السماوات و الحب ليست هنا , و الهواء المعطّر ليس هنا....

السماوات و الحب ليست هنا , و الهواء المعطّر ليس هنا....


10-27-2006, 10:16 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1161940585&rn=0


Post: #1
Title: السماوات و الحب ليست هنا , و الهواء المعطّر ليس هنا....
Author: عبدالله شمس الدين مصطفى
Date: 10-27-2006, 10:16 AM

ليس عن الحب



لى سماءٌ غريبة
أتأملها فى الخفاء
و أهدهدها ساهماً فى المساء
و أغنى لها أجمل الأغنيات
بصوتى الأجشّ الذى لا يجيد الغناء
و أقول لها و أتمتم :
آه..ملاذى من القيظ و الزمهرير!
أنت يا مركبات الشروق التى تتحرك
بين السهول الغربية
و السهوب الفساح التى لا يراها سوانا
و التى فرشتها يدانا
أنت وحدك لا تجهلين
لماذا نخوض البحار سويا
و نغشى النجوم البعيدة
و لماذا نحب الجباه التى لم تطلها قدم
و الأمانى التى بعد لسنا نراها
و العيون التى تتمازج فيها
الجسارة و الحب و الغربة الهائلة
و نحب البواخر هدّارة فى أعالى البحار
و نحب نقاط الحدود و أحزمة الطائرات
ثم نرحل بين الحزون و نهبط فوق النيازك
فتحاصرنا النار تحت التخوم القديمة
و نقوم لنمسح أوجهنا فى السنين
التى سوف تأتى
و نقاتل هذا الزمان القبيح
فى حشانا
فى خطانا
و نحزّ براثنه القاتلة
يا سمائى الدخان الدخان
صار سقفاً لنبضى و نبضك
حائطاً خامساً فى المكان
جيفة فى الرياح تفوح
السماوات و الحب ليست هنا
و الهواء المعطّر ليس هنا
انظرى!
كلما نمنح الأرض من قلبنا
تصبح الأرض منفى لنا
و لأشواقنا....




عبد الرحيم ابوذكرى


مات أبوذكرى وحيداً فى شتاء العام 1990 فى موسكو إذ ألقى بنفسه من فوق البناية التى يشغل فيها شقة لم يعرف الضياء طريقاً إليها, لا ضياء الأصدقاء و لا ضياء المرح و الحب و السرور و لا ضياء الرفيقة التى كانت قد فارقته زمناً بعيداً, وحتى القصاصات و الأوراق الأخيرة و التى (ربما) كانت تحتوى على صور كتاباته فى عزلته تلك و التى كانت ستكشف حتماً نوع الحياة التى عاشها وحيداً فى سنوات عمره الأخيرة من بعد أن إنفض من حوله الرفاق و الأصدقاء, كان قد أحرقها قبلها بقليل أو فى اليوم السابق تحديداً لوضعه حداً لحياته على حسب إفادة جاره الباحث السورى و كأنه أراد أن يقول للدنيا هآنذا ارحل خفيفاً دون أثر كما جئت و لولا ديوان ( الرحيل فى الليل ) و بعض المواد المتفرقة هنا و هناك لما عرف الكثيرين الشئ اليسير عن قامة و هامة سامقة و رقم عاتى فى صفحة الأدب السودانى.
لكن لماذا هكذا, و بهذه الطريقة التراجيدية الهادئة دون صخب و لا إعلان, وكأنه أخطأ إتجاه الخروج فقصد النافذة أو الشرفة بدلاً عن الباب و حلّق قليلاً قبل الوصول إلى إسفلت الطريق القاسى مفسحاً و بالموت موطئً لنفسه وسط تيار المارة فى ذلك الصباح البارد. لماذا بهذا الشكل؟؟ هل هو و لفرط إعجابه ب(ماياكوفسكى) قرر أن يسلك نفس الطريق التى سلكها قبله كما ذكر الأستاذ كمال الجزولى فى كتابته عن خدين روحه و رفيق دربه فى أواخر ستينيات هذا القرن, و إن سلّمنا بانه إختار هذا الشكل و هذه الطريقة فى (الخروج) أليس من المعهود أن يترك المنتحرون و لو قصاصة صغيرة تقول للناس آخر كلمات وداع أو لعنة أو يأس !! المهم أى ورقة!!! فقد فعلها قبله الكثيرين إن لم يكن كلهم.
ثم لماذا المبدعين تحديداً هم الذين يختارون ذهابهم طوعاً؟؟ هيمنجواى , مايكوفسكى, خليل حاوى , اروى صالح و غيرهم ما لم تسعفنى الذاكرة بهم,, هل لأن المبدع يرى أكثر و أبعد من الآخرين, أم لأنه يرى جوهر الحياة دون تزويق و بلا أوهام , أو لأنه يكتشف و قبل الآخرين أكذوبة العالم الكبرى!!! ثم ماهى الكتابة و ما هو الإبداع أصلاً إن لم يكن محاولة دآئمة و مستميتةً لصياغة العالم وفق هندسة جديدة ذات أبعاد خاصة لا تخضع بالضرورة للأبعاد المعروفة و للأشياء المرئية المعهودة, صراع , الذاتى و الموضوعى , دبالكتيك الكون الذى يأبى إلآ أن ( لا يستوى عقلاً و لا شكلاً و لا موضوعاً ) و من ثم الدخول إلى حالة اليأس و الوهن التى تلى كل هذه المعاضلات, حين يكتشف المبدع بأنه قد عجز تماماً فى فهم أو تغيير الكون, و الأهم أنه قد فشل فى (معايشة) الدنيا كما يفعل الآخرون, حينها يقرر الذهاب, بغضب و عنف و صخب, أو بهدوءٍ و يأس و إستسلام, و ربما تحدد الوسيلة و السلاح الذين يختارهما الحالة النفسية للمبدع قبل رحلته الأخيرة و..بلا عودة.
أرجو أن يحرّض هذا البوست المختصين و الإختصاصيين فى إيضاح و تفسير, لماذا المبدعين و الفنانين تحديداً عرضة للإنتحار أكثر من غيرهم؟؟!! و لماذا هم الأكثر هشاشة إذا سلّمنا فرضاً بأن الإنتحار ما هو إلآ (جبن) و خوف من المنتحر؟؟.