كان محمد سعد صوفيا زاهدا وكانت امنيته ان يجاور وقضى ايامه الاخيرة فى المدينة المنورة ومات ودفن فيها ..رحم الله محمد سعد دياب فقد مات فردانيا ومتفردا وكان يرد دائما من منا لايكون وحدانيا عند الحب وعند الموت..

Post: #2
Title: Re: محمد سعد ذياب شاعر حزين غارق في وحل الصعيد
Author: الطيب شيقوق
Date: 11-13-2006, 03:13 AM
Parent: #1

حبابك حبابك جاينك بالعديل والزين ابشر


مودتى

Post: #3
Title: Re: محمد سعد ذياب شاعر حزين غارق في وحل الصعيد
Author: البحيراوي
Date: 11-13-2006, 03:14 AM
Parent: #1


العزيز أحمد حماد إدريس

لك التحية وأنت تطوف بنا في هذا الصباح ما بين الأحزان النبيلة والأفراح الجميلة ولعل شاعرنا الراحل المقيم قد زين الأحزان برغم سوادها بشجو الكلمة وهمسها الرنان حتي تكاد تنزع منك الحزن حينما تقال وعلية الرحمة والمغفرة وصادق العزاء لك ولكافة محبي شاعرنا الفذ ولأبناءه الكرام وأهلة في السودان .


بحيراوي