كتب الدكتور جمال ادريس الكنين_ قبل الاتفاق +في امر الاتفاق الاطاري ما بين الحركة الشعبية والحكومة

كتب الدكتور جمال ادريس الكنين_ قبل الاتفاق +في امر الاتفاق الاطاري ما بين الحركة الشعبية والحكومة


06-10-2021, 06:01 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1623301302&rn=0


Post: #1
Title: كتب الدكتور جمال ادريس الكنين_ قبل الاتفاق +في امر الاتفاق الاطاري ما بين الحركة الشعبية والحكومة
Author: زهير عثمان حمد
Date: 06-10-2021, 06:01 AM

06:01 AM June, 10 2021

سودانيز اون لاين
زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم
مكتبتى
رابط مختصر



قبل الإتفاق

د. جمال إدريس الكنين

ملاحظات حول مسودة الإتفاق الإطاري للحركة الشعبية

هنالك عدة ملاحظات ولكن لضيق الوقت  سنركز المناقشة علي النصوص الأساسية في المسودة.

لا نعلم ماهي ملاحظات وردود الوفد الحكومي حتي اللحظة، وبغض النظر عن فحواها ندلو بدلونا في الهواء الطلق بملاحظات سريعة.

1 –  عبارة "الشعوب السودانية" ترِد مجازاً من بعض الناشطين وكذلك حينما يتحدث متعصبي الرياضة عن شعب الهلال والشعب المريخي  فهذا علي سبيل المجاز.  أما إستخدام عبارة "الشعوب السودانية" بدلاً من عبارة الشعب السوداني في إتفاقية تاريخية ورسمية،  أعتقد أن فيها تَزيُد ومزايدة  تُكَرِّسْ لمنهج تفتيتي ولا تخدم أي إتجاه توحيدي.  فحقيقة التنوع موجودة في كل شعوب العالم ولاتقتصر علي الشعب السوداني.

 التنوع والتعدد حقيقة نسبية غير ثابتة ومُتَحوِلة نحو المُشتركات بين مكونات الشعب الواحد في مسيرة التاريخ المشترك. إن حقيقة السودان بلد مُتعدد الأعراق والثقافات لا ننفي حقيقة أن الارض المشتركة والمصالح والسوق والتاريخ المُشترك(والصراعات المشتركة) تُنشِئ  مُشتركات وعناصر تماسُك في صيرورة المجتمع المُتعدِد ومسيرة بناء الدولة الواحدة لخلق الشعب الواحد في إطار تعدده وتنوعه النسبي. والصراعات الناشئة خلال التاريخ المشترك أياً كان منشأها دينياً،تجارياً أو غزو توسعي للموارد بين المجموعات المتجاورة  تلعب دوراً في بناء المشتركات لتكوين الشعب الواحد أو تلعب دوراً في التنافر لتكوين مجتمعات منفصلة تؤدي الي تكوين دول منفصلة عن بعضها.

الحقيقة الموضوعية والتاريخية أن الشعب السوداني في لحظته التاريخية الراهنة(رغم وجود صراعات إجتماعية نتيجة للتخلف و لقصور إداري وتنموي)  توفرت  له من  مُشتركات وعناصر التماسُك المجتمعي و البناء الوطني  مالا يمكن معه الرجوع الي ما قبل بناء الدولة الوطنية الواحدة لِننعَتهُ "بالشعوب السودانية"  إلا قسراً ومع سبق الإصرار والترصُد.

2 –  فقرة 2 " إصلاح القطاع الإقتصادي" نقطة 8  "التعويض عن الأضرار الناتجة من الإسترقاق والعبودية" : إن الرق والعبودية ممارسة مُدانة تاريخياً ويجب الإعتذار عنها للتعويض الأدبي والمعنوي وهي الآن مرفوضة ومُنقرِضة  ولقد زالت في العصر الحديث وإختفت من المجتمع السوداني طواعيةً بإرادة المجتمع وحكم الوقت ونتيجة للتطور التاريخي وإنتشار الوعي والتقدم الإنساني.

 أعتقد أن طلب التعويض عن الأضرار الناتجة من الإسترقاق  طلب غير منطقي بحكم أن الإسترقاق مارسته أقلية محدودة من المجتمع في زمان سابق وأصبح تاريخ  وكان نشاطاً تجارياً  غالبية المجتمع ليس لها علاقة به إلا بالنظر إليه كنشاط إقتصادي يزاوله القادرون الذين يبيعون والذين يتملّكون  و كظاهرة اجتماعية  في مرحلة تاريخية معينة من تاريخ الشعب السوداني. فكيف نُحمِّل المجتمع والجيل الحالي تبِعات ممارسة لأقلية إجتماعية إنقرضت .

من الواجب الآن التأكيد علي منع أي مظهر من مظاهر العبودية والإسترقاق وتجريم أي سلوك وممارسة عنصرية أو مُهينة إن كانت فعلاً أو قولاً. والإتفاق علي المواطنة المتساوية كمبدأ أساسي للبناء الوطني.

3- الفقرة 11 "العلاقة بين الدين والدولة":  النص علي "أن الدين وعناصر التنوع الأخري لاتُستخدم لتعريف وتصنيف الشعب السوداني "   هذا النص مقصود منه عدم تعريف  السودان بالمعايير الجيوسياسية والثقافية والعرقية كدولة أفريقية عربية إسلامية وهو التعريف المناسب الذي يختصر قضية الهوية ويعكس واقع موضوعي لاسبيل لإنكاره، وماهي السودانوية التي تنادي بها الحركة  إلا حاصل جمع الأفريقية والعربية والإسلامية  وهو حقيقةً تعريف سياسي قائم علي عناصر العرق والثقافة وذكر إسلامية هنا جزء من التعريف بالمعيار الثقافي والسياسي.فالسودان بحكم هذه المعايير هو عضو الإتحاد الأفريقي والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي كمنظمات سياسية.

الفقرة 11-3 " الفصل بين الدين والدولة".  إذا كان تعريف الدولة أنها هي الأرض والشعب والسُلطة الحاكمة  تكون الصيغة الصحيحة لعلاقة الدين بالدولة هي الفصل بين الدين وجهاز مؤسسات سلطة الدولة، حتي تقفل الباب أمام أي مزايدة للحديث عن إبعاد الدين من حياة الناس.

 الفقرة 1-4-1 " إنشاء نظام حكم علماني":  هنا يحدُث التشويش من  لفظ  العلمانية إذا لم يتم ضبط المعني وهي لها عدة معاني ودرجات منها:

1 – العلمانية الفلسفية والمعرفية: وهي لا تؤمن بأي معرفة خارج نطاق معرفة العقل، وحدودها العالم المحسوس وشروطه وقوانينه بدون أي مؤثر خارج نطاق هذا العالم  ولاتعترف بالمعرفة الدينية  أو أي شكل من أشكال تنظيم الدين للحياة.

2 – العلمانية الإجتماعية: وهي التي ترفض أي تدخل للدين في تنظيم المجتمع،  وفيها النظام الإجتماعي والتعليمي يقوم بعيداً عن أي تدخل للدين.

3 – العلمانية السياسية: وهي التي تفصل الدين عن السياسة  لتكون سياسة عقلية مدنية  تتنافس فيها البرامج السياسية لحل مشكلات حياة الناس ولاتسمح بقيام  أحزاب أو برامج علي أساس ديني للمنافسة علي السلطة. وهذا هو النموذج الذي يتناسب مع واقعنا السوداني . لأنه كماجاء الإتفاق في الفقرة 11-2  "أهمية الدين في حياة الشعب السوداني"   فهي تنعكس في قيم حياتية وتقاليد يصعب معها الحديث المُطلق أن لايقوم أي قانون مستمد من الدين علي إطلاقه هكذا، ونعلم أن كثير من الأحوال وقيم تنظيم العلاقات في المجتمع مُستمدة من الدين كقوانين الأحوال الشخصية. لذلك أعتقد أن الصيغة المناسبة هي ماجاء في الفقرة 2-3 من إعلان المبادئ الموقع في جوبا وقامت عليه هذه المسودة من الإتفاقية والفقرة تقول " تأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية ...الخ"

إن مثل هذه الصيغة من النصوص في المسودة  والحديث عن يوم عطلة مُحايد وغيرها،   وفي ظل واقع إجتماعي ثقافي مُتأثِر بالدين  ستُعطي جهات عديدة أسباب الحياة والإستمرار و المُبررات للتجييش والتعبئة ضد ما سُتسميه  بالعلمانية الرافضة لوجود الدين في حياة الناس. ونكون بذلك أوجدنا المناخ الملائم لظواهر وأفعال السودان في غني عنها.

مدنية الدولة وعلمانية السياسة مطلوب معها عقلنة الدين وتطوير خطابه وإعادة تفسيره بدلاً من إبعاده جزافياً  حتي لايعود إلينا في سمت داعش وبوكو حرام.

الفقرة 11-4 " الفصل بين الهويات الثقافية،الإثنية،اللغوية والجهوية عن الدولة".  

 لقد كان السِجال ومازال موضوعه فصل الدين عن الدولة  لحل الإشكال التاريخي  حول علاقة الدين بالدولة حيث ظل الدين مُشتبكاً مع الدولة في تاريخ وتجربة كل المجتمعات الإنسانية وتجربة الشعب السوداني مع النظام البائد. وتطبيق فصل الدين عن الدولة في أي صيغة يُتفَق عليها لا تقود إلي تفكيك الدولة . لكن الدعوة إلي "فصل الهويات الثقافية،الإثنية،الجهوية واللغوية عن الدولة". هذه جديدة وبِدعة لامثيل لها في تاريخ المجتمعات والدول وهي لا تصدر من موقف علمي أو منطقي بقدر ما هي تعبير عن مشاعر وحالة نفسية  تضع السودان علي طريق التفكيك ،حتي ولو تلبست لبوس السمتْ النظري والفكري الذي يريد أصحابه تطبيقه علي أسنّة الرِماح وشروط المنتصرين  لا بشروط الديمقراطية والنقاش الفكري الحر وروح الوحدة  والوطنية الصادقة.  

معروف بداهةً  "الهويات الثقافية" و"اللغات" التي يُراد فصلها عن الدولة كما بشرنا أحد "المُنظرِين" الذين جلسوا القرفصاء علي كتف الحركة الشعبية وتوعّد بتفكيك السودان  طوبة طوبة حتي يتسني له تفكيك ماسماها بالآيدلوجيا الإسلاموعروبية التي تهيمن علي السودان القديم . طبعاً علميًا لا وجود لما يُسمي بالآيدلوجيا الإسلاموعروبية إلا في خيالات البعض . إنما الموجود هو الحقيقة الموضوعية والتاريخية المتمثلة في الثقافة العربية الإسلامية  بحكم إنتشار الإسلام واللغة العربية ودورهما في تواصل وتقارب وتماسك المجموعات السكانية التي تقطن هذه الأرض  وفي بناء الدولة الوطنية. وعبر عن ذلك دكتور جون قرنق في شرحه لمشروعه (محاضرة لندن) بإستحالة إسقاط العروبة والإسلام من المعادلة السودانية ودورهما الأساسي في الثقافة والهوية السودانية  ووضّح أن مشروعه ينادي بإضافة عناصر أخري لهما وليس إزالتهما  لتصحيح المعادلة السودانية كما كان يري.  

“we will not drop Arabic culture heritage it is a main contribution of Sudanese culture and identity”جون قرنق

وتصحيح المعادلة السودانية  لن يتم بفصل الدولة عن اللغة التي تواصل بها شتات السودانيين وأصبحت هي اللغة المشتركة بينهم  والرسمية للدولة وهي لغة التفاوض الآن!!، وإقتراح الفصل بين الدولة والهويات الثقافية واللغوية  مقترح عدمي وصفري لا يستوعب حقيقة التطور التاريخي للمجتمع السوداني وقوانين بناء الثقافة المشتركة التي تكون اللغة إحدي عناصرها مع عناصر أخري مثل الدين والتقاليد والعادات والفنون وأساليب الإنتاج ، وكل المجموعات السودانية أسهمت في رفد الثقافة السودانية لتعطيها خصوصيتها الحالية. إن التعدد الثقافي حقيقة موضوعية نسبية ومُتحرِكة، والثقافة كظاهرة إنسانية مُتحرِكة ومُتحوِلة بالتأثير والتأثر بين المجموعات.ومن خلال هذا التحرك والتحول والتلاقح تتولد الثقافة المشتركة والهوية الوطنية الجامعة. جاء الأتراك بداية القرن التاسع عشر ووجدوا ثقافة وهوية مشتركة بدأت عناصرها في التَشكُل، ثم جاء الإنجليز نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين ووجدوا أن الثقافة والهوية المشتركة ماضية في صيرورتها وتَشكُلها من خلال إنتشار اللغة المشتركة والدين، وحاولوا بقانون المناطق المقفولة وقف هذه الصيرورة ونجحوا إلى حد ما  لكن لم يؤثر الوجود الإنجليزي بشكل جذري وإنقلابي علي الثقافة والهوية المشتركة كما فعلوا في مجتمعات وجدوا أنها لم تتبلور لديها ثقافة وهوية مشتركة ولم تتجاوز محددات ثقافة وهوية القبيلة والعرق، لذلك لم تجد هذه المجتمعات بعد إستقلالها غير أن تتبني لغة الإنجليز كلغة مشتركة ورسمية للدولة مثل يوغندا وكينيا ونيجيريا وكل دول أفريقيا جنوب الصحراء تبنّت لغة المُستعمر  لأن مجتمعاتها لم تكن قد بلورت لغة مشتركة. واللغة كائن حي تنتشر وتندثر بعوامل طبيعية حسب حاجة المجتمعات. لكن منها العنيف كما تم من التجربة الفرنسية في شمال وغرب أفريقيا إذ عمد الإستعمار الفرنسي علي إبادة معلمي الدين واللغة العربية في القرن التاسع عشر حين وجد أن لغة المعرفة والتعليم هي اللغة العربية بحكم إنتشار الدين الإسلامي. إن إنتشار أي لغة من اللغات  كما ذكرنا تفرضه عوامل منها حاجات السوق المشتركة والمصالح المتبادلة بين المجموعات المتساكنة ومختلفة لغوياً، ثم الحاجة للمعرفة والعلم بلغة المعرفة والعلم(الآن لغة المعرفة والعلم الأولي هي الإنجليزي). وفي تجربة السودان مع إنتشار الإسلام ظهرت الحاجة للمعرفة والعلم وهي كانت مُتاحة فقط من خلال المعرفة الدينية(الخلاوي والمسيد) ولغة الإسلام هي العربية وهذا دور الطرق الصوفية في السودان إذ لعبت دوراً أساسياً في تجاوز حدود العرق والقبيلة وجعلت من الدين الإسلامي واللغة العربية هما أساس الثقافة المشتركة والهوية المشتركة السائرة في صيرورة التلاقح بين جميع عناصر الثقافات السودانية الأخري لبناء مداميك الدولة الوطنية برغم تحديات البناء .

4 – الفقرة 12  "الهوية الوطنية":

إن  التنوع التاريخي هي بديهة وحقيقة موضوعية لأي مجتمع إنساني في تفاعله مع التاريخ وظاهرة تراكمية مستمرة  من خلال التأثير والتأثُر ينعكس في المُنتَج الحاضر(المجتمع) الذي سيكون تاريخاً في المستقبل. وهذا التنوع التاريخي هو سبب خصوصية كل ماهو سوداني  وخصوصية أي مجتمع آخر وليس وقفاً علي المجتمع السوداني ، حتي الإنسان الفرد ينطوي علي تنوع تاريخي خلال تجربة مسيرة تاريخ حياته من الطفولة والصبا والمراهقة والشباب والكهولة تظهر كلها في مجموع مميزاته وخصائصه الشخصية. فإن التنوع التاريخي ليس مُعطي غائب حتي نعترف به ، إنه موجود كبناء داخلي تراكمي ينعكس خارجياً في خصائص ومميزات المجتمع السوداني.

 لذلك لايوجد أساس علمي أو معرفي لفرضية  أن الإعتراف  بالتنوع التاريخي يستوجب إجراءات تلغي  الهوية الوطنية القائمة علي الثقافة المشتركة  أو اللغة المشتركة،لأن  فيها إلغاء لكل هذا التاريخ التراكمي المُشترك وفيها مغالطة تاريخية بالحديث عن الأحادية الثقافية  فالثقافة السودانية المُشتركة التي تعطي السودان مميزات شخصيته وخصوصيته  هي مجموعة من العناصر التي أسهم فيها هذا التنوع التاريخي لشخصية المجتمع(الفنون، العادات والتقاليد، الطعام،أساليب الإنتاج والعمل..إلخ)  التي ساهمت فيها كل المجموعات السكانية، لكن لدور اللغة والدين المحوري في ثقافة المجتمع المشتركة  يتوهم البعض أو يتعمدوا وصفها بالأحادية . لذلك التنوع التاريخي ليس موضوع أو أساس لفعلٍ ما. إنما التنوع المعاصر هو موضوع ومنطلق الفعل المطلوب.

نعم "الهوية الوطنية للدولة كمصدر للوحدة يجب أن تكون  شاملة ومعبرة عن الجميع لتعزيز الحس المشترك والإنتماء والإنتساب لكيان واحد".

نعم" يتم توظيف عمل الدولة لبناء هوية مشتركة ،ووضع ترتيبات عادلة وبناءة تسمح لجميع الكيانات السودانية المختلفة بمواصلة المساهمة فيها والإستفادة منها".

نعم "يجب أن يكون التنوع مصدراً للإثراء الثقافي والإجتماعي ورابطاً يؤسس للوحدة والتعايش السلمي".

 

5 – الفقرة 13 التعليم:

إذا كان لأسباب ودواعي معروفة في زمن النظام البائد إستخدمت الحركة الشعبية منهج أجنبي باللغة الإنجليزية. لانعتقد أن هناك مُبرر منطقي  لإستمرار اللغة الإنجليزية كوسيط للتعليم في منطقتي جبال النوبة والفونج . الشئ المنطقي هو ان تكون اللغة العربية وسيط للتعليم واللغة الإنجليزية تبقي مادة في كل مستويات التعليم. وإذا إحتج مُحتج بأن اللغة العربية ليست لغة أم  كذلك اللغة الإنجليزية ليست لغة أم لكن اللغة العربية هي وسيط الإتصال بين المجموعات السكانية في المنطقتين فمن باب أولي  هي الوسيط المناسب للتعليم وهذا يتسق مع منطق الأشياء.

6 – الفقرة 14 " اللغات السودانية":

إن اللغة أداة إتصال وتعبير وعوامل إنتشارها وإنحسارها واحدة في كل المجتمعات الإنسانية  ولها قوانينها التي تحكمها كما لكل ظاهرة في الكون قوانين تحكمها . في حالة تساكن مجموعات مختلفة لغوياً  تنشأ بينها مصالح وإتصال وسوق مشتركة لتسويق وتبادل منتجاتها  وتكون اللغة إحدي هذه المنتجات. واللغة التي لها قدرة علي تلبية حاجات السوق في الإتصال والتعبير لأعرض قطاع وكذلك لها قدرة علي تلبية حاجات المعرفة والعلوم (الدينية) كما في الحالة السودانية ومجتمعات أخري تشبهنا يكون من السهل إنتشارها إتساقاً مع قوانين المادة والطبيعة في التأثير والتأثُر.

في هذه الفقرة لا ذكر للغة العربية بالخير أو بالشر بل نصوص مُصممة لتحجيمها وتقزيمها وهي كما نعتقد واحد من مداميك البناء الوطني والجذور الأساسية لتثبيت السودان، وللمفارقة مسودة الإتفاقية تتعامل معها كأحد جذور الأزمة السودانية  وفي هذه الحالة أعتقد أن  الأزمة هي في منهج  تناول الأزمة وليس في البحث عن جذورها.

نعم جميع اللغات السودانية لغات وطنية يجب علي الدولة إحترامها وتعزيزها وتطويرها.

نعم لكل مجموعة لغوية الحق في تطوير لغاتها وإستخدامها كوسيط للتعليم الأساسي.

ولكن هل يعقل أن يجوز لكل مستوي من مستويات الحكومة إختيار إستخدام لغاته الخاصة.

نعم نظرياً ربما تكون كل اللغات السودانية لغات رسمية ولكن عملياً مستحيل ولايمكن أن تكون كل اللغات السودانية لغات رسمية.

إن اللغة العربية هي اللغة الوطنية الأولي والأوسع إنتشاراً بين أقوام السودان وعملياً وواقعياً هي المؤهلة لتكون اللغة الرسمية للدولة، ليس فرضاً أو قسراً إنما مُحصلة لحقائق وقوانين وحركة التاريخ، بعيداً عن الحكم بمشاعر الكْره والحب  وإنما بمشاعر الوطنية والمسؤولية التاريخية.

ملاحظات أخيرة:

أعتقد اللامركزية المالية يستحيل تطبيقها في دولة موحدة وديوان مراجعة واحد.

 تعددية القوانين في النظام القضائ  لاتسمح بالحق الدستوري في المساواة أمام القانون .

لامركزية القضاء غيرممكنة لأن القضاء هو أحد اركان السلطة الثلاثة في الدولة (السلطة التنفيذية،السلطة التشريعية والسلطة القضائية).

منهجية معظم نصوص المسودة  مُكرسة لتحجيم وتقزيم عناصر الثقافة السودانية المُشتركة  فهل الحركة الشعبية حاربت من أجل الحرية والديمقراطية و العدالة والإنصاف والتنمية المتوازنة والمواطنة المتساوية أم لمحاربة الثقافة العربية الإسلامية؟؟

الفقرة 1-4-2 " إعتماد آلية الإستفتاء كوسيلة من خلالها الحصول علي أراء السودانيين بشأن القضايا الوطنية المصيرية"   تتناقض مع معظم نصوص المسودة التي تسعي الحركة لفرضها بإتفاقية "كمبادئ فوق الدستورية"  حول قضايا مصيرية  بدون أخذ آراء السودانيين من خلال مؤتمر قومي دستوري أو آلية إستفتاء!!!

فزّاعة تقرير المصير:

الحركة الشعبية وضعت تقرير المصير كموقف تفاوضي مقابل العلمانية وفصل الدين عن الدولة، لكنه موقف غير قابل للتطبيق  ليس لأن الحركة تعوزها القدرات الذاتية أو الخارجية إذا حانت لحظتها التاريخية . لكن لأسباب عملية وذاتية تتعلق بالمنطقتين فمن الصعب تطبيق تقرير المصير إلا بغزو خارجي كماحدث في العراق.

هنالك حقيقة أساسية أن معظم مواطني جبال النوبة والنيل الأزرق مارسوا تقرير مصيرهم داخلياً في كل أنحاء السودان مثلهم مثل كل  السودانيين الآخرين المبثوثين في كل أنحاء السودان قادمين من كل أنحاء السودان بحثاً عن حياة أفضل .فأبناء النوبة يمارسون تقرير مصيرهم في البحر الأحمر وكسلا والقضارف والشمالية والعاصمة والوسط في الجزيرة والنيل الأبيض ويمارسون مواطنتهم بالمشاركة في العمل  والخطط الإسكانية وفي الدُواس إذا دعا الداعي.

إن منطقة الجبال بالتنوع الإثني واللغوي والثقافي والديني فيها  يجعلها تفتقد إلي التجانس المُشَجِع علي تقرير المصير. الشئ الذي يجعل من تحقيق  تقرير المصير  أمراً صعباً للغاية. والمفارقة هنا أن العامل المُشترك هو اللغة العربية والغالبية في الإسلام.

أخيراً نتمني للوفدين تفاوض سهل والوصول إلي نصوص عملية ومقبولة والخروج بإتفاقية تعزز فرص السلام والوحدة والتحول الديمقراطي لدولة مدنية ديمقراطية.