وطن خلف القضبان: لوحة التكوين والمفازة

وطن خلف القضبان: لوحة التكوين والمفازة


08-17-2006, 12:20 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1155813639&rn=0


Post: #1
Title: وطن خلف القضبان: لوحة التكوين والمفازة
Author: خالد عويس
Date: 08-17-2006, 12:20 PM

طلبت مني جهة أن أرسل لها نماذج من أعمالي، وكنت نشرت بعض فصول رواية "وطن خلف القضبان" هنا. والآن بعد أن أجبرت على طباعة فصلين آخرين على الكمبيوتر (ويا لها من مهمة شاقة)، أنشرها هنا.


الفصل (36)
لوحة التكوين


الروح محشورة في ثوب الجسد.الآن، في قلب المتاهة،وخضّم البحر الهائج.الفرشاة تلامس لحظة الانعتاق، هول البرهة الأولى:سديم الخلق الأزلي.أتعرّى تماما لمعانقة اللحظة التالية، وارتياد اللون اللازم للتسكّع في مراياه.
قدري:وراء الباب. وفرشاتي تهيم في عالمها البديع مذ كشفت عنها الحجب.تطاردني ذاكرتي الماضية، وأدخل أرضا تتراءى لي أطيافها.لم تعد الألوان فوضوية لا تعرف قدرها.الغرفة محتشدة بي، وأنا أرنو إليه بقلبي.يدي راجفة على المجداف الأخير، وبصري غائب عن إدراك المحسوسات.
بدني:حمّى.البدن الذابل في قرطاس أبدي مكتوب فيه:أن يدرك جسامة بعثرة الروح الغاطسة في أسرار اللون الآخر.سر التكوين بلا فرشاة، فاللون الكائن في كن، قد كان.وارتسم الدهر.ورسمنا خطايانا.وأحطنا الروح بثوب جسدي هالك.ينتصب الجسد الأنيق بلا مراياه القديمة، محطما ذاكرة القطن.غوغان!!بابلو!!
الروح الأبدية قد دعت القدرة، فانتصب الجسد أمامك. انظر في أعماق العينين، لامس بأناملك حدود المرآة، عساك تذوب.قرّب عينيك إلى عينيها في المرآة.ستقترب بقدر اقترابك. هل تدرك شيئا؟التفت الآن،ذوّب أطيافك في اللون الأبيض، المرشوش على القطن السافر،مشدودا إلى وترين:قماش.ينسدل الشعر كما غابات.
ترتطم السرّة بذوائب الشعر،ويثور الكتفان.المرمر في لحظة ميلاد.الوجه تجمّع في آلاف الذرات التي تختزن النور، وتجمّع في آلاف الزهرات البيض.وأسراب حمام.وغابات.وسحابات.وقمم جبال شاهقة تحتضن الثلج.ومدن أسطورية.وسواحل خلجان يتجول فيها موتسارت بكمانته، تحيط به أحلى غادات الكاريبي. وقرنفل.ياقوت أحمر يلمع في الخدين.الثغر:إناء عسل،ينضح بالقشدة واللوز.
بلا شك، اللوحة أسطورية.ثم النهدان:حجران من سطح القمر.يشعان باستدارة كاملة وبهاء غريب.يرفلان في حلل الملوك،مجللين ببياض ناصع حتى إذا مسّهما رضيع،توهّج وجهه بالضياء.نهدان من فرط كبريائهما،لم يبصرا الأرض مذ خلقا.شاهقان كمسلتين فرعونيتين.العنق المطرّز بالجلال،كمئذنة اسطنبولية،يلتف حولها الزهر الأبيض.الصدر يشكو حمله إلى الخصر الموشّى بالجمال،يسفر عن فسقية ماء أثرية،محفوظة لفرط أناقتها في اللوفر.فسقية دقيقة التكوين،انسكبت عليها جرّة حليب.
أزلية التكوين.إبداع المخفيّ المخبوء،الغائص في مداراته الغامضة،يتأرجح بين الهملايا وسواحل جزر القمر.يتبدّى في غلالة رقيقة،ولا يفصح عن مكنوناته.سر من أسرار الخلق، وتكوين الأنثى.مكمن الرغبة الأزلية.لم نعد إلى الجنة،فاختبأت ثمرتها في معطف الأزهار الوردية.تتفتح الزهرة عن تلة ملأى بالكنوز والفراشات المزركشة والحرير.أفصح أو لا تفصح عن رغبتك في فض الزهرة،لكنك لن تغادرها،فالنحل يلسع مرة ثم لا يقاوم الرحيق!الرحيق العذب مختوم في أعماق الزهرة.
ثم الفخذان،عمودان من أعمدة الآلهة الإغريقية في آخر حجرات الأولمب.عمودان،أنفق دافتنشي في نحتهما آلاف السنوات،ولم يفلح،فانفجر الغضب المكبوت بفينوس،وجاءت بإزميلها لتنحت الرخام.
عيناي على اللوحة:تخترق العينين.العينان:بركتا حليب،مذوّب فيهما الليل.تسافر إليهما الطواويس،وتقعد فوق السطح آلاف العصافير.يسبح فيهما النهار،ويدندن الليل أغنيته الحزينة.ترقد في أعماقهما أحزان البشرية مذ ربطت يديها وهوت من قمة الجبل إلى أودية النار.ترقد المتاهة متحفزة لبقاء مجهول.ومروج خضر،وبروق.يهبط ليلهما في جوف المحراب،وتحيطان السر بإشارات ومعابد منسية.وفي أعماق الأعماق،يرتاح السر.بوحي بسرك أو...أكمل نجواي.
أنا أحدّق فيّ، بعد أن خلعت الفرشاة ألوانها – كما تعرّيت في البدء – وأسفرت اللوحة عن سرّ مكنون.عنوان الشيء الآفل دوما، والشيء الآخر معانقا الأبدية.حدّق في ذاتك،واخترق الشيء الآفل دوما،فالشيء الآفل دوما:طين!!
الآن أكتشف نفسي بنفسي،وأتعرّى من جميع صفاتي!
- أنا من أبصر في الليلة زيت الزيتونة،ورجا مولاه،وطوى في عينيه السرّ الأبدي، فباحت فرشاته ببعض الزيت،واندلق الخط الموازي.
حبس الشيء الآفل في خيوط القماش والرغبات المؤكدة.الفرشاة مرتعشة من فرط الرغبة في الكمال.واللون أسير نزوته الأولى لكنه الآن يخبىء تفاصيله في تفاصيلي المبعثرة أمامي،جسدا ينضح بالرغبات ويطرق أبواب القماش علّه ينفلت."ستبقى"!!
أحبسه في الفنار،وأرتاد اللجة.قبطان تائه التيه الأبدي.الشارع في مجازفة الروح الكبرى.روحي ظامئة،والجسد المربوط إلى حفنة ألوان تتسكع في غرف القلب،ومرايا القطن المزروع على شط اللوحة.اللوحة قنديل.وقناديلي تتدلى من بهو الروح.قناديلي أزمنة غابرة تسكب في روحي قبس الروح الأخرى:نيرفانا!!
- إلى أيّ شيء أفضى بهم الزهد يا شيخ آدم ؟
- إلى الأنس به.
- والزهد ؟
- الرضى عنه. الزاهد من قدر فترك.
خلف الأسوار:الجسد البائس في طينته الأولى.ترتجّ خلاياه.
وخلف الأسرار:ما أرفع شأني!!
أحدّق في فراغات القماش،وحذاقة التكوينات اللونية،وطعم الدهشة الفطرية:الآن حمّى البدايات..الطلسم.الآن أشرّع انعتاقي في وجهي، وجه الطين !!


الفصل (40) الأخير
المفازة


فتح الباب.دخل.أغلق الباب.نزع سرواله.قرأت الرغبة في عينيه.:آن دل دلين.اقترب.أتسامح، حتى قبل أن...أغفر له.حاول خلع ثيابي بعد أن تجرّد. ألامس السقف وأنظر.ريشي يهشّ ذرات التراب على السقف.تحته، خط مواز من طلسم ألوان غرقت في ليل التكوين يوم وقفت عارية.يداه على القماش المشدود على خشب لامع، يشتبك مع النسيج ويهتكه.يوغل في رحلته، وأنين القطن على نول آخر.يغرس بذورا في فجوة القماش، ويتكىء على الخشب.لوحة التكوين في انحدارها الشهواني.وهو لا يعرف الحد الفاصل بين المكن والفعل المخبوء في "كن".القماش بين يديه كان طريا، وانشق الحائط.ألمس السقف.أرفرف.الصحراء:طبول ومنشدون...يخرّ اللسان ويثقله السكر...الله حي.. حي قيوم!
ألسنة الجبال والوديان.الطيور الخضر تفتح بوابات الولوج. ذرات الرمال حبات لمسبحة لا نهائية. الجسد:ريشة.جذوع النخل تتمايل مع بوح الصجراء.أبوح:حي قيوم...الله حي! أبتلع الصحراء... وأمضي.
رواية (وطن خلف القضبان) لخالد عويس، 2002، دار الساقي، بيروت – لندن

رواية (وطن خلف القضبان) لخالد عويس، 2002، دار الساقي، بيروت – لندن

Post: #2
Title: Re: وطن خلف القضبان: لوحة التكوين والمفازة
Author: خالد خليل محمد بحر
Date: 08-17-2006, 12:52 PM
Parent: #1

الرائع/خالد
لن اقول شئ سوى إنه الابداع بعينه يا صاح,المزيد المزيد المزيد المزيد..........ونحن ننتظر.

Post: #3
Title: Re: وطن خلف القضبان: لوحة التكوين والمفازة
Author: Adrob wad Elkhatib
Date: 08-17-2006, 01:09 PM
Parent: #2

لن اقول شئ سوى إنه الابداع


وانا كمان وما اجمل هذا المفاز.....