عثمان شنقر: جون قرنق فئة نادرة من القادة

جون قرنق فئة نادرة من القادة

عثمان شنقر



في ذلك اليوم ، حين إصطفت الجموع البشرية الهادرة بالساحة الخضراء التي جاءت راجلة وراكبة وزاحفة وطائرة من اصقاع الهوامش وبيوت الصفيح ومدن الكرتون في الحاج يوسف ، الكلاكلات ، عد حسين ، امبدات ، الثورات ، دار السلامات وغيرها لاستقبال القائد جون قرنق دي مبيور والذي لسبب تعلمه لجنة الاستقبال لم يتمكن من مخاطبة هذه الحشود لعطل أصاب أجهزة الصوت فاكتفى بارسال إشارات معبرة بيديه كانت أكثر تعبيراً من اي كلام!
لا اعتقد ان هناك قائد او زعيم سياسي في تاريخنا السياسي الحديث استطاعت (كارزماه) استقطاب هذا العدد المهول من البشر الذي قدرته بعض الجهات الاعلامية بالملايين. فما هو السر في هذا الزعيم السياسي الفذ ؟
وأي قدرة هذه التي استطاعت استقطاب هذا الوجدان السوداني الصعب ؟ ومن اي مكان جاء هذا الرجل ؟ والى اين يذمع الرحيل ؟ ولماذا اختفى من حياتنا بهذه السرعة (22 يوما في السلطة ، فقط لا غير) ؟ ومن اين له القدرة على التأثير في الناس في هذه الفترة الوجيزة ؟ وكيف به اذا مكث 22 سنة عوضاً عن 22 يوماً ؟
يمكننا بالطبع الاستمرار في طرح هكذا اسئلة ما لا نهاية. ولكننا نشير بسرعة إلى حب الناس لهذا الرجل في هذه الفترة الوجيزة التي تمكن فيها من الاطلال عبر شاشة التلفاز اكثر من مرة ، فاستحوذ على حب وعطف وتضامن الناس معه ومع قضيته ، وحين اقول (الناس) اعني جموع وشعوب السودان بمختلف مرجعياتهم السياسية والاجتماعية والاثنية ، بالذات اولئك الشيوخ من الرجال والنساء ، القابعين والقابعات في البيوت لاهم لهم او شغل سوى متابعة الاخبار من شاشة التلفزيون.
نعود لتلك الاشارات التي كان يبعثها الرجل تحية لتلك الجموع الهادرة التي خفت لاستقباله ، وهي إشارات بقدر مافيها من لطف وبشاشة فيها الكثير من الذكاء والالمعية. الرجل يعرف كيف يستخدم يديه حين يغيب التعبير بالكلام لأي ظرف من الظروف الطارئة ، وهذا مالم يعمل له المتواطئون الذين خربوا اجهزة الصوت ، حساباً .
ثم ان الرجل يمتلك وجهاً عامراً بالتعبير ، مليئاً بالاشارات الذكية .. وجه به الكثير من التعابير الطفولية العابثة ، والكثير من تعابير النضج العسكري الصارم ، والقليل من الخبث الثعلبي !
.. وقلنا ان الرجل من فئة القادة النادرين في هذا الزمان ينتمي إلى عصر آخر غير عصرنا هذا.
ولعل هذا يفسر غيابه السريع من الساحة ، في لمح البصر مفسحاً المجال لغيره من زعماء هذا الزمان !

www.alayaam.info