من أضابير الإغتراب

من أضابير الإغتراب


05-29-2021, 08:25 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1622316359&rn=6


Post: #1
Title: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 05-29-2021, 08:25 PM
Parent: #0

08:25 PM May, 29 2021

سودانيز اون لاين
ابو جهينة-السعودية _ الرياض
مكتبتى
رابط مختصر



إلى صديقي الذي ما فتيء يلعن الغربة ولكنه متشبث بها مرغما
***
الغربة طاحونة ، و حباتها ( المدقوقة و المدروشة بين رحاها هم المغتربين و ضجيجها يصيب أسرهم هنا و هناك فتجعلهم يعيشون في حالة من إنعدام الوزن ).
أهلنا في الشمال ، مارسوا الإغتراب منذ عهد الملكية في مصر ، الملك فؤاد ..
و منذ أيام الملك فؤاد و الدون جوان الأرناؤوطي فاروق ، أو قيل قبل ذلك.
سألوا أحد جهابذة الإغتراب ( و هو من عندينا ) :
ما رأيك في الإغتراب ؟ فقال : العشرة سنوات الأولى صعبة.
معنى هذا أن سنوات الغربة عندنا تقاس بالحزمة ( كالسنة الضوئية )،
كل حزمة تساوي عشرة سنوات.
يعني أربعين سنة غربة تساوي أربعة حزم و كل حزمة إغترابية تكون حبلى بالبحث عن كفيل أو عمل أو تأشيرة للذهاب و العودة بها أو طلبات لا تنتهي إن لم تنتهي كل الحزم بمرض السكر أو الضغط أجاركم الله و إيانا.
تسأل واحدة عن زوجها : متى يأتي ؟ فتقول لك : بعد نص حزمة.

لأنه لو قالت بعد خمسة سنوات ، الواحد بيشوفها كتيرة ، بالضبط زى ( الجنيه بالقديم و الجديد في هذه الايام غير المعروف وجهتها)
نحن أحسن شعب نختزل الزمن بصبر عجيب ،
حتى أن أحد الظرفاء قال ، إن المدفون في ذلك الميدان ( ليس أبو جنزير ) بل هو سيدنا أيوب عليه السلام ، جد كل السودانيين الصابرين، فرضعنا منه هذا الصبر الجميل و لم نفطم منه إلى يومنا هذا ، و تسرب إلى جيناتنا الوراثية ، فإنساب إلى شراييننا و تحكم في فصائل دماءنا.
كل واحد فينا شايل هموم نفسه وهموم اهله ، و هموم ناس تانين عزاز، و شايل قصص في راسه ، منها المضحك و منها المبكي و منها المضحك المبكي :

زولنا حمد ، زول سوداني ، فنجري الطباع ، فارع الطول كأجداده من سلالة تهراقا ، وسامته لا تخطؤها العين ، مشلخ شلوخا غائرة كخطوط المحراث في أرض بكر.
عندما إلتحق في الرياض بعمل لأول مرة قبل كم حزمة إغترابية ، سأله بدوي : ما هذه الشرطات على خديك؟
فقال له حمد مازحا و بهمس : أنا حأقول ليك بس ما تقول لي زول. في بلدنا الواحد لو ما قتل ليهو أسد أو نمر يعتبر ما راجل و ما بيعرسوا ليهو ، أها أنا صارعت نمر و قتلته ، و لكنو عمل فيني الشرطات دي.
البدوي تراجع مصدقا و هو يفتح فمه مندهشا و متوجسا خيفة. و لكنه لم يجهد تفكيره و يسأل نفسه : ما هذا النمر الذي يختار الجضيمات فقط و يقوم بتشريطها بهذا الإتقان الهندسي ؟
أوقف القدر في طريق حمد فتاة إسمها ( ريتا ) ..
فتاة جنسيتها ( خاتفة بلدين .. كلون بشرتها خاتف اللونين ) ..
فالوالد من قلب أثينا و الأم سليلة أمهرا ( بت عماً لي مادلينا ) فكانت للناظر متعة للعين و قلبه ، و الكمال لله ، كل شيء فيها بديع و جميل ،
حبشية ... أبوها إغريقي سليل هوميروس و أمها سليلة الأمهرا ، ولدت في أثينا ، و ترعرت في أديس ، و إغتربت في السعودية.
تتابعها بعيونك و أذنك عندما تتحدث و هي تحاول تقليد لهجتنا الحبيبة ،
فكأنها تتكلم و فمها مليء بحلاوة هريسة ،
و خاصة عندما تأتي بكلمة بها حرف العين ، فيخرج الحرف و هو شبعان من ريقها ، من جوة جوة الحلق. فتتمنى لو قالت أمامك طوال اليوم ( يا علوية عيونك عسلية ).
أحب حمد ريتا ، حبا ملك عليه فؤاده و لبه و جعلت مجاري شلوخه تتوهج كلمبة النيون و تمتليء بدماء العشق التي تغلى في عروقه. و بادلته ريتا حبا بحب. و ( الساعة الـ يقولو ليها حمد ، الكلام يكْمل و يقيف.)
قلنا له و نحن نظهر الشفقة و نضمر الحسد : دي ما معروفة مسلمة ولا مسيحية ، يعني أهلك ما حيرضو ..
لم يجعلنا نكمل تعليقنا الغتيت ، فقد قال و الشرر يتطاير من عينيه : و الله لو بقت راهبة ولا من السيخ ما بخليها...
تزوجها حمد

مازحه أحدنا بغيظ مكتوم و حسد بائن بينونة كبرى:
أولادكم حيطلعوا مشلخين جاهزين و إنت عامل لي شلوخك الغريقة دي.

المثل يقول ( البيحبك بيبلع ليك الظلط ) ، و لكن كان حمد بيبلع ليها الدراب و ( الكُرْكُتي ) و كتل الإسمنت المرورية.
فعندما دعانا لأول مرة لوجبة غداء ، قال لنا : ريتا عملت لينا أكلة سودانية بإيديها.
و حضرنا في الموعد المضروب ،
و نحن نشحذ أسنانا لإلتهام وجبة سودانية بأيدي أجنبية.
و حمد يدخل و يمرق ( كأم العروس ) تارة يستحث ريتا و تارة يمدح في ريتا و عمايلها السودانية،
ثم أتت الصينية مغطاة بطبق سوداني ، و عروق من الجرجير تتدلى معلنة أن المائدة ستكون عامرة ،
و إنكشف الطبق عن صحن ( ماكن ) يمكن أن يسبح فيه طفل عمره ستة شهور بحرية تامة ،
و داخله شيء أشبه باللحاف المطبق أو شملة الدخان قبل أن تصير قديمة ، أطلق عليه حمد إسم القراصة ،
كان لونه داكنا يميل للون الكاكي الغامق ، فقلنا ربما من نوعية الدقيق ،
و عندما سكب حمد ( الملاح ) و الذي من المفترض أن يكون ملاح الويكة ، إندلق سائل هلامي يمكن أن تحسب من خلال شفافيته عدد حبات الفلفل الأسود و حبات الويكة الناشفة و أجزاء من الماجي التي لم تذب في الحلة.
و إندلق السائل بعد عدة محاولات من حمد و كأنه يضع لك مرهم بنسلين في العين ،
و الذي غاظني و جعل الدم يصعد إلى نافوخي هو أن حمد ما إنقطع عن شكر هذا الهلام و هذا اللحاف القابع في طشت الغسيل الذي أمامنا :
قال و هو يبلع بنهم و تلذذ : بالله ما شاطرة إنو الواحدة تتعلم تعمل الحاجات دي و بالسرعة دي ؟
فقلت له متهكما : الكلام على الأستاذ يا شيف الهيلتون.
لم يفهم مغزى تهكمي و واصل إبتلاع الكتل العجينية و نحن نتسلى بالسلطة المليئة بالشطة الحبشية.
عند خروجنا ، قالت ريتا : الأكل عجبكم ؟
قلت لها و أنا أفكر في أقرب مطعم : و دي عاوزة كلام ؟ تسلم الأيادي يا مدام ريتا.
لكزني صديقي : تسلم الأيادي و تبوظ المصارين ، مش كدة ؟
معذور حمد ، فقد كان يرى فيها كل شيء حلو.
ثم إختفى عنا حمد ، و لفترة طويلة ضاعت أخباره عنا وسط زحام الحياة و حزمنا الإغترابية تأكل لحظاتنا يوما بعد يوم

***

إخواننا المصريين ، أطلقوا على اهلنا النوبة إسم البرابرة ، إنطلاقا من مفهوم معين. فقد قام الملك فاروق بتعيين السودانيين في مصر و خاصة النوبة في سلاح الهجانة ، يركبون على الجمال و هم يجرون بالأرض سيطان عنج ، كانوا يحرسون حدود الدولة ، و إن حدث أي هرج أو مرج في القاهرة يطلبهم الملك فاروق فينزلون وسط الدارة و يلهبون ظهور أولاد بمبة بهذه السياط و التي لا يتحملونها. فأطلقوا علينا هذا الإسم تشبيها لنا بالقبائل الهمجية البربرية.
المهم إنو واحد من البرابرة ، عاش في تلك الحقبة تاجرا ميسور الحال في أم الدنيا ، و كان بعين واحدة ( المتشاءم يقول له أعور ، أما المتفاءل فيقول أنه بعين واحدة )،
ففكر أن ( يلَغْوِس ) شوية في حياته ، و يعمل تحلية و يتزوج مصرية ( تجعل حياته في الغربة طرية و لينة ). فتزوج واحدة من باب اللوق ، و عاش مبسوطا مفتول الشاربين منفرج الشفتين ، يدخل عليها كل يوم و هو يحمل أكياس الفاكهة و اللحمة البتلو ، و البسبوسة ،
و دامت حاله هنية و رضية ، إلا أن دوام الحال من المحال ، فأفلس ، و صار يدخل يوميا على زوجته خالي الوفاض ،
فتسأله زوجته و هي تزم شفتيها ( ها ... ما لقيتش شغلة ولا مشغلة ؟ ).
فيقول و هو كسير العين ( لا ). و إستمر الوضع لبضعة أسابيع ،
و في يوم فتحت له الباب بحيث ظهر وجهها و صدرها فقط و قالت له : ها ، مافيش جديد ؟
فقال : لا
فقالت و هي تخبط على صدرها : يا لهوي ... و كمان أعور ؟؟؟؟؟؟
و تطايرت ملابسه و حاجياته من البلكونة ، قطعة قطعة ، يلتقطها و عينه الوحيدة تذرف دمعا غزيرا.

اللهم إختزل حزم إغترابنا .. و أرجعنا إلى أهلنا في وطن يسوده السلام .
و كل حزمة إغتراب و أنتم بألف خير.

Post: #2
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-01-2021, 03:33 PM
Parent: #1

قوموا بتقليب صفحات اغترابكم وهاتوا من بين سطورها

Post: #3
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: علي عبدالوهاب عثمان
Date: 06-01-2021, 09:20 PM
Parent: #2

اديبنا الجميل ابوجهينة
يا سلام بوست استراحة
واصل اديبنا
قمة الروعة

تحياتي

Post: #4
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: احمد عمر محمد
Date: 06-01-2021, 10:05 PM
Parent: #3

لا اظن ان الغربة هو ذلك الوحش الذي يصنع منه
البعض حيوانا له مخالب يشعر المغترب كما لو انها
مغروسة فيه تعيقه عن التمتع بحياته، مما يجعل
البعض يقصر في حياته الطبيعية وكأنه يوفر المتعة
للعودة التي يبدا يخطط لها من اليوم الذي وضع فيه
اقدامه في بلد الهجرة والاغتراب.
الغربة ببساطة خيار غير الخيار الذي اتيح لاقرانك وبالتالي
لابد ان تعيشها بالطول والعرض وكانك في رحلة طابعها
ذات اتجاه واحد وعليك ان تؤجل العودة التي هي في
كف عفريته فربما عدت في تابوت لا تعي من امرك شئ
يحملوك ويضعوك ويسكنوك اللحد.
وفي الغربة برتح وخيارات اجمل خاصة اذا خرجت من بقية
فقيرة الى سعة الرفاهية، ولا تترك الخطاب الذي يقول لك
ليس هناك اجمل من البئية التي نشات فيها في حين انه
تنعدم المقارنة وحيث ان الدنيا زينة ومن زينتها حب الناس
لها ويدخل في ذلك القناطير المقنطرة والذهب والخيل وما
يتبعهم وكل ذلك يجعل من الغربة راحة اذا توفرت للشخص
حتى ولو بعض منها.

قد يكون هذا مدخل لنستمتع معا بحكاوي الغربة وهموما التي
يمكن ان يحولها الشخص الى افراح

Post: #5
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: خضر الطيب
Date: 06-01-2021, 10:32 PM
Parent: #4

رائع كالعادة يا ابا جهينة
ربنا يديك الصحة و العافية يا ملك الكتابة
يا انيق العبارة

Post: #6
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: صديق مهدى على
Date: 06-01-2021, 10:57 PM
Parent: #5

سلام ابوجهينة ياخ مالك على القربة على الاقل تنسيك كلمة بلد
تحياتى

Post: #7
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 06-02-2021, 04:46 AM

الأستاذ أبو جهينة بعد غيبة من المتابعات المركزة في البوستات وجدت اليوم كما وجدت بالأمس في بوست الأخت إخلاص المشرف...

وجدت اختصار لحظات الحياة الجميلة منها و المريرة من خلال تعبيرات أدبية راقصة و ساخرة بكلمات ووصف ذي دلالات عميقة نرى أنفسنا من خلالها

كما نرى انكساراتنا و أشواقنا...نتابعها في شغف طفولي لأنها تعبر عنا دون أن تكشفذلك للآخرين ... لذلك نتلقفها في فرح مكتوم ونضحك معها على براءتنا

وأشواقنا و اشتياقاتنا ونبكي معها على ضعفنا الإنساني و انكساراتنا...

لك الشكر و عبرك في الضفة الأخرى لود الأصيل و بت المشرف..

Post: #11
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-02-2021, 04:31 PM

تحياتي اخي العزيز صديق

الغربة عبارة سرديات تطول وتطول
فيها الغث والسمين
وفيها تجارب ومنعطفات

هات ما عندك
دمتم

Post: #9
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-02-2021, 04:28 PM
Parent: #5

تحياتي اخي خضر

مرورك اسعدني ،
اكيد لديك ذخيرة مترعة بذكريات الغربة
ادلقها هنا

دمتم

Post: #8
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-02-2021, 04:26 PM
Parent: #4

تحياتي ااخي احمد عمر
وين الغيبات
فعلا كلامك عين العقل
الغربة محاسنها اكثر بكثير من سلبياتها

واصل

Post: #65
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 06-30-2021, 09:59 AM
Parent: #4

Quote: لا اظن ان الغربة هو ذلك الوحش الذي يصنع منه
البعض حيوانا له مخالب يشعر المغترب كما لو انها
مغروسة فيه تعيقه عن التمتع بحياته، مما يجعل
البعض يقصر في حياته الطبيعية وكأنه يوفر المتعة
للعودة التي يبدا يخطط لها من اليوم الذي وضع فيه
اقدامه في بلد الهجرة والاغتراب.
الغربة ببساطة خيار غير الخيار الذي اتيح لاقرانك وبالتالي
لابد ان تعيشها بالطول والعرض وكانك في رحلة طابعها
ذات اتجاه واحد وعليك ان تؤجل العودة التي هي في
كف عفريته فربما عدت في تابوت لا تعي من امرك شئ
يحملوك ويضعوك ويسكنوك اللحد.
وفي الغربة برتح وخيارات اجمل خاصة اذا خرجت من بقية
فقيرة الى سعة الرفاهية، ولا تترك الخطاب الذي يقول لك
ليس هناك اجمل من البئية التي نشات فيها في حين انه
تنعدم المقارنة وحيث ان الدنيا زينة ومن زينتها حب الناس
لها ويدخل في ذلك القناطير المقنطرة والذهب والخيل وما
يتبعهم وكل ذلك يجعل من الغربة راحة اذا توفرت للشخص
حتى ولو بعض منها.


أخى احمد عمر

أعتقد انك نعم موجود خارج الوطن ولكنك - من واقع ال quote- لم (تغترب) !

Post: #10
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-02-2021, 04:29 PM
Parent: #3

تحياتي اخي علي
مرورك دافع للاستزادة
اتحفنا بتجاربك

دمتم

Post: #12
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-02-2021, 04:33 PM
Parent: #10

اخي العزيز محمد عبدالله

سلام وتحية ومشكور على المرور بهذه المداخلة الثرة

*

كما نرى انكساراتنا و أشواقنا...نتابعها في شغف طفولي لأنها تعبر عنا دون أن تكشفذلك للآخرين ... لذلك نتلقفها في فرح مكتوم ونضحك معها على براءتنا

وأشواقنا و اشتياقاتنا ونبكي معها على ضعفنا الإنساني و انكساراتنا.

*

دمتم

Post: #13
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-02-2021, 04:43 PM
Parent: #12

تناديه أمه منذ أن كان طفلاً بالــ ( دُخْرِي ) .
واستوعب معنى المسمى تماماً وجعله قالبا لحياته فتخندق فيه وجعله نبراسا يقود خطواته.
يفرهد بدواخل أمه أملٌ بأن يكون بالفعل ذخراً للأسرة .
وأنه مدَّخر كما الـ ( دافْنِنُو في بطن المطامير ) ..
وأنه كما ( البركاوي والبتمودة ) في القساسيب ..
وعندما ضاق به الحال في البلد ... هاجر كبقية الطيور ..
وفي غربته لم يعمل إلا بوظيفة ( أمين مستودع ) ...
ولكى يقوم بدور ( الدخري ) ، ولكى لا يخيب ظن أمه والأهل ، لم يقصر مع ( أي زول ) ..
شارك في كل ( فزعات الأهل ) ..
( شيلة ) الشفيع ( ود خالتو ) ..
( برندة ) العَمَّة ( حفصة ) التي كسحتْ مع المطر
( طهور ) أولاد الزين ( الجار الساكن في الشارع خلف بيتهم ) ..
عملية الغدة لـ ( فاطنة ) زوجة ولد عمو ...
تصليح ( التاكسي ) بتاع ( تاج السر ) صاحب أخوه بابكر
وعندما أتاهم ( إيد ورا و إيد قدام ) .. بعد أن مكث عاما في سجون غربته لأن ( جرد حساب الشركة التي يعمل بها ) أكتشف نقصا في المخزون لم يكن له يد فيه ولكن بفعل فاعل خبيث ، عندها فقط لاحظ أن كلمة دخري اندثرت حتى من على ( خشم أمه ) ..
كما لاحظ أن ( الشفيع ود خالتو ) لم يأت لزيارته متعللا بالمشغولية .. و أن زوجته تعاني من تبعات الحمل و( الوحم ) ..
و ( العمة حفصة ) لم تستضِفْه في برندتها الجديدة .. فقد أجلسته على ( عنقريب الحبل ) في الحوش مع كوب من ماء الزير ..( موية زرقا )
و ( الزين أبو وليدات الطهور ) ألقى إليه بتحية باردة أمام البيت و لم يقم بتعريفه بأولاده حين إلتقاهم معه.. بل إكتفى بالقول : دة الزول ال رسل ليكم حاجات الطهور... بتتذكروا؟
و ( فاطنة ) رجعتْ من بيت الجيران و لم تأت للسلام عليه .. فقالت له شقيقته بأنها قالت لها : ( يطرشني ما سمعت الدخري جا ) ..
و ( تاج السر صاحب التاكسي ) .. أوقف التاكسي و سلم عليه و إلتقط زبوناً ثم إنطلق.
تسلل إلى غرفته و نظر إلى نفسه في المرآة، فخُيّل إليه أنه يرى وجهه كعملة معدنية تطير في الهواء لتستقر على إحدى جنبيها : إما طرة أو كتابة.

Post: #14
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-02-2021, 04:46 PM
Parent: #13

. ( دية المظلوم ... رجعة للخرتوم )
شتاء عام 1978 / ، مدينة الرياض .............
بدايات عملي في السعودية .........
يومها أتصل بي عسكري من البوابة في مقر عملي وقال لي أن شابا ورجلا عجوزا يريدان مقابلتي لأمر عاجل وهام.
قلت له هل أنت متأكد من أنهم يريدونني شخصيا
قال نعم
ذهبت وأنا أشك في أنهم يقصدونني، فالذين أعرفهم بالرياض يعدون على أصابع اليد ولا يوجد بينهم رجل عجوز
وجدت رجلا عجوزا، يبدو عليه أنه ينوء بحزن ثقيل ، و إبنه يسنده خشية سقوط متوقع في أي لحظة وآثار دموع لا زالت تتلألأ على خديه. رآني فلمعت في عينيه المحمرتين من البكاء الطويل ، لمعتْ بوادر أمل وليد بين حناياه. فالرجل لا يعرفني غير أنني سوداني أعمل في مركز حساس أولاد الحلال من أهلي بالسودان دلوه على عنواني، فهرع إليَ متشبثا كقشة وسط خضم من بحر إحباط تكتنفه في شيخوخته.
مددت إليه يدي مصافحا، فإذا به ينحني باركا و يحاول أن يمسك قدميَ في طريقة آلمتني للغاية، فانحنيت ورفعته من الأرض وأنا أقول له : دة شنو يا رجل ، إستغفر الله. مالك يا زول ؟ أنحن سودانيين زى بعض. قوم على حيلك ..مشكلتك شنو ؟
فبكى الرجل بكاءا جعلتْ العسكري ينظر للإتجاه الآخر ولا أدري إن كان يخفي دمعة أم حاول أن يجعل العجوز يعتقد بأنه لا يرى دمعاته العزيزة. شد ما يؤلمني بكاء الرجل، و خاصة إن كان مظلوما أو مقهورا. و راح الإبن في بكاء مكبوت. وقفت حائرا ، فأنا بين رجلين لا أعرفهما يقابلاني لأول مرة ويبكيان ، حتى أنني أرتبت في الأمر ، فربما حدث مكروه لأحد أعرفه و هم يعرفونه. استأذنت الحارس وأدخلتهما معي للسكن الخاص بي في موقع العمل لأستمع للرواية منهما بهدوء.
الرجل له إبن آخر ، جاء قبل سنة ، ثم انقطعت أخباره نهائيا. و تناقل الناس عن سر اختفاءه قصصا كثيرة ، ولكن الأب و أبنه بعد أن أتيا بتأشيرة عمرة ، و زاغا إلى الرياض ، عرفا بعد التقصي والبحث المضني، أن الإبن المفقود، بعد قدومه من السودان ، إستلم عمله في بقالة ، و بعد عشرة أيام بالتمام والكمال ، إنقض عليه رجال المباحث و مكافحة المخدرات في البقالة و إقتادوه لغيابة السجن.بعد أن إستخرجوا من تحت بلاط المحل كميات من المخدرات المهربة وحبوب الهلوسة وممنوعات أخرى. وما أدراك ما السجن في ذلك الزمان ، فالداخل مفقود والخارج مهدود. لا زيارات ولا معلومات ، حتى إن رحت لتسأل فأنت في موضع شبهة.
انتهى الأب من الحكاية و دموعه تجري بلا انقطاع، يمد يدا معروقة ليمسح بها دمعاته.
الذي لفت نظري في قصته، أنه تم القبض على الولد بعد عشرة أيام من حضوره من السودان، وهذه المدة ليست مدة كافية لعمل علاقات تجارية في صنف الممنوعات. والشيء الثاني هو هذا الصدق المتدفق من الرجل وهو يحكي لي عن كيفية تربيته لأولاده، وثقته بابنه المفقود وفي أخلاقياته وتمسكه بأهداب دينه.
الذي آلمني أن الأم بالسودان، بكت على ولدها فلذة كبدها حتى راح بصرها. ثم ألمتْ بها حمى لبضعة أيام، وفارقت الحياة وهي تهذي باسم ولدها المختفي وكانت آخر كلماتها لزوجها وهي تمسك بيده : ولدي أمانة في رقبتك. إن شاء الله ما تموت قبال تلقاهو ، قولوا ليهو أمك عافية منك لله و الرسول.

أصابتني حرقة في بطني من الألم، فهاهي الأم، ترسل أبنها للغربة لكى يعود محملا بطلبات إخوانه و أخواته الشيلة لتفرح أمه بزواجه من بنت أختها اليتيمة التي قامت بتربيتها بعد أن فقدت الأم و الأب في حادث غرق مركب، ولكن هاهي الأقدار تخبئ لها شيئا آخر، فلا هي كحلتْ عينيها برؤيته، و لا هي فرحت بزواجه، لله في خلقه شئون.
ضاقت عليَ الحجرة على رحابتها، وأنا أرى هذه المأساة يجسدها هذا الشيخ القابع أمامي ينظر فقط إلى فمي ليسمع مني حرفا يعيد إليه الأمل، وعشت في صراع عنيف، فالموضوع ليس بسهل، والأمر يحتاج إلى مجابدة وصبر وحكمة وفي النهاية اعتبرتها مغامرة محفوفة بالمخاطر.، ولكن هزيمة الأمل في نفس هذا الرجل المثقل بالحزن أصعب وأمرَ عشرات المرات.
قلت له وكأن كلماتي تخرج من قاع سحيق، تخرج وكأن صدي صوتي يملأ المكان : شوف يا عمي. إنتو خليكم معاى هنا كم يوم، ورغم إنو الموضوع صعب جدا، لكن بإذن الله و حوله وقوته ، أنا ما حأرتاح إلا موضوعكم دة يخلص ونطلع ولدكم من محنتو.
هب واقفا ليلثم رأسي، فوقفت أنا ولثمت رأسه مطيبا خاطره، فبكى أبنه أبكاني.
ليلتها لم أنم. أضرب أخماسا في أسداس. فأنا أعرف دهاليز مثل هذه المواضيع. ففي سراديبها عقبات ومصاعب ومحاذير وخطوط حمراء وما فوق الحمراء.
وعندما نودي لصلاة الفجر، رحت لأوقظ الرجل، فوجدته على سجادة الصلاة وهو يرفع كفيه ولا زالت حبات من الدمع تقف متحجرة على خديه ، سمعته يدعو :

يا رب ، ما ترجعني خايب ، يا رب بحولك وقوتك توفق الجنا دة يلقى ولدي عشان ترتاح أمو في قبرها ، يا رب لو ولدي حى خليني أكحل عيوني بي شوفتو.
وصليت الفجر، وكنت قد عزمت على أمر وتوكلت على الحى القيوم وقلت لا بد أن أمضي فيه رغم وسوسة الشيطان بأن أرجع. ولكن صورة الرجل، وصورة الأم التي فارقت الحياة وهي تهاتي بولدها ، كان يسحثني للمضي قدما، وتلهمني قوة غريبة للاندفاع.
وكتبت طلبا ضمنته كل القصة بعد أن دبجته بكل الحقائق والنواحي الإنسانية فيه ونظرتي للموضوع من ناحية أن ظلما فادحا قد يكون قد وقع على هذا الشاب.
قال لي المسئول الرفيع بعد أن قرأ الموضوع بكل روية : المذكور معرفة أم قريبك ؟
فقلت دون تردد : قريبي يا طويل العمر
فقال : يعني واثق من كلامك المكتوب دة ؟
قلت بلا تردد : مية بالمية
وطبعا المذكور لا هو قريبي ولا حتى من قبيلتي، و لكن الحمية السودانية بالإضافة لموضوعه ككل، جعلته في تلك اللحظة قريبي رغم أنني أعلم تمام العلم مغبة كلمتي وإدعائي بأنه قريبي.
فقال لي المسئول : حنشوف موضوعو ، ولو طلع مذنب ، أنا والله بحبسك معاه.

هذا ما كنت أحسب حسابه. فالرجل يعني كل كلمة يقولها، وأنا أعلم تماما بأن إحدى أصابع يديه لو عاكسته ، فهو مستعد لقطع يده. فما بالكم بهذا السوداني الذي سيضيع زمنه وزمن ضباطه ؟
بالرغم من معرفة هذا المسئول لي حق المعرفة وعلاقتي الحميمة مع أبنائه، إلا أن كل هذا لن يشفع لي لو طلع الشاب مذنب ،، فهو ما عندوش يمة أرحميني في العمل والرسميات ، رغم أنه أب مثالي ورجل يقدر العشرة والعيش والملح.
موقفي هنا هو ما يطلق عليه السودانيين : الضحك شرطو
تم تكليف ضابط كبير ليتابع ملف القضية متابعة لصيقة وعمل تقرير للمسئول في خلال شهر من تاريخه. واستدعاني الضابط فأخذت الأب والابن معي، وأعطيناه كل المعلومات التي طلبها وتصورنا للأمر.
وخلال هذا الشهر، راودتني الكوابيس والأحلام السوداء كل ليلة، فأحيانا أرى نفسي مسجونا وأنا أضرب بالسياط، وأحيانا أرى نفسي مقتادا إلى المشنقة، وأحيانا أرى نفسي في بئر سحيق ، أنادي الناس ولكن ما من مجيب ، وأحيانا أرى نفسي هاربا وجمهرة من العساكر والكلاب تطاردني.كنت أصحو من نومي مذعورا أتصبب عرقا.
لا فكاك من الأمر، ولا تراجع.
شهر بالتمام والكمال، وأنا إن ناداني أحد باسمي، أجفل كالملدوغ، وصرت عصبيا، ولكنني كنت أداري عصبيتي وخوفي من العجوز وأبنه أبتسم وأنا في جوفي مشروع بكاء، أضحك وأنا أتململ في دواخلي متوجسا خيفة.
رن جرس التلفون في غرفتي بعد صلاة العشاء، كان في الطرف الثاني الضابط الكبير، بعد أن حياني ، قال لي :
بكرة الساعة سبعة ونص صباحا تكون عندي إنت و والد الشاب المذكور.
وقبل أن أستوضحه الأمر، أنهى المحادثة.
ليلتها لم نذق طعم النوم، ثلاثتنا. فتارة نمتطي مركب إبليس، فتتقاذفنا أمواجه حتى ندخل السجن، وتارة نلعن إبليس وندعو الله بالستر ونطمئن أنفسنا بحسن الختام وأن الجولة ستكون لصالحنا. أدخل وأمرق زى أم العروس. والعجوز لم يكف عن الدعاء ، و إبنه يجلس مذهولا يحدق في لا شيء.
كنا هناك قبل الموعد بنصف ساعة.
جاء الضابط، وأفزعني تجهم وجهه، لم يرد على أسئلتي التي انهمرت عليه كالمطر. لملم بعض الأوراق وقال لنا : تعالوا معي
كنت أسمع دقات قلبي بكل وضوح، والتي طغتْ على كل الضجيج في المكان، كنت أحتاج لمن يسندني تماما كالعجوز الذي يسنده أبنه والذي ما أنفك يدعو الله منذ ليلة البارحة.
دخلنا على المسئول، فأدى الضابط التحية ، فقال له المسئول :
خلك برة شوية
ثم قال لي بصرامة : إيش اللي خلاك تتأكد من إنو قريبك بريْ ؟
نطقت بكلام، لكنه يبدو أنه لم يتجاوز اللوزتين فلم يخرج.
فقال لي المسئول : إنت ما سمعت سؤالي ؟
فشرحت له وجهة نظري بعد جهد جهيد وأنا أضغط على كل كلمة لتخرج واضحة.
ثم ران صمت رهيب على المكتب وهو يقرأ من بعض الأوراق التي بين يديه، وبين الفينة والأخرى يرمقنا بنظرة حادة كنظرات الصقر الجارح.
ثم ضغط على زر جرس مثبت على مكتبه، فدخل الضابط، وأقترب منه، فهمس له ببضع كلمات، فخرج الضابط، وعاد ومعه شاب، أو بالأصح بقايا شاب، نحيف بالكاد يستطيع المشي، نظراته زائغة، حليق الراس، ما أن رآه العجوز حتى أطلق صرخة مخيفة نابعة من أعماق أعماقه، ثم وقع على الأرض، فرفعناه أنا والضابط ، وهو يردد وكأنه يهذي : بتول ولدك عايش ، لقيتو قبال أموت يا بتول.
فخرج المسئول والضابط وتركا المكتب لنا في لفتة إنسانية لن أنساها، أنقلب المكتب إلى ساحة تراجيديا لا يتحملها الكثيرون.
وقف الشاب الهزيل ينقل بصره بين والده المطروح أرضا وبين شقيقه الذي كان يقبله ثم ينظر إليه ليعانقه مرة أخرى وقد تحجرت الدموع في عينيه. ثم أنحنى الشاب على والده و رقد بجانبه يحتضنه يهدهده كرضيع، و قد نسي تماما أنه في مكتب مسئول خطير من أهل الحل والربط في الدولة.
منظر الشاب وهو يحتضن والده الذي بللت لحيته الدموع وهو لا زال يهذي ، جعلني أقف كمن يكون في حلم. منظر كان يحتاج إلى كاميرا ، فالكلمات تعجز عن نقل صورة الأب يرتعد من المفاجأة في حضن إبنه كطفل صغير.
دخل المسئول ، فأوقفت الأب بمساعد الضابط والأبن ، فقال المسئول للشاب :
ما عندي شي أقوله لك غير الحمد لله على السلامة. والظلم اللي وقع عليك حنحاسب المسئولين عنه محاسبة شديدة.وأبشرك بأنو أنا شخصيا حأكون كفيلك وحتشتغل معي لو بغيت ، وممكن تروح السودان تقضي ستة شهور وتجيني بتأشيرة جديدة. ويش قلت؟؟؟
فقال الشاب بدون تردد: كتر الله خيرك و كتر من أمثالك ، بس طلبي الوحيد إنو نسافر للسودان وما عاوزين شي تاني. كتر ألف خيرك.
طبعا لا ألومه ،، فقد قاسى بما فيه الكفاية.
وألح المسئول عليه كثيرا وأشركني في المحاولة، ولكن الشاب أصر على موقفه بكل تأدب وحسن تخلص، وكأنه يقول للمسئول لقد شبعت من بلدكم ولن أنسى هذا الجزء من حياتي
وعندما إقتنع المسئول بأن الشاب جاد في طلبه، أمر له المسئول بمبلغ كبير من المال وتذاكر العودة له لوالده وشقيقه، وقال لي المسئول : لو أراد أحد منهم أن يأتي للعمل ، أرجو أن تخبرني لكى نرسل له تأشيرة عمل وتذاكر.
فهمنا فيما بعد ، أن البقالة كانت لشاب يماني وكان تحت المراقبة، و كان من سوء الطالع أن يعمل معه السوداني الشاب قبل المداهمة وفر اليمني لليمن بعد أن أحس بالمراقبة اللصيقة لمحله حيث كان اليمنيون وقتها يتملكون ويؤسسون المحلات التجارية وكانوا يتنقلون بحرية من وإلى السعودية دون حسيب أو رقيب ، فأتت مداهمة المحل على الأخضر واليابس دون فرز ، فما دام المحل مشبوه ، فإن الذي يعمل به هو المسئول بصرف النظر عن تاريخ بدء عمله.

وعند وداعهم بمطار الرياض القديم ، عانقني الأب طويلا بحيث لم أستطع الفكاك منه و هو يبكي ويدعو لي بحرارة صدق وكأنه يقول : نجازيك كيف يا ولدي.
ظلت هذه الواقعة لفترة طويلة عالقة في ذهني ، وقد كانت تداعياتها نقطة تحول كبيرة في كل معاملاتي بدول المهجر التي قضيت فيها حزم غربتي.
لم تنقطع علاقتي بهذ الأسرة الكريمة التي ظلت تحكي هذه القصة لكل من يزورهم ، ولا زالت العلاقة حميمة إلى درجة أن كل الأسرة حتى أطفالهم يطلقون على لقب قريبنا، وهو لقب أعتز به كثيرا.

Post: #15
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-03-2021, 02:39 PM
Parent: #14

تتمدد جدران البيت و تكبر حتى تسع كل زوايا الخواء بدواخله ..
يقف متفرساً في كل ما حوله ، يُمْلي ناظريه و هو يجوب بهما كل أنحاء المكان...
يجول ببصره في الشارع يستعرضه بيتاً .. بيتاً
وجوه الجيران تتأرجح ملامحها في ذاكرته ..
تطفو أحداث و مساجلات على سطح ذاكرته المتعبة ..
إنتابته مشاعر شتى قبْل أن يطرق الباب الذي غاب عنه خمس سنواتٍ طوال..
غالَبَ دمعة تقف على أطراف مقلتيه و هو يتأمل بقايا عربته ( التاكسي ) تقبع أمام منزله ..
دون أن يشعر هتف هاتف من دواخله المتلهفة :
( أهذا أنت يا رفيق الدرب ؟ أراك تقف متماسكاً أكثر مني ... هل أبوح لك بسر ؟ شوقي إليك كان يخالط حنيني إلى تراب البلد و الأهل ...)
رغم الظلام الحالك .. كان يرى كل تفاصيله عبْر ما يختزنه في عقله من مواقف و أحداث ..
إندلق مخزون أيامه الخوالي دفعة واحدة .. كبوابة مشرعة تؤدي إلى تصفح سِفْر قديم تختلط فيه بداياته و نهاياته...
رمقه و حزن يكسو وجهه و يغمر كيانه ...
هيكل بلا أحشاء ..
بقايا مقاعد بلا حشايا ..
نوافذ بلا زجاج ..
و مقابض مخلوعة عنوة ..
تلاشى اللون الأصفر الذي كان يتلألأ تحت الشجرة الضخمة عقِبَ كل تلميع على شارع النيل أمام ( القراند هوتيل ) و ( فندق السودان) ..
أخذ نفَسا عميقاً .. و تنهد ..
و هو يتأبط حقيبته بيد و بيده الأخرى يتحسس جسد العربة الساكن ..
كأنَّ عِبْق الصندل الذي كانت تُصِر زوجته على ( تبخير ) كل أركانه به لا زال يفوح كما كان في الأيام الخوالي فيظل يشده إلى إبتسامتها طيلة مشاويره في حنايا العاصمة و أزقتها و حواريها حتى موعد قيلولته و هو يحكي لها تفاصيل يومه و هو يغالب النعاس.
لم يتمالك نفسه .. و قد هيجته الذكرى.
تدارك دموعه قبل أن تنزلق .. فغيَّر مجرى تسارُع الصور في مخيلته..
ربَتَ على هيكل العربة .. بدأ بمقدمتها ....
مسح على بقايا طبقة الطلاء المخشوشنة برفق و حنو ..
ها هو المكان الذي كانت تتدلى منه ( المراية ) ..
لم تعد هناك ..
إنداحت عشرات الوجوه من مكان ( المراية ) تعكس وجوه زبائنه القدامى و هو يرنو إليهم عبْرها تارة و تارة يُبْقي نظره على الشارع ..
تنامى إليه لغطهم و أحاديثهم و قفشاتهم و كأنها لا زالت تتمسك بأهداب المقاعد و سقف العربة و أرضيتها..
خطرفات جاره السكِّير الذي كان دائماَ يصادفه أول كل شهر في ( المحطة الوسطى ) حاملاً كيس الورق المتخم و رائحة الخمر تفوح منه وضح النهار ...
ضجة الوقوف عند بوابة المستشفى الميري ..
شاى ( بت المِنا ) كثير السكر .. تطفو على سطحه حبات ( الهبهان ) تهرول في إتجاه حركة الملعقة بيد ( ست المنا ) .. و زخات بخور ( التيمان ) تطغى على الغبار المتصاعد من زحمة المتكالبين على باب المستشفى للدخول ( بعواميد ) الطعام.
و هنا كانت تتأرجح ( السبحة العتيقة ) التي أهدته إياها عمته ..
أما هنا فكان يرقد ( المصحف ) ... ملفوفاً في قطعة من القماش الأبيض ..
أدخل رأسه برفق من جهة باب السائق ..
تنامتْ إليه أصوات أغنيات قديمة تختلط بكم هائل من موسيقاها و إيقاعاتها ..
تخيل نفسه يدخل المفتاح ليفتح الباب صباحاً و هو ( يبسمل و يحوقل ) ...
نظر إلى ( الدريكسون ) الذي أمسك به أول مرة بعد أن ذبح ( خروف الكرامة ) و بَصَمَ بالدم على ظهر التاكسي و على جنباته..
إنزلقتْ ذكرى أول مشوار .. و هو يجول بأمه على شارع النيل عملاً بالنَذْر الذي قطعه على نفسه ...
( ندْراً علىْ لو إشتريت التكسي ... أول مشوار بفسحك في الخرطوم دي كلها ... شارع شارع ) ...
إبتسامة أمه يومها التي كانت تنم عن الرضا و السعادة الغامرة لا زالت ترقد على بقايا مقدمة العربة كصورة في إطار عتيق .. و دعواتها يتردد صداها في جنبات الهيكل الخاوية ..
و من هذا الباب دخل العسكري ليلكزه بهراوته قبل أن يجرجره زملاؤه خارج التاكسي لأنه تجاوز ساعات ( حظر التجول ) .. و تنهال عليه الصفعات و هو يحاول جاهداً أن يتحاشاها و يُسْمعهم تبريراته .
قفزتْ إلى مقدمة ذاكرته ليلة أن أحستْ زوجته بآلام المخاض ...
ليلتها لم يجد الداية التي كانت تباشرها فقد سافرت فجأة لواجب عزاء..
و أصر التاكسي ليلتها أيضاً على عدم التحرك و كأنه يتآمر هو الآخر على قدوم مولوده الأول .. ..
عندما أتى بالداية من الحارة الأخرى .. قالت له : ولدك دة إن شاء الله حيكون بخيت و سعيد ..
همهم في دواخله : وين السعادة و البَخَت يا حاجة ؟
ترك ولده في الرابعة من عمره ...
و ها هو يعود إليه بعد غربةٍ حفرتْ في روحه أخاديد نازفة ... يعلم الله كيف و متى تُنْكَأ ...
غمرته سعادة تلك الأيام ..
إنفرجت أساريره و هو قاب قوسين من أسرته و حفاوتها الدافئة ...
أفاق على سكون الشارع .. و على وقفته التي طالت يسبح في بحيرة تأملاته.
شعر بضجيج الهدوء المُطْبِق ..
و صَمْت عربته يكاد يملأ المكان بصخب عارم..
شلال ذكرياته التي سافرتْ به ثم ألقتْ برحالها على عتبات بيته و ساكنيه ، يلفه تماماً .. و يجرفه بعيداً.
طرق الباب بيد مرتجفة .. و هو يرمق ( التاكسي ) من طرف خفي و كأنه يستأذنه الإنصراف عنه..
إنفتح باب بيته و أطلتْ زوجته ..
شهقتْ متراجعة و غير مصدقة ..
ثم نضح وجهها بفرحة مباغتة ..
هتفتْ بإسمه بصوت مخنوق ...
سرعان ما أطلقتْ زغرودة يخالطها بكاء في هستيريا متواصلة ... و هي تنادي أولادها ....واحداً تلو الآخر في سعادة و بهجة طفولية غامرة..
عندما عانقها طويـلاً ... و دفن وجهه بين طيات عبقها الراقد بين حناياه أبداً .. خُيِّل إليه بأن هيكل العربة المتهالك قد إكتسى رونقه الأصفر القديم و أنه وقف على ( لساتكه ) الأربع و أطلق حشرجته القديمة لينطلق به مرة أخرى ليجوب شوارع الخرطوم...

Post: #16
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: عبدالمنعم الطيب حسن
Date: 06-04-2021, 07:26 PM
Parent: #15

هلا بالصديق ابوجهينة

ابدعت والله متابعين،
ساعود بحكاية او اتنين
تسلم

Post: #17
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-04-2021, 10:58 PM
Parent: #16

حبابك واوسي الحبيب
مرورك دافع للاستزادة وحفر سراديب الذاكرة ودهاليز الاغتراب

هات ما عندك واتحفنا من تجاربك

Post: #18
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ياسر السر
Date: 06-07-2021, 03:00 PM
Parent: #17

عودا حميدا مستطاب استاذنا الجميل ابو جهينه ,,, وليت المنبر يعود كما كان عامر بكم وبامثالكم من الأقمار الكواكب المضيئة قبل عشرات السنين ...

كما تغنى امبراطور الغناء في العالم ( حسب رايي الخاص ) الموسياقار محمد عثمان وردي وقال ( من نواحي الدنيا جيت وعلي رحالي لي عوالم في عيونك يا محالي ريحيني استري حالي) .. وايضا قال الموسوعه الفنية التراثية الاستاذ عبد الكريم الكابلي ( غريب والغربة اقسى نضال )
فعلا الغربة اقسى نضال ..

لم ولن ارتاح في الغربة ابدا ولكن كتبت علينا ....
على كل حال انا مستمتع بهذه الحكاوي الجميلة المعبرة .... واكيد متابع ومترقب للمزيد ..

تحياتي : ياسر العيلفون ....

Post: #19
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: محمد حمزة الحسين
Date: 06-07-2021, 03:53 PM
Parent: #18

عودتك ابو جيهنه مسدار عافيه ...
ماف كلام ...
متابعه لصيقه ...
إنتهي ...

Post: #20
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-07-2021, 04:32 PM
Parent: #19

اخي العزيز محمد حمزة

تحياتي لك وسلام مقيم

اشكرك على المرور البهي
متابعتك حافز للمواصلة

اكرر الشكر
دمتم

Post: #21
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-09-2021, 01:07 PM
Parent: #20

نواصل

Post: #22
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-09-2021, 09:48 PM
Parent: #21

كم أكره هذه المدينة الضبابية
تشعرني بكآبة غير عادية
تزكم أنفي رائحة أسطبلات الخيل حتى إن كنت أقبع في غرفتي في فندق الدورشستر أو أسير في أكسفورد إستريت
يتقاطع القديم مع الحديث في لندن بتناغم ميكانيكي و إيقاع رتيب ،، تماما و كأنك في قرية تستمع بالقنوات الفضائية و تتحدث بالهاتف النقال أو كأنك في مدينة تأكل طعاما ريفيا طازجا
التاكسي العتيق في حركة دؤؤبة لا تنقطع ، و الحافلات ذات الدورين بطرازها القديم في حركة كسولة و لكنها متوازنة كبندول ساعة بيق بن
التمثال القديم الملطخ ببقايا الحمام ،، يحكي في صمت أصم عن هيبة إندثرت
يقطع حبل أفكاري ضجيج أطفال يطاردون الحمام ،، فيطير و يحط و كأنه يجاريهم العبث الطفولي
تقدم مني شاب ذو ملامح شرق أفريقية سلم علي بلغة التقراى ،، رددت عليه بالإنجليزية بأنني سوداني ،، إعتذر و ذهب و هو يتلفت خلفه غير مقتنعا بإجابتي ، فشعري المنكوش و الغزير الذي كنت أجاري به الموضة تلك الأيام ،، ما زال يقنعه بأنني من بني جلدته
كدت أن أناديه لأحادثه بأي لغة و لو بالإشارة لكى أقطع هذا الفراغ الجاثم على تفكيري
أنظر للساعة كل مرة ، فقد تأخر صديقي عن موعده للذهاب سويا لشبر بوش
جلس بقربي رجل و إمرأة في منتصف العمر
من اللهجة عرفت أنهما إيرلنديان
نظرت إليهما نظرة خاطفة كانت كافية لأن أرمق إبتسامة ترحيب منهما
إبتسمت لهما مجاملا
قبلها على جبينها و هي تنظر إلى حملقتي بعينين مفتوحتين بتحد سافر
أهي قبلة رضا أم إعتذار عن نزوة في نهاية الأسبوع
طرأ إلى ذهني بخلنا في إظهار عواطفنا لمن نحب حتى في خلوتنا
البعض عندنا ينسى حتى كلمة شكرا لزوجته في غمرة إجحافه و سلوكه الغريب

ضحكت في داخلي ،، لا أدري لماذا قفز جاري أبو طارق إلى مقدمة ذهني فتخيلته يحشر في فم زوجته الخجولة لقمة من كسرة معطونة بالملاح ،، و إخوته و إخوتها و أطفالهم يرمقونه بإستغراب و إستهجان بين الغمز و اللمز و الإنكماش خجلا
جلستْ بقربي شابة تدخن بشراهة و عصبية
مارست هوايتي في تخمين جنسيتها من شكلها
لم أستطع التخمين السريع كعادتي
فقد كانت مزيجا غريبا ،، إلا أن لونها يوحي بإختلاط عرق إفريقي مع عرق أوروبي
تتلفت بقلق
أتابعها ،، و أشيح بنظري كلما تلاقت أعيننا
شيء ما جعلني أسألها دون وعى : هل أنت بخير
قالت : شكرا أنا بخير ،، من أين أنت ،، مهلا ،، أنت سوداني ،، أليس كذلك
أجبتها بالإيجاب ،، و إقتربت منها ،، فقالت بلهجة سودانية ركيكة
إنت من وين في السودان
أشعلتْ سيجارة من أخرى
صوتها مشروخ كأسطوانة قديمة
بها بقايا جمال يئن تحت وطأة السهر و التبغ و الكحول و ربما أشياء أخرى
طلبت مني أن أشتري لها آيس كريم
قالت و هي تلعقه بشراهة ،، أنا لا أحب نكهة الفانيليا ،، و لكنها مقبولة منك
عرفت منهاأن شابا سودانيا من أمدرمان ساكنها غرفتها ردحا من الزمن ،، و أنجبت له طفلة ثم إختفى و أنقطعت أخباره عنهما
قلت لها ،، ما أسمه ،، و ما هي قصته
سكتت
أتحبينه للآن
هزت كتفيها بلامبالاة و قالت بصوت متقطع بفعل السعال الذي يداهمها من حين لآخر
لم يعد لي قلب
كلماتها توحي بالكثير
إنتابني قلق على أبنتها
شيء غريب ،، أنا لا أعرفها و لا أعرف أباها ،، فلم القلق
و لكن السؤال إنطلق رغما عني من دواخلي
و أين البنت الآن؟
قالت لا أعرف ،، هي هنا في لندن تعزف الساكسفون مع شباب من جمايكا لديهم فرقة موسيقية
غضبت بشكل كان بائنا على ملامح وجهي
وددت لو أقوم بإمساكها من كتفيها و أصرخ فيها
قلت لها من بين فيح الغيظ:
هل تعرفين عنوانها؟
قالت : لم أرها منذ ثلاث سنوات ،، عمرها الآن عشرون سنة ،، تستطيع أن تتدبر أمورها
ثم نظرت إلى و قالت ،، هل يمكن أت تعطيني بعض المال
مددت يدي لها ببعض الجنيهات
و عندما مدت يدها لتناولها مني ،، شاهدت آثار حقن المخدر على يدها
حاولت أن ترجع يدها بسرعة
قلت لها ،، لقد رأيت علامة إدمانك ،، هل يا ترى هذا ما تفعله إبنتك الآن مع الجمايكيين
قالت و هي تهب واقفة بعصبية :
موعودة أنا اليوم بواعظ ديني في هذا الميدان ،،
ثم إختطفت الجنيهات ،، و إختفت بين الزحام

Post: #23
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-12-2021, 10:28 PM
Parent: #22

كورال الساقية والتربال
*****************
عبد الحليم
زيادة على طين الأرض الخصبة ،، إبتداءا من ذراتها على السطح ،، نزولا حتى طبقة منسوب الماء ،،
ورِث فيما ورَث ، منجل و طورية
وعدة بقرات و ثورين.
وقطيعا من الماعز.
وقطعة أرض سيبني عليها بيتا يأويه مع أسرته ،، حدَد مساحتها العمدة بأن وقف وأخذ حجرا ورماه بكل ما يملك من قوة و بكل ما يحمل من إعزاز لوالد عبدالحليم ، و كان مكان سقوط الحجر هو حد مساحة حوشه المزمع بناؤه ..
النخلات ( العمات ) الحنينات ،، غرس والده ،، و غرس جده ،، و غرس يديه ، ( تأتي أُكُلها بإذن ربها ) في كل موسم دون تأخير أو تقديم ،، كالأمهات يأتيهن الطلق في تلك الأيام الخوالي في موعد محسوب بحساب ظهور القمر و إختفاءه ،، ينجبن أطفالا أصحاء ( دون (ألتراساوند) أو ( فيتامينات حديد) ، أطفالا يظل الحبل السري و كأنه لا يزال موصولا لم ينقطع ، يربطهم بأمهاتهم حتى بعد أن يكبروا و يتزوجوا و ينجبوا ، فينهلوا منهن تلكم العواطف الجياشة العفوية ، و يشربوا عليها كؤؤسا مترعة من نصائح الآباء وحكمتهم.
تقف النخلات شاهدة على أن ( القساسيب ) الفارعة الطول كأجساد الأجداد العمالقة ، تقف شاهدة أنها كانت دوما مترعة بالقمح و الذرة ، وشاهدة على أن ( مهور ) كل العرسان في العائلة تم دفعها منها ، و من خيرات الأرض ( صنوان و غير صنوان ،، دانية القطوف ) ، و من محصول التمر ( رغم وعورة طبقات العنباج و غزارة العشميق و وخزات الأشواك المسننة على الجريد).
نخلاتنا ،، الباسقات ،، تسبح بحمد الرحمن في الغدو و الآصال ،، تنادي فتياتنا المتشحات ( بالعفاف والطرحة ) ،، أن يهززن إليهن بالجذوع ،، ليتساقط عليهن رطبا جنيا ،، يدر عليهن طيبة في القلب وسماحة في المعاملة وطعاما سائغا لأطفالهن الذين ما أن ينطلقوا على قدمين ،تتعلق قلوبهم بالمساجد والخلاوي وطين الأرض وموية الدميرة. يلبسون عراريقا مصنوعة من الدمورية و ( الوزن عشرة ) ، ويحلقون ( نمرة واحد ) ويمشون حفاة الأقدام في عز الهجير ،، يحميهم الرحمن من كل ذات شوكة وعقرب وثعبان .
كل الرجال أعمامهم و كل النساء خالاتهم وعماتهم ،، يقبلون الأيادي ويلثمون الجباه.
كما ورث عبد الحليم ، على الجروف أمتارا تمتد حتى داخل النيل ،، يطلقون إسم (جَدِه) على الطريق الضيقة الملتوية التي تخترق (اللوبيا) و من خلال المزروع على الجروف حتى مربط المركب ( المشْرَع ) ،، وسيستمر الإسم ملتصقا بهذا الدرب إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها و من عليها.

جدران البيوت الطينية ،، تحكي طبقاتها ،، جهد الحبوبات والأمهات والأخوات والجارات ،، يتجمعن على ( الزلابية واللقيمات ،، وكفتيرة شاى ضخمة تكفيهن شر الإنقطاع عن العمل ) ،، يتجمعن للياسة الجدران و أرضية الحوش ( يتنادين خفافا و ثقالا مثلهن مثل الرجال ،، مشمرات عن أكمامهن يختلط عرقهن السائل مع الزنجبيل في أكواب الشاى ).
كل طبقة تحكي عن زمن مضى ،، و لو نبش فيها ( عالم جيلوجيا ) و تحدثت الجدران عن مكنوناتها ، لوجد بين طبقاتها قصصا لم تدخل أضابير كتب التاريخ عندنا ،، طبقات تحكي عن بناتا مثل السمحة بت العمدة ( سعدية ) أم شلخا ( زى جدول المالية ) ،، التي كان التغزل البريء بها مباحا ،، حتى صال أكثر من ( جميل بثينة ) في جمالها بتأدب ،، و جال أكثر من ( كثير عزة ) في صفاتها بفخر و إعزاز ،، و لكن شعلة الحب التي تتوهج في قلبها ،، يظل في القلب سرا يحرق خيالها البكر ، يفرهد داخلها بأمل يخبو ثم يتقد كفتيل لمبة الجاز في عتمة الحجرة ،، حتى يأتيها أمر العمدة في فرمان شفوي بأن زواجها بعد الدميرة و حش التمر ، من ( حامد التربال ) ،، فترضى و ترضخ ،، و لسان حالها يقول : المكتوب في الجبين لازم تشوفو العين.
و كم من جبين يظل ناصع البياض من لحظة الميلاد و حتى الممات ، و كم من عين رأت مكتوبا لم ترغب فيه و لم ترض عنه.
و لوجد ( الجيلوجي ) فيما يجد ،، قصة الداية التي تأتي من طرف الحلة في ليلة ظلماء غاب عنها القمر ، على ظهر حمار ( أعرج ) دونما سرج تعتليه ،، تدلدل رجليها المدسوستين في حذاء ( العروسة المصنوع من البلاستيك اللين ) ، و محتويات شنطة التوليد المعدنية التي تحتضنها ، في ( رجة و ضجة ) تموسقان خطوات الحمار ، و نباح كلاب الحى تزفها لبيت الحبلى ، معلنة أن الداية في مهمة ستضيف رقما جديدا في إحصائية القرية.
و لوجد فيما يجد ،، أن المغترب إلى مصر في ذلك الزمان ( الطاعم ) ،، كان يأتي سنويا وقت يشاء ( بلا تصاريح للسفر ) ، يعود محملا بصندوق إسكندراني خشبي ( السحارة ) ، و هو غاية الإغتراب و منتهى الأمل ،، فيوزع الكولونيا ،، و الصابون ،، و ( الطرحة البناتي ) ،، و أقمشة ( غزل المحلة ) ،، و ملاياتها ،، و يوزع عشرات الرسائل التي أتى بها من هناك ،، و يأخذ هذه على إنفراد ويقول لها وصية شفوية من زوجها ،، و يأخذ ذاك في ركن قصي لينقل له رغبة إبنه في الزواج من تلك،، فيحتفي به الرجال بدعوته على ( زير مترع بمشروب الدكاى ،، أو النبيت أو بزجاجات العرقي البكْر ) فيتحكر في الجلسة و هو يحكي مغامراته و صولاته و جولاته ،، و يندفع يضيف من خياله الكثير كلما سمع إستحسانا من الحضور ،، و تتوالى الدعوات من هنا و من هناك ،، و يمتلىء بيته بالحملان و العتان و الدجاج و البيض ( في تكافل لا نظير له ).
و لوجد أيضا فيما يجد ،، قصة الحزن الذي خيم على أهل القرية عندما إنقلبتْ المركب في عرض النيل ،، و غرق عدد كبير من الفتيات الصغيرات ،، و كأن النيل لا زال يرغب في ( قرابينه القديمة ) فأبتلع هذه الزهرات ، فكان في كل بيت مناحة ، و في كل قلب جرح بليغ ،، يجتر أهل القرية هذه الذكرى الأليمة ، كلما فردوا شراع مركب يمخر عباب النهر الخالد ، و كلما غضبتْ الأمواج فأرتفعت مزمجرة تلطم جوانب المركب الخشبي فيتطاير الرذاذ على الوجوه ، و كأنها تنذرهم بأنها لا تزال عطشى للمزيد.

ذلكم هو عبد الحليم .. يوم أن مات والده ،، و ترك له هذا الميراث الذي لا يقدر بثمن ،، و هذه اللوحة الأزلية التي لم تتغير ألوانها على مر الزمان.
و تمر الأيام على ضفاف النيل ببطء لا يجارى سرعة دولاب الحياة في بقاع أخرى من المعمورة ،، تمر بتراخ ، كبطء قواديس الساقية تجرها بقرة حردانة يلهب ظهرها سوط الصبي التربال المدندن بالغناء ، و الساقية تئن في إيقاع سيمفوني مع صوته الشجي. و ذنب البقرة الحرون يروح و يجيء ليهش الذباب و كأنه عصا ( مايسترو ) يقود كورال الساقية و التربال.
سافر سعد ، و جبر الله ، و حامد ، و سر الختم ،، كلهم سافروا للحاق بركب الكسب السريع و العودة بحقائب تبهر الفتيات ، و ليضوع منهم عطر ( البروفيسي و عطر الكاشيت) ، و تتوهج على معاصمهم خواتم الذهب و الفضة و ساعات ( السيكو و الأورينت ) ،، و ليعتمروا عمائم من ( التوتال الإنجليزي وارد عبد الصمد ) و ليوزعوا علب الماكنتوش و علب البنسون و ولاعات الرونسون و تياب ( أب قجيجة ) و بخور ( الند ) وارد باب شريف.
و عبد الحليم صامد لا تغريه المغريات ، متشبث بأرضه ،، حفرتْ أصابعه علامات صبره على مقبض المنجل و الطورية ، و تزين راحتيه طعنات أشواك النخيل و آثار فتْل الحبال .
الشقوق في كعبيه و قدميه ( تدخلها صغار العقارب و هي تحسبها شقوقا في الجروف ، و تموت هناك مختنقة ) و هو غافل عنها و عن صغائر أخرى.
صلب كصخور ذلكم الجبل الذي يقف شاهدا على أن أحد أحفاد أولئك العمالقة ، ما زال يحمل في جسده جينات الصمود ،، يقاوم قساوة السموم ،، و يكرع من ماء النيل العكران بالطمي ، و لا يشتكي من ( إلتهاب في المعدة ) أو ( جفاف في البشرة ). و رغم هذه الصلابة في العود و هذه القوة في الشكيمة ،، إلا أنه يحمل بين خافقيه قلبا عامرا بالحب و الوفاء لأرضه و لأهله.

يأتي المسافرون ،،
تنبهر الفتيات ،،
تفرح الأمهات ،،
تحبل الزوجات ،،
تنطلق الزغاريد في زخات معلنة عن زواج ،،
ثم تعود كل هذه الطيور المهاجرة لمنافيها.
و عبدالحليم ،، يستقبل ،، و يكرم الوفادة ،، و يودع ،، ليعود و يستقبل ،، حركة مستمرة في دولاب أيامه ،، كحركة مواسم الزراعة ،، المحصول تلو المحصول و كحركة النهر الخالد ،، فيضان و إنحسار.

كل من وقف و حمل معه الطورية سافر و هاجر ،، تركوه لهذه الأرض ،، يفلح قدر إستطاعته و قدر طاقته ، يحمد الله إن تغدى ببضع تمرات ،، و يشكر الله إن تعشى ( بقراصة يطفو عليها السمن و الحليب ).
حاولوا أن يأخذوه معهم ،، و لكنه رفض ، و إستنكر محاولاتهم المتكررة ،، و دائما ما يقول لهم و هو يحدر طاقيته الحمراء للأمام :
أنا و النخلات دي واحد ،، عروقنا ضاربة جوة الأرض و واصلة لغاية النيل . وا عطشي لو ما غرفت من موية النيل بإيدي ديل و شربت ،، وا جوعي لو ما أكلت الدفيق المنقرو الطير ،، وا موتي لو ما دخل جوفي الهوا الجايي يهفهف بين سعفات النخيل و قناديل العيش.

Post: #24
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: عبدالمنعم الطيب حسن
Date: 06-13-2021, 11:30 PM
Parent: #23

Quote:

قصة حكاها لي الصديق محمد الهادي،
وقال انه بيعرف العريس مع وقف التنفيذ دا...
عريس خلا، ورقاد واطة
الى قصة ابجيقة 👇

تم ترشيح فتاة لهذا الرجل وتم التعارف
بينهما وزمن الخطابات المكتوب على غلافها قابل للكسر،
اكيد جوة فيها صورة، رسلي صور
رسل صور،
رسَّل صور التخرج ياخ الشعر كيف..والشباب كيف!!
والوسامة والعضلات، كلو تمام،
الصور دي قبل اكتر من ٢٥ عاما حسوما،
العام يحك العام، وسنة الغربة مضاعفة لجهة هزيمة الروح والنفس، والجسد..
ومع الصور وفيديوهات اعراس وبتاع..
تمت المراسم، والعروس في المطار
مشى لاستقبالها عريسنا، واختو وزوجها،
هبطت العروس، تسبقها احلام، وتنتظرها افلام ومفاجاءات،
وسلمت عليها الاخت، ودا عريسك يا فلانة..
الف مبروك بالهناء والسعادة،
وتغلبيهو ب....
التفت العروس ورأت عريسا متحننا، كهلا متهدل المنكبين، واقعات الكتفين،
مكترش البطين، صلولع، في مطلع خمسيناته المجيدة،
يقاوم...
في عمر ابوها،
حسب الصور التي طالما ساهرت بيها، في مُخَيِّلتها شابا مفتول العضلات،
مليان الشعرات، قوي البنية، متماسك وسيم، وتلاتيني..
انهارت عروستنا التي لتوها،
انهار عالمها واحلامها، وصرخت باعلى صوتها ولم تصافح
يد العريس الممدودة من زمن تغلبيهو ب....
امسكت بها اخت العريس واحتضنتها
لتهدي من روعها،
اتلم السودانيبن مفتكرينو عزاء
وتراجعوا منسحبين،
وحلفت الا ترجع بطيارتا دي،
المهم، كما يقول محمد الهادي
بعد اسبوعين تلاتة، من مكوثها ما بين المشفى
وشقة اخت العريس، ولاحقا شقة قريبتها
رجعت البنت لاهلها، وقد تحصلت على لقب مطلقة
بلا ذنب جنته سوى احلام من جانبها...
واكاذيب وزيف ودسدسة وغتغيت من جانب هذا
العريس التعيس،
........
حكمة اليوم:
لا يمكن ان تبدأ حياتك بكذبة،
لا تبدأ اي حاجة بكذبة،
لا تكذب...

Post: #25
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Abdalla Gaafar
Date: 06-14-2021, 09:08 AM
Parent: #24

أستاذنا والأديب أبو جهينة تحيات زشكرا لفتح هذا النفاج للكتابة عن عن الغربة و الغياب

بعض ما تبادلناه في الكتابة عن وجع الغربة مع صديقنا أبوذر بابكر وآخرين


الغياب

(الغياب هو ان تبحث عن صدي صوتك في ذاكرة الاخرين فلا تجده)

هو الرحيل الصعب ولا حديث غيره
قرارا سيئ التوقيت... لكنها الحياة حمَلتنا ما لا طاقة لنا به فحملنا ما استطعنا من صبر التواجد في بلاد لا تهب الضحك الا في لحظات الوداع ...وذلك جراء سريان الذكريات عكسيا من القلب الي العقل..... حتي صار الرحيل فرض عين فاخترناه ملاذا (ليس بآمن) لهروب الروح والجسد

هي ورطة الدخول الي اقصي القلب والخروج المتأخر جدا! ... تدري انها قضيتنا ضد الخوف وضلال العقل والقلب ... مذ كانت قضيتنا الحضور في مواسم تقاسمنا فيها الود والجهد والقلق والفقر والحزن والالم.... أو لنقل انها ورطة الخضوع لحاجة النفس الماسة لحلمِ بلونِ ابيض..... ورب فرح يوقظه الآتي من غياب
هوغياب جاء بعد أن سرقت بطاقات الراحة والهوية مني ومنك ومن آخرين في لحظات الانتماء القاسي لأرض لا تنبت إلامزيدا من الأحلام المستحيلة وكثيرا من الغبن..... انه الشعور المباغت بأننا لا شيء ...حين يستهلك العمر مقابل الخبز ...أو في أحسن الحالات مقابل الابتسام
حين عدت يا صديقي لتلك الارض ...كنت اظنها العودة....لكن الحياة رسمتني علي جدران الشوارع والدفاتر لوحة من فرح فقيرِ وناقص ... إطارها القلق والحزن والالم ..... فكنت كفأرِ في بيت فقيرِ معدم....أو كماقالت البدوية: والله ما يقيم فيه إلا لحب الوطن......وهكذا دار الزمان وعدت لصرخة البدء بلا زاد يقيني شر الوقوف علي النبض للنهوض تجاه الغياب مرة اخري.
ياصديقي أعلم ان تلك الارض لا تغفر ذنب الغياب... رغم انها لم تعد تنبت خبزا !...ولم تعد ايضا صالحة لاستيعاب حزن ابنائها......
تلك ارض (ياصديقي) فضت بكارتها بعنف بالغ ..... فأصاب الجفاف احضانها حتي تهتكت ذاكرتها فهربت منها امومتها وضلت الطريق الي قلوب ابنائها وعاشقيها ....
تلك ارض سلبها سارقوها حق ان تغفر لبنيها غيابهم ...ولا حق لنا في ان نلومها ...فقد تستعيد ذاكرتها ذات يوم فتغفر لنا ذنب الهروب والغياب وذنب الحضور الاخرق ايضا
كسرة
غيابك طال...غنتها فاطمة حين ارهقها الحزن خوف سقوط العشق السر من ذاكرتها يوما.....وبرغم سطوة حضورها الانثوي الفاره كانت تخشي هروب ذاكرته في لحظات هروبها اليها... خوفاً من قسوة الفراق وقلة الحيلة في مواجهة صلف غيابه المتكرر...خطأها انها ظنت انه يملك ذاكرة حضوره فانتظرته .... وحين طال انتظارها كتبته علي دفتر احزانها (غيابك طال)

الغياب ياصديقي هو ان تبحث عن صدي صوتك في ذاكرة الاخرين (وخصوصا فاطمة) فلا تجده

عبد الله جعفر






Post: #26
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: مهيرة
Date: 06-14-2021, 09:19 AM
Parent: #25

أستاذنا الأديب أبوجهينة

ياسلام على هذه الكتابة المعبرة عن الغربة ، حلوها ومرها

الذى تحيله حكيك الشيق إلى متعة

سأعود لبعض الحكاوي عن الغربة خاصة غربة السعودية

تحياتى

Post: #27
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ترهاقا
Date: 06-14-2021, 10:46 AM
Parent: #26

Quote:
و في يوم فتحت له الباب بحيث ظهر وجهها و صدرها فقط و قالت له : ها ، مافيش جديد ؟
فقال : لا
فقالت و هي تخبط على صدرها : يا لهوي ... و كمان أعور ؟؟؟؟؟؟

ما تحرمنا من طلاتك الدسمة دي يا قريبي
قبل رمضان باسبوع مشينا زيارة للوس انجلوس وزرنا قريبتك قالت لينا أولاد ابوجهينة
كانوا معاها زيارة، كان نفسي القاهم هناك.

Post: #32
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-14-2021, 07:39 PM
Parent: #27

اخي العزيز ترهاقا

تحايا سامقة
والله ليك وحشة كبيرة

مشكور على المرور
وفي انتظار بعضا من تجاربك

دمتم


Post: #31
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-14-2021, 07:36 PM
Parent: #26

استاذتنا مهيرة
تحايا سامقة اختنا العزيزة
مشكورة على المرور البهي

وفي اناظار تجاربك في الغربة

دمتم

Post: #29
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-14-2021, 07:29 PM
Parent: #25

اخي العزيز عبدالله جعفر

سعدت بمرورك البهي

وقفت طويلا عند :

*

تلك ارض (ياصديقي) فضت بكارتها بعنف بالغ ..... فأصاب الجفاف احضانها حتي تهتكت ذاكرتها فهربت منها امومتها وضلت الطريق الي قلوب ابنائها وعاشقيها ....
تلك ارض سلبها سارقوها حق ان تغفر لبنيها غيابهم ...ولا حق لنا في ان نلومها ...فقد تستعيد ذاكرتها ذات يوم فتغفر لنا ذنب الهروب والغياب وذنب الحضور الاخرق ايضا

*

كلمات تمسك بتلابيب الغربة، بينما الغربة لا تزال تنهال علينا بتناقضاتها من بين سحب الامل وضباب الاحباطات

تحياتي اخي العزيز

Post: #28
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-14-2021, 07:20 PM
Parent: #24

اخي واوسي

شكرا على المرور الباذخ

وفس القصة بكل اركان السيناريو خدثت لمصرية

تكمن المشكلة في رغبة بعض الفتيات في التخارج من زنقة احياة كاتمة الى. حاب الاغتراب

واصل يا منعم

دمتم

Post: #30
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-14-2021, 07:32 PM
Parent: #18

تحياتي اخي العزيز الفنان ياسر

الغربة أقسى نضال
ولو كتب كل مغترب آماله التي هاجر وهي بين حناياه، او كل مغترب وهو يصارع حنينه وحاجته، لامتلأت اضابير وقواميس

في انتظار بعضا من تجاربك اخي العزيز ياسر

دمتم

Post: #33
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-14-2021, 07:51 PM
Parent: #30

المتسلل
********
عبد الكريم المغترب جاء في إجازة و دخل بيته في الخرطوم الذي تسكن فيه أصغر زوجاته الثلاث ..
الزوجتان : الأولى و الثانية يقطنان بأقصى الشمال ، و ينوي الذهاب إليهما بعد أن يروي غليله من أصغر الزوجات هذي ..
دخل و هو متورد الخدين بفعل كريم ( جليسوليد ) الذي يحبه ، و إبتسامة عريضة تسبقه، و عِمة جديدة لنج (تقول لعمة ترباس أبعدي غادي) ، و عطر نفاذ يفوح منه ، و فتح الباب و هو فارد ذراعية لإحتضان أصغر الزوجات،
فإذا بزوجتيه قد سبقتاه من البلد (و قاعدات ليهو ( وش ) و إبتسامة تحاكي إبتسامة الموناليزا مرسومة على الشفاة و لكنها صفراء لها بريق متحفز ينذر بالسوء.
لم يستطع المسكين أن يبدأ بالسلام فوقف كالمُتَسمّر على الأرض و هو ينقل بصره بين الثلاث و كأن مؤامرة ما قد حيكت ضده.
فبادرته أم العيال الكبيرة :
تجي الخرطوم بعد سنة في إجازتك من دون ما تقول لينا ؟ إنت قايل الأخبار بتندس ؟ نحن متابعنك من يوم ما خشيت سوق باب شريف في جدة تلقط في حاجات الإجازة يا راجل الهنا.
ونظرت إليه نظرة ، ذكرته بقصة ريا و سكينة ( فبسمل و حوقل وقرأ المعوذتين ) و لم يكمل قراءة آية الكرسي قبل أن تقول الثانية من تحت أسنانها :
داير تبرطع هنا و بعدين تجينا في البلد مهلهل و منتّف و تقعد ليك أسبوع و تقول عندي عفش مشحون و تفرتق للخرطوم و تقعد مع حبيبة القلب. مش ؟
و لكزته في صفحته لكزة ( إنفدس لها ) دون أن ينبس بكلمة.
المسكين كان يُمني نفسه بعناق طويل مع حبيبة قلبه الصغيرة ، و لكن ها هما تقفان كالجستابو أما ناظريه. فإبتلع ريقه الجاف و خلع عمته الكبيرة و تشهد.
قالت الكبيرة : أفتح الشنط.
فقال و هو يتلعثم : في الحقيقة ....
و لم تعطيانه الفرصة ، فقد هجمت الزوجتان على الشنط ، و في ثوان معدودة ، كانت محتويات الحقائب قد تكومت في ثلاث أكوام متساوية.
فقال : بس المقاسات ...
قالت الثانية : نحن عارفين جايب الحاجات أغلبها مقاس الست الصغيرة. بس برضو نحن بندورن ضيقات، ما دام منك بنقبل أي شي ، إن شاء الله ما يدخلن من الرقبة.
ورمقته بنظرة ، فبسمل وحوقل.

كان البيت مكونا من حجرتين. و مكث عبد الكريم خمسة و أربعين يوما ( يباصنّو التلاتة بيناتن زى كورة بين ثلاثي هجوم ) لم يجد فرصة حتى يشيل الفاتحات التي تنتظره أو تسجيل قطعة الأرض التي إشتراها ،
كان كمن يسكن في معسكر مقفول ، كل ما فعله هو زيارة والديه و إخوته برفقة الزوجة الكبيرة لزوم المراقبة اللصيقة. و عندما إنتهت الإجازة ، كان عبد الكريم في حالة ( تحنن العدو )
قالت الكبرى في وداعه بالمطار و هو يستند على عكازة :
أها الإجازة الجاية بتكلمنا ولا نجي برانا في مواعيدك زى السنة دي؟
فقال عبد الكريم : علي الطلاق بالثلاثة منكن التلاتة ما أجي ، إلا كان تجي جنازتي.

Post: #34
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: امتثال عبدالله
Date: 06-14-2021, 08:44 PM
Parent: #33

الاستاذ ابو جهينة
انا في البداية قريت العنوان:" من اضرار الاغتراب " ولكن بعد تمعنت في العنوان
وجدت العنوان من أضابير الاغتراب " ولكن وجدت فعلا في الموضوع شئ عن اضرار الاغتراب..
بس الموضوع اوسكار ولا شك ....
وشئ اخر اعجبني ايضا وهو قول ذلك الظريف الذي قال بان المدفون في ابو جنزير هو سيدنا ايوب عليه الصلاة والسلام ....لان السودانيين تعلموا الصبر من سيدنا ايوب ،عليه السلام ،
والظريف مقولته اوسكار ..الف نجمة

Post: #35
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 06-14-2021, 10:09 PM
Parent: #34

على سبيل التحية والمتابعة عزيزي أبا جهينة. يا لها من غربة ونماذج إنسانية دالة على جمال هذا الإنسان الذي قد لا يملك أحياناً سوى قلبه. عبد الكريم (المتنازع عليه)، حمد طاقة الحبّ غير المشروط، وصاحب العين الواحدة الذي ما سعى سوى لمحوّ الغربة فزادته الغربة غربة. كذلك غدا من الصعوبة بمكان منذ أكثر من ثلاثة عقود وباطراد استحالة تجنب تأثير سطوة العيش في بلاد الآخرين. كل الود

Post: #36
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-15-2021, 10:55 AM
Parent: #34

اختنا العزيزة الاستاذة امتثال

تحايا سامقة وسلام مقيم

بلا شك ان البعض نال اضرارا من الاغتراب، حتى وان اكتسب مالا وامتلك عقارا وحقق آمالا

نحن بلا شك شعب صبور ، اغترابا وحتى في احضان الوطن

حفظ الله الجميع

شكرا للمرور البهي

دمتم

Post: #37
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-15-2021, 02:24 PM
Parent: #36

اخي العزيز البرنس
تحايا وسلام

*

كذلك غدا من الصعوبة بمكان منذ أكثر من ثلاثة عقود وباطراد استحالة تجنب تأثير سطوة العيش في بلاد الآخرين

*

بالمس يا برنس
جلست مع ابنتي احسب عدد سن ات غزجربتي
فاذا بها اكثر من مكوثي بارض الوطن
ولكن رغم هذا، فان تداعيات الذكريات بالوطن تمسك بتلابيب المخيخ واقوم دوما بالمقارنة

في انتظار بعضا من محتويات اضابير غربتك

دمتم

Post: #38
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Mohammed Alhasan Mohammed
Date: 06-16-2021, 11:54 AM
Parent: #37

Quote: فقال عبد الكريم : علي الطلاق بالثلاثة منكن التلاتة ما أجي ، إلا كان تجي جنازتي.


ود ام زقدة تانى بتجى الحملة ....



تحية اعجاب بهذا ا الابداع الاضابيرى المتفرد ..ولا ابالغ ان قلت لكم بعض هذه الاضابير انتشرت فى الاسافير كانتشار النار كالهشيم ...لكم التحية الاستاذ ابوجهينة ..

Post: #39
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-16-2021, 03:02 PM
Parent: #38

تحياتي اخي محمد الحسن

مشكور على المرور

اما زوج الثلاثة، فما زال يقوم بنفس رحلاته بنفس النهج، ولما نصحوه باستقدام الزوجة الصغرى، قال حتما ستأتي الاثنتان ولو يتأشيرة عمرة او حج

*

قصة المغترب الذي تم سجنه، كانت لها التأثير الكبير في منعطفات تعاملاتي وحياتي بالغربة
دمتم

Post: #40
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: مهيرة
Date: 06-16-2021, 03:08 PM
Parent: #39

أنا نقلت قصة الولد السجنوه ظلماً للواتساب

بتوقيع المبدع أبو جهينة

فى قصة تانية برضو لشاب حبته بنت الكفيل وسجن ظلماً فى الغربة

نزلها لينا وتسلم أديبنا الكبير أبو جهينة


تحياتى

Post: #41
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-16-2021, 03:40 PM
Parent: #40

تحياتي اختنا الاستاذة مهيرة
شكراللمرور

سوف اقوم بنشر القصة
دمتم

Post: #42
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-16-2021, 03:58 PM
Parent: #41

بانوراما في شقة مغترب
*******************
المكان :

مدينة جدة ،، شقة مغترب سوداني يسكنها مع زوجته و أولاده و بناته ،، شقة واسعة في حى من أحياء جدة القديمة ،،
هو محسي من الشمال و هي من بنات الجزيرة ،، الإثنين في منتهى الكرم و الأريحية و الصبر و طول البال ،،
يستقبلون المعتمرين في كل المواسم ،، و يستقبلون الحجاج و الحاجات ،، و يستضيفون بقلب قوي شجاع كل الزائغين من الحج و العمرة و العاطلين عن العمل و الهاربين من كفلاءهم ، و الحردانات أزواجهن إلى حين حضور الأجاويد ،
كل هؤلاء من أهل الشمال و الجزيرة ،، لذا تجد الشقة خليط من الثرثرة ( باللغة النوبية ) و إنبهال الكلام بلهجة أهل الجزيرة،،
و تأتيك أحيانا زخات من الدوبيت و المسادير منطلقة من الصالون ،، و تنطلق من حين لآخر أغنية باللغة النوبية من مسجل في ركن قصي بنفس الصالون ،، فيختلط حابل ذاك بنابل هذا.

الكل منطلق يتحدث و يتصرف في عفوية دون توجيه أو إرشاد، لأنهم يدرون بأن لا رقيب و لا حسيب و لا كاميرا ، و لا مشاهدين من خارج الأستوديو.الإنتاج :أهل الجزيرة يعرفون أن البساط أحمدي ،، لأن ست البيت ( بنتهم و هم أخوالها و أعمامها ) ،،
أهلنا المحس ،، ماخدين راحتهم بالكامل ،، فصاحب البيت ( ولدهم و إبن حتتهم OONAMMENI يعني زولنا وبتاعنا).
اللغة النوبية شغالة دون توقف و هذا ما يزعج أهل الجزيرة و يجعلهم ( يطنطنون تحت تحت : و الله ما فاهمين التَكْتَح ).
فيستعملون كلمات لا يعرف أهلنا المحس مغزاها فهي من الدارجة ( العميقة الموغلة في مفردات بيئة أهل الجزيرة ) ،

حتى أن واحد من عندنا سمع من واحد من أهل الجزيرة كلمة ( متل أَتَكَنٌو ) فحسبها ماركة ساعة يابانية فحاول أن يسأل عن سعرها و يقتنيها فقال له الرجل ( ها يا زول إنت بي صُحَك ولا بتهظر ؟ ) .

الزمان :

عمرة في عز الحر ،، الشقة عامرة بأهل الجزيرة و أهل الزوج المحسي ،، نساء و رجال ،، شيبا و شبابا.

ديكور الشقة :

الصالة و غرف البيت ،، و السطوح ،، لا مكان يخلو من البشر ، كتل متراصة دون ململة.
الصالون جردوه من الطقم و تم فرش المساحة كلها بالسجاجيد و الأبسطة و المخدات و الملايات و البطاطين و الألحفة.
العمائم في كل ركن و معلقة خلف الأبواب على المسامير ،، و شالات من كل الأشكال و الأحجام ،، بعض العراريق موضوعة على المخدات لتجف من العرق ..
تقبع حفاظة ماء كبيرة بالقرب من الباب و ترقد عدة أكواب بلاستيكية على الغطاء.
حقائب و هاندباقز من مختلف الأشكال و الأحجام تملأ الأركان.
سلال النفايات البلاستيكية عامرة ببقايا الصعوط و قشر الفواكه و التسالي.
المكيف الصحراوي لا يتوقف ليل نهار ،، تسمع أزيزه فكأنه يشتكي لك من البلل الدائم و نشفان القش و السيور ، فتشفق عليه.

المَشاهِد المنقولة يوميا :

الزوجة تقف منذ الصباح الباكر كعادتها كل يوم ،، تطبخ حلة ماكنة من ملاح الويكة ،، ثم ( تلخ ) عجينا لزوم القراصة و آخر لزوم الكسرة.
الإبن الأكبر لا يجد كراسة الرياضيات ، فقد أخذها إبن خالة أمه و إقتطع منها عدة ورقات لزوم ( تضريبات المنصرفات ) ثم رمى بالكراسة تحت السرير.
حوض الغسيل مسدود و المياه طافحة و سائلة حتى باب غرفة النوم بسبب إستفراغ حاج عبدالله فيه إستفراغا كثيفا بعد إن إلتهم ( خمسة سندويتشات شاورما ) يبدو أنها كانت بايتة و مليئة بالمايونيز المضروب.
المسجل الجديد في البيت لم يعد يعمل ، فقد وضعه أحدهم على خط 220 فإحترقتْ فيوزاته.
إشتبك ( صالح ) مع ( الخير ) لأن الخير إنطلق ( يدوبي ) بأعلى صوته فإنتهره ( صالح ) : إنت هسع مش جيت من بيت الله ؟ أقرا ليك قرآن ولا حديث يا أخي ،، بعدين صوتك دة مزعج خلاص.
إنتهى الإشتباك بأن أقنعوا ( الخير ) بالذهاب للسطوح لإفراغ موهبته ، فخرج و هو يهجو ( صالح ) بأبيات من الدوبيت و هو يضغط على مخارج حروفها كمذيع برنامج ( البادية ) حتى لا يلتقط ( صالح ) معانيها.
الحاجة بتول تصر على أن تترك ست البيت عملها في المطبخ و تناولها غويشات و ( أحفظ مالك ) و الخواتم التي تخص حفيدتها لتملأ عينيها من الأصفر الرنان.

( إسماعيل ) يحاول جاهدا أن يفهم فئات العملة السعودية ، فهو لا يعرف الفرق بين الفئات الورقية ، لذا فقد إشترى علبة بيبسي و أعطى صاحب البقالة البنغلاديشي ورقة ( أم خمسين ) دون أن ينتظر الباقي و رجع إلى البيت و هو يتجشأ غازات المشروب ( و يصر عينو بعد كل تجشؤ ) ..
أحد الجيران المصريين ، يشتكي لصاحب البيت بأن إثنين من الضيوف طرقوا باب شقته منتصف الليل و هم يصرون على أن هذه هي شقة الزول ، حتى و بعد أن أتى المصري بزوجته و عياله و قال لهم : أنا صاحب البيت يا قماعة ، شأتكو التانية اللي في الوش دي ،، حرام عليكو ،، عاوزين ننام بأة ..
البنت الصغيرة و هي تبكي لأمها : يمة ،، الراجل أب صلعة داك أكل كيس الشيبس بتاعي كلو.
(حمد ) بأعلى صوته من الحمام : يا جماعة صابونة الجن دي قدر ما أدسها ما ألقاها.. و بعدين منو دة البيستعمل بشكيري دة ؟
يرد عليه ( جبريل ) بصوت خفيض و هو يغمز ( لبابكر ) : الصابونة ما بتاخد معاهو غير دعكة واحدة أب جسما زى أبو القنفد دة ،، هو بي نضمو دة عاوز ليهو صابونة شحدة ساي.

( كرار ) و هو يضحك حتى يستلقي على قفاه و هو يشير بأصبعه إلى رأس ( السر ) المحلوقة و قطع من القطن تتناثر في عدة أماكن من رأسه : إنت الزول دة حلق ليك بي أسنانو ولا شنو ؟

جو الصالة يعبق برائحة غريبة ، فقد أشعلتْ الحاجة زينب قطعة من القماش لتستنشق دخانه مقتنعة بأنه علاج للصداع النصفي الذي يلازمها منذ زواجها من ( صابر ) ذو الثلاث زوجات قبلها تحت إلحاح أبيها الطامع في ثروة ( صابر ). لا تبالي بإحتجاجات بقية النساء و تواصل الإستنشاق و هي تقول : ربنا ما يوريكن وجع الشقيقة دة ،، و الله لو قالوا ليكن إتبخرن بي بعر غنم كان ما بتابَنٌو. حاجة ما بتتقابل.
و تشد نفسا عميقا حتى تدمع عيناها.

الرضية ) تدخل خلف ست البيت في غرفة النوم ، و تطلب منها على إستحياء سلفة لأنها ترغب في شراء ( تياب و شباشب ) للمتاجرة بها في الحلة بالسودان. ست البيت و هي محرجة تعتذر لها و تقول : و الله زوجي ليهو شهرين ما أدوهو الراتب ،، بيدوهو على قدر أكلنا و شربنا.
فتلوي الرضية بوزها و تخرج و هي تتمتم : تلقاكي خاتاهن رُزَم رزم.

منتصف الليل ، ينطلق شخير ، بدأ منخفضا ، ثم بدأ يعلو شيئا فشيئا من الصالون ،، فينطلق الإحتجاج من سكان الغرفة المجاورة ، سرعان ما هدأتْ الإحتجاجات فقد بدأ صوت شخير آخر بغرفة المحتجين يفوق درجته ذاك الآخر بأكثر من درجة على مقياس ( شِخْتَر ) ..
( الحاجة سكينة ) تتسلل إلى المطبخ لتسكت جوع بطنها ، فهى قد حردتْ العشاء بعد ملاسنتها مع ( الرضية ) بسبب إنتقاد الثانية لها بأن ( توبها ) ما توب واحدة في عمرها. تصطدم بحلة كبيرة على الأرض فيتحدث صوتا إيقظ ست البيت التي جاءت مهرولة إلى المطبخ ،، مما حدا بالحاجة سكينة بأن تتظاهر بأنها تريد أن تشرب الماء ،، فناولتها ست البيت ( جك الماء ) فكرعته كله حتى تنسى الجوع ، و عادت إلى فراشها و هى تلعن الرضية و تلعن المكابرة.

و تتواصل المشاهد ، المشهد تلو الآخر ..
وتختلف من شقة مغترب لآخر
ومن ضيوف مغترب لآخر
ولكن في النهاية : وجود ضيوف في هذه الغربة هو بلا شك تخفيف لكثير من لوعة الشوق لتراب الوطن وأهله الكرام


Post: #43
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Ahmed Yassin
Date: 06-17-2021, 02:09 PM
Parent: #42

انا نايم .. اتخلعت بى صوت خبط على الباب وليس أي خبط
جيت اولع النور .. ما ولع ، اكيد مشكلة لأنه الكهرباء يستحيل تقطع
يبدو ان واحد من ناس البيت بكوي او شاحن موبايل .. الفيوز بكون ضرب
يعني امشي ارفع مفتاح التامين بس ، لكن صوت الدق على الباب
نساني والخلعة والربكة، فتحت الباب لقيت ليك 2 بوليس بمسدساتهم
ومعاهم سيدة وكلب قدر الليلة وبكرة . واحد من البوليس واقف بعيد شوية
تحسبا انه انا اهرب، دخلت فيني خلعة عجيبة يا ربي انا سويت شنو؟
اكيد بوليسين طوال عراض وبى مسدساتهم وكلب رهيب يعني
دي جريمة مافي كلام .. طوالي بالي في الثواني دي مشى للتفجير
الكان في المطار قبل فترة بسيطة قلت خلاص انا انتهيت وانا
اصلا طوالي قاعد امشي اقعد في كافتريا المطار الحصل فيها التفجير
اكتشفت ان الدنيا كانت صباح .. وانا درجة حرارة جسمي وصلت تحت الصفر
البوليس قام ولع بطارية .وانا ما قدرت حتى اسأل الحاصل شنو؟
وقفت متبلد فاغرا فاهي والحال يغني عن السؤال..
السيدة الجايبة البوليسين وكلبهم معاهم نطقت وقالت (بلاستيقن)
انا بدون ما احس اتشهدت وقعدت في الواطة وقلت: (بلاستيقن ؟ ) ؟؟
!!! دأ بلاستيقن ؟؟
واتشهدت وقعدت اضحك ..معقول ؟؟ عشان البلاستيقن جايين بالهلومة دي كلها؟
الولية المعاهم طلعت ورقة وقالت (وقٍّع هنا ) فعلا مضيت
تخيلوا ديل ناس (الضرائب)
اكيد هم قايلين انه انا حتى قروش الكهربة ما قادر اسددا
لاني اتاخرت في السداد و لو الزول ما وقع ممكن يشيلوا منك الـ (out caring)
بعدين اوريكم الحصل لمن قالت لي امشي لـ الس(كاش زوخ) او مايعرف بالخزينة

Post: #44
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-17-2021, 02:43 PM
Parent: #43

تحياتي اخي احمد ياسين

*

واتشهدت وقعدت اضحك ..معقول ؟؟ عشان البلاستيقن جايين بالهلومة دي كلها؟
الولية المعاهم طلعت ورقة وقالت (وقٍّع هنا ) فعلا مضيت
تخيلوا ديل ناس (الضرائب)

*

اضحك الله سنك

يعني الكلمة كان اول مرة تمر عليك

دمتم

Post: #45
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Ahmed Yassin
Date: 06-17-2021, 03:23 PM
Parent: #44

طبعا .. ارتحت جدا بعد ما الموضوع طلع ضرايب وما مصيبة
واهم شىء من الكلب الضخم الذي كان ينظر الي شذرا
وهو يترقب الامر من سيده البوليس بفارغ الصبر لينطلق نحوي.
مشيت لى ناس ال س( كاش زوخ ) وهناك عرفت اني اني
برضو كنت قاعد ادفع شهريا ليهم قاموا رسلوني لى الاستور
مشيت ..قالت لي البت . وينا اكياسك؟
جبت لي كيسين. وهي تقول لي شيل من المعجون دا
شيل هنا ...تونة ساردين مكرونة..خميت خم .
قالت لي دا حق اسبوعين
وانا خامي حق اكتر من شهر
اتكيفت كيف

Post: #46
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-17-2021, 04:02 PM
Parent: #45

مشيت ..قالت لي البت . وينا اكياسك؟
جبت لي كيسين. وهي تقول لي شيل من المعجون دا
شيل هنا ...تونة ساردين مكرونة..خميت خم .
قالت لي دا حق اسبوعين
وانا خامي حق اكتر من شهر
اتكيفت كيف

*

اضحك الله سنك يا احمد
جاملتك البنية

Post: #47
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-18-2021, 06:21 PM
Parent: #46

على شفا بؤرة من جنون

***
الواقع المعاش يستمد توازنه من جنون الخيال المتزن و تمرده المقنَن و تبعثره المتناسق،
يتقابل كل هذا الجنون و التمرد و التبعثر عند تقاطعات و نقاط إلتقاء مع هذا الواقع سلبا و إيجابا، لذا فإن العقل الباطن يتقبل مجريات الواقع و يتعايش معها لأن تربته تكون مبللة بقطرات ذلكم الخيال ، و مرتوية حد الثمالة من رحيقه ، و يكون سطحه مدهونا بطبقة رقيقة من ألوان طيفها التي تفوق السبعة ، و رذاذها يتطاير فوق أوراقه فيجعلها ندية براقة ، قابلة للمس رغم ملمس الحقيقة الخشن أحيانا.
هكذا كان حال صديقنا ( الفاضل ) ،، لا يدري أين هو و لا كيف أتى و ماذا حدث ،، أيعيش واقعا حيا أم خيالا يلتف حوله فيجعله كمومياء حية.
ما آل إليه جعله يهذي كالمحموم ، لا يدري كيف تمر أيامه و لياليه ، تتداخل رؤاه مع واقع حاله كمياه النهر و البحر عند إلتقاءهما في برزخ لا يبغيان.
يتقلب على ( عنقريب الحبل ) ،، يبصق ( سفته ) و التي خُيِل إليه أنها تنتفخ و تكبر و تزداد حجما مع ما يعربد في ذهنه ،،
يعاجل تجاويف مزاجه بسيجارة من نوع رخيص ينفث دخانها إلى أعلى فيتصاعد في خط مستقيم بفعل الهواء المعدوم حوله.


* نواصل

Post: #48
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-18-2021, 06:26 PM
Parent: #47

رحم الله أيام الجناح الخاص الذي كنت تتقلب فيه في فندق ( جورج الخامس ) ،، كنت كمن يملك نجمة من نجماته الخمس ، تتقلب على السرير ذو ( المرتبة ) المائية ، تدخن السيجار الكوبي الفاخر ،، و الكل يناديك(مسيو ) ،، توزع ( البقشيش ) يمنة و يسرة ،، تتجول في ردهات الفندق ( بالروب دي شامبر ) المصنوع من القطيفة الحمراء تتهادى منتعلا الصندل الجلدي كسلطان زمانك ، يتهافت كل من يعمل بالفندق لخدمتك و تلبية طلباتك.....
أواه يا زمن أواه.
إبتسم إبتسامة باهتة ... سرعان ما إنزوتْ.
( الراديو ) القديم يطلق صوتا متحشرجا متقطعا غير مفهوم ، يضربه على جنباته بعصبية دون فائدة ، فيغلقه و يضعه على الطاولة ذات الثلاث أرجل بجانب كوب به بقايا من الشاى الأسود يحتضن عدة ذبابات منتحرة.
تئن حبال ( العنقريب ) من تقلبه ، و تنثني إحدى أرجله إلى الداخل منذرة بسقوط قريب.
تناوشه ذبابة عنيدة ،، فيرد الصاع بالطاقية و تارة بيديه ، ثم يتركها أحيانا تمارس هوايتها على بشرته الجافة.
يحك رجله برجله ، ثم تلك بتلك ، و لا يدري سبب الحكة و لكنه يتجاوب معها و هو يحس بخدر كلما تأخر عن الإسراع بالتجاوب.
تخيل نفسه غاطسا في ( الجكوزي ) و كأسه على يمينه ،، و موسيقى كلاسيكية حالمة تدغدغ وجدانه ، و فتاة المساج في إنتظاره لينعم بتدليك يجعل المتعة تسري في أنحاء جسده المرهق دونما عمل.
يقدم ( طاقيته ) للأمام ، ثم يعاود فيرجعها للخلف ،، ثم يعضها بين أسنانه ،، ثم يضعها تحت رأسه المثقلة بالهموم و الهواجس ، و يعيد الكرة في رتابة دون وعى.
يغمض عينيه إتقاء ( رقراق ) أشعة الشمس من بين فرجات الراكوبة المغطاة بحصير سيقان القمح و ( البروش ) المهترءة.
يحط طائر على السقف ، يشق جدار الصمت بصوته باحثا عن رفيقته ، فيتساقط التراب متناثرا من تحت مخالبه ، فتضيع حبات الغبار بين طيات ( العراقي ) المتسخ.
يقوم متثاقلا ، يكرع الماء ( بالكوز ) من ( الزير ) الذي تكسوه من الخارج طبقات من الطحالب الخضراء و السوداء.
يسكب محتويات ( الكوز ) دفعة واحدة في جوفه. يلفظ آخر جرعة متأففا ،، فقد شاركه ( جندب ) الشرب من نفس الجرعة.

Post: #49
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-18-2021, 06:28 PM
Parent: #48

يعود إلى رقدته ،، ، لا يبالي بطعنات زوائد الحبال المنتصبة تحته و لا بوخزاتها عبر ( العراقي ) الذي بالكاد يستر جلده.
من يصدق أيها الهاجد في هذا السكون تحت سماء هذه القرية الوادعة ، من يصدق أنك أنت ،، نعم أنت بشحمك و لحمك ،، هو ذاك الآتي من خضم الزحام و بهرج الأضواء و صخب المدائن ؟ أنت ذاك الذي كان يرفل في حلل زاهية الألوان من ماركات ( دافنشي ) و ( بيجان ) و ( آنجلو ) ،، تنتقيها من شوارع روما و أنت تفاصل في أسعارها بلغة ( طليانية ) تنافس لسان البرتو مورافيا و زعماء عصابات صقلية.
يزدرد ريقه الجاف ،، و هو ينظر ( للعراقي ) الذي ذهب لونه.
تفوح منه رائحة العرق ،، فيسرح بخياله أيام التجوال في محال باريس ، متأبطا ذراع ( رشيدة المغربية ) ينتقيان العطور الراقية و الغالية الثمن.
إيه يا رشيدة يا سليلة ( البربر ) ،، أين أنت الآن ؟ أما زلت تلك الفتاة التي تتراقص خصلاتها الطويلة على أردافها كذيل جواد رامح ، تبهرين كل من حولك بعينيك الواسعتين و وجهك المستدير الطفولي ،، و رقصاتك المجنونة الشبيهة بإيماءات الزار ؟ ألا زال نهارك كليلك ، و ليلك كنهارك ؟ أين أنت الآن يا همجية المزاج ؟
زفر زفرة طويلة و إنقلب على جنبه الأيمن و هو ( يطقطق ) أصابع يديه.
مرق كلب و أنحنى يشرب من إناء تحت الزير و هو يتلفت في حذر.
تذكر ( الكلبة المدللة ) لفتاته رشيدة ،، كانت تأخذها لكوافير الكلاب كل شهر مرة ، و ها هو رأسه مثقل بالشعر الأكرت دونما ( حلاقة ) منذ شهور مضت ، لا يذكر متى تخلله ( المشط ) ،، يستعمل أصابعه في تخليله.
إبتسم في إمتعاض ،، يمضغ الحسرة.
أحس في لسانه الجاف بطعم طبقه المفضل الذي كان يتناوله في ذلك المطعم الفرنسي الصغير في إحدى الأزقة المتفرعة من شارع الشانزليزيه. رشيدة لا تحب إستعمال الشوكة و السكين ،، تستعمل كلتا يديها غير مبالية بنظرات الإستنكار ،، و من حين لآخر تلقمه في فمه قطعا من لحم ( الإستيك ) المفضل لديها ،، فييزدردها و هو ينهاها عن تكرار ذلك ، و لكنها تضحك في عفوية و غنج بصوت مجلجل و تعاود الكرة وسط نظرات رواد المطعم ،، تستفز خجله و تمتحن إستجابته لشيء تراه طبيعيا في هذا البلد.

Post: #50
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-18-2021, 06:30 PM
Parent: #49

نواصل مع ( الفاضل )

Post: #51
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-18-2021, 06:33 PM
Parent: #50

وقف صبي نحيف حليق الرأس أمامه و هو يلهث : عمي الفاضل ، قالوا ليك تعال إتغدى.
هاهو يا رشيدة ( الروم سيرفس ) ،، و قائمة الطعام لا جدال فيها ،، فهي جاهزة ( كطبق الشيف ) و ( طبق اليوم ) ،، فالأكل هنا تلبية لنداء البطن و الجوع ، لا مجال للمزاج و التنويع.
تذكًرَ عندما شرب لأول مرة شوربة الضفادع تحت إلحاحها الذي لا يستطيع أن يقاومه ،، أحس أن ورما يلازمه في إمعاءه طوال الليل حتى منتصف نهار اليوم التالي ، حتى أنه ليلتها رأى في منامه أن عشرات الضفادع تطارده على طرف جدول مليء بالحساء تنمو الحشائش على جانبيه و نقيقها يملأ المكان.
أما زلت ترتادين ذلك المطعم ؟ ترتفع حرارة غيرتي كلما دلفنا إليه.
أشار إلى الصبي بأن لا رغبة له.
و غطى وجهه بكلتا يديه ،، و راح في غفوة لعل أحلام يقظته تسافر به إلى هناك ،، طفق يتخيل و يحلم كيف أنه يمكن أن يأتيه منها ما يجعل الأمل يفرهد من جديد في قلبه ليحزم أمره و ينطلق عاتقا نفسه من ربقة هذا الأسْر القاتل .

Post: #52
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-18-2021, 06:43 PM
Parent: #51

تذكر عندما شرب دون ان يدري ، شوربة الضفادع تحت الحاحها، أحس أن ورما يلازمه في امعاءه طوال الليل
ليلتها رأى فيما يرى النائم ، عشرات الضفادع تطارده على ضفاف الترعة في قريته وكأنها تهتف ليعرف اهل القرية انه شرب من منقوعها
غطى وجهه بكلتا يديه وراح في غفوة لعل احلام يقظته تسافر به الى شارع الشانزليزيه او قوس النصر طفق يتخيل كيف انه يمكن ان يأتيه منها ما يجعل الامل يفرهد في دواخله من جديد ليحزم امره، وينطلق ليعانق الغربة من جديد

***
انتهى

Post: #53
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-19-2021, 09:21 PM
Parent: #52

قالت لي القبطية
إهداء لصديقي دفع الله
***

عطبرة ،، ذات فصل إعتمرتْ فيه المدينة ( كتاحة ) غير مألوفة ، لون أحمر قان و كأن كل تربة البطانة قد حلَقتْ في الجو لتمطر أهل المدينة بهذه الزخات الترابية.
تنام في ( حوش ) البيت ، فتصحو و كأن ( بطانية ) من تراب قد إلتحفْتها أثناء نومك ، حتى أن أهل الدار ربما ميَزوك عن غيرك بصوتك ، حيث يبدو شكلك و كأنك تعمل في ( طاحونة ) طوال اليوم.
يالها من ذكرى.
القبطية ( أم سوسن ) جارتنا ، إمرأة مكتظة اللحم ، قصيرة القامة ، و لكنها لا تخلو من وسامة ، تربط شعرها بمنديل يسميه أهل مصر ( أُوِيه ).
كثيرة الكلام ، مشحونة بعواطف متضاربة.
فتارة هي رومانسية تتغنى بأغنيات أم كلثوم و تدندن بألحان عبدالوهاب.
و تارة أخرى تصب جام غضبها على صنف الرجال و تصفهم بالخونة .
و تارة تلعن النساء و تقول أنهم أس المصائب.
إمرأة مترعة بالحياة و متروسة بالتجارب ، تنفث دخان سيجارة ( القولد ليف ) و أحيانا ( الكليوباترا ) ، و تسعل طول الوقت ، فنسمعها و نحن رقود على أسرتنا في الحوش نحدق في النجيمات البعيدة.
نجوم عطبرة كنت أتخيلها و أنا صغير بأنها غير تلكم التي تسطع في سماء الدامر أو بربر أو الخرطوم ، أو حتى التميراب القريبة.
مدينة في غيمة ، و غيمة في مدينة.
( أم سوسن ) كانت تعشق سمرتي و هدوئي. إمرأة في الأربعين و أنا صبي في الحادية عشرة من عمري. لا يكاد يمر يوم دون أن تراني.
أصابتني حمى شديدة ذات مرة ، عرفت يومها أن هذه المرأة تحمل بين جنباتها قلبا كبيرا و تحبني كإبنها تماما ، كان أبي يقول لها ممازحا : خديه و أدينا بيتك الملِك بدالو .
هرولت بي يومها للمستشفى و هي تقول ربما كان هذا مرض ( السحائي المخيف ) ، من بين فيح الحمى التي تجعلني أفتح عيني بصعوبة، كنت أرى اللهفة و الخوف في عينيها و هي تتحسس جبيني ، و أنا أطوق عنقها بكلتا يدي. لم تعط أسرتي فرصة حتى للذهاب معها .
سألني الطبيب ممازحا و الذي طمأنها بأنها مجرد ( إنفلونزا ) : دي أمك ؟
لم أرد على سؤاله ،، لم أجد كلماتا أعبر بها للطبيب عن تعلقي بها.
( أم سوسن ) ،، شخصية مهمة في الحى كله
فهي تقرأ الفنجان لجاراتها ، و مستودع أسرارهن ، يستشرنها في كل أمورهن.
أقبع إلى جوارها أنظر إلى لون بشرتها الذي يذكرني بعروسة حلاوة المولد.
كنت مبهورا بها ،، و هي لا تنفك تقول أمام الكل بأنها تتفاءل بي.
رائحتها مزيج من التبغ و رائحة صابون ( لايف بوى ).
إن غبت عنها ، تأتي باحثة عني ، فيناديني أخي : الحلبية حقتك جات.
فتسحبني من يدي لأجلس قربها في مطبخ منزل شقيقها المهندس بورشة المرمة.
أرملة ، لا تزال تجتر الحب الذي كان.
قالت لي ذات مرة و هي ترتشف فنجانا من القهوة ، و تقرصني في أذني : أوعك تحب ، و لو حبيت و فشلت ما تحاول تتذكرها تاني ، سامع يا سمارة ؟
عيناها الواسعتان ، و وجهها المكتنز ، صورة لم تفارقني طوال حياتي ، و خاصة عندما أدخل معترك قصة حب صبيانية أيام المراهقة ، و التي أفرغنا أحلامها بين مشاهدة الأفلام الهندية ، و مطاردة بنات الكمبوني ، مرورا بحى ( السودنة ) و ( القيقر ) و ( شارع الرى ).
فوزية ، جارتنا ، أحببناها نحن الثلاثة ، أنا و إثنين من أصدقائي ، كان كل واحد منا يحكي قصته مع محبوبته دون أن نذكر الإسم ، و دون أن ندري أن فوزية كانت بطلة كل قصصنا.
كانت تملك مقدرة عجيبة على أن تجعل كل واحد منا يحس بأنه ( الأوحد ) الذي يتربع على عرش قلبها.
كتبت فيها شعرا ، و أهديته لها مكتوبا على ورقة ضمختها بعطر( سوار دي باريس ) بعد أن سرقت زجاجتهامن غرفة أمي.
قالت لي ممازحة : وديها للعطبراوي يغنيها.
أصابتني بالإحباط.
سمعت من زميلاتها أنها قرأتها لهن و نسبتها لنفسها.
إذن تعليقها لم يكن جادا ، شعرت بالفخر .
لا أدري من أين عرفتْ ( أم سوسن ) بقصتي مع فوزية ، نادتني ، فدخلت حيث تجلس في المطبخ ، نظرتْ إلي مطولا ، ثم قالت و هي تنفث دخان سيجارتها في وجهي : البت دي أبعد منها ، حتعذبك لو إتعلقت بيها.
مرت السنوات ،، و الأحداث ،، و إنتقلنا من عطبرة إلى الخرطوم.
ثم إبتلعتنا الغربة في جوفها.
و خيال فوزية ،، يزورني من فترة لأخرى.
باريس كانت المحطة الثانية بعد الرياض في محطات الغربة الكثيرة.
أتسكع على رصيف جادة فوش الراقية.
سمعت صوتا يناديني : يا أخ
إلتفت ، فوجدت شابا سودانيا أنيقا بلحية قصيرة مقصوصة بعناية ، هندامه يدل على أنه ميسور الحال.
تقدمت و سلمت عليه . صافحني بحرارة .
تفوح منه رائحة عطر من نوع راق و غال.
يعمل في تجارة الجلود .
أصر على دعوتي في شقته التي يملكها في هذا الحى الأنيق.
ما أن تدخل الشقة ، حتى تحس أنك في بيت بالسودان.
الجدران مزينة بالبروش المزركشة ، و الأطباق .
( البنابر ) الأنيقة المنسوجة بخيوط النايلون موزعة بطريقة توحي بأن ست الدار لها لمسة فنان.
( الكليم ) المصنوع يدويا مفروش على أرضية الشقة ، صور ضخمة عن السودان تزين الجدران ، عدة أنواع من ( السبح حتى اللالوب ) تتدلى بجانب الصور .
البيت يعبق برائحة الصندل ، و بقايا عطر ( الخُمرة ) لا يزال يراوح يده التي صافحني بها.
غاب قليلا ثم عاد ( بصينية الشاى المنعنع ) ، و أطباق صغيرة أنيقة تحتوي على البسكويت و الغُريبة و الكعك ، ما أن تذوقت جزءا من الغُريبة ، حتى خيل إلى أنني أشم رائحة (الحلو مر) تعبق الجو عندما يقترب حلول شهر رمضان ، و دغدغتْ كياني ذكرى العيد في عطبرة و نحن نحشو جيوبنا بالحلويات و الكعك عندما نذهب للمعايدة و ننتظر في إلحاح ( العيدية ).
إزدحمتْ ذكريات كثيرة و حديث مضيفي لا ينقطع .
شعرت معه بإلفة و دفء( الترحاب ) الصادق.
دخلت زوجته و تحيتها تسبقها ، وقفت لأصافحها ، أبقتْ يدي في يديها لبرهة حسبتها ساعات ، أحدق فيها و هي تنظر إلى في دهشة.
كانت فوزية بلحمها و دمها.
كم هو صغير هذا الكون ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لم أسمع ماذا يقول زوجها ، و لكن لا بد أنه كان يعرِفني عليها.
نظرت إلى فوزية ،، كانت أجمل من ذي قبل ، غير أن وزنها قد زاد عما كانت عليه.
لم أجرؤ على النظر إليها ثانية ، و لكنني كنت أحس بنظراتها تلسع جانب وجهي.
لم تتحدث كثيرا ،، غير أنها رحبت بي في دارها بصوت خفيض.
أنظر إلى زوجها ، و هو يتكلم ، و أنا لا أفهم كلمة واحدة مما يقول ، فقد كان شريط أيامنا الخوالي يمر أمامي ،،،، يوم أن دعوتها للسينما هي و شقيقها الصغير ،، عندماحاولت أن أتجرأ و ألمس يدها ، فسحبتها و هي ترمقني بنظرة تحذير ،، و ليلة عرس شقيقتها حيث تشاجرت ،، بدافع الغيرة ، مع قريبها ( المدلل ) الآتي من الخرطوم و هو يلازمها كظلها ،،، و يوم ودعتها و نحن ننتقل من عطبرة إلى الخرطوم ،، فقد سمحتْ لي لأول مرة أن أضع يدها الصغيرة بين يدي و أنا أحاول أن أقلد الممثل عماد حمدي في إحدى أفلامه الرومانسية ،، و آخر كلماتها بأنها لن تنساني طوال حياتها ....
كل هذا مر أمام عيني ،، و زوجها يواصل حفاوته بي و سعادته لرؤية سوداني في هذه المنطقة.
وقفت مستأذنا ،، أصر الزوج على أن أحضر للعشاء. وعدته بالحضور و أنا أضمر غير ذلك ،، فقد كانت رؤية فوزية ،، كنافذه مشرعة تنطلق عبرها ريح مزمجرة تعصف بي و منذرة بإجتياحي .
طفا خيال ( أم سوسن ) فجأة على سطح ذاكرتي و أنا أسرع الخطى دونما هدف ، إسترجعتُ كلامها ونصيحتها. هزني شوق جارف لها و لجلوسي معها و لثرثرتها و لأيام الصبا.
وطفرتْ دمعة عجلى مسحتها قبل أن تنزلق.

Post: #54
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 06-20-2021, 00:01 AM
Parent: #53

هذا نص بديع، أبا جهينة. فما يبدو على السطح محض تداعيات، يقبع وراءه حكاء ماهر. كيف تتناسل هنا الحكايات والمشاهد القصصية وتتضافر معاً لترسم في الأخير لوحة ذلك الفقد الذي لا يمكن تعويضه. ولما ظهر الراوي في باريس أخيراً، استرعى انتباهي أمران من رسم البيت السوداني في باريس: علاقتنا بالوطن وقتها متجذرة عميقة راسخة نحمله داخلنا بأدق تفاصيله ولم يكن يصيبنا منه يأس كما يحدث أخيراً إلى درجة أننا نتمنى لو نرمي طوبته. على أي حال ليس محاولة رجم الوطن محض غبن. علاقات الهيمنة السائدة على مستوى العالم أخذت تبشر منذ أكثر من خمسين عاماً بما يسمى المواطنة الكوكبية . تقنية المنبر الجديدة لم تعد تسعفني على مستوى ارفاق الروابط والصور. إلا أنني سأرفق مادة بالانجليزي تالياً عن مفهوم المواطنة الكوكبية هذا. والذي تناهى لمسامعي لأول مرة أوائل التسعينات. وهي مادة من الانترنت. أنصح بقراءتها على ضوء مفاهيم أخرى مثل العولمة والثورة العلمية الثالثة والشركات العابرة للحدود والمتعدية للجنسية. ما يُقدم في طبق جميل ليس في كل الأحوال جيداً حين يتعلق الأمر بنظامنا الغذائي. على أي حال، أو بالعودة إلى باريس، ما إن قاد ذلك السوداني الراوي إلى بيته، ومن وصف البيت وحده، قلت في نفسي "سيكون أبو جهينة عبقرياً كعادته إذا ما قادنا إلى لقاء فوزية عشق صبا الراوي وحلم شبابه المبكر في باريس. وقد كان. شكراً لك على كل هذا البهاء:



lanetary Citizens
The introduction of this concept of planetary citizenry came a long time ago, perhaps in the 1950s, with its first appearance in the Planetary Citizens Advisory Council in the early 1970s. Don and Martha Keys and Rene Wadlow were members and represented the World Federalist Movement at the UN. Gordon Feller was Executive Director of Planetary Citizens during that period, as information about the old cadre continues to come forward. It’s been dormant, and still is, other than our tribute here.

Over the years I’ve written much about collaboration and cooperation to create a better world, one of harmony among people and planet. In June of 2010, I was reviewing Khigh’s World Citizen Proclamation and wondered how I might forward this effort still. Khigh passed in 1992, and was a friend and mentor. The thought came to mind, “I wonder if the domain ‘planetarycitizens’ was available. I honestly didn’t think it would be. The .net domain was available. The first edition of PlanetaryCitizens.net appeared on the web shortly thereafter.

The basics of the concept of becoming a Planetary Citizen are displayed below. I hope it serves us well for we are all Planetary Citizens looking for ways to make a better world now. We are in a most critical and trying time globally. How we recognize our capacity for change and embrace it, along with the methods to do so, will determine our continued climb toward a Type 1 Civilization. Our world has changed in 2020 and would might have been perfect vision has been clouded by calamity, presenting challenges and opportunities to emerge in a better place.

Our intention here is to support various initiatives, groups, organizations and people who are doing the work of creating sustainable people and planetary friendly activities, products and services. We certainly haven’t found everyone and everything, probably only scratched the surface, yet it is important to acknowledge that there is a growing population of planetary citizens. The events of 2020 have repositioned our economy, workforce and way of life. New virtual networks are surfacing, with people of passion and purpose gathering to do good and having the skill sets to actual do it.

The Time is NOW


Right now we’re in the process of a ‘great reset’ that is unmistakable in its global implications. On the contrary, the ‘great awakening’ foretold for millennia is also in process. Schwab asks, “Can we be caring and compassionate toward each other coming out of Covid؟” At the same time, we’re being forced to accept vaccinations against a yet to be proven disease. Koch’s Postulates haven’t been proven, so essentially the fallacious narrative is being exposed.

Schwab also comments about business’ need for agility and responsiveness to the market in new ways. The old ways won’t work anymore. So why is the current understanding of the NWO so contrary in its ideals, a new façade for the Old World Order of Profit over People and Planet with no regard for human life؟ Do you believe that to be true؟ Beyond the narrative that has a global population scared of each other and unable to gather to even talk about it in-person, for the most part, the virtual environment had burgeoned with activity.

We’re faced with the obvious reality that are systems either are or have failed to guide and nurture humanity to a better order. Is there a way to change what seems to be a Profit over People and Planet agenda to a People and Planet over Profit one؟ Perhaps what Schwab and others are calling a great reset can actually be a great awakening the resets the order of how our systems across the globe work to support life and not damage it. Regenerative design is an emergent technology and uses whole systems thinking to create resilient and equitable systems that integrate the needs of society with the integrity of nature.

Imagine a new crowd-sourced planetary management that doesn’t fight the existing systems. It simply replaces what isn’t working because it works better and people have access to what they need through a better managed distribution system designed by holistic and regenerative systems experts.

Vision:
A truly empowered egalitarian, purely democratic and caring community, at all levels, managing the essential infrastructure for regenerative culture, sustainable living and development of future technologies. A community that truly presents collaborative solutions for any and all dysfunctional systems that have ruled humanity to date, resulting in the demonstration of harmony among people and planet. (ISO 26000 Social Responsibility Standards apply)
How do we create value in the 21st Century؟ How do we create bridges for a holistic systems approach to planetary administration and merge diversity effectively؟ Whether we fear or welcome it, there is a ‘new world order’ that is emerging. How do we, as planetary citizens, make sure that the momentum takes us toward living as ONE – one people, one planet, one time؟

Please take a moment and watch the video below, a timely message from one of the original actor/activists for human beings – Khigh Dhiegh, PhD. I had the honor of knowing him. We met through Obadiah Harris in the mid-80s and he was one of the first guests on One World, a TV show I hosted in the early 90s. A couple of weeks after his passing I found myself conversing with him during a meditation on a Tuesday morning around 10 am, then apologized for interrupting his appointed duties on the other side.

A deep and resounding voice instantly came forth saying, “There are many worlds!” The ‘s’ was elongated, sounding like a ‘z,’ and simultaneously the cement slab and block guest house I was living in shook like an aftershock from an earthquake, just for an instant. Two days later a local paper reported the FAA announced a sonic boom because of so many calls at that same time, Tuesday around 10 am. The article also stated that two Air Force bases and Sky Harbor Airport could not identify its source, though. Indeed, there are many worlds merging now. The ancient texts of many cultures all foretell this shift in consciousness on a planetary scale.

Post: #55
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-20-2021, 08:08 PM
Parent: #54

اخي العزيز البرنس

لا فض فوك وسلمت يمناك

جزء من النص استوقفني كثيرا

*
نحن الآن في طور "إعادة ضبط كبيرة" لا لبس فيها في تداعياتها العالمية. على العكس من ذلك ، فإن "اليقظة العظيمة" التي تم التنبؤ بها لآلاف السنين هي أيضًا قيد التنفيذ.
يسأل شواب ، "هل يمكننا أن نكون مهتمين ومتعاطفين تجاه بعضنا البعض للخروج من كوفيد؟" في الوقت نفسه ، نحن مجبرون على قبول التطعيمات ضد مرض لم يتم إثباته بعد.
لم يتم إثبات فرضيات كوخ ، لذلك تم الكشف عن السرد الخاطئ
*


اعادة الضبط يا برنس يتم على ما اعتقد، وهي بالفعل قيد التنفيذ.

دمتم

Post: #81
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Abdalla Gaafar
Date: 07-06-2021, 11:22 AM
Parent: #38


العزيز أبوجهينة نهارك سعيد

بانكوك انثي من بهار وليمون

هي مايا رسمها صديقي في لحظات ضعفه الفاضح عند مقام الطيب صالح مزيجا من حسنة بت محمود وجين مورس.. الحياء الاسيوي ورغبة الروح والجسد في الانعتاق تجاه سراب الوهج الافريقي الكاذب .انوثة تطغي علي كل الاشياء في لحظات حضورها الراقص...ذات ليل ألغت وقاره مايا وبقية النساء الهبابات تحول اللحن الي شاهد غير محايد في قضية السمار ضد الليل ومايا.....كانت تقاطيع الجسد الوردي الملمس الجميل ترسم علي مرايا الملهي زخات من وهج البروق الانثوية... فتتحول كل بانكوك الي فضة قمرية التثاؤب...تسكع العيون علي خيروز الجسد الراقص استجابة لنداء الرغبة الحارق للرحيل الي حيث خطأ النهايات الاهة....تلك هي خطورة الانثي حين تتحول المسافة بين السمار وحمي الرغبة في العناق الي لا شئء..انثي بطعم البهار والليمون...تراها في ....اندهاش العيون الراصدة لعنف التمازج بين اللحن والجسد ....انوثة كاملة الفتنة والدسم......
كما فينوس لحظة خروجها الفاضح من الماء الي العرش...عبرت مايا من دائرة الضوء الي الطاولة الافريقية الملامح والظمأ......فهاجرت العيون الست كيف شاء لها الاشتهاء الي ما تريد.....كرز الشفاه حين يتحول الضغط علي الاحرف والكأس والقلوب الثلاث الي طرب وفتنة... توزع الجسد الرائع علي تقاطيع الضحكة والحديث الهمس..ياالله...الكون كله نداء...والقلوب ظمأ وشوق .. غناء رسمته الطاولة الافريقية علي دفتر الليل تنهيدة لتعويذة ضد كل اشكال المحابس والقيود....كان ذلك قبيل الصبح بضحكة واهتين ..غناء وقعته البنت الهبابة علي طول المسافة بين منابع الاه وحدائق البرتقال .احساس بالدفء المطلق...هكذا حكي عنها صديقي ذات ضعف لن يتكرر..حسبما شهدت به عصافير ذلك الصباح في قضية البنت الهبابة ضد صديقي والبانجلو والصداع الصباحي..

علي رمال جزيرة بي بي رقصت البنت الهبابة كما مالم ترقص من قبل..كان الامتزاج عظيما ورائعا بين الجسد والموسيقي وطبيعة بي بي الموغلة في الجمال والمجون المجنون .....فكان ميلاد القصيد وبدء الغناء....
حرية جسد مايا (حسب شهادة البنت الهبابة) كانت نتاجا طبيعيا لحرية ارضها التي لم يطأها مستعمر قط...عكس ما شهدت به فراشات بي بي و بانجالوه صديقي الذي لايتسع الا لاثنين ثالثهما الشيطان ..مايا تعشق نغمة الجيتار حد الجنون.. ولهذا يـأخذها الجيتار عميقا الي حيث الشعور الكامل بانتماء الجسد والروح الي الماء والريح والرحيل بحرية غير منقوصة ....ويأخذها التأوه علي ايقاع جيتار ايرك كلابتون وسانتانا الي البحر عارية كما ولدتها امها وكما رآها شهود عيان قبيل قراءة ختام القصيدة الطعم....فرقص الموج علي جغرفيا حقول الجسد والبحر....لوحة رسمت غناءا علي قمم النشوة والدفاتر. (جقلبت) خيل صديقي وهو يقرأ لها ما كتبته انا حماد (بكامل وعي) علي المنديل الورقي ذات ليلة بلغت المتعة ذروتها فيها حين ولجت البنت الهبابة عبر بوابة بكارته الزائفة الي ضلال النشوة الافريقية ....ذات الضعف القاسي جدا.. ما اذكره ان الناتج من تفاعل الجسد والموسيقي وليالي السمر والطرب كان غناءا كتبه حماد ( وجقلبت) به خيل صديقي سبع ليال حسوما....غنيتها وصفا لرقص البنت االهبابة وقرأها صديقي بعربية اطربت مايا.
.شهادة كتبتها صعاليك العصافير علي دفتر الجزيرة الماجنة (قبل كارثة تسونامي بثلاث اسابيع) طول المسافة بين منابع الضحك وحدائق البرتقال والبحر المجنون الايقاع

بانكوك

Post: #131
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: إسحاق بله الأمين
Date: 09-11-2022, 10:51 PM
Parent: #3

السلام عليكم أخي الأستاذ أبا جهينة
طلقت الغربة بالتلاتة ورجعت السودان في أكتوبر 2018 لكن واقع الحال لا يسر . ظل الحلم يراودني من جديد بشد الرحال في ظل الظروف المعيشية والإقتصادية القاسية . تحياتي لك ولجميع الأخوان والأخوات "بورداب/ بوردابيات " الرياض.






لكن واقع الحال لا يسر

Post: #56
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Khalid Abbas
Date: 06-21-2021, 06:37 AM
Parent: #1

Quote: عطبرة ،، ذات فصل إعتمرتْ فيه المدينة ( كتاحة ) غير مألوفة ، لون أحمر قان و كأن كل تربة البطانة قد حلَقتْ في الجو لتمطر أهل المدينة بهذه الزخات الترابية.

شكرا الرائع ابوجهينة على الرحلة الجميلة في حكاوي الغربة واصل متابعين حرف حرف .
الفوق دي فلتت منك معقول كتاحة غير مالوفة وفي عطبرة؟ هي عطبرة غير الكتاحة فيها شنو هههههههههههه

Post: #57
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-21-2021, 05:32 PM
Parent: #56

تحياتي اخي خالد عباس
وينك مطول الغيبات؟

*
شكرا الرائع ابوجهينة على الرحلة الجميلة في حكاوي الغربة واصل متابعين حرف حرف .

*
شكرا على المتابعة والمرور
*
الفوق دي فلتت منك معقول كتاحة غير مالوفة وفي عطبرة؟ هي عطبرة غير الكتاحة فيها شنو هههههههههههه
*

مرات كدة بعد غيبة، بتجي الكتاحة بلون قاتم يحجب الرؤيا تمام
ولكن في عطبرة ، فإن صيف بلا كتاحة هو امر غير مألوف


دمتم

Post: #58
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-24-2021, 10:01 PM
Parent: #57

العريس
********
نايلة ، فتاة سمحة وجميلة و يتمناها الكثيرون كزوجة.
ورغماً عن هذا، تم طلاقها بعد خمسة وخمسين يوماً بالتمام والكمال من تاريخ زواجها.
والأسباب مجهولة، ولكن السبب المتداول أنها كسولة و ( لا تنفع ست بيت ).
شقيقتها منيرة ، حظها من الجمال قليل، بل قليل جداً.
ولكنها ( ست بيت) من درجة ( الخمسة نجوم ) .
وكما يقول أهلنا : ( شايلة البيت على راسها ) .
طوال ساعات اليوم إما في المطبخ أو محتضنة (طشت) الغسيل أو تقوم (بكى) الملابس أو بتنفيض البيت من الأتربة والغبار، دون كلل أو ملل.
الأب كان قد تنفس الصعداء عندما تزوجت نايلة، و لكن هاهي تعود ( لمراحها ) ، فصار همه مرة أخرى مضاعفاً.

طرق الباب ذات يوم أحد أقرباء الأب .
مغترب كانت أخباره قد انقطعت عنهم لفترة طويلة.
سمعوا أن زوجته قد توفيت في أول ولادة لها ولم يتزوج بعدها.
برزت علامة إستفهام كبيرة وحائرة لدى الأسرة : يا تري، ما الذي رمى به في طريقنا بعد كل هذه السنوات ؟ أيرغب في إحدى البنتين ؟

نايلة قالت في نفسها وهي تنظر في المرآة : أكيد سمع بي طلاقي وجايي يعرسني. بس ال يخش في إيدي والباقي هين. دة ما بطير مني زي الأولاني.
وابتسمت لنفسها وأصلحت من هندامها وهي تتأبط شيئاً في نفسها الأمارة بالزواج مرة أخرى.
منيرة ، تعرف أنها لا تملك شيئا تتباهى به غير ( فنها المطبخي والمنزلي ) لذا فهي تعتمد على مباهاة أمها بها أمام الجارات والأقارب.


وجاء المغترب وتجاذب أطراف الحديث مع صاحب البيت لبرهة ثم خرج مشيعاً بنفس علامة الإستفهام و التي كبرتْ وتضخمتْ.
غرق الأب في التحليل والتخمين وهو ينظر للفتاتين: يا ربي ياتا فيهن؟
والأم حائرة ، لمن ترشحه إذا تقدم.
بالطبع قفْزٌ مبكر على معطيات الأمور.
ولكنه حدْس الأم الذي يقوده خوفها على مستقبل البنتين وحرصها على أن تدخلا بيت الزوجية.
ومنيرة تنظر للأب وكأن لسان حالها يقول : أنا يابوى ، الدور علي أنا.
نايلة، معتمدة على جمالها ، تقبع في غرفتها وهي تتظاهر بعدم المبالاة ،
رغم الأسئلة الكثيرة التي تزحم رأسها والآمال العريضة التي تتراقص أمام عينيها.
بعد عدة زيارات غير معلنة الأهداف ، تأكد للجميع ، أن ( زولنا ) يقوم بزيارات إستكشافية.
فزادت وتيرة المباراة في البيت.

نايلة تتألق بثياب وبقايا ( ذهب ) زواجها الأول التي تسميها صديقتها ( الحزن القديم ) .
ومنيرة أخرجت كل ما في جعبتها من أصول الطهى وتلميع الكبابي وتبخيرها بالمستكة وتقديم الشاى المنعنع و أبو هبهان و زنجبيل و قرفة.

الأم تقف محايدة، والأب يقف بحذر في صف المطلقة لأسباب مقتنع بها في دخيلة نفسه.
صراع خفي يحتدم بين الفتاتين .
والأم في جهة والأب في جهة أخرى ،
ولكنه صراع مكبوت، تفضحه أحياناً التصرفات أو التعليقات.
لم يحدث قط أن وصلت الأمور بين الشقيقتين إلى هذا الحد من المناكفة و الغيرة.

يأتي (زولنا) ، فتهرع نايلة بكامل أناقتها وأسلحتها الهجومية وتفتح له الباب مبتسمة ابتسامة عريضة..
وما أن يستقر على الكرسي ، تكون منيرة قد أتت بالعصير وارتطام مكعبات الثلج بجوانب الجك الزجاجي يموسق خطواتها الخجولة.
بعد أن شرب ( الزول ) نصف الجك وقال إنه عصير لم يشرب مثله من قبل ، تقول نايلة لمنيرة، بحكم أنها الكبيرة : بعد دة أنا بودي العصير.
تقول منيرة وهي متحفزة : خلاص ، سويهو إنت و وديهو.
فتسكت نايلة على مضض ، فهي تكره دخول المطبخ.
وعندما سبقت منيرة يوماً نايلة في فتح الباب للزول ، قالت نايلة و هي تلوي ( بوزها ) : الخفة العليكي شنو ؟
فترد منيرة : يعني هو لما خبط الباب ، قال يا نايلة تعالي أفتح الباب ؟

أحيانا عندما يأتي زولنا ، تختلق نايلة مشواراً لمنيرة للدكان ليخلو لها الجو، وتبدأ المشاحنة.

ما قبل ذات زيارة ، أخفت منيرة كل الذهب التي تتزين به نايلة.
وحدثت أول مشكلة بينهما يتدخل الوالدان لفضها وهما في حيرة من أمرهما والحال الذي وصلت إليه الشقيقتان وإنقلاب أحوالهما رأسا على عقب.
و (زولنا) يأتي و ينقل بصره حيث شاء بين الفتاتين، وحرب خفية تدور بين الأختين، وهو لا يدري أنه هو الذي قد أشعل أوارها وأوقد نارها.
وانطلقت أسوأ الشرارات عندما أتى (زولنا) بهدية وقال للأب : دي هدية متواضعة لأختنا منيرة.
لولا الحياء لأطلقت منيرة زغرودة تجيدها تماما.
ولكنها أخذت الهدية التي توسدتها بدلاً من المخدة ليلتها،
وسهرت تدعو الله أن يلج الزول في قفصها والتي نذرت إن فعل و ولج القفص لتغلقه عليهما القفص وتبلع المفتاح ( لا دخول لا مروق تاني ).
ليلتها، مرت الساعات على نايلة وكأنها دهور ،
تنظر إلى منيرة تحتضن هديتها وهي تكاد تنفجر من الغيظ. ومنيرة لا تفتأ تغني لكى تزيد من غيظها : أول غرااااام ، ياااااا أجمل هدية.

أتى الزول متأنقاً في اليوم التالي، فبادرته منيرة بفتح الباب له منحنية خجلاً تداري جمالها الشحيح ، وكأنها تشكره على الهدية، وتظهر له إستعدادها لتكملة بقية المشوار، ولكن زولنا فاجأ الجميع بأن أحضر هدية ( طبق الأصل ) لنايلة وهو يعتذر بأنه لم ينس هديتها ولكنه لم يجد مفتاح الشنطة الأخرى في ذلك اليوم.
ألجمت المفاجأة الجميع، وخاصة منيرة. عقلها المحدود لم يستطع أن يحلل مغزى المساواة هذه.
نايلة رغم أنها كسبت معركة ولم تكسب حربا ، أيضاً لم تجد تفسيراً للذي حدث.
ماذا يريد هذا الرجل ؟ ربما هو في صراع نفسي للإختيار والمفاضلة.


وهنا قرر الأب أن يرتاح من هذا الجو المكهرب والحيرة اليومية فسارع بسؤال الرجل سؤالا مباشراً :
إنت يا ولدي ما إتزوجت بعد موت زوجتك الله يرحمها ؟
قال الشاب بهدوء : لا يا عمي
قال الأب وهو يكتم سروراً : طيب مستني شنو ؟
قال الشاب بلهفة : عشان كدة جيتك يا عمي ، وكل يوم أقول أفتح الموضوع ، ما بلقى الشجاعة وأقول أخليهو لتاني يوم. أهو كويس إنك سألتني الليلة.
وهنا إنفرجت أسارير الأب بإبتسامة عريضة وقال بثقة وهو يمدد رجليه كأبي حنيفة:
أها ، ياتا فيهن يا جنا ؟
فقال الرجل : والله يا عمي هي قالت لو ما إنت وافقت هي مابتوافق لأنك عمها الوحيد و إنت في مقام أبوها..
قال الأب و هو يهب واقفا كالملسوع : دي منو يا جنا ؟
فقال الشاب مطرقاً : بت أخوك الشغالة معلمة في السعودية. حتى أخوها المعاها مُحْرم موافق.
نايلة و منيرة كانتا تسترقان السمع من وراء ستار،
نظرت كل واحدة إلى الأخرى بزاوية حادة من الدهشة المشوبة بخيبة الأمل والغيظ والإحباط ، ثم بلا وعْى إحتضنت كل واحدة الأخرى و راحتا في ضحك هستيري

Post: #59
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-27-2021, 12:08 PM
Parent: #58

يوم الإثنين يبدو أنه كان يوماً حافلاً في دواخل أبن خالتي( جبارة ) ...
ليته دوَّن احساسيسه ومشاعره ذاك اليوم ...
و لكنه تصرف كـ ( جبارة ) تماماً ... كما عهدناه منذ صغره ..
حبس ما يحس به .. و أفرغه على من حوله و أضفى علي كل هذا و ذاك من شخصيته المشرورة على الدنيا وأهله فيها ..
أتصل ذاك اليوم بزوجته و أولاده بالسودان و قال لهم : أنا مشتاق شديد
قالها بطريقة غير معتادة ...

و كعادته .. يختم كل المواقف بضحكة ساخرة ... و القريبون منه يلاحظون تلك الإبتسامة التي تغمر كل وجهه .. غاضباً كان أم فرِحاً ..
ثم أتصل بأحد الأقرباء بالسودان و أوصاه بأمور دنيوية تخص إستحقاقاته بوزارة الزراعة التي كان مهندساً بها ..
ثم إنطلق من الرياض إلى ( وادي الدواسر، بالسعودية ) بسيارته الصغيرة إلى مكان عمله ..


يوم الثلاثاء صباحاً جاءني صوت أخي حزيناً : جبارة مات في حادث ...

مشكلتي أنني لا أبكي وقت الفواجع ..
أحياناً أخدع نفسي بالتشاغل بأي شيء للهروب بعيدا عن الحدث المحزن ..
لا أحب حتى أن أخوض في تفاصيله . أخاف أن أغرق في الحزن و لا أقدر على النجاة..
تعاندني دمعاتي .. تتصلب في المآقي و تُقسِم ألا تنزل لتلطف بعض الحزن الساكن في الجوف ...

إتصلت بأخيه محمد .. وجدته صابراً محتسباً ..رغم رنّة الحزن
اتصلت بأخيه نزار .. وجدته أصلب عودا ..
و إتصلت بأخته ( إحسان ) ... فكان الحزن مندلقاً نحيباً لم تشفع لدموعي أيضاً بالنزول ..
لا أستطيع حتى على إخراج كلمات المواساة..
أخته ( فريال ) بكتْه نادبة بأسلوب الحبوبات القديم : يا سندنا و إتكالْنا ...

لم أقدر على الاتصال بالسودان معزياً ... أخاف أن أسمع بكاءاً فتخذلني دمعاتي ..
أكتب هذا و حروف الكيبورد غارقة في بعض دمعي الذي تكرم و جاد علي الآن فقط ..
غريب أمري و الله ..

المهندس جبارة مختار
خريج جامعة الخرطوم
أتى للسعودية قبل بضع سنوات ..
عمل في شركة زراعية ..
ذات يوم تعب من العمل فقال للمهندس زميله ( من جنسية عربية ) : بروح أرتاح في البيت و أرجع ..
فقال له زميله : ليه تتعب نفسك رايح و جاي .. روح ارتاح تحت الشجرة دي ..
فنام جبارة قرير العين .. واثقاً بأن أمة محمد ( كالجسد الواحد ) ...
فأتي زميله بصاحب العمل و قال له : شوف السوداني نايم وقت العمل و في مكان العمل.
فغادروه للسودان ...
غادر و هو يضحك مندهشاً من هذا التصرف ... أو على هذا الدرس الجديد الذي كلفه الكثير ..
مكث في أهله قليلاً ...
ثم أتى للعمل مرة أخرى للسعودية ...
بالطبع لا يدري أن الله قد أتى به لمكان موته و دفنه ...
القبر ينادي صاحبه ...
و الموت يدغدغ عقل الإنسان الباطن ...
فيودع أحبابه دون قلق ... و دون أن يشعر بأن ما يقوم به هو وداع مبطن بالرحيل ...

رحل جبارة في صمت ... على غير نمط حياته الصاخبة بالفرح الذي كان يزرعه ... و ضحكته المجلجلة و مشاغباته التي لا تنتهي.
مات بعيداً عن أسرته ... و عن أقاربه بالرياض ...

Post: #60
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Abdalla Gaafar
Date: 06-28-2021, 12:45 PM
Parent: #59


الإديب أبو جهينة نهارك سعيد

(أثر صغير علي وسائد الذكري ورائحة نحيلة تنتبذ ركنا جميلا في باحة التخيل تخلق تجسيدا كبيرا وتشي دون وجل باسماء الغائبين) ابوذر بابكر

يا صديقي
مازلت توصيني بالنهر والقمر (تابو التعاويذ ضد فاجعة الغياب ) لان كلاهما كما ظننت (انت أو انا) يملكان حق النقض ضد قرارات رحيل عشاقهم الي الغياب...وهو ظن اثم ...فأنا ياصديقي خلعت قلبي عند باب النهر ومضيت دون أغنيات الي احلام مستحيلة .....ولا زلت كغيري من فقراء الفرح انتظر القمر في لحظات اكتماله بدرا كوجه فاطمة..لممارسة ما يمكن من ذكريات (قاسية كانت ام رحيمة)...
يا صديقي :
لأي غياب تستدرجني لأكتب ؟
غياب اخترناه وفرضنا انفسنا عليه فادمناه
هذا غياب بحزن غير كامل...يمكن صعاليك الشعراء من احتراف غناء الثلث الاخير من الليل....حين تنعش قضايا النساء الاغنيات ذاكرتهم في لحظات المزاج الرايق ...
حين فاجأه الشوق لغناء فاطمة... كتب علي دفاتر غيابه الاخرق (تفاديا لعتاب القلب): كانت أروعهن علي الإطلاق.... بنية بطعم التفرد...قلبها البنفسج ..وخطوها الغناء...جاءت قبيل الحزن بموسمين وضحكة...توسدها قربانا لحلم لا يتحقق أبدا (فقط بسبب الغياب الذي اختاره)

أم غياب فرضناه علي الاخرين فحملوا ذنبه
عاتبتني عليه الايوبية (حين فاض بها الشوق والخوف) في مرافعة اتهامها ضدي حين قالت: ليست للقسمة دخل في هذا الحزن... أولا لأن الحال هو نتاج طبيعي لحاصل الجمع بين الروح والجسد وضربهما في معامل رحيلك الاختياري نحو المأساة ثانياً لأن حزنها لا يقبل القسمة إلا علي نفسه ليكون حالها هو ذات الحال.... حزن صحيح كامل...وغيابي صحيح كامل
لحظتها قالت فاطمة وهي تخفي بدايات حزنها خلف ضحكتها الهديل (وكانت مثل قمر 14 ) رقيق جدا هذا العتاب علي الغياب ....

أم غياب فرضه الاخرون علينا قسرا فاوغلنا فيه
وهو غياب يتحول فيه الوطن الي حقيبة ورحيل........تراجيديا الخوف من سقوط اسماء الاحباب من الذاكرة سهوا حين ياخذنا الغبن الي مدن غير اليفة....ومطارات تسرق منا السمرة والضحكة...هروبا من كل اشكال الانتماء ...
قالت فاطمة (وكانت ايضا مثل قمر 14) في محاولتها الجميلة لاخفاء شوقها اليه وتبرير غيابه القسري : هو رجل لا يصلح للعشق... واضافت..... وهي تقف علي الاحرف الخمسة بشفتين من كرز وحرير ...بتاتا...بتاتا......( العجيب انها لم تكن غاضبة) واردفت : فوضوي العشق تتقاطع فيه ... كل مدارات الغياب ودموعي فيبدو كقوس قزح... انيق الملامح والقلق وسريع الغياب....وضحكت بحزن .... وفضلت الانتظار...حتي غيبها الرحيل الأخير
أم الغياب الأخير والذي لا نملك له رداً أو هروب
ياصديقي .... عادة لا يتحلل المعانون من اثار هذا النوع من الغياب من ذنب الولوج إلي اقصي ذكرياتهم في لحظات السقوط في فخ الكتابة...وخاصة حين يجبرون علي ذلك.... وهاأنذا اعمل قلمي في دواة الذكريات لأكتب عنه ...ان كان هذا ما تود

هاأنت تستدرجني الي الغناء بحزن قاس ولكن ما بالك تضن علي ببعض غناء اداري به حزني ..وما بالك تغلق امامي كل منافذ الهروب.... خطأ يحبه القلب ولا يغفره العقل..... وأنا الهارب منه و المصر ايضا علي مداراة القلب بخرق الكتابة خوف الارتداد للحظة الانحناء الاخير........
هو ياصديقي ....حنين حرمته علي نفسي ما استطاع القلب...وباب امتنعت عن الدخول عبره للذكريات ما استطاع العقل....وهروب الي كل المتاح من دهاليز النسيان ما استطاع القلب والعقل معا...

وكأنها خاتمة الغناء ...لحظة يقع القلب فيها ضحية لخاطرة القدوم من الماضي الي الدفاتر مباشرة ....كتابة لا تصلح لقراء الذكريات في لحظات بحثهم عن ملاذ آمن ........

Post: #61
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-28-2021, 02:29 PM
Parent: #60

اخي الاديب عبدالل ه جعفر
تحايا سامقات وسلام مقيم

*


(أثر صغير علي وسائد الذكري ورائحة نحيلة تنتبذ ركنا جميلا في باحة التخيل تخلق تجسيدا كبيرا وتشي دون وجل باسماء الغائبين) ابوذر بابكر

بهذه الجملة وضع ابوبكر اصبعا على مكمن جروحا لا تنكأ

**
يا صديقي
مازلت توصيني بالنهر والقمر (تابو التعاويذ ضد فاجعة الغياب ) لان كلاهما كما ظننت (انت أو انا) يملكان حق النقض ضد قرارات رحيل عشاقهم الي الغياب...وهو ظن اثم ...فأنا ياصديقي خلعت قلبي عند باب النهر ومضيت دون أغنيات الي احلام مستحيلة .....ولا زلت كغيري من فقراء الفرح انتظر القمر في لحظات اكتماله بدرا كوجه فاطمة..لممارسة ما يمكن من ذكريات (قاسية كانت ام رحيمة)...

*
و لا يزال النقض كنقطة في بحر لجى


*


يا صديقي :
لأي غياب تستدرجني لأكتب ؟
غياب اخترناه وفرضنا انفسنا عليه فادمناه
هذا غياب بحزن غير كامل...يمكن صعاليك الشعراء من احتراف غناء الثلث الاخير من الليل....حين تنعش قضايا النساء الاغنيات ذاكرتهم في لحظات المزاج الرايق ...
حين فاجأه الشوق لغناء فاطمة... كتب علي دفاتر غيابه الاخرق (تفاديا لعتاب القلب): كانت أروعهن علي الإطلاق.... بنية بطعم التفرد...قلبها البنفسج ..وخطوها الغناء...جاءت قبيل الحزن بموسمين وضحكة...توسدها قربانا لحلم لا يتحقق أبدا (فقط بسبب الغياب الذي اختاره)

أم غياب فرضناه علي الاخرين فحملوا ذنبه
عاتبتني عليه الايوبية (حين فاض بها الشوق والخوف) في مرافعة اتهامها ضدي حين قالت: ليست للقسمة دخل في هذا الحزن... أولا لأن الحال هو نتاج طبيعي لحاصل الجمع بين الروح والجسد وضربهما في معامل رحيلك الاختياري نحو المأساة ثانياً لأن حزنها لا يقبل القسمة إلا علي نفسه ليكون حالها هو ذات الحال.... حزن صحيح كامل...وغيابي صحيح كامل
لحظتها قالت فاطمة وهي تخفي بدايات حزنها خلف ضحكتها الهديل (وكانت مثل قمر 14 ) رقيق جدا هذا العتاب علي الغياب ....

أم غياب فرضه الاخرون علينا قسرا فاوغلنا فيه
وهو غياب يتحول فيه الوطن الي حقيبة ورحيل........تراجيديا الخوف من سقوط اسماء الاحباب من الذاكرة سهوا حين ياخذنا الغبن الي مدن غير اليفة....ومطارات تسرق منا السمرة والضحكة...هروبا من كل اشكال الانتماء ...
قالت فاطمة (وكانت ايضا مثل قمر 14) في محاولتها الجميلة لاخفاء شوقها اليه وتبرير غيابه القسري : هو رجل لا يصلح للعشق... واضافت..... وهي تقف علي الاحرف الخمسة بشفتين من كرز وحرير ...بتاتا...بتاتا......( العجيب انها لم تكن غاضبة) واردفت : فوضوي العشق تتقاطع فيه ... كل مدارات الغياب ودموعي فيبدو كقوس قزح... انيق الملامح والقلق وسريع الغياب....وضحكت بحزن .... وفضلت الانتظار...حتي غيبها الرحيل الأخير
أم الغياب الأخير والذي لا نملك له رداً أو هروب
ياصديقي .... عادة لا يتحلل المعانون من اثار هذا النوع من الغياب من ذنب الولوج إلي اقصي ذكرياتهم في لحظات السقوط في فخ الكتابة...وخاصة حين يجبرون علي ذلك.... وهاأنذا اعمل قلمي في دواة الذكريات لأكتب عنه ...ان كان هذا ما تود

هاأنت تستدرجني الي الغناء بحزن قاس ولكن ما بالك تضن علي ببعض غناء اداري به حزني ..وما بالك تغلق امامي كل منافذ الهروب.... خطأ يحبه القلب ولا يغفره العقل..... وأنا الهارب منه و المصر ايضا علي مداراة القلب بخرق الكتابة خوف الارتداد للحظة الانحناء الاخير........
هو ياصديقي ....حنين حرمته علي نفسي ما استطاع القلب...وباب امتنعت عن الدخول عبره للذكريات ما استطاع العقل....وهروب الي كل المتاح من دهاليز النسيان ما استطاع القلب والعقل معا...

وكأنها خاتمة الغناء ...لحظة يقع القلب فيها ضحية لخاطرة القدوم من الماضي الي الدفاتر مباشرة ....كتابة لا تصلح لقراء الذكريات في لحظات بحثهم عن ملاذ آمن ........

*

لا فض فوك يا صديقي
قرأت ردك مثنى وثلاث ورباع
كل سطر يسافر بي لمحطات صارت خالية الان الا من ذكرى تعوي كريح بين جدران اطلال

لا فض فوك يا صديقي وسلم يراعك وسلمت يمناك

دمتم ابدا

Post: #62
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 06-29-2021, 01:49 PM
Parent: #1

Quote: كما نرى انكساراتنا و أشواقنا.

Post: #63
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 06-29-2021, 03:24 PM
Parent: #1


Post: #64
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-29-2021, 06:19 PM
Parent: #63

سلام اخي العزيز وليد

وين أراضيك

قم بنبش ذاكرتك وهات من اضابير اغترابك

دمتم

Post: #66
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Ahmed Yassin
Date: 06-30-2021, 11:58 AM
Parent: #64

وليد طه
طبعا له قصص وحكايات عجيبة في الهند
ومن ثم السعودية ..في انتظار ان يتحفنا بها

Post: #67
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-30-2021, 12:51 PM
Parent: #66

تحياتي اخي العزيز احمد ياسين

وليد طه ، اطلقت عليه قبل سنواتلقب ( المستكين عشقا والمتمرد اغترابا )

نعم، كما قلت انت فهو مترع بذكريات ، نأمل ان يتحفنا بها

دمتم

Post: #68
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: امتثال عبدالله
Date: 06-30-2021, 03:46 PM
Parent: #67

وليد طه
من الشاعر ده البيقول : رجعت بعد سنين بلدك ...
فالكلمات اوسكار في اوسكار ما شاء الله ...

Post: #69
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: حامد بدري
Date: 06-30-2021, 06:03 PM
Parent: #68

ابننقا ابوجهينة هكرفيجلو
جيتنا زي نسيم الجروف صحا فينا الشوق للحكي الجميل والطاعم ربي يستر عليك ويحميك في غربتك وعلينا في غربتنا الابدية
قتا ليا زولك جاي للسغيرة وداير اعمل زي بتاع البنقز يدييها نقرة هنا وهنا واربعة بي غادي محل الرتم السريييع عجبني ليو اب رويس وشقا مايل

Post: #70
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 07-01-2021, 11:11 AM
Parent: #69

تحياتي اخي حامد

حبابك في طيات اضابير الاغتراب
حكاويه تطول وتطول
انبش معنا ذاكرتك وهات من قصصها وحكاويها

*

زولنا جاب الزوجة الصغيرة و قال حرم ما ماشي السودان ، وقال ال عاوزة تطلب الطلاق انا جاهز

دمتم

Post: #72
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 07-04-2021, 12:30 PM
Parent: #68

Quote: من الشاعر ده البيقول : رجعت بعد سنين بلدك ...

إمتثال إزى الحال
والله أظنو التاج مكي نفسه

Post: #71
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 07-04-2021, 12:27 PM
Parent: #66

Quote: وليد طه
طبعا له قصص وحكايات عجيبة في الهند
ومن ثم السعودية ..في انتظار ان يتحفنا بها

طبعا كلٌ له (أضابيره) يا أحمد :)

تحياتي ،،

Post: #73
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 07-04-2021, 02:25 PM
Parent: #1

سلام يا ريس
إن كان لابد من ان أدلو بدلوي هنا فاااااا فهذا بعض ما فى الذاكرة .


اليوم أخوتي أكملت 22 عاما فى مشوار الإغتراب.
إثنان وعشرون عاماً حُسوماً .
المسافة بين مطار الخرطوم ومطار الرياض لا تتعدى الساعتان وخمسون دقيقة، لكنها ألف عام بأميال الأشواق والأرواح.

متاعى كان شنطة ملابس،ثم شنطة فى اليد تحوى عدد من الأوراق شهادات ، إيصالات ، نوتة قديمة وشريط كاسيت عثمان حسين "قصتنا" ولا أدرى لماذا "قصتنا " تحديدا لكنه على أية حال تسرب الى متاعى وأصبح لى رمزا وتذكارا للسفر رافقنى بعدها فى كل أسفارى فطار معى من جده الى الرياض ثم بعد ذلك سافر معى مرة أخرى من جده الى الدمام فى أقصى الشرق ، ثم الى الرياض مرة أخرى دون أن يكون هنالك تفسير لهذه الرفقة ! .
بدت لى صالة المغادرة مكانا مقيتا بوجوهه العابسة ، مررّنا متاعنا عبر جهاز الكشف فخرج لنا من الناحية الاخرى كما هو ، تُرى لما يكشفون فى متاع محمل بزاد الأحبة ؟عن ماذا يبحثون داخل كيس حلوى أو "قنقليز" أهداه حبيب او صديق لأجل جبر الخواطر؟! آخر الوجوه العابسة المتجهمة كان بتاع الخدمة الإلزامية الذي يستلم منك الكرت ويقذف به فى السلة دون أن ينظر إليه !ودون أن يفتح الله عليه بـ " صحبتك السلامة " وظل على نفس الحال وفى ذات البوابة الضيقة طوال سنين هذا السفر حتى كُتب لنا -و الحمد لله- مداً قى العمر وخرجنا من "السن القانونية" كما يقولون ! شي عجيب !!!

إرتفعت الطائرة فى الجو ومن عبر النافذة رأيت النيل وهو يتحول شيئا فشياء الى خيط رفيع حتى غاب تماما .إحساسا ما إنتابنى ، حدثنى محدث بأن تغييٌر ما فى مسيرة حياتى قد بات قريبا إحساس مختلف ، إحساس مشوب بالترقب لشئ آتى .

إنه لمن المثير أن أعلم إنه عندما حطت طائرتي فى مطار الملك عبد العزيز بجدة فى العام 1998-معلنة ضربة البداية لمشوار الإغتراب - بأن نجم باريس سان جيرمان الفرنسي" كيليان مبابي " لم يكن قد وُلِدَ بعد ! :) ،،،،

مشوار طويل خلاص!

Post: #74
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 07-04-2021, 02:33 PM
Parent: #1

******
حللت ضيفا عابرا على مدينة جده بالتحديد حى الصفا . ملامح الطريق بدت عادية ، الطريف ان السيارة التى كنا نستقلها من المطار الى قلب المدينة قد (قطعت بنزين) فى منتصف الطريق وتلك -حسب كلام من سمع بالقصة- تعد غريبة من الغرائب فى بلد فيه جركانة البنزين أرخص من جركانة الموية !! تشائمت قليلا ولكن (نعلت الشيطان) لعلها الصدفة!. المهم إنى وصلت بالسلامة!

لافتة مطعم مكتوب عليها (مطعم الرز البخاري) فقلت فى نفسي "أكيد الرز المطبوخ بالبخار ده بكون لذيذ" نجيهو بعدين . أما ( مطعم المندي) فأكيد أنه يقدم (تحلية مُندّية) حسب قراءتى للكلمة (مُندّي) لافتات أخرى على جنبات الطريق ( باقدو للإستقدام) ، (بيت المظبي) ،(الهوساوي للشكمانات) ، (العمري للتعقيب) وسألت عن مكان آخر مزدحم بالناس فقالوا لى إنه (الحراج) !! فلم أشاء السؤال عن تلك المعاني فهي حتما آتية طال الزمن أم قصُر.

وصلنا ووضعنا متاعنا وتحسست الشنطة الصغيرة أوراقى وشريط عثمان حسين ،كلو تمام . الغريبة لقيت فى الجيب الصغير كتاب دليل أدعية و رواية Cry The Beloved Country مقطوعة الغلاف فتذكرت الأخوين "جون كمالو" و " إستفين كمالو " ، "دوبالا" و "مسيمنقو" وجوهانسبيرج ..أيييييه زمن !
إتعشينا (البيك) وما ادراك ما البيك ، و(بليلي داك) لمكة المكرمة معتمرا في ليلة 27 رمضان . مشهد البيت العتيق بأستاره السوداء رهبة وسكينة ، وجوه وسحنات ولكنات فرادا وجمعات . مجموعة يرفعون علم تركيا ,نساء مسنات يتكلمن لغة غير مفهومة لا أعرف لماذا تخيلتهن من بلاد البلقان ! ورهط من الأفارقة فى عجلة من أمرهم يدفعونك دفعا فى الطواف. وكانت العمرة الأولى فى حياتي و الحمد لله الذي مكننى من أداء الشعيرة مفتتحا بذلك مشوار الله وحده يعلم متى هى خواتيمه و ماذا يخبئ لنا.
عُدت من تلك البقعة الطاهرة متعبا ، لفحنى نسيم البحر في جده فتذكرت chupatti beach على منحنى المحيط في مدينة بومباي تلك المدينة الساحرة بلياليها المضيئة الساكنة التي لا تشبه نهارها . بومباي سلة الأسرار و " مشعليب" ذكريات الصبا ، بومباي محطات الأمل .

نمت تلك الليلة نوما هادئا مطمئنا محفوفا بنفحات إيمانية.

يستتبع،،،

Post: #75
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 07-04-2021, 02:41 PM
Parent: #1

*******************
في أمسية قارسة البرد من شتاء العام 1998كان وصولى للرياض مغترب (جديد لنج). إستقبلوني بحفاوة بالغة نفر طيب أقارب وأهل وأصدقاء جاءوا من كل صوب للسلام على وكان واضحا أن هناك (توصيات) قد سبقت وصولي ، وسرعان ما توسعت دائرة المعارف والأصدقاء وأصبح شاي المغرب في ذاك الشتاء مٌلتقى أنتظره كل أمسية فأصبحنا (نمشى ويجونا) ووجدت الأسر تربطها علاقات إجتماعية متميزة بعضهم ذهب والأخر قل عدده لكن ما زلنا كلما إلتقيناهم نتذكر تلك الأيام .

جاءوني ذات مساء بدفتر أخضر اللون قالو لي (دي الإقامة) أحرص عليها ولا تخطو خارج هذا المكان إلا وهي معك (فاهم يا زول ؟ أيوه فاهم) ختيتو تحت المخدة كما هو على أن أعود إليه بعد (الشاي). فى الليل تذكرته فجأة فرفعت المخدة بهدوء "الحمممد لله لقيتو " تصفحت هذا الأخضر و أول ما وقعت عليه عيني الإسم (الوليد محمد أحمد) كيف الكلام ده؟!!!! وين (طه) ؟ جدنا العزيز وين ؟ بعد تلفونات ومشاورات قالوا لى "غالبا هنا بكتبو إسم الأسرة بعد الإسم التاني " المهم بعد أخد وعطا قالو أحسن نعدلو ، فعلا بعد أسبوع جاءوني بالجديد بالكاد قرأت إسمي كاملا لسوء الخط خلافا للأول " ما بطال المهم ده إسمي الصحيح" . إذن خطونا الخطوة الأولى والأهم ،دفتر أخضر ب10 صفحات يجدد كل عامين ، يبدو أن (الكلام دخل الحوش)!
ثمة هواء بارد تسلل الى فراشي فجأة تلك الليلة !
،،،،يستتبع

Post: #76
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 07-04-2021, 07:35 PM
Parent: #75

اخي وليد

هاأنت تنبش الاضابير وتستخرج ما كان قابعا في مطامير الذاكرة
انا شخصيا احس براحة نفسية عندما استجمع رذاذ فترة اغترابية ثم ابثها
واصل
دمتم

Post: #77
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابوحراز
Date: 07-05-2021, 12:10 PM
Parent: #76

ان يغير الاغتراب لونك وجسمك
وحالتك المادية أمر طبيعي
لكن الشيء الغير مهضوم ان تكون شين جدا
ومن ثم تغترب
وتعود وسيما.. هنا مصدر الدهشة
هذا احد معارفي بعد ان عاد من السعودية
وأشعل فينا جميعا نار الغيرة
والله كنا ننظر له في ذلك اليوم الذي عاد فيه
وكأنه هبط من كوكب الجنة
جزمة ايطالية
وقميص رمادي مائل للبياض
مع نقاط صغيرة زرقاء سوداء
ونظارة بعدسة عاكسة
وعطر ون مان شو
والله المخلوق دا لمن يطلع الحلة كلها تشم عطره
يومها لم أنام وقررت الاغتراب ومغادرة السودان
ليس لشراء قطعة ارض او شقة
او بكسي 78
والله كان الهدف الأساسي قميص رمادي
ونظارة
وون مان شو
ذهبت لتحقيق الأهداف الثلاثة هذه
فمكثت ثلاثين عاما
اشتريت النظارة
وبالطبع ون مان شو
والقميص هو أول قميص ظهرت به في سودانيز اون لاين
وسألت منه المدام
وقلت لها هناك قميص عزيز على نفسي
ويحمل لي الكثير من الذكريات أين هو ؟؟
قالت لي ما تقول لي الرمادي المنقط
قلت لها كما قالت بلقيس لسليمان
إنه هو
فقالت .. لقد بدلته من ست العدة
تحول القميص بقدرة قادر إلى
غتاية حلة
وكفتيرة

سأعود بإذن الله لاحكي عن أول أيام دخولنا السعودية
وكيف ان صديقي الذي سافر معي دخل في نوبة بكاء هستيري
وكان له يوم واحد في الاغتراب
فسأله احد العزابة وكان مغترب من 76
يا زول مالك قاعد تجعر بأعلى صوت
فقال له انه تذكر ابنه الصغير
المغترب القديم قال ليه انا القدامك ذا عندي تسعة
هسي شايفني ياحيوان قاعد أبكي زيك ؟؟




Post: #78
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Ahmed Yassin
Date: 07-05-2021, 01:57 PM
Parent: #77

ابوحراز و .. وليد
ديل ... متعة
هل الكلمة دي تكفي؟.

Post: #79
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 07-05-2021, 02:21 PM
Parent: #77

Quote: وسألت منه المدام
وقلت لها هناك قميص عزيز على نفسي
ويحمل لي الكثير من الذكريات أين هو ؟؟

هى ست النفر ليها 30 سنة معاك ؟ :))

Post: #80
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 07-05-2021, 07:44 PM
Parent: #79

تحياتي ابوحراز

متعة والله هذه التجارب الاغترابية

*

فقالت .. لقد بدلته من ست العدة
تحول القميص بقدرة قادر إلى
غتاية حلة
وكفتيرة
*

كويس ان التبديل طال القميص
انا جيت ذات اجازة لقيت الكاميرا وملحقاتها قد تم بيعها في مجاملة مناسبة

واصل ابو حراز

Post: #82
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابوحراز
Date: 07-06-2021, 12:26 PM
Parent: #75

تحياتي أحمد بس وتحيات مثلها للأخ وليد
الإقامة الخضراء كانت تكتب بخط اليد
لهذا كانت عرضة للتزوير
خاصة من قبل الصوماليين والباكستان
والاسواء ما فيها كانت تصاحبها اخطاء صادمة جدا
كان معنا 2 سودانيين توائم
واحد عمرة
والثاني مقيم
وعملوا بإقامة واحدة لمدة خمس سنوات
المدهش حينما يسافر واحد منهم السودان
يسافر بالجواز الذي يحمل الإقامة
وقد اعتدنا نحن على ذلك
لدرجة اننا نسالهم بحسن نية
اها جددتو إقامتكم وللا لسه ؟؟

اما صديقنا فتح الرحمن بله حاج النور
فهذا كانت مشكلته كبيرة جدا مع الإقامة الخضراء
فهو لا يريد ان يخرجها بتاتا
لأنهم كاتبين له فيها
المهنة .. راعي
الجنسية .. راعي
قلت ليه والله انا لو في محلك امشي الجوازات
وأقول ليهم يا جماعة تموا العوارة بتاعتكم دي
وبدل ماتكتبوا الاسم
فتح الرحمن بله حاج النور
اكتبوه
راعي ضان وابل وغنم

Post: #83
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Ahmed Yassin
Date: 07-06-2021, 06:47 PM
Parent: #82

جدة – الشرفية رمضان بعد الضهر وقبل العصر
وانا في الوقت داك شبه جديد ، في ناس ايمة بعضهم ماسك المصحف ويقرأ وجزء بلعب وست وناس حريق
والنفرين العليهم شغل اليوم (الميز) في المطبخ، والدنيا هادئة الا من ناس الكوتشينة، فجأة
سمعنا همهمات وناس بتطلع الشارع والنايمين قاموا يجروا على الباب وناس المصاحف
كانوا اول من لحق الباب. حركة عجيبة غريبة جدا ناس بتتكلم وناس بتضحك وناس بتسال
وناس بتحلف وناس ما مصدقة والاصوات علت .. الحق يا محمد الحق يا فلان
وزي كأنه الناس دي كلها جنت .. هرج ومرج عجيب.
الحصل كالآتي:
سيدة سعودية فاضلة يبدوا انها (اميرة ) من اميرات المملكة توقفت بسيارتها وسائقها
امام باب السكن او ما يعرف بـ (الجمعية) حقت اهل منطقتنا وهي مكونة من ثلاثة ادوار وسطوح،
المهم الأميرة الفاضلة الله يجزاها خيرا كما علمنا فيما بعد من البائع في بقالة
(المالكي) جنب السكن أن الاميرة توقفت امام البقالة وارسلت السائق ليساله عن مكان سكن (السودانين)
فاشار البائع للسائق: هناك هذا بيت كبير ايوة هادا – دس - (دش) شوف انت يمشي سيدا بأدين يمين شوية
انت لف ..لفو هناك نفر (كتير) هو كلو سوداني .. نفر كلو مية مية نفر تيب
السائق جاء وخبط الباب لآنه الجرس ما شغال، وعلى الحظ الفتح الباب واحد من اعمامنا الكبار

تابعونا في الحلقة القادمة

Post: #84
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 07-07-2021, 07:51 AM
Parent: #83

Quote: على الحظ الفتح الباب واحد من اعمامنا الكبار

ده بكون أكيد عمك (سري عسكر تود) :)
وووويبيوووو

Post: #85
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Ahmed Yassin
Date: 07-07-2021, 10:24 AM
Parent: #84

وليد طه .. عرفتو كيف عمك سري ؟
عمك فتح الباب لقى سيارة طويلة عريضة واقفة جنب الباب طبعا قايل
ممكن اي عربية في الدنيا دي تقيف قدام باب الجمعية
الا عربية زي دي .. المهم السائق اللابس زي سعودي كامل شماغ وعقال
وتفوح منه رائحة (العود) الفيتنامي الفاخر درجة اولى والقزازة
الطولها واحد سنتمتر فقط سعرها يفوق عشرات الالوف من الريالات
والمفروض دا هو (الفتيل) البدخلوا فيهو الناس
السائق قال له تعال وقبل ان يفهم او يعي الحاصل، سمو الاميرة
نزلت القزاز وكانت تجلس في الكرسي الوراء بجانب الباب الايمن يعني من الناحية
المعاكسة لباب الجمعية القت عليه تحية قصيرة وقالت تعال يا ابويا
كيف حالك؟ كل سنة وانت طيب وينعاد عليك وعلى المسلمين بخير
وعمك (سري) مافاهم الحاصل وكان يرد بكلمات زي بالصهة (الصحة) والسلامة
قالت تعال .. اتفضل .هادي مساعدة بسيطة. دخلت يدها جوة شنطة زي شنطة السفر متوسطة الحجم
وطلعت (خمشة ريالات) كلها من فئة الـ(خمسمائة) تزينها صور المغفور له باذن الله
المؤسس الملك عبدالعزيز. طبعا عمك مرتبك اخد(الخمشة) المحترمة وبقول بصوت خفيض (الهي سيدي)
الله يطول عمرك يا سلالالالام ياخ دا كتير خلاص .. وقالت له
بكل ادب .. (ناديلي الجماعة المعاك) .. عمك حاضن الخمسميات ودخل ..
وبى صوت عالي(الحق يا جماءة .. ليلة – القدور- قائد بى برة) إلاااااهي سيدي
الناس من كل انحاء الجمعية بين مصدق وبين مكذب ولكن الخمسميات لاتكذب
والاجمل والمحير ان الناس بكل ادب واحد وراء واحد .. تمشي تاخد خمشة وتزح
الحورفا بتاعين (الوست) الواحد بخمش وبلف يرجع تاني يخمش .. عمك عثمان
بعد خمش مرتين في التالتة السائق انتبه ليهو وقال ليهو انت اخدتا قبل .. طنش السائق
وقال للاميرة: انا اخدتا (حقي) لكن في اخونا جوة وحات الله الليلة الميز حق الفطور عليهو ويدو مليانة (عجين)
لغاية هنا واشار الى مرفقه الايمن..
طبعا اخوكم عنده حساسية مفرطة والله ..لم تطاوعني نفسي اني امشي واستلم


Post: #86
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Abdalla Gaafar
Date: 07-07-2021, 01:27 PM
Parent: #85



العزيز أبوجهينة نهارك سعيد
(بيني وبين صديقي أبوذر: في الكتابة عن الغياب)
(1)
القلب هنا .... تمام الشوق ... وأنا والليل علي ناصية القلب جلوس...
الشمس يا صديقي تمارس كغيرها غيابا قسريا بطول شتاء هلسنكي وطول المسافة بين العدل وغبن امرأة بلون الأبنوس .. أراها الآن علي شاشات التلفاز وشاشات القلب والذاكرة ..... وايضا علي صفحات الماضي والحاضر.. امرأة وطن .... أين ما يولي القلب يلتقيها ... ترهقها وترهقني نظرية الضد والأرض التي لا تقبل القسمة إلا علي قطيعين. تري هل تستطيع الآن أن تمارس حلمها السري ضد غيابنا وضد الاتي من الايام؟
في لحظات الغبن يا صديقي يأخذ الحلم شكل دمعة من القلب وإلي الله
الصوت الخارج الآن من قلب عشاق الشمس (حزمة شعاع) هو صوت مصطفي سيداحمد وجمال الصادق الرضي وغناء العزلة ...عزلة الروح الوطن....سلام لك ولها ولمن في الخاطر الان


حلم الوقوف علي مدار الشمس،
ملحمة الحريق،
الضوء أغنية الشروق،
قصيدة ضد انكسار الحرف،
أو ضد انكسار العشق في قلبي وقلبك،
أو بكاء الروح من ألم الرحيل
الضوء قال:
العدل قافية اللسان،
الشوق دوزنة الغناء،
الله لي
والريح أحضان القدوم،
وخطوتي وجع التسكع في مطارات البكاء،
مداخل المنفي وأرصفة الشوارع،
والخرائط دمعة الوطن البديل
ألم انتظار العائدين من أخريات الليل،
أو موت النداء الحلم
عد بي وجهتي قلبي
وقلبي عند باب الماء،
للنيل الغناء،
قصيدتي حلمي،
وحلمي في اتجاه الشمس،
من خوف السقوط


(2)
(كيف تركت النهر وحيدا)
انه سؤال الضهبان واللهاث خلف سراب الحلم النهري الايقاع ...... واغاني الغياب تهب النهر اسطورة ان يظل اصل الرحيل والرجوع وايضا الشاهد الوحيد علي هزيمتنا بفعل ظلم الحال وغبن المآل
النهر ياصديقي حيره صمت العشاق وهروب الاحباب والضفاف ...
تري ألا زالت قضايا النساء الهبابات تؤرق مضاجع الشعراء الصعاليك في الليالي المقمرة حين تتحول خدود النهر بفعل الصفاء الي مرايا لا تعكس الا الحنين والمزاج الرايق؟
ملء ذاكرة الزمان والمكان والنهر ... شمبات وصوت خضر بشير النيلي الفاره علي امتداد مساحات الطرب من ( الاوصفوك) وحتي (برضي ليك المولي الموالي) .....
ياصديقي: حين يتحول القلب إلي كتلة شوق واشتعال..وحين تغني فاطمة غناء الحنين إلي عودة الذي ذهب وذهب بالقلب والعقل.. تجدنا عندك وعلي باب النهر في سبيل الحصول علي تذاكر أحلام العودة
فاكتبنا ياصديقي بيتا من قصيدك علي دفاتر ذلك النهر ... فنحن خوف فضيحة الصمت نختار الكتابة رغم رداءة المعني وسوء حال الدفاتر هنا
دعنا نقرأك والنهر .... فانت مواعيد قدومنا الي الكتابة و الحبيبة وكلاهما وطن

(3)
(الحلم)
هكذا قدر لنا أن نتوكأ علي القلب ونغني وأقسى الغناء ما كان علي إيقاع لحظات الضعف فينا ... حينها يصبح العشق افلاطونياً حد التطرف ... وذاك هو النصف الآخر منّا ... أسطورة زيوس وقطعنا إلي نصفين ... حلم وقلب.
الحلم يا صديقي هو الطريق للإحساس بنبض قلبك حين تمتد المسافة بيننا وبين الآخرين مقدار ما يكفي لنسيان الأسماء والأمكنة ... ضد الوحدة بكل قسوتها ... شكل من أشكال إثبات حقيقة وجودنا... هو الحلم .. ضوء .. امرأة. .. خطو رحيل أو عودة ... أو حتى حزن ...
الحلم الآن ياصديقي: النيل والبنت العسل وقهوة أمي .. وامرأة يا الله ..
شاشة هذا التلفاز تهبني ما يكفي من الاحباط والاحساس باغتصاب الذكريات الجميلة .. كنت معهم هناك ذات فرح .. أي ظلم هذا؟؟؟
أحيانا يا صديقي يشكل الغناء بإحباط شكلاً جميلا من أشكال الحلم ... واحشني ... غناها ابو عركي بطول الشوق الرابض في كل عشاق الدنيا وغنتها أيضا فاطمة في محاولتها الخجلي للعبور لحلم لا يأتي دون حزن .. ربما ذات مساء غير هذا سأحكيك عنها .... فقط هبني بعض الدفء..
دونك وحلمي أيها الجميل جدا.............
وعبرت من حلمي إليك،
كعادة العشاق،
في كفي نداء القلب،
أغنيتي وصوتي،
فاستعدتك في دمي،
يا أنت
يا لحناً من البرق المسافر،
بين ماطرة الغيوم إليّ
حدثني بربك،
هل ستبقي عند باب النهر
أغنية لتلك البنت؟
أرقها غيابك
آه كم سألتك: يا أبن الحلم
قل لي،
بعض هذا النهر هل يكفي لقلبك،
أم شهيق الروح،
حين يكون صوت النهر أنت،
مداخلا للحب
كم أحببت صوتك ضاحكاً،
أو موغلاً في عشق حلمك
كم أحبك كاتباً عني،
بدمع الغيم أحجية،
فبعض النهر حزن القلب
فارسمني بباب الشوق قربانا،
لتشرق أنت صوب النهر
مثلك انتقي حزني،
لأرحل خلف غيمك وانهمارك،
كي نلون وجه ذاك النهر،
للأطفال أحلاماً،
وللمطر احتمالا للهطول


Post: #87
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 07-08-2021, 01:08 PM
Parent: #86

لا فض فوك يا صديقي الاديب عبدالله
تجعلني كلماتك هنا، اتنقل بين محطات اغترابي وبين مواقفه وشخوص تتراءى لحظاتهم كانها اضغاث احلام

*
حلم الوقوف علي مدار الشمس،
ملحمة الحريق،
الضوء أغنية الشروق،
قصيدة ضد انكسار الحرف،
أو ضد انكسار العشق في قلبي وقلبك،
أو بكاء الروح من ألم الرحيل
الضوء قال:
العدل قافية اللسان،
الشوق دوزنة الغناء،
الله لي
والريح أحضان القدوم،
وخطوتي وجع التسكع في مطارات البكاء،
مداخل المنفي وأرصفة الشوارع،
والخرائط دمعة الوطن البديل
ألم انتظار العائدين من أخريات الليل،
أو موت النداء الحلم
عد بي وجهتي قلبي
وقلبي عند باب الماء،
للنيل الغناء،
قصيدتي حلمي،
وحلمي في اتجاه الشمس،
من خوف السقوط

*

لله درك
واصل هذا الاندياح الذي يربت على كتوف مشاعر شتى

دمتم

Post: #88
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 07-08-2021, 01:21 PM
Parent: #85

Quote: وليد طه .. عرفتو كيف عمك سري ؟

وهل تخلو جمئية من سري أو مهيمد ساليه ؟ :)

Post: #89
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Abdalla Gaafar
Date: 07-11-2021, 09:26 AM
Parent: #88


(باريس)
(الخوف)

باريس أكثر عرائس المدن جمالاً... هبطت اليها هبوط الهارب من ذاكرته الي النسيان... مدينة من عطر.... تأملتها كما تأملها شولتز اثر نوبة الربو التي انقذت باريس من حريق ظالم......توسط النهر خصرها ليراقصها امام عشاقها في احتفالها السنوي ببقاء انوثتها رغم انف هتلر.
ها انت تطلين مني كغصة رغم انف جمال هذه المدينة ..صوتك وكفي بين كفيك...قضيتنا الخاسرة ضد الخوف والقادم من المجهولما بين السين وبريق الاضواء تزدان مدينة النور بتاريخ القصور والشوارع التي تؤدي الي قلب عشاق المدن وذاكرة الزمن..... لوحة رسمتها اشجار الكستناء المشرئبة الي افراح الميلاد علي الارض بمزاج رائع ما بين جادة الشانزيليزيه الى قوس النصر.... لوحة تحكي عن التاريخ الفرنسي ....اباطرة ومحتلون..... تباين الاوجه والجمال هو السمة السائدة لمرتادي الشوارع والمتاحف والمعارض...حيث تولي يأخذك الجمال الي اقصي حواف الدهشة...... هكذا بدت باريس عروس النور غارقة في رفاهية من عطر وحلي قبل شهر من اعياد الميلاد.....مدينة البسها كتاب الفن و مصممو الازياء طقسا من البهج المريح .... لحن قوامه الناس والشجر والنهر وتفاصيل التاريخ الدقيقة....مضي الزمان وبقيت باريس كما هي بكامل زينتها... ولا زال اهلها كما وصفهم قيصر روما ماهرون ومبدعون. مدينة خبأها عشاقها عن اعين الزمان فاحتفظت بكامل جمالها الذي وثفته متاحفها ومعارضها دون كلل او ملل.
رحلت الي باريس ولا ادري ان كان بوداع او بدون وداع...انت حزن في وفي كل الاشياء.....الزمان والمكان.....تكورت داخلي كرة من خوف حارق...باريس مدينة حرمني جبل الخوف الرابض داخلي من الرقص في حضرتها...كل الشوارع والاماكن سلبتها انا متعة اللقاء بالغريب والضحك في وجه القادمين اليها...كيف انت الان ؟؟
يالله كيف تحولت بقلبي دون ان ادري الي حمامة جونثان.........انه الخوف..الخوف....الخوف... من ماذا؟؟؟ لا ادري ربما هو الخوف من المجهول او ربما الخوف من اللا شئء الهلام ....
في تلك اللحظة ...كنا كشجرتي حراز .....حين تلبدت سماءنا بالغيوم الكثيفة...كلانا كان يدري بأن هطول امطار في لحظة كتلك ...ستقسط عنا ورقتي التوت..لتبدو سوءات الجرح والذعر والخوف ظاهرة لاعين الزمان والمكان...........هو ذات الحال منذ التقينا ...تعودنا الهروب الينا في لحظات الخوف...او الحزن...عدوي المطر كالعادة سريعة الانتقال بيني وبينك...كان هطولا لحظيا وسريعا ....الا انه كان عميقا وقاسيا جدا...لحظتها شكل البرق والقمر غيابا كاملا ....لا برق حتي في لحظات الهطول العظمي....كانت اللحظة عمياء... وحاجتنا الي الضوء كانت اقصي ماتكون ...لا ادري ..اظنه الخوف الممزوج بالذعر من شئء عجزت عن فهم كنهه....
.....
ازيك وكيف اصبحت
من ليلا ملان بالخوف
لا كملت دموع قلبك
علي الوجع السكن جوة الحبيبة الراحلة فيك
منذ الازل ضحكة وعمر مكتوب
علي صحف القدر غيمة عشق ممدودة
من دمع البداية وللفضل جواك
من باقي المواسم الجاية
لو باقي العمر يسمح
كأنك شلت في جواك
نواة وجع الخطي التفتح منابع دمعة الحال
البهد حيل الفرح لو جاك
يظل حالك كما حالك
يظل حالك كما حال البنية الحالا من حالك
من الحزن الصبح منك غبينة
وفيك ملازمة الجرح والخوف
وكيف اصبحت
من ليلا ملان بالخوف
علي البت الرمت دمعاتا في حضنك
اكان تقدر تشيل منك زوادة السفرة
لي وجع الصبر والجاي من تعب النهار والليل
اكان تقدر علي ضهر الضحك ترتاح
وما تقدر من الخوف السكن جواك
............................
احساس غامر بالضعف والحوجة الملحة الي الهطول...بكي ليل باريس والسماء وبكت الشوارع ايضا او هكذا تخيلت الحال في لحظات الارتماء علي تيار المطر الجارف...ذاكرتي مملوءة بك وبالغيوم...وكلاكما قضيتي التي اكاد اخسرها امام قضاة الحزن و القدر...تهرب الحروف والضحكات وبقايا الضوء..... وهكذا بقيت باريس بذاكرتي بدون ختام...كما هو الخوف دون ختام .....يا انت كيف حالك الان وكيف اصبحت؟
... البنية البن .....حنيني اليك....

عبد الله جعفر

Post: #90
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 07-11-2021, 05:18 PM
Parent: #89

يا سلااام يا اخي عبدالله جعفر

*
في تلك اللحظة ...كنا كشجرتي حراز .....حين تلبدت سماءنا بالغيوم الكثيفة...كلانا كان يدري بأن هطول امطار في لحظة كتلك ...ستقسط عنا ورقتي التوت..لتبدو سوءات الجرح والذعر والخوف ظاهرة لاعين الزمان والمكان...........هو ذات الحال منذ التقينا ...تعودنا الهروب الينا في لحظات الخوف...او الحزن...عدوي المطر كالعادة سريعة الانتقال بيني وبينك...كان هطولا لحظيا وسريعا ....الا انه كان عميقا وقاسيا جدا...لحظتها شكل البرق والقمر غيابا كاملا ....لا برق حتي في لحظات الهطول العظمي....كانت اللحظة عمياء... وحاجتنا الي الضوء كانت اقصي ماتكون ...لا ادري ..اظنه الخوف الممزوج بالذعر من شئء عجزت عن فهم كنهه.

*

دة حكي طاعم وسفر انيق في مسارب الغربة
وأي غربة؟
هي باريس بكل ما تحمل من زوايا تجعل الانسان في حالة متلاطمة الامواج من مشاعر شتى

لله درك
واصل

Post: #91
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Abdalla Gaafar
Date: 07-13-2021, 07:48 AM
Parent: #90


العزيز الأديب أبوجهينة صباحك خير

مواصلة للكتابة في أضابير الغياب

(هلسنكي ذات شتاء استثنائي)
هي هلسنكي ذات شتاء استثنائي ظالم. صباح مظلم والكون يعتلي نبض قلبك وينادي إن حي علي البكاء.هو أقصي الحزن وسماء هلسنكي تنوب عنك ببكاء جليدي صامت
بم التعلل لا أهل ولا وطن ولا نديم ولا كأس ولا سكن
أريد من زمني ذا أن يبلغني ما ليس يبلغه من نفسه الزمن
قالها المتنبي... و رغم الفارق الزمني فلا زالت صالحة للاستعمال العصري في لحظة كهذي....و قالتها الأيوبية عتابا رقيقا أيضا وأنابت السماء عنها بكاء جليداً....
(طز) قلتها في محاولة جادة لنسيان الاخرين والوقوف ساخرا كعادتك. كلمة وقف الكون كله ضد استعمالها كمخدر لحظي في تلك اللحظة لتخفيف آلام القابع في عمقك قدراً ملازماً....
علي مسرح هذه المدينة ومنذ عرفتك...كنت وحدك كل شيء..المؤلف وكاتب السيناريو والمخرج وكنت الجمهور أيضا!!! فحركت الجميع كقطع الشطرنج... ..خطأك انك لم تحدد للحزن عمقا ثابتا فكانت أن تحولت الملهاة إلي مأساة..هو الحزن أينما يتجه أبطالك.....يبحث الجميع عن اليقين إلا أنت!!!!! ويبقي السؤال..لم كل هذا الحزن؟
حدثني عنك وعنها ..كيف احتفظت بها نقية كصلاة الفقير (كما يقول السمندل) رغم كل الكم الهائل من التلوث فيك؟...كيف حملتها عمرا من رحيل منذ اللقاء الاول وحتي الحزن الاخير.امرأة بذاكرتك أحبط الحزن كل محاولات التوكأ علي قلبك للصعود لحزنها دون بكاء.
هلسنكي مدينة كغيرها من المدن التي عرفتك لم تهبك الود ولم تكرهك ايضا. هي ياصديقي المدن لعنتي ولعنتك ايضا لو استطعت أنا لكنت كتبتها كما كتبها السمندل وهو يحكي عن النساء الهبابات...علي قارعة الطريق...خروجا فاضحا من اقصي الصدق الي الاوراق...حتي يتساوي علي قمم الـتأوه صعاليك الكتابة وامراؤها....
هي المدن ...الشاهد السري علي بدء الرحيل وختام العودة وما بينهما من لحظات الضعف والحزن والفرح وايضا حالة اللا احساس... مدن نعيشها واخري تعيشنا...
ليست المدن (المكان)..ولكنه الاحساس بها. ترتسم علي مرآءة الذاكرة كلحظات ضد جغرافيا المكان... لا تحدها خطوط الطول أوالعرض..احساس كاحساس راشد حسين حين كتب نيويورك علي دفتر احزانه حزنا برتقالي اللون:
(لم يسرقه هذا القمر الواقف تحت الطابق العاشر في منهاتن
قال إن الوقت لا يخرج مني
فتبادلت وقلبي مدنا تنهار من أول هذا العمر
حتى آخر الحلم…..
أنبقى هكذا نمضي إلى الخارج في هذا النهار البرتقالي
فلا نلمس إلا الداخل الغامض)
هلسنكي لا تكتب صيفا…وأنا لا أملك من اللغة الآن ما أداري به سوءة الغناء علي إيقاع…لينا…التفاني في عشق الشمس…وأسطورة عروس الجليد حين تقدم عارية كما ولدتها أمها لوجه الشمس قربانا لعشق مجنون…. وتستوي في ذلك الضرب من العشق المجنون للشمس هلسنكي ولينا…هي الوحيدة القادرة علي تلويث منتصف الاسبوع ....(رغم انك اصطدتها كغيرها في عطلة نهاية الاسبوع وهلسنكي برد و خمر وجنون)..
لقاء رسمته لحظات الهروب من واقع الحال الي حيث اللاوعي... رأس السنة ...صدي من ذكريات العام الخامس بعد الحزن...كان الشتاء قاسي البرد والذكريات...الجميع الا أنا ... ذهبوا ليلقوا كل احزانهم علي صدر البحر ...غسلوا بماء البحر احلامهم واستعدوا لاستقبال الاتي من رحم الغيب بتفاؤل الرغبة في الغد..الا انا ...تركوني وحيدا وغريبا كما فعلت نديتي ذات غبن ....كان التأهب عظيما لالغاء كل الممكن من القلب والذاكرة كي ابدو كغيري من ذكور الطواويس في حضرة الاناث.......كان احساسي بغربة الزمان والمكان كبيرا جدا...منتصف الليل تماما ..وأنا ولينا وبص الساعة الثانية عشر ليلا.... لقاء يسرته لحظات الهروب من وجع الوحدة وهجر الحبيب...كلانا باحثين عن حضن فارغ....
عذوبة الغرب وسر الغناء ...عيون وانثي وجنون.... وليلة منتصف الاسبوع الاخير من العام ...البنت الهبابة بنكهة القهوة الفلندية .. لونها ومذاقها ...اول رشفة واحساس بانطلاق النشوة من من طرف اللسان دوائرا دوائرا الي اقصي الاعماق ثم هدوء يسبق شبق التأوه لرشفة أخري. ذات فرح لحظي قرأت الغرب كله في انثي و كوب وكأس. لينا وهبها الغرب اخر ماتبقي من سحر ونبذتها الارض الي سراب لا تنتمي اليه .ضحكت وانا اقرا لها اكاذيب المساء الملونة فاخفي بريق بريق ضحكتها كل تعب النساء الهبابات في ليل شهد هزيمتي وهزيمتها فاحسستها غريبة مثلي ...هروب الي لحظات لا تكتب... امرأة ومضة .
هي لحظة ممعنة في الاستغرق والطرب والاشتهاء...تحلل القلب والجسد حينها من خواطر الهروب....كان النداء قويا وقاسيا...وكان التوتر كثيرا ومخيفا..وكان الاستغراق فيها كاملا.......الزمان والمكان ولينا دعوات ونداء....والقلب احوج مايكون لحضن دافئء...كما حال اشعة الضوء في انكسارها وانعكاسها جراء الصعود والهبوط من البرثقال الي وادي التأمل والنهر انا .....مهاجرا وراحلا مع الضوء الي كل المدن والضفاف والاحلام...هابطا وصاعدا وبيني وبين الرحيق مقدار عرض اهة ..هي الوحيدة التي عرفت معني ان تضع رأسها علي وسائد الخيروز وتيجان البرتقال.....ضدي أنا غالبا ما كنت تفضل أنت الجلوس ضد اتجاه الاشعة وضد التعامد خوف السقوط في اسر السطوة الانثوية الفارهة......ياصديقي لا شيء يعدل لحظة من تواصل والتقاء .... اوصيك بمثلها فانا لا زلت اعاني نكهتها فاتجرعها دون ممارسة طقوسها كاملة (اتخيل ضحكتك وانت تقرأ جملتي الاخيرة)...الغريب ان لينا اختارت منتصف الاسبوع حين اصطدمت ببنت تيانجين الصينية يه يي في ليلة السبت التي اعقبت لقاءنا الاول...ليلة استخدمت فيها يه يي كل ما علمتها من فاحش القول والفعل ...غادرت لينا باكية منتصف ليلة السبت وعادت منتصف الاسبوع انتقاما من بت تيانجين ومني ...وبقيت رغم انفي وانف نساء اخر الاسبوع لعامين كاملين ولا تزال.......



Post: #92
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 07-13-2021, 04:46 PM
Parent: #91

لله درك اخي عبدالله
اين خبأت كل هذه التداعيات؟

*
لقاء رسمته لحظات الهروب من واقع الحال الي حيث اللاوعي... رأس السنة ...صدي من ذكريات العام الخامس بعد الحزن...كان الشتاء قاسي البرد والذكريات...الجميع الا أنا ... ذهبوا ليلقوا كل احزانهم علي صدر البحر ...غسلوا بماء البحر احلامهم واستعدوا لاستقبال الاتي من رحم الغيب بتفاؤل الرغبة في الغد..الا انا ...تركوني وحيدا وغريبا كما فعلت نديتي ذات غبن ....كان التأهب عظيما لالغاء كل الممكن من القلب والذاكرة كي ابدو كغيري من ذكور الطواويس في حضرة الاناث.......كان احساسي بغربة الزمان والمكان كبيرا جدا...منتصف الليل تماما ..وأنا ولينا وبص الساعة الثانية عشر ليلا.... لقاء يسرته لحظات الهروب من وجع الوحدة وهجر الحبيب...كلانا باحثين عن حضن فارغ....
عذوبة الغرب وسر الغناء ...عيون وانثي وجنون.... وليلة منتصف الاسبوع الاخير من العام ...البنت الهبابة بنكهة القهوة الفلندية .. لونها ومذاقها ...اول رشفة واحساس بانطلاق النشوة من من طرف اللسان دوائرا دوائرا الي اقصي الاعماق ثم هدوء يسبق شبق التأوه لرشفة أخري. ذات فرح لحظي قرأت الغرب كله في انثي و كوب وكأس. لينا وهبها الغرب اخر ماتبقي من سحر ونبذتها الارض الي سراب لا تنتمي اليه .ضحكت وانا اقرا لها اكاذيب المساء الملونة فاخفي بريق بريق ضحكتها كل تعب النساء الهبابات في ليل شهد هزيمتي وهزيمتها فاحسستها غريبة مثلي ...هروب الي لحظات لا تكتب... امرأة ومضة .

*
واصل

Post: #93
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 07-27-2021, 09:47 PM
Parent: #92

وخزات اغتراب
***********
في نهاية السبعينات،، ( واحد بلدياتنا ) ألتحق بالعمل في إحدى القصور بالرياض،، وأوقعه حظه العاثر في القسم الخاص بالأميرة،، وكانت المسئولة المباشرة عنه امرأة أردنية كانت تعمل قديما مع الجيش الإنجليزي في الأردن كممرضة ميدانية،، لذا كانت صارمة و ( دوغري ) كوجهها الذي لا يعرف الإبتسامة.
يوما وجدتْ كوبا متسخا بين الأكواب النظيفة المرصوصة في الدولاب الأنيق،، فمسحتْ بصاحبنا الأرض،، استعملت كل القاموس الشامي في بشتنته، إبتداءا من ( ما أغلظك ) مرورا بـ( شو هالحكي ) وإنتهاءا (بفرجيك شغلك) ،، وبما أن زولنا كانت لغته العربية دون مستوى خط الفشل الذريع ،، فقد تمتم لها بشتيمة بليغة بالرطانة ،، فلما قالت له : ويش قلت ؟
قال وهو ينفث غضبه و احتقانات اغترابه في وجهها : روهي يا يهودية.

في اليوم الثاني كان في الجمعية ،، تقبع حقيبته بجانبه وهو يواجه الجدار وحردان الأكل، يغطي وجهه بطاقيته، ويتمتم بشتائم غير مفهومة.
***
في الرياض، هناك أحياء قديمة جدا من الطين، بعضها تم تلجينها بواسطة البلدية لأنها لا تصلح للسكن الآدمي،، ورغما عن هذا يسكن بعضها الهاربين من الكفلاء أو الذين ( كبوا الزوغة ) من العمرة و الحج.
أجتمع نفر من السودانيين وهم من قرية واحدة ( و كابين الزوغة ) في إحدى تلك المنازل الملجنة ،، وعلى ضوء شمعة أقسموا ( بالله و بالملح والملاح ) بأن يعمل نصفهم لإطعام القابعين في المنزل،، ثم يعمل النصف الآخر في اليوم الذي يليه ليرتاح الفريق الأول،، ثم يجمعوا ما كسبوه ويرسلوه لذويهم بالسودان ( تكافل لا نظير له ).
وسارت الأمور بنظام وترتيب لا مثيل لهما.
ويوما،، وقع أحدهم في كمين شرطة المتخلفين بشارع البطحاء العام ،، ولكنه فاجأ الشرطة بأن قال لهم : تعالوا معاى،، في جماعة تانين ساكنين معاى.
وقادهم للوكر العامر بأهل قريته.
فاعتقلتهم الشرطة وهم نيام يحلمون بالزوجة والعرس والبوكس دبل قبينة. وتم عمل كمين للذين كانوا يعملون يومها، فاصطادوهم واحدا تلو الآخر بسهولة ويسر بفضل وشاية صاحبنا ( الغتيت ).
وعندما سأله زملاؤه في سجن الترحيل عن وشايته بهم قال و هو يحدر طاقيته المتسخة للأمام :

نان أمشي براى أركب فوق حمارتي العرجا وإنتو تجوني بي بوكسياتكم وشنطكم المستفة؟
فضُرِبَ الذي وشى ضربا مبرحا ولم يبالوا حينئذ بالملح و الملاح.

Post: #94
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 07-31-2021, 06:14 PM
Parent: #93

إهداء الى الاخت مهيرة
******************

هناك وجه شبه بينه و بين ( يوسف ) ...
أقصد ( يوسف ) بن يعقوب .. صاحب القميص المغموس بدم الذئب المتهم زوراً و بهتاناً.
تتخطى الرغبة المحمومة كل حواجز المحاذير ..
تختزل جدران الخطر و تجعل القفز فوقها أمراً ميسوراً ..
غليان مكامن النزق تجعل الدنيا كثقب إبرة تسمح فقط بإنسراب فيْح الشهوة ليسكن في مرمى الهدف المرصود.
حرارة الشبق تجعل من العينين كشخص ينظر فقط من خلال منظار لا يسمح إلا بما يقع تحت مرمى العدسات الموجهة نحو الهدف المقصود.
هذا ما كان تماماً من أمر إمرأة العزيز ... زليخا ..
و هنا ( زليخته ) ... تملك زمام أمرها تماماً .. تجلس القرفصاء في مقعد سيارتها الفخمة يقودها السائق الذي لا يفقه سوى كلمات الأمر و النهي فيما يخص القيادة و التوقف و المضي قدماً.
عندما ثار بركان جسد زليخا و هي ترى فتاها المترعرع في كنفها قد تورد خده و فرِع عوده فشغفها حباً و هياماً.
رغبتئذٍ .. تداعتْ كل أعمدة كرامتها .. و ذابت كل حصون عزتها .. و توسلت إلى يوسف بأن ( هيت لك ) ..
لم تسمع غير همس غدد جسدها ( تنتح ) كما ( دمَّل ) إمتلأ بصديد العروق ..
رغم محتويات قصرها المنيف .. و جدرانه الشاهقة .. و رغم إحتشاد الخدم و الحشم .. لم تر غير هذا الجمال الإلهي يرفل في دعةٍ و طمأنينة بين ظهرانيها ..
إنطلق سهم رغبتها المحموم يتفادى كل محظور و يروغ منه.. ليستقر في وسادة فتنته الطاغية .. و لكنه أحدث هرجاً و مرجاً لم تسمعه بتاتاً .. لأنها كانت مشغولة تماماً بلحن داخلي ينسرب بين تفاصيل وجدانها يسابق جريان دمها و يطغى حتى على صوت وجيب قلبها الذي كان يقرع قفصها الصدري كما طبول حربٍ و نُذُره.
نسيتْ زوجها و مكانته ..
فقط عاشت أنوثتها المتفجرة ..
و غاصت بين طيات صيحات الجسد و هتاف النداء الصاخب.
غمر عقلها فقط إبتلاع هذه الفتنة بين طيات جسدها الذي لا يقتات من عزيز مصر إلا الفتات بين الفينة و الأخرى ..
و لم لا ؟
فالفتى ملاك يمشي بين ردهات قصرها فتتلاشى الأمكنة و يتوارى الناس و يختفي أي موروث ملوكي و كل عزة الأسر سليلة الحسب و النسب و ذات الحول و الطَّوْل... فقط هو يتهادى أمامها و لا شيء غيره.
بل تمادتْ بأن لحقته حتى ( قدَّتْ ) قميصه من دبر فكان ذاك دليل براءته الدامغ و دليل ظلمها البائن.
و أنثى كهذه لا تقبل أن يطفيء شمعة رغبتها وضيع تحت خدمتها.. و يجعلها أضحوكة بين قريناتها و صويحباتها ..
فالثروة و الجاه تجعلان من البعض يعتقد بأن كل من كان تحت يده فهو متاح جسدياً أو عقلياً ..
فكالت له الكيل مضاعفاً ..
و إن تصادف لقاء النزوة و الصدفة .. فإن لقاحهما أكثر مرارة من سجن يوسف و ظلم إمرأة العزيز ..
لأن صاحبنا و هو يمشي مطأطأ الرأس .. يدفع حجارة الأرض و حصاها بحذائه البالي .. لم يكن يدري بأن قَدَر يوسف سيأتيه بحذافيره ..
مهلهل الثياب .. رثُّها ..
زائغ العينين من مصيره المجهول في هذه الغربة التي لا ترحم ..
عندما دعته إلى ركوب سيارتها الفارهة ..
لم يبالِ .. لم يعط نفسه حتى فرصة الإستفسار من هي و ماذا تريد ..
رغم ( البهدلة ) البادية عليه .. إلا أن بعضاَ من سحر يوسف كان ينفر من بين وجهه الأسمر و عوده الفارع و قامته الممشوقة كما محارب دينكاوي.
و هناك ..
تمرغ في كنفِ كما كنف عزيز مصر ..
سقته كل ما يمكن أن يُشْرب .. و أطعمته صنوفاً من طعام ..
هتف في سره : ربما أكون في برزخ بين دنيتي الفارغة و الجنة ..
و كما أعطته .. أخذت منه أكثر مما أعطتْ ..
رشفتْ رحيقه بيمناها .. و بيسراها كانت تكيل له الرحيق المرشوف ..
ليله و نهاره سيان ..
يفيق ليضيع في سحابات الكيف .. و يسبح بين طيات ركام حرير زليخاه ..
يغيب و يصحو على أوتاره قد أنهكها العزف .. نشازه و المتناغم منه ..
يكون على شفا حفرة من إحتجاج .. فيضيع صوته بين تلال من نداوة ترْبِتُ على حرمانه الطويل ..
هذا الحرمان الذي لاحقه منذ أن وعى هذه الحياة و حتى خروجه الذي كان يشبه الهروب من سجن كبير مفتوح ..
كلما أراد النزوع و الركون إلى بعضِ راحةٍ من هذا النعيم المقيم .. تستدعيه عيناها السوداوان برموش تظلل ( سموم ) أيامه التي كان يضرب فيها بحثاً عن ما يسد رمقه ناهيك عن شهواته التي كان قد أعطاها إجازة قسرية مفتوحة.
كلما همهم لطلب هدنة من هذا الشلال المتدفق ... إندلقتْ إلى أذنيه كلمات لم يكن يفقه مفرداتها تماماً .. و لكنها كانت كفيلة بأن تجعل روحه تذوب و تذوب حتى تستقر في كفة يدها البضة .. بينما تلتصق عيناه بجبينها الذي شابه قمر قريته عندما كان يستلقي على ظهره يحسب حساب رحلته لينفك من إسار فقره و رتابة أيامه.
و إستمر به الحال تماماً كأيام يوسف في سجنه ... إلا أنه لم يجد من يفسر له هذه الأحلام التي كانت تراوده بين غمام متعته ..
و إن كان يوسف قد رد إخوته ببضاعتهم ..
إلا أنه عندما عاد .. كان قد خسر بضاعته .. و صاعه الذي يكتال به ..
و أشفق على نفسه بأنه هو الذي سيفقد بصره بكاءاً و نحيباً على نعيم إنسرب منه و عاد حتى دون أن يكون هناك ( ذئب ) بريء يضع على عاتقه دمه المراق حقيقة و ليس كذباً

Post: #95
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: مهيرة
Date: 08-01-2021, 07:54 PM
Parent: #94

سرد رائع كالعادة

شكراً أبوجهينة

تحياتى

Post: #96
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Abdalla Gaafar
Date: 08-02-2021, 11:19 AM
Parent: #95



العزيز أبو جهينة تحيات وتقدير

كانكون عروس من ماء وجمال
انهم يؤسسون لحزن قادم
بالرغم من تعب الرحلة من اقاصي افريقيا اليها الا ان الارتماء الكامل بحضن هذه المدينة العذبة الجمال حد الدهشة يمسح ارهاق الروح والجسد...مابين البحر والبحيرة والشجر يتوكأ صدر هذه المدينة علي علي اعين وقلوب الداخلين اليها جمالا كامل الدسم...سلسلة الفنادق المطلة علي الفاصل الرملي بين البحر وقلوب عاشقي الطبيعة ترسم علي الارض لوحة قمرية الايقاع.... ابتسامة اهل هذه المدينة في وجوه القادمين تغري يالولوج الي دهاليز الجمال المكسيكي بخطو الواثق...ولكن بوزر وشبهة....جمال القت عليه الدول النامية همومها جراء ظلم الاقوياء بين كأس وليل وجمال...كعادة كل مؤتمرات الاطراف لتغير المناخ يبدأ القط باتاحة المساحات المحددة للفأر كي يبتدأ اللعبة...هكذا هم يحددون الادوار بدقة متناهية ...ويوزعون ابطالها علي مسرح الصراع لتبدوا جلافتهم امام الجمهور فصلا ساخرا من ملهاة ختامها مأساة....وكأنما اضحت مهمة كانكون الجميلة توفير ملجأ مدهشا لدفن احزان والالام اهل العالم الثالث حين يعودون في المساء محملون بالتعب والغبن ......
هكذا يؤسسون لحزن قادم...الكاوبوي الامريكي والذي لم يوقع كغيره من اهل الارض علي بروتوكولات كيوتو(والتي انكرها اهلها اليابانيون اخيرا) ..يستبيح برغم انف العالم المتحضر مسرح التداول ويفرض قوانين اللعبة كيف يشاء....دول العالم المتقدم ترسم باناقة ودهاء طرق ترحيل التزاماتها الي دول العالم الثالث...حلا ظالما لتغير المناخ الذي لوثته مداخن المصانع ورفاهية شعوب العالم الاول...
تمضي الايام وتضيق مساحات التفاوض...ويبدأ انهيار الصمود بوصول رؤساء ووزراء العالم الثالث الي حضن كانكون الجميلة ....هو انبطاح القادمين الي الكراسي عبر الصناديق التي لا تحتوي اللاء ابدا...هكذا اصابت الهزيمة مفاوضي العالم تحت الثالث في كوبنهاجن ..وهاهم يستعدون لهزيمة اكبر مهرا لاجمل مدن المكسيك كانكون....
ولكانكون بقية...........

عبد الله جعفر

Post: #97
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Abdalla Gaafar
Date: 08-02-2021, 11:41 AM
Parent: #96


نيويورك (أغنية البت البن)
اتيت كنسمة وذهبت كنسمة.. وبقي العطر بذاكرتي وذاكرة الزمان والمكان....هانذا احاول ترتيب الحروف ....والروح.......لأصف حالة من أرق وألق ودهشة...عبور لداخل الاشياء...بداءا بالانتظار وانتهاءا بالرحيل.....هو بعض اغمائي في حضرة حضورك المفاجيء رغم انف الغياب...
تلك ليلة ارقها الانتظار طويلا..
نيويورك ذات ليل ارهقته الريح وغسلته المطر...كأنها البشارة ...هكذا وفرت الصدفة ملجأ امنا لاخبار الحضور الدهشة ..فاكهة الحديث الطازجة...الذكريات ..السنين ....العتاب ...الشوارع...عشاق العام قبل الجدب قد عادوا للقاء المدينة الحلم..ونيويورك مدينة الارقام ومنبع احزان العالم الثالث ....اراها الان امرأة من عشق وحريق....غسلتها الامطار وهيأتها الريح للجلوس علي مقاعد الانتظار ...اي حلم هذا؟ ....المدينة والانثي ضدان وبينهما العاشق...ورغم ذلك كان الطعم امتزاج...كل الشجر والعصافير ورذاذ المطر والليل المشرئب الي لقاء...انتظار في انتظار...
وينك والليل تذكار مجدوع مابين اللحظة وطلة باكر
ياوجع الشوق العطل صبر الليل والدنيا الراجية دخولك
بين الغيمة وبرق الضحكة
البرق الزيًن لون السمرة النازل من فنجان القهوة
الدهشة الرسمت خطو البت الراقصة علي ايقاع الحلم الجاي
لا نام الليل لا الصبح اتنفس عطر النسمة الشالت ريجة النيل الراحل
بين غيمات البت اللبست لون البن والمطرة رذاذ
والليل والشوق والعاشق جيتك منتظرين
اعياد اللمة علي ضحكات الرجعة من الاحزان
للحضن الشايل رمية راس العاشق سيرة وشوق
وينك وينك.....................
هكذا لمللمت المدينة احلام الشوارع التي نامت علي وسائد التوتر حتي الصبح....كان الانتظار قاسيا والكون اضعف مايكون...
تضاءلت المسافات واستراحت كل عصافير المدينة علي موسيقي الخطو النبض ...لقاء بين العطر والنسمة ومن ثم الخروج الي ارصفة الانتظار ببشارة القدوم...حمائما وهدهدا وخبرا...انعكاس الاشعة علي جدران العمارات الشاهقة يرسم علي طول الشوارع رحلة البنت البن من اقصي المدينة الي قلبها...امرأة اخذتها الفرحة بالعشق الي حيث لا رجوع...كل الخطو الي القدوم القدر...تفر الاحزان كليا امام الشعور الغامر بالفرح المفاجيء ..عدت وعادني الصدي.... (عطرها اشتهاء النسيم ...وخطوها كالقيردون رشاقة الإيقاع وهدوء القفز من الأرض إلي موسيقي اللحن بمقدار آهة ونبضة...) ولهذا ترتسم الدهشة علي كل شوارع هذه المدينة
مابين الطرق علي الباب والحضور القمري بدت المسافة بين النبضة والاخري الف ميل من خدر اللهفة وارتباك الخاطر....الغرفة ارهقها التوكأ علي صوت سميرة دنيا ( حارم وصلي مالك) في انتظار البت البن...
من بعد الباب رأيتك ذات البنت .. (متكئة علي الجدار ..بذات الارتباك القديم ) بكل التفاصيل التي اعرفها وتعرفني..العيون الخريف الغيوم المطر.. الخدود الظلال ..القوام الرحيل الي لا منتهي.. الحديث الغناء...الغناء الهديل.. هي خمس فوق العشرين...سنوات مضين منذ اللقاء الاخير ....كنت انا وانت والليل الشاهد علي انفضاض السامر واعلان تراجيديا الخاتمة..او الفصل الاخير من رحلة البحث عن النصف الاخر...هذا ما ظنناه لحظتها..
وعدت وعادني الصدي (العام قبل الحزن)
(ضحكة البت المتمردة علي كل شئ…وهي تسجل نقطة ضد قلبي في محاولتها الخاسرة لإعادة التي شيرت المتمرد إلي وضعه الغير مناسب خوف العيون وأشعة الضوء المتجه إلي المناطق فوق المحرمة والتي بدت أكثر تمردا..ربما بفعل لونها المختلف ....)
يالله اعود ويعود الزمان ..والعام الاول لميلاد القمر......
لحظة اللقاء العفوي الارتماء (احس طعمها ولا احفظ تفاصيلها الان) ...كانت معبرا لاغماء الذات والصحو علي اغنيات ابوعفان ووردي ..والصوت المملوء بالوجع الانثوي المرهق يشرخ ذاكرة الزمان عميقا ...مقدار ما مايتيح الاحساس بطعم رحيق الاغماءة الاولي......
أنا وانت وخطوات سبع...كأنها السابتابادي ...كن هن الفاصل بين الحاضر والماضي...أريكة وهطول...ثم الغناء الطرب... مابين صوتك وفضاء الذكريات رجع صدي انعكاس اشواق النساء الأغنيات علي مرآة ذاكرة المدينة الغارقة في الدهشة.... علي ما اذكر....انخفضت حرارة تلك اللحظة ..ضد قوانين الطبيعة...بفعل تكثف الغيوم علي العيون حياءا من ضعف فاضح...وامتد الغناء بطول الفاصل بين ( شجن وياااااااااااعز الناس) .... سال صوتك علي اشعة الضوء كقطرات من رحيق....فتحولت المسافة بين الحاضر والماضي إلي وردة ..فتأوه المكان والزمان وكلاهما اصيبا بداء الصمت في حضرة الحضور المفاجيء لاحقا... ....يالله....برغم غبن المسافة لا زالت اغاني النساء ( تعال لي وتعال) تهب الحياة اسطورة ان الاصل في العودة هو الرحيل ... ...أزلية العلاقة بين الارض والماء...ترنح الكون مقدار ما مكنه من استعراض مشهد الارتماء قبل الدخول الي المحراب السري....
ماأذكره من تلك اللحظة هو (كما اظنه)
ترنح الشمس وهي تملأ كأسها من خمر التبرج...ثم انكسار الاشعة علي مرايا الوقت...ثم الشمس وهي تلقي ثوبها الضوئي من سكر علي كتف الصباح...شهادة سرية ضد كل السنين القاحلات ...كتبها ذاك الصباح علي دفاتر المدينة المرهقة اصلا من جراء الحضور المثير والأنيق جدا....فقد الكون هيبته تماما ...واعقب ذلك دخول الدراويش الي ساحة الحضرة واللحظة كانت طرب واستغراق ...عميقا ..عميقا ...عميقا.....
هكذا تمددت نيويورك علي وسادة الدهشة يومها وغنت مع البنية البن (ياقسيم الريد تعال لي وتعال)
ولم تكن تدري انها الشاهد السري الوحيد في قضية البت البن ضدها... مدينة بدت لجامعي الحكايا في صباح اليوم التالي لللقاء سكري برائحة الاحبة الممزوجة بالضحك من الاعماق والغناء فراقصوها بقارعة الشوارع بتبرج كامل!!!!!!!!!!!!!!!!!!
ياحبيبي لا تسلني كيف جئنا دون ميعاد الي ذات الطريق
فوهبنا الكون شيئا من انيق الفرحة الكبري وشيئا من بريق
كان يوما ياحبيبي من عبير وظلال وغيوم وحريق
لا تسلني لم يعد لي غير امس من جنون وبقايا من رحيق



Post: #98
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 08-02-2021, 12:18 PM
Parent: #97

تحياتي استاذة مهيرة


Post: #99
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 08-02-2021, 12:21 PM
Parent: #98

اخي عبدالله جعفر

تحايا سامقة

ذكرياتك المحفورة من ثنايا الاغتراب ، تعود بي الى محطات كثيرة في سماوات الاغتراب ومحطات التجوال في اصقاع اوروبا

*



نيويورك (أغنية البت البن)
اتيت كنسمة وذهبت كنسمة.. وبقي العطر بذاكرتي وذاكرة الزمان والمكان....هانذا احاول ترتيب الحروف ....والروح.......لأصف حالة من أرق وألق ودهشة...عبور لداخل الاشياء...بداءا بالانتظار وانتهاءا بالرحيل.....هو بعض اغمائي في حضرة حضورك المفاجيء رغم انف الغياب...
تلك ليلة ارقها الانتظار طويلا..
نيويورك ذات ليل ارهقته الريح وغسلته المطر...كأنها البشارة ...هكذا وفرت الصدفة ملجأ امنا لاخبار الحضور الدهشة ..فاكهة الحديث الطازجة...الذكريات ..السنين ....العتاب ...الشوارع...عشاق العام قبل الجدب قد عادوا للقاء المدينة الحلم..ونيويورك مدينة الارقام ومنبع احزان العالم الثالث ....اراها الان امرأة من عشق وحريق....غسلتها الامطار وهيأتها الريح للجلوس علي مقاعد الانتظار ...اي حلم هذا؟ ....المدينة والانثي ضدان وبينهما العاشق...ورغم ذلك كان الطعم امتزاج...كل الشجر والعصافير ورذاذ المطر والليل المشرئب الي لقاء...انتظار في انتظار...
وينك والليل تذكار مجدوع مابين اللحظة وطلة باكر
ياوجع الشوق العطل صبر الليل والدنيا الراجية دخولك
بين الغيمة وبرق الضحكة
البرق الزيًن لون السمرة النازل من فنجان القهوة
الدهشة الرسمت خطو البت الراقصة علي ايقاع الحلم الجاي
لا نام الليل لا الصبح اتنفس عطر النسمة الشالت ريجة النيل الراحل
بين غيمات البت اللبست لون البن والمطرة رذاذ
والليل والشوق والعاشق جيتك منتظرين
اعياد اللمة علي ضحكات الرجعة من الاحزان
للحضن الشايل رمية راس العاشق سيرة وشوق
وينك وينك.....................
هكذا لمللمت المدينة احلام الشوارع التي نامت علي وسائد التوتر حتي الصبح....كان الانتظار قاسيا والكون اضعف مايكون...
تضاءلت المسافات واستراحت كل عصافير المدينة علي موسيقي الخطو النبض ...لقاء بين العطر والنسمة ومن ثم الخروج الي ارصفة الانتظار ببشارة القدوم...حمائما وهدهدا وخبرا...انعكاس الاشعة علي جدران العمارات الشاهقة يرسم علي طول الشوارع رحلة البنت البن من اقصي المدينة الي قلبها...امرأة اخذتها الفرحة بالعشق الي حيث لا رجوع...كل الخطو الي القدوم القدر...تفر الاحزان كليا امام الشعور الغامر بالفرح المفاجيء ..عدت وعادني الصدي.... (عطرها اشتهاء النسيم ...وخطوها كالقيردون رشاقة الإيقاع وهدوء القفز من الأرض إلي موسيقي اللحن بمقدار آهة ونبضة...) ولهذا ترتسم الدهشة علي كل شوارع هذه المدينة

**

لا فض فوك
واصل

Post: #100
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 08-05-2021, 09:45 PM
Parent: #99


Post: #101
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 08-05-2021, 10:06 PM
Parent: #100

الفتاة ذات العشرين ربيعا تعشق لبس بنطال الجينز الذي يتشبث بتفاصيلها ، معانقا جسدها كنبات اللبلاب ،،، يلتف به بحميمية و كأنه يخشى عليه من نظرات هذا القادم من صحاري أفريقيا الذي لا ينفك يسترق النظر و هو يرشف فنجال قهوته بتأن و روية حتى يتاح له الزمن الكافي لملء ناظريه من هذا القوام الملفوف كثمرة باباى ممتلئة رحيقا و عصارة تعلن عن نضوج مبكر.
لا أدري لماذا ذكرني وجهها بوجه منقوش على إحدى العملات الأوروبية القديمة.
عنق ممدود طويلا يسخر من ( طويلة مهوى القرط ) ،، فالأقراط عندها يمكنها أن تتدلى و تتدلى و تتدلى...
و شفاه افريقية غليظة كصدفة انفرجت عن أكوام من اللؤلؤ المكنون.
تنظر إليها دون أن تمل او تكل.
تبتسم ،، فترتفع حواف وجنتيها إلى أعلى لتغطي جزءا من إتساع عينيها ،فيزيدها هذا سحرا على سحر.
عندما سمعتها أول مرة تضحك ،، أطلت النظر إليهامأخوذا ،، خيل إلى أن أجراس كنيسة تقرع مجلجلة صباح يوم أحد ،، فمازحني النادل العجوز قائلا و هو يغمز بعينه :
ألا تود أن تعلقها تعويذة في مقدمة سيارتك. ؟
معجبوها كثيرون ،، كنت أخاف أن أقترب منها ،، فأنا لا أدري من يكون هذا أوذاك.
إكتفيت لفترة طويلة أن أنظر إلى هذه التحفة الإلهية من على البعد.
أوميءبرأسي فقط ،، فترد تحيتي بنفس الطريقة ،، و تبتسم تلك الإبتسامة التي تجعل من قهوتي سائلا لا طعم له و لا رائحة ،، فأعاود الطلب مرة أخرى و العجوز يرمقني بمكر و هوينصحني ضاحكا بشرب قهوتي قبل أن تفاجأني الفتاة بإبتسامتها.
كان يلاحظ متابعتي لها
فاجأتني يوما و هي تقف منحنية على طاولتي :
ألا تدعوني إلى طاولتك؟
أحسست أن طاولتي إمتدت لتسع المكان كله.
عطر رقيق يضوع منها ،، عطر يذكرك بأنك إبن أمك الأرض ،،، ملأت رئتي منها
قالت و هي تنظر إلى و كأنها تعرف مدى تأثير سحرها علي : قل شيئا يا رجل.
قلت : ضاع مني الكلام.
و أطلقت أجراسها ترن و تملأ المكان فرحا و صليلا . و أنا أغوص في مقعدي متشبثا ببعض الثبات الكاذب .
جلستْ و هي تمضغ علكة تنفخها هواءا فأحس بأن أنفاس رئتي قد إختزنتها تلك العلكة المنفوخة ،، فتعيد العلكة إلى فمها فأحس بطعم النعناع في جوفي. مجرد إحساس قوي و مفعم احدثه وجودها الصاخب أمامي.
من أين أنت ؟
أنا من تراب أرضك البكر ،، من افريقيا
نعم ،، عرفت هذا من أول وهلة .
هل كنت تلاحظين وجودي كل يوم؟
نعم
لم ؟
لا أدري ،، شيء ما شدني إليك ،، ربما نفس الدماء التي تجري في عروقنا،، و ربما شيء آخر...... نفس أسبابك ربما.
و إبتسمت تلك الإبتسامة التي تجهض كل محاولات تماسكي و تصيبه بالنزف الفاضح.
هلا أخبرتيني عن هذا الشيء الآخر؟
لا تكن ملحاحا ،، هذه أول مرة أحادثك فيها ،، أنا نفسي لا أعرف كنه السبب. أحسه و لا أعرفه.
هل لديك صديق ؟
أصدقائي كثيرون ،، و لكن ليس لي صديق حميم بالمعنى المفهوم.
لم ؟ فأنت في غاية الجمال.
أنا أفرِق بين من يريدني لجمالي،، و من يغوص في روحي. أكثر الرجال الآن يستعجلون دعوة الفتاة لإشباع غريزتهم قبل ان يعرفوا من هي و كيف تفكر. هذا ما أعتقده و أؤمن به.
معنى هذا أنه لم يفهمك احد إلى الآن؟
ليس بهذا الشكل. و لكن أريد شخصا يحاورني و يتآلف مع ما أفكر به قبل أن تنزلق عيناه إلى جسدي.أريد رجلا يذوب عقله في عقلي قبل أن تلتهمني نظراته بنهم ، أتفهم ما أعنيه ؟
بالطبع ،، بالطبع أفهم.
أحسست بشيء من الخجل ،،فكأنها أصابت هدفا بسهم صراحتها.
سبابتها تدور على أطراف الكأس بشكل دائري و هي تنظر إلي نظرات ذات مغزى،، كأنها تفصح عن حيرتها أمام شخص لا يمت الى عالمها.
أريد أن أتجول في المدينة ،، أيمكنك أن ترافقينني ؟
أومأتْ برأسهاموافقة.
طيلة مدة مرافقتها لي ،، كنت أسألها نفس السؤال : ما هو الشيء الذي شدك إلي؟
تماطل أحيانا ،، و أحيانا تغضب ،، أرضيها بدعوة لمشاهدة فيلم ،، أو عشاءفي مطعم فاخر.
ذهبنا لزيارة والديها في مصبغة ملابس يملكانها.
قابلوني بتوجس،، و بترحاب حذر.
ثم إنفردا بها في غرفة داخلية ،، سمعت بعض الحديث ،، كانا يسألانها عن مدى علاقتها بي ،، و ماذا تنوي أن تفعل . إرتفعت أصواتهم ثم هدأت
في طريق العودة ،، ظللت صامتا.
قالت : ما بك ؟
لا شيء
هل سمعت حديثنا؟
بعضا منه.
قالت ضاحكة : يحسب والداى بأنني سأهرب معك إلى بلدك.
ومن أين أتتهما هذه الفكرة ؟
من صديق غيور خاصمته قبل أن أخرج معك.
يالها من طريقة للتخلص مني. ما رأيك أن تأتي معي لبلدي بالفعل؟
لم لا تبق أنت معي ،، فعلى الاقل أنت هنا الآن ؟
أفحمتني بطلبها.
في ركن منزو في ملهى ليلي ،،، حاولت ان تجعلني أنسى محادثتها مع والديها.
ملأتْ صحو الجو سحب داكنة كسحب خريف بلادنا ،،، كدخان أزرق يعشعش في الرأس فيصيب الخدر أطراف الجسم ،، و زمجر الرعد معربدا ،،، كغريزة أُطلقتْ من عقالها فانفلتت تعدو كثور في مستودع الخزف ،، وتساقطت قطرات من المطر بصوت مكتوم ينقر على زجاج النافذة ،، فتسيل القطرات مخلِفةخطوطا متعرجة ،، و ومْض البرق يشق جوف الليل ،،، في التحام و تجانس بين النار والماء ، بين الرغبة الجامحة و انكسارها ،، و للأمطار في النفوس فعل السحر ،، و تكسوالأجساد بنداوة قطرات الندى المنزلقة على أوراق الشجر ذات صباح بهي في غابة صنوبرية.
رغم صغر سنها ،، فقد أدهشتني بغزارة معلوماتها.
تتحدث عن مارتن لوثر كنج و تتلو على من ذاكرتها مقتطفات من أقواله.
تتحدث عن تاريخ الجازالأمريكي بتفاصيل دقيقة ،، حدثتني عن سامي ديفس ، و عن جيمي براون ،، إنتهاءابالروك و رقصة الفالس و بحيرة البجع ،، و الحرب الأهلية في أمريكا ، و عن الحرب الباردة ،،و عن نضال السود في أمريكا ،،الذي تذكر كل مجرياته باليوم و التاريخ وأسماء الأشخاص.
تتحدث عن كل شيء في كل شيء ،، موسوعة متحركة.
بهرتني تماما. كنت أظنها ستكون فتاة معجبة بجمالها ،، و تتكيء على هذا الإعجاب الذي يغمرها به كل من حولها.
رغم أنني لم أستطع مجاراتها في كل شيء ،، إلا أنها كانت سعيدة بمحاورتي لها. كانت مستغربة بمعرفتي عن مارتن لوثر و عن نضال السود و بمعلوماتي المتواضعة عن الموسيقى و تاريخ الأوبرا.
لا تؤمن بالديمقراطيين و لا بالجمهوريين،، تقول أن الحزبين في نفاق مستمر لليهود و لهث وراء المصالح الخاصة. تحلم بحزب يضم المسحوقين من الشعوب الأمريكية يقوده أحد أبناء جلدتها.
طيلة الأيام التالية ،،و بشكل مفاجيء ،، كانت منطوية على نفسها قليلا ،، لم تعد تلك الفتاة المنطلقة على سجيتها. كسا محياها حزن عميق.
ذهبت كعادتي للقهوة لأقابلها ،، ناولني العجوزمظروفا أنيقا معطرا ،، نظرت إليه ، كان منها ، فتحته بيد مرتعشة ،، و قرأت :
أعذرني لأنني سافرت غربا إلى أوهايو دون أن أودعك.
سأكون عند عمتي لمتابعةدراستي التي إنقطعت.
يقولون أن شمس أفريقيا ساطعة و محرقة ،، و أن غاباتها رائعةو دائمة الإخضرار ،، و أن لها سحرا أخاذا يجذب المرء إليه ليعود و يزورها مرات ومرات.
و شاهدت كل هذا بعد أن رأيتك.... أحسست به تماما . رأيت أفريقيا بعيونك. لفحتني شمسها عندما وضعت يدي بين يديك.
طوال الأيام الفائتة كنت أصارع مشاعر شتى لازأستطيع أن أذكرها لك هنا.
و لكنني رأيت كيف أنه يمكنك أن تعيش هنا معي سعيدا .
أنا أيضا يمكنني أن أعيش معك في أي ركن من أركان الدنيا دون أي مبالغة.
ولكنك تدري أن طموحي في مواصلة الدراسة لا يحده حد.
و لي تطلعات كبيرة ،، تعرف بعضها جيدا.
أرجوك ،،، إبق معي و لا تعد إلى هناك ،، على الأقل الآن ،، أرجوك ..
لك حبي.. و قبلاتي..

رفعت نظري ،، العجوز يرمقني بتحفز ،، عرفت أنهاقد حدثته بالأمر كله فقد كانت تثق به و تحبه كوالدها تماما،، نظراته كانت تقول انه ينتظر إجابتي.
وضعت الخطاب في جيبي .
قرأته عدة مرات حتى كدت أن أحفظه عن ظهرقلب. لأيام طويلة أخرج الخطاب من جيبي و أقرؤه ثم أعيده.
عدت للقهوة.
قلت للعجوز : لا أريد أن أقول لك وداعا ،، فهي كلمة صعبة على القلب.
أهذا وداع أخير؟
أخشى أن يكون كذلك.
هي أيضا لن تأتي ،، أنا أعرفها تماما ،، سأفتقدكما حقا. هل ستذهب إليها ؟
ربما. لا أدري تماما.
أمسك بكلتا يدي طويلا ، ثم قال و هويربت على كتفي :
كنت في شبابي ،، أتبع صوت عقلي دائما في كل أموري ،، و لم أندم . المرة الوحيدة التي سمعت فيها صوت قلبي ،، حدث شرخ لم أستطع أن أجبره رغم كل هذه السنوات. أتمنى لك حظا طيبا يا بنى.
ثم إنسحب إلى الداخل .
نظرت إلى مقعدهاالخالي ،،
موسيقى كلاسيكية هادئة تغمر المحل ،، ضحكاتها ترن في أذني كأنها تنطلق من كل مكان في المقهى كروح معذبة تهيم بين المقاعد و على الطاولات ،،
و عطرها كأنه لايزال ملء الرئتين.

Post: #102
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 09-01-2021, 07:29 PM
Parent: #101

كان يعيش في عزلة تامة عن محيطه . لا تتجاوز علاقاته أفراد أسرته في البيت.
حتى صلته بأقاربه شبه مقطوعة.
هاجر طلبا لمزيد من العلم. و تقوقع في نفس القوقعة التي كان منكفئا بها ببلده.
عندما تعلم أسرار الكمبيوتر و عرف طرق التواصل عبره ، أصبح علما في رأسه نار.
لم يترك وسيلة من وسائل التواصل إلا طرقها.
قام بوصل كل حباله المقطوعة مع أهله و أقاربه عبر الكمبيوتر.
ثم توسّعت دائرة معارفه و أكتسب صداقات جديدة من الجنسين.
في بريده سيل لا ينقطع من الرسائل.
أضحت شاشته دنياه الجديدة.
عندما نقلوه للمستشفى شاكيا خطبا في قلبه كانت شاشة جهازه تتراءى أمام عينيه بما فيها من أسماء و عناوين و صور.
و عندما توقف قلبه عن الخفقان ، كانت هناك عشرات الرسائل و التنبيهات و التعليقات تنتظر ردوده ، و الشاشة في حالة انتظار.
في المشرحة كانت هناك ديباجة على جثته تقول : لم يسأل عنه أحد حتى تاريخه.

Post: #103
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 03-07-2022, 03:36 PM
Parent: #1

up

Post: #104
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: بسمات الشيخ
Date: 03-08-2022, 05:01 AM
Parent: #103

وهذه هي مصيبة الكمبيوتر والجوال ووسائل التواصل الاجتماعي التي اتخذوها بديلا عن.الزيارات
المنزلية وتفقد حالات الاهل والجيران ..وحتى نجد ان الجار لا يعرف اسم جاره ولا اسرته وتبلدت
المشاعر والاحاسيس...وحتى داخل البيت الواحد نجد كل شخص حياته اصبحت جواله والتخاطب
داخل المنزل بالرسائل.....وما خفي اعظم.واشر...

Post: #105
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 03-08-2022, 01:27 PM
Parent: #104

تحايا سامقة اختنا بسمات
وشكرا لرفع البوست
وشكرا لتحفيزنا لنبش الذاكرة لدلق المزيد

Post: #106
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 03-11-2022, 01:31 PM
Parent: #105

أن تصبر ( نعمات ) على غياب زوجها عنها مدة سبع سنوات طوال و هي الشابة الممتلئة صحة و عافية .. فذاك أمر كالمشى حفاة على الشوك في عز الهجير ..
( نعمات ) الشابة التي يقول عنها ( عبدالنبي ) عندما يراها و هي تنحني لتملأ الصفيحة ماءا من النيل :
و الله الفرسة دي عاوزة ليها خيال عندو صحة .. البنية ما عندها حظ ..
ثم يتابعها بنظره و هي ترتقي علو القيف بصبر و أناة و قوة لتفرغ الماء في الزير .. يتماوج جسدها المتناسق مع كل خطوة تحرص فيها على توازن ما تحمله على رأسها .. و يُظْهِر الفستان المبلل بالماء تقاسيم جسدها بدقة تجعل عبدالنبي يبلع ريقه مرارا .. و يلعن الزمن في سره و ينهال على الأرض بطوريته في غيظ مكتوم ..
أن تصبر هذه الفتاة و تتناسى رغباتها الجسدية و شوقها العارم .. فهو أمر يفوق الصبر المدلوق على نسج ( برش ) من سعف النخيل في أيام القيظ تحت نخلات يهرب الظل عنها سريعا .. و يزيد أيضا على الصبر الطويل في مراقبة محصول القمح و حباته تنبثق من فتحات التربة تقاوم السموم و رياح الهجير و تقابل موجات ( الزرازير و بغاث الطير ) حتى موعد الحصاد ..
تتناسى و لا تنسى ..
تتذكر و تهرب من الذكرى بمزيد من التفاني في أشغالها اليومية ..
تشغل نفسها حتى النخاع لتطفيء غضب الرغبة و تقتل نَتْح المتعة التي لم تدم مع عريسها المهاجر سوى بضعة أشهر .. كانت ثمرته ( محمد ) .. يؤنس وحدتها .. ترى فيه وجه أبيه .. و تلك اللحظات التي مرت كلمح البصر .. تتحدث معه عند هجعة الليالي و هي تداعب شعره .. تبثه أمانيها بعودة الغائب .. أحيانا تأمل في أن يرسل في طلبهما .. فيبدو بعيدا صعب المنال .. و تارة تلفها الأمنية و تتجسدها كروح أخرى تنام و تصحو معها ..
تأتيها أسئلة وحيدها البريئة : أنا عاوز أشوف أبوى ..
تخنقها عبرة .. و تلجم لسانها غصة .. فتروغ عن أمنيته بدندنة أغنية تهدهد لهفته و تجعله يغفو تجلل نومته أحلام طفولته الحيرى ..
تمر أيام الصيف الطويلة .. بقيظها و سمومها ..
لا يبرد جوفها غير قطرات ماء الزير و نسمات آتية من صفحة النيل ..
سكون ساعات النهار لا يقطعه غير صوت طلمبات الماء تزيد من وجع رتابة أيامها ..
ليل الصيف بأنجمه المتلألة .. تسامرها طوال الليل و حتى مطلع الفجر .. تحسبهم نجمة نجمة .. تتابع المتهاوي منها في الأفق البعيد .. فتعيد الكرة لتبدأ العد من جديد .. يذكرها بليلة دخلتها .. خجلها .. خوفها اللذيذ الذي سرعان ما بدده زوجها بروحه الدمثة .. تجربتها كأنثى تغادر دنيا العذرية و وصولها إلى عوالم أخرى كانت مجرد حواديت كن يتناقلنها في خجل من تجارب صديقات و قريبات ..
يا لليل الصيف ذاك .. و يا لليالي الصيف بعدها .. فكلما زحف بطيئا آتيا بتثاقل تزحم رأسها تلك الأيام بعطرها و أهازيج فرحها ..
يأتي الصيف الآن ..
يموسق ليلها صوت نباح الكلاب البعيد ..
و ضفادع يعلو نقيقها و يخفت ..
و صوت أوتار طمبور يئن يحمله الهواء تارة و تارة يذوب مع أصوات أخرى ..
و أنفاس طفلها هي الوحيدة التي تجعل أوتاد روحها تنغرس بصلابة في أرض حياتها المجدبة ..

تتوالى شهورها .. و سنواتها .. و شوقها يكبٌر سنواتها بمراحل ..
و يأتي الشتاء قارسا يحمل زمهريره بين طياته ..
تحتضن وحيدها تتلمس الدفء .. تبحث فيه عن عبق زوجها .. فتحتضنه إليها بقوة .. تقبل جبينه الصغير .. تداعب شعرات حاجبيه .. تمرر أصابعها على خديه الناعمين .. تتحسس شفتيه الصغيرتين بلطف بأطراف أناملها .. تمسك يده و تتمعن في أنامله .. ( شبه أبوك الخالق الناطق .. ربنا يكتب سلامتو ) ..
تلمس أطراف أذنيه الباردة .. تسحب الغطاء و تضعه على رأسه .. و تبدأ في دندنتها الليلية و طيف زوجها يتراقص أمامها كضوء لمبة الجاز يداعبه تيار هواء فالت من بين فرجات الباب ..
تنطلق مع المنطلقين عند سماع ( اللوري يطلق صافرة معينة يعرف بها الكل هوية السائق ) .. تتمعن الآتين .. و قلبها يكاد يقفز من بين أضلعها .. تنطلق الزغاريد و نوبات بكاء الفرح المكتوم .. و العناق .. و يختلط حابل الآتين مع نابل المستقبلين .. و تختلط بدواخلها و تتمازج مشاعر وجلة شتى .. و رويدا رويدا ينفض سامر الجمع و ينطلق اللوري إلى وجهة أخرى مخلفا غبارا كثيفا يزيد من كثافة ضباب روحها المعتمة و قلبها الولهان ..
ينظر إليها وحيدها و الإمتعاض مرسوم على وجهه .. تهرب من نظرته و تسحبه وراءها و الطريق أمامها تحجبه دمعات تقف معاندة و مكابرة ..
تنطلق لا تلوي على شيء و هي ترتب لبرنامج بقية يومها المعروفة يكلله الوجع الذي طال ..

** ** **

( نعمات .. أنت أنثى خرافية ) ...

Post: #107
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 03-13-2022, 09:17 AM
Parent: #1

التوقيت : فى يوم قائظ من صيف شهر مايو 1976
"إدريس عسكرتود" من نواحي "قوز اللباب" - وهو يفلح فى وسط "المتَرة" -جاءه من يبلغه بأن عمه " فقير" قد ضرب تلفون من السعودية فى بيت الضابط جعفر فى دنقلا العُرضي يسأل عنه و يطلبه للحضور يوم الجمعة و إنتظار مكالمته .
ركب إدريس بوكس "عثمان أُروّمه" المتوجه صوب دنقلا وهو يضرب أخماس فى أسداس .

يستتبع ،،

Post: #108
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 03-13-2022, 11:32 AM
Parent: #107

واصل يا وليد

Post: #112
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 03-17-2022, 03:17 PM
Parent: #107

....
عمك فقير كان لا يٌخالف له رأي ولا تكسر له كلمة , ,ولا يرد له طلب مٌطاعا مهابا لا يحب كثر الكلام ، متجهم الوجه لا يذكر أحد أنه رآه يبتسم، بيد انه كان كريما موجوادا رجل ذو أيادي بيضاء و "زول مواقف" له مساهمات مقدرة فى محيط القرية فى مشاريع المياه وصيانة المدرسة وعلاج المرضى و الكثير من أعمال الخير دون منِّا ولا أذى . قضى شبابه فى خدمة أحد الامراء فأكتسب ثقته كونه كان رسميا جدا فى العمل ويكره الفوضى وكان -من ناحية أخرى- رئيسا لجمعية منطقتهم ،ورغم مشاغله وسفره الدائم إلا أنه كان يحرص على تواجده فى الجمعية نهاية الأسبوع يناقش أمور المنطقة وتنميتها يوجه هنا وينصح هناك .
كان أمر "إدريس عسكر تود" محسوما وبعد تلك المكالمة بأسبوعين حل إدريس فى مدينة جده ثم منها الى الرياض مغتربا جديدا ، كل شئ كان قد تم ترتيبه فعم فقير خاله كان يرى أن مصلحة إدريس في الإغتراب مثله مثل الذين سبقوه "سعيد تُلّوب" و "عثمان مهمنتود" و "كُنّه" و "علي كاتول" .
مضى إدريس مصحوبا بدعوات الوالدة "فافا يُودول " وهى ترفع أكفها بالدعاء له .."عديلة..عديله يا وليديى" ترك المترة و البرسيم قد آن حصاده ، ونخلاته الثلاث وساقيته بعد أن ولّ أمرها جميعا "عثمان هوُلّه".


للحديث بقية

Post: #109
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 03-15-2022, 02:25 PM
Parent: #1

Quote: أن تصبر هذه الفتاة و تتناسى رغباتها الجسدية و شوقها العارم .. فهو أمر يفوق الصبر المدلوق على نسج ( برش ) من سعف النخيل في أيام القيظ تحت نخلات يهرب الظل عنها سريعا .. و يزيد أيضا على الصبر الطويل في مراقبة محصول القمح و حباته تنبثق من فتحات التربة تقاوم السموم و رياح الهجير و تقابل موجات ( الزرازير و بغاث الطير ) حتى موعد الحصاد ..تتناسى و لا تنسى ..
إبراهيم قضى عشرون عاما حسوما بعيدا عن الزوج و الولد وظلت عينا الزوجة فوزية تدمع كلما مر خياله حين فرح أو ترح، وحين بلغ أكبر أبناءه خمس سنوات كانت تبكي لحاله ثم صارت تبكي من آن لأخر ، وحين عاد بعد تلك العشرون إنتحب الأبناء وهم يقدلونه ووقف (شبح فوزية) صامتا !!..صامتا تماما

Post: #110
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: محمد الكامل عبد الحليم
Date: 03-15-2022, 06:58 PM
Parent: #1

االاغتراب تجرية انسانية متعددة الالوان ...محاولة للتوازن في خضم عميق للطفو منه وفي اليد شيء من ثياب ...تجرية للنضج الانسانى رغم كل الظروف ...سنعود لنحكى ...ولك الاحترام

Post: #111
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 03-16-2022, 12:03 PM
Parent: #110

تحايا كبيرة وسلام مقيم اخي محمد الكامل

لا فض فوك، كلماتك هي بالفعل تلخيص للغاربة والاغتراب ومآلاتها

في انتظارك اخي محمد
دمتم

Post: #113
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 03-25-2022, 08:44 PM
Parent: #111

تحياتي اخي وليد

واصل

Post: #114
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 03-25-2022, 08:55 PM
Parent: #113

بانوراما
المكان :
مدينة جدة ،، شقة مغترب سوداني يسكنها مع زوجته و أولاده و بناته ،، شقة واسعة في حى من أحياء جدة القديمة ،، هو محسي من الشمال و هي من بنات الجزيرة ،، الإثنين في منتهى الكرم و الأريحية و الصبر و طول البال ،، يستقبلون المعتمرين في كل المواسم ،، و يستقبلون الحجاج و الحاجات ،، و يستضيفون بقلب قوي شجاع كل الزائغين من الحج و العمرة و العاطلين عن العمل و الهاربين من كفلاءهم ، و الحردانات أزواجهن إلى حين حضور الأجاويد ، كل هؤلاء من أهل الشمال و الجزيرة ،، لذا تجد الشقة خليط من الثرثرة ( باللغة النوبية ) و إنبهال الكلام بلهجة أهل الجزيرة ،، و تأتيك أحيانا زخات من الدوبيت و المسادير منطلقة من الصالون ،، و تنطلق من حين لآخر أغنية باللغة النوبية من مسجل في ركن قصي بنفس الصالون ،، فيختلط حابل ذاك بنابل هذا.
الإخراج :
الكل منطلق يتحدث و يتصرف في عفوية
أهل الجزيرة يعرفون أن البساط أحمدي ،، لأن ست البيت ( بنتهم و هم أخوالها و أعمامها ) ،، أهلنا المحس ،، ماخدين راحتهم بالكامل ،، فصاحب البيت ( ولدهم و إبن حتتهم OONAMMENI ).

لغة البرنامج :

اللغة النوبية شغالة دون توقف و هذا ما يزعج أهل العوض و يجعلهم ( يطنطنون تحت تحت : و الله ما فاهمين التَكْتَح ). فيستعملون كلمات لا يعرف أهلنا المحس مغزاها فهي من الدارجة ( العميقة الموغلة في مفردات بيئة أهل الجزيرة ) ، حتى أن واحد من عندنا سمع من واحد من أهل الجزيرة كلمة ( متل أَتَكَنٌو ) فحسبها ماركة ساعة يابانية فحاول أن يسأل عن سعرها و يقتنيها ( ها يا زول إنت بي صُحَك ولا بتهظر ؟ ) ..

الزمان :

عمرة في عز الحر ،، الشقة عامرة بأهل الجزيرة و أهل الزوج المحسي ،، نساء و رجال ،، شيبا و شبابا.

الصالة و غرف البيت ،، و السطوح ،، لا مكان يخلو من البشر ، كتل متراصة دون ململة.
الصالون جردوه من الطقم و تم فرش المساحة كلها بالسجاجيد و الأبسطة و المخدات و الملايات و البطاطين و الألحفة.
العمائم في كل ركن و معلقة خلف الأبواب على المسامير ،، و شالات من كل الأشكال و الأحجام ،، بعض العراريق موضوعة على المخدات لتجف من العرق ..
تقبع (حفاظة) ماء كبيرة بالقرب من الباب و ترقد عدة أكواب بلاستيكية على الغطاء.
حقائب و (هاندباقز) من مختلف الأشكال و الأحجام تملأ الأركان.
سلال النفايات البلاستيكية عامرة ببقايا الصعوط و قشر الفواكه و التسالي.
المكيف الصحراوي لا يتوقف ليل نهار ،، تسمع أزيزه فكأنه يشتكي لك من البلل الدائم و نشفان القش و السيور ، فتشفق عليه.

المَشاهِد المنقولة يوميا :

الزوجة تقف منذ الصباح الباكر كعادتها كل يوم ،، تطبخ حلة ماكنة من ملاح الويكة ،، ثم ( تلخ ) عجينا لزوم القراصة و آخر لزوم الكسرة.
الإبن الأكبر لا يجد كراسة الرياضيات ، فقد أخذها إبن خالة أمه و إقتطع منها عدة ورقات لزوم ( تضريبات المنصرفات ) ثم رمى بالكراسة تحت السرير.
حوض الغسيل مسدود و المياه طافحة و سائلة حتى باب غرفة النوم بسبب إستفراغ حاج عبدالله فيه إستفراغا كثيفا بعد إن إلتهم ( خمسة سندويتشات شاورما ) يبدو أنها كانت بايتة و مليئة بالمايونيز المضروب.
المسجل الجديد في البيت لم يعد يعمل ، فقد وضعه أحدهم على خط 220 فإحترقتْ فيوزاته.
إشتبك ( صالح ) مع ( الخير ) لأن الخير إنطلق ( يدوبي ) بأعلى صوته فإنتهره ( صالح ) : إنت هسع مش جيت من بيت الله ؟ أقرا ليك قرآن ولا حديث يا أخي ،، بعدين صوتك دة مزعج خالص.
إنتهى الإشتباك بأن أقنعوا ( الخير ) بالذهاب للسطوح لإفراغ موهبته ، فخرج و هو يهجو ( صالح ) بأبيات من الدوبيت و هو يضغط على مخارج حروفها كمذيع برنامج ( البادية ) حتى لا يلتقط ( صالح ) معانيها.
الحاجة بتول تصر على أن تترك ست البيت عملها في المطبخ و تناولها غويشات و ( أحفظ مالك ) و الخواتم التي تخص حفيدتها لتملأ عينيها من الأصفر الرنان.
( إسماعيل ) يحاول جاهدا أن يفهم فئات العملة السعودية ، فهو لا يعرف الفرق بين الفئات الورقية ، لذا فقد إشترى علبة بيبسي و أعطى صاحب البقالة البنغلاديشي ورقة ( أم خمسين ) دون أن ينتظر الباقي و رجع إلى البيت و هو يتجشأ غازات المشروب ( و يصر عينو بعد كل تجشؤ ) ..
أحد الجيران المصريين ، يشتكي لصاحب البيت بأن إثنين من الضيوف طرقوا باب شقته منتصف الليل و هم يصرون على أن هذه هي شقة الزول ، حتى و بعد أن أتى المصري بزوجته و عياله و قال لهم : أنا صاحب البيت يا قماعة ، شأتكو التانية اللي في الوش دي ،، حرام عليكو ،، عاوزين ننام بأة ..
البنت الصغيرة و هي تبكي لأمها : يمة ،، الراجل أب صلعة داك أكل كيس الشيبس بتاعي كلو.
(حمد ) بأعلى صوته من الحمام : يا جماعة صابونة الجن دي قدر ما أدسها ما ألقاها.. و بعدين منو دة البيستعمل بشكيري دة ؟
يرد عليه ( جبريل ) بصوت خفيض و هو يغمز ( لبابكر ) : الصابونة ما بتاخد معاهو غير دعكة واحدة أب جسما زى أبو القنفد دة ،، هو بي نضمو دة عاوز ليهو صابونة شحدة ساي.

( كرار ) و هو يضحك حتى يستلقي على قفاه و هو يشير بأصبعه إلى رأس ( السر ) المحلوقة و قطع من القطن تتناثر في عدة أماكن من رأسه : إنت الزول دة حلق ليك بي أسنانو ولا شنو ؟
جو الصالة يعبق برائحة غريبة ، فقد أشعلتْ الحاجة زينب قطعة من القماش لتستنشق دخانه مقتنعة بأنه علاج للصداع النصفي الذي يلازمها منذ زواجها من ( صابر ) ذو الثلاث زوجات قبلها تحت إلحاح أبيها الطامع في ثروة ( صابر ). لا تبالي بإحتجاجات بقية النساء و تواصل الإستنشاق و هي تقول : ربنا ما يوريكن وجع الشقيقة دة ،، و الله لو قالوا ليكن إتبخرن بي بعر غنم كان ما بتابَنٌو. حاجة ما بتتقابل.
و تشد نفسا عميقا حتى تدمع عيناها.
( الرضية ) تدخل خلف ست البيت في غرفة النوم ، و تطلب منها على إستحياء سلفة لأنها ترغب في شراء ( تياب و شباشب ) للمتاجرة بها في الحلة بالسودان. ست البيت و هي محرجة تعتذر لها و تقول : و الله زوجي ليهو شهرين ما أدوهو الراتب ،، بيدوهو على قدر أكلنا و شربنا.
فتلوي الرضية بوزها و تخرج و هي تتمتم : تلقاكي خاتاهن رُزَم رزم.

منتصف الليل ، ينطلق شخير ، بدأ منخفضا ، ثم بدأ يعلو شيئا فشيئا من الصالون ،، فينطلق الإحتجاج من سكان الغرفة المجاورة ، سرعان ما هدأتْ الإحتجاجات فقد بدأ صوت شخير آخر بغرفة المحتجين يفوق درجته ذاك الآخر بأكثر من درجة على مقياس ( شِخْتَر ) ..
( الحاجة سكينة ) تتسلل إلى المطبخ لتسكت جوع بطنها ، فهى قد حردتْ العشاء بعد ملاسنتها مع ( الرضية ) بسبب إنتقاد الثانية لها بأن ( توبها ) ما توب واحدة في عمرها. تصطدم بحلة كبيرة على الأرض فيتحدث صوتا إيقظ ست البيت التي جاءت مهرولة إلى المطبخ ،، مما حدا بالحاجة سكينة بأن تتظاهر بأنها تريد أن تشرب الماء ،، فناولتها ست البيت ( جك الماء ) فكرعته كله حتى تنسى الجوع ، و عادت إلى فراشها و هى تلعن الرضية و تلعن المكابرة.

و تتواصل المشاهد ، المشهد تلو الآخر ..

Post: #115
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 06-26-2022, 07:54 AM
Parent: #1

Quote: روهي يا يهودية.
:))))))

Post: #116
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: مجدي عبدالرحيم فضل
Date: 06-26-2022, 11:35 PM
Parent: #115





نتابع


فوق




،،،،أبوقصي،،،،

Post: #117
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 06-27-2022, 06:45 AM
Parent: #116

Quote: ،،،،أبوقصي،،،،


ياااازول ! :)
عودا حميدا

Post: #118
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Abdalla Gaafar
Date: 06-27-2022, 02:08 PM
Parent: #117

نيويورك مرة اخرى
صديقي
لك الود وانت تكتب عن نيويورك باشتهاء مرعب ...
ولك شكرا وانت تكتب بأناقة العاشق (لغة وقلب) عن مدينتك الانثي....
هكذا بقيت نيويورك بذاكرتي...........مدينة من وقت ودهشة وانبهار...تبقي بذاكرة عشاقها و مقتحمي حضنها بنكهة (الدنقابة)......قاسية المذاق ورائعة الطعم ...مدينة يحتمل قلبها ايقاع خطي زائريها الباحثة دائما عن ما تخبأه (كأم فتفت) هذه المدينة من جمال مفرط...(رغم احتقان معمارها بشواهق هيئة الامم ...قضاءا بظلم القوي...وفرض اللغة الطاغية علي ضعفاء الدنيا)
ورغم كل ذلك تبقي نيويورك
مدينة باهرة الشموخ ...بكبريا من غضب جميل...مدينة .يزداد جمالها بقدر قدرة الزائر علي التسكع و اكتشاف دواخلها المملوءة دوما بمفاجاءت جمال الامكنة وابداع الصناعة البشرية...كثير من جمال تداري به وجع النهوض من احزانها السبتمرية ...
غادرتها وانا ممتلء بانبهاري بها....
صديقي اسامة عثمان عاشق نيويورك الاكبر وساكن قلبها..وكاتبها الأنيق ايضا...هو من قدمني لهذه المدينة...فعرفتها من خلال ترجمته لعلاقة صدبقة بيني وبينه وبينها......(بالاضافة لذكريات كتبت علي جدرانها بلون احمر)
ياصديقي
شخبط علي جدرانها باللون الاحمر بحرية غير منقوصة.... من قاع المدينة الاسفل والي حيث تقف ألهة الرومان ليربتس علي جزيرة الحرية

Post: #119
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 06-29-2022, 08:30 PM
Parent: #118

تحياتي ايها الخوة الكرم، كل في جبهة اغترابه ممسكا بجمر الالتزام بما اجبره على الاغتراب

فضفضوا يرحمكم الله

Post: #133
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 09-15-2022, 12:57 PM
Parent: #115

كلمات جعلته يفقد وظيفته

Post: #120
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: هشام الدرديري
Date: 06-30-2022, 05:30 AM
Parent: #1

(المسافة بين مطار الخرطوم ومطار الرياض لا تتعدى الساعتان وخمسون دقيقة، لكنها ألف عام بأميال الأشواق والأرواح.)

ياسلااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااام يشهد الله عيني دمعت ياوليد ياخي مالك علية

Post: #122
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 08-21-2022, 03:38 PM
Parent: #120

Quote: ياسلااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااام يشهد الله عيني دمعت ياوليد ياخي مالك علية


و تطول الحكاية أخي هشام

تحياتي ،،

Post: #121
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 08-21-2022, 11:30 AM
Parent: #1

Quote: كما نرى انكساراتنا و أشواقنا

Post: #123
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 08-29-2022, 09:29 AM
Parent: #121

Quote: Quote: كما نرى انكساراتنا و أشواقنا

Post: #124
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 08-30-2022, 05:48 PM
Parent: #123

,,واصل يا وليد

لا تزال قواسيب الغربة متروسة

تحياتي





Post: #125
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Abdalla Gaafar
Date: 09-01-2022, 11:10 AM
Parent: #124

الغياب
صديقي
أهو الحنين الإجباري في لحظات ضعف القلب والجسد والعقل ... أم هو الشعور بلحظة الإقتراب من خط النهاية ومن ثم البحث في لحظات الرحيل الأخير عن وجه أليف؟
يا لحزنك ....
أربعون عاما من محاولات التأقلم ولا تزال بك بقية من غناء قديم يعود بك الي مرافيء البداية.... والتي لم تعد الان صالحة لكل انواع العودة.. منذ العام الجدب بعد الانهيار... نعم ماعادت ذات المرافيء .. هجرها ساكنوها وخاصمها القمر....
لماذا لم تسقط من ذاكرتك هذا الجزء من ضلال القلب ضمن ما اسقطت من الاسماء والغناء وخطي العودة؟
ها أنت وفي لحظات الصحو الفجائي المؤقت (كما أظن) تدعوني الي العودة لتاريخ كتبه فجّار القطيعين بمداد الدم .... وتدري أنني ابن ذاكرة الأرض العاق... وانني أيضا كغيري تحملت وزر البقاء محايدا في قضية مريام ضد الأرض وآخرين!
لم لا تحاول التخلص من صدي البقية من غبار ذكريات الميلاد من أجل التصالح مع واقع حالك والذي أظنه مائل!
لم لا تدعني كغيري من أبناء السبيل أكتب عن الحزن الدائم في موسم اللا حزن ... عن اللا عدل في موسم العدل... وعن البقاء في اللا وطن .... وعن اللا لا
نعم يا صديقي لا زلنا أبناء تلك الورطة... ورطة التواجد في مناطق مابين القطيعين .... يصيبنا التلوث اللغوي والفعلي جراء معارك الضد.... كلاهما يحترف النفاق والسقوط ... وكلاهما اثم قلبه ...... وكلاهما يملكان من سوء القصد وسوء الفعل ما يدفعنا قسرا الي أقصي انتكاسات الروح والجسد ...
يا صديقي ما بين الفقر والرحيل مسافات من الغم والغبن والانحناء....وما بين الرحيل والهروب مسافة للصبر واحتمال أكبر للإنكسار....
وتبقي الاحلام هي آخر ما تبقي لنا لتفادي الرحيل المبكر إلي صرخة النهاية ... هي آخر ما تبقي بعد ان سرقوا الخبز والدواء والضحك والصلاة وطمأنينة الفقراء ....
كلاهما فجور في الخصومة والظلم .. فعلوها بفسق بالغ القسوة في لحظات الانحطاط العظمي ... اغتصبوا الارض وضاجعوها بعنف فاجر .. حتي فقدت خصوبتها وخاصمتها الامطار فانبتت مزيدا من أشجار الزقوم ومحاصيل الزنا والفقر والمرض .... وما بين سيادة وقوادة فجّار القطيعين يبقي الحلم السري لسكان المناطق الوسطي هو ما يقينا شر السقوط الأخير ومن ثم البقاء أحياء في المناطق تحت الاحتلال


Post: #126
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 09-03-2022, 07:18 PM
Parent: #125

لا فض فوك اخي عبدالله

*****


لم لا تدعني كغيري من أبناء السبيل أكتب عن الحزن الدائم في موسم اللا حزن ... عن اللا عدل في موسم العدل... وعن البقاء في اللا وطن .... وعن اللا لا

***

وقفت هنا طويلا

دمتم

Post: #127
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 09-05-2022, 03:37 PM
Parent: #1

---"عُمر السنين أيااااام "
يا سلام يا أبو عفان . بعد 23 عاما لازلت أتذكر - فى أول معاودة للإستماع الى شريط " قصتنا" الـ TDK فى ليلة شتوية و البرد فى اوجه – كيف صادفتنى "عُشرة الأيام" فى آخر كوبليه !بدأ زملاء الدراسة والأصدقاء القدامى -خاصة زملاء (الشقا و الفلس والقطعة ناس الهند ) - بزيارتي و السلام و " حق الله بق الله" و عزايم وكده و "تمشى معانا يا ويلي" حتى أنهم حاولوا أخذ شنطتى و أصروا أشد الإصرار على أن أرافقهم وهمسوا لى " تعال يا مان أسكن معانا لحدى ما تلقى شغل " ومع أصرارهم الشديد قلت اديهم يومين شلت غيار ومشيت بتا معاهم الليل كلو نتونس ونجتر ذكريات. الصباح صحوني وقالو لى " أسمع يا مان نحن ماشين الدوام ، نجي نلقاك عامل لينا حلّة " 😊 دقيقة يا جماعة "الدوام" ده شنو ؟ : "الدوام ده الشغل يا حبيبنا , نجي نلقاك عامل الحلة ، بالمرة غسل معاك العدة". 😊فتذكرت ما كنا نردده أيامها " لن ننسى أياما مضت لن نسى ذكراها ، لن ننسى أياما مضت عدساُ أكلناها ". يا سلام تلك أياما طُبعت فى الذاكرة بكل ما فيها من عنت ومشقة وفرح وحزن ’ زمالة حقّة متينة بدأت هناك و تستمر حكايتها هنا بمذاق ونكهة أخرى .غادرتهم على وعد بالرجوع إليهم بعد ترتيب أموري ’ وصلوني و(عصروا) لى مجتمعين 500 ريال 😊
بدأت بتوزيع أوراقي ، السيرة الذاتية وصور من شهاداتي لكل من طلبها وو عدوني بدورهم بتوزيع صور منها لكل معارفهم و زملائهم .
كنت ما بين الفينة والأخرى ألقى نظرة على الدفتر الأخضر وأرهف السمع لـ " أبو عفان" وامارس محاولاتى في الهرب من بعض القلق !

يستتبع

Post: #128
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 09-05-2022, 09:57 PM
Parent: #1

نواصل

Post: #129
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 09-07-2022, 10:14 PM
Parent: #128


في الغربة ،، تبدو لك لأول وهلة ،، كل المشاعر تجاه الآخرين و كأنها شيء محدود الصلاحية تود أن تستهلكه قبل فوات الأوان.
تخاف من التوغل في مسام الأحاسيس ،، تكتفي بالمشي على أطراف جداولها خوف الإنزلاق ،، تمد يديك و تغترف لتشرب ، فتبلل شفتيك دون أن ترتوي ،، تغمر رجليك بالماء ، و لكن تخاف أن تسبح و تتوغل في أحشاء البحر. تتحسس مشاعرك بأطراف أصابعك ،، تخشى أن ترتاح يداك على كتفها فتتوسدها و تنام.
خرجت بهذه القناعة منذ أول وهلة في غربتي ، و لازمتني طوال أيام التسكع في دهاليز الغربة ، المضيئة منها و المعتمة.
( بطسبيرج ،،، بنسلفانيا ) ،، تبهرني أنهارها الخمس ،، و أحس في جوها الحار بأنني لم أبتعد كثيرا.
إعتدت إرتياد ذلك المقهى الذي يعج بالأفارقة الأمريكان .
تغيرتْ بشرة بعض الأفارقة هناك ،، إتخذتْ لونا خمريا خلابا ،، زاد من حلاوته الشعر الأكرت المتموج بفعل ( كريمات الشعر ).
أحب تلك اللكنة التي يتكلمون بها اللغة الإنجليزية ،، فهي ممطوطة و مختصرة و قوية النبرات.
يعرفونك ،، فتمتد أواصر الصداقة حتى بيوتهم و أسرهم.
الفتاة ذات العشرين ربيعا تعشق لبس بنطال الجينز الذي يتشبث بتفاصيلها ، معانقا جسدها كنبات اللبلاب ،،، يلتف به بحميمية و كأنه يخشى عليه من نظرات هذا الإفريقي الذي لا ينفك يسترق النظر و هو يرشف فنجال قهوته بتأن و روية حتى يتاح له الزمن الكافي لملء ناظريه من هذا القوام الملفوف كثمرة باباى ممتلئة رحيقا و عصارة تعلن عن نضوج مبكر.
لا أدري لماذا ذكرني وجهها بوجه منقوش على إحدى العملات الأوروبية القديمة.
عنق ممدود طويلا يسخر من ( طويلة مهوى القرط ) ،، فالأقراط عندها يمكنها أن تتدلى و تتدلى و تتدلى...
و شفاه أفريقية غليظة كصدفة إنفرجت عن أرتال من اللؤلؤ المكنون.
تنظر إليها دون أن تمل أو تكل.
تبتسم ،، فترتفع حواف وجنتيها إلى أعلى لتغطي جزءا من إتساع عينيها ، فيزيدها هذا سحرا على سحر.
عندما سمعتها أول مرة تضحك ،، أطلت النظر إليها مأخوذا ،، خيل إلى أن أجراس كنيسة تقرع مجلجلة صباح يوم أحد ،، فمازحني النادل العجوز قائلا و هو يغمز بعينه :
ألا تود أن تعلقها تعويذة في مقدمة سيارتك. ؟
معجبوها كثيرون ،، كنت أخاف أن أقترب منها ،، فأنا لا أدري من يكون هذا أو ذاك.
إكتفيت لفترة طويلة أن أنظر إلى هذه التحفة الإلهية من على البعد.
أوميء برأسي فقط ،، فترد تحيتي بنفس الطريقة ،، و تبتسم تلك الإبتسامة التي تجعل من قهوتي سائلا لا طعم له و لا رائحة ،، فأعاود الطلب مرة أخرى و العجوز يرمقني بمكر و هو ينصحني ضاحكا بشرب قهوتي قبل أن تفاجأني الفتاة بإبتسامتها.
كان يلاحظ متابعتي لها.
فاجأتني يوما و هي تقف منحنية على طاولتي :
ألا تدعوني إلى طاولتك ؟
أحسست أن طاولتي إمتدت لتسع المكان كله.
عطر رقيق يضوع منها ،، عطر يذكرك بأنك إبن أمك الأرض ،،، ملأت رئتي منها
قالت و هي تنظر إلى و كأنها تعرف مدى تأثير سحرها علي : قل شيئا يا رجل.
قلت : ضاع مني الكلام.
و أطلقت أجراسها ترن و تملأ المكان فرحا و صليلا . و أنا أغوص في مقعدي متشبثا ببعض الثبات الكاذب .
جلستْ و هي تمضغ علكة تنفخها هواءا فأحس بأن أنفاس رئتي قد إختزنتها تلك العلكة ،، فتعيد العلكة إلى فمها فأحس بطعم النعناع في جوفي. مجرد إحساس قوي و مفعم أحْدثه وجودها الصاخب أمامي.
من أين أنت ؟
أنا من تراب أرضك البكر ،، من أفريقيا.
نعم ،، عرفت هذا من أول وهلة .
هل كنت تلاحظين وجودي كل يوم ؟
نعم
لم ؟
لا أدري ،، شيء ما شدني إليك ،، ربما نفس الدماء التي تجري في عروقنا ،، و ربما شيء آخر...... نفس أسبابك ربما.
و إبتسمت تلك الإبتسامة التي تجهض كل محاولات تماسكي و تصيبه بالنزف الفاضح.
هلا أخبرتيني عن هذا الشيء الآخر ؟
لا تكن ملحاحا ،، هذه أول مرة أحادثك فيها ،، أنا نفسي لا أعرف كنه السبب. أحسه و لا أعرفه.
هل لديك صديق ؟
أصدقائي كثيرون ،، و لكن ليس لي صديق حميم بالمعنى المفهوم.
لم ؟ فأنت في غاية الجمال.
أنا أفرِق بين من يريدني لجمالي ،، و من يغوص في روحي. أكثر الرجال الآن يستعجلون دعوة الفتاة لإشباع غريزتهم قبل أن يعرفوا من هي و كيف تفكر. هذا ما أعتقده و أؤمن به.
معنى هذا أنه لم يفهمك أحد إلى الآن؟
ليس بهذا الشكل. و لكن أريد شخصا يحاورني و يتآلف مع ما أفكر به قبل أن تنزلق عيناه إلى جسدي.أريد رجلا يذوب عقله في عقلي قبل أن تلتهمني نظراته بنهم. أتفهم ما أعنيه ؟
بالطبع ،، بالطبع أفهم.
أحسست بشيء من الخجل ،، فكأنها أصابت هدفا بسهم صراحتها.
سبابتها تدور على أطراف الكأس بشكل دائري و هي تنظر إلي نظرات ذات مغزى،، كأنها تفصح عن حيرتها أمام شخص لا يمت إلى عالمها.
أريد أن أتجول في المدينة ،، أيمكنك أن ترافقينني ؟
أومأتْ برأسها موافقة.
طيلة مدة مرافقتها لي ،، كنت أسألها نفس السؤال : ما هو الشيء الذي شدك إليَ ؟
تماطل أحيانا ،، و أحيانا تغضب ،، أرضيها بدعوة لمشاهدة فيلم ،، أو عشاء في مطعم فاخر.
ذهبنا لزيارة والديها في مصبغة ملابس يملكانها.
قابلوني بتوجس ،، و بترحاب حذر.
ثم إنفردا بها في غرفة داخلية ،، سمعت بعض الحديث ،، كانا يسألانها عن مدى علاقتها بي ،، و ماذا تنوي أن تفعل . إرتفعت أصواتهم ثم هدأتْ.
في طريق العودة ،، ظللت صامتا.
قالت : ما بك ؟
لا شيء
هل سمعت حديثنا ؟
بعضا منه.
قالت ضاحكة : يحسب والداى بأنني سأهرب معك إلى بلدك.
و من أين أتتهما هذه الفكرة ؟
من صديق غيور خاصمته قبل أن أخرج معك.
يالها من طريقة للتخلص مني. ما رأيك أن تأتي معي لبلدي بالفعل؟
لم لا تبق أنت معي ،، فعلى الأقل أنت هنا الآن ؟
أفحمتني بطلبها.
في ركن منزو في ملهى ليلي ،،، حاولتْ أن تجعلني أنسى محادثتها مع والديها.
( ملأتْ صحو الجو سحب داكنة كسحب خريف أفريقيا ،،، كدخان أزرق يعشعش في الرأس فيصيب الخدر أطراف الجسم ،، و زمجر الرعد معربدا ،،، كغريزة أُطلقتْ من عقالها فأنفلتتْ تعدو كثور في مستودع الخزف ،، و تساقطت قطرات من المطر بصوت مكتوم ينقر على زجاج النافذة ،، فتسيل القطرات مخلِفة خطوطا متعرجة ،، و ومْض البرق يشق جوف الليل ،،، في إلتحام و تجانس بين النار و الماء ، بين الرغبة الجامحة و إنكسارها ،، و للأمطار في النفوس فعل السحر ،، و تكسو الأجساد بنداوة قطرات الندى المنزلقة على أوراق الشجر ذات صباح بهي في غابة صنوبرية )............
رغم صغر سنها ،، فقد أدهشتني بغزارة معلوماتها.
تتحدث عن مارتن لوثر كنج و تتلو على من ذاكرتها مقتطفات من أقواله.
تتحدث عن تاريخ الجاز الأمريكي بتفاصيل دقيقة ،، حدثتني عن سامي ديفس ، و عن جيمي براون ،، إنتهاءا بالروك و رقصة الفالس و بحيرة البجع ،، و الحرب الأهلية في أمريكا ، و عن الحرب الباردة ،،و عن نضال السود في أمريكا ،،الذي تذكر كل مجرياته باليوم و التاريخ و أسماء الأشخاص.
تتحدث عن كل شيء في كل شيء ،، موسوعة متحركة.
بهرتني تماما. كنت أظنها ستكون فتاة معجبة بجمالها ،، و تتكيء على هذا الإعجاب الذي يغمرها به كل من حولها.
رغم أنني لم أستطع مجاراتها في كل شيء ،، إلا أنها كانت سعيدة بمحاورتي لها. كانت مستغربة بمعرفتي عن مارتن لوثر و عن نضال السود و بمعلوماتي المتواضعة عن الموسيقى و تاريخ الأوبرا.
لا تؤمن بالديمقراطيين و لا بالجمهوريين ،، تقول أن الحزبين في نفاق مستمر لليهود و لهث وراء المصالح الخاصة. تحلم بحزب يضم المسحوقين من الشعوب الأمريكية يقوده أحد أبناء جلدتها.
طيلة الأيام التالية ،، و بشكل مفاجيء ،، كانت منطوية على نفسها قليلا ،، لم تعد تلك الفتاة المنطلقة على سجيتها. كسا محياها حزن عميق.
ذهبت كعادتي للقهوة لأقابلها ،، ناولني العجوز مظروفا أنيقا معطرا ،، نظرت إليه ، كان منها ، فتحته بيد مرتعشة ،، و قرأت :
أعذرني لأنني سافرت غربا إلى أوهايو دون أن أودعك.
سأكون عند عمتي لمتابعة دراستي التي إنقطعت.
يقولون أن شمس أفريقيا ساطعة و محرقة ،، و أن غاباتها رائعة و دائمة الإخضرار ،، و أن لها سحرا أخاذا يجذب المرء إليه ليعود و يزورها مرات و مرات.
و شاهدت كل هذا بعد أن رأيتك.... أحسست به تماما . رأيت أفريقيا بعيونك. لفحتني شمسها عندما وضعت يدي بين يديك.
طوال الأيام الفائتة كنت أصارع مشاعر شتى لا أستطيع أن أذكرها لك هنا.
و لكنني رأيت كيف أنه يمكنك أن تعيش هنا معي سعيدا .
أنا أيضا يمكنني أن أعيش معك في أي ركن من أركان الدنيا دون أي مبالغة.
و لكنك تدري أن طموحي في مواصلة الدراسة لا يحده حد.
و لي تطلعات كبيرة ،، تعرف بعضها جيدا.
أرجوك ،،، إبق معي و لا تعد إلى هناك ،، على الأقل الآن ،، أرجوك ..
لك حبي.. و قبلاتي..

رفعت نظري ،، العجوز يرمقني بتحفز ،، عرفت أنها قد حدثته بالأمر كله فقد كانت تثق به و تحبه كوالدها تماما،، نظراته كانت تقول أنه ينتظر إجابتي.
وضعت الخطاب في جيبي .
قرأته عدة مرات حتى كدت أن أحفظه عن ظهر قلب. لأيام طويلة أخرج الخطاب من جيبي و أقرؤه ثم أعيده.
عدت للقهوة.
قلت للعجوز : لا أريد أن أقول لك وداعا ،، فهي كلمة صعبة على القلب.
أهذا وداع أخير ؟
أخشى أن يكون كذلك.
هي أيضا لن تأتي ،، أنا أعرفها تماما ،، سأفتقدكما حقا. هل ستذهب إليها ؟
ربما. لا أدري تماما.
أمسك بكلتا يدي طويلا ، ثم قال و هو يربت على كتفي :
كنت في شبابي ،، أتبع صوت عقلي دائما في كل أموري ،، و لم أندم. المرة الوحيدة التي سمعت فيها صوت قلبي ،، حدث شرخ لم أستطع أن أجبره رغم كل هذه السنوات. أتمنى لك حظا طيبا يا بنى.
ثم إنسحب إلى الداخل .
نظرت إلى مقعدها الخالي ،، موسيقى كلاسيكية هادئة تغمر المحل ،، ضحكاتها ترن في أذني كأنها تنطلق من كل مكان في المقهى كروح معذبة تهيم بين المقاعد و على الطاولات ،، و عطرها كأنه لا يزال ملء الرئتين.

Post: #130
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: Abdalla Gaafar
Date: 09-10-2022, 09:19 AM
Parent: #129



العودة الخامسة
هذا الطريق إلى القرية تعرفه جيدا..تحفظه جيدا...هو ما يحدد فيك دائما لحظات إنحدارك للجذور .. لماذا كل هذا الحزن فيك....
علي ذاك المسرح...كنت وحدك كل شيء..المؤلف وكاتب السيناريو والمخرج ...وكنت الجمهور أيضا ...(أو هكذا أجبرت لتتحمل وحدك مسئولية هزيمتك الكبرى) ... فحركت قلبك كقطعة الشطرنج... خطأك انك لم تحدد للحلم عمقا ثابتا فكانت أن تحولت الملهاة إلي مأساة......
..هل ستفعلها للمرة الخامسة... هو الشتاء وبرد القرية الذي تدري...الهروب اليك ... من بوابة ما يشبه الإنتحار حين يأخذك النيل عميقا إلى جوفه... ترى أهو الحنين الإجباري إلى الرجوع لذاتك؟ ...في لحظات ضعف القلب والجسد والعقل ... أم هو البحث في لحظات الرحيل عن وجه أليف؟
كان يجب أن تفعلها منذ زمن طويل ... كيف أستطعت مواصلة الوقوف على خشبة ذات المسرح رغم معرفتك أنه الفصل الأخير في تراجيديا الخاتمة ... لماذا لم ترحل
المهم ها أنت الآن في طريقك إلي العودة الخامسة .....
انها الأقدار تتبعنا فنتبعها .... ولا فكاك ..... أكثر الأحلام حزنا يأتي حين يتوسد فقراء العشق قلوبهم قبل النوم.... ما بينا وبين الحزن .... هذه الآهة الأليفة الطعم والصوت ..... ومن ثم التكيف الطوعي معه.... وخصوصا حين يدفعك النبض حد الحصار إلى الغربة..... ويأخذك قسرا الي مناطق الأحلام المستحيلة... فتحلم بما تشاء في لحظات من ضعف مرهق .....حين تمضي إلي الأحلام المحرمة القطف دون زاد لعودة... لماذا كل هذا وأنت تدري أن المأساة قد حان أوانها
أكثر من أربعين عاما من محاولات التأقلم ولا تزال بك بقية من غناء قديم يعود بك الي مرافيء البداية.... إلى النيل ....لماذا لم تسقط من ذاكرتك هذا الجزء من ضلال القلب ضمن ما أسقطت من الاسماء والغناء وخطي العودة؟
هاهي تلوح امامك تلك القرية التي شهدت تواريخ ميلادك وفرحك وحزنك ...
تمضي إليها وكأن الطريق أمامك هو الحل المتاح للوصول إلى دواخلك ....إنه النيل ...بجبروته وصدق وده.... هي العودة الخامسة... فهل ستفعلها بذات البقعة حيث يرتخي النيل في انحناءة تعبي ليقبل عند ضفته الشرقية قصر كجبي...شامخا يرنو لأوجه الطيبين حيث تضيق الارض وتبدو المسافة بين الماء واليابسة اضيق ما تكون... فيبدو القصر كأنه الحارس الأسطوري لما خلفه وامامه من الأرض والناس وحارسا أيض لتاريخ تلك البلدة التي حفظت له جميل وقوفه شامخا هكذا.... تاريخ هذه البلدة كتبه أجدادي وصفا دقيقا للقناعة والرضاء الكامل بما وهبهم الله من العافية والهدي والصبر والضحك من الاعماق...
أحيانا يخيل لي أنها البقعة البيضاء الوحيدة التي تصلح لهروب الروح والجسد والقلب من تعب الحزن وهزيمة القلب وغبن الحاضر....
هآنذا أعود إليّ وإليها لأنه الطريق الأوحد الذي يفضي بي إلي إنسانية علاقتي بذاتي....لماذا العودة إلى النيل الآن ؟ ...تعلم جيدا بوجوب الرجوع إليه في موسم الهزائم الكبرى ....وأنا مهزوم مهزوم حتي النخاع ....لماذا الآن...ولماذا هذه الليلة؟ ..فهذه الليلة باردة جدا...وأنت لم تمارس السباحة لأكثر من عشرة أعوام ... إلتقاء جسدك بالماء حدد مقدار التمكن من غسل آثار هزائمك فيه...برغم برودة الجو كانت المياه دافئة.......أنت تبحث الآن عنك ... عن ذاتك .... يااااه هو النيل ..حبيبك الذي لم يخنك أبدا....ملاذك حين تضن الحياة بملاذ آمن...وفجأة قفزت إلى ذاكرتك لحظة ميلاد مسائك... وبيت شعر عبر وأنت تغرق راسك ال#################### في المياه
خُذْ مَا تَبَقَّى مِنْ رَحيلِي فِيكَ سِرًّا ثُمَّ
قُلْ لِي كَيْفَ أبْدَأُ مِنْ جَديدٍ
لا تدري كيف قفز هذه المقطع إلى دواخلك وأنت في طريقك إلى القاع...المياه تزداد دفئا كلما أزداد إنحدارك نحو القاع....هل هي بداية التخلص من آثار الهزيمة ...أم هي نهاية إنتظارك لحلم من سراب (أجمل الأحلام حلم لا يتحقق أبدا أو هكذا كنت تظن) أو هكذا أحسست في لحظات ارتقاؤك إلى الأعلى ذات حلم (محض ظن ليس إلا) ....منتصف الليل وإحساسك بصداقة المياه حول جسدك قلل من الشعور بقلة الأوكسجين من حولك... هو النيل صديقك القديم حتي في لحظات غضبه ...ورويدا رويدا إنحدرت للقاع بكل أشيائك، أحلامك، هزائمك، انتصاراتك ، خوفك، فرحك، حزنك ... وكأنك تود أن تغسل كل شيء فيك...الروح والجسد وكل تواريخك من مخزون أحاسيسك المختلفة بالحياة .....كأنه الإنتحار لولا أن بدأت بالطفو إلى سطح المياه قليلا قليلا...كم من المحطات عبرت وأنت تعلو ..لا تذكر منها إلا أوجه الأصدقاء الأحبة وبقية الفرح فيك ..وكأنك تركت عند القاع هناك كل ما يوقظ فيك الجرح أو الحزن أو الهزيمة... لقد نجحت في أن تترك هناك كل آثار هزيمتك الكبرى....يا لهذا الاحساس الميلادي الرائع ونظرك يصطدم بنجوم الليل لحظة خروجك من الماء عاريا كما ولدتك أمك... هي لحظة طلق وبطاقة ميلاد... الإسم لا يهم مادام ليس في القلب جراح...
هو السؤال الأزلي في قضية بحثنا عن العذر لمن نحب : لا أدري كيف يمكن لشخص ما أن يبني هرما من الوهم الموجع في قلب الآخر....
ترى هل كان من الممكن تفادي كل ذلك؟
تلك هي الحياة نتعلم من أيامها ما يقوينا على معاركة قسوة الآخرين
.... ربما هو مجرد الحضور في الموسم الخاطيء للمسرح الخاطيء
لا ندم أبدا ولا ضغينة فلا زلنا نحمل قلوبنا تيجان صداقة لمن استطاعوا ولوجها حين دعوناهم الى مجاهلها
وأنا لا ألوم إلا نفسي.... فمن العدل أن نري أنفسنا علي حقيقتها ..عارية وحافية...إنه ميلاد وقت جديد... حلم جديد... وربما ابتسامة جديدة

مروي/الطريف 2019





Post: #132
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 09-13-2022, 01:33 PM
Parent: #1

"رسوم المغادرة" !
ما كان يا ترى المغزى فى تذكرينا بـ (المغادرة) كلما قضينا إجازة فى أرض الوطن بفرض هكذا رسوم! ، وما الحكمة فى أن يكون هذا الرحيل (مدفوع القيمة) ؟! ، ماهو إحساس المغترب حين يفارق الأهل ليمتد به الشوق حتى يعود فيجد -وهو مغادرا – كاونترا يشترط عليه دفع المال حتى يسمح له بالمرور !!
خنجرا يغرسونه فى وجداننا كلما غادرنا أرض الوطن ، وليتهم جعلوها (رسوم وصول) إذن لدفعناها طائعيم مختارين (بطيب خاطر) فعلى الأقل صالة الوصول هى مرسى لأشواقنا ، أو ليتهم أجملوها فى أى رسوم كانت حتى لو كانت ما كانوا يسمونه "رسوم فضائية" التى ظلو ا يأخذونها منا جورا وبهتانا طوال سنين الإغتراب .
حتى الإسم "رسوم مغادرة" تعبير فج و فى غاية السخف وليت صاحب التسمية إجتهد قليلا و إختار عبارات يراعي فيه حالة الإحباط التى يعيشها المغترب (المفارق) لأهله و احبابه .
كانت من الأشياء التى خلفت فى نفس المغترب كثير من الغبن ، و التى - فى إعتقاد الجميع - جاء إلغاؤها متأخرا جدا !!!

Post: #134
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 09-15-2022, 01:00 PM
Parent: #132

حتى الإسم "رسوم مغادرة" تعبير فج و فى غاية السخف وليت صاحب التسمية إجتهد قليلا و إختار عبارات يراعي فيه حالة الإحباط التى يعيشها المغترب (المفارق) لأهله و احبابه .
كانت من الأشياء التى خلفت فى نفس المغترب كثير من الغبن ، و التى - فى إعتقاد الجميع - جاء إلغاؤها متأخرا جدا !!!

*******

لا فض فوك يا وليد

Post: #135
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 10-19-2022, 07:10 AM
Parent: #1

Quote: ....
عمك فقير كان لا يٌخالف له رأي ولا تكسر له كلمة , ,ولا يرد له طلب مٌطاعا مهابا لا يحب كثر الكلام ، متجهم الوجه لا يذكر أحد أنه رآه يبتسم، بيد انه كان كريما موجوادا رجل ذو أيادي بيضاء و "زول مواقف" له مساهمات مقدرة فى محيط القرية فى مشاريع المياه وصيانة المدرسة وعلاج المرضى و الكثير من أعمال الخير دون منِّا ولا أذى . قضى شبابه فى خدمة أحد الامراء فأكتسب ثقته كونه كان رسميا جدا فى العمل ويكره الفوضى وكان -من ناحية أخرى- رئيسا لجمعية منطقتهم ،ورغم مشاغله وسفره الدائم إلا أنه كان يحرص على تواجده فى الجمعية نهاية الأسبوع يناقش أمور المنطقة وتنميتها يوجه هنا وينصح هناك .
كان أمر "إدريس عسكر تود" محسوما وبعد تلك المكالمة بأسبوعين حل إدريس فى مدينة جده ثم منها الى الرياض مغتربا جديدا ، كل شئ كان قد تم ترتيبه فعم فقير خاله كان يرى أن مصلحة إدريس في الإغتراب مثله مثل الذين سبقوه "سعيد تُلّوب" و "عثمان مهمنتود" و "كُنّه" و "علي كاتول" .
مضى إدريس مصحوبا بدعوات الوالدة "فافا يُودول " وهى ترفع أكفها بالدعاء له .."عديلة..عديله يا وليديى" ترك المترة و البرسيم قد آن حصاده ، ونخلاته الثلاث وساقيته بعد أن ولّ أمرها جميعا "عثمان هوُلّه".

للحديث بقية


قضى "عسكرتود" ليلته الأولى فى الجمعية ، شارك ثلاثة من الشباب غرفتهم ، قضى معظم الليل يتقلب فى فراشه وهو يجاهد الأرق وهدير المكيف يقض مضجعه. لا يعلم متى نام وكيف لكنه رأى تلك الليلة نخيله شاحبا ، رأى "القسيبة " وهى تتهاوى ويتناثر كل ما فيها من قمح وتمر ، وطقطقات "الدونكي" تزادا تسارعا و الماء فى الجدول يقل و يقل، وقبة "تور الشرق" يكسوها غبار كثيف و الناس من حولها فى مشهد مهيب و"عثمان هوله" مبتسما قلقا يقريه السلام .

هب مذعورا على صوت تلفون الجمعية وهو يرن !


يستتبع،،

Post: #136
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 10-19-2022, 12:28 PM
Parent: #135

واصل يا وليد
ولا تزال مخلية الغربة مترعة

Post: #137
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 10-23-2022, 08:07 PM
Parent: #136

وصلت الطائرة من الخرطوم لمطار جدة
دخل المسافرون لصالة الوصول
طلب منهم الضابط بان يقف القادمون بتأشيرة خروج عودة في صف واحد
والقادمون للزيارة في صف اخر
فوقف كل شخص في الصف الذي يخص تأشيرته
الا ان شخص واحد وقف في صف لوحده
فسأله الضابط:
انت ايش تأشيرتك؟
فقال لافض فوه: انا جاي نهائي

Post: #144
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 01-05-2023, 08:12 AM
Parent: #135

Quote: قضى "عسكرتود" ليلته الأولى فى الجمعية ، شارك ثلاثة من الشباب غرفتهم ، قضى معظم الليل يتقلب فى فراشه وهو يجاهد الأرق وهدير المكيف يقض مضجعه. لا يعلم متى نام وكيف لكنه رأى تلك الليلة نخيله شاحبا ، رأى "القسيبة " وهى تتهاوى ويتناثر كل ما فيها من قمح وتمر ، وطقطقات "الدونكي" تزادا تسارعا و الماء فى الجدول يقل و يقل، وقبة "تور الشرق" يكسوها غبار كثيف و الناس من حولها فى مشهد مهيب و"عثمان هوله" مبتسما قلقا يقريه السلام .

هب مذعورا على صوت تلفون الجمعية وهو يرن !



محصول التمر ذلك العام لم يتعد القيراطين فإحدى النخلات قد جفت وأخرى قد (سوّس) تمرها .
هذا ما جاءه من صديقه عثمان هولّة
الوالدة فافا يودول تعلم مافى خاطر ولدها عسكرتود ولأى حد يرتبط قلبه بتلك النخلة !
"أرتي كريمو أووو أوثمان "
تلكم كانت رسالتها لولدها !

Post: #138
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 11-02-2022, 02:36 PM
Parent: #1


الحكي عن الغربة والإغتراب بلغة أخرى

Post: #139
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 11-02-2022, 02:47 PM
Parent: #138

تحياتي الأخ الأديب أبوجهينة

Quote: في الغربة ،، تبدو لك لأول وهلة ،، كل المشاعر تجاه الآخرين و كأنها شيء محدود الصلاحية تود أن تستهلكه قبل فوات الأوان.
تخاف من التوغل في مسام الأحاسيس ،، تكتفي بالمشي على أطراف جداولها خوف الإنزلاق ،، تمد يديك و تغترف لتشرب ، فتبلل شفتيك
دون أن ترتوي ،، تغمر رجليك بالماء ، و لكن تخاف أن تسبح و تتوغل في أحشاء البحر. تتحسس مشاعرك بأطراف أصابعك ،، تخشى أن ترتاح
يداك على كتفها فتتوسدها و تنام.
خرجت بهذه القناعة منذ أول وهلة في غربتي ، و لازمتني طوال أيام التسكع في دهاليز الغربة ، المضيئة منها و المعتمة.


كتابة ممتعة..وسرد جميل ممعن في الألم وينغرس عميقا في تراجيديا الغربة/الاغتراب

كتابة ممتعة للأسف منعنا من مجاراتها ومتابعتها ذلك التشظي الفكري و المزاجي/النفسي

واصل وسنتابع ما استطعنا إلى ذلك سبيلا فهذه المحطات تليق بنا..

Post: #140
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 11-03-2022, 12:17 PM
Parent: #139

الخ العزيز محمد عبدالله الحسين

تحايا سامقة وسلام مقيم

اشكرك اخي العزيز على مداخلاتك هنا التي تثري الموضوع

مرورك هنا هو بلا شك دافع بالمواصلة

سنواصل ما دمتم هنا

لك الشكر
حفظكم الله


Post: #141
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: walid taha
Date: 12-29-2022, 09:51 AM
Parent: #1

***
"حسين" ، شاب هادي زاملنا أول سنين الإغتراب لطيف قليل الكلام (حبوب جدا) كريم جدا ،وجيها .
كنا في تلك الأيام نتبادل الحكاوي نستعرض آمالانا فى (الإغتراب) ، طموحنا فى تحقيق أحلام بدأ لنا أن معظمها بعيد المنال من قراءتنا لواقع الحال ، فكثير من الأشياء خلافا لما كنا نظن .
حسين أو "سحس" كما كنا نناديه ، فى معظم ونساتنا كان يركن الى الصمت ولا يتحدث إلا نادرا ويكتفى بالإبتسامة ،كثير السرحان .
تخرج مهندسا من إحدى الكليات ورمت به الأقدار الى عمل المقاولات فى تلك المؤسسة البائسة يعمل بكل جد ويعود فى المساء منهكا ينتظر راتبه الذي بالكاد يصرفه كل ثلاثة أشهر . معظم الأوقات يدير وجهه للحائط يحاول إخفاء ضجره بيد أن إبتسامته حاضرة كانت تقاوم هذا الهم ...
حسين هو أكبر أخوانه جاء فى "فيزة حرة" كما يقولون وبدأ رحلة طويلة فى البحث عن عمل ليستقر به الحال فى هذه المؤسسة ، كنت دائما ما أحاول إستنطاقه لقربي منه ، شئٌ ما يعكر صفوه يقاومه بتلك الإبتسامة المرة كلما تحدث الى أهله فى السودان
- يا سحس أخبارك ، مالك يا زول متضايق كده ؟
- و الله أهو مافى حاجة محددة بس قرفة ن وأتبعها بإبتسامة عسيرة
- يا راجل خليها على ربك ، شايفك متضايق ياخى خير إن شاء الله الأهل فى السودان طيبين ؟
سكت لبرهة وكأن كل هموم الدنيا إجتمعت حوله وفي نبرة بها غصة
- ياخى والله ناس السودان ديل جننونى !! ثم سكت طويلا قبل أن يقول " و الله أنا حكايتى حكاية "..



Post: #142
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 12-29-2022, 05:31 PM
Parent: #141

نواصل
فالدماغ مترع بمحتويات اضابير الغربة

Post: #143
Title: Re: من أضابير الإغتراب
Author: ابو جهينة
Date: 12-29-2022, 05:31 PM
Parent: #141

نواصل
فالدماغ مترع بمحتويات اضابير الغربة