الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه

الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه


07-12-2004, 02:21 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=6&msg=1104780341&rn=8


Post: #1
Title: الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه
Author: mekki
Date: 07-12-2004, 02:21 AM
Parent: #0

بعد ان عجزت تماماً عن ايجاد هذا البوست من الأرشيف اعيد نشره مره أخرى لأن لدى ما أود قوله

Post: #2
Title: Re: الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه
Author: mekki
Date: 07-12-2004, 02:23 AM
Parent: #1


مقدمة:
الفهم المغلوط للحديث الشريف: أذكروا محاسن موتاكم...قد جعلنا نرسم صورة خيالية زاهية لتاريخنا العربى والإسلامى المجيد...!ه
فالحجاج إبن يوسف السفاح الذى ازهق الأرواح وهدم الكعبة المشرفة..هو ذلك الرجل الصالح الذى وضع النقاط فوق حروف القرآن الكريم....ويزيد إبن معاوية الباطش الذى فض فى عهدة الف غشاء بكارة لعذراوات المدينة المنورة..هو ذلك الخليفة المعصوم الذى فتحت فى عهدة الكثير من الأمصار والتخوم....!ه
وحتى قاراقوش الذى ضُرب فية المثل الشهير...إنبرى من يدافع عنة...ويزيل عنة التهم التى الصقها به-جزافا- العوام...وعوام العوام....!ه
والنتيجة: امة عربية وإسلامية طيبة القلب والسريرة..تحمل الحنان والحب..رحيمة فيما بينها...وإنة لولا الدسائس والمؤامرات من الصهاينة ومن شايعهم...لسبقنا الروس فى الوصول الى سطح القمر...أو جبل (قاف) كما غالط بعض من مشايخ الصوفية الذين لا يأتيهم الباطل من خلفهم...أو من أمامهم...!ه...............................
فى هذا البوست ستجدون بعضا من خروج عن هذا المألوف.......!ه

Post: #3
Title: Re: الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه
Author: mekki
Date: 07-12-2004, 02:24 AM
Parent: #1


الحلقة الأولى: ود الدكيم حاكم بربر (العوير)...!ه
عندما كنت صبيا كان همى كل همى الإستماع الى حكاوى الحبوبات وعلى رأسهم الحبوبة هاجر قاسم راسخ (أطال الله عمرها)...والحبوبة نفيسة قاسم راسخ (رحمها الله)....كنا نتحلق حولهما عندما نذهب لقضاء الاجازة فى مدينة بربر....تتعدد الحكاوى وتتنوع: سيف بن ذى يزن...فاطنة السمحة والغول..تاجوج والمحلق...وحكاوى المهدية والتعايشة...!ه.....كنا نستمع بإستسلام وتصديق كامل...فلم تكن تُهَم العمالة والإرتزاق قد دخلت إلى قواميسنا فى ذلك الحين....!ه
يتمتع اهل بربر ببرود عجيب فى الدم..ودرجة لا نهائية من السخرية والتهكم....فإذا كنت غريبا عن المدينة وساقتك الظروف إليها...فإنك –دون شك- من المدروكين..حيث تتم القطيعة فيك وانت جالس بينهم...وتتبادل الضحكات معهم..دون ان تدرى أنك أنت المقصود....!ه..وقديما قال اهلنا: إحذر الباءين ..بربر وبارا....ه
وأهل بربر –بحالتهم تلك- عين لهم خليفة المهدى حاكما يدعى ود الدكيم..لم تجد الحبوبة نفيسة وصفا لة سوى: العوير...!ه
أغضبة أهل بربر-كعادتهم- ذات مرة فهددهم بأنة سيشرب البحر ويخلى بلابيطة برًّه...ه..وإنبرى لة اهل بربر يترجونة بألا يفعل فعلتة تلك...متضرعين لة بالمولى عز وجل...و بعد (حناسات) إنصاع الحاكم لرجاءاتهم..بعد أن وعدوة بألا يغضبوة مرة اخرى....!ه
ويحكى الشيخ مصطفى ود على الأحمدى...إنة بعد أن تم القضاء على المهدية قُبض على ود الدكيم...وجاء الية أحد أهل بربر بجردل من الماء وقال لة: إنت زمان هاوسنا بشرب البحر..بشرب البحر...كدى إنت الجردل ده بتقدر تشربوا؟؟؟؟.....فرد الية ود الدكيم: طيب أنت الكلام دة ما قلتو لى من زمان لية....؟؟؟!ه
وذات مرّة فقد ود الدكيم سَوْطة..فسألة اهل بربر اين نسى السوط..فأجابهم: نسيتو جنب هَرَارى..!ه
والهُرَار-والحديث لى- هو ذلك الشى الذى يتم التخلص منة عند عملية التبرز...!ه
ومن الحكاوى الأخرى أن ود الدكيم كان لا يؤدى فريضة الصلاة....وعندما سئل عن ذلك قال:أنا بحفظ القرآن من الحمدو...حتى النَّيس...إلا التِفِنْقِسْ قِدّام عُولى باقى لَى شين...!!ه
أو كما قال.....!!ه
ونواصل....ه

Post: #4
Title: Re: الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه
Author: mekki
Date: 07-12-2004, 02:25 AM
Parent: #1


الحلقة الثانية: سبى النساء.... وأخذ الغنائم
لم استطع-والحديث لى- التحقق من الإسم الأول لودالدكيم-المذكور أعلاة....فبينما تقول الحبوبة نفيسة ان اسمة يونس, اورد محمد سعيد القدال فى كتابة تاريخ السودان الحديث ان اسمة هو عثمان الدكيم...ه
ويبدو أن جنود الخليفة فى غدوهم ورواحهم قد إرتكبوا كمية من الفظائع .. إذ ان معظم حملات المهدية(ود النجومى وجيش محمود ود أحمد) قد مرّت بمدينة بربر....ه
كما ان غضبة الخليفة من تهريب سلاطين باشا قد باء بها أهل السودان الشمالى...ه
ومن الفظائع التى حكتها الحبوبة هاجر...انة تم ربط الأطفال فى الخيل..ثم جروا بهم...وإضطر الكثيرون للتحصن فى الخلاوى وقراءة القرآن...ووضع أهل بربر كنوزهم الثمينة داخل حفّاظات حديدية إستعصت على الجنود ولم يستطيعوا فتحها...وتحكى الحبوبة أن أحد الجنود قد دخل على منزل جدّهم وسأل من مفتاح الخزنة..وعندما لم يجدة حاول فتحها ا بالسيف..لكنة فشل..وذَهب راجعا...ه
كما دفن الكثيرون كنوزهم فى الأرض...ومسألة أن يجد عمال البناء كنزا مدفونا حتى منتصف القرن الماضى هى مسألة قد حدثت كثيرا...ه
وقد حلمنا ونحن أطفال بمسألة الكنز هذة كثيرا ..وشاركتنا امهاتنا أحلام اليقظة تلك...وكنا دائما ما نخطط ماذا سنفعل إن وجدنا الكنز...!ه
وقد كان نصيب المرأة من البطش كبيرا,,,إذ تعامل معهم جنود الخليفة بمفهوم السبى...وتحكى الحبوبة هاجر نقلا عن احدى قريباتها: ان ابوهن قد زيَّنهن (حلق لهن صلعة)..والبسهن ملابس الرجال حتى لا يسبوهن جنود الخليفة...ه
وكانت هناك إمرأة تسمى الشَفّة تحمل جرة سمن كبيرة..وعندما رأت جنود الخليفة مقبلين عليها..شربت كل الجرة حتى أغمى عليها,,ودخل النمل فى انفها..وظن الجنود انها قد ماتت...ه
لم يسلم الأطفال من البطش والتخويف...يحكى الشيخ عبد الرحيم الأحمدى وهو عاصر المهدية عند طفولتة انة تم القبض علية..واجبر على سقى خيل التعايشة من النيل بإناء صغير..وإنة (تكوهو) للذبح..لكنهم عفو عنة فى النهاية....ه

وتحفظ الحبوبة هاجر بذاكرتها الحديدية بعض ابيات للحاردلو شاعر الشكرية يعبر فيها عن التذمر الواضح:
خليفة المهدى يا ود أم شُمَّارة
تروح الكَلَكَة يوم جوك النصارى
وعُقُبْ إن دُرْ كدوس..وإن دُرْ سيجارة

وأبيات اخرى تحفظها عن ظهر قلب لنفس الشاعر:

زى الدود كرَّابُن
زى الشوك حُرَّابُن
قاطع الدرش عقابُن
وأسود يوما جابُن


Post: #5
Title: Re: الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه
Author: mekki
Date: 07-12-2004, 02:26 AM
Parent: #1


الحلقة الثالثة: تهريب سلاطين باشا....ه
مسألة الإستعانة بالأجنبى هى مسألة حتمية فى تاريخ الشعوب...إن هى فقدت الطمأنينة..والأمان من قِبَل حاكمهم الوطنى....!ه
وقد وجد اعيان السودان الشمالى ضالتهم فى سلاطين باشا أشهر أسير فى تاريخ الدولة المهدية...ه
وسلاطين باشا تم اسرة فى غرب السودان قبل إنتصار الثورة المهدية...وسيق فى حملة المهدى لفتح الخرطوم...وإستمر بقاءة حتى عهد الخليفة عبدالله التعايشى...وقد إدعى دخولة الإسلام...وايمانة بفكرة المهدية...لكن يبدو أن الخليفة الداهية-التعايشى- كان يعرف حقيقة سريرتة...حيث كان ينادية بعبارة: شِويطِين باشا كما حكت الحبّوبة نفيسة....ه
وقد إحتفظ الخليفة بسلاطين باشا لعدة اسباب أولها التأثير النفسى على رعيتة...فكأنة-والحديث عن الخليفة- يقول لهم أن حاكِمَكُم الأبْيَض هو أسير عندى وتحت سطوتى....وكان للخليفة مسيرات إحتفالية كثيرة على مدار السنة ...يركب فيها على صهوة جواد (فخم)...يتبعة سلاطين باشا راجِلاً حافى القدمين.....ه
وهذا التحليل وهذة الرواية قد اوردها سلاطين بنفسة فى كتابه السيف والنار...ه
ومن الإستخدامات الأخرى لسلاطين...إنة كان يعمل مترجما للإنجليزية...إذ ان الدولة المهدية بكل صولجانها-والحديث لى- لم يكن بها من يعرف اللغة الإنجليزية.....!ه
وفى مسألة تهريب سلاطين باشا تحكى الحبوبة هاجر:
أن سلاطين قال للخليفة انة يشعر بآلام فى بطنة..ويريد أكل العُشْبَة لأربعين يوما....ومن عمال المهدية الذين ضلعوا فى تلك (المؤامرة): إبراهيم ود حمزة, حامد ود أب لكيلك..وود الفحل....ه
أول ثلاثة ايام جهزوا لة الرواحل...ثم قام ود الفحل - والحديث ما زال للحبوبة هاجر- بتوصيلة لمنطقة الجعليين...ثم حامد ود أب لكيلك لأبى حراز...ثم بعد ذلك قام إبراهيم ود حمزة بدورة بتوفير جِمَال وعَرَب من قبيلة العبابْدة الذين يخبرون درب دنقلا جيدا....ه
وكما تلاحظون-والحديث لى- أن كل سلسلة المتآمرين هى سلسلة سودانية بحتة...!ه
ومن ملاحظتى الخاصة عند قراءتى لكتاب السيف والنار لسلاطين...انة لم يكن يعرف معرف دقيقة عن التكتيك الذى استعمل لتهريبة...وقد أضاءت حكاية الحبوبة هاجر بعض النقاط التى فاتت على سلاطين نفسة...ه
وفى تحليل الحبوبة هاجر..أن تهريب سلاطين باشا هو السبب الرئيسى الذى أتى بحملة (الإنقاذ) الإنجليزية بقيادة كتشنر...وتحكى ذلك بشى من الفخر...إذ ان إبراهيم ود حمزة-المذكور أعلاه- يمت للحبوبة هاجر بصلة النسب...ومن أحفادة الأحياء جعفر (العمدة) ود عبدالله ود إبراهيم..واخية العمدة مختار...وهما من أعيان قرية الباوقة غرب بربر...ومختار هو ممثل دائم للمنطقة فى الجمعية الـتأسيسية لكل العهود الديمقراطية...وقد غَنَّت لة الحِسان: خايلة المَلَكَة فوق مُختار....ه
وقد كان مصير هؤلاء (المتآمرين) صعبا للغاية إذ زج بهم الخليفة فى سجن يسمى بالساير..وهو- على حسب وصف الحبوبات له- لا يقل سوءا عن سجن أبو غريب بالعراق...!ه
وأول شى فعلة سلاطين باشا –كما تحكى الحبوبة نفيسة- انة أمر بفك المساجين من سجن الساير...لكن إبراهيم ود حمزة لم يمكث فى الحياة طويلا بعد ذلك...ه
والحقيقة ان كل قبائل السودان الشمالى لم تقصِّر فى معاداتها للمهدية...إذ يحكى الشيخ بابكر بدرى فى انهم عانوا معاناه شديدة من الشوايقة عندما ذهبوا كجنود فى حملة ود النجومى لفتح مصر...فكيف انهم-والحديث عن الشوايقة- قد دفنوا الغلال فى المطامير....وتحالفوا مع الانجليز وحرموهم شرب الماء من النيل....وقد أنشد شاعرهم:

مهير وود هاوس أب حيلةً شديدى.....حجر الموية خلّى الكوز مجيدِى

و وود هاوس هو القائد الإنجليزى الذى تصدى للحملة...والمهير المقصود هو بابور البحر...أما الريال المجيدى (نسبة للسلطان عبدالمجيد) فكان بمثابة العملة الصعبة فى ذلك الزمان....ه
والحقيقة لا أخفى عليكم سرا-والحديث لى- إن قلت لكم اننى قد شاركت الحبوبات فى التعاطف مع حملة كتشنر..فالأطفال-بطبيعتهم العفوية- لا يحبون الظلم....!ه...وقد كنت أتابع فم حبوبتى نفيسة بكل تشفى وهى تحكى: الإنجليز حصدوا التعايشة بالرصاص طَطَ طَطَ طَطَ طَتْ.......!ه

Post: #6
Title: Re: الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه
Author: mekki
Date: 07-12-2004, 02:28 AM
Parent: #1


الحلقة الرابعة: علاقة مهزوزة بين الحاكم والمحكوم.....ه
لا أنظر للدولة المهدية-والحديث لى- إلا انها كشكل من اشكال الحكم القبلى...طغت فيها القبائل المقربة من الحاكم على القبائل الأخرى....ه
وقد بدأت تلك الإشكالية تظهر منذ حياة الأمام المهدى...وكان الأشراف- أهل المهدى -قد طغوا وبغوا على الناس...وفى آخر خطبة للإمام المهدى (وكانت يوم الجمعة 12 يونيو 1885)...وبعد أن فرغ من الخطبة وهمَّ الناس بالوقوف أشار اليهم بيدة وقال أجلسوا ثم نادى بأعلى صوتة:
"إنى مللت من النصح لأقاربى الأشراف الذين تمادو فى الطيش والغواية وظنوا أن المهدية لهم وحدهم ثم مسك ثوبة ونفضة ثلاثة مرات وقال انى برئ منهم فكونوا انتم شهودا علىَّ بين يدى الله تعالى"...(نعوم شقير)
وبعد وفاة المهدى دان الأمر لقبيلة التعايشة والقبائل المتحالفة معها:
"إعترض الخليفة على قيام عشيرتة بالزراعة..لانها من الأعمال الوضيعة التى لا تليق بهم,وكان يريد التعايشة ان يظلوا صفو ة حاكمة بعيدين عن الأعمال اليدوية التى يعتبرها أمرا محتقرا ومن شأن العبيد, لذا عارض نزعة الأستقرار التى اخذت تنتشر وسط الجهادية والمقاتلين, وأمر بإتخاذ اجراءات رادعة ضد تلك النزعة" (محمد سعيد القدال تاريخ السودان الحديث).ه
وقد ابعدت كل الأجناس الأخرى عن المراكز الحساسة للدولة فأقرأوا –معى- ما كتبة الخليفة لعاملة عثمان آدم "جميع اولاد الريف لا تمكنوهم من أموركم المهمة لأننا نحن هنا لم نمكنهم من أمورنا بل نشغلهم بالكتابة على قدر اللزوم بدون دخل لهم فى شى آخر" (نعوم شقير)
ولم تكن هناك -على ما يبدو-أى علاقة احترام تربط بين القبائل فى ذلك العهد :
"التعايشة أولاد نبى الله عيسى, والجعلى ما أكثر حديثة, والشايقية شرّابين المريسة, والدناقلة أكّالين الفطيسة, وأولاد الريف عين الكديسة" (نعوم شقير)
وكانت الشفافية بين الحاكم والمحكوم معدومة تماما...فأنظروا-معى- الى ما اوردة الشيخ بابكر بدرى:
" كانت العادة أن يركع صاحب الظلامة امام الخليفة او من يمثلة ويضع طلبة فى لفة عمامة واثناء ركوعة يؤخذ الطلب من على العمامة للنظر فية"
ومن تداعيات حرب الجعليين مع جيوش محمود ود أحمد اورد الجد بابكر بدرى الحكاية التالية:
أن داؤود احد ملازمية يعقوب اخو الخليفة...عندما سمع بالبوابير أتت من جهة شندى تحمل أسيرات الجعليين قال: كَبْ أمشى لى خليفة المهدى يدينى جعلية أسويها سرية...لكن أن الامير يعقوب أمر بفك النساء وتوزيعهن على معارفهن...!ه
وهذة الحادثة-والحديث لى- تعبر عن عقلية كانت سائدة...وهى تتسق مع ما اوردتة الحبوبة هاجر أعلاة..حيث ان الأمير يعقوب-جراب الرأى- بحكمتة لم يكن متواجدا فى كل التخوم مثل بربر وغيرها....!ه
وعلى الصعيد الاخر لم تقصر القبائل الأخرى فى معاداتها للمهدية...وقد استخدم الخليفة وسائل متعددة من البطش والتنكيل...وقد إستطاع الخليفة-بحكم آلتة العسكرية و(الأستخبارية) المتقدمة- السيطرة على كل تمرد...ه
ومن وسائل الخليفة الأساسية كانت الأستدراج والغدر ومن الأمثلة عملية استدراج محمود زايد شيخ الضباينة والقبض علية بواسطة عوض الكريم كافوت عامل الخليفة....وقد عبر الحاردلو شاعر الشكري عن تلك الحادثة بالأبيات:

يا شايل الجواب وديهو للحمرانى
وقول ليهو الزمان مثل الكلب سوّانى
أكتب لى جواب يا صاحبى لا تنسانى
ولد زايد يقول ظاهر الأمان غشّانى...ه

ويحكى أهل بربر أن احد الحيران قد سأل الشيخ الجعلى الكبير: أنت يا شيخنا صحى الخليفة من أهل الحَضْرة...فأجابة الشيخ الجعلى: أكان الخليفة ما من أهل الحضرة..دحين بيَدْهَكْ جِنِس دَهْكو دة؟؟!
وليس مستغربا-إذا- أن تنشد الشاعرة بعد واقعة كررى فَرِحَة:

الليلة هاى قلبوها تركية...
ود تورشين شرد...
رقدوا الملازمية.....ه

Post: #7
Title: Re: الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه
Author: mekki
Date: 07-12-2004, 02:29 AM
Parent: #1


الحلقة الخامسة: صورة سالبة للدولة السودانية
أذا نظرنا للنظام الإقتصادى للدولة المهدية فنجد أن الوضع كان لا يخلو من سوء...ه
وقد أصدرت الدولة عملة سيئة الصنع ..وجدت الرفض من الجميع وقد اسميت بالبداجورة "اى ظهر جورة وظلمة" (محمد سعيد القدال تاريخ السودان الحديث).
وقد استحدث نظام زراعى سمى بنظام التزرعة فى زمن الخليفة...وهو نظام يقوم الناس فية بزراعة الأرض مشاركة مع بيت المال..ثم يقسم المحصول بين المزارع وبيت المال . وتُرِك نصيب الدولة لعامل كل منطقة إما ان يكون النصف او الربع...وقد أدى نظام التزرعة الى احتكاكات بين العمال والقواد العسكريين..وقد عبر الحاردلو عن ذلك السخط بالابيات

ناسا قباح من الغرب جونا
جابوا التزرعة ومن البلاد مرقونا
أولاد ناس عزاز متل الكلاب سوونا


ويبدو أن العمال قد تجاوزوا فى تقديراتهم لجمع الزكاة وحملوا الناس ما لا طاقة لهم...فأرسل لهم الخليفة رسائل تحثهم على عدم الإثقال على الناس وهذا نموذج لإحدى رسائلة:"بلغنا ان بعضا منكم ضيقوا على اخوانهم المؤمنين غاية التضييق وعاملوهم بمحض الجور والظلم, حتى صاروا يكررون اخذ الحقوق من غير وجة شرعى, وكلما تحصلوا من طائفة تبعتها طائفة أخرى...حتى حصل الغدر والظلم على الأهالى واداهم ذلك الى سوء الظن بالمهدية (محمد سعيد القدال...تاريخ السودان الحديث)ه
تحدث الشيخ بابكر بدرى عن الظلم الشديد فى جباية الضرائب... وبعملية حسابية اوضح ان النظام الضريبى كان يُبقى للتاجر 6 أجزاء من كل 60 جزءا....!ه وكيف انة بذكائة الخارق قد إحتال على عمال المهدية...إذ انة فى احدى رحلاتة لسواكن قد كلف السمكرى بصناعة قِدْر تحتوى على جزأين : جزء توضع فية رائحة الفلور دمور الغالية وهو الجزء الأكبر...وجزء مفتوح مع فوهة القدرة توضع فية الروائح رخيصة الثمن مثل السرتية...فيظن عامل المهدية ان القدر تحتوى على السرتية فقط...!ه
وقد تساءل الشيخ هل هو مخطى فى فعلتة تلك؟...وقد جاوب على سؤالة بنفسة: الهم لا....!ه
ومن صور اهمال الحاكم لواجباتة انة انتشرت الأمراض والاوبئة فى امدرمان المدينة واسعة التعداد
السكانى...ففى عام 1885 (زمن حياة المهدى) انتشر مرض الجدرى...وقد عبر الشاعر عن ذلك:

قُل للوباء وابن دُنقل قد جزتما الحد فى النكاية
فترفقا فى الورى قليلا...فى واحد منكما كفاية

وكانت مجاعة سنة ستة كتتويج لتسيب الدولة..وإهمالها فى واجباتها الأساسية...وقد بلغ الأمر من السوء مبلغا عظيما:
قال عمر بك ابوسن كنا نقصد رفاعة وفى الطريق عرجنا على قرية تسمى ود عشيب فوجدنا ابواب منازلها مقفلة ولا يسمع فيها صوت إنسان فعمدنا الى باب دار وخلعناه فإنتشرت رائحة منتنة فأوقدنا نارا لنرى ما الخبر فإذا بأهل المنزل رجالا ونساءً قد رقدوا على اسرتهم موتى (نعوم شقير)
وقال احد الثقاة " دخلت ذات يوم منزلاً فوجدت إمرأة تطبخ فى قدر فكشفت القدر فإذا فيها يد عروس لا يزال عليها اثر حناء فسألتها عن ذلك فقالت انى دخلت ليلاً على عروس فلان مع فلان وفلانة فوجدناها قد أشرفت على الهلاك جوعا...فذبحناها وإقتسمنا لحمها للتقوت به (الحادثة حدثت فى كسلا إمارة حامد على البقارى)(نعوم شقير)
وليس غريبا-إذا- أن يتقهقر سكان السودان من حوالى عشرة ملايين قبل الثورة المهدية الى حوالى أربعة ملايين بعد الثورة (حسب ما أورد نعوم شقير)....!ه

Post: #8
Title: Re: الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه
Author: mekki
Date: 07-12-2004, 02:31 AM
Parent: #1


الحلقة السادسة: فشل التطبيق وإهتزاز العقيدة
ولأن الشيخ الجد بابكر بدرى يتمتع بعقلية مفكرة جبارة... قد راعة التناقض بين شعارات الدولة (الرسالية) التى كان يتمناها...وبين ما عايشة من واقع مرير ...وقد حكى الحكاية-واسعة الدلالات والمعانى- التالية(وهى حدثت أثناء معركة كررى):
"قلت لمن معى: إذا جرح منا احد سأجرح معة ويحملنا الباقون فننجو ما دام ذلك جائزا"...ثم واصل:
"قلعت الراية وجرينا معها حتى وصلنا الرمل فرقدنا أجمعين فى صف واحد- أصدقك أنا الذى كنت أتعرض للوابورات ولا أبالى بلقاء الجيش وانا الذى هاجرت لفتح حلفا من ضمن تسعة رجال فقط, صرت اليوم ادْعَك وجههى فى الرملة, كأنى إذا دخل رأسى لا أموت إختناقا....ذهلت من حالتى تلك لشدة خوفى من الموت الذى كنت أتمناة فى ذلك الموقف"(تاريخ حياتى الجزء الأول الطبعة المحققة ص 312)...ه
ومن صور اهتزاز العقيدة الحكاية التالية التى اوردها نعوم شقير وهى لا تخلو من طرافة:
" فى أوائل 1900 ظهر رجل يدعى على عبد الكريم الدنقلاوى ادعى انة من يوم واقعة امدرمان أن اعمال التكليف قد انتهت فمن كتبت لة السعادة فقد سعد ومن كتب لة الشقاء فقد شقى ونهى انصارة عن الصلاة والصوم....وعلمهم أن يسلموا هكذا: الحمدلله...فيجاب: فى رضاء الله...وقد قال اصحابة: جيت لينا بالخير وبطلت لينا الصلاة أم دِنْقير"

Post: #9
Title: Re: الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه
Author: mekki
Date: 07-13-2004, 06:03 AM
Parent: #1


رؤية تحليلية أولى: نحو مفهوم واقعى لمسألة الوطنية.....ه
إنتهى السرد التاريخى..ولا بأس-يا أخ الزنجى- من محاوله للنقاش التحليلى.....ه
يقول الرسول (صلى الله علية وسلم): "خيْرُكم خيْرُكم لأهله"
وتيمناً بحديث الرسول الكريم أقول: "خير الحكَّام ...خيرهم لشعوبهم"
وبنظره موضوعية لتاريخ الدوله المهديه..نجد أنها فشلت فى توفير العيش الكريم للمواطن السودانى...ولا أجد دليل على ذلك أكثر من الإحصائية التى أوردها نعوم شقير : أن سكان السودان قبل المهديه كان حوالى 10 ملايين..وبعد المهديه وصل الى 4 ملايين....!...وهى إحصائية تتسق مع حيثيات السرد التاريخى أعلاه...ه
لقد كان يحلم قادة الثورة بتصديرها للخارج..فإذا هم يصدرون ملايين الأنفس السودانية-لكن- نحو الآخره....ه
إنجر معظم محللين التاريخ الى المفهوم الضيق للوطنيه...إذ إقتصر تعريفها حسب جنسية الأم...! ..(الخليفه التعايشى كان من أب غير سودانى)...ه.....
..........لكن....ه
ماذا لو لم يقدم الحاكم الوطنى شيئا سوى الدمار....ه
وماذا لو إتفقت مصلحة المواطن مع مصلحة الأجنبى...ه
وماذا لو قدّم الأجنبى التكنولوجيا والحياه الواعده...فى مقابل العوز والتخلف من قِبَل (الوطنى)....؟ه
كلنا يذكر جيداً رمزى كلارك وهو-للذين لا يعرفونة- مواطن أمريكى الجنسية أدان ضرب حكومته لمصنع الشفاء...وجاء الى السودان وشارك فى المسيرات الحاشده ضد حكومته....!!ه
ولم يكتف بذلك..بل قام-ايضاً- بزيارة العراق قبل الحرب...وعضّد موقف الرئيس العراقى ضد الرئيس الأمريكى...!ه
ورجع رمزى كلارك الى أمريكا دون ان يتهمه أحد بالعماله للحكومه السودانيه...أو بالإرتزاق لمصلحة الرئيس العراقى.....!ه

Post: #10
Title: Re: الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه
Author: mekki
Date: 07-14-2004, 05:11 AM
Parent: #1


رؤيه تحليليه ثانيه: عجلة التاريخ لا ترجع للوراء...!ه
فى تحليلهم لأسباب هزيمة جيوش المهديه فى موقعة كررى..إنجر الكثير من المحللين لسبب الهجوم النهارى...فقد نصح عثمان دقنه الخليفه التعايشى –حينها- بأن يهجموا على حملة كتشنر ليلاً...وقد رفض الخليفه فكرة عثمان دقنه كآخر خطأ إرتكبه فى حق نفسه وفى حق الدوله المهديه...ه
لكن-والإستفهام لى- هل كان سيسمح التاريخ بأن ينفذ الهجوم الليلى..ومن ثم إبادة حملة كتشنر؟؟!ه
ماذا لو هجم الخليفه ليلاً؟
ببساطه لن تكون هناك قوات نظاميه...
ولن تكون هناك جامعات...
ولن تكون هناك مستشفيات...
ولن تكون هناك خدمه مدنيه...
ولن يكون هناك مشروع جزيره...
ولن تكون هناك فرصه لوجود خزانات..
ولن تكون هناك سكه حديد...
كما كنا سنعتمد على إضاءة الفوانيس..بدلاً عن الكهرباء...
نحن مصنفين ضمن شعوب لا تعرف الفرق بين شجاعة الدُواس...وشجاعة تحمل آلام المخاض لإنتاج شئ يفيد البشريه...
لم نعى ذلك الفرق فى الحاضر...ولم يعرفه أجدادنا فى الماضى...
لذا لم يسمح التاريخ بمسألة الهجوم اليلى تلك....!ه
ف "عجلة التاريخ فى دورانها يمكن أن تمر ببعض المطبات...لكنها لا ترجع للوراء مطلقاً"

Post: #11
Title: Re: الدولة المهدية بين صورة التاريخ الرسمى...وحكاوى الحبوبات...!ه
Author: mekki
Date: 07-18-2004, 06:08 AM
Parent: #1


رؤيه تحليليه ثالثه: هل نعيد كتابة التاريخ ؟
هناك أوجه مقارنه كبيره بين فترة حكم الجبهه الإسلاميه..وفترة حكم المهديه خصوصاً عهد الخليفه التعايشى..
لدرجة أننى ذهبت للإعتقاد بأن الخطأ الوحيد الذى إستفاد أهل الجبهه هو مسألة الهجوم الليلى...إذ هجم علينا عسكر الجبهه –بعد أن توكلوا على الله- ليلاً...!ه
الجهاد فى الشعب السودانى...النظام الضريبى القاسى...الحروبات الكثيره..معاداة الجيران...محاولة تصدير الثوره..الحرب مع الأحباش...توتر العلاقات مع مصر...تحدى العالم الأجنبى...وحتى حدوث المجاعات...!
لذا كثر حديث الجماعه عن إعادة كتابة التاريخ...يريدون تقديم (السبت) بتبرئة المهديه من أوزارها..حتى يجدوا (الأحد) من تبرئتهم لتكرارهم لنفس الأوزار...!
أليست تلكم وتلك ما هى إلا مطبات للتاريخ بعينه ...؟!
عند حديثنا عن إعادة كتابة التاريخ-والكلام لى- يجب أن نفرق بين شيئين:
الأول: أحداث التاريخ من حيث وقوعها ..مثل قتل الخليفه للزاكى طمل...أو ضرب أهل الجبهه للطلاب بالرصاص...
والثانى: تحليل أحداث التاريخ....ه
فالحديث عن إعادة كتابة التاريخ بمفهوم تغيير الوقائع وطمسها..شئ غير مقبول..وهو ما عناه أهل الجبهه بتكرارهم لتلك الأسطوانه...ه
أما الحديث عن إعادة تحليل احداث التاريخ لهو حديث منطقى وموضوعى...وهو ما قمت به فى هذا البوست...
و هنا يظل الباب مفتوحاً للنقاش والحوار...والإجتهاد...
مع تحياتى للجميع