البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا الله وعيشة السوق، أغنيات ضد الأوهام.

البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا الله وعيشة السوق، أغنيات ضد الأوهام.


02-23-2021, 03:35 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1614090915&rn=11


Post: #1
Title: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا الله وعيشة السوق، أغنيات ضد الأوهام.
Author: عبد الله حسين
Date: 02-23-2021, 03:35 PM
Parent: #0

02:35 PM February, 23 2021

سودانيز اون لاين
عبد الله حسين-
مكتبتى
رابط مختصر




Post: #2
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 02-23-2021, 03:37 PM
Parent: #1

https://ibb.co/kyRgPPZimages

فاليري جيسكار ديستان


https://imgbb.com/images-1

وست البنك كمان


https://imgbb.com/download

وجبريل إبراهيم أخوان


حيجيب الديب من ديله

ويشبع كل جعان

يا سلاملم يا جدعان

ع الناس الجنتلمان

داحنا حنتمنجه واصل

وحتبقى العيشه جنان

التليفزيون حيلون

والجمعيات تتكون

والعربيات حتمون

بدل البنزين بارفان

وحتحصل نهضه عظيمة

وحتبقى علينا القيمة

في المرسح أو في السينما

أو في جنينة الحيوان

وحتبقى الأشيا زلابية

ولا حوجة لسوريا وليبيا

وحنعمل وحده أرابيا

مع لندن والفاتيكان

والفقرا حياكلوا بطاطا

وحيمشوا بكل ألاطه

وبدال مايسموا شلاطه

حيسموا عيالهم جان

ودا بفضل صديكي

( حمدوك ) الرومانتيكي

ولا حدش فيكو شريكي

في المسكن والسكان

Post: #3
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 02-23-2021, 06:51 PM
Parent: #2


Post: #4
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 02-23-2021, 06:52 PM
Parent: #3



ما زال العالم يذكر أزمة الأرجنتين الكبرى العام 1998، والتي نتجت عن تطبيق كامل وشامل لوصفات " البق الدولي وصندوق النكد الدولي "، وقد رفضت الأرجنتين دفع ديونها إثر وقوع الأزمة، وجددت رفضها قبل عام على لسان نائبة الرئيس، التي أعلنت أن بلادها لن تدفع حتى نصف سنت من ديونها السيادية قبل خروجها من الركود، ولا يدري أحد متى تخرج من الركود، أو تتمكن من سداد ديونها، حيث بلغ الدين العام أكثر من 323 مليار دولار، بينما كل الناتج المحلي الإجمالي هو في حدود 450 مليار دولار، وهى حلقة مفرغة ولا نهائية، من القروض وتسديد أصل الدين وتسديد الفوائد والاقتراض من جديد لتسديد أصل دين سابق وفوائده، وهذا ما حدث للأرجنتين التي لا تقارن بالسودان.

https://imgbb.com/images-2

البنك الدولي



https://imgbb.com/download-1
https://imgbb.com/upload png


أو البق الدولي، مصاص دماء شعوب العالم.


https://ibb.co/4gz8cxB158602308729144100

صندوق النكد الدولي، أداة الإفقار والدمار.

Post: #5
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 02-25-2021, 07:35 PM
Parent: #4


Post: #6
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 02-26-2021, 11:13 PM
Parent: #5

والجدير بالذكر أن هناك أصوات تتعالى منذ سنوات في كلا المعسكرين، المحافظ والليبرالي في الولايات المتحدة، تدعوا إلى انسحاب واشنطن من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي باعتبارها مؤسسات فاشلة، لم تحقق الأهداف المعلنة التي تأسست من أجلها، فصندوق النقد نشأ لمراقبة سعر الصرف الثابت وهذا لم يعد موجوداً، فتحول إلى مؤسسة اجتماعية لتقديم القروض التي لم تحقق الغرض المعلن منها وتحولت في معظمها إلى جيوب النخب الحاكمة الفاسدة في دول العالم الثالث، أو تم توظيفها في سداد فاتورة الغذاء والدواء وشراء السلع الكمالية بدلاً من إنشاء مشاريع إنتاجية تسهم في الاقتصاد الوطني، أم البنك الدولي فقد أدت سياساته المبنية على التقشف إلى تأثيرات كبيرة على الفقراء الذين ازدادوا فقراً، كما كانت لها تداعيات سلبية كبيرة على المحيط البيئي، وأدت إلى تهجير مجموعات سكانية بكاملها في دول مختلفة، كما أن القروض التي قدمتها هاتان المؤسستان، والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات، تكاد تكون من الديون الهالكة، التي لا يتصور أحد إمكانية سدادها، حيث وجدت الدول المدينة نفسها في حلقة مفرغة من طلب القروض التي تذهب إلى جيوب الفاسدين أو إلى تسديد فاتورة الغذاء، وطلب قروض جديدة لتسديد أصل الدين والفوائد.

Post: #7
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 02-26-2021, 11:15 PM
Parent: #6


Post: #8
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 02-27-2021, 10:22 PM
Parent: #7

وزير أرجنتيني يعلن فشل برنامج صندوق النقد بإنقاذ الاقتصاد

اقتصاد دولي

12 ديسمبر 2019

Facebook
Twitter
WhatsApp
Share
ا
الأرجنتين/أسواق/صرف عملات/ماركوس برينديشي/Getty

أزمة الاقتصاد في الأرجنتين مستمرة (Getty)

قال وزير الاقتصاد الأرجنتيني الجديد مارتن غوزمان، مساء الأربعاء، إن بلاده ستنفذ برنامجاً مختلفاً مع صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى أن الصندوق اعترف بفشل البرنامج القديم.
جاء ذلك عندما استعرض غوزمان خطة اقتصادية لبلاده، إذ قال: "سنفتح محادثات مع الدائنين لتعديل جدول الديون"، حسب ما أفادت به مصادر إعلام محلية.

وأضاف: "الأرجنتين بحاجة إلى تعديلات على الدين.. يجب أن يتعافى الاقتصاد الأرجنتيني من أجل دفع الديون". وتابع: "الأرجنتين لا تستخدم الديون الدولارية للاستثمار في القطاع الإنتاجي، وزادت المدفوعات الأرجنتينية بشكل كبير". واستطرد قائلاً: "الأرجنتين بحاجة إلى حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية".

وكان الرئيس الأرجنتيني الجديد ألبرتو فرنانديز، قد قال في أول خطاب له بعد أدائه اليمين الدستورية، إنّ "بلاده ترغب في سداد ديونها لكنها لن تستطيع ذلك في ظل الظروف الراهنة، وهي تحتاج إلى نمو اقتصادها مجدداً قبل الوفاء بالتزاماتها المالية".

ترامب: سنفرض رسوماً على واردات المعادن من البرازيل والأرجنتين

وأضاف أنّ "الحكومة ستسعى إلى الدخول في حوار مع صندوق النقد الدولي وحملة السندات الأرجنتينية للتعامل مع عبء الديون"، دون تفاصيل، وأوضح أن حكومة الرئيس السابق ماوريسيو ماكري، تركت الأرجنتين في ما "يشبه الإفلاس".

وعرض فرنانديز قائمة التحديات الاقتصادية التي تواجه بلاده، ومنها معدل الدين العام، الذي وصل إلى أعلى مستوى له منذ 2004 عندما أشهرت بلاده إفلاسها في ظل رئاسته للحكومة.

(الأناضول)

Post: #9
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 02-27-2021, 10:24 PM
Parent: #8

السيد حمدوك ديستان يصر على المضي في نفس طريق الفشل الذي سلكته دول أقوى اقتصاداً ويتوقع الوصول لنتائج مختلفة، متجاهلاً تجارب ناجحة، سلكت طريقها الخاص، الموائم لظروفها المحلية، مثل ماليزيا والبرازيل ورواندا.

Post: #10
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 02-27-2021, 10:25 PM
Parent: #9


Post: #11
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-02-2021, 00:37 AM
Parent: #10

تحدي ماليزيا لصندوق النقد الدولي .. ماذا فعل "مهاتير محمد" بعد رفضه لخطة الصندوق؟

2018/03/10

"قد نفشل بطبيعة الحال، ولكننا سنبذل قصارى جهدنا كي تنجح خطتنا الخاصة، حتى لو اتحدت ضدنا جميع القوى الغنية ذات السلطة. سننجح إن شاء الله". هذا ما قاله رئيس الوزراء الماليزي السابق "مهاتير محمد" في أكتوبر/تشرين الأول 1998 بعد شهر واحد فقط من بدء بلاده تنفيذ خطتها الاقتصادية الخاصة عقب رفضها لخطة صندوق النقد الدولي.

من بين جميع البلدان التي تأثرت بالأزمة المالية الآسيوية (1997)، كانت ماليزيا هي الدولة الوحيدة التي رفضت اعتماد برنامج صندوق النقد الدولي. وبالنظر للوراء بعد سنوات، اتضح للجميع أن ماليزيا كانت أكثر من موفقة حين اتخذت هذه الخطوة، ورسمت مسارها الخاص.
ماليزيا تحشد رجالها لشق طريقها
- في عام 1997، انخفضت قيمة الرينجيت الماليزي بنسبة 35%، وتراجعت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، وتحطم سوق الأسهم وخسر نصف قيمته، ولكن بدلًا من التوجه إلى صندوق النقد الدولي، (كما فعلت بلدان مثل إندونيسيا وتايلاند وكوريا الجنوبية) شكلت الحكومة الماليزية هيئة وطنية يرأسها رئيس الوزراء هدفها إخراج البلاد من الأزمة.



- في العشرين من ديسمبر/كانون الأول عام 1997، أي بعد أشهر قليلة من اندلاع الأزمة المالية الآسيوية، شكلت الحكومة الماليزية " مجلس العمل الاقتصادي الوطني" (NEAC) بناء على توصية من رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية الماليزي "نور الدين سوبايى" لوضع خطة عمل استراتيجية لمواجهة الهجوم المالي والاقتصادي الذي تتعرض له البلاد من المضاربين.



- تألف المجلس من كبار المسؤولين الحكوميين بما فيهم رئيس الوزراء "مهاتير محمد" ونائبه، ورؤساء عدد من الوكالات الحكومية الأخرى، وممثلين عن النقابات والشركات والمنظمات المدنية المعنية، بالإضافة إلى عدد من كبار المصرفيين.



- اجتمع أعضاء المجلس الـ26 لمدة ثلاث ساعات يوميا، خمسة أيام في الأسبوع طوال عامي 1998 و1999، ولم يغب "مهاتير محمد" عن أي من هذه الاجتماعات، حضرها جميعًا! بمرور الوقت، تحمل هذا المجلس المسؤولية أكثر من مجلس الوزراء تجاه بعض القضايا الاقتصادية.



- دعا "مهاتير" أيضًا الرئيس السابق لقسم النقد الأجنبي بالبنك المركزي "نور محمد يعقوب" الذي يتمتع بخبرة كبيرة في نشاط وطبيعة أسواق المضاربة. وعقد الرجلان اجتماعات لا تعد ولا تحصى في محاولة للتوصل إلى خطة تحمي ماليزيا من المضاربين، وتلتزم في نفس الوقت بطابع الأسواق المالية الدولية.



- جذب النموذج الصيني الذي كانت تقوم فيه الدولة بالسيطرة على العملة المحلية والسماح للاستثمار الأجنبي بالدخول إلى قطاعات محددة اهتمام أعضاء المجلس. وبعد دراسة متأنية ومناقشات مع رجال أعمال ماليزيين عملوا في الصين، قرر المجلس أن النموذج الصيني هو الأنسب لماليزيا، إذا تم تطبيق بعض التعديلات الطفيفة عليه.


الإمساك بزمام الأمور


- في الأول من سبتمبر/أيلول عام 1998، كشفت ماليزيا عن خطتها الخاصة لمواجهة الأزمة، وتضمنت: فرض ضوابط العملة على حساب رأس المال (وليس على حساب رأس المال الجاري)، وإلغاء التداول على الرينجيت خارج ماليزيا، وتجميد تخارج الأجانب من محافظهم المالية بالسوق الماليزي (قيمتها حوالي 18 مليار دولار) لمدة 12 شهرًا، وربط الرينجيت بالدولار الأمريكي، في محاولة لمنع المضاربة على الرينجيت.



- سياسة ماليزيا الحاسمة وغير التقليدية في إدارة الأزمة، والمتمثلة في ربط الدولار بالرينجيت، أعطت الحكومة مزيدا من السيطرة على سياستها الاقتصادية وحجمت المضاربات على العملة. وفي نفس الوقت نجحت ماليزيا في تجنب خطر أن تصبح قيمة الرينجت مبالغ فيها مع مرور الوقت، كما حدث في الأرجنتين في التسعينيات.



- ثم أجرت ماليزيا عملية إعادة هيكلة، لنظامها المالي. وشملت عملية تحقيق الاستقرار المالي، إنشاء مؤسسات لشراء القروض المتعثرة وإعادة رسملة المؤسسات المالية، ودمج بعضها، وتطوير سوق السندات المحلية.



- في تصريحات لـ"بلومبرج"، قال "سونج سنج وون" الخبير الاقتصادي ببنك "سي آي إم بي" السنغافوري : "لقد قرأ مهاتير المشهد بشكل صحيح في ذلك الوقت. فهو رجل يفهم جيدًا علم النفس، ولذلك لم يخف، لأنه يدرك جيدًا أنه إذا فقد الناس الثقة به وبالبنك المركزي وبالرينجيت، ستنتهي البلاد."



- بعد الإعلان عن هذه الإجراءات تعرض "مهاتير" لانتقادات كثيرة من أنصار مفهوم السوق الحرة، ولكنه رد عليهم في خطاب له بالعام 1999 قائلًا: "نحن في ماليزيا نؤيد نظام السوق الحرة، ولكنه ليس دينًا ندين به، بل هو مجرد نظام اقتصادي وضعه بشر يخطئ ويصيب. نحن نحاول الالتزام به، ولكننا في نفس الوقت لا نرى أي سبب قد يدفعنا لقبول أي شيء يرتبط بهذا النظام حتى لو كنا لا نجني أي فائدة منه".



- في ذات الإطار، صرح "مهاتير" على هامش مؤتمر عقده معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية الماليزي في 25 يناير/كانو الثاني 1999 قائلًا: "إن ماليزيا بفرضها ضوابط على رأس المال، أصبحت أول دولة تضع حقوق الإنسان ورفاهية شعبها قبل مصالحها المالية."


هل تمكنت ماليزيا من فعلها؟


- في حين أن كل البنوك المركزية الآسيوية تقريبًا، قامت برفع أسعار الفائدة تنفيذًا لسياسات صندوق النقد الدولي من أجل الدفاع عن عملاتها بعد أن ألغت ربطها بالدولار، سار المركزي الماليزي في الاتجاه المعاكس وخفض أسعار الفائدة من 11% في يوليو/تموز 1998، إلى 5.5% بحلول أغسطس/آب 1999.



- نجحت ماليزيا في إدارة اقتصادها بنجاح بعيدًا عن صندوق النقد الدولي. وقد حالت سياستها المالية التوسعية دون انغماس الاقتصاد في مزيد من الركود، وتسببت هذه السياسة في تحفيز الاقتصاد مما ساهم في تعزيز الثقة ببنية الاقتصاد الماليزي.



- في خطاب أرسله إلى مؤتمر لصندوق النقد الدولي عقد بهونج كونج في سبتمبر/أيلول 1997 كتب "مهاتير": "نحن نرفض الشائعات التي تشير إلى أن ماليزيا ستسير في طريق المكسيك... ولكننا نعرف الآن سبب هذه الشائعات."



- "نحن نعرف أنه تم التلاعب بالاقتصاد المكسيكي ودفعه نحو التحطم، وأن اقتصادات البلدان النامية الأخرى يمكن أن يتم التلاعب بها أيضًا فجأة لتجبر على الانحناء لمديري الصناديق العظيمين الذين يعتقدون أن بمقدورهم تقرير أي البلدان يجب أن تزدهر، وأيها لا يجب أن تحقق ذلك."



- نجحت خطة "مهاتير" نجاحاً مذهلًا. فبعد أن انكمش اقتصاد البلاد بنسبة 7.5% في عام 1998، انتعش الاقتصاد مرة أخرى في عام 1999 وحقق نمواً بنسبة 5.4%. ولكن النقطة الأهم، هي أنه على عكس تايلاند وإندونيسيا، نجا الماليزيون من إجراءات التقشف المؤلمة التي فرضتها سياسات صندوق النقد على تلك الدول، والتي أفقرت الملايين ودفعت آلاف الشركات إلى الإفلاس.



- لمقارنة الوضع الاقتصادي الماليزي بعد الأزمة مباشرة مع البلدان الآسيوية الأخرى، يمكننا استخدام معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر تقريبي. حيث يبين الجدول التالي التغيرات التي طرأت على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في البلدان التي أصابتها الأزمة الآسيوية بداية من عام 1995 وحتى 1999.


السنة

ماليزيا (%)

إندونيسيا %)

كوريا (%)

تايلاند (%)

1995

9.8

8.2

8.9

8.9

1996

10.0

8.0

6.8

5.9

1997

7.5

4.5

5.0

(-1.8)

1998

(-7.5)

(-13.2)

(-6.7)

(-10.4)

1999

5.4

0.2

10.7

4.2


- يظهر هذا الجدول أن ماليزيا حققت في عام 1999 ثاني أفضل معدل انتعاش اقتصادي بعد كوريا الجنوبية. ويبين أيضًا أن معدل النمو السلبي في ماليزيا خلال عام 1998، كان أقل بكثير من إندونيسيا وتايلاند، وقريبا إلى حد ما من كوريا الجنوبية.



- وصف بنك الاستثمار الأمريكي "ميريل لينش" الانتعاش المالي في ماليزيا بأنه "أحد أكثر الإنجازات الاقتصادية إثارة للإعجاب". أما "داني رودريك" أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة "هارفارد" فقد أشار إلى أنه بالمقارنة مع برامج صندوق النقد الدولي، نجد أن السياسات الماليزية وفرت انتعاشًا أسرع، وشهدت انخفاضات أقل في العمالة ومعدل الأجور الحقيقية، وانتعاش أسرع لسوق الأسهم.



- أما صندوق النقد الدولي فقد اعترف بأن "ماليزيا نجحت في التقدم على البلدان الآسيوية الأخرى المتأزمة فيما يتعلق بصياغة اللوائح الاحترازية وحل مشكلة القروض المتعثرة، واستعادة كفاية رأس المال، وتوطيد أركان قطاعها المصرفي مرة أخرى".


لن تكون على حساب الفقراء


- هذا ربما هو من أبرز مميزات الخطة الماليزية. فعلى عكس ما حدث في البلدان التي تبنت خطة صندوق النقد الدولي والتي تحمل فيها الفقراء تكاليف اجتماعية كبيرة، حرصت الحكومة الماليزية على ألا يتحمل الفقراء تكاليف إجراءاتها الاقتصادية مهما كانت.



- في تصريحات له بالعام 2002، قال "مهاتير": لقد تم انتقادنا بشدة من قبل الدول الغربية، ولكننا لم ننحن لهم أبدًا في أي مجال. لأننا على عكسهم مسؤولون تجاه بلادنا وشعبنا، وبالنسبة لهم، ليست مشكلتهم إذا ما كان شعبنا يعاني، ولكننا مسؤولون منتخبون من قبل الشعب، ومن مسؤوليتنا الحفاظ على أمنه ورفاهيته."



أشارت دراسة أعدها باحثون بجامعة "نيو ساوث ويلز" الأسترالية إلى أن السياسات الماليزية كانت أكثر نجاحاً من تلك الخاصة بصندوق النقد الدولي، لأنها لم تؤثر تأثيرًا كبيرًا على الفقراء، موضحة أن نهج حكومة "مهاتير" كان أكثر إنصافًا. فلم يتم معاقبة الفقراء وإجبارهم على سداد أموال لم يستفد منها سوى الأغنياء.



- كما أكدت الدراسة على أن رفض ماليزيا اعتماد سياسات صندوق النقد الدولي أتاح لها فرصة تقرير مصيرها الاقتصادي، والعمل على حماية مصالحها، والأهم من ذلك، هو إبقاء سلطة صناعة القرار الاقتصادي للبلاد في أيدي أولئك الذين انتخبهم الشعب، وليس في أيدي المؤسسات الدولية.



- في مقابلة أجرتها معه "بلومبرج" قبل عدة أشهر، وتحديدًا في الخامس من يوليو/تموز 2017، قال "مهاتير" أثناء استرجاعه لذكرياته حول تلك الفترة: "عندما نقترض المال منهم، فإن الشرط الذي غالبًا ما يفرضونه، هو أن يكون لهم يد في إدارة اقتصاد البلاد، ومواردها المالية."



- في نهاية ذات المقابلة قال رئيس الوزراء الرابع لماليزيا البالغ من العمر 92 عامًا والذي انُتخب لخمس فترات متتالية تمكنت خلالها ماليزيا من التحول من بلد يعتمد على حقول ومزارع المطاط إلى عملاق اقتصادي: "لا يهمني كثيرًا إذا ما تذكرني الناس أو لا. إذا تذكروني فهذا جيد، وإن لم يفعلوا، لا توجد مشكلة، فأنا ميت على أي حال."

Post: #12
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-02-2021, 01:11 AM


Post: #13
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-02-2021, 11:51 PM
Parent: #12

البرازيل: مسيرة التحول من حافة الإفلاس إلى أكبر الاقتصاديات

- 23 فبراير,2019


دينا حلمي*

“المهم في التقدم الاقتصادي ليس التقدم على مستوى الناتج المحلى الإجمالي فقط ولكن الأهم هو الانجاز في مجال السياسات الاجتماعية أو العدالة الاجتماعية”… انطلاقا من هذا المبدأ بدأ الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا مسيرته نحو النهوض بالبرازيل اقتصاديا واجتماعيا. تحول بها من دولة تقف على شفى حفرة الإفلاس إلى سابع أكبر اقتصاد في العالم.
ورغم اتهامه بالفساد خلال السنوات الماضية، إلا إنه مازال الرئيس الافضل لدى الشعب البرازيلي الذي أهداه لقب بطل الفقراء. مازال أوسع رؤساء العالم شعبية على وجه الأرض كما أطلق عليه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. كيف استطاع اكتساب هذه الشعبية، وكيف جعل من البرازيل نموذج رائد في التنمية هذا ما نلقي عليه نظرة سريعة.
تاريخ من المعاناة الاقتصادية
لعقود طويلة عانت البرازيل حالة من التدهور السياسي والاقتصادي، والاجتماعي أيضا. فذاقت منذ 1930ويلات الحكم العسكري حيث انتشرت الحروب الأهلية وتفاقمت عمليات القمع والسجن والاعتقال. وشهد اقتصادها أزمات كبرى انعكست على الحياة الاجتماعية بها فازدادت معدلات البطالة والفقر، وزادت معها الفجوة الاجتماعية بين مواطنيها بشكل كادت فيه الطبقة الوسطى أن تختفي.
وما إن انتهى الحكم العسكري في 1985 بتراجع الجيش عن الحياة السياسية وانتقلت السلطة إلى حكومات مدنية، حتى بدأت تلك الحكومات محاولات عديدة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. كان أبرز هذه المحاولات ما قام به الرئيس الأسبق “كاردوسو” (1995-2002). فقد وضع خطة “الريـال”، وانتهج النمط الرأسمالي، حيث تبنى سياسات الانفتاح الاقتصادي والخصخصة والتحرير، واتبع كافة توجيهات صندوق النقد والبنك الدوليين. بالفعل أدى ذلك إلى حدوث تقدم في مؤشرات الاقتصاد الكلى، إلا أنه ذلك لم يكن تقدما فعليا يمكن ترجمته على أرض الواقع. إذ أدت تلك السياسات إلى نتائج كارثية، حيث مُني المنتجين المحليين بخسائر فادحة، وارتفعت معدلات البطالة والفقر التي كانت مرتفعة بالأساس، كما وصلت معدلات التضخم عام 1994 إلى 3000%.

وفي 1999 انهار الاقتصاد، وخسرت العملة40% من قيمتها، فاضطر كاردوسو للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بنحو 43 مليار دولار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد، فأدى ذلك إلى ارتفاع الدين الخارجي من 150 إلى 250 مليار دولار.
ترتب على هذا انعدام الثقة في الاقتصاد البرازيلي من الجهات الدولية المانحة في مقدمتها صندوق النقد والذي رفض في 2002 أخر محاولات “كاردوسو” للحصول على قرض جديد. حيث رد الصندوق بأنه على استعداد لإقراض البرازيل قرضا جديدا بـ30 مليار دولار ولكن عقب الانتخابات الرئاسية ومعرفة توجهات الرئيس الجديد.وهكذا باءت محاولات كاردوسو الاصلاحية بالفشل مع مزيد من الأعباء وزيادة في الديون، وترك الحكم وخلفه مشكلات اقتصادية كبرى تلقى بظلال الإفلاس على البلاد، على الرغم من محاولاته الحثيثة لحلها.

لولا دا سيلفا وخطة الاصلاح

بنهاية 2002 فاز مرشح اليسار ورئيس اتحاد النقابات العمالية “لولا دا سيلفا بالانتخابات الرئاسية ليصبح بذلك رئيسا لدولة تعاني التضخم، يفتقد اقتصادها للثقة الدولية، وتشهد معدلات مرتفعة من الفقر والتفاوت الاجتماعي.ورغم حالة القلق التي انتشرت بين المستثمرين والرأسمالين من أن يتبنى الرئيس الجديد سياسات اقتصادية يسارية تتماشى مع توجهاته اليسارية المدافعة عن حقوق العمال والفقراء، إلا أنه استطاع أن ينهي هذا القلق باتباع نهج جديد حقق به التوازن بين مصالح رجال الأعمال ومطالب الفقراء. قام هذا النهج على اتباع سياسات يسارية لمواجهة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية، وأخرى ليبرالية لحماية استثمارات الرأسمالين، وضمنت هذه السياسات في خطة سُميت”الخطة الحقيقية Real Plan”.
قامت تلك الخطة على تحرير التجارة، وخصخصة المشروعات العامة، وتضمنت سياسات للسيطرة على التضخم، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية، ومواجهة عجز الموازنة من خلال:
(1) تشجيع المشروعات الصغيرة في البداية: عبر تغيير سياسات الإقراض وتخفيض سعر الفائدة من 13.25% إلى 8.75 %، ما يسهل الإقراض بالنسبة للمستثمرين الصغار، ويساعد في تنفيذ تلك المشروعات وتوفير فرص عمل، الأمر الذي ساهم في مواجهة مشكلة الفقر، حيث ازداد دخل نصف سكان البلاد بنسبة 68%.
(2) التوسع في الصناعات البسيطة والتقنية: من خلال الاهتمام بالصناعات البسيطة القائمة على المواد الخام مثل تعدين المعادن والصناعات الغذائية، والصناعات التقنية مثل صناعات السيارات والطائرات.
ولعل أبرز الأمثلة على تلك الصناعات شركة (امبراير Embraer)، والتي تعد ثالث أكبر شركة تصنيع طائرات تجارية بعد إيرباص وبوينغ، وتمثل طائرات الشركة نحو 37% من أسطول شركات الطيران الإقليمية في الولايات المتحدة.
(3) الاهتمام بالقطاع السياحي: حيث ابتكرت نوع خاص من السياحة يعرف بسياحة المهرجانات، ونجحت في استقبال 5 ملايين سائح سنويا.
(4) تنفيذ برنامج التقشف الذي وضعه صندوق النقد: الأمر الذي ساهم في حل أزمة انعدام الثقة في الاقتصاد، حيث أدى البرنامج إلى خفض عجز الموازنة وتحويله إلى فائض بلغ 4% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2008 ، والانتقال من معدل نمو سالب في الناتج القومي المحلي إلى معدل منتظم وصل إلى حوالي 7.5% في 2010.
كما ساهم في ارتفاع التصنيف الائتماني، وتلقت البرازيل على إثره نحو 200 مليار دولار استثمارات مباشرة من 2004 وحتى 2011، وبعد أن كان صندوق النقد يرفض إقراضها في أواخر عام 2002 أصبح مدين لها بـ 14 مليار دولار خلال 8 سنوات فقط من تنفيذ خطة لولا الاقتصادية.

ماذا عن الجانب الاجتماعي؟
بالرغم من نجاح هذه السياسات الليبرالية في معالجة الأوضاع الاقتصادية، إلا أن لولا أكد أن الانجاز لا يكتمل دون تحقيق العدالة الاجتماعية. ومن هنا بدأ الشق اليساري في خطته الاصلاحية القائم بالأساس على مواجهة الفقر عبر توفير الإعانات الاجتماعية ورفع مستويات الدخل من خلال عدد من السياسات في مقدمتها:
(1) سياسة الحد الأدنى للأجور: تم فيها ربط الحد الأدنى بمعدل التضخم، وتعديله دوريا بما يتناسب مع التغير في هذا المعدل، الأمر الذي حافظ على القيمة الحقيقية للأجور وساهم في تحسين مستوى معيشة قطاع واسع من العاملين في القطاع الخاص والحكومي.
(2) سياسة الضمان الاجتماعي: تم تطبيقها على العاملين في القطاعين الخاص والحكومي، ونجحت في تغطية 90% من السكان فوق الـ65 عاما في 2009.
(3) الإعانات الاجتماعية (بولسا فاميليا): كان أهم برامج الحكومة لمواجهة الفقر، يتم من خلاله تقديم الدعم النقدي للأسر التي تقل دخولهم عن 28 دولار شهريا بغرض رفع مستواها وتحسين معيشتها، حيث تحصل الأسرة على دعم بمتوسط يبلغ تقريبا 87 دولار شهريا وهو ما يعادل 40% من الحد الأدنى للأجر في البلاد، بشروط صارمة تشمل التزامها بإرسال أطفالها للتعليم.
ساهم هذا البرنامج في خروج البرازيل لأول مرة من خريطة الجوع العالمية، طبقا لشهادة منظمة الفاو، ووصل عدد المستفيدين منه إلى نحو 11 مليون أسرة، بما يعادل حوالي 33% من الشعب البرازيلي.

أما السياسات السابقة فقد ساعدت بصفة عامة في تخفيض نسبة الفقر من 44.7% عام 2002 إلى نحو 29.7% عام 2009، صحيح أنها لم تقضي عليه نهائيا، إلا إنها نقلت ملايين الأسر من منطقة الفقر إلى منطقة الطبقة الوسطى. ولعل هذه أحد أهم المزايا التي تميزت بها تجربة البرازيل عن غيرها الكثير من الدول التي طبقت خطط وبرامج صندوق النقد دون مراعاة الجانب الاجتماعي ودون توفير برامج حقيقية وفعالة تحمي المواطن وتخفف من أثار البرنامج وتداعياته على أوضاعه المعيشية، الأمر الذي يؤدي بالنهاية إلى تآكل الطبقة الوسطى التي تلعب دورا هاما في تحقيق الاستقرار بالمجتمع. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أدى ذلك إلى تقليص الفجوة بين طبقات المجتمع، حيث وضح البنك الدولي أن دخل أفقر 10% من السكان كان يزيد بنسبة 9% سنويا في حين يزيد دخل الطبقات الأغنى بنسبة تتراوح بين 2-4% سنويا. كما وصل متوسط دخل الفرد إلى 15 ألف دولار.

وعلى هذا النحو قدمت البرازيل نموذجا لدولة استطاعت أن تنهض باقتصادها وتحقق العدالة الاجتماعية دون أن تقتنص من حقوق ومصالح الأغنياء أو تجور على الفقراء ومطالبهم. فوجود برامج الإعانة الاجتماعية وقرار الحكومة برفع الحد الأدنى من الأجور وجعله مرنا يتغير بتغير معدل التضخم ضمن تحسين أوضاع الفقراء وألا يصب النمو الاقتصادي في مصلحة الأغنياء فقط كما حدث في معظم دول العالم.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

Post: #14
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-02-2021, 11:52 PM
Parent: #13


Post: #15
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-03-2021, 10:27 PM
Parent: #14

د. طارق عبد الحافظ الزبيدي


عندما يتم الحديث عن دول أفريقيا بشكل عام يتبادر إلى الأذهان الفقر والجوع والحروب الأهلية، وهذه الصورة النمطية لم تأتي من فراغ بل فعلا أغلب تلك الدول تعاني من الفقر والأمراض والحروب مع كل الأسف، لكن عندما تُسجل دولة ما نجاح في مجال معين فيفترض بالباحثين والمهتمين بالعلوم السياسية تسليط الضوء حوله، فمن غير الإنصاف أن يتم التركيز على الإخفاقات والسلبيات وكأن السياسة عالم خالي من أي إنجاز يذكر، فهناك من الساسة من يعمل وينجز وكذلك يجعل من هذا العمل والإنجاز نموذج يمكن أن تستفيد منه دول أخرى مرت بنفس الأسباب والظروف.

ومن بين الدول التي من الممكن التوقف عند انجازاتها هي (دولة رواندا)، لكن التساؤل الأبرز هنا.. لماذا تم اختيار دولة رواندا من بين دول أخرى كنموذج للدراسة؟، والتساؤل الأهم لماذا القول أنها حققت الريادة المثالية؟، هل ممكن القول: إن في هذا الوصف مبالغة بعض الشيء أم الإنجازات تستحق الوصف؟.

إن الإجابة عن سبب الاختيار (دولة رواندا) كان بسبب الانجاز (العمل النوعي) من جهة وسرعة الإنجاز (المدة الزمنية) من جهة أخرى، لكن الإجابة على عّد ذلك الانجاز يمثل نموذج مثالي من عدمه تكون بكل تأكيد في نهاية البحث والتقصي في طبيعة التحديات مقابل الانجازات الفعلية المتحققة.

وبعد تحديد إشكالية الدراسة ننتقل إلى الفرضية التي تحاول الدراسة إثباتها أو نفيها وتنطلق من القول: "إن دولة رواندا استطاعت في مدة زمنية قليلة أن تحقق إنجازات كثيرة وفي مختلف الأصعدة والمجالات في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة للغاية لكن بفضل الحكم الرشيد والإرادة الشعبية استطاعت أن تكون نموذج يمكن أن يحتذى به".

ولغرض التحقق من صحة الفرضية قسمت الدراسة إلى ثلاثة محاور، يتناول الأول موضوع دولة راوندا والتحديات، والثاني يتابع دولة رواندا والإنجازات السياسية المتحققة ـ أما المحور الثالث فسوف يبحث في دولة رواندا والانجازات الاقتصادية المتحققة.

المحور الأول: دولة رواندا والتحديات
تقع دولة رواندا (والتي تعني أرض الألف تل أو الألف هضبة حسب معنى اللغة المحلية) في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية في شرق وسط أفريقيا، تحدها من الشمال دولة أوغندا، ومن الجنوب دولة بوروندي، ومن الشرق دولة تنزانيا، ومن الغرب دولة الكونغو الديمقراطية، مساحتها بحدود (25 ألف كم) تقريباً، ونسبة السكان بحدود (12 مليون نسمة) تقريباً، عاصمتها (كيغالي) وهي من البلدان الأفريقية المزدحمة بالسكان، حصلت على استقلالها من الاحتلال البلجيكي عام 1962م، تسكنها منذ القدم قبيلتين رئيستين هما (الهوتو والتوتسي)، إضافة إلى أثنية صغيرة تعرف بأسم (توا)، عُرف عن قبيلة التوتسي بامتلاكهم الأراضي والأبقار وممارستهم للرعي، في حين عرفت عن قبيلة الهوتو ممارسة مهنة الزراعة.

تُعد رواندا واحدة من أبرز الدول الأفريقية التي عاشت محنة الحروب الأهلية إذ بدأت منذ عام 1990م ووصلت هذه الحروب إلى ذروتها بما يعرف بالإبادة الجماعية في إبريل من عام 1994م، ففي يوم واحد قتل بحدود (2000 شخص) في كنيسة (كاباروندو)، حيث قتل ما بين (800 ألف) إلى مليون شخص معظمهم من التوتسي خلال مدة (100 يوم) وفقاُ للأمم المتحدة، والسبب المباشر هو إطلاق صاروخ اتجاه طائرة الرئيس الرواندي (جوفينال هابياريمانا) ومقتله على أثرها، حيث كان ينتمي إلى قبيلة الهوتو التي تمثل غالبية السكان ونسبتهم بحدود 80 % تقريباً، مما جعلهم يشنون حرب إبادة جماعية ضد قبائل الهوتو التي تمثل أقلية السكان ونسبتهم بحدود 20%.

إذا ما كان هذا سببا مباشرا لبداية شرارة القتال، التساؤل هنا: ألم تكن هناك أسباب أخرى قد تكون غير مباشرة ساهمت إلى حدِ كبير بهذا العنف؟.

في الحقيقة الأسباب غير المباشرة عديدة لكن أبرزها الدور السلبي للمحتل البلجيكي وما زرعه من فتنة بين فئات السكان، إذ مارس الاحتلال البلجيكي سياسة العزل العنصري بين مكونات المجتمع الرواندي، وأستخدم البلجيكيين أقلية التوتسي لقمع وإستعباد أغلبية الهوتو في بداية الأمر، لكن التذمر والاستياء من قبل الهوتو جعل سياسية البلجيكيين تتغير بعكس ما سبق، حيث أخذت تحرض ضد أقلية التوتسي من خلال نشر مجموعة من الأفكار والمفاهيم ضد التوتسي، على سبيل المثال (إن التوتسي إقطاعيين ولا يحملون أصول رواندية وغيرها)، هذه الازدواجية بالتعامل مع مكونات المجتمع الرواندي من قبل الاحتلال البلجيكي جعل سياسة الأخيرة قائمة على أساس فرق تسد، مما جعل المجتمع الراوندي مهيأ للنزاع والتخاصم، لذلك نجد أن رواندا اليوم لا تحاول أن تتخلص من آثار الإبادة الجماعية فحسب بل تحاول التخلص أيضا من التدخل الغربي السلبي والذي أضر بالعباد والبلاد.

المحور الثاني: دولة رواندا والانجازات السياسية المتحققة
رواندا التي خسرت بحدود مليون شخص في الحرب الأهلية تمكنت من أن تخلق واقعاً سياسياً واقتصادياً جديداً طوت به صفحة الماضي الأليم بمدة زمنية قليلة، وحققت طفرات نوعية في جوانب مهمة ساهمت بجعل هذه الدولة رقماً مهماً بين الدول الأفريقية، وبدون وعود كاذبة غير قابلة للتحقق، ومن غير التباهي بماضي ومجد سابق أو وعود مثالية قادمة وبأقل التكاليف والإمكانيات تحولت رواندا تدريجيا لتكون واحدة من أهم الدول الأفريقية.

بدأت الانجازات السياسة من الناحية الفعلية مع صعود الرئيس (بول كاغامي) سنة 2000م بعد استقالة الرئيس (بيزي مونجو) الذي لم يستطع إدارة البلاد في ظل ظروف صعبة للغاية، فذلك الإنتقال من مرحلة الدماء إلى مرحلة الرغاء بدأت مع (بول كاغامي)، التساؤل هنا، هل حدث ذلك صدفة؟ أم أن للقيادة الرشيدة دور في ذلك؟ وحتى ولو كان الجواب البديهي بأن الفضل يعود إلى الرئيس، التساؤل الأكثر أهمية كيف استطاع تحقيق ذلك؟ بمعنى أدق ما هي الإجراءات السياسة التي اتبعها الرئيس كاغامي لتحقيق ما عجز عنه الآخرون؟.

عند تتبع الإجراءات السياسية بإختصار نجدها تتلخص بما يلي:

أقر الرئيس دستور يؤكد على إلغاء الفوارق الطبقية والعرقية، حيث يرى كاغامي أن مسار التفرقة والعنصرية لن تؤدي سوى إلى المزيد من الدماء والحروب، لذلك اختار مسار الوحدة والتنمية والمعرفة وحظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي وجرم استخدام أي خطاب عرقي.

أطلق الرئيس إستراتيجية مهمة عام 2000م أسماها (رؤية 2020)، والتي تضمنت مجموعة من الأهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، الأهداف القصيرة منها ركزت على (تكوين الثروات، تقليل الاعتماد على الديون الدولية، تشجيع الاستثمار في البلاد)، والأهداف المتوسطة ركزت على (التحول بالاقتصاد الزراعي من الطريقة التقليدية إلى الطريقة العلمية المعاصرة، من خلال توظيف التعليم والتكنولوجيا والاتصالات)، أما الأهداف طويلة الأمد فقد ركزت على (خلق طبقة وسطى مثقفة ومنتجة تساهم في تطوير اقتصاد البلاد).

ركز (بول كاغامي) على عنصرين أساسيين في عمله أولهما موضوع الوحدة الوطنية، وثانيهما موضوع الفقر، لذلك عمل جاهداً من أجل توحيد شعبه المنقسم وانتزاعه من الفقر المدقع.

تم تشكيل لجنة سميت بـ(لجنة الوحدة والمصالحة الوطنية) مهمتها الأساس عملية التصالح والتسامح، وفي نفس الوقت تحقيق العدالة وعرض الحقيقة وحل الخلافات على قاعدة (لا غالب ولا مغلوب)، بالاستناد إلى القول: "إن الخسارة كانت لجميع الأطراف وليس هناك طرف فائز وطرف خاسر فالجميع في مركب واحد"، وقد صرح الرئيس (بول كاغامي) لدى توليه الحكم عام 2000م بالقول: "لم نأت لأجل الانتقام فلدينا وطن نبنيه، وبينما نمسح دموعنا بيد وسنبني باليد الأخرى، وذلك ليس لأن من قتلوا يستحقون الغفران لكن لأن الأجيال الجديدة تستحق أن تعيش بسلام"، ومن خلال ذلك استطاعت الحكومة الرواندية أن تنهي موضوع مهم جدا عانى وتعاني منه بلدان كثيرة لم تستطع معالجته ولمدد طويلة.

تعد رواندا اليوم أول دولة أفريقية على مستوى الشفافية، فهي مهتمة بموضوع سياسات محاربة الفساد، مما جعلها توصف بأنها الأقل فساداً، وهذا قد يعود إلى مجموعة من القوانين الصارمة التي وضعتها الحكومة الرواندية لمحاسبة المفسدين ومعاقبتهم، حيث وصلت عقوبة الحكم بالإعدام في حق المتورطين في قضايا الفساد ونهب المال العام، وعملت أيضا على تحجيم البيروقراطية وتكريس ثقافة الانجاز، لذلك صنفت الحكومة الرواندية كواحدة من أكثر الحكومات كفاءة ونزاهة.

عملت الحكومة الرواندية على تمكين المرأة الرواندية وتفعيل موضوع المساواة بين الجنسين (الجندر)، حيث أن القوانين الجديدة منحت المرأة حقوق واضحة في الأرض والميراث والعمل والتعليم، والدليل على مؤشرات النجاح في التمكين أن البرلمان الرواندي غالبيته من النساء، وفي تشكيل الحكومة أخذت النساء نصيباً وافراً.

إستطاعت الحكومة الرواندية من إدارة التنوع إدارة ناجحة، فتحول التنوع العرقي (هوتو، توتسي، توا) والتنوع الديني (مسيحيين، مسلمين، ديانات أخرى) إلى قوة بعد أن كان ضعف عانى منه المجتمع وكادت الدولة أن تتقسم بسببه.

المحور الثالث: دولة رواندا والانجازات الاقتصادية المتحققة
لم تكن الانجازات السياسية في رواندا متحققة لولا اقترانها بالإنجازات الاقتصادية لما للأخيرة من أهمية مرتبطة ارتباط وثيق بحياة الناس، فالفقر والجوع سبب رئيسي من أسباب الحروب والنزاعات السياسية، فالإضافة إلى الإنجازات في الميدان السياسي في دولة رواندا استطاعت أن تحقق تطوراً مهماً في الاقتصاد فبحسب منظمة دول تجمع السوق الأفريقية المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا)، فأن دولة رواندا تعد الآن واحدة من أهم الدول الأفريقية النموذجية في مجال النمو الاقتصادي، حيث سجل اقتصادها النمو الأكبر على مستوى العالم سنة 2005م بمتوسط بلغ (7,5 %)، وحسب تقرير لنفس المنظمة صنفت رواندا بأنها أول دولة افريقية جذباً لرجال الأعمال لسنة 2016م، فأصبح الاقتصاد الرواندي الأسرع نمواً في القارة وتضاعف دخل الفرد، فمنذ عام (2000- 2015) حقق الاقتصاد الرواندي نمواً في ناتجه المحلي بمعدل 9% سنوياً وتراجع معدل الفقر من 60% إلى 39% حتى لقبت من قبل البعض بأنها (نمر اقتصادي داخل القارة السمراء).

ومثلما تم التساؤل عن الأسباب السياسية للنجاح، فما هي الأسباب الاقتصادية للنجاح؟، والتساؤل الأبرز كيف نجحت رواندا اقتصادياً وهي دولة لا تتمتع بثروات كبيرة بل جميع الإمكانيات متواضعة، لكن هناك جهدا كبيرا من قبل القيادة السياسية لتحويل تلك الإمكانيات إلى قدرات واقعية.

ولغرض التعرف على أهم الأسباب الاقتصادية بإختصار نذكر أن دولة رواندا ركزت الحكومة في تحسن اقتصادها على مواضيع ثلاثة مهمة (الزراعة، السياحة، الاستثمار)، وفي إطار ذلك عملت على جملة من الإجراءات من أبرزها ما يلي:

ففي مجال الزراعة، أيقنت الدولة أهمية الزراعة في تحقيق الأمن الغذائي لسكانها فضلا عن تصدير ما يزيد عن الحاجة لتحويله إلى موارد اقتصادية تدعم ميزانية الدولة، فجلبت الخبراء الأجانب في مجال الزراعة، وأنشأت مكتب لنقل المحاصيل وتصديرها، ووفرت الأسمدة بأسعار رمزية، فضلا عن توفير قروض ميسرة للمزارعين، إضافة إلى تشكيل (الصندوق المالي للتنمية الزراعية)، وظهرت مؤشرات النجاح من خلال زيادة إنتاج القهوة على سبيل المثال من 30 ألف تقريباً عام 1995 إلى 15 مليون طن عام 2000.

وفي مجال السياحة، بالرغم من أنها دولة ريفية وحوالي 90% من السكان يعملون بالزراعة وبلد غير ساحلي وموارده الطبيعية قليلة، إلا أنه استطاع أن يستثمر في مجال السياحة بشكل جعل إيرادات السياحة تمثل 43% من إجمال دخل البلاد، وصل عدد السياح عام 2000 إلى 105 الف سائح وفي سنة 2014 وصل إلى ما يقارب المليون سائح، فعلى سبيل المثال بلغت إيرادات السياحة عام 2016 بحدود 400 مليون دولار.

وفي مجال الاستثمار، شجعت الحكومة الرواندية الاستثمارات الخارجية من خلال وضع تشريعات جديدة تسهل عملية الاستثمار لتصبح عنصر جذب لرجال الأعمال، وفي هذا الإطار شكلت مجلساً للاستثمار والتطوير، وضمت فيه جميع الكفاءات الرواندية سواء من هم في داخل رواندا أو خارجها.

كذلك وظفت السياحة سياسياً عندما أسست متحف للإبادة الجماعية التي تعرضت لها لكي يرتاده السياح، مما جعلها تعطي رسالة في أن البلاد مرت بزمنين، زمن الحرب والدمار، وزمن التطور و الإزدهار، والأهم في هذا المتحف أنه لا يوثق فقط الجرائم والمذابح فحسب بالرغم من أهميتها بل يوثق أيضا كيف استطاعت الدولة بعد ذلك من تحقيق المصالحة والعدالة لكي تنهض وتبني نفسها من جديد.

إن الاستقرار السياسي ساهم في تحقيق تنمية اقتصادية، حيث أنشأت رواندا عدد من مصانع السيارات ومصانع لصناعة الألبسة الجاهزة والصناعات الغذائية وساهمت أيضاً في التطور التقني والتكنولوجي في رواندا حيث استطاعت أن تطلق قمراً اصطناعياً لإمداد المرافق العمومية بشبكة الانترنت.

الخاتمة والاستنتاجات
إن تحقيق الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي، ليس بالأمر اليسير بالذات في بلدان العالم الثالث، وفي القارة الأفريقية على نحو التخصيص لما تعانيه هذه القارة من صعوبات ومشاكل كثيرة، لذا فالنجاح في هذه الدول بحاجة إلى قيادة واعية، ورؤى إستراتيجية، وتخطيط محكم، لغرض الإنتقال من الحروب الأهلية والفقر المدقع إلى البناء والإعمار والتنمية الشاملة.

وبفضل الانجازات المتحققة حصلت العاصمة كيغالي على مجموعة من الألقاب بينها (الأكثر أمناً في أفريقيا، رمز الحداثة في القارة الأفريقية، الأنظف بين عواصم أفريقيا، إيقونة التنمية الأفريقية الحديثة)، إضافة إلى احتضان المدينة لمجموعة من القمم الأفريقية ومجموعة من الملتقيات الاقتصادية، وكل ذلك هي مؤشرات واضحة على أنها تجربة مثالية، وليس هناك مبالغة في وصفها بـ(الريادة المثالية)، مما يعني التحقق من صحة الفرضية التي أنطلقت منها الدراسة.

وقد توصلت الدراسة لعدد من الاستنتاجات لعل من أبرزها ما يلي:
إن تحقيق نهضة الشعوب سياسياً واقتصادياً بغض النظر عن الظروف التي تمر بها أمراً ليس مستحيلا، وهذا ما أثبتته (التجربة الرواندية المتميزة)، بل أن موضوع النهضة تحتاج فقط إلى إرادة جماعية من الجمهور وقيادة راشدة من قبل السلطة.

إستطاعت السلطة من بناء وعي ثقافي عند المواطنين، ففي العاصمة كيغالي الجميع مدعوون للنزول إلى الشارع في نهاية كل شهر تحديداً يوم السبت لغرض المشاركة في عملية النظافة حيث تغلق المحال التجارية وتتوقف حركة المرور، وأصبحت هذه ثقافة مجتمعية لا حاجة إلى قانون يلزمهم بها بل هم ألزموا أنفسهم ومن يتخلف عن ذلك فهو خائن في نظر المواطنين، والعجيب أن بعض السياح أخذ يشاركهم في العمل دعماً لهذه المبادرات المهمة.

عندما تصنف رواندا بأنها أعلى معدل نمو اقتصادي، وأقل معدل بطالة، وأعلى نسب تعليم في القارة الأفريقية، أليس هذه مؤشرات مهمة ممكن أن تجعل رواندا نموذجاً على الدول التي تعاني ما عانته أن تأخذ خطواتها وتدرس إجراءاتها؟.

بالإمكان الاستفادة من جميع الخطوات والإجراءات التي عملت بها الحكومة الرواندية سواءً السياسية منها أم الاقتصادية، وهذه التجربة الرائدة والفريدة مهمة جدا بالنسبة لدول النزاعات والصراعات لدول مثل (جنوب السودان، سوريا، اليمن، العراق وغيرها).

Post: #16
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-03-2021, 10:40 PM
Parent: #15


Post: #17
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-04-2021, 11:58 PM
Parent: #16

تعويم الجنيه السوداني تم فعليا ولن يجدي في معالجة الخلل الاقتصادي!!!

محمد محمود الطيب حسن النور - 11-02-2021


أدمنت هذه الحكومة "المعزولة" عن الجماهير والبعيدة عن نبض الشارع اُسلوب الخداع والتضليل حتي اصبح السلوك السائد لها في التعامل مع ابسط الأشياء وهذا السلوك في الخداع والمراوغة يعكس تماما ابتعاد هذه الحكومة عن نبض الشارع وابتعادها عن الثورة وعدم ارتباطها بأهدافها٠وأثبت الأيام والشهور الماضية من عمر الثورة حقيقة الفشل الذريع في معظم الملفات لاسيما ملف الاقتصاد ومعاش الناس٠
وبرز هذا الفشل في وضع وتنفيذ ميزانية العام الاول للثورة 2020 والتي كانت ميزانية كارثية بكل المقاييس ويتكررهذا الفشل الان في ميزانية هذا العام والتي لاتبشر بخير ابدا ومضت في نفس خط ميزانية العام الماضي والتي تستند تماما علي التطبيق الكامل لروشتة صندوق النقد الدولي وستكون ميزانية العام 2021 مجرد إكمال لما تبقي من بنود روشتة صندوق النقد الدولي خاصة التطبيق الكامل لتحرير سعر صرف الجنيه او تعويم الجنيه السوداني وبالتالي استمرار معاناة الشعب السوداني الذي عاني الكثير من اخفاقات الحكومة وفشلها المتكرر٠
الكل يعلم الان ابتعاد هذه الحكومة عن تحقيق أهداف الثورة في جميع المجالات والتزامها بتنفيذ اجندة خفية لخدمة مصالح الطفيلية المتأسلمة وفلول النظام الكيزاني وفق صفقة يعلمها القاصي والداني الا وهي صفقة "الهبوط الناعم" وكذلك تعمل هذه الحكومة لخدمة مصالح محاور دولية واقليمية بشكل واضح للجميع٠
الكل يعلم الان ان الحكومة تتعامل وبشكل غير معلن مع السوق الأسود اسم الدلع " السوق الموازي" وظهر ذلك جليا في الاتي:
اولا/ محاولة الحكومة تجميع المبالغ المطلوبة للتعويضات الامريكية وهي عبارة عن مبلغ 335 مليون دولار وقامت الحكومة بشراء كميات كبيرة من الذهب وتصديره مما ادي لأرتفاع سعر الدولار وصرح بذلك "حميدتي" متهما الحكومة برفع سعر الدولار بسبب هذه العملية٠
ثانيا/ سمحت الحكومة للقطاع الخاص الطفيلي أستيراد وتصديرالسلع الاستراتيجية عن طريق السعر الحر للدولار مما يعد تقنين واعتراف رسمي بسعر السوق الأسود في تعاملات الحكومة وهذا يعني بالضرورة تعويم الجنيه او التحرير الكامل لسعر الصرف بصورة خفيه٠
ثالثا/ تتعامل محفظة السلع الاستراتجية والتي تتكون من مجموعة من الشركات والبنوك التجارية والإسلامية الطفيلية والتي سمح لها بأستراد السلع الاستراتجية خاصة الوقود وتصدير الذهب والمحاصيل الهامة علي ان يتم التعامل في كل هذه العمليات بسعر الدولار في السوق الموازي اَي تقنين رسمي لعملية تعويم سعر الصرف٠
رابعا/ أعلنت الحكومة التحرير الكامل لأسعار الوقود وتسعير المحروقات حسب السعر العالمي اَي التعامل بسعر السوق الموازي للدولار حتي البترول المنتج محليا وهو مايعادل نسبة ال 75% من الاستهلاك المحلي وتقوم الحكومة ببيع المحروقات للمواطن بسعر الدولار في السوق الموازي وحققت الحكومة من هذه العملية أرباح خرافية علي حساب المواطن المغلوب علي امره٠
خامسا/ الآن تعلن الحكومة عن إجراءات لتشجيع جذب تحويلات المغتربين وشراء الدولار منهم عن طريق البنوك التجارية بسعر المستوردين والمصدرين اَي بسعر السوق الموازي وهذا يعني التعويم بعينه٠

بدأ التحايل والاستهبال علي المواطن منذ استلام هذه الحكومة مقاليد الحكم واتضح تماما ان هناك ضبابية وعدم وضوح في الرؤية خاصة في البرنامج الاقتصادي وكان ذلك اكثر وضوحا في تناقض التصريحات بين المسؤولين٠
ففي قضية رفع الدعم مثلا صرح رئيس الوزراء عبدالله حمدوك أنه
"لن يتم رفع الدعم عن السلع الاساسية دون موافقة الشعب" وفِي نفس الوقت تجد تصريحات وزير المالية والذي أعلنها داويه قبل أدائه القسم "أن دعم السلع الاساسية يعد اكبر التشوهات في الاقتصاد السوداني" رغم انه لاحقا حاول ان يتحايل ويعلن ان رفع الدعم او "ترشيد الدعم" كما يحلو له ان يسميه سيتم تدريجيا وسيكون مطبقا علي البنزين فقط ولن يشمل الجازولين والخبز والكهرباء ثم تراجع عن ذلك لاحقا٠
وكذلك قام وزير المالية السابق بنقص الاتفاق الذي تم بينه وبين اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير القاضي بتأجيل قضية رفع الدعم علي ان تناقش في المؤتمر الاقتصادي واتضح لاحقا اُسلوب الخداع والتضليل من رئيس الوزراء نفسه والذي علي مايبدو انه كان علي اتفاق تام مع وزير المالية ولكنه كان يتظاهر وكأنه ضد رفع الدعم ومع جماهير الثورة وعلي مايبدو انه كان يتحدث بلسانين لسان حاله للاستهلاك المحلي ومخاطبة جماهير الثورة ولسان وزير ماليته البدوي لمخاطبة منظمات التمويل الدولية خاصة صندوق النقد الدولي٠
ولَم تكن وزيرة المالية المكلفة هبة محمد علي أحسن حالا في التنكر لمطالب الجماهير والالتزام بالتطبيق الحرفي لروشتة الصندوق فأكملت ما بدأه البدوي وتنكرت لأتفاقها مع اللجنة الاقتصادية أن لا تتضمن الميزانية المعدلة رفع الدعم عن السلع الاساسية ورغم توصيات المؤتمر الاقتصادي الذي أكد على عدم رفع الدعم دون ان يسبق ذلك إجراءات اقتصادية شاملة تهدف إلى إصلاحات في الهيكل الاقتصادي والتحكم في التضخم وإجراء إصلاحات أساسية في سعر الصرف ولكنها لم تضع أدنى اعتبار لكل ذلك وكان جل همها التجهيز لمؤتمر المانحين وتأكيد التزامهم بتنفيذ خطة صندوق النقد الدولي٠

ماهو التعويم وماالهدف منه؟؟
تعويم العملة يعني ببساطة أن يحدد السوق وقوى العرض والطلب
سعر صرف العملة الحرة بدلا من البنك المركزي٠
هناك نوعان من انواع التعويم

التعويم الحر او المطلق: تحديد سعر الصرف يتم بصورة تامة وفق آلية العرض والطلب وقوى السوق مع عدم تدخل البنك المركزي الا في حالات خاصة وتحت ظروف معينة استثنائية٠ يوجد هذا النوع من التعويم في بعض البلدان المتقدمة كالولايات المتحدة وأوروبا وكندا واليابان٠

التعويم المُدار: الأكثر شيوعا في العالم وهنا نجد ان سعر الصرف يتحدد وفق آلية العرض والطلب وقوى السوق ولكن يتدخل البنك المركزي لتوجيه سعر الصرف في اتجاهات مستهدفة عند الحاجة كاستجابة لبعض المؤشرات الاقتصادية لتحقيق أهداف السياسة النقدية المعلنة٠
نظام سعر الصّرف العائم لا يعني بالضرورة عدم تدخّل الدولة مطلقا في سياسة سعر الصرف في الواقع نجد ان معظم البنوك المركزيّة تتدخل في تحديد سعر الصرف الذي يمكنها تحسين أداء الميزان التجاري٠
والغرض من تعويم العملة بصفة عامة هو التخلص من تعدد أسعار الصرف والتخلص من السوق الموازي وكذلك جذب تحويلات المغتربين وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر٠

أسباب تعويم العملة!!!

الأساس النظري لسياسة التعويم يستند على المدرسة النقدية لميلتون فريدمان والمدرسة الكلاسيكية وجوهر هذه المدرسة ان حرية جميع الأسواق كفيلة باعادة التوازن وفق الأسعار الحقيقية ويشمل ذلك تحرير جميع الأسعار -أسعار السلع والخدمات، أسعار الفائدة، أسعار العمل (الأجور)، أسعار النقد الأجنبي (أسعار الصرف)٠
والافتراض الأساسي للنظرية النيوالكلاسيكية مبدأ كفاءة الأسواق وحرية الحركة الكاملة لرأس المال والعمالة والسلع ووفق هذا الافتراض أن التعويم سيؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأخرى وبالتالي إلى تعزيز القوة التنافسية وهذا سيؤدي الي زيادة الصادرات والحد من الواردات ويقلل من عجز الميزان التجاري ويعود إلى حالة التوازن. والمنطق نفسه يعمل في اتجاه عكسي في حال وجود فائض تجاري إضافة لأسباب أخرى تبرر التعويم كجذب الاستثمارات الاجنبية وجذب تحويلات المغتربين٠
هناك الآلاف من البحوث والأوراق بل حتى توصيات المؤتمرات عن هذا الموضوع كذلك التجارب الماثلة أمام العيان في الكثير من الدول والتي اثبتت التجارب فشل هذا المودل الاقتصادي تماما٠
ان هناك دراسة حديثة تمت بواسطة خبراء اقتصاديين برئاسة كبير الاقتصاديين في صندوق النقد بعنوان:
"IMF Warns that currency devaluations will not fix the country’s economic problems "

تجدها في هذا الرابط
https://www.cnbc.com/2019/08/21/imf-warns-currency-devaluations-will-not-fix-economic-problems.htmlhttps://www.cnbc.com/2019/08/21/imf-warns-currency-devaluations-will-not-fix-economic-problems.html

وخلصت الدراسة للآتي:

A 10% depreciation on average improves a country’s" trade balance by around 0.3% of GDP within a 12 month period, primarily through contracting imports, the trade is largely invoiced in dollars. Over a three years span, increase to a 1.2% of GDP improvement in trade balance as export respond more meaningfully to exchange rate movements, thought the “ full expenditure switching effects” remains relatively modest"

وهذا يعني ان تخفيض العملة الوطنية بنسبة 10% قد يؤدي الي زيادة في اجمالي الناتج القومي بنسبة ضئيلة الغاية اقل من الواحد في المئه في المدي القصير بتأثيرها المباشر علي تقليل الصادرات فِي المدي المتوسط في خلال ثلاث سنوات ربما يزيد تأثير تخفيض العملة علي زيادة أجمالي الانتاج القومي بمايعادل 1.2% فقط ويعتمد هذا التأثير علي مرونة الطلب علي الصادرات والواردات٠
وهذا يؤكد بان هناك شروط لاختبار فعالية تخفيض او تعويم العملة حتي لأقتصاديات الدول المتقدمة والتي تلعب التجارة الدولية دورا هاما في مكونات أجمالي الناتج القومي لاقتصادها من هذه الشروط الاتي:

اولا/ اهمية قياس مرونة الطلب الصادرات والواردات وتطبيق مبدأ مايعرف في الاقتصادي الدولي
"Marshal/-Lerner Condition"
والتي تشترط لفعالية ونجاح تخفيض سعر الصرف علي الميزان التجاري يجب قياس مرونة الطلب علي الواردات ومرونة الطلب علي الصادرات والتأكد من ان حاصل مجموعهما يجب ان يكون اكثر من واحد صحيح٠

ثانيا/ ليكون تخفيض العملة المحلية مبررا يجب ان يكون حجم القطاع الخارجي (الاستيراد والتصدير) لإجمالي الناتج المحلي كبيرا مقارنة مع بقية المكونات وهل هناك معلومات وإحصائيات عن حجم النشاط الاقتصادي للقطاع الخارجي؟ وكم تمثل كنسبة لإجمالي الناتج العام؟ وهل تبرر هذه النسبة تخفيض او تعويم الجنيه ومايتبعه من تكلفة وإشكاليات اهما التضخم الجامح الماثل للعيان الان؟

ثالثا/ نسبة التخفيض هل تتناسب مع مايتوقع من فوائد واضرارهل تمت دراسة شاملة "Cost-benefit" لتقارن بين الفوائد المتوقعة والتكلفة الاقتصادية والاجتماعية لتخفيض العملة الوطنية؟

رابعا/ هناك عوامل اخري هامة غير سعر الصرف تؤثر علي حركة الصادرات والواردات منها التسويق والعلاقات التجارية وغيرها من العوامل الغير سعرية هل تمت دراسة شاملة لمعرفة مدي تاثير تلك العوامل علي السياسة الاقتصادية المعلنة؟

خامسا/ التوقيت مهم في قرارالتخفيض وتختلف النتائج حسب الظروف اذا كانت الدولة في حالة انكماش او تضخم او كما في حالة السودان حالة الكساد التضخمي الجامح فالتخفيض في هذه الحالة يودي قطعا الي إشكالات كبيرة نتحسس اثارها كل يوم هل تمت دراسة هذا الاثر؟

سادسا/ The second round effect of multiplier and accelerator
التأثير الثانوي للمتغيرات الاقتصادية الناتجة عن زيادة الإنفاق الحكومي والضرائب علي زيادة اجمالي الناتج القومي وتأثير تخفيض سعر الصرف علي هذه العملية هل تمت دراسة ذلك التأثير؟٠

في حالة السودان يمكن دحض كل هذه الأسباب النظرية لتبرير تعويم الجنيه علي النحو التالي:

اولا/خفض العجز التجاري وخفض الدين الاجنبي عن طريق زيادة الصادرات والحد من الواردات ففي حالة السودان يظل العجز التجاري عجزا هيكليا فالطلب علي الصادر السوداني من المحاصيل الزراعية طلبا غير مرن ولايستجيب لتغير السعر ويعاني الصادرالسوداني من مشاكل غير متعلقة "بالأسعار" مثل مشاكل الانتاجية والترحيل والاسواق والمياه والمخصبات وعلاقات الانتاج٠فعجز الميزان الخارجي يحدث لقلة الصادرت، وزيادة الواردات لأسباب هيكلية لا علاقة لسعر الصرف بها فمعظم الصادرات السودانية الزراعية والحيوانية او حتي التعدينية تعاني من مشاكل في الانتاج وتدني الانتاجية وضعف التسويق والتمويل الداخلي والخارجي وهي مشاكل لاتحل بواسطة تعويم سعر الصرف اما الوردات ستظل كما هي سلع كمالية تخدم الطبقة الحاكمة الطفيليه بكل بساطة فالصادرات السودانية كالقطن والصمغ العربي والذهب تعاني من مشاكل في جانب العرض والانتاج نتيجة لاختلال البنية الهيكلية للأقتصاد الطفيلي وتخفيض سعر الصرف قد لايكون له اثرا كبيرا وذو تاثير محدود في تحفيز الصادر٠
اما الواردات فتنقسم الي سلع وخدمات كمالية مثل العربات والاثاثات وادوات التجميل والسفر وعادة ما تستورد هذه السلع الطبقة الطفيلية المسيطرة حتي الان ولم تتم ازالتها من المشهد وهي سلع قليلة المرونة في الطلب ولاتستجيب للسعر فعند تخفيض قيمة الجنية وغلاء سعر الدولار يظل الطلب علي هذه السلع ثابتا بفضل تمكن الطبقة الطفليلية من السيطرة علي الاقتصاد، اما الوردات الاخري فهي سلع وخدمات ضرورية للطبقات الفقيرة كالأدوية ومدخلات الانتاج الصناعي والزراعي والسفر للخارج للعلاج والدراسة وهي ايضا سلع هامة وذات طلب غير مرن وسيطلبها الموطن مهما زاد سعرها نتيجة تخفيض قيمة الجنيه، وهذا يثبت ان تخفيض الجنيه في حالة الاقتصاد السوداني غير فعال ويتنافي مع الاساس النظري لروشتة الصندوق والتي تستند علي فرضية تخفيض العملة ستؤدي الي تحفيز الصادر وتقليص الوراد وبالتالي تقليل فجوة العجز الخارجي لميزان المدفوعات، بل بالعكس التخفيض يؤدي الي اثار تضخمية وانكماشية خطيرة٠واذا افترضنا جدلا ان التعويم يمكن ان يزيد حصيلة الصادرات فنسبة الصادرات لاجمالي الناتج العام في الاقتصاد السوداني لاتتعدي نسبة 8% سنويا٠

ثانيا/ استهداف معدلات التضخم في السودان حسب الجهاز المركزي للإحصاء في السودان إن معدل التضخم السنوي في البلاد ارتفع إلى 254% في شهر نوفمبر (2020 اخر احصائية) ٠
من اهم اسباب ارتفاع معدل التضخم بدرجة أكبر اعتماد البلاد الشديد على المنتجات المستوردة باهظة الثمن بسبب تخفيض سعرالعملة ومن اسباب التضخم ارتفاع تكاليف الانتاج وزيادة الضرائب والجمارك علي السلع او مايسمي بتضخم جانب العرض 'Cost Push Inflation'٠

ثالثا/ تشجيع تحويلات المغتربين عبر القنوات الرسمية فوزير المالية السابق صرح عن فقدان تحويلات المغتربين التي تقدر بأكثر من 4 مليار دولار، وستفقد البلاد اكثر واكثر لسبب عدم الثقة في النظام وغياب السياسات التحفيزية المناسبة حتي الان٠
يقدر جهاز السودانيين العاملين بالخارج عدد السودانيين المهاجرين بنحو 6 ملايين كانت تحويلاتهم للعام 2019 حوالي 150 مليون دولار فقط مقارنة بنحو 3.1 مليار دولارفي العام ٠2008

رابعا/ تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي وفي هذا الاطار الاستثمار لا يجذب بسعر الدولار فقط ولكن يتم بتوفير المناخ الملائم من سياسات وقوانين وبنية تحتيه قوية من طرق ومؤاني ومصادر طاقة كهربائية دائمة وغيرها من الاساسيات٠

من التحليل اعلاه يتضح جليا ان المسوغات النظرية لتطبيق سياسة التعويم لاتنطبق علي حالة السودان تماما لامن حيث التنظير ولا التنفيذ بل علي العكس تعتبر (Counterproductive) اي معيقة وحتما ستؤدي لنتائج عكسية وكارثية مثل ارتفاع معدلات التضخم بدرجات غير مسبوقة اضافة الي الكساد الحاد في معظم القطاعات الانتاجية كما اجمع عليه معظم الاقتصاديين٠
ويتمثل الهدف الاساسي للحكومة من تحرير سعر الصرف في تمكين البنك المركزي بتوفيراكبر قدر من الدولار من المغتربين لتمويل الصرف علي الواردات ومدخلات الانتاج والتي تخدم الطبقة الطفيلية المسيطرة حتي الان٠
والهدف الثاني يتمثل في الانصياع التام لشروط صندوق النقد الدولي فسياسة التحرير الاقتصادي وتنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي كانت ومازالت ديدن الميزانية المقدمة بواسطة وزير المالية حتي الان٠

التعويم سيكون لها عواقب كبيرة على الاقتصاد الوطني وسيكون عرضة لتقلبات الاقتصاد الدولي والأقليمي فعند ارتفاع اسعار البترول في السوق العالمي علي سبيل المثال سيضعف من قوة العملة المحلية مقارنة مع الدولار وفي حالة انكماش الاقتصاد الدولي سيؤثرذلك علي حجم الصادرات والتي تعتبر من اهم عوامل قوة العملة الوطنية٠
والجدير بالذكر حتي خبراء صندوق النقد الدولي يحذرون من العجلة في تنفيذ سياسة التعويم الشاملة لخطورة مايترتب عليه من اثار كارثية سياسية واجتماعية٠

تجربة مصر في تعويم الجنيه!!

ورد في الانباء الاتي:
كشف وزير المالية المصري محمد معيط عن أن "بلاده نجحت في الحفاظ على معدل نمو 3.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في ظل أزمة كورونا، بينما تراجعت غالبية مستويات النمو لمعظم الدول، ولم يتجاوز معدل البطالة المستوى الذي كان عليه في العام المالي 2017 – 2018، عندما سجل 9.6 في المئة نهاية يونيو الماضي".
ولفت إلى أن "مصر استطاعت خفض العجز الكلي للناتج المحلي إلى 7.9 في المئة خلال العام المالي الماضي مقارنة بـ 8.2 في المئة عام 2018-2019".
كما أشار إلى خفض نسبة الدين للناتج المحلي لتصل إلى 87 في المئة في نهاية يونيو الماضي، مقارنةً بـ90.4 في المئة في يونيو 2019، وكذلك 108 في المئة في يونيو 2017." انتهي

كل المؤشرات والارقام الايجابية اعلاه والصادرة من وزير المالية المصري تؤكد تماما ان تقييم الاداء يعتمد علي الجهة التي تقيم ففي هذه الحالة نجد وزير المالية يركز علي مؤشرات معينة لتحقيق اهداف معينة٠
لذلك عندما نريد تقييم تجربة الصندوق في مصر او اَي مكان اخر يجب ان نضع في الاعتبار الاتي
اولا/ من هو المتحدث وعن ماذا يتحدث ولماذا يتحدث هكذا وما الهدف لأن في هذا الامر الكثير من الانحياز والموقف الايديولوجي المتعصب في بعض الأحيان٠
ثانيا/ في التجربة المصرية تجد جماعات المصالح والمستفيدين من سياسات التحرير الاقتصادي وهذا الجماعات تتكون من منظمات التمويل الدولية والمستثمرين الإجانب والمحلين والمصرفيين ورجال الاعمال وموظفي الحكومة والبنك المركزي وبعض المهنيين والأكاديميين من المؤمنين بسياسات التحرير٠
ثالثا/ غالبا مايكون التقييم والإشادة بمعايير الأداء الجيد في مؤشرات الاقتصاد الكلي الاساسية مثل معدل نمو الناتج القومي مستوي التضخم والعطالة وعجز الموازنة والميزان التجاري وحجم الاحتياطي من النقد الأجنبي٠
رابعا/ يتم تجاهل مؤشرات اداء القطاع الاجتماعي وشبكات الضمان الاجتماعي والصرف علي الدعم النقدي المباشر للاسر المتأثرة من رفع الدعم ومعدلات مستوي الفقر والصرف علي التعليم والصحة والخدمات الاجتماعيه٠
خامسا/ تجاهل مستوي اداء قطاع الانتاج الحقيقي في قطاعات الزراعة والصناعة والبنيات الاساسية ويتم التركيز علي قطاع الخدمات مثل القطاع المصرفي وقطاع الفنادق وتجارة التجزئة٠
فإذا نظرنا الي اداء المؤشرات الأساسية في الاقتصاد المصري بعد تطبيق سياسات الصندوق فنجد الاتي:
معدل نمو اجمالي الناتج المحلي 5.3% وهو تحسن طفيف نسبيا ولايستحق كل هذه التضحيات والمعاناة من جانب الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل٠
عجز الميزانية ارتفع ليبلغ 8.2% من اجمالي الناتج المحلي مستوي التضخم انخفض مقارنة مع العام 2019 ليبلغ نسبة 5.1%
الدين الخارجي ارتفع ليبلغ 125.3 ملياردولار حتي سبتمبر 2020
وأذا نظرنا الي اداء القطاع الاجتماعي والدعم المباشر للطبقات الفقيرة فنجد ارتفاع معدل الفقر الذي بلغ 33.4 % ومستوي العطالة والذي بلغ 9.6% إجمالي قوة العمل٠
اما القطاع الانتاجي في القطاعات الهامة فنجد الاتي:
يقول وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، " ان الصادرات المصرية،ما زالت ضعيفة بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج، واستيراد المواد الخام بسعر دولار مرتفع مقابل الجنيه، مما أدى عدم ارتفاع الصادرات، كما ان سعر الفائدة مرتفع جدًا، وهو من اعلى أسعار الفائدة عالميًا، مما لايشجع الاستثمار بالشكل المطلوب.
وطالب النحاس بضرورة دعم الصناعة المحلية، لزيادة التصدير من خلال حوافز جديدة وخفض تكلفة الإنتاج من خلال خفض قيمة الغاز للمصانع، حتى تتمكن من المنافسة خارجيًا، حيث أن هناك العديد من المنتجات أرخص في بلد المنشأ من أن يتم استيرادها من مصر، فمن الطبيعي لا ننجح في تصديرها" انتهي
هناك عجز في الميزان التجاري بلغ 29 ملياردولار حتي اكتوبر2020
حيث بلغت الواردات 51 مليار دولار والصادرات بلغت 22 مليار دولار
سعر الفائدة ارتفع ليصل الي 8.25% وكذلك ضريبة الدخل ارتفعت لتصل الي 22.5% وكذلك ضريبة الشركات والتي بلغت 22.5% ايضا٠كل هذه المؤشرات السلبية تؤكد حقيقة الوضع في مصر بعد التطبيق الكامل لتعويم الجنيه المصري٠

يعتبر توحيد سعر الصرف النجاح الوحيد لتجربة مصر في تعويم الجنيه كما يؤكد بعض الاقتصاديين ولذلك أسباب موضوعية خاصة بالحالة المصرية ولايمكن تعميمها علي السودان نلخصها في الأتي:

اولا/ موقف الاحتياطي من العملات الحرة في مصر كان معقولا خاصة بعد الحصول علي 12 مليار دولار عقب توقيع الاتفاق مع صندوق النقد اضافة لوجود ودائع دولارية من دول الخليج عندما نفذت مصرسياسة التعويم كانت تتمتع باحتياطي من العملات الحرة يقدر بأكثر من 30 مليار دولار٠
ثانيا/ النظام المصرفي في مصر قوي الي حد كبير وله خبرة تراكمية خاصة في التعامل الدولي والاقليمي وكذلك نجد فيه الانضباط والصرامة مما يزيد من الثقة وتعامل المصريين العاملين بالخارج معه في تحويل اموالهم او حتي فتح حسابات ادخار بالعملات الحرة٠
ثالثا/ حجم تحويلات المغتربين في مصر ضخم مايقارب 27 مليار حسب اخر احصائية وهذا يعكس ثقة المصريين في التعامل عبر القنوات الرسمية وربما يعكس أيضا وجود حزم تحفيزية لجذب مدخرات العاملين في الخارج وايضاً نلاحظ ان المصريين عموما يستفيدون من فترة الهجرة والتي غالبا ماتكون لفترة محددة ويكون فيها التركيز علي إقامة مشاريع استثمارية في مصر لذلك يتعين عليهم ضرورة التعامل عبر القنوات الرسمية للاستفادة من الاعفاءات والحوافز الحكومية لتشجيع الاستثمار والادخار والتحويلات الرسمية٠
رابعا/ تتمتع مصر بمصادر قوية للعملات الحرة مثل قناة السويس
(6 مليار) وتحويلات العاملين بالخارج ( 27 مليار) والصادرات حوالي (22 مليار) و الاستثمار الأجنبي المباشر حوالي (16 مليار) وعائد السياحة حوالي ( 8مليار) دولار سنويا٠
كل ذلك يساهم في استقرار سعر الصرف واختفاء السوق الموازي خاصة عند توازن العرض والطلب وفِي حالة عدم التوازن الطفيف يتدخل البنك المركزي والذي يتمتع باحتياطي مناسب يمكنه من التدخل والتحكم في سعر الصرف المناسب لتتفيذ السياسات الاقتصادية المعلنة٠
الاحتياطي النقدي لمصر حوالي 84 مليار حسب اخر الإحصائيات وتمتلك مصر أيضا احتياطي من الذهب يتجاوز المليار دولار هذا العام٠
يفتقد السودان كل هذه الخصائص لذا ستكون خطوة تعويم الجنيه قفزة في الظلام ستأتي بنتائج كارثية لامحالة!!

تقييم اداء كل هذه السياسات في السودان واثارها حتي الان!!!

عند تقييم اداء المعايير الكمية لأهم مؤشرات الاقتصاد الكلي مثل معدل نمو الناتج القومي مستوي التضخم والعطالة وعجز الموازنة والميزان التجاري وحجم الاحتياطي من النقد الأجنبي وحجم الدين الداخلي والخارجي٠ نجد الاتي:

قبل تنفيذ هذه السياسات كان مستوي التضخم المتوقع في الموازنة الأصلية للعام 2020 يهدف ان يصل بنهاية العام الي 30% وفي الموازنة المعدلة كانت توقعات معدل التضخم ان يبلغ نسبة 65.2%، وكلها تقديرات غير واقعية فنجد في واقع الامر ان مستوي التضخم قد تسارع بوتيرة عالية خلال العام المنصرم 2020 وحسب الجهاز المركزى للاحصاء بالسودان أن متوسط معدلات التضخم للعام 2020 بلغ 163.26%، مقارنة بمتوسط معدلات تضخم وصلت إلى 51% للعام 2019 وذلك بفضل سياسة زيادة المرتبات الجنونية بنسبة ( 569% ) والتي طبقها وزير المالية ابراهيم البدوي وتم تمويلها بطباعة العملة وكذلك الإفراط النقدي لتمويل عجز الموازنة وعدم التحكم في الكتلة النقدية ووجود كتلة نقدية خارج النظام المصرفي والعمليات المستمرة في تزوير العملة وتدهور سعر الصرف والعجز المزمن في الميزان التجاري وارتفاع اسعار مدخلات الانتاج بسب ارتفاع اسعار الوقود والمدخلات المستوردة وايضاً تزداد نسب التضخم لضعف بنيات الانتاج في كافة القطاعات الاقتصادية٠
كما نلاحظ ايضا زيادة عرض النقود من 1.030 تريليون جنيه في الموازنة الأصلية إلى 1.202 تريليون جنيه في الموازنة المعدلة أما معدل نمو عرض النقود فقد ارتفع من نسبة 50.4% إلى نسبة 75.6% وتعبر هذه الزيادة من اهم الاسباب في ارتفاع وتيرة التضخم والملاحظ استمرار هذا التوجه في ميزانية 2021 ايضا٠
اما في مايتعلق بسعر الصرف وتدهور قيمة العملة الوطنية نجد ان
سعر صرف الجنيه انخفض بمعدلات متسارعة للغاية نتيجة تطبيق هذه السياسات٠
ففي يناير 2020 كان الدولار يعادل 80 جنيه وفِي فبراير صعد الدولار الي 90 ثم الي 110 جنيه وقفز الي 144 جنيها في نهاية مايو وبداية يونيو بلغ سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار 147 جنيها وفِي يوليو بلغ سعر الدولار 180 جنيها ووصل الي مستوي 220 جنيها في اغسطس ليبلغ في أكتوبر 255 جنيها وفِي نوفمبر وديسمبر 2020 صعد الدولار في السوق الموازي ليبلغ ال 268 و270 مع نهاية العام٠
ويعزي هذه التدهور الي العجز المزمن في الميزان التجاري وسياسة الحكومة في السماح للقطاع الخاص الطفيلي باحتكار الصادر والوارد وخاصة قطاع الذهب والمحاصيل وتجنيب عوائد الصادر في الخارج مما يسبب شحا في العملات الأجنبية وايضاً عدم التحكم في الكتلة النقدية والعملة المزورة يؤدي كل ذلك الي استمرار تدهور قيمة العملة الوطنية٠
ويجب الاشارة هنا الي الدور السلبي لتصريحات المسؤولين في الارتفاع الجنوني لسعر الدولار خاصة تصريحات وزيرة المالية غير المسؤولة٠

وفي تقييم عام لتلك السياسات فنجد ان معدل النمو في العام 2020 كان سالبا مع وجود عجز كبيرفي الميزانية والميزان التجاري وارتفاع معدلات البطالة ونسبة الفقر وتدهورعام في مستوي معيشة المواطن بشكل ملحوظ خاصة بعد رفع الدعم من الوقود والكهرباء ولم تف الحكومة بالتزامها بتقديم الدعم النقدي المباشر الكافي للمواطن كتعويض لرفع الدعم السلعي٠

فتوفير شبكة الامان لتخفيف المعاناة بعد قرار رفع الدعم مجرد وعود لم تقم الحكومة بتنفيذها ونلاحظ ذلك من الأتي:

اولا/ برنامج سلعتي تم تمويله بنسبة 10% فقط واضح ان هناك عجز في تمويله كما انه لم يغط كل الولايات ولَم يشمل كل المواطنين ولَم يغطي معظم السلع الهامة وفي الكثير من الحالات لايستطع المواطن شراء هذه السلع لضعف الدخل او انعدامه بسبب العطالة اوالعجز او المرض٠
ثانيا/ زيادة المرتبات تشمل القطاع الحكومي وتغطي نسبة 5% فقط من السكان وتسببت في خلق فوارق في المرتبات بين القطاع الخاص والعام ولَم تشمل القطاع غير الرسمي والعاطلين عن العمل مما يعني تحملهم اثر زيادة المرتبات التضخمي٠
ثالثا/ برنامج دعم الاسر والدعم النقدي المباشر يعاني مشاكل في التمويل ومشاكل ادارية وفنية ولوجستية ومن المستحيل ان يغطي 32 مليون مواطن كما ادعي البدوي للأسباب سالفة الذكر. وايضاً هناك مشكلة التضخم الحاد والذي سيلتهم المبلغ الشهري في يوم واحد٠
رابعا/ مشروع التعاونيات مازال في طور القوانين والتشريعات ولكي تعمم التجربة علي مستوي القطر وتنعكس اثارها علي حياة المواطن تحتاج التجربة لسنوات ربما تتجاوز مدة الفترة الانتقالية٠

البرنامج الوطني البديل!!
كان امام الحكومة خياران في اتباع السياسة الاقتصادية المناسبة وبالتالي اختيار نظام سعر الصرف المناسب لتطبيق السياسة المتبعة ويمكن تلخيص ذلك في الاتي:
اولا/ محاولة سد عجز الموارنة باتباع سياسة التحرير الشامل في اسعار الوقود واتباع سياسة نظام سعر الصرف المرن المداراوالتعويم الجزئي في اتجاه التحرير الكامل وتوحيد سعر الصرف كهدف نهائي ويعني هذا ان يتحمل المواطن كل الاعباء الناجمة عن التضخم المتوقع من هذه السياسة٠
فبدلا من معالجة عجز الموارنة عن طريق تقليل وترشيد الإنفاق الحكومي بشكل ملموس وزيادة فعالية الإيرادات الضريبية وغير الضريبية ووقف الاعفاءات والامتيازات الضريبية والجمركية واستراد الأموال المنهوبة واستعادة ملكية شركات الامن والجيش ووقف التهريب والتجنيب وسيطرة الدولة علي انتاج وتصدير الذهب وتقوية كل القطاع الانتاجية وخاصة قطاع الصادر مما يكون عليه بالغ الأثر في مجمل الأداء الاقتصادي رفضت حكومة حمدوك المضي في هذا الاتجاه لأسباب عديدة سياسية وعقائدية واقتصادية وكذلك للخوف من المواجهة مع العسكر في تبني اَي برنامج وطني يعتمد تمويله علي السيطرة علي كل الموارد الذاتية والتي في يد العسكرحتي الان٠
اتبعت الحكومة خط صندوق النقد الدولي والاعتماد علي الخارج تماما وانتهاج سياسة التحرير التضخمية والانكماشية والتي يتحمل المواطن اثارها الكارثية جوعا ومرضا وقهرا والجدير بالذكر ان هذه السياسة ستؤدي الي المزيد من التضخم والمزيد من الانكماش في النشاط الاقتصادي والمزيد من عجز الميزانية رغم اختفاء فاتورة الدعم من الميزانية وذلك بسبب استمرار الصرف الحكومي السياسي والسيادي بعد توقيع اتفاق جوبا والذي يأتي بتكاليفه الاقتصادية الباهظة٠
وسيم تمويل هذا العجز عن طريق المزيد من طباعة النقود وبالتالي تدور في نفس الحلقة الشريرة
تانيا/ كان يمكن ان تسير الحكومة في اتجاه اخر منحاز لجماهير الثورة يعتمد الاتي:
اولا/ مكافحة جادة للتضخم عن طريق تغيير العملة والتحكم في الكتلة النقدية ومعالجة عجز الموازنة بضبط الإنفاق وتحسين اداء الإيرادات وكذلك تشجيع التعاونيات وتقوية المواصلات العامة وتوفيرها بأسعار منخفضة٠
ثانيا/ العمل علي خفض مستويات العطالة خاصة وسط الشباب وتشجيع برامج التدريب المهني٠
ثالثا/ تقليل عجز الموازنة ليصل لمستويات معقولة حسب المعايير الدولية مثلا ان لا يتجاوز عجز الميزانية 5% من اجمالي الناتج المحلي مع ملاحظة الإبقاء علي الدعم٠
رابعا/ تحسين اداء ميزان المدفوعات والميزان التجاري بتحسين اداء الصادرات وترشيد الواردات٠
خامسا/ توفير قدر من الاحتياطي من العملات الحرة عن طريق جذب تحويلات المغتربين ووقف تجنيب وتهريب عوائد الصادر والسيطرة علي انتاج وتصدير الذهب٠
ومن الأهمية بمكان يجب الإشارة الي حقيقة مهمة انه لابد من تقوية سعر صرف الجنية عن طريق الاحتفاظ بقدر مناسب من الذهب كأحتياطي لدي البنك المركزي لتعزير موقف سعر صرف الجنيه السوداني امام العملات الآخري
اثناء تنفيذ هذا البرنامج يتم تطبيق نظام سعر الصرف الثابت ويتم التعامل مع هذا السعر الثابت في جميع المعاملات الرسمية للحكومة والمدرجة في الميزانية وكذلك التعامل مع المواطنين والقطاع الخاص علي ان يكون هذا السعر يعكس السعر التوازني حسب معطيات واقع ميزان المدفوعات والتعاملات الخارجية٠
وعند تطبيق هذا البرنامج خاصة التحكم في مستويات التضخم وخروجه عن مستويات التضخم الجامح وبلوغه مثلا مستوي اقل من 40% في السنة الاولي وقابل للتحسن في السنوات القادمة وسيساعد ذلك اداء كل مؤشرات الاقتصاد الكلي مثل الميزانية العامة وميزان المدفوعات وسيساعد في جذب مدخرات المغتربين كما يساعد تقوية سعر صرف الجنيه وانخفاض معدلات التضخم في تحسين مستوي معيشة المواطن وتحسين مستوي الاستهلاك والانفاق والادخار وتحسين مستوي الانتاج والانتاجية في الاقتصاد السوداني بشكل عام٠

سعر الصرف التوازني للاقتصاد السوداني !!
هو السعر الذي يتحدد بناء علي العرض والطلب وفق موقف ميزان المدفوعات الحقيقي ومتغيرات الاقتصاد الكلي في حالة التوازن. اذن هو السعر الذي يتحدد مع توازن الاقتصاد الكلي عندما يكون الاقتصاد في حالة نمو معافي وبيئة اقتصادية لا تعاني من اختلالات هيكلية مزمنة
وبناء علي ذلك نجد ان سعر الصرف التوازني في السودان قد يختلف عن سعر السوق الموازي نسبة للاختلالات الهيكلية الاتية:

اولا/ تزايد نشاط المضاربات والتي أصبحت السمة البارزة في الاقتصاد السوداني وتمثل مصدرا أساسيا لعدم الاستقرار في سوق العملات الحرة وتوسع نشاط السوق الموازي بشكل مزعج وأصبح خارجا عن السيطرة ويتحكم في سعر الصرف وفِي مجمل النشاط الاقتصادي وله اثاره علي الانتاج والتبادل والتوزيع والاستثمار ومعدلات النمو بصورة عامة.كما نلاحظ مؤخرا تعامل الحكومة في السوق الموازي وشراء الدولار بشكل واسع٠
ثانيا/ الإفراط النقدي وعدم التحكم في الكتلة النقدية ووجود كتلة نقدية ضخمة خارج النظام المصرفي٠
ثالثا/ تزايد معدلات الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي اضافة لتزايد نشاط تزوير العملة الوطنية٠
رابعا/ النشاط الاقتصادي الموازي يمثل اكثر من 60% من مجمل النشاط الاقتصادي٠
خامسا/ العجز المزمن في الميزانية وميزان المدفوعات وشح احتياطي العملات الحرة وتراكم الديون الداخلية والخارجية٠
سادسا/ هروب عوائد الصادر وعدم تمكن بنك السودان من الحصول علي عوائد الصادر٠
سابعا/ صعوبة التحكم في الواردات وخاصة الواردات الكمالية لأغراض غير إنتاجية٠
ثامنا/ الفشل في جذب مدخرات المغتربين٠
تاسعا/ التضخم الجامح والمزمن خاصة تضخم جانب العرض٠
عاشرا/ اختلالات هيكلية مزمنة في بنيات الانتاج خاصة في قطاع الصادر والقطاع المالي والمصرفي وعدم استقلالية البنك المركزي في صياغة وتنفيذ السياسات النقدية٠
علي سبيل المثال اذا افترضنا ان سعر السوق الموازي للدولار اليوم هو 360 جنية للدولار نجد ان هذا السعر قد لا يعكس السعر التوازني الحقيقي بناء علي معطيات ثوابت الاقتصاد الكلي وميزان المدفوعات للأسباب سالفة الذكر٠
لذلك نجد ان هذا السعر لا يعبر عن سعر حقيقي وفيه الكثير من المبالغة لذلك قد يحدث تشوهات لا تقل اهمية عن التشوهات التي قد تحدث عند تحديد سعر رسمي اقل من سعر السوق مثلا ان تحدد الحكومة السعر الرسمي ب 55 جنيه للدولار٠
فدعاة تحرير سعر الصرف او مرونة سعر الصرف في اتجاه التعويم يسعون الي تحديد السعر التوازني هذا ويكون في نصب اعينهم محاولة اللحاق بالسعر الموازي والذي بدوره ابعد ما يكون من السعر التوازني٠ في وضع الاقتصاد السوداني الراهن٠

لذلك يكون من الأجدى قبل الشروع في تعويم سعر الصرف او الاتجاه نحو تحرير سعر الصرف اجراء الدراسات المتخصصة والمكثفة والمبنية علي المعلومات الدقيقة عن كل المتغيرات الاقتصادية المتعلقة بالاقتصاد الكلي سالفة الذكر والتأكد منها بكل دقة ورصد تأثيراتها علي مجمل النشاط الاقتصادي وبصفة خاصة مستوي التضخم ومعالجة اسبابه موقف الميزانية العامة وميزان المدفوعات والميزان التجاري للتمكن من تحديد السعر التوازني بكل دقة وبناء عليه تحديد السياسة الأمثل لسعر الصرف والتي تتناسب مع معطيات الاقتصاد الكلي في الفترة المحددة٠

د٠محمد محمود الطيب

Post: #18
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-05-2021, 00:00 AM
Parent: #17


Post: #19
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-05-2021, 11:21 PM
Parent: #18

بالأرقام تكلفة معيشة الحد الأدنى لأسرة متوسطة 77 ألف جنيه شهريا


cost.jpg
التغيير، الخرطوم، كشفت دراسة أجرتها لجنة المعلمين بتجمع المهنيين السودانيين ان أجر المعلم يغطي فقط 24.4% من تكلفة المعيشة في الحد الأدنى لأسرة مكونة من خمسة أفراد حسب أسعار السوق في شهر أكتوبر الماضي.

وتبلغ تكاليف المعيشة اليومية لأسرة متوسطة من خمسة أفراد(أب وام وثلاثة ابناء) وفق أسعار السوق خلال شهر اكتوبر في الحد الأدنى 77 الف جنيه شهريا(تعادل ثلاثمائة دولار أمريكي بسعر السوق الموازي) بينما الحد الأدنى للأجور حسب موازنة 2020 هو 3000 جنيه سوداني(12 دولار أمريكي)

واشارت الدراسة الصادرة في نوفمبر الجاري، الى أن مرتب المعلم في الدرجة الثالثة لأسرة مكونة من 5 أفراد يغطي نحو 24.4٪ من تكلفة المعيشة وان الحد الأدنى للهيكل الراتبي للعام 2020 يعادل 3000 الف جنيه اي ما يغطي نسبة 3.8٪ من تكلفة معيشة الأسرة خلال الشهر.

ووفقا للجنة فإن الدراسة لم تتضمن بنود الإتصالات، المناسبات الإجتماعية، الترفيه، فيما راعت في بنود السكن، الغذاء، العلاج، الحد الادنى، حيث حددت تكلفة السكن حسب قيمة الإجارات في أطراف المدينة، والغذاء وفق أقل معيار عالمي لمنظمة الصحة العالمية في اللحوم والخضروات والحليب ولم تتضمن الدراسة الفواكه، أما العلاج فقد افترضت الدراسة السلامة والعافية لأفراد الأسرة .

كما لم تتضمن تكلفة المعيشة حسب الدراسة شراء صحف او مجلات او كتب أو صيانة المنزل او الأثاثات أو استخدام “التاكسي” بدلا عن المواصلات العامة ولو لمرة واحدة في الشهر.

وخصصت الدراسة شهريا ( 10) الاف جنيه لإيجار المنزل، و(300) جنيه للكهرباء والمياه والنفايات،(350) جنيه للغاز و(12) ألف جنيه للخبز، و (30) الف جنيه لوجبة الإفطار والمواصلات، (9) الف جنيه للخضروات، و(2812) جنيه للحوم زنة (3.750)كليو، ومبلغ (1500) جنيه للزيت زنة 7 أرطال ونصف .

وقدرت الدراسة تكلفة البصل والبهار والصلصة بمبلغ (2900) جنيه ، والحليب (4800) جنيه ، السكر والشاي (3750) جنيه، الصابون والمعجون (3150) جنيها لكل شهر .

أما الرسوم الدراسية والكتب والاقلام والزي المدرسي خصصت له مبلغ (1750) جنيه للفرد، والكسوة والأحذية (2500) جنيه،العلاج بتكلفة (5000) الف جنيه بما يعادل (1000) لكل فرد .
cost2 (1).jpg

Post: #20
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-06-2021, 11:01 PM
Parent: #19


Post: #21
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-09-2021, 00:28 AM
Parent: #20

العالم والاقتصاد

14:11 05 أبريل, 2018


الفارون من الجحيم.. أبرز تجارب الدول التي نجحت بعد رفضها إملاءات «صندوق النقد»




فريق العمل

في ليلة من ليالي صيف الولايات المتحدة تحديدًا في الثلاثين من يونيو (حزيران) عام 1944، غادر مدينتي واشنطن وأتلانتيك سيتي قطاران محشوان بمئات السادة الذين أتوا للولايات المتحدة من كل فج عميق ليشهدوا مولد اثنتين من أبرز المؤسسات المالية الدولية الأكثر تأثيرًا ونفوذًا، وربما إثارة للجدل أيضًا، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. توجه القطاران إلى بريتون وودز الواقعة على تلال نيوهامشاير من أجل حضور مؤتمر الأمم المتحدة النقدي والمالي.

التقى ممثلو 44 دولة بدعوة من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بهدف وضع قواعد لنظام اقتصادي جديد يتلاشى التشوهات الاقتصادية والمالية التي أفرزتها الحروب بما في ذلك معدلات التضخم العالية التي مُني بها العالم في الثلاثينيات، ووضع الحواجز أمام التجارة الدولية وتراجع النشاط الاقتصادي.
وجاء في الخطاب الافتتاحي لوزير الخزانة الأمريكي ورئيس المؤتمر هنري مورغنتاو على لسان الرئيس روزفلت أنه يدعو إلى «إنشاء نظام اقتصادي عالمي ديناميكي تكون فيه جميع الشعوب قادرة على تحقيق وجودها بسلام وتتمتع على نحو متزايد بثمار التقدم المادي على كوكب أرضي مبارك بثروات طبيعية غير محدودة».
تحققت دعوة مورغنتاو في شطرها الأول كما أريد لها أن تتحقق، إذ خُلق نظام اقتصادي عالمي جديد تحت راية المؤسستين الماليتين الدوليتين وفقًا لما ارتأته مصالح الدول الغربية وبالأخص الولايات المتحدة.
غير أن استفادة الدول بثمار التقدم المادي وبالثروات الطبيعية كان قاصرًا، على ما يبدو، على تلك الدول دون غيرها، إذ لم يكتب لتجارب الصندوق مع دول العالم المختلفة نجاح يُذكر مقارنة بالنجاح الذي حققته الدول التي أدارت ظهرها للصندوق، ما يضع الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة دور الصندوق، وما إذا كان يعمل لتحقيق الأهداف التي تحدث عنها المؤتمر وصارت ميثاقًا له فيما بعد، من مساعدة الدول النامية في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية على صياغة مناهج تفضي إلى تنمية مستدامة، إذ تجلى ذلك في العديد من التجارب التي سنلقي الضوء عليها الآن.
الأزمة الآسيوية 1997.. وجه آخر للمعجزة
دفعت معدلات النمو الاقتصادي القياسية التي حققتها الدول الآسيوية أواخر الثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن العشرين، فيما كان يعرف بـ«المعجزة الاقتصادية الآسيوية» إذ بلغت معدلات النمو الاقتصادي في تايلاند وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية من 8 إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي لتلك البلدان؛ دفعت تلك المعدلات إلى جذب رؤوس الأموال قصيرة الأجل فتدفقت مليارات الدولارات مع تنامي توجهات الحكومات الآسيوية نحو مزيد من تسهيل حركة رأس المال الأجنبي دون معوقات مع ارتفاع في معدلات الفائدة، حتى استحوذت آسيا بحلول أواخر التسعينيات على نصف إجمالي تدفقات رؤوس الأموال الساخنة في العالم النامي آنذاك.
ونتيجة طبيعية لتلك الأموال الكثيرة، فقد ارتفعت أسعار بعض الأصول بنسبة كبيرة كالقطاع العقاري حتى تكونت فقاعة عقارية بدأت أصداؤها في تايلاند. في ذلك الوقت وقبيل حلول الكارثة كان موقف صندوق النقد الدولي مباركًا لذلك النزوح في رؤوس الأموال، فقد ورد في كتاب «صندوق النقد الدولي: قوة عظمى في الساحة العالمية» لمؤلفه أرنست فولف، أنه قد جاء في بيان نشرة الصندوق في 21 سبتمبر (أيلول) عام 1997 «إن تدفق رؤوس الأموال الخاصة أمسى عظيم الشأن بالنسبة إلى النظام النقدي الدولي، وأن النظام الليبرالي المشرع الأبواب بنحو متصاعد، أثبت أنه النظام الأفضل بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي».
لكن المستقبل كان يخبئ وجهًا آخر أكثر فزعًا للحكاية، مخالفًا لما وصفه الصندوق.
تايلاند وإندونيسيا في قبضة الصندوق
لم يكن ما يحدث هو النظام الأفضل للاقتصاد العالمي كما كان رأي الصندوق في ذلك الوقت، إذ انفجرت الفقاعة العقارية في تايلاند مخلفة انهيارًا مدويًا للعملة التايلاندية «الباهت» ما اضطر الحكومة التايلاندية إلى تعويم العملة، بعد أن عجزت عن الوقوف بجوار عملتها؛ بسبب نقص العملات الأجنبية مع ارتفاع في الديون الخارجية.
سرعان ما تساقطت قطع الدومينو واحدة تلو الأخرى، فهوت عملات معظم دول جنوب شرق آسيا وانخفضت أسواق الأسهم، وتراجعت أسعار الأصول الأخرى مع ارتفاع حاد في الديون الخارجية وهروب عنيف لرؤوس الأموال، ما أدى لأزمة ائتمان وحالات إفلاس مصرفية، لتصبح أزمة مالية إقليمية تمكنت من دول تايلاند وإندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية بشكل أكبر بينما تأثرت باقي دول المنطقة.
في ذلك الوقت العصيب، جاء الصندوق ليعرض خدماته، وهو الذي واجه انتقادات عدة في ذلك الوقت، لمساهمته في إحداث تلك الأزمة من خلال تشجيع الاقتصاديات النامية في آسيا على السير في طريق «رأسمالية المسار السريع fast-track capitalism» والتي تعني تحرير القطاع المالي عن طريق إلغاء القيود المفروضة على تدفقات رأس المال، والحفاظ على ارتفاع أسعار الفائدة المحلية لجذب المحافظ الاستثمارية ورؤوس الأموال المصرفية، وربط العملات الوطنية بالدولار لطمأنة المستثمرين الأجانب ضد مخاطر تلك العملات. ونتيجة لذلك التوجه وصل صافي استثمار المحافظ أو تدفق رؤوس الأموال المضاربة في تايلاند، على سبيل المثال، إلى حوالي 24 مليار دولار في السنوات الثلاث إلى الأربع الأخيرة قبيل حدوث الكارثة.
كان دعم صندوق النقد الدولي لتلك البلدان مشروط بتنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية أو ما يعرف «بحزمة التكيف الهيكلي structural adjustment package» المعروفة اختصارًا بـ SAP التي قبلتها تايلاند وإندونيسيا بينما رفضتها ماليزيا.

وفي 11 أغسطس (آب) عام 1997 أعلن الصندوق عن حزمة إنقاذ لتايلاند قيمتها أكثر من 17 مليار دولار ولكن بشرط تنفيذ الـ(SAP)، ووافقت تايلاند من فورها فبدأت في عمليات تسريح كبيرة للعمال في مجالات التمويل والعقارات والبناء، وتصفية أكثر من 55 مصرفًا مفلسًا، وتخفيض المصروفات الحكومية، وغيرها من الإجراءات العنيفة.
تبعت تايلاند إندونيسيا إذ قبلت شروط صندوق النقد الدولي هي الأخرى بعدما أعد لها الصندوق حزمة إنقاذ بقيمة 23 مليار دولار، فأخذت تقلص هي الأخرى من حجم الإنفاق الحكومي لتقليص العجز، وتصفي المصارف المتعثرة، وترفع من أسعار الفائدة على رأس المال الأجنبي إلى مستويات قياسية وصلت إلى 80% من أجل استعادة ثقة المستثمرين الأجانب من جديد.

ماليزيا الناجحة.. هربت من الصندوق
على الجانب الآخر، رسمت ماليزيا مسارها الخاص للخروج من الأزمة الآسيوية بعيدًا عن برامج صندوق النقد الدولي. هنا يثور تساؤل هام في أذهان الكثيرين هو لماذا أدارت ماليزيا ظهرها للصندوق رغم حاجتها الماسة إلى قرضه بعكس الدول الأخرى التي هرولت إليه لإنقاذها؟

يشير الباحثان روس باكلي وسارالا فيتزجيرالد، في ورقتهما الموسومة بـ«تقييم استجابة ماليزيا لصندوق النقد الدولي أثناء الأزمة الاقتصادية الآسيوية» والمنشورة عام 2004 في مجلة سنغافورة للدراسات القانونية «Singapore Journal of Legal Studies» إلى أربعة مبادئ أدت إلى رفض ماليزيا برنامج الصندوق وهي: مدى ملاءمة سياسات الصندوق لماليزيا، وتعزيز السيادة والديمقراطية، وتعزيز تقرير المصير، وتجنب المخاطر الأخلاقية.

فتهدف سياسات الصندوق إلى فتح الاقتصاد على مصراعيه لينصهر في النظام المالي الدولي دونما مراعاة لاستعداده الهيكلي لمثل هذا الانفتاح. فيشرح روبرت وايسمان في فصله الوارد في كتاب كيفين دانهير «Democratizing the Global Economy»، أهداف المركزية لسياسات التكيف الهيكلي لصندوق النقد الدولي إلى أنها تتمثل في فتح البلدان لتمكين الشركات عبر الوطنية من الوصول إلى عمالها ومواردها الطبيعية، وتقليص حجم ودور الحكومة، والاعتماد على قوى السوق لتوزيع الموارد والخدمات، وإدماج البلدان الفقيرة في الاقتصاد العالمي.

من أجل ذلك ينصح باكلي وفيتزجيرالد بأنه إذا كان البلد غير مستعد لقبول هذه الأجندة من حيث المبدأ، فقد يكون من الحكمة تجنب ذلك التواصل مع صندوق النقد الدولي. لذا كان أحد الأسباب الرئيسية لرفض ماليزيا سياسات صندوق النقد، أنها لا تلائم الأوضاع الاقتصادية الماليزية.

أما عن المسار الذي سلكته ماليزيا؛ فبحلول شهر يوليو (تموز) عام 1998، أعلن رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد عن تغيير كامل للسياسة الاقتصادية وإدخال برنامج إنعاش اقتصادي وطني، وهي سياسة معاكسة تمامًا لما كان يرمي إليه صندوق النقد الدولي في البلدان المجاورة، فقد عمدت ماليزيا إلى زيادة الإنفاق الحكومي لتحفيز الاقتصاد، ووضعت ضوابط على رأس المال للسماح للحكومة بمزيد من السيطرة على الاقتصاد ومنع تدفق رأس المال الأجنبي لمنع المضاربة على العملة المحلية «الرينغيت» الماليزي وربطه بالدولار بواقع 3.8 رينغيت لكل دولار.
بعد ذلك شرعت ماليزيا في إعادة هيكلة كاملة للنظام المالي سبقتها عملية تثبيت للاستقرار، إذ أنشأت مؤسسة تدعى «داناهارتا Danaharta» وظيفتها شراء القروض المتعثرة، ومؤسسة تدعى «ﺩﺍﻧﺎﻣﻮﺩﺍﻝ Danamodal» لإعادة رسملة المؤسسات المالية. أما مرحلة هيكلة النظام المالي فقد شملت إعادة دمج المؤسسات المالية وتنمية سوق السندات المحلية، والعديد من الإجراءات الأخرى.

الحصاد.. النجاح دومًا في البعد عن الصندوق
نتيجة لتلك السياسات المالية التوسعية فقد منعت ماليزيا اقتصادها من الانزلاق إلى الركود، حيث حفزت تلك السياسات الاقتصاد ما أدى لتحسن الثقة وتحسن الطلب المحلي وبالتالي النمو الاقتصادي، حيث وصل إلى 5.4% عام 1999؛ وكان الحصاد الأخير هو ديون أقل من جاراتها واستقرار كبير في النظام المالي.

على الجانب الآخر فقد تدهورت الأحوال الاقتصادية في كل من تايلاند وإندونيسيا عقب حصولهما على قرض صندوق النقد الدولي، ووقعت البلدان في شرك ركود حاد أدى إلى تراجع النمو الاقتصادي بدرجات كبيرة إذ وصل النمو الاقتصادي في إندونيسيا، على سبيل المثال، عام 1999 إلى 0.2% فقط، علاوة على سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على الكثير من أصول البلدين سواء في المصارف التي تخلت عنها الحكومات وتركتها للإفلاس أو الشركات التي تعثرت بسبب الأزمة المالية، وهو المصير الذي تجنبته ماليزيا فيما بعد.

الوعد الكاذب بالازدهار.. المجاعة في مالاوي 2005
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، دفع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي دولة مالا وي، تلك الدولة الحبيسة في جنوب شرق أفريقيا، دفعتها إلى إلغاء دعم الأسمدة بالكامل. وكانت نظرية المؤسسات الدولية والولايات المتحدة آنذاك أن مزارعي مالاوي يجب أن يتحولوا إلى زراعة المحاصيل النقدية للتصدير واستخدام عائدات النقد الأجنبي لاستيراد الغذاء.
ولكم ظلت المؤسسات المالية وبعض الدول الغنية التي كانت تعتمد عليها مالاوي في المساعدات، على مدار عشرين عامًا، بالضغط على الدولة الأفريقية الصغيرة من أجل الالتزام بسياسات السوق الحرة وخفض أو إلغاء الدعم الخاص بالأسمدة، إلى أن جاء العام 2005 ومالاوي على نفس الشاكلة.
ورغم أن مالاوي كانت تحوم حول المجاعة قبيل العام 2005 إلا أنها قد وقعت في شركها في ذاك العام بعد موسم حصاد كارثي للذرة، ليجد 5 ملايين من سكان مالاوي البالغ عددهم آنذاك 13 مليون نسمة، أنفسهم في حاجة إلى معونة غذائية طارئة وإلا سيموتون جوعًا.
كان على رئيس مالاوي المنتخب حديثًا، بينجووا موثاريكا، أن يجد حلًا للمجاعة التي تحصد الأرواح في شعبه بفعل سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على مدار عقدين من الزمان. فما كان منه إلا أن أخذ تلك السياسات وألقاها وراء ظهره، إذ بدأ على الفور في إعادة إعانات دعم الأسمدة، وكانت كلمة السر فيما حدث بعدها.

تربة مالاوي كغيرها من أرض أفريقيا جنوب الصحراء، مستنفدة بشكل خطير، والكثير من مزارعيها، إن لم يكن معظمهم، فقراء للغاية ولا يستطيعون تحمل تكلفة الأسمدة بأسعار السوق التي كانت باهظة الثمن بفعل السياسات التي أوصى بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وبحلول العام 2007/ 2008 وبينما كانت تضرب العالم لا سيما الدول الأفريقية المحيطة بمالاوي أزمة غذاء عالمية، كانت مالاوي سلة غذاء للدول المحيطة، علاوة على بيعها المزيد من الذرة لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أكثر من أي بلد آخر في الجنوب الأفريقي، وتصدير مئات الآلاف من أطنان الذرة إلى زيمبابوي.

وفي مالاوي نفسها، انخفض معدل انتشار جوع الأطفال بشكل حاد، كما تحولت شحنة مكونة من ثلاثة أطنان من الحليب المجفف مرسلة من قبل منظمة الأمم المتحدة للطفولة من أجل علاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، كان من المقرر إرسالها إلى مالاوي، تحولت إلى أوغندا لعدم وجود حاجة لها في ملاوي.
ويعود ذلك النجاح الاستثنائي في أساليب مكافحة الجوع في مالاوي إلى مخالفة سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي قادت البلاد إلى مجاعة مهلكة عام 2005 وقبلها كانت على شفير المجاعة لسنوات، تتسول على موائد الدول الأخرى

Post: #22
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-13-2021, 00:45 AM
Parent: #21


Post: #23
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-13-2021, 00:47 AM
Parent: #22

14:00 04 يونيو, 2020


«أكبر صناع الفقر».. ما فعله صندوق النقد والبنك الدولي في أفريقيا




فريق العمل

تأسس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بموجب اتفاقية بريتون وودز في عام 1944، ويكمن الاختلاف الرئيسي بينهما في أهدافهما ووظائفهما؛ إذ يركز صندوق النقد الدولي على «تعزيز الاستقرار المالي والتعاون في المجال النقدي»، في حين يركِّز البنك الدولي على مهام التنمية الأطول مدى، والحد من الفقر من خلال تقديم المساعدة للبلدان متوسطة ومنخفضة الدخل. هذا هو التعريف الرسمي، أما في عالم الواقع فالأمر مختلف تمامًا.
على الرغم من أن البنك الدولي وصندوق النقد يجادلان بأن نهجهما الاجتماعي مؤيد للفقراء، فإن العكس هو الصحيح، بحسب الباحث ستيفن كيد. وبينما يدرك من يديرون الاقتصاد العالمي أن المنظومة الدولية برمتها قد تنفجر في أي لحظة، فإنهم مستمرون على الدرب ذاته، بغض النظر عن المخاطر التي تلوح في الأفق، كما كتب لاري إليوت في صحيفة «الجارديان»، وبالطبع لا يعترف البنك الدولي ولا صندوق النقد بأن سياساتهما هي المشكلة، حتى لو أثبت باحثون أن هذه المؤسسات الدولية هي في الواقع «أكبر صناع الفقر في أفريقيا».
منذ سبعينيات القرن الماضي، أصبحت المؤسستان اللتان تتخذان من واشنطن مقرًّا لهما، المهندس الرئيس للسياسات المسؤولة عن انعدام المساواة وتفاقم الفقر في العالم، خاصة في أفريقيا. وبدأت المؤسستان الدوليتان التدخل في القارة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وكان هدفهما المعلن هو «تسريع التنمية»، لكن سجلهما الفعلي أثبت أنه مجرد كارثة.
العلاقة بين استعباد الأفارقة بالأمس وتدهور اقتصاد القارة اليوم
كيف أصبحت أغنى قارات العالم من حيث الموارد الطبيعية موطن أفقر البشر على وجه البسيطة؟ لا يمكن تقديم إجابة عميقة وشاملة عن هذا السؤال، دون السفر عبر التاريخ إلى ما قبل عدة قرون في الماضي.
في القرن الرابع عشر الميلادي، صارت البرتغال أول دولة أوروبية تُشَغِّل العبيد الأفارقة في مزارع السكر قبالة ساحل غرب أفريقيا، في ساو تومي، ومنذ ذلك الحين، ظلَّت تلك التجارة المهينة هي النشاط الاقتصادي الرئيسي الذي تمول أوروبا من خلاله جهود العولمة المبكرة، حتى إلغاء العبودية في أواخر القرن التاسع عشر.
تشير التقديرات إلى أن 11 مليون شخص استُعبِدوا قسرًا في العالم الجديد، بالإضافة إلى أعداد مماثلة من الأفارقة بيعوا على مدى قرون، عبر الصحراء والبحر الأحمر والمحيط الهندي.
وفي ورقة بحثية نشرها أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، ناثان نون، عن العلاقة بين عبودية الأمس وتدهور أوضاع أفريقيا الاقتصادية اليوم، استنتج أن «البلدان الأفريقية الأكثر فقرًا اليوم هي تلك التي أُخِذَ منها معظم العبيد بالأمس».
حتى بعدما تحررت القارة من ربقة الاستعمار، وجدت نفسها مكبلة بسياسات التكيُّف الهيكلي التي يفرضها البنك الدولي وصندوق النقد ولا يستفيد منها الفقراء، وجعلتها الآن تحت رحمة الشركات متعددة الجنسيات، التي تتصرف بحرية تامة، خارج المتاهة الأخلاقية، بفضل أرصدتها المصرفية التي تفوق العديد من اقتصادات أفريقيا بعدة أضعاف.
بحسب تقرير «أونست أكاونتس»، الصادر عن مجموعة من المنظمات المدنية الأفريقية، فإن ما تخسره القارة من الأموال كل عام يفوق ما تتلقاه من المساعدات والاستثمارات والتحويلات؛ بل إن أكثر من ثلاثة أضعاف ما تتلقاه أفريقيا من مساعدات تستحوذ عليه الشركات متعددة الجنسيات، التي لا تفصح بصراحة عن قيمة وارداتها وصادراتها بهدف تخفيض ضرائبها.
إلى جانب هذه التدفقات المالية غير المشروعة، ينزف جسد القارة من أكثر من موضع، مثل: هجرة الأدمغة، وخدمة الديون، وتكاليف تغيُّر المناخ (ما يفسده الغرب يدفع ثمنه أفقر شعوب الأرض).
أضف إلى ذلك، النظم الاقتصادية والتجارية والمعلوماتية العالمية، من قوانين الملكية الفكرية غير العادلة إلى الصفقات التجارية، التي تجبر البلدان الأفريقية على فتح أسواقها أمام فائض إنتاج العالم الغني، وما يتمخض عن ذلك من تدمير قطاعي الزراعة والتصنيع المحليين.
ناهيك عن انعدام الشفافية، وغياب المساءلة، وضياع الأمن، وتبخُّر سيادة القانون، وتضخُّم القطاع العام، وسحق الشركات الصغيرة، وارتفاع معدلات البطالة، وتزايد العنف؛ العوامل التي تتضافر كلها لتبقي الأفارقة فقراء، أو تزيدهم فقرًا.
دعم البنك الدولي وصندوق النقد لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا
لم يتوقف أثر صندوق النقد والبنك الدولي على الوضع الاقتصادي فقط للدول الأفريقية، بل امتد لخرق القرارات الدولية ضد انتهاكات حقوق الإنسان. ويرصد الباحثان إريك توسان وباتريك بوند كيف كان البنك الدولي وصندوق النقد شريكين في الفصل العنصري على مدار عقود، وانتهكا الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على النظام العنصري الذي حكم جنوب أفريقيا.
بين عامي 1958 و1968، موَّلت قروض البنك الدولي المشروعات «الموالية للبيض»، مثل: محطة «إسكوم» التي توفر الكهرباء للبيض فقط، وقسم من شبكة السكك الحديدية (موانئ/ سكك حديد جنوب أفريقيا) التي لا يستطيع السود الوصول إليها إلا إذا أثبتوا أنهم كانوا يعملون في مدينة متصلة بالشبكة (كان عليهم إصدار تصريح سفر).
في عام 1965، تحدى البنك مباشرة القرار الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1964، الذي أوصى جميع الوكالات التابعة للأمم المتحدة – ومنها البنك الدولي – بوقف الدعم المالي لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لانتهاكه ميثاق الأمم المتحدة. بيد أن البنك تذرَّع بأنه ليس ملزمًا قانونًا بتطبيق قرارات الأمم المتحدة، وحتى المناشدة الشخصية التي قدمها يو ثانت، الأمين العام للأمم المتحدة، لجورج وودز، رئيس البنك الدولي آنذاك، ذهبت سدى.
منذ عام 1961، عندما نالت معظم الدول المستعمَرة استقلالها، وأصبحت أعضاء في الأمم المتحدة، اعتمدت الجمعية العامة في مناسبات عديدة قرارات تدين نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وهيمنة البرتغال على العديد من الدول الأفريقية والآسيوية.
وفي عام 1965، نظرًا إلى استمرار الدعم المالي من البنك الدولي وصندوق النقد لهذه الأنظمة، قدَّمت الأمم المتحدة طلبًا رسميًّا «إلى جميع الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، لاسيما البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي (…) بالامتناع عن منح البرتغال أي مساعدة مالية أو اقتصادية أو تقنية؛ طالما لم تتخل الحكومة البرتغالية عن سياستها الاستعمارية، التي تشكل انتهاكًا صارخًا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة». وأصدرت الأمم المتحدة طلبًا مماثلًا بشأن جنوب أفريقيا.
اجتمع مجلس إدارة البنك الدولي لاتخاذ موقف، وقررت غالبية المديرين التنفيذيين مواصلة تقديم القروض. لتبرير هذا القرار، احتجُّوا بالمادة العاشرة في القسم العاشر من النظام الأساسي للبنك، التي تحظر التدخل السياسي. وصوتت جميع البلدان الصناعية، مدعومة بعدد معين من بلدان أمريكا اللاتينية، على مواصلة القروض.
وفي عام 1966، وافق البنك الدولي على قرض بقيمة 10 ملايين دولار للبرتغال، وقرض بقيمة 20 مليون دولار لجنوب أفريقيا. وعلى الرغم من الإدانات والحملات المنادية بفرض عقوبات مالية، منح صندوق النقد الدولي نظام الفصل العنصري ملياري دولار خلال عقد السبعينيات.
استنادًا إلى ماسبق، يخلص الباحثان إريك توسان وباتريك بوند إلى أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كانا شريكين مع نظام الفصل العنصري القمعي في جنوب أفريقيا بدعمهما المالي والاستراتيجي، على الرغم من المعارضة الدولية الواضحة.
للمضاربين الأرباح.. وللشعوب التقشف!
تراقب «حملة اليوبيل للديون» اقتصاد غانا عن كثب، الذي نما بقوة بعد اكتشاف النفط وارتفاع أسعار السلع الأساسية، لكنه تعرض للانهيار لاحقًا. اقترضت غانا المزيد من الأموال لتخفيف تأثير انخفاض أسعار السلع، لكن خفض قيمة العملة المحلية إلى النصف، يعني أن تكاليف خدمة الديون قد زادت. وينفَق ما يقرب من ثلث ميزانية غانا على خدمة الدين الخارجي.
في أوائل عام 2015، قال صندوق النقد والبنك الدولي إن غانا معرضة لخطر كبير لعدم قدرتها على سداد ديونها. بعد سبعة أشهر، كفل البنك الدولي سداد 400 مليون دولار، مقابل سندات بقيمة مليار جنيه إسترليني بيعت للمستثمرين من القطاع الخاص.
قال البنك الدولي إنه كان يحاول المساعدة في إعادة تمويل الديون قصيرة الأجل باهظة الثمن، وتحرير الموارد التي يمكن استخدامها في الاستثمار، لكن الفائزين في هذا الترتيب هم المضاربون الذين يحصلون على عائد بنسبة 10.75%، والذين سيحصلون على الأموال حتى لو لم تستطع غانا سداد القرض، بسبب ضمان البنك الدولي. وسيكون الخاسرون هم الشعب الغاني الذي سيخضع للتقشف، وفقًا لشروط برنامج صندوق النقد الدولي، كما كتب لاري إليوت في صحيفة «الجارديان».
يقول الباحث الاقتصادي، هربرت جاوش: «كانت البلدان النامية غير قادرة على سداد قروضها، وأجبرت على طلب قروض جديدة لدفع فوائد القروض القديمة. في عام 1980 بلغ مجموع ديون البلدان النامية 567 مليار دولار. وبين عامي 1980 و1992 دفعت هذه الدول 1662 مليار دولار».
مع ذلك، وبسبب ارتفاع أسعار الفائدة، زادت الديون إلى 1.419 تريليون دولار في عام 1992، على الرغم من السداد. أجبر ارتفاع أسعار الفائدة القسري الدول النامية على الحصول على قروض جديدة لتجنب الإفلاس. واستنزف تسديد الديون نحو 160 مليار دولار سنويًّا من البلدان النامية. منذ الثمانينيات، صار تسديد الديون هو الآلية الرئيسية لنقل الثروة من الجنوب إلى الشمال، بحسب جاوش.
انتقادات الخبراء من داخل المؤسسات العالمية
تعرَّض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى الكثير من الانتقادات على مر السنين، حسبما يرصد مجلس العلاقات الخارجية.
يسرد اقتصادي البنك الدولي السابق، ويليام إيسترلي، لائحة اتهام مطوَّلة للجهود الغربية للحد من الفقر، في كتابه «عبء الرجل الأبيض» الصادر عام 2006، قائلًا: «خطة إنهاء الفقر في العالم تفضح ذرائع الهندسة الاجتماعية الطوباوية. ومحاولات البنك الدولي لفرض سياسة الأسواق الحرة بسرعة على البلدان النامية في الثمانينيات والتسعينيات، والمعروفة باسم «العلاج بالصدمة» الاقتصادية، أسفرت عن «سجلٍ من الفشل» في أمريكا اللاتينية، وأفريقيا، ودول الاتحاد السوفيتي السابق.
وحين استقال جوزيف ستيجليتز، أحد أكثر منتقدي البنك الدولي صخبًا، من منصبه كبيرًا للخبراء الاقتصاديين في المؤسسة في عام 1999، انتقد دعوة البنك لما يسميه «أصولية السوق الحرة» في العديد من البلدان النامية، وأكد أن الإصلاحات الاقتصادية التي طلبها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من بين الشروط لتقديم القروض – ما يسمى إجماع واشنطن للتقشف المالي، وارتفاع أسعار الفائدة، وتحرير التجارة، والخصخصة، وأسواق رأس المال المفتوحة – جاءت في كثير من الأحيان بنتائج عكسية على الاقتصادات المستهدفة، وأسفرت عن تداعيات مدمرة على الشعوب. وهو ما يربط بين مشروطية الإقراض العشوائية وبداية الأزمات المالية في شرق آسيا في عام 1997، والأرجنتين في عام 1999.
لكن ما يظهر لنا اليوم، رغم كل ما ارتُكب في حق القارة، أن العديد من الدول الأفريقية لم تتعلم من ذلك التاريخ الأسود لمؤسستي البنك الدولي وصندوق النقد، وما زلنا نسمع عن العديد من الدول الأفريقية التي تقترض من صندوق النقد الدولي، والتي كان آخرها مصر

Post: #24
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-14-2021, 00:51 AM
Parent: #23


Post: #25
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-21-2021, 01:16 AM
Parent: #24

نظام سعر الصرف الجديد: مآزق التصميم والتوقيت


13 مارس، 2021


معتصم أقرع


ملخص:

لا شك ان تعدد أسعار الصرف مشكلة حقيقية أساسية واجبة المعالجة ولكن الشيطان في تفاصيل المعالجة وفي مداها الزمني وترتيب وتعاقبية خطوات الإصلاح. أتي قرار الانتقال إلى سعر صرف أكثر مرونة في توقيت غير مواتي وفي غياب كامل لشروط الانتقال الناجح. وغالبا سيدخل السودان تاريخ أدبيات التنمية كحالة فريدة يتم فيها الانتقال في أوضاع ضعف اقتصادي وسياسي شامل. النظام الجديد لا يستوفي شروط التعويم الحر ولا المرن المدار فهو أقرب إلى نظام ربط ضمن نطاق تقلب زاحف حظه ضعيف في توحيد أسعار الصرف وأوهن في القضاء على السوق الأسود المتمرس.

لا يهدف الفحص النقدي للسياسة الاقتصادية إلى تثبيط عزيمة الحكومة أو اكتشاف عيوبها وانما التأكيد على أنه لإدارة الاقتصاد بفعالية، يحتاج صانع القرار أولا إلى امتلاك إدراك واقعي وواضح بـآلياته وطرق عملها وطرق عمل أسواقه المختلفة.

مدخل:



في 21 فبراير 2021 أعلنت الحكومة الانتقال إلى نظام سعر صرف جديد – 375 جنيه للدولار بدلا عن 55 جنيه، السعر الرسمي السابق. تضاربت الآراء حول طبيعة النظام الجديد وهل هو تعويم ام مرن مدار.

حسب النظام الجديد المعلن يبدو ان البنك المركزي سيحدد سعراً تأشيرياً يومياً في ظل نظام سماه “تعويم مرن مُدار”. ويتعين على البنوك ومكاتب الصرافة التداول في حدود 5٪ أعلى أو أقل من هذا السعر. كما حدد البنك المركزي هامش ربح بين أسعار الشراء والبيع لا يزيد عن 0.5٪. وهذا يشير إلى ان النظام الجديد هو أقرب لنظام صرف مربوط ضمن نطاق تقلب زاحف. وفي ضربة البذية من بنك السودان كان الربط عند 375 جنيها للدولار والنطاق هو +/- 5٪ والزحف يأتي من مقدرة البنك المركزي على تغيير الربط أو مدى النطاق.

رغم ارتباك الخطاب الحكومي فيما يتعلق باسم النظام الجديد الا ان هذا المقال يهدف لنقاش التحول من سعر صرف ثابت إلى نظام أكثر مرونة وتظل القضايا التحليلية التي يثيرها المقال مناسبة غض النظر عن طبيعة النظام الجديد الأكثر مرونة وعما إذا كان تعويماً أم مرناً مداراً أم ربطاً ضمن نطاق تقلب. لذلك تقرأ أي إشارة إلى النظام الجديد كحركة نحو نظام أكثر مرونة وليس بالضرورة إلى نظام محدد.

من الواضح الذي لا جدال فيه ان السياسة الجديدة لم تنبع من إرادة وطنية ولا في سياق خطة اقتصادية متكاملة ومدروسة ومتسقة، بل أتى تحت ضغوط من صندوق النقد والمانحين ثم استجابت الحكومة لإرضائهم للحصول على دعمهم المشروط الذي رهن تقديم أي دعم بتغيير نظام الصرف ورفع الدعم. وتأتي هذه المشروطية في مسلسل تغول على السيادة الوطنية – بموافقة الحكومة – في أهم ملفات الاقتصاد والسياسة الخارجية. ولهذه الأسباب فإن في القرار عيباً تكوينياً بما أن سعر الصرف في أي اقتصاد هو أحد أهم ثلاثة أسعار، أما في السودان فهو السعر الأهم وادارته يجب ان تكون عن دراسة متعمقة وان يأتي أي تحول هام في إطار حزمة كاملة من السياسات المالية والنقدية الداعمة بدلا عن أن يأتي حصريا من أجل جذب دعم خارجي غير مستدام مهما ارتفعت وتائره في المدي القريب.



شروط الانتقال الناجح إلى نظام سعر صرف مرن في أدبيات الصندوق:

نبدأ بعرض أدبيات الصندوق الرسمية فيما يختص بأفضل السبل للتحول من سعر صرف ثابت لنظام أكثر مرونة لإبراز انه حتى في فقه الصندوق فان التحديثات السودانية الأخيرة لا تستوفى الشروط الأساسية لتحول ناجح ومستدام وهي أقرب إلى قفزة في ظلام.

أكد المجلس التنفيذي للصندوق عدم افضلية أحد أنظمة سعر الصرف على الأنظمة الأخرى وشدد على أهمية سياسات اقتصاد كلى سليمة ومتسقة لحماية أي نوع من الأنظمة تختاره الدولة المعنية، ثابتًا كان أو معوماً أو ما بينهما وتشمل هذه السياسات الانضباط المالي، ومصداقية السياسة النقدية، والقطاع المالي المعافى.

وتشير أدبيات الصندوق إلى أن العبور الناجح يحتاج بشكل عام إلى استيفاء شروط مهمة منها:

– سوق صرف أجنبي عميق وسائل (من السيولة). وهذا الشرط لا يتوفر في السودان فسوق الصرف الذي يهيمن عليه السوق الأسود غير متماسك ويتمتع بدرجة من الفوضى والتشظي داخل السودان وبين مدن الخليج ومدن الغرب والمهاجر المختلفة حيثما تواجد سودانيون.

– أيضا يتطلب نجاح الانتقال امتلاك البنك المركزي لأدوات تدخل فعالة ومتماسكة في سوق الصرف تتيح له التدخل للتأثير في الاتجاه المطلوب مثلا بضخ عملات اجنبية لتهدئته عند اللزوم وتوجيه التوقعات بغرض تخفيف الضغوط. وتشمل أدوات التدخل التقليدية أيضا أسعار الفائدة التي يمكن تحريكها للتأثير على سعر الصرف. من الواضح ان هذه الأدوات لا تتوفر للبنك المركزي بما يتيح له إدارة نظام بأدوات اقتصادية وليست ادارية. وغياب هذه الأدوات يعني ان النظام الذي اختارته الحكومة عمليا سيكون أقرب إلى التعويم الحر في حال سيادة المرونة التي تعني أن يطارد السعر/النطاق الرسمي سعر السوق الأسود بصورة أسبوعية إن لم تكن يومية وان عجز عن ذلك تنتفي خاصية المرونة ونعود إلى نفس نظام الصرف القديم الذي يتسم بوجود سعر رسمي تم تخفيضه عن 55 جنيها ولكن تخطاه السعر الحر ليفرض السوق الأسود هيمنته مرة أخرى بأسعار اعلى.



– يحتاج الانتقال الناجح أيضا إلى أنظمة مناسبة لإدارة مخاطر تقلبات سعر الصرف في القطاعين العام والخاص اذ يؤدي الانتقال إلى سعر أكثر مرونة إلى ضغوط على مؤسسات القطاع العام والخاص التي لديها التزامات بالعملات الأجنبية. لدعم الانتقال لنظام أكثر مرونة من المهم تطوير أنظمة لإدارة مخاطر الصرف الأجنبي مبكراً وبناء القدرات والسلطات الإشرافية لتنظيم المخاطر ومراقبتها. وتشمل القدرات المطلوبة أنظمة المعلومات لرصد المخاطر والأساليب التحليلية لقياس مخاطر تقلبات سعر الصرف ومراقبة وتقييد القروض والالتزامات بالعملات الأجنبية.

ومن الواضح أنه لا يوجد حالياً نظام لرصد المخاطر وإدارتها بفعالية. كما تشير تقارير الصندوق إلى أن التعويم يهدد تسعة بنوك بالانهيار. فقد ورد في أحد تقاريره في عام 2020 إلى أن نتائج الاختبارات تشير إلى أن تسعة بنوك (اثنان منهما بأهمية حاسمة لكامل النظام) قابلة للعطب (الإفلاس/ التعسر) في حال تخفيض سعر الصرف.

– تذكر أدبيات الصندوق أيضا أن من اهم متطلبات الخروج من سعر الصرف الثابت إلى نظام أكثر مرونة اعتماد ركيزة اسمية بديلة وذات مصداقية في سياق إطار جديد للسياسة النقدية. قليل من الدول يمكنها تطبيق أنظمة مرنة دون وجود ركيزة اسمية رسمية – مثل منطقة اليورو، وسويسرا، والولايات المتحدة وسنغافورة فتلك الدول راكمت رصيداً عالياً من المصداقية اللازمة للحفاظ على استقرار الأسعار بدون ركيزة رسمية. ولكن في البلدان التي عانت من تاريخ من التضخم المرتفع يكتسب وجود ركيزة اسمية بديلة أهمية خاصة.

وقد نشأ توافق آراء واسع على ان استهداف التضخم هو أفضل ركيزة اسمية موثوقة وفعالة. في هذه الحالة تعلن السطات في بداية العام معدل تضخم مستهدف (قل 3 في المئة أو أي نسبة أخري) وتنجح في تحقيقيه سنة بعد اخري بما يدعم من مصداقيتها والتزامها بحماية نظام الصرف المرن بسياسات اقتصاد كلي متسقة وداعمة.

الركيزة الاسمية للسياسة النقدية هي متغير أو أداة يستخدمها البنك المركزي لحصر وتحديد التوقعات التي يكونها القطاع الخاص عن مستوى الأسعار أو مسارها أو حول ما قد يفعله البنك فيما يتعلق بتحقيق هذا المسار. تنبع أهمية التوقعات من قدرتها على تحقيق نفسها حتى في غياب أسباب اخري لحدوث التضخم بالمستوي المعين – بمعني حدوث التضخم فقط لان السوق توقع حدوثه أو وقوعه بنسبة أعلى مما تستدعيه العوامل الاقتصادية الحقيقية الأخرى بإضافة مساهمة التوقعات.

وكما هو معلوم فإن التضخم يلتهم الدخل الحقيقي للمواطن، وبالذات الطبقات الدنيا، وأيضا يثبط الاستثمار لان المستثمر المحتمل يعجز عن التنبؤ بـتكاليفه ومبيعاته وارباحه المحتملة. وفي غياب درجة من اليقين عن مسار الأسعار تصبح الأنشطة التجارية والمضاربات أكثر ربحية من الإنتاج الصناعي والزراعي وبالتالي يحدث إضعاف مطلق أو نسبي لهذه القطاعات الإنتاجية ذات الأهمية الحاسمة لأي تحول تنموي حقيقي.

تساعد الركيزة الاسمية على تعزيز استقرار الأسعار من خلال ربط توقعات التضخم ورفع مصداقية السياسة واجبار الحكومة على الانضباط المالي وتقييد سلطتها التقديرية في تنفيذ سياسات لتحقيق أهداف قصيرة المدى ولكنها تكون عواقبها السلبية على الاقتصاد أكثر كلفة وضررا في المدى الطويل (مثل رب رب).

لا يمكن إنشاء ركيزة اسمية بدلا عن سعر الصرف الثابت بين عشية وضحاها، ولكنه يتطلب إعدادًا مثابرا في إطار سياسة نقدية موثوق بها تتماشى مع نظام سعر الصرف الجديد بما في ذلك منح الأولوية لاستقرار الأسعار وسيادة ذلك الهدف على الأهداف المنافسة مثل تمويل عجز الموازنة أو زيادة الصرف الحكومي.

ومن المهم أيضا استقلالية البنك المركزي وتفويضه لمتابعة نسبة التضخم المستهدف والمعلن عنه باعتباره الهدف الأعلى للسياسة النقدية وبناء قدراته على التنبؤ بالتضخم واتخاذ إجراءات كفيلة ب بالحفاظ على استقرار الأسعار.

كما يستدعي نجاح البديل ضمان الشفافية والمساءلة في إدارة وإجراء وتقييم السياسة النقدية. ويتطلب العبور أيضا سياسة مالية داعمة لا تغذي التضخم وأيضا قطاع مالي منظم مراقب ومُدار جيدًا من قبل البنك المركزي حتى تتسق سياساته الائتمانية مع المحافظة على استقرار الأسعار وسوق الصرف.

– تشير أدبيات الصندوق الرسمية أيضا إلى الأهمية الحاسمة لإدارة توقعات سوق الصرف الأجنبي وضرورة ضمان وجود مخاطر في اتجاهين صعودا وهبوطا للأسعار. عدم اليقين بشأن مستوى وتقلبات سعر الصرف والسياسات الاقتصادية عموما في ظل النظام المرن من طبيعته ان يزعزع التوقعات ومن الممكن أن يؤدي ارتفاع التضخم وعدم اليقين بشأن الإيرادات المالية ونمو الناتج المحلي الإجمالي إلى إثارة الشكوك حول مصداقية سياسات الاقتصاد الكلي وحول السياسة النقدية وسعر الصرف الجديد.

لنجاح سعر الصرف المرن من الضروري وجود مخاطر في الاتجاهين؛ أي ان تشمل التوقعات ارتفاع أو انخفاض سعر الصرف لتجنب ايمان السوق بـأن سعر الصرف يتحرك في اتجاه واحد فقط الشيء الذي يخلق حوافز للمضاربة ويشجع ويضخم توقعات عن المستقبل تفاقم الضغوط على سعر الصرف في الحاضر وما بعده.

– يقول الصندوق أيضا إلى أن أفضل الاوقات للانتقال إلى مزيد من المرونة في أسعار الصرف هو أثناء فترة هدوء نسبي في أسواق الصرف أو عندما تكون هناك ضغوط ترفع قيمة العملة الوطنية كما يعتبر درجة التطور المؤسسي والسوقي محددًا رئيسيًا للوتيرة المناسبة للخروج إلى النظام المرن. كما أن مرونة سعر الصرف مرغوبة أكثر في البلدان المندمجة لحد كبير في أسواق المال العالمية، وأن فوائد المرونة تزداد مع مستوي التنمية الاقتصادية والمؤسسية. وهذا يعني ان مخاطر التعويم تزداد (وفوائده المحتملة تتناقص) في الدول التي تفتقد القدرات المؤسسية وتفتقد الانضباط المالي الذي يتمظهر في عجوزات مزمنة وكبيرة في الموازنة يتم تمويلها بالعجز (طبع الكاش كما هو الحال في السودان).

يتضح مما ذكر أعلاه ان توقيت الانتقال إلى سعر صرف مرن في السودان هو الأسوأ. على العكس من مستحقات الانتقال الناجح، يعاني السودان من معدل تضخم فاق على أساس شهري 300 في المئة وعجز هائل في الموازنة يتم تمويله بطباعة العملة وأيضا توجد شبهات حول طباعة واسعة للعملة غير المسجلة وخارج دفاتر الحكومة. كما يعاني البنك المركزي من احتياطٍ يقارب الصفر من العملات الأجنبية. أضف إلى ذلك جموح وانفلات سوق الصرف، وأن كل الضغوط. أضف إلى ذلك جموح وانفلات سوق الصرف وان كل الضغوط التي تعرض لها سعر الصرف في السنين الأخيرة كانت في اتجاه تخفيض قيمة العملة السودانية لا رفعها وهذا نقيض لملاحظة الصندوق أن أفضل الأوقات للانتقال لنظام مرن هي حالات هدوء سوق العملة و/أو اتجاه قيمة العملة الوطنية نحو الارتفاع.

يمكن أن نستنتج بسهولة أنه بناءً على أدبيات الصندوق الرسمية والمنشورة فان السودان قرر أو تم دفعه للانتقال في أسوأ ظرف اقتصادي-سياسي ممكن ساد فيه التضخم وهزال المؤسسات وضعف أوضاع الاقتصاد الكلي وسيادة التوقعات أحادية الاتجاه وغياب الركيزة الاسمية وضعف الاندماج في الاقتصاد العالمي وبدائية نظم إدارة مخاطر سوق الصرف وضعف المقدرات على التنبؤ بالتضخم ما يمكن تقييمه من تنبؤ موازنة 2020 بمعدل تضخم في حدود 30 في المئة ولكن بنهاية العام كان معدل التضخم الرسمي 148 في المئة وهذا يعني ان المعدل المتحقق للتضخم بلغ خمسة اضعاف ما توقعه صانع القرار رغم رفع الدعم الذي تم تطبيقه في نفس العام.

ويؤكد الصندوق أنه يمكن لسوء ظروف الاقتصاد الكلي والافتقار إلى المؤسسات أن تساهم في إفشال محاولات التعويم كما حدث في دول كثيرة منها فنزويلا في بداية الالفية اذ ساهمت الهيمنة المالية وعدم الاستقرار السياسي وتنامي الضغوط التضخمية في فشل التعويم وأيضا في روسيا في بداية تسعينات القرن الماضي حين فشل التعويم لأسباب شبيهة.

وغالبا سيدخل السودان تاريخ أدبيات التنمية كحالة فريدة تم فيها الانتقال إلى نظام صرف أكثر مرونة في ظروف ضعف اقتصادي وسياسي شامل ولا اشك ان الصندوق وخبراء التنمية يتشوقون لرؤية ما ستنتهي عليه هذه التجربة الفريدة التي يتمدد فيها السودان كفأر تجارب (خنزير غينيا) لاختبار وصفة الانتقال في وضع متصدع ومترنح.

كان الهدف من عرض فقه الصندوق عن شروط الانتقال الناجح إلى سعر صرف أكثر مرونة هو تسليط الضوء على انه حتى لو تبنينا منطق الصندوق (وهو معقول ومناسب) في كيفية إدارة العملة الوطنية يظل الانتقال هو القرار الخطأ، في التوقيت الخطأ، للأسباب الخطأ، بالتسلسل المقلوب وفي ظل أوضاع اقتصاد كلي معاكسة تماما وهو ما وصفناه سابقا بوضع العربة أمام الحصان وإدخال راسه في عادمها.

بعد عرض فقه الصندوق النظري في شروط الانتقال الناجح نتناول في الفقرات أدناه بصورة تحليلية جوانب من السياسة الجديدة ومالاتها في سياق المتعين السوداني.

في طبيعة نظام الصرف الجديد:
في 21 فبراير 2021 أعلنت الحكومة الانتقال إلى نظام سعر صرف جديد – 375 جنيه للدولار – بدلا عن 55 جنيه، السعر الرسمي السابق. تضاربت الآراء وما زالت حول طبيعة النظام الجديد وهل هو تعويم حر، أم مرن مدار، أم شيء آخر، ولم تنحصر الحيرة على المعلقين، إذ إن الخطاب الرسمي أيضاً ظل مرتبكاً ومربكاً فيما يختص بالتصنيف الصحيح للنظام الجديد إما عن ضبابية تفكير صاحب القرار أو عن شيء في نفس يعقوب. ولا جديد في هذا الارتباك متعمدا كان أم غيره، فقد عهدناه في خطاب النظام السابق كلما أتى بسياسة جديدة، مثل ما حدث في نوفمبر 2016، وبعده وقبله من التواريخ.

تعريف التعويم الحر هو تحرير سعر الصرف وتركه لقوي العرض والطلب في السوق لتحدد مستواه من غير تدخل من قبل الحكومة في تحديد هذا السعر. ولا يتدخل البنك المركزي بـأي شكل من الاشكال في سوق النقد إلا نادرا وبأدوات سوق تستهدف تأثيرا محدودا في سعر الصرف لا تحديد مستواه أو مساره وانما فقط للحد من إفراط تقلباته العابرة.

وفي نظام التعويم (المرن) المدار/الموجه يراقب ويتدخل البنك المركزي للتأثير على سعر الصرف بأدوات مختلفة مثل ضخ عملة اجنبية أو رفع سعر الفائدة لاحتواء أي علو أو هبوط غير مرغوب فيه في أسعار العملات الاجنبية. ولكن لا يأتي هذا التدخل لتحقيق مسار أو هدف محدد سلفا لسعر الصرف. نسارع هنا لملاحظة ان الحكومة السودانية لا تملك رصيد من احتياطي عملات اجنبية، أو أي أدوات اخري ذات مصداقية، للدفاع عن السعر أو تحقيق تأثير مستهدف، كما لا تملك أي حيز لاستعمال سياسة سعر الفائدة إضافة إلى انفصال السودان عن اسواق المال العالمية.

اذن يتضح ان النظام الجديد لا يمكن وسمه بالتعويم (الحر) ويصعب تصنيفه كتعويم (مرن) مدار لغياب كل أدوات الإدارة المطلوبة. فما هو اذن هذا النظام الجديد؟

حسب النظام الجديد المعلن يحدد البنك المركزي سعر تأشيري يوميًا ويتعين على البنوك ومكاتب الصرافة التداول في حدود أعلى أو أدني من هذا السعر بنسبة 5٪. كما حدد البنك المركزي هامش ربح بين أسعار الشراء والبيع لا يزيد عن 0.5٪. وبما أن السعر التأشيري الجديد 375 جنيهاً (تم رفعه إلى 378 بعد أسبوع)، يتراوح نطاق التداول القانوني بين 394 و356 جنيها للدولار، ويمكن للبنك لاحقاً أن يغير السعر التأشيري أو حدود النطاق.

هذا النظام المختار أقرب إلى سعر الصرف المربوط ضمن نطاق تقلب زاحف. يتحدد سعر العملة في هذا النظام ضمن هوامش (نطاق) للتقلب حول السعر المركزي. ومن الواضح ان البنك المركزي يحتفظ بحق تعديل السعر المركزي و/أو هوامش التقلب استجابة للتغيرات في المؤشرات الكمية للاقتصاد الكلي أو حسب طلب المانحين ومؤسساتهم.

وفي غياب أدوات فعالة للتدخل في السوق للتأثير على العرض والطلب للحفاظ على السعر في حدود النطاق المعلن (375 جنيه +/- 5%) بدلا عن الفرمانات الإدارية يكون النظام عمليا أقرب إلى التعويم إذا ما قرر البنك المركزي أولوية مطاردة السوق الأسود بـتعديل السعر التأشيري باستمرار لمجاراة ذلك السوق المتمرس.

اما إذا عادت الحكومة إلى تثبيت سعرها التأشيري في مستوي دون سعر السوق الأسود المتغير دائما فان النظام الجديد يكون هو نفس نظام معتز موسي القديم ويكون كل ما حدث هو تخفيض السعر الرسمي من 55 جنيها إلى 375 جنيها وما بعدهما من الأسعار في إطار يهيمن فيه سعر السوق الأسود على السعر التأشيري. وفي هذه الحالة لا يتم توحيد أسعار الصرف ولا يحدث أي تغيير في هيمنة السوق الأسود ولا في طبيعة وديناميات سوق الصرف وتكون الأوضاع قد عادت إلى سياسة السعر التأشيري التي اتي بها النظام السابق وهزمها السوق الأسود في لمحة عين.

ولا جديد في نظام الصرف الجديد فهو إعادة اخراج لسياسات النظام السابق. ففي 18 يناير 2018 أصدر بنك السودان المركزي منشور إدارة السياسات رقم (5/2018) الذي جاء فيه ” اعتبارا من يوم الأحد الموافق 21/يناير/2018 م، وفي إطار سياسة سعر الصرف المرن المدار، سيقوم بنك السودان المركزي باحتساب السعر التأشيري وذلك باستيعاب حافز استقطاب تحويلات السودانيين العاملين بالخارج وتشجيع الصادرات في السعر التأشيري والأسعار المعلنة للبيع والشراء بواسطة بنك السودان المركزي والمصارف وشركات الصرافة. ثالثاً: سيقوم بنك السودان المركزي بإعلان السعر التأشيري المحتسب والنطاقات حوله يومياً على موقع بنك السودان المركزي.”

إذا كان هذا هو الحال فلماذا سوق الخطاب الحكومي النظام الجديد كتحرير في شكل تعويم أو تعويم مدار رغم انه أقرب إلى الربط ضمن نطاق تقلب؟ على كل حال نجح الصخب في التغطية على أعظم تخفيض سعر صرف في تاريخ السودان بنسبة 582 في المئة كما نجح الإخراج في ان لا ينتبه الرأي العام إلى ان النظام الجديد نفسه قد جربه النظام السابق في 2018 وتبني ملامح منه قبل ذلك في 2016 على سبيل المثال. وأيضا أتاح الاخراج للحكومة التظاهر بأحداث قطيعة مع فكر وممارسات النظام السابق وكأنها تبنت نهجا جديدا أكثر واقعية للإدارة الاقتصادية.

مرونة النظام الجديد والسوق الأسود للعملة:
يشدد الخطاب الحكومي ومؤيديه على ضرورة “تعويم” الجنيه بهدف القضاء على السوق الأسود للصرف وتوجيه تحويلات المغتربين عبر القنوات الرسمية. ولكن في الحقيقة يتضح لأي متابع لمشهد التحويلات ان منافسة البنوك والصرافات لتجار السوق الأسود لن تكون نزهة في حديقة نسبة إلى التنافسية العالية التي يتمتع بها السوق الأسود والتي لا تقتصر فقط على استعداده لمنح سعر أعلى من سعر البنوك. إضافة إلى تدني تكلفة تشغيل شبكات السوق الأسود مقارنة بالبنوك، نلاحظ سهولة التحويل عبرها مقابل رسوم وتكاليف معاملة متدنية وسهولة في الأرسال والاستلام وكل هذه الميزات تشكل عوامل جذب من الصعب على البنوك مجاراتها.

تتجلى عقبات منافسة البنوك للسوق الأسود في ارتفاع تكلفة المعاملة عبر الأخيرة. تشير تقارير دولية إلى ارتفاع تكلفة ارسال التحويلات بالذات عبر البنوك. يعضض من هذا ما كشفت عنه تقارير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عن ارتفاع تكاليف إرسال التحويلات إلى الدول الفقيرة التي تصل إلى 12 في المئة من المبلغ المحول، وهو ما يزيد بمقدار الثلث عن المتوسط العالمي. وعلى سبيل المثال في عام 2010 كان من الممكن أن تولد التحويلات المالية المرسلة إلى إفريقيا جنوب الصحراء 6 مليارات دولار إضافية للمستفيدين إذا كانت تكاليف تحويل الأموال مطابقة للمتوسط العالمي. ويؤكد البنك الدولي أيضا ان فوائد التحويلات في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط تقل بسبب التكلفة العالية عمومًا لإرسال الأموال، والتي تبلغ في المتوسط 7٪ عند تحويل مبلغ في حدود 200 دولار. والبنوك هي القناة الأكثر تكلفة لتحويل التحويلات، بنسبة 10.9٪. وفي أفريقيا جنوب الصحراء ترتفع تكلفة إرسال الأموال عن متوسط الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وهذه الحقائق لا تعني ان تكاليف التحويل عبر البنوك السودانية بالضرورة ستقارب النسب أعلاه ولكنها تشير إلى تكلفة ليست زهيدة بالذات إذا ما قارنا البنوك بشبكات السوق الأسود الي لا تحتاج إلى أكثر من شبكات ثقة بين أصدقاء أو أقارب أو شركاء يملكون هواتف ذكية، عكس البنوك التي تدفع مرتبات لجيوش من الموظفين وتستأجر مباني مكلفة وتدفع فواتير كهرباء وتشغيل ومعدات عمل وتدفع ضرائب.

أضف إلى ذلك ان التحويل عن طريق البنوك يستدعي ذهاب المرسل إلى بنك أو مؤسسة مالية في بلد الإقامة وإبراز أوراق هوية وغيرها من مستندات وكذلك على المستلم الذهاب الي البنك في السودان لاستلام التحويل وكلا المرسل والمستلم يهدر ساعات ومشقة وتكاليف ترحيل من والي البنك. وعلى المستلم التعامل مع موظفي بنوك محبطين وبعضهم يفتقد الذوق السليم في حين ان التحويل عن طريق السود الأسود لا يستدعي مثل ذلك المجهود اذ ان الترتيب للمعاملة يتم من خلال اتصالات تلفونية أو رسائل بعدها يستلم المرسل اليه التحويل في عقر داره وهذه ميزة هامة لكبار السن والاميين وسكان القري التي لا توجد بها بنوك ويترتب على ذلك ان التعامل عن طريق البنك يستدعي ان يسافر المستلم إلى أقرب مدينة ليعاني من تكاليف الترحيل وفي الصفوف واحتمال عدم الاستلام في نفس اليوم نظرا لمحدودية أوقات عمل البنك وغير ذلك من مشاكل البنوك التي عجزت في أمس قريب حتى عن توفير سيولة تتيح للمواطن سحب حر ماله من العملة المحلية. وتمتد المشكلة لتشمل حتى سكان المدن الصغيرة التي تتصف بنوكها بالهزال وضعف الموارد البشرية والمالية والاتصالية.

وفوق ذلك فان شبكات السوق الأسود توفر حماية من عيون حكومات مكان إقامة المرسل وعيون حكومة السودان وعيون رجال الضرائب وتعقيدات شبهات وبارانويا تمويل الإرهاب. كما ان شبكات السوق الأسود توفر خدمات طوارئ فعالة بما في ذلك قروض قصيرة الاجل في حال نمو علاقة تعامل وثقة اذ يتم تحويل المبلغ المطلوب في ساعات ويسدد المرسل لاحقا وربما في فترة سماح قد تمتد.

وكل ما ذكر أعلاه يشير إلى أنه رغم أن جزءاً من التحويلات سيتم إرساله عبر البنوك، إلا أن شبكات تجارة العملة خارج البنوك ستظل موجودة وقوية، لأنها توفر خدمات لن يوفرها البنك، ولأنها سهلة ومريحة، وتكاليفها أقل من كل جوانب المعاملة للمرسل والمستقبل.

وقبل الانتقال إلى نظام الصرف أعاد خطاب الحكومة أن من أهم فوائد إزالة السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية أن المغتربين السودانيين سيتمكنون من ارسال تحويلاتهم من العملات الصعبة عبر النظام المصرفي الرسمي، وهذا من شأنه أن يحل مشكلة ندرة النقد الأجنبي بما سيضمن توفير موارد كافية لاستيراد للسلع الأساسية التي نحتاجها سواءً ان كانت قمحا أو محروقات أو دواءً أو مدخلات انتاج.

لا شك أبداً أن حذف السودان من قائمة الإرهاب يعد تطوراً إيجابياً بالغ الأهمية، لكن حجة التحويلات خاطئة لعدة أسباب منها ان المغتربين السودانيين عبر السنين لم يواجهوا أي مشاكل تذكر في تحويل عملاتهم الصعبة إلى السودان. لطالما كان من السهل جدًا على أي شخص إرسال أي مبلغ من المال إلى السودان لأسباب اسرية أو لشراء شيء ما أو الاستثمار أو أي غرض آخر. ودائما كانت هناك وسائل فعالة وموثوقة للغاية لتحويل الأموال من خلال قنوات عائلية أو مع الأصدقاء أو عبر تجار العملة الذين حازوا على ثقة المرسلين الموجودين حول العالم. ولم يكن للعقوبات الأمريكية أي تأثير على قدرة السودانيين على إرسال الأموال إلى وطنهم.

لاحقا ركز الخطاب الحكومي على ان أحد اهم مشاكل الاقتصاد السوداني هو عدم مقدرة البنوك على جذب تحويلات المغتربين لذا وجب تعديل سعر الصرف حتى تستطيع البنوك اجتذاب التحويلات عبر لخدمة القطاع الرسمي. وقد صارت تميمة جذب التحويلات كهدف سامي – لا يقوم اصلاح اقتصادي بدونه – علكة في كل فم معلق عن احوال الاقتصاد ولكن كما ذكرنا أعلاه فإن السوق الأسود بعد التعديل سيظل دائماً حاضراً، ونضيف إلى ذلك أنه من وجهة نظر الاقتصاد الكلي لا يوجد فرق جوهري بين دخول تحويلات المغتربين عن طريق البنوك، أو عن طريق تجار السوق الأسود.

لإيضاح هذه النقطة بداية يجب ملاحظة أن جل تأثير تحويلات المغتربين على الاقتصاد ينسرب عبر ثلاث قنوات: حجم التحويلات وسعر صرفها وحزمة الواردات التي تمولها.

فيما يختص بالسعر فقد تم حسم الامر، فـالتحويلات ستعامل في البنوك بسعر أقرب لسعر العرض والطلب أو ما يقارب سعر السوق الأسود/ السوق الموازي (أما إن أصرت الحكومة على فرض سعر صرف ينحرف عن سعر السوق بفرمان اداري فهذا يعني ان نظام الصرف القديم لم يتغير).

وكذلك في ظل النظام الجديد لن يتغير حجم التحويلات والسبب في ذلك بسيط جدا وهو ان أي مغترب في الماضي أراد أن يحول عملة اجنبية للسودان لم تقابله عقبة إطلاقاً، ولم يعانِ من غياب البنوك عن المشهد. أسهل الأمور كان وما زال هو تحويل أي مبلغ إلى داخل لسودان من أي مكان في العالم عبر شبكات السوق الأسود وهذا يعني ان دخول البنوك في المنافسة على التحويلات لن يزيد حجمها لأنه لا يوجد مغترب عجز عن التحويل سابقا ليغريه دخول البنوك في الملعب.

كل الذي يترتب على السماح للبنوك بالتعامل بسعر السوق الأسود هو دخول بعض التحويلات عن طريق البنوك بدلا عن السوق الأسود القديم ولكن يظل مجموع التحويلات على مستواه ومساره القديم، فما دخل عن طريق البنوك خرج من قنوات السوق الأسود ولو حدث أي تغير هام في حجم التحويلات فسيكون نتيجة لأسباب اخري لا علاقة لها بدخول البنوك في المنافسة عليها. في الماضي كان السوق الأسود يشتري تحويلات المغتربين ليبيعها للمستوردين بما في ذلك الحكومة. وبعد النظام الجديد ستقوم البنوك بنفس التوسط الذي كان يقوم به السوق الأسود بين المغتربين والمستوردين ولكن لن يترتب على ذلك تغيير ملموس في مسار الاقتصاد فيما يتعلق بـالأسعار والإنتاج والعمالة.

لاحظ أنه إضافة إلى أن سعر الصرف التأشيري سيحدده ويراجعه بنك السودان فان الحكومة ستواصل السيطرة على كيفية تخصيص واستخدام كل المتوفر من العملات الأجنبية فيما يتعلق بمن يحصل عليها ولأي غرض وماهي السلع المسموح باستيرادها بها. وهذا يعني استمرار وجود طلب اخر على العملات الأجنبية لن تتم تلبيته عبر القنوات الرسمية سيظل السوق الأسود حاضرا لتلبية هذا الطلب. وتشير التجربة التاريخية الي أن الحكومة لن تستطيع القضاء على هذا السوق الاسود من خلال الإجراءات القانونية والأمنية لا سيما انه يتصف بالرشاقة وسرعة الحركة وحسن المتوقع كما ان جزءًا كبيرا منه يتواجد خارج السودان، في مدن الخليج والمهاجر المختلفة.

وكذلك لن تتغير كثيرا حزمة السلع التي تمولها التحويلات لان السوق الأسود سيظل موجودا وجاهزا لجذب نسبة منها لتمويل الواردات التي تمنع الحكومة البنوك من تمويلها- مثلا لأغراض استعمال العملة الأجنبية كمخزن للقيمة، وتهريب الاموال وتحويل الارباح والسفر والسياحة والعلاج بالخارج وتجارة الشنطة واستيراد سلع كمالية. وهذا يعني أيضا ان الحصة المتبقية لاستيراد السلع الأساسية لن تتغير عن مسارها بما ان مجموع التحويلات لم يتغير ولم يتغير نصيب الأنشطة الأخرى التي تمولها التحويلات عبر السوق الأسود.

وبما ان دخول البنوك إلى الملعب لن يغير حجم التحويلات ولن يخفض سعر العملات الأجنبية ولن يغير حزمة السلع والأغراض التي تمولها التحويلات بـأي صورة معتبرة فان تأثير السياسة الجديدة على الاقتصاد الكلي سيكون محدودا في أكثر السيناريوهات تفاؤلا – ونعني بذلك محدودية تأثيرها على مستوى الأسعار، والإنتاج، والمداخيل، وخلق فرص العمل.

ولو كانت هذه النقطة عصية فلنضرب مثلا للإيضاح. تخيل الاقتصاد الوطني كأسرة كبيرة – وهو كذلك لدرجة ما. هذه الأسرة تستلم تحويلا شهريا بمبلغ 500 دولار من بنتها المقيمة في عرعر تبعثه عن طريق فدوني تاجر العملة. من ذلك المبلغ تدفع الأسرة 200 دولار إيجاراً وماءاً وكهرباءً، و200 دولار طعاماً ومواصلات، و100 دولار ترفيهاً وطوارئ. تخيل أنه بعد قرار بنك السودان إياه قررت البنت الاستغناء عن خدمات فدوني، وبدأت في إرسال مبلغ الـ 500 دولار عن طريق بنك العبور.

لاحظ أن البنت ما زالت ترسل 500 دولار لأنها اختارت ذلك المبلغ سابقا لأسباب لا علاقة لها بطريقة إرساله إلى الخرطوم سواء عن طريق بنك أو مع مسافر أو تاجر عملة – فقد اختارت المبلغ بناء على عوامل مثل مستوي دخلها وعدد أطفالها وأهدافها الخاصة ودرجة كرمها وتقديرها لاحتياجات اهلها في السودان. وهكذا صارت الأسرة تستلم المبلغ من البنك بدلا عن فدوني تاجر العملة ولكنها ظلت توزعه على قنوات صرفها بنفس النسب أعلاه (200 دولار ايجار وماء وكهرباء و200 طعام ومواصلات و100 دولار ترفيه وطوارئ) لان بنية صرفها قامت على خيارات تعبر عن احتياجاتها وتفضيلاتها وذائقتها التي لا علاقة لها بطريقة وصول التحويل فالأسرة يهمها مبلغ التحويل لا من أتى به.

بعد أن تغيرت قناة توصيل التحويلات للأسرة لتاتي عبر البنوك هل تغير شيئا في اقتصاد الأسرة؟ بالطبع لا، فهي تستلم نفس المبلغ من البنك، بسعر السوق الأسود وتنفقه على احتياجاتها المختلفة بنفس النسبـ القديمة. والاقتصاد الوطني كذلك تقريبا.

من الواضح أن انتقال جزء من مال التحويلات للبنوك سيتيح لها فرص إضافية للاسترباح على حساب تاجر العملة التقليدي الذي قل نصيبه من كيكة التحويلات. ولكن انتقال بعضا من الربح من التاجر إلى البنك لا يعني الكثير من وجهة نظر الاقتصاد الكلي ولا للمواطن فيما يخص حياته التي تتأثر فقط بمستوى الأسعار وتوفر الواردات من سلع استهلاكية أو مدخلات إنتاج أو سلع رأسمالية.

أما القول بان “التعويم” سيحفز المغتربين على فتح حسابات بالعملة الصعبة في البنوك السودانية فذلك قد لا يحدث في نطاق واسع ومؤثر وبحسابات كبيرة بما الثقة في البنوك السودانية ضعيفة، ولم ينس الناس بعد ازمة السيولة، وكذلك الثقة في السياسة الحكومية ضعيفة مضافا اليها هشاشة الوضع السياسي والامني. ولا أدرى ما الذي يدفع انسان مقيم في السويد أو الامارات أو مصر – تتاح له بنوك اجنبية راسخة وموثوقة – لأن يحفظ مدخراته بالعملة الاجنبية في بنك سوداني. حتى لو فعل ذلك البعض القوم فإن أموال حساباتهم ستكون ضعيفة كقطرة في بحر الاقتصاد الكلي ولن تغير الكثير. وللتأكد من هذه النقطة وفحصها يمكن أن نسأل الوزراء وأعضاء مجلس السيادة وكبار موظفي الدولة القادمين من الخارج متى سيحولون مدخراتهم في الخارج إلى بنوك سودانية؟

يمكن القول بأن التحويل عبر البنوك يفيد بما أنها تدفع ضريبة، عكس تجار العملة، ولكن تحقيق هذا الأثر يستدعي مرور نسبة عالية من التحويلات عبر البنوك، ولكن نفس الضرائب تضعف من تنافسية البنوك النسبية تجاه السوق الأسود، وتفترض أن البنوك تدفع ضرائباً معتبرة، أضف إلى ذلك، أن حصة عالية من الجهاز المصرفي مملوكة لراس مال أجنبي نهم، يحول أرباحه إلى الخارج.

تراخي الأمل في تأثير إيجابي على مستوي الاقتصاد الكلي لا يعني نهاية سردية نظام الصرف الجديد. فمن ناحية اخري ربما برزت واشتعلت منافسة جديدة بين البنوك والسوق الأسود يترتب عليها ازدياد الطلب على التحويلات ينجم عنه تواصل ارتفاع سعر العملة الأجنبية مقابل الجنيه في سباق مسافات طويلة بين البنوك والسوق الأسود الذي تمرس وقوي عوده في عقود طويلة. وهذا السباق قد يصب بحارا من الزيت اليومي على نيران التضخم الشيء الذي يربك الحركة التجارية ويضعف النشاط الإنتاجي والاستثماري والتجاري في القطاعات التي تعجز عن التكيف اليومي السريع مع مستجدات سوق العملة وسعر الصرف المتغير دوما.

جراحة عميقة بلا تخدير:
عندما بشر وزير المالية السابق الدكتور البدوي بتعويم الجنيه في حزمة تشمل رفع الدعم وتحرير جميع الأسعار كمقدمة يتبعها المزيد من التحرير الاقتصادي كان يعرف كخبير محترف ومتمرس كم الألم الذي يمكن ان يحيق بالمجتمع جراء هذا التوجه لهذا السبب فقد سمي وصفته بالجراحة المؤلمة وبدأ الدعوة لها باشتراط تزامن تدفق مساعدات خارجية ضخمة لتحلية الدواء المر.

وكرر السيد الوزير قصة منسوبة إلى عالم اقتصاد معروف هو روديغر دورنبوش تقول بـأنه في سياق مناقشة مصير البلدان التي طبقت برامج التكيف الهيكلي – التي وصفها السيد الوزير بأنها سيئة السمعة – تحت أشراف البنك الدولي وصندوق النقد، صنف روديغر البلدان إلى ثلاث مجموعات: تتكون المجموعة الأولى من البلدان التي حصلت على المساعدات الخارجية ولكنها لم تطبق برنامج التكييف بإخلاص، ووصفها بالبلدان التي بلعت المخدر ولكنها لم تجر الجراحة. أما المجموعة الثانية فتتكون من البلدان التي أجرت الجراحة الموجعة دون تخدير المساعدات الخارجية فعانت من صدمة وآلام. وأفضل الدول هي تلك التي حصلت على المساعدات الخارجية كمخدر وأجرت العملية الجراحية بنجاح.

الافتراض بأن الجراحة الاقتصادية النيو ليبرالية سوف تنقذ الاقتصاد إذا ما توفر لها الدعم الخارجي مشكوك في وجاهته ولكن ذلك موضوع نناقشه في سياق آخر. ما يهمنا في هذا المنعطف يتعلق بـما توفر من بنج لازم لإجراء الجراحة.

ويتفق صندوق النقد مع رؤية السيد الوزير على أن أحد العناصر الأساسية لنجاح البرنامج المراقب من قبل الصندوق والمنفذ حاليا في السودان هو وصول التمويل الكافي من المانحين. ولكن حتى الان المساعدات التي استلمتها هذه الحكومة من المانحين لا تذكر ولا توجد ضمانات لتدفقها بالحجوم المليارية المطلوبة بالذات لأن كل الدول المانحة تعاني ظروفا مالية صعبة نجمت عن صدمة الكورونا لاقتصاداتها والتي فاقمت من ديونها ما يعني انها تحتاج لسنين طويلة للتخلص من الديون التي راكمتها لدعم مواطنيها وشركاتها بغرض مقاومة آثار الكورونا، في ظل تردٍ مفزع في إيراداتها. أضف إلى ذلك أن أعدقاء السودان اكتشفوا مقدرتهم على أن ينالوا من هذه الحكومة أعز ما تملك، وما شاءوا، بلا مقابل، وفي عالم الريال-بوليتك لا يدفع أحد الكثير للحصول على ما يمكن الحصول عليه مجاناً – حتى لو دفع فتات لزوم الدعاية والحفاظ على مظاهر من إنسانية.

ما يهمنا هنا هو أن الخطاب الحكومي قد دعا علناً إلى حقن الاقتصاد بالمخدر الأجنبي أولاً، ثم إجراء جراحته الموعودة بعد ذلك. لكن الأمور لم تسر كما اشتهى الجراحون فيما يتعلق بتأمين التخدير.

عندما بدأ السيد رئيس الوزراء عهده في أغسطس 2019، كانت أول خطواته كشف كعب أخيله لعالم الأعدقاء، عندما أعلن للمجتمع الدولي عن الحاجة إلى عشرة مليارات دولار من المساعدات الخارجية لإنقاذ الاقتصاد السوداني، تستخدم منها 8 مليارات لتغطية فاتورة الواردات، إضافة إلى ملياري دولار تضاف إلى ودائع الاحتياطيات الأجنبية، بهدف إيقاف نزيف الجنيه تجاه العملات الأجنبية.

وعقب ذلك في نوفمبر 2019، أعلن السيد وزير المالية أن السودان بحاجة إلى خمس مليارات دولار لدعم الموازنة، وتجنب الانهيار الاقتصادي، ولبدء الإصلاحات على أرضية ثابتة. وفي كلا الحالين، كان تغليف بيع الرسالة للمجتمع الدولي، التهديد الضمني بأنه إذا لم يدفع فستنهار الدولة، وسيسيطر الإرهابيون على أرض السودان، ويشنون منها هجمات بربرية على العالم المتحضر، وعلى مصالحه في الإقليم وحول العالم. وكان افتراض الرسالة هو أن من أرسلها قادر على بيع المية في حارة السقايين، وأن فزاعة الإرهابي الإسلامي يمكن استخدامها لتخويف الغرب، بنفس نجاعة استخدامها في خطاب الاستهلاك المحلي.

وعندما ذهب السيد الوزير إلى واشنطن على أمل تأسيس صندوق مساعدات بقيمة ملياري دولار لإجراء الجراحة عاد خالي الوفاض. وحين جاء دور رئيس الوزراء لزيارة واشنطن لإحضار البورك الأمريكي، إذا جاز التعبير، عاد أيضا خالي الوفاض ومثقلا بقبوله بدفع مئات الملايين من الدولارات كتعويضات عن تهم مسيسة منسوبة إلى النظام السابق تلعب فيها أمريكا دور الخصم والحكم.

إضافة إلى مأساة شح المانحين التي حذر وتنبأ بها الكثير منا وخطر وضع كل بيض الثورة في سلة الأجنبي، التقى منتدى شركاء/أصدقاء/مانحي السودان عدة مرات في الخرطوم والرياض وبرلين ولم تنساب منهم قطرة مساعدات.

وعقب ذلك ظل المانحون على موقفهم رغم انصياع الحكومة للخارج بدفع التعويضات والتطبيع ورفع الدعم والمشاركة في حروب خارجية. وفي أيام مفاوضات التطبيع ساومت الحكومة أولا على ست مليارات دولار كثمن مقابل التطبيع ثم خفضته لاحقا إلى مليارين ولكنها في آخر المطاف طَبًعَت بلا مقابل وبعد التطبيع تقلص طموحها إلى الحصول 750 مليون دولار من الدول التي دفعتها دفعا للتطبيع ولكن لم تحصل على فلس منهم حتى يوم إعلان نظام الصرف الجديد في الأسبوع الأخير من فبراير 2021.

عودة إلى تصنيفات رودي دورنبوش . قد يميل البعض إلى الاعتقاد بـأن الفشل في توفير التخدير من شأنه أن يقنع الحكومة بإلغاء فكرة الجراحة، أو على الأقل تأجيلها، أو تغيير بعض تفاصيلها أو توسيع المدى الزمني لإنزالها بما أنه بدون تخدير قد ينتهي الجراح بقتل المريض. لكن لم يحدث شيئا مثل ذلك فقد تمت جراحة سعر الصرف من غير بنج وسبقه تحرير أسعار سلع أساسية ورفع الدعم عن البنزين والمحروقات الأخرى.

وكل هذا السرد لا يعني أن قرار “التعويم” كان سيكون سليماً في حالة حصول الحكومة على عشر مليارات دولار من المانحين الفسلين. فكما بينا فإن وجود احتياطٍ كافٍ ومستدام هو شرط واحد فقط من ضمن حزمة شروط أكبر للانتقال الناجح لنظام صرف أكثر مرونة. أضف إلى ذلك أن أدبيات الصندوق تقول بأنه لا فضل لنظام سعر صرف على آخر، وأنه من الممكن اختيار نظم تختلف من بلد لآخر، حسب ظروفها الخاصة، ولكن في كل الأحوال، تكتسب طبيعة سياسات الاقتصاد الكلي الداعمة أهمية خاصة وحرجة.

التعويم على إيقاع مصري:
كثيرا ما يتم استدعاء التجربة المصرية لتسويق التعويم في السودان رغم ما في ذلك من فساد منطق وتخليط يقفز فوق الاختلافات الجوهرية بين الاقتصادين. فمصر تتمتع بمؤسسات راسخة ودولة قوية ومتجذرة مقارنة بالسودان ولم تعاني المحروسة ولا من كسر من معدلات التضخم التي شهدها السودان في العقود الثلاثة الأخيرة ففي الفترة الزمنية التي ارتفع فيها سعر الصرف في مصر إلى حوالي ستة عشر جنيها للدولار قفز سعر الدولار في السودان من نحو ثلث الجنيه (أربعين قرشا تقريبا) في أواخر السبعينات إلى حوالي 400 ألف جنيه في الوقت الراهن.

نجحت تجربة التعويم نسبيا في مصر لأن اقتصادها المتنوع نسبيا يتمتع بإيرادات موازنة ضخمة ومعدلات تضخم أدنى ومصادر كبيرة ومتنوعة للعملات الاجنبية مثل الصادرات الزراعية والصناعية والغاز والبترول ومداخيل قناة السويس والسياحة وتحويلات مغتربين عملاقة وسوق مال ناجح نسبيا وأهمية جيواستراتيجية تجيد الدولة في ترجمتها إلى مكاسب اقتصادية.

إضافة إلى ذلك حصلت مصر على أكثر من 25 مليار دولار هدية من السعودية والإمارات، وأكثر من 12 مليار دولار من صندوق النقد عند التعويم، وحصلت على دعم إضافي بعد ذلك. ورغم نجاح التعويم فنياً، واستقرار سعر الصرف لاحقاً، إلا أنه بعد تطبيقه مع الحزمة إياها، تفاقمت تكاليف المعيشة مع ارتفاع الأسعار، وازدادت الضرائب، وتنامي الدين الحكومي الخارجي وارتفع معدل الفقر.

ولك أن تقارن جراحة الانتقال المجاني الذي نفذته حكومة السودان بدون تخدير بحصول مصر في عام 2016 على 37 مليار دولار من السعودية والأمارات والصندوق وحصول الارجنتين في سبتمبر 2018 على قرض من الصندوق بـلغ 57 مليار دولار مقابل التزامها بوصفته التي تركبت من تحرير سعر الصرف والالتزام بـعجز صفري في الموازنة يتم تحقيقه عن طريق تقليل الصرف الحكومي على الخدمات والدعم والتوظيف إضافة إلى زيادة الضرائب.

أخطار “تعويم” المعوم:
يمكن القول إن الجنيه السوداني كان معوماً إلى حد كبير قبل قرار 21 فبراير 2021 فقد اتخذت الحكومة نهجًا تدريجيًا بـالتعويم على مراحل لتجنب رد فعل شعبي قد يأتي عنيفا. تم “تعويم” الجنيه عمليا مع برنامج محفظة السلع الاستراتيجية بالإضافة إلى السماح للبنوك التجارية بشراء تحويلات المغتربين بسعر يقارب سعر السوق الأسود.

ذكر نعوم تشومسكي التدرج ضمن استراتيجيات التحكم في الشعوب كوسيلة لتمرير سياسات تفتقد السند الشعبي على دفعات. طبقت الحكومة السودانية إستراتيجية التدريج حرفيا لتنفيذ عدد من السياسات التي تفتقد القبول الشعبي مثل التطبيع ورفع الدعم السلعي وأخيرا نظام الصرف الجديد.

كما تبدو الأمور، فإن السعر الرسمي القديم غير الواقعي ليس أكثر من مجرد رقم محاسبي يستخدم في دفاتر الحكومة لتحويل المساعدات الأجنبية إلى ما يعادلها بالعملة المحلية وهذا من ضمن ما زاد من إصرار الجهات المانحة على تغيير نظام الصرف حتى تنتفخ القيمة المحلية لمساعداتهم المستقبلية.

ولكن رغم ذلك يظل قرار “تعويم” المعوم على أهمية وازنة تلقي بظلالها عبر قناتين رئيسيتين، من بين أمور أخرى.

أولا الدخول المقنن للبنوك التجارية، الأجنبية والوطنية، في سوق الصرف الأجنبي المحرر قد يخلق طلبًا إضافيًا لتمويل العديد من الأنشطة، بما في ذلك الاستيراد وتـهريب رأس المال الوطني وتحويل الأرباح المتراكمة للشركات والبنوك الأجنبية.

القضية الرئيسية الأخرى لتحرير سوق الصرف الذي يترتب عليه السماح قانونا بالاحتفاظ بالعملة الأجنبية والتعامل فيها تتعلق بتكوين التوقعات أحادية الاتجاه. نظرًا لاستمرار الهيمنة المالية ونقدنة العجوز المتسعة، سوف يتوقع جميع المشاركين في السوق أن يتحرك سعر الصرف في اتجاه واحد فقط. أي كائن راشد عقلاني يتوقع انخفاض قيمة الجنيه سيبيع ما لديه من عملة أجنبية فقط في حدود صارمة لتمويل الاحتياجات الانية أو ما يكفي لمصاريف بضعة أيام. بمعنى آخر، سوف يخزن الزول دولاراته (أو أي عملة أخرى).

من ناحية أخرى، نظرًا لأنه من المتوقع أن يتحرك سعر الصرف في اتجاه واحد فقط، فإن كل مواطن لديه مبلغ ما سوف يندفع لشراء دولارات أو ريالات كمخزن للقيمة يحمي مدخراته من تغول ضريبة التضخم رب رب. كل هذا يعني أن المعروض من العملات الأجنبية في السوق قد ينكمش نسبيا (مقارنة بالعرض المحتمل في سيناريو اخر) بينما سيزداد الطلب. وقد يرتب على ذلك ضغطًا إضافيا على سعر الصرف يؤدي إلى انخفاض متواصل في قيمة الجنيه.

وفي حال تفاقم التضخم الناجم عن التمويل العجزي وسقوط سعر الصرف قد يتلاشى ما تبقي من ثقة في العملة الوطنية مع فقدانها الأهلية اللازمة لتخدم كمخزن للقيمة ووسيط للتبادل ووحدة للمحاسبة. وقد يترتب على ذلك بروز اقتصادين أحدهما مدولر تلعب فيه الشركات وشريحة ضيقة من البرجوازية التي تتمتع بمداخيل بعملات أجنبية من العمل أو التحويلات أو الحسابات الشحيمة في الخارج في مقابل غالبية الشعب المجبر على عملة وطنية لا تساوي شيئا. وهذه الاوضاع سوف تفاقم الاحتقان الاجتماعي وستدفع بأعداد متزايدة من الطبقة الوسطي، بما في ذلك شرائحها العليا، إلى التحالف مرة أخري مع الطبقات الدنيا لمواجهة السقوط الطبقي والحرمان المهين. وانضمام الطبقة الوسطي في تحالف مع المسحوقين هو أحد أهم علامات ثورة قادمة قد تكون مستنيرة وقد تكون عمياء الغضب تحرق بلا بصيرة. من نافلة القول ان هذا المسار وهذه الاليات لن تحدث بين يوم وليلة ولكنها ستواصل الاختمار ما لم يتم تصحيح السياسة الاقتصادية إلى أن تأتي لحظة الانفجار العظيم في مستقبل قد لا يكون بعيداً.

ولنا في التاريخ عبر لمن يعتبر تتجلي في ارتباط سعر الصرف والغلاء بـسقوط نظامي البشير ونميري. فمثلا عزت أهم مراكز الصحافة العالمية مثل النيويورك تايمز وال بي بي سي سقوط النظامين إلى تخفيض قيمة العملة وتفاقم تكلفة المعيشة. في 7 أبريل 1985 غطت صحيفة النيويورك تايمز سقوط نظام نميري وقالت عنه: “في وقت سابق من هذا العام، بدأ السيد نميري بفرض برنامج تقشف أوصت به واشنطن وصندوق النقد الدولي. وشمل ذلك انخفاضًا كبيرًا في قيمة الجنيه السوداني وزيادات حادة في أسعار السلع الأساسية، مثل البنزين والخبز والصابون والزيت. وأثارت زيادات الأسعار، بالإضافة إلى الشح، احتجاجات وأعمال شغب الأسبوع الماضي حاولت الشرطة قمعها باعتقالات واسعة وهجمات بالغاز المسيل للدموع. ”

وفي 15 أبريل 2019 غطت ال بي بي سي سقوط البشير في مقال موسوم ” انقلاب السودان: لماذا تمت الإطاحة بعمر البشير؟:كيف بدأ كل شيء؟ ” وقالت “في ديسمبر 2018، حاولت الحكومة تجنب الانهيار الاقتصادي الناجم عن سنوات من العقوبات الأمريكية وفقدان عائدات النفط من خلال فرض تدابير تقشف طارئة وتخفيض حاد في قيمة العملة. وأثار خفض دعم الخبز والوقود مظاهرات في الشرق بشأن ظروف المعيشة، لكن سرعان ما امتد الغضب إلى العاصمة الخرطوم.”

في الواقع أن كل من تابع الأوضاع السياسية يعلم أن نظام الإنقاذ حاول جاهدًا مرارا وتكرارا رفع الدعم وتعويم سعر الصرف، لكن المقاومة الشعبية الشرسة – حتى انتفاضة سبتمبر 2013 التي رفضت هذه السياسات واستشهد فيها المئات – أجبرت النظام على التراجع مرة بعد أخري. وتقريبا جميع قادة وأحزاب ونقابات قوى الحرية والتغيير عارضت حينها محاولات النظام لتنفيذ هذه السياسات. إن تصوير سياسات رفع الدعم و”تعويم “سعر الصرف كقطيعة مع سياسات النظام القديم مناورة لا تسندها حقائق وتهدف باسم الثورة لتطبيق سياسات النظام القديم المفضلة التي لم يملك ما يكفي من السند الشعبي ورأس المال السياسي لتمريرها. وربما أمكن الادعاء مجازا في ميتافيزيقية هيغلية تاريخية بأن عقل النيو ليبرالية الكلي لما رأي افلاس الإسلاميين عن تقديم القرابين في معبد توافق واشنطن قرر استبدالهم بصفوة تصلي غرباً حظها في السند الشعبي أوفر لغموض معدنها أولاً ولأنها حابت الشعب في صراعه مع الفاشية الاخوانية ثانيا ولان الشعب أصابه من الإحباط والاكتئاب ما يكفي لشل مقاومته مؤقتاً، ومؤقتاً فقط.

حضور قوي للصين وفيتنام وغياب بوليفيا اوزبكستان:
ومن أغرب الأكروبات التي استخدمها دعاة التعويم ورفع الدعم هو استدعاء التجربة الصينية والفيتنامية لتحليل التعامل مع البنك الدولي والصندوق. تبدو هذه الغرابة من أن كلاً من الدولتين تصف نفسها بأنها اشتراكية ويتربع على حكومتيها حزبان شيوعيان وقامت النهضة الاقتصادية فيهما بقيادة دولة كثيفة التدخل في الاقتصاد بالشركات الحكومية الكبرى والتوجيه اللصيق للقطاع الخاص والسيطرة على نشاط راس المال الأجنبي وتوجيهه وهذا هو عكس ما يدعو اليه البنك والصندوق من ترك التنمية ليقودها القطاع الخاص وانسحاب الدولة من فضاء الاقتصاد إلا في حدود مساعدة القطاع الخاص وخصخصة الشركات الحكومية. كما أن الخطاب يختزل التعامل مع المؤسستين في قضيتي الدعم والتعويم رغم ان تعاون الدولتين معهما ركز على تطوير البنى التحتية والقدرات الإنتاجية، بشروط الدولتين، وداخل إطار خططهما التنموية المستقلة.

ولم يكن هناك أصلاً مشكل سعر صرف في الصين، لأنها لم تعوم سعر الصرف، بل اختارت أن تبقي العملة الوطنية في مستوى أقل من سعر السوق الحر، لزيادة صادراتها، وتقوية القطاع الوطني المنتج لبدائل الواردات، وقد نجحت في ذلك أيما نجاح.

ولكن لا يمكن القول بأن تخفيض سعر الصرف في السودان سينعش الصادرات لأسباب عديدة منها ضعف المرونة السعرية للصادرات والواردات كما أن ضعف البنية التحتية وتآكل القاعدة الإنتاجية يجعل من الصعب على المستثمرين الاستجابة لتحسن سعر الصادر بزيادة الإنتاج في قطاعي الصادر والسلع البديلة للواردات. وقبل ذلك وعلى كل حال فأن مستوي الصادرات والواردات لا يعتمد على سعر الصرف الاسمي بـل على سعر الصرف الحقيقي – أي سعر السوق/البنك مقارنة مع معدل التضخم النسبي بين السودان مقابل معدلاته في بلدان المنافسين والشركاء التجاريين. وهذا يعني ان تنافسية قطاعي انتاج الصادر والسلع البديلة للواردات تتحسن فقط في حال بناء القدرات الإنتاجية مصحوبة بمعدل تضخم أقل من معدل انخفاض سعر صرف العملة الوطنية – مع الأخذ في الاعتبار معدل التضخم في بلدان المنافسين والشركاء التجاريين. وهكذا فان تحسين تنافسية الصادرات والسلع المنتجة محلياً كبدائل للواردات يتم أولا بالسيطرة على التضخم وأن تخفيض قيمة الجنيه في سياق تضخم انفجاري سوف يضعف التنافسية الدولية للاقتصاد السوداني بدلا عن تحسينها. ولهذا كررنا وما زلنا بأن أي محاولة اصلاح اقتصادي لا تبدأ بالسيطرة على التضخم لا تعدو ان تكون اهدار زمن ثمين بالحرث في بحر الوهم وهذا ما حدا بنا لوصف قرار زيادة المرتبات بنسبة 569 في المئة بأنه من الكبائر لاستحالة تمويله بغير زيادة ساعات عمل مطابع العملة السرطانية.

جادل هـا-جون تشانغ (استاذ الاقتصاد بجامعة كامبردج واحد المع المفكرين الاقتصاديين) انه على عكس مبادئ النيو ليبرالية ارتكزت النهضة الفيتنامية على تدخل الدولة وقيادتها للتحول الاقتصاد وخير مثال على هذا النهج هو صناعة السفن والتي رغم من انها لم تكن موجودة في عام 2002، الا ان فيتنام أصبحت بحلول عام 2014 تحتل المركز السابع على مستوي العالم في صناعة السفن. ووضعت فيتنام خطة مفصلة لتطوير الصناعة، بما في ذلك إنشاء مؤسسة مملوكة للدولة، وتقديم قروض مدعومة، وحوافز للشركات لإعادة الاستثمار، وإعفاء ضرائب التصدير وإيجار الأراضي. وركزت حكومة فيتنام أيضا على زيادة المحتوى المحلي للصناعات، وتوفير القروض لتكاليف البنية التحتية. يُظهر هذا سياسة صناعية قصدية ومدروسة لإحداث التغيير، وربط الدولة بالقطاع الخاص وتوجيهه وتعزيز الروابط الخلفية والأمامية التي يمكن أن تقود الصناعة للمساهمة في تعزيز الاستثمار المحلي والعمالة والإنتاج في عملية تحول شاملة.

ولا يحتاج إدراك فساد المنطق إلى معرفة لصيقة بالصين وفيتنام لأن من أتى به يرتكب خطيئة ابستمولوجية لا تجوز بخلطه بين الارتباط والسببية. فوقوع حدث بالتزامن مع آخر لا يثبت أن أحدهما سبباً والآخر نتيجة. ولو جاز استنتاج سببية متسرعة من تجربة الصين وفيتنام فإن نجاعة وصفة البنك ليست الاستنتاج الوحيد المعقول. فمن الممكن مثلا، بمنطق الارتباط الذي لا نتبناه، الاستنتاج بأن قيادة حزب شيوعي للتنمية هو شرط نجاحها أو أن قيادة الدولة لها حظها اوفر في النجاح أو علي الأقل أن الحكومات الشيوعية أقدر على التفاوض مع البنك بما يخدم قضايا التنمية. ليس الغرض هنا القفز الي أي من هذه الاستنتاجات بتعجل بـل الهدف هو إبراز أن سلامة روشتة البنك ليست الاستنتاج الوحيد الجائز ولا حتى الأكثر منطقية من استنتاجات بديلة متاحة لا نود ان نخوض فيها هنا باتفاق أو اختلاف.

وبدلا من الدفاع عن السياسة الاقتصادية بـالاستشهاد بدولتين تعلنان عن اشتراكيتهما تحت حكم حزبين شيوعيين وفي سياق تنمية قادتها وما زالت تقودها دولة طويلة الذراع للتدخل الاقتصادي كان من الأنسب والأكثر واقعية استصحاب نتائج تجربة السودان مع الصندوق منذ سبعينات القرن الماضي ونتائج التطبيق المستمر لسلسلة متناسلة لا تنقطع من نفس البـرامج التي يراقبها الصندوق في ربع القرن السابق منذ 1997 بلغت أربعة عشر برنامجاً. كما كان من الممكن استصحاب نتائج برامج الصندوق في دول أفريقيا جنوب الصحراء – لأنها أقرب لواقع السودان في البنية الاقتصادية وطبيعة المشاكل.

وبدلا عن الاستشهاد بتجربة السودان وتجارب دول افريقية شبيهة يتم استدعاء تجارب دول تسمي نفسها اشتراكية وتحكمها أحزاب شيوعية تسيطر على مقابض الاقتصاد والسياسة، بما في ذلك سيطرتها على الشركات الخاصة الخاضعة لتوجيه الدولة.

ولو كان هناك درس لازم من تجارب الصين وفيتنام، فهو لا يتعلق بمحاسن النيو ليبرالية، إذ أن دليله يشير إلى ضرورة قيادة الدولة للتحول الاقتصادي، وأن يلعب القطاع الخاص دوراً مكملاً، في إطار سياسة الدولة، وبإشرافها، في إطار سياسة صناعية، جيدة التصميم، والانتباه للأهمية الحاسمة لصيانة السيادة الوطنية، واستقلال القرار الوطني، والاقتصادي، والاستثمار في التعليم، والبنى التحية المادية والتكنولوجية.

نجاح بوليفيا وأوزبكستان يثير الحيرة:
وصف هـا-جون شانغ أيضاً سياسة أوزبكستان الصناعية، كدليل على أن الدول التي رفضت الدوران في فلكي البنك الدولي وصندوق النقد كانت الاوفر حظا في تحقيق التنمية الاقتصادية. فمنذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في عام 1989، أصبحت أوزبكستان معروفة بـسياساتها الاقتصادية غير التقليدية، على عكس دول الكتلة السوفيتية السابقة.

في وقت مبكر في التسعينيات من القرن الماضي، تدخل صندوق النقد الدولي لتقديم توصياته المعروفة لأوزبكستان مثل التحرير السريع للأسواق والأسعار، والانفتاح على التجارة الخارجية والاعتماد على التمويل الخارجي والخصخصة، وتحرير الاقتصاد من سيطرة الدولة، وتشديد سياسات المالية العامة والسياسات النقدية.

ولكن بقيادة إسلام كريموف رفضت أوزبكستان هذه التوصيات، واختارت التحول التدريجي لاقتصادها. وانتقد إسلام كريموف علناً سياسات النيو ليبرالية، وقال إن نموذج الإصلاح والتحديث المقترح من الصندوق يعني منذ البداية إعادة أساليب الصدمة والتي فرضت باستمرار على بلده، وكذلك الارتهان إلى المفاهيم الساذجة والمضللة حول طبيعة اقتصاد السوق.

أدى هذا التوجه الاقتصادي إلى وابل من الانتقادات من المؤسسات المالية الدولية ومن مروجي الفكر الاقتصادي السائد الذين بشروا بالفشل الوشيك لأوزبكستان. وفي عام 2001 سحب صندوق النقد الدولي ممثله الدائم في البلاد بعد فشلها في الوفاء بالتزاماتها كعضو في الصندوق. وفي أبريل 2004 أوقف البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مساعداته نتيجة لعدم تنفيذ إصلاحات تتماشي مع اقتصاد السوق.

على الرغم من مخالفة شروط المؤسسات الدولية وعلى الرغم من حقيقة أن أوزبكستان بلد غير ساحلي بالضعف (لا بحر له ومحاط بدول لا بحر لها)، فقد كان أداء البلد الاقتصادي جيدًا في فترة ما بعد الصندوق. بحلول عام 2001 صارت أوزبكستان الدولة لأولى من بين الجمهوريات السوفيتية السابقة التي استعادت التوازن الاقتصادي. واستمر معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط ​​عند حوالي 4 في المئة في أوائل القرن، ثم تسارع إلى أكثر من 7 في المئة بحلول2004 وتجاوز 9 في المئة في عامي 2007 و2008. معظم النمو السريع منذ عام 2001 أتي على ظهر القطاع الصناعي وازدهرت صناعة السيارات وتعززت رفاهية الشعب. المؤسسات المالية الدولية ومروجو الفكر الاقتصادي السائد الذين بشروا بفشل أوزبكستان، عز عليهم مراجعة وصفاتهم، واكتفوا بوصف نجاح أوزبكستان بأنه أمر يثير الحيرة.

أما في بوليفيا فقد صعد حزب الحركة الاشتراكية بقيادة إيفو موراليس إلى الحكم في 2006 إلى 2019 وحقق إنجازات مشهودة ومذهلة. يقول مارك شنايدر من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي “ليس هناك شك في نجاح النظام في رفع مستوى معيشة الفقراء، وفي بوليفيا يعني ذلك مجتمع السكان الأصليين”.

كذلك أقر البنك الدولي وصندوق النقد بالقفزات الاجتماعية والاقتصادية التي حققتها بوليفيا تحت قيادة موراليس حيث حققت أدني نسبة بطالة في أمريكا الجنوبية (اقل من 4 في المئة) وأعلى نمو اقتصادي حيث نما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بمتوسط 4.8٪ سنويًا من 2004 إلى 2017، بينما انخفضت نسبة المواطنين الذين يعيشون في فقر مدقع بأكثر من النصف – من 36٪ إلى 17٪ خلال تلك الفترة. وتم رفع الحد الأدنى للأجور من 60 دولار إلى 310 دولار في الشهر. وارتفع متوسط العمر المتوقع بنسبة 9 سنوات وكادت الأمية أن تختفي وانخفض معدل التسرب المدرسي ومعدل وفيات الرضع ووفرت الدولة رعاية صحية مجانية لمرضى السرطان.

وتم تقليص الفجوة بين الجنسين بتمليك الأراضي للنساء وتقدمت بوليفيا في نسبة مشاركة للمرأة في البرلمان. وحسب الأمم المتحدة فان النساء يشغلن 53 في المئة من مقاعد البرلمان في الدولة متعددة القوميات، وهي ثالث أعلى نسبة على مستوى العالم. وأصبحت أدريانا سالفاتيرا رابع امرأة يتم انتخابها كرئيسة لمجلس الشيوخ في 2019. وتعتبر الشابة التي بالكاد تعدت الثلاثين ربيعًا أصغر شخص يشغل هذا المنصب في أمريكا اللاتينية.

ونسب ايفو موراليس في خطابه للأمم المتحدة هذه الإنجازات التي تحققت في وقت قصير إلى ضمير الشعب، والحركات الاجتماعية، من السكان الأصليين والفلاحين والعمال والمهنيين، من الرجال والنساء، في الريف والمدن وأيضا تحققت هذه الإنجازات بفضل تأميم الموارد الطبيعية والشركات الاستراتيجية والسيطرة على المصير الوطني وبناء نموذج اجتماعي اشتراكي منتج، يعترف بالخدمات الأساسية (الماء والكهرباء والمواصلات) كحق من حقوق الإنسان.

ولكن في نهايات 2019 تغول العسكر بشبه انقلاب وتم ابعاد موراليس ولكن في نهاية عام 2020 اعادت الانتخابات حزب الحركة الاشتراكية للحكم هذه المرة بقيادة الرئيس الجديد لويس آرس الشيء الذي أتاح لموراليس العودة من منفاه.

بعد عودته إلى الحكم قرر حزب الحركة الاشتراكية في فبراير 2021إعادة قرض حصلت عليه الحكومة السابقة بقيمة 350 مليون دولار إلى صندوق النقد الدولي. وقال البنك المركزي إنه أعاد قرضا قيمته نحو 346.7 مليون دولار بما في ذلك 4.7 مليون دولار من الفوائد والعمولات لتفادي إرهاق اقتصادها بالديون والتكاليف دون داع. وقال البنك أيضا إنه سيبدأ إجراءات إدارية ومدنية وجنائية ضد المسؤولين عن التفاوض على القرض مع صندوق النقد الدولي.

خلاصة القول إن القضية لا تنتهي عند الثنائية الصفرية بين التعامل مع صندوق النقد الدولي أو مقاطعته، فذلك من التبسيط والتسطيح. وعلى الذين يتحججون بان معظم دول العالم، إن لم يكن جميعها، تتعامل أو تعاملت مع صندوق النقد والبنك الدولي ان لا ينسوا أن السؤال المحوري يتعلق بشروط التعامل وسلامة منطقه وهل يأتي منطلقا من رؤية تنموية وطنية مستقلة ام يأتي عن طريق تحويل صانع القرار السوداني إلى مترجم تابع لما يقرره الخارج لأمبـدة التي يفترض أنه أدري بشعابها.

أيضا من المعروف في أدبيات الاقتصاد الجادة، بما في ذلك توماس بيكيتي في كتابه الرائع راس المال في القرن الواحد وعشرين، ان كل تجارب التنمية الناجحة في آسيا اعتمدت على رأس المال المحلي، وليس على رأس المال الأجنبي ولا الهبات. وهكذا نمت الصين وكوريا واليابان وتايوان بالتركيز على رأس المال المحلي بما في ذلك الاستثمار في رأس المال البشري والتعليم والتكنولوجيا والتدريب واكتساب المهارات، وما إلى ذلك. وما زالت الصين تفرض قيودًا شديدة على رأس المال الأجنبي.

ولك ان تقارن ذلك بأفريقيا التي تعتمد على رأس المال الأجنبي. فتح الدول الافريقية الأبواب لراس المال الأجنبي تنفيذا لشروط البنك والصندوق نتج عنه ان الاجانب يملكون ما يقارب 40 في المئة إلى نصف راس المال الصناعي في القارة ويترتب على ذلك ان الدخل الذي يجنيه المستثمرون الأجانب ويحولونه إلى الخارج يبلغ ثلاثة أضعاف المساعدات التي تحصل عليها القارة. هل هذا هو طريق التنمية الذي يناسبنا ونتمنى ان نسير عليه؟

تحوط خطاب التعويم
عد ان القت الحكومة قنبلة مقاربة “التعويم” أصاب الداعون اليه بلا كلل أو ملل رعب احتمال الفشل العمودي فهبوا إلى التحفظ على المولود تحوطا ورفعوا درع أهمية استيفاء شروط مسبقة لنجاح التعويم أو على الأقل شروط يتم تطبيقها بالتزامن معه. وهذا القول صحيح ولكن ذهل الخطاب الحكومي واربابه عن واجبهم بالتنبيه لأهمية استيفاء هذه الشروط ولم يذكروا كلمة واحدة عنها أثناء حملة التسويق للتعويم كما كان واجبا اضافة إلى ذهول الخطاب حتى الان، بما في ذلك الصندوق، عن اثبات أو حتى مناقشة إمكانية استيفاء هذه الشروط فورا وبالتزامن مع التعويم او في فترة قصيرة وعلى يد هذه الحكومة ذات الكفاءة المعروفة وفي سياق هذه الهشاشة الشاملة والتوازنات السياسية-الاقتصادية الحرجة.

وليس في الأمر جديد. فقد تولى صندوق النقد زمام إدارة سياسات الاقتصاد الكلي في نهاية سبعينات القرن الماضي حين تم تطبيق الوصفة التي ساهمت في اسقاط نظام النميري كما طبق نظام الإنقاذ أكثر من عشر من نفس البرامج التي يراقبها الصندوق منذ 1997 وإلى يوم سقوطه وكان الافتراض الضمني والصريح أحياناً أن تحسين التطبيق والإخلاص فيه سيأتي بنتائج مختلفة.

وهذا يعني أن التبرير جاهز في حالة فشل التعويم، وهو أن الفكرة صحيحة، لكن لم تطبق بشكل سليم، بعدم استيفاء شروط نجاحها، والحل هو التطبيق الصحيح لجرعة أعلي من نفس الوصفة في الجولة القادمة من التاريخ الدائري للاقتصاد السوداني، ليدخل الشعب نفس المسلخ مرة أخرى.

كثيرًا ما شبه مفكرون الأيديولوجية النيو ليبرالية بالأصولية الدينية، فكلاهما يجنح للتبسيط المخل الذي يناسب الكسل الذهني وكلاهما يعملان كمعتقدات دينية دوغمائية لا تأبه ببراهين أو أدلة أو حقائق أو منطق. إذ لا يقوم المؤمنون بالنيو ليبرالية والأصولية الدينية أبدًا بمراجعة أو إعادة النظر في موقفهم استنادًا على الأدلة ونتائج التطبيق أو الحقائق التجريبية فديدنهم تجريب المجرب بوتيرة راتبة والتسويق بان النتيجة سوف تأتي مختلفة كل مرة وهذا ضرب من الجنون في ميزان آينشتاين.

ما العمل؟
حين جادلنا صانع القرار الحكومي في قضايا سياسات سعر الصرف كثيرا ما سأل المعلقون ما العمل؟ ما هو الحل؟ وهذا سؤال مشروع ومفهوم وهام يأتي صادقا مرات وأحيانا يأتي بخبث لتسويق أسطورة عدم وجود بديل لخيارات الحكومة التي يتم تصويرها بحسن نية أو غير ذلك على انها على قسوتها تظل ليس فقط الخيار الوحيد المتاح بل الخيار الأمثل.

بداية نذكر بأننا رددنا كثيراً، أن وجود سعري صرف وفجوة واسعة بينهما هو مشكلة حقيقية واجبة الحل. وفي هذا نتفق مع خطاب الحكومة. ولكن الاتفاق على وجود مشكلة لا يعني الاتفاق حول كيفية تجاوزها فمن الحلول الجزافية ما قتل.

وقد طرحنا الخيار أدناه للرأي العام سابقاً، مراراً وتكراراً، قبل التوجه الجديد بفترة طويلة، لذلك لا يمكن وصفه بأنه يأتي متأخراً. في معالم الخروج من الأزمة، اقترحنا أنه يجب أن يعي صانع السياسة الأهمية الحاسمة لترتيب وتعاقبية خطوات الإصلاح، بصورة منظمة، ومدروسة، حتى لا يتم نحر الاقتصاد ببدء الإصلاح من حلقة النهاية، قفزاً على الخطوات الأولى التي لا غنى عنها.

القضية الأهم في المرحلة الاولي – قبل جذب تحويلات المغتربين عبر البنوك الرسمية – هي إيقاف انهيار سعر الصرف وتنظيم سوق العملات الأجنبية وتقنينه. يبدأ حل مشاكل سوق العملات الأجنبية بالسيطرة على عجز الموازنة والفطام عن الافراط في طباعة العملة كشروط لازمة لاحتواء التضخم.

عجز الموازنة هو الفرق بين إيرادات الحكومة وصرفها. لذلك يمكن احتواءَه بتقليل الصرف الحكومي غير المنتج على الأجهزة الأمنية والبيروقراطية وعبر ترشيق جهاز الدولة المترهل على مستوياته الفدرالية والولائية. وأيضا يتم تجسير العجز بزيادة الإيرادات عن طريق الضرائب التصاعدية على الدخول والارباح العالية، بما لا يثبط الإنتاج، ولا على حساب المواطن العادي، وعن طريق انهاء التهرب الضريبي والجمركي والإعفاءات وعن طريق تفعيل ولاية وزارة المالية على المال العام الذي يشمل مداخيل شركات الأمن والجيش والدعم السريع بما انه جزء من المؤسسة العسكرية، إضافة إلى تعظيم العوائد الجليلة على أنشطة التعدين والأنشطة الاستخراجية.

وبعد ان تتم السيطرة على التضخم وتهدأ نيرانه لفترة معتبرة يبدأ العمل على سعر الصرف الرسمي بـتخفيضه لردم الهوة بينه وبين سعر السوق الأسود إلى أن تختفي. وبعد ذلك يتم تبني نظام سعر صرف من نوع الربط الزاحف ينتج عنه استقرار ولكنه في نفس الوقت يوفر ما يكفي من المرونة لتعديل السعر متى ما تغيرت مؤشرات كَمِّية محددة في بيانات الاقتصاد الكلي مثل الميزان التجاري، وميزان المدفوعات، ومستوى احتياطي العملات الأجنبية مع البنك المركزي وفروق التضخم مع الشركاء التجاريين والمنافسين في الأسواق العالمية.

وحين تنحسر الهوة بين أسعار الصرف، يتم إلزام كل المصدرين بتسليم البنك المركزي حصة معتبرة من عائدات العملة الأجنبية الناجمة عن النشاط التصديري، واستعمال ما تبقى منه في تمويل استيراد أغراض يحددها البنك المركزي، بناءً على أهميتها، ومشروعيتها الوطنية. ولن يكون ذلك صعباً، ولا قاسياً على المصدرين، لعدم وجود فرق يعتد به بين سعر رسمي وآخر أسود، لذلك لن تتضرر هوامش أرباحهم كثيراً. وفي جانب الواردات، تُفْرَض جمارك تصاعدية على السلع الكمالية، تزداد نسبتها مع ارتفاع درجة رفاهية السلعة، وكل ما ضاقت الشريحة الاجتماعية التي تستهلكها، ويتم أيضاً إعفاء السلع الأساسية، مثل الغذاء الأساسي، والدواء، ومدخلات الإنتاج.

هذا المنطق أعلاه يقر بأن تعدد أسعار الصرف مشكلة أساسية، واجبة الحل. ولكن الشيطان في تفاصيل الحل، وفي المدى الزمني للتحول، وهل يأتي متدرجاً بصورة مدروسة، وحسب معالم كمية في مؤشرات الاقتصاد الكلي، أم يأتي في جرعة علاج كيميائي واحدة شديدة الكثافة، قد لا يحتملها جسد الاقتصاد المنهك.

ونرى أن الحل الحكومي قد وضع العربة أمام الحصان، وأدخل رأسه في عادم العربة، حين اتجه نحو “تعويم” الجنيه قبل توفير شروط التعويم الناجح المذكورة أعلاه، وأولها وأهمها إنهاء هيمنة تمويل الصرف الحكومي بطبع العملة، بما يغذي نيران التضخم.

وهناك اقتصاديون معروفون يرون أن الحل الأمثل للمرض السوداني، هو نقيض التعويم، وينصحون بتبني أشد أنواع تثبيت سعر الصرف الرسمي. على سبيل المثال، ذهب بروفيسور ستيف هانكي، أستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبكنز الأمريكية إلى أن الحل الوحيد لمشكلة الانهيار المتفاقم لسعر الصرف في السودان، هو تبني مجلس عملة – وهو نظام سعر صرف يلزم الحكومة بالقانون بصرف/تحويل/بيع/شراء العملة الأجنبية للمواطن والمستثمر الأجنبي عند الطلب وبلا تأخير وبسعر صرف معلن وثابت لا يتغير.

وهذا النظام يقيد طباعة الحكومة للعملة الوطنية، إلا بعد توفير احتياطي يعادلها من النقد الأجنبي في البداية – يمكن تخفيفه لاحقاً – لأن القانون يلزمها بأن تبيع لأي مواطن، أو مستثمر أجنبي، الدولار بسعر ثابت عند الطلب، وهذا يتطلب أن يكون جل العملة الوطنية الدائرة في الاقتصاد مدعومة بمكون أجنبي جاهز في خزائن البنك المركزي.

البروفيسور ستيف هانكي هو، حسب سيرته في ويكيبيديا، أيضا زميل أول ومدير مشروع العملات المضطربة في معهد كاتو في واشنطن العاصمة والمدير المشارك لمعهد جامعة جونز هوبكنز للاقتصاد التطبيقي والصحة العالمية ودراسة الأعمال. اشتهر هانكي بعمله في اصلاح نظم العملات في بلدان الأسواق الناشئة وألبانيا، الأرجنتين، بلغاريا، البوسنة والهرسك، الإكوادور، إستونيا، إندونيسيا، جامايكا، كازاخستان، ليتوانيا، مونتي نيغرو، روسيا، فنزويلا، ويوغوسلافيا. وكان أحد كبار الاقتصاديين في مجلس مستشاري الرئيس رونالد ريغان وعمل مستشارًا لرؤساء دول في أنحاء آسيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا والشرق الأوسط. وهو معروف أيضًا بعمله النظري والتطبيقي الرائد في مجالس إدارة العملات، والدولرة، والتضخم المفرط، وتحليل تكلفة الفوائد، والخصخصة، وغيرها من الموضوعات في الاقتصاد التطبيقي.

لاحظ أن مجلس العملة هو العكس، بل النقيض المطلق، لتعويم الجنيه. وحتى لو تحفظت الحكومة عليه كحل الا أنه كان بإمكانها تبني نظام مثل الربط الزحف كخطوة أولى، بما أنه يحقق استقراراً في قيمة سعر الصرف – مشروط بسياسات نقدية، ومالية، متسقة، وداعمة – ويوفر مرونة لصانع القرار، ويعفيه من مشقة الالتزام بتوفير عملات أجنبية، تساوي نسبة عالية مما طبعته، وما ستطبعه من عملة محلية.

وبعد صدور قرار تطبيق نظام الصرف الجديد، غرد البروفيسور هانكي مرة أخرى وقال “في حركة موهومة، خفض السودان عملته. هذا لن يساعد في الخروج من الأزمة الاقتصادية في السودان – أي فوائد قصيرة الأجل ستختفي بسبب التضخم.” وهذا ما رددناه بلا كلل من أن الشرط اللازم لأي اصلاح اقتصادي هو لجم جماح التضخم أولا وكأولوية قصوى. وبعد ذلك غرد هانكي مرة أخرى أن “سياسة التعويم (المرن) المدار لن تنجح أبدًا وإن ما يحتاجه السودان هو مجلس عملة مثل الذي ساد في فترة 1957 – 1960.”

إذن تحفظنا على نهج الحكومة لا يتعلق بهدف توحيد سعر الصرف. أي مفكر اقتصادي جاد لن يجادل في أهمية هذا الهدف، ولكن الخلاف يكون في تفاصيل الرحلة، وسرعتها، وفي كيفية مقاربة الهدف، والوصول إليه، وكما نبهنا فإن درب الآلام الذي سلكته الحكومة، حظه ضعيف في تحقيق الهدف المعلن، وشحيم في زيادة أوجاع ما تبقي من الطبقات الوسطى والدنيا.

في الختام نلتزم بما لا يلزم في ظرف ثقافي عادي، ونجد أنه لا مفر من تكرار ما كان يجب أن يكون واضحًا طوال الوقت وهو إن الهدف من فحصنا النقدي للسياسة الاقتصادية لا يأتي من رغبة في تثبيط عزيمة الحكومة أو اكتشاف عيوبها المتوفرة بكثرة في كل ملف وذلك إدراكا لان في نجاح السياسة الاقتصادية عبور السودان إلى بر آمن. بدلاً من ذلك، هدف الفحص النقدي هو التأكيد على أنه لإدارة الاقتصاد بفعالية، تحتاج الحكومة أولا إلى امتلاك وعي واضح بـآلياته وطرق عملها. لا يستطيع أحد حل مشكلة لا يفهمها ولا يستطيع ان يدير أوضاعا من عتمة تعقيدها تستعصي على قدراته التحليلية.

شرط البداية اللازم للتعافي الاقتصادي هو توفر صانع السياسة على فهم واقعي واضح وصادق عن كيفية عمل الاقتصاد السوادني وعمل أسواقه المختلفة. لسوء الحظ، فإن هذا الفهم يتطلب مهارات تحليلية وازنة ومقدرة على مقاربة الواقع بـالتفكير الأصيل الذي لا يحفظ المراجع عن ظهر قلب وانما يهتدي بها نقديا لتحليل واقع سوداني فريد لا يشبه غيره ولا توجد وصفاته في كتاب يُحْفَظ ويُخٓزٓن فِي الذاكرة وَيُسٓمَّع لاحقاً من كرسي الحكم بثقة تتوسل عبء الانسان الأبيض في اخراج الشعوب من ظلامها الذاتي إلى نور الحداثة النيو لبرالية.

معتصم أقرع

Post: #26
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-21-2021, 01:17 AM
Parent: #25


Post: #27
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-28-2021, 02:42 PM
Parent: #26

إعفاء الديون: فرحة أبو جهل بمرود الكحل


يقول المثل السوداني " جبل الكحل هدنوا المراويد "، وهو كناية عن أن مثابرة وعزم الصغار يستطيع منازلة وهزيمة الكبار، أو أن الأشياء الصغيرة يمكن أن تحدث تغييرات كبيرة، وبهذا الفهم تلقف أبو جهل السوداني بفرحة كبيرة مرود القرض التسييري الأمريكي لتسديد متأخرات ديون السودان، على أمل أن يؤدي ذلك إلى إعفاء كلي لديونه البالغة 70 مليار دولار في نهاية المطاف وهيهات، فلا المرود الأمريكي مرود كحل ولا جبل الديون جبل كحل، فهو سكين مثلومة تناطح جبل فولاذ الديون الذي يحمله على عاتقه الشعب المغبون، وأبو جهل هو بعض الاقتصاديين الفطاحل وبعض الهتيفة من المصفقين الدائمين للحكومات وللجن الكلكي في كل حين ماض وآت، والجهل هنا إما تجهيل أو تجاهل للقصة الحقيقية لفكرة إعفاء ديون الدول الفقيرة بشروط الأغنياء، وتطبيقها على أرض الواقع والنتائج التي ترتبت عليها، وهي قصة ذات شجون وجنون، أو جهل حقيقي بما حدث للدول التي تم إعفائها فعلاً من الديون، وذلك بعدم قيام أبو جهل بالهوم ويرك تبعه، وإعفاء ديون الدول الفقيرة هو مطلب كل الأحرار في العالم، في الدول الغنية وفي الدول الفقيرة، وهو أولاً وأخيراً مطلب الشعوب نفسها، التي لم تستفد أي شيء من هذه الديون، بل وتدفع من دمها وعرقها لتسديد أصول هذه الديون وفوائدها دون جدوى، والتي ذهبت جهاراً نهاراً إلى جيوب الفاسدين في حكومات الدول الفقيرة، تحت سمع وبصر الدائنين المتواطئين، وهنا في هذه السطور السريعة سنورد القصة الحقيقية للدول التي تم اعفائها فعلاً من الديون وحالها اليوم، حيث عادت إلى سيرتها القديمة، عودة حليمة إلى عادتها القديمة، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت، بإيراد الأرقام الباردة التي لا تترك شاردة أو واردة، والاقتصاد يحب الأرقام، والتي سوف تصفع الوعود الكاذبة التي يبشر بها حمدوك وإبراهيموك وهبتوك وجبريلوك كوزوك وكل أصحاب النيولبرالوك، إذا سرنا في درب الصراط المستقيم تبع صندوق النكد الدولي والبق الدولي، بترك السوق الحر إله الرأسمالية يمارس ديكتاتوريته على الفقراء والكادحين دون حسيب أو رقيب، وهو مثال واحد فقط مكون من 18 قصة لـ 18 دولة تم إعفاء ديونها، حيث اجتمع وزراء مالية مجموعة الثمانية في لندن في يونيو 2005 وقرروا إلغاء كامل بنسبة مائة بالمائة لديون الدول الفقيرة الأكثر مديونية، وهي 18 دولة وتشمل كل من بنين، بوليفيا، بوركينا فاسو، إثيوبيا، غانا، غويانا، هندراوس، مدغشقر، مالي، موريتانيا، موزمبيق، نيكاراغوا، النيجر، رواندا، السنغال، تنزانيا، أوغندا وزامبيا، وانفض سامر الأغنياء الثمانية وتاسعهم وعاشرهم كلبيهم المعروفان، أول حرف من اسم الأول صاد وأول حرف من اسم الثاني باء، وكل يغني على ليلاه، بينما عادت مجموعة الثمانية عشر جزلة فرحة بما تم إلى سيرتها الأولى وكأن شيئاً لم يكن، حيث نمت الديون من جديد بشكل سرطاني، وسط صمت تام من الدائنين والمدينين وتطبيل المطلبين المروجين لنجاحات لا توجد سوى في عقولهم الخربة، وهذا هو حالها اليوم بعد مرور 15 عام منذ إعفاء ديونها، مسنود بأرقام باردة لا تكذب، تمد ألسنتها لأوهام حمدوك ديستان وشلته:

بنين:

1

بوليفيا:
2

بوركينا فاسو:
3

إثيوبيا:
4

غانا:
5

غويانا:
download-2

هندراوس:
7

مدغشقر:
8

مالي:
9

موريتانيا:
10

موزنبيق:
11

نيكاراغوا
12

النيجر:
13

رواندا:
14

السنغال:
15

تنزانيا:
16

أوغندا:
17

زامبيا:
18

Post: #28
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-30-2021, 03:12 AM
Parent: #27

إذن ما هي الخلاصة التي نخرج بها من قصص مجموعة الثمانية عشرة أعلاه ؟

أولاً، أن طريق الديون وفق روشتة صندق النكد والبق الدولي لم ينجح في أي مكان، وحتى في البلدان القليلة التي طبقت الوصفة السامة وشهدت استقرار نسبي، فلا يعني الأمر في الواقع سوى أنها قامت بـ "kick the can down the road"، كما يقول الخواجات، أي أنها هربت من مواجهة المشكلة وتأجيلها إلى أجل غير مسمى، والتي سوف تنفجر في لحظة ما في المستقبل لا محالة، فشعوبها تعيش على الديون وعطايا الآخرين، الذين تتضخم ديونهم بشكل سرطاني، ولن تستطيع أبداً سدادها، ومن لا يملك قوته لا يملك قراره وسيادته، وهذا أمر بديهي ومعروف، لكن لن تستطيع أن تغمض عينيك مع الشحاذين الدوليين من أصحاب الياقات البيضاء السودانيين الشايلين قرعاتهم ويتسولون على موائد اللئام الدولية، وسط تهليل تابعيهم المطبلين لكل الحكومات ومعارضي معارضتها من أبو جهلوك وناس عوك عوك، واصرارهم على المضي في طريق معروفة نتائجه سلفاً، والبجرب المجرب عقله مخرب، والذي يعتقد أنه سيأتي بما لم تستطع أن تأتي به الأوائل والسابقين، وهم أكثر ذكاء ودهاء وخبرة من حمدوك وإبراهيموك وهبتوك وجبريلوك كوزوك، وبلدانهم أغنى وأكثر تطوراً من السودان بما لا يقاس.

ثانياً أن شطب الديون هو مطلب الشعوب الحرة، لكي تفك قيدها وتبدأ بداية جديدة معتمدة على إمكاناتها الذاتية، وهذا ما حدث في ماليزيا وفي البرازيل، أما بالنسبة لحمدوك ديستان والشلة إياها وأبو جهلوك وناس عوك عوك، فإن شطب الديون هو من أجل الشحذة والاستدانة من جديد وبنهم ودون حس أو خجل أو فهم، ويعني ذلك فك قيد وإحلال قيد جديد، وقد رأينا أعلاه قصص 18 من دول العالم تم إعفاء ديونها، واستناداً على الأرقام الباردة التي لا تكذب، وكيف أنها لم تستفد من تجاربها وعادت للاستدانة من جديد، فنمت ديونها من جديد وبشكل سرطاني وخلال فترة قصيرة، والتي تسخر وتكذب بشكل خاص وزير المالية الأسبق دكتور إبراهيم البدوي، لمهاجمته أحزاب واقتصاديين أكفاء، وأتحداه أن يجيب على هذا السؤال وهو، بافتراض أنك تعلم أن إعفاء ديون 18 دولة لم يؤدي إلى أي نتيجة، وعادت هذه البلدان إلى سيرتها القديمة، حيث نمت الديون من جديد وبشكل سرطاني وبشكل أكثر شراسة، إذن لماذا تصر على المضي في طريق نتيجته معروفة سلفاً ؟.

ثالثاً هناك أسئلة مهمة وهي:

ـ هل فشلت سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ؟

نعم وبدون شك، وهناك دعوات منذ سنوات في أوساط الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في أمريكا، لحل هاتين المؤسستين، فهم يؤكدون فشلهما لكن دعوة الحل تنصب على أنهما يضران بدافع الضرائب الأمريكي وليس الدمار الذي لحق بالدول المدينة في العالم الثالث.

ـ هل يعترف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بهذا الفشل ؟

أبداً ويدعون نجاحات ليس لها وجود حقيقي على أرض الواقع، لكنهم في الواقع يعترفون ضمنياً بالفشل عندما يواصلون الإقراض، بل ويشطبون الديون كلها، والبدء في الإقراض من جديد، بعد أن تكون الدول المعنية قد طبقت روشتتهم بحذافيرها من الألف للياء، فإذا كانت روشتتهم أو وصفتهم صالحة لكل زمان ومكان كما يزعمون، فلماذا تشطب الدين وتعيد الإقراض من جديد يا بق دولي ويا نكد دولي ؟!.

ـ إذن لماذا يصر البنك الدولي وصندوق النقد على تقديم القروض والتمويل، رغم هلاك ديونه وفشل سياساته ؟.

لأن الهدف غير المعلن هو السيطرة على هذه الدول وعلى سيادتها وإرادتها، ونهب ثرواتها، فالرأسمالي العقلاني النموذجي يسعى في المقام الأول إلى تحقيق الربح، ولن يدخل في مشاريع تأكد فشلها أكثر من مرة.

Post: #29
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 03-30-2021, 03:14 AM
Parent: #28


Post: #30
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 04-03-2021, 11:40 PM
Parent: #29

اللّجوء إلى صندوق النقد الدولي: ضرورة إصلاحيّة أم مقدّمة لأزمة سيادية تُفضي إلى انهيار أكبر؟

ريان فاخوري

2020-04-11 |


كثُرَ الحديث في الأيام الأخيرة عن إمكانية – أو حتمية – اللجوء إلى صندوق النقد الدولي (IMF) للتصدّي للأزمة المالية والنقدية الخانقة في لبنان. ضغوطات الدين العام متصاعدة بلا هوادة، وتتصاعد معها النداءات لوضع “خطة إنقاذ اقتصادية” قادرة على إخراج الدولة من مأزقها وتفادي الانهيار الكامل. يسود هذا الحديث حالة فزع وهلع جماعية يواكبها ارتباكٌ كاسح من التداعيات المحتملة لهذا المسار. ففيما يصرّ البعض على ضرورة اللجوء إلى صندوق النقد بصفته المنقذ من الأزمة، يذهب آخرون إلى التحذير من أنّ هذه الخطوة سوف تمثل آخر مسمار في نعش الاستقلالية الوطنية وارتماءً على طاولة الإملاءات الخارجية التي تهدف إلى إخضاع لبنان لنهج النيولبرالية المطلقة تحت الرعاية الأميركية.
في ظل حالة الإلتباس هذه، نحاول هنا تسليط الضوء على تاريخ وممارسات صندوق النقد الدولي، بهدف توضيح القضايا والأسئلة الأساسية التي يطرحها خيار اللجوء إليه.
تأسيس وتطوّر صندوق النقد الدولي
كثيراً ما يُطلَق مصطلح “مؤسستا بريتون وودس” على ثنائية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، نسبةً للمؤتمر الدولي الذي انعقد في العام 1944، والذي هدف إلى إعادة هندسة المنظومة الاقتصادية والمالية الدولية سعياً لتفادي المزيد من الكوارث الاقتصادية كتلك التي عصفت بالعالم على مدى النصف الأول من القرن العشرين وخلقت مناخاً خصباً للحروب الشاملة المُهلِكة. فتأسست هاتان المؤسستان نتيجة الاتفاقية التي نجمت عن ذلك المؤتمر، وأُنيطت بهما مسؤوليات وصلاحيات متشابكة ومتكاملة.
كُلّف البنك الدولي بالإشراف على إعادة الإعمار في أوروبا إثر الحرب العالمية الثانية؛ بينما أُنيطت بصندوق النقد الدولي مسؤولية الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي في العالم، من خلال الإشراف على أسعار الصرف المربوطة بالذهب في ذلك الحين، وتوفير السيولة عند الضرورة لدولٍ تواجه ضغوطات على ميزان مدفوعاتها، بالإضافة إلى إقراض الدول الأعضاء إذا كانت بحاجة إلى تحفيز إجمالي الطلب (aggregate demand) في أسواقها الوطنية تجنباً لركود الإقتصادي أو تخفيفاً من وقعه. وبعد فك ارتباط سعر الدولار بالذهب في عام 1971 والانتقال إلى أسعار صرف متحركة، تبدّد دور الصندوق فيما يتعلق بالإشراف على أسعار الصرف، وباتت مسؤوليته الأكبر هي الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي الدوليين. وكما يشير الاقتصادي البارز والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستغلتز، هنالك مفارقة كبيرة في كون فكرة الصندوق قد تبلورت إدراكاً لمخاطر إخفاقات السوق الحرة وبناءً على الفكر الكينزي (نسبة إلى عالم الإقتصاد البريطاني جون مينارد كينز) المرتكز على ضرورة الإشراف والرقابة على السوق، بينما أصبح الصندوق فيما بعد من أبرز دعاة هيمنة السوق المطلقة.
اليوم، يتمحور عمل الصندوق في ثلاثة مجالات:
• أولاً، مسؤوليات الرقابة، حيث يتابع السياسات والتطوّرات الاقتصادية والمالية على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية ويُجري تقييمات منتظمة للتطورات العالمية المحتملة من خلال تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الذي يصدر سنوياً.
• ثانياً، تنمية القدرات والمساعدة التقنية، حيث يقدّم الصندوق المساعدة الفنية والتقنية لمعاونة البلدان الأعضاء في بناء مؤسسات اقتصادية حديثة وفعّالة.
• ثالثاً، برامج الإقراض، حيث يقدّم الصندوق قروضاً للدول الأعضاء التي تمرّ بأزمات متعلقة بميزان المدفوعات (balance of payments)، أي أنها تواجه تحديات في تمويل استيراداتها الأساسية وتواجه ضغوطات على عملتها الوطنية، على أن ترتهن هذه القروض بشروط متعلقة بالإصلاح الاقتصادي المتّفَق عليها مع الدولة المعنية.
في المقابل، يُعنى البنك الدولي بتمويل مشاريع واستثمارات تنموية في الدول النامية بهدف تعزيز قدراتها والقضاء على الفقر المدقع. وتمويل هاتين المؤسستين يأتي من مساهمات الدول الأعضاء التي يبلغ عددها 189 دولة، أي من المال العام وليس من أي مال خاص.
أبرز الانتقادات والمخاوف: انتهاك السيادة وخدمة مصالح الدائنين وأصحاب رؤوس الأموال
هنالك محوران أساسيان للانتقادات الموجّهة لصندوق النقد الدولي. المحور الأول يتعلق بدور مزعوم للصندوق في انتهاك سيادة الدول التي تقترض منه، حيث يعتبر البعض بأن الديون المُثقَلة بشروط قاسية تحت مُسمّى “التعديل البنيوي” أصبحت أداةً للهيمنة الإمبريالية ووسيلةً خفية لوضع اليد على السياسات الاقتصادية والخارجية في البلدان النامية. هنا، يحاجج المفكّر الاقتصادي والباحث الرئيسي بجامعة سنغافورة الوطنية علي القادري أنّ تركيبة المديونية في دول الجنوب العالمي أصبحت بمثابة استثمارٍ اقتصادي سياسي من قِبَل الدول الكبرى، وخصوصاً في تطبيقها على الدول العربية التي أصبحت ساحةً للصراعات الدولية والإقليمية، بحيث أنّها “استثمارٌ في احتواء القرار والقدرة السياسية والعمل السياسي المناهض للإمبريالية في المنطقة”. وبإمكاننا أن نستشفّ استمرارية واضحة ما بين السياسات التاريخية لقوى الاستعمار وممارسات المؤسسات المالية الدولية الحديثة، آخذين تجربة مصر في القرن التاسع عشر كمثال ذي دلالة على ذلك. فقد أدت استدانة الدولة المصرية من الدول الأوروبية في ذلك الحين إلى تسليم القرارات المتعلقة بخزينتها إلى هذه القوى بعد تخلّف الدولة عن سداد الديون، ومن ثم إلى “الإعفاء من الديون” مقابل التنازل عن حق التحكّم بقناة السويس، وانتهاءً بعد ذلك بالاحتلال العسكري بحجة الحفاظ على الممتلكات الأوروبية. وهكذا يلعب الاقتراض دوراً أساسياً في تقييد الخيارات السياسية-الاقتصادية لدولٍ سيادية (ولو شكلياً)، ويمهّد لإخضاعها لمنظومة مالية واقتصادية دولية تابعة لمصالح الدول الكبرى التي أنشأت هذه المنظومة.
ولا يفوتنا، في هذا السياق، التذكير بالخصائص اللافتة لهيكلية الصندوق، لا سيّما أنّ للولايات المتحدة الأميركية 16.5% من مجمل حقوق التصويت في مجلس إدارته، ما يمنحها وحدها حق “الفيتو” على قرارات المجلس الهامة التي تحتاج إلى أغلبية 85% من أصوات المجلس لتمريرها، الأمر الذي يضمن قدرتها على التحكم بالنهج العام الذي يتبعه الصندوق. كذلك يُلاحظ أنّ منصب رئاسة الصندوق يذهب دوماً إلى مسؤولٍ أوروبي فيما تذهب رئاسة البنك الدولي إلى مسؤولٍ أميركي، بينما أعمالهما شبه مقتصرة على الدول النامية في الجنوب العالمي التي لا تملك قدرة فعلية على التأثير في سياساتهما. هذه الخصائص وغيرها قد تثير شكوكاً مشروعة حول استقلالية هذه المؤسسات ومدى تبعيّتها لإرادات الدول الغربية والولايات المتحدة بصورة خاصة، الأمر الذي سوف نتناوله بعمق أكثر عند استعراضنا للمسار التاريخي لسياسات الصندوق وتجارب العديد من الدول معه.
المحور الثاني للانتقادات الموجّهة للصندوق يتعلق بتداعيات السياسات-الإملاءات التي تميّز بها تاريخياً. فغالباً ما يُقال إن نهج الصندوق يأتي بخدمة الدائنين وكبار أصحاب رؤوس الأموال في كافة الدول على حساب الطبقات الوسطى والعاملة، ما يعزّز اللامساواة المتجذّرة وعملية تراكم واحتكار رأس المال لدى طبقة أوليغارشية عالمية ضئيلة. ولتبيان مدى عمق هذه الأزمة، يكفي أن نستشهد بتقرير أوكسفام السنوي حول اللامساواة العالمية، الذي يشير إلى أنه أصبح لدى 2153 ملياردير في العالم ثروة تساوي مجمل ثروات 4.6 مليار إنسان، أي 60% من سكان العالم.
حالات تطبيقية: الأزمة المالية في شرق آسيا، مرحلة “الإصلاح الداخلي”، وتجربة اليونان
في مسعى لتقييم هذه الانتقادات والمخاوف، سوف نستعرض هنا تجارب العديد من الدول التي اضطرت إلى اللجوء للصندوق لمعالجة أزمات مالية واقتصادية حرجة، وصولاً إلى رسم مفاصل المسار التاريخي لسياسات الصندوق وتطوّرها عبر العقود الأخيرة.
مرحلة الثمانينيّات والتسعينيّات: سياسات “توافق واشنطن”
شكّلت السياسات التي سمّيت “بتوافق واشنطن” العمودَ الفقري لنهج صندوق النقد الدولي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. فمع صعود إدارة رونالد ريغن في الولايات المتحدة وحكومة مارغريت تاتشر في المملكة المتحدة، أصبحت الأيديولوجيا الاقتصادية النيوليبرالية هي المهيمنة في المؤسسات الاقتصادية الدولية. واشتدت هذه الهيمنة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 ونهوض عهد الأحادية الأميركية. لم يكن الصندوق بمنأى عن هذه التطوّرات رغم كونه قد تأسس على مبادئ معاكِسَة لمنطق السوق الحرة المُطلَق، بل أصبح من أشرس مروّجي الفكر النيوليبرالي في تلك الفترة.
يشيرُ ستغلتز، الذي شغل منصب نائب رئيس البنك الدولي ورئيس قسمه الاقتصادي، إلى أنّ الأركان الثلاثة لسياسات “توافق واشنطن”، التي اعُتبرت بمثابة الحلّ السحري للأزمات المالية والاقتصادية في دول الجنوب العالمي مهما اختلفت أنواعها وأسبابها، هي التقشّف في السياسات الإنفاقية والضرائبية (fiscal austerity)، والخصخصة (privatisation)، ولبرلة أو انفتاح الأسواق المحلية وسوق المال بصورة خاصة (capital market liberalisation). وقد حاجج ستغلتز في كتابه “خيبات العولمة” أنّ هذه السياسات أصبحت بمثابة مقدسات مطلقة لدى المؤسسات المالية الدولية في تلك الفترة، إذ طبقت كوصفات تلقائية من دون الاكتراث للسياق الاقتصادي أو لتداعياتها على أرض الواقع، ما أدى إلى نتائج كارثية في العديد من الدول النامية.
فكان الصندوق يصرّ على الخصخصة في أسرع وقت ممكن كوسيلة لتحفيز القطاع الخاص، حتى في غياب آليّات رقابية وقوانين تنظيمية للقطاعات التي خضعت للخصخصة، ما أدّى فعلياً إلى تبديد الثروات العامة وتركُّزها في أيدي فئات وشركات مقرّبة من الطبقات السياسية الحاكمة التي تدير عملية الخصخصة، أي من دون أن تنال الدولة شيئاً من الإفادة الموعودة من هذه العملية.
كذلك فرض الصندوق على الدول المعنية سياسة لبرلة أسواق المال، أي إزالة القيود والضوابط على المعاملات المالية، بالإضافة إلى العمل على تخفيف الرقابة على القطاع المصرفي، بحجّة أنّ الانفتاح سوف يسهّل عمل القطاع الخاص ويؤدي إلى تخفيض الفوائد وتحفيز الاستثمار في الاقتصاد الوطني. لكن ما حصل في الواقع هو أنّ عملية اللبرلة هذه تركت الدول النامية عُرضةً لمضاربات مالية وضخ مبالغ هائلة في قطاعاتها المصرفية ومن ثم خروجها بدون سابق إنذار بحثاً عن أرباحٍ سريعة (hot money flows)، الأمر الذي حال دون أي استثمار حقيقي طويل المدى في الإنتاج المحلي وترك خلفه قطاعات مالية منهارة ومتأزمة. ومن أسباب ذلك أنّ المؤسّسات الماليّة المحليّة ذات القدرات المحدودة بقيت عموماً عاجزة عن تحمُّل الضغوط الهائلة الناجمة عن هذه التقلبات. ونظراً لغياب أي مبرر مُقنِع لالتزام الصندوق بهذه السياسة التي كادت أن تكتسب هالة القداسة في تلك الفترة، عزا البعض هذا الالتزام إلى إرادة لدى كبار مسؤولي الصندوق ووزارة المالية الأميركية في انفتاح أسواق جديدة للمؤسسات المالية العالمية والمصارف الغربية، من دون اكتراث حقيقي للتداعيات المحتملة على شعوب البلدان المعنية.
وفيما يتعلق بالسياسات الضرائبية والإنفاقية، ارتهنت قروض الصندوق بالتزام الدول المَدينة بسياسات تقشفية قاسية في الإنفاق، حتى في ظل أزمات خانقة تطلّبت تدخل القطاع العام لتحفيز النشاط الاقتصادي في البلاد إلى حين استعادة القطاع الخاص قدرته على الاستثمار والإنتاج. وأصرّ الصندوق على هذه الوصفة حتى في دولٍ لم تكن أمام أزمة دين عام بنيوية لتبرير هاجس الإنفاق غير المستدام. وقد جاءت حصيلة سياسات التقشف كارثية في العديد من الحالات، إذ تفاقم الركود وسبّب انهياراً كاملاً، كما حصل في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وفرض الصندوق لسياسة “العلاج بالصدمة” (shock therapy) على الاقتصاد الروسي. وقد أدت هذه الشروط إلى كساد اقتصادي انعكس في تراجُع في متوسط العمر المتوقع للرجال من64 سنة في عام 1990 إلى 57 سنة في عام 1994، على أثر سياسات التقشف الصادمة التي فككت القطاعات الصحية والضمان الاجتماعي وغيرها من القطاعات العامة.
وربما تُعد تجربة دول شرق آسيا في أواخر التسعينيات أبرز تجربة في هذا الصدد، حيث عصفت بها أزمة مالية في العام 1997 وكثيراً ما يُشار إليها كخير دليلٍ على مخاطر اللجوء إلى الصندوق.
أزمة شرق آسيا عام 1997
في 2 تموز 1997، انهارت العملة التايلندية (البات) بسبب عجز البنك المركزي عن الحفاظ على ثبات سعر الصرف بعد نفاذ احتياطه من العملات الأجنبية. بين ليلةٍ وضحاها، هبطت قيمة البات مقابل الدولار بنسبة 25%. وعلى أثر هذا الانهيار، اشتعلت الأسواق المالية في شرق آسيا ككل، وتطايرت الأموال من المصارف خوفاً من العدوى، الأمر الذي شلّ القطاع المصرفي الإقليمي المتشابك، وأطلق أزمة اقتصادية خانقة هددت الاقتصاد العالمي برمته.
يجادل ستغلتز في “خيبات العولمة” بأن سياسات صندوق النقد الدولي أدّت دوراً محورياً في خلق هذه الأزمة: أولاً، لأن توجيهات الصندوق كانت ساهمت في وضع البنية الاقتصادية والمالية التي أنتجت الانهيار في عام 1997؛ وثانياً، لأن ردة فعل الصندوق وإملاءاته على الدول المتأزمة أدت إلى تعميق الأزمة بدلاً من معالجتها، وجلبت آلاماً اجتماعية واقتصادية مضاعَفة من دون أي مبرر واضح سوى الحفاظ على مصالح الدائنين وأصحاب رؤوس الأموال في وول ستريت.
فيما يتعلق بمساهمة الصندوق في تسبُّب الأزمة، يحاجج ستغلتز بأنّ عملية لبرلَة الأسواق المالية بناءً على إرشادات صندوق النقد ووزارة المالية الأميركية كانت العامل الأساسي والأهم في إنتاج الأزمة. فإزالة جميع الضوابط والقيود على التحويلات المالية في دولٍ ما زالت مؤسساتها المالية محدودة القدرات فتحت المجال لتعرُّضها لمضاربات مالية هائلة المبالغ وقصيرة المدى من قبل المصارف العالمية، غير مرتبطة على الإطلاق بأي إنتاج حقيقي في الاقتصاد الوطني. وتولّد هذه التركيبة هشاشةً في القطاع المالي المحلي الذي يُصبح عرضةً لتقلّبات خطرة لا علاقة لها بإنتاجية الاقتصاد. وبالفعل، انطلقت شرارة الأزمة من مضاربات مالية على قدرة البنك المركزي التايلاندي في الحفاظ على سعر الصرف، ما أدّى إلى خروج رساميل كانت تساوي حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي من القطاع المصرفي الوطني في عام 1997، و12.3% في عام 1998. وكما يؤكد ستغلتز، من الصعب أن يتحمّل اقتصاد الولايات المتحدة الضغوط الهائلة التي تترتّب على هذه التقلّبات، فما بالك في اقتصاد صغير نسبياً ونامي كتايلاند؟
أما بالنسبة إلى رد فعل الصندوق على الأزمة التي طاولت تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية على وجه الخصوص، فيشيرُ ستغلتز إلى أنّ السياسات الإنفاقية والضرائبية (fiscal policies) والسياسات النقدية (monetary policies) التي فرضها الصندوق على الدول المتأزمة أدت إلى تعميق الأزمة وجاءت على حساب الطبقات المتوسطة والعاملة. فقدم الصندوق قروضاً بقيمة 35 مليار دولار إلى الدول المتأزمة، وفرض على هذه القروض شروطاً متعلقة بالسياسات المالية والنقدية للدول المعنيّة قيّدت قدرتها على تقرير مصائرها الاقتصادية. فقد أصرّ الصندوق على أن تنتهج الدول المعنيّة سياسة تقشف قاسية رغم كونها أمام ركود اقتصادي يتطلّب تدخّل الدولة لتحفيز إجمالي الطلب وضمان الضرورات الاجتماعية في ظل عجز القطاع الخاص المثقل بالديون والمُقبل على الانهيار. كما أصرّ الصندوق أيضاً على هذه السياسة التقشفية رغم غياب أيّ عجز بنيوي (structural deficit) في ميزانيات الدول المعنية، أي أنها لم تواجه عجزاً متواصلاً ومستمراً في حالة التوظيف الكامل في الاقتصاد (full employment)[1]، علماً بأن هذه المعادلة تُعتبر المؤشر الأساسي لاستدامة الديون السيادية.
وكذلك فرض الصندوق سياساتٍ نقدية انكماشية على الدول المعنية، مطالباً إياها برفع الفوائد إلى نسب خيالية. فعلى سبيل المثال في حالة كوريا، رفع بنكها المركزي نسبة الفوائد إلى 25%، ولم يرضَ الصندوق بذلك فأصرّ على رفعها مجدداً. وارتكزت وصفة الصندوق على حجّة مفادها أنّ من شأن الفوائد المرتفعة أن تجذب رساميل من الخارج وتساهم في إعادة استقرار أسعار الصرف. لكن هذا المنطق يغفل عن عامل الإفلاس، إذ زادت الفوائد الخيالية الضغوط على الشركات المتأزمة أصلاً والمثقلة بالديون. فبحسب بعض التقديرات، عانت 75% من الشركات الإندونيسية من الضيق المالي (financial distress) في هذه الفترة، أي أنها لم تكن قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه دائنيها. وبالحصيلة، حصل انكماشٌ في إجمالي الطلب من خلال التقشف في الإنفاق، وانكماشٌ ثانٍ في إجمالي العرض (aggregate supply) بسبب السياسة النقدية المرتكزة على الفوائد الخيالية، ما أدّى إلى تجذّر الأزمة وتفاقم آثارها على الطبقات العاملة والوسطة على وجه الخصوص.
مسار إصلاحي مع بداية القرن الجديد؟
بعد توجيه جهات مختلفة انتقادات شديدة لنهج الصندوق، لا سيّما عقب سياسة “المعالجة بالصدمة” التي أنتجت كارثةً في روسيا وأزمة في شرق آسيا، أخذ خطاب الصندوق يتراجع تدريجياً عن تمسّكه الدوغماتي بمقدساته الثلاثة، أي اللبرلة والخصخصة والتقشف. فرأى البعض بأنه كان مقبلاً على مرحلة إصلاح داخلي يفُكّ أو على الأقل يُضعِف ارتباطه “بتوافق واشنطن”. وتمثّل هذا المسار الإصلاحي في سلسلة إجراءات لافتة، من ضمنها تأسيس مكتب التقييم المستقل Independent Evaluation Office في عام 2001 للإشراف على ممارسات وسياسات الصندوق. ويشير آدم توز، الأستاذ في التاريخ الاقتصادي في جامعة كولومبيا في نيويورك، إلى أنّ مكتب التقييم حاول الدفع باتجاه إصلاح جذري في إعادة هيكلة الديون السيادية، ولكنه اصطدم بمعارضة قوية من القطاع المالي الغربي، ما أجبره على التنازل عن هذا الطرح. وتدلّ هذه التجربة من جهة على نية الإصلاح في داخل المؤسسة، ومن جهة أخرى على العوائق البنيوية للإصلاح الفعّال الناجمة عن تركيبته الداخلية وخضوعه لضغوطات الدول الكبرى وقطاعاتها الخاصة ولا سيما القطاع المصرفي الأميركي.
وأتت الأزمة المالية الدولية عام 2008 لتحفّز على الإصلاح من جديد، كونها قلبت “المسلّمات” الاقتصادية رأساً على عقب وكسرت الأرثوذوكسيات المعهودة. لم يؤدِّ صندوق النقد دوراً بارزاً في بدايات الأزمة، إذ تركزت تداعياتها على الاقتصادات الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة، فأقبلت الحكومات الوطنية على اتخاذ إجراءات لمعالجتها من دون الحاجة إلى مساعدة الصندوق. إلّا أنه عندما تُرجمت الأزمة بتجميد حادّ في توافر السيولة لدى دول الجنوب العالمي التي لم تملك القدرات الضرورية للتصدّي لهذه الظاهرة بأحادية، تدخّل الصندوق لتوفير الدعم. وعلى عكس تجاربه الماضية، حاول الصندوق إنشاء آليات غير تدخلية لتوفير السيولة، فعرض للمكسيك ولبولندا مساعدة عبر أحد خطوط ائتمانه المرنة (flexible credit lines) الجديدة، أي من دون الاعتماد على برامج “التعديل البنيوي” المثقلة بالشروط القاسية.
كذلك تراجع الصندوق عن موقفه الذي عُرف بالعداء المطلق للقيود المفروضة على تحويلات الرساميل ما بين الدول (ما يُسمى بالكابيتال كونترول)، حيث تبنّى رسميّاً في العام 2012 ضرورة فرض هذه القيود في بعض الحالات تجنباً للتقلبات في السوق التي من شأنها أن تزعزع الاستقرار المالي في دول ربما لا تملك قطاعاتها المالية القدرات المؤسساتية لتحمُّل الصدمات الناجمة عن التدفّق والخروج المفاجئ للرساميل الهائلة، كما حصل في أزمة 1997.
تجربة اليونان ومنطقة اليورو: تكذيب للإصلاح المزعوم أم دليل على العوائق المستمرة؟
لن نتناول هنا أزمة منطقة اليورو وتطوّرها بالتفصيل، إنما نكتفي بالإشارة إلى بعض عناوينها ومفاصلها التي لها دلالة خاصة فيما يتعلق بنهج وسياسات الصندوق، وبخاصة تلك التي أثارت شكوكاً وتساؤلات حول مدى جدّية ادعاءاته بالإصلاح. ومن هذا المنطلق، يمكن أن نلخّص بالقول (بشيء من التبسيط بلا شك) أنّ هذه الأزمة أتت من رحم أزمة 2008 وتحديداً نتيجة خسائر المصارف الأوروبية الباهظة بسبب تمويلها لفقاعة العقارات في الولايات المتحدة التي انفجرت وسبّبت انهياراً في القطاع المالي كاد أن يتهدد بإسقاط الاقتصاد العالمي برمّته، لولا اتخاذ إجراءات طارئة لتفادي هذه النتيجة. فقد سارعت الدول المعنية إلى إنقاذ مصارفها وضخّت مبالغ خيالية من المال العام لإعادة رسملتها، الأمر الذي أدّى بدوره إلى تراكم الدين العام لدى هذه الدول وإثارة الشكوك في السوق حول قدرتها على السداد، خصوصاً حيث خضعت هذه الدول لسياسات البنك المركزي الأوروبي النقدية وفقدت تالياً استقلاليتها النقدية التي قد توفّر ضمانة لقدرتها على السداد.
فكان صندوق النقد أحد الشركاء الثلاث (ما سمّي بالترويكا أو الثلاثي الأوروبي المكوّن من صندوق النقد والبنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية) الذين تدخلوا لتقديم مشاريع إنقاذ (bailouts) لأربع دول في منطقة اليورو، وهي اليونان وإسبانيا وقبرص وايرلندا. وتميزت هذه المشاريع بكونها فرضت سياسات تقشفية مُهلِكة أدت إلى كسادٍ اقتصادي لا مثيل له سوى في ثلاثينيات القرن الماضي. فقد تقلّص الناتج المحلي الإجمالي في اليونان بنسبة 25% وهي نسبة غير مسبوقة إطلاقاً، وبلغَ معدل البطالة لدى الشباب نسبة 50%، ما تُرجم فعلياً بضياع جيلٍ كامل وإقصائه عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتهجيره إلى دول الجوار بحثاً عن الرزق. والآن بات هنالك شبه إجماع بأن سياسات التقشف سببت تعميقاً مؤلماً للأزمة، وفُرضت تحت ضغط القطاع المصرفي الذي لم يكن مستعداً لتحمّل الخسائر المترتبة على إعادة هيكلة الديون، ولا سيما المصارف الألمانية التي كانت من أكبر دائني الدولة اليونانية.
وفُرضت هذه السياسات بطريقة سلطوية مطلقة. فرغم أنّ الشعب اليوناني اقترع في العام 2015بأغلبية 61.3% لعدم قبول مشروع إنقاذ جديد مُقدَّم من الثلاثي الأوروبي، في تعبيرٍ واضح لرفضه لشروطه التقشفية، وتعبيراً عن تفضيله مسار عدم الدفع والمضي في اتجاه إعادة هيكلة الديون، فُرض مشروع إنقاذ جديد على الدولة اليونانية، بل وبشروط أكثر قسوةً، وكأنها أتت عِقاباً للشعب اليوناني على جرأته في مقاومة مشروع التقشف الذي أفضى إلى إنهاك الطبقات الوسطى والعاملة.
ووصف الاقتصادي البارز ووزير المالية اليوناني السابق يانس فاروفاكس هذه العملية بعملية “خصخصةٍ للأرباح وتأميمٍ للخسائر”، إذ استفادت المصارف من الأرباح الفاحشة في زمن الازدهار بينما فرضت ضرورة إنقاذها على الشعب ليتحمّل ويدفع ثمن خسائرها من خلال سياسات التقشف المهلكة.
قد تكفي هذه التجربة لتكذيب ادعاءات الصندوق بالإصلاح، لكن ما زال بعض الغموض وشيءٌ من الالتباس يحيطان بدوره في أزمة اليورو. فقد صرّح مسؤولو الصندوق في مناسبات عدة أنهم لم يكونوا راضين بالشروط التقشفية التي رافقت مشاريع الإنقاذ المقدمة من الثلاثي. وفي العام 2013، أصدر رئيس قسم الاقتصاد في الصندوق آنذاك أوليفييه بلانشار تقريراً عُدّ بمثابة اعتراف بأخطاء السياسات التقشفية التي انُتهجت في خضم الأزمة. وأحدث هذا التقرير زخماً سياسياً واسعاً في الأوساط المختصة، بحسب آدم توز. ومنذ ذلك الحين، أصرّ الصندوق تكراراً – ورغم الدور الذي أدّاه في أزمة اليورو – على أنه معارضٌ لانتهاج سياسات التقشف أثناء فترات الركود الإقتصادي، نظراً لأرجحية أن تؤدّي هذه السياسات إلى تعميق الأزمة بدلاً من معالجتها. وبات البعض يعتبر أنّ البنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية كانا الرُّكنين الأساسيين لسياسات التقشف، وأنّ الصندوق شارك في مشاريع الإنقاذ المعنيّة مع تحفّظات واضحة. لكن هذا الأمر يطرح بدوره تساؤلات حول أسباب مشاركته، وقدرته على مقاومة ضغوط الدول الكبرى، بل وقد تُعتبر تصاريح البراءة نوعاً من التهرّب من المسؤولية.
خاتمة
يتبيّن مما تقدّم أنّ لصندوق النقد تاريخٌ طويل ومعقّد، اتّسمَ بتقلّبات متناقضة في النهج الذي يتبعه. وعليه، يصعب أن نُطلق عليه صفاتٍ ثابتة وشاملة للمراحل المختلفة التي مرّ بها، أو أن نتنبّأ بالمواقف التي قد يتخذها فيما يتعلق بأزمة لبنان. وبعد التراجع النسبي عن مرحلة توافق واشنطن في الثمانينيات والتسعينيات التي تميّزت بهيمنة النيوليبرالية المطلقة، باتت مواقف الصندوق مشوبة بشيء من الغموض والالتباس، خصوصاً عقب أزمة 2008 التي غيرت جميع المعادلات وقلبت الأرثوذوكسيات رأساً على عقب.
لكن رغم هذا الالتباس، تبقى المخاوف جدّية من خيار الدخول في برنامج اقتراض مع الصندوق، وهي مخاوف تنتج عن أي دراسةٍ موضوعية لتاريخ الصندوق أو تحليلٍ لبنيته المؤسساتية. فتجارب العديد من الدول تشير إلى أنّ هكذا برنامج من المرجّح أن يأتي مرتهناً بالشروط التي تقيّد سياسات الدولة وتفضي في نهاية المطاف إلى انتهاك سيادتها من نواحٍ عدّة. كما أنّ ثمة ما يثير تساؤلاتٍ مشروعة حول تبعيّ الصندوق لمصالح الدول الكبرى، لا سيّما في ظل الفيتو الأميركي ونفوذ المؤسسات المالية الكبرى فيه. وإذا رأى البعض أنّ هذه المخاطر لا تُقارن مع واقع الممارسات والسياسات القائمة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، أي أننا يجب أن نقبل بأي تغيير من الوضع الحالي مهما كان شكله، فيجدر التذكير بأن صلاحيات تنفيذ البرنامج المتفق عليه مع الصندوق تبقى في يد الحكومة الوطنية، وإن خضعت لشروط صارمة. وعليه، فالصندوق بجميع الأحوال لن يؤدّي دور المنقذ الأعلى الذي يتمنّاه البعض، ولا بد من المضي على درب الإصلاح الجذري الداخلي بدل الضياع في تمنيات الخلاص الخارجي.

Post: #31
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 04-03-2021, 11:41 PM
Parent: #30


Post: #32
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 04-06-2021, 10:18 PM
Parent: #31

كيف وقعت دول في شباك صندوق النقد الدولي؟


مناف قومان

29 ابريل 2020


هاجم فيروس كورونا أغلب القطاعات الاقتصادية، وسبب خرقاً في التوازن بين العرض والطلب ووضع الاقتصادات على حافة ركود. تذكرنا هذه الأيام بالعام 2009 عقب دخول العالم بركود اقتصادي جراء أزمة الرهن العقاري، وكانت النظرية الكينزية المحرك الرئيسي للسياسات الاقتصادية الأميركية في تلك الآونة ودول أخرى حول العالم لانتشال الاقتصاد من الركود.

بالفعل، لم تتأخر الحكومات لسماع توصية كينز للخروج من الأزمة الحالية، فسارعت للإعلان عن حزم مالية واسعة الطيف ذات بعد مالي ونقدي واجتماعي للحد من خسائر الشركات والمؤسسات التي تسجل يومياً خسائر بسبب توقف أعمالها وللوقوف بجانب ملايين العمال الذين فقدوا أعمالهم ولمساعدة المحتاجين. أمام هذا الواقع الاستثنائي، لا مناص للحكومة إلا الاقتراض أو التمويل بالعجز.

لكن قدرة الدول في تمويل الحزمة المالية بالعجز تتباين بحسب حجم اقتصادها وملاءتها المالية، ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، فإن هناك خطراً يُحدق بالدول التي ستقرر التوجه للاقتراض من صندوق النقد أو البنك الدوليين.

أثر الفيروس على معادلة الطلب الكلي عبر منع الناس من الذهاب للتسوق والإنفاق على شراء السلع والخدمات، وضرب قطاع النقل بين البلدان من جهة وبين المحافظات في البلد الواحد من جهة أخرى.

تراجع حركة الإنتاج دعا الشركات لتسريح العمال والوقوع في فخ الركود، وصارت الحكومات أمام أسوأ أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية كما أشارت منظمة العمل الدولية وحذرت من أن الأزمة ستخفض ساعات العمال عالمياً في الفصل الثاني من 2020 بنسبة 6.7% ما يوازي 195 مليون عامل بدوام كامل.
لماذا يكره المصريون صندوق النقد؟
جاء كينز ليقول للحكومة إنه لا بد من إيجاد توازن اقتصادي، بسحب البساط من قوى السوق وتولي الحكومة توجيه دفة القيادة في تنشيط الطلب الكلي بإقامة المشاريع وتوظيف العمال وجعل تكلفة إقراض المال رخيصة ومساعدة المستثمرين بخفض الضرائب والرسوم ومساعدة الفقراء والمحتاجين بالإعانات الاجتماعية.

طبقت دول عديدة حول العالم تلك التوصية عبر حزم مالية لمساعدة الأسواق على البقاء عند مستوى أقل من التشغيل الكامل، لإحداث توازن ما بين العرض والطلب. دولة مثل الولايات المتحدة أقرت أضخم حزمة مالية في تاريخ البلاد لمساعدة الأفراد والشركات في مواجهة التباطؤ الاقتصادي بقيمة 2.2 تريليون دولار.

وأقرت اليابان أكبر حزمة مالية في تاريخها بقيمة 108 تريليونات ين (990 مليار دولار) تشمل معونات نقدية للأسر والشركات الصغيرة وتأجيل دفع الضرائب. وكشفت بريطانيا عن حزمة بقيمة 330 مليار جنيه استرليني (399 مليار دولار) لمساعدة الشركات المتضررة. وفي أوروبا، أعلن المصرف المركزي الأوروبي عن حزمة المساعدات المالية بقيمة 750 مليار يورو.

تعتمد هذه الاقتصادات في إقرار حزمها المالية على شركاتها وأفرادها الذين وضعوا الاقتصاد في مستوى متقدم من خلال الإنتاج والبحث والتطوير والمعرفة، لذا من الطبيعي أن يكون حجم الحزم المالية كبيراً جداً بما يتناسب وحجم الاقتصاد وحجم مساهمة الشركات والأفراد بإنتاج قيمة مضافة تتوفر في الأسواق المحلية والتصديرية.

ولتوفير المبالغ المالية تعمد الحكومة إلى طريقة التمويل بالعجز بدون أدنى مخاوف على عملتها أو اقتصادها من الانهيار وبدون أخذ اعتبار من ارتفاع الدين العام، فالإنتاج والقيمة يقفان سنداً قوياً للحؤول دون ذلك.
مصر تطلب قرضاً جديداً من صندوق النقد
في اليابان مثلاً، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي نحو 5 تريليونات دولار، ولدى ذكر اليابان تتبادر للذهن قبل عملتها، سيارات هوندا، تويوتا، نيسان ومازدا، وسوني للإلكترونيات وشركات الانيمي التي يشاهد أطفالنا أفلامها الكرتونية، ومئات الشركات الكبيرة التي نحتفظ بأحد منتجاتها في منازلنا، وتنتشر في اليابان أكثر من 3.8 ملايين شركة صغيرة ومتوسطة تساهم بنحو 52% من قيمة الإنتاج الصناعي في البلاد.

تعد القاعدة الإنتاجية إذن الوسيلة التي ستعتمد عليها تلك الدول في طباعة الأموال لحماية اقتصادها من الركود أو بالأحرى لتطبيق توصية كينز، وينطبق هذا على دول كثيرة حول العالم لديها عجلة إنتاج متنوع.

لكن، أين يكمن تطبيق توصية كينز في دول تعاني من اختلالات هيكلية في الإنتاج وفي مواردها الاقتصادية الداخلية (الادخار والاستثمار) والخارجية (الصادرات والواردات) وفي الموازنة العامة (الإيرادات والنفقات)، ومع دول تعتمد في موازناتها على إيرادات الموارد الطبيعية والديون؟

من كينز إلى ستيغليتز

تكمن قدرة الدول التي تمتلك موارد طبيعية من نفط وغاز ومعادن، في تطبيق مقترح كينز عبر أداتين: الأولى السحب من المدخرات الوطنية والصناديق السيادية والأجيال القادمة والتقشف.

والأداة الثانية: الاقتراض من الأسواق والمؤسسات الأجنبية بضمان الموارد الطبيعية. أما التمويل بالعجز فهو مستبعد مع هذه الدول، إذ من شأنه أن يتسبب في تهاوي الاقتصاد بدل إنقاذه.
المغرب يرفع رصيد النقد الأجنبي بالقروض
سيقف كينز حائراً هنا أمام هذه الدول التي يعاني كثيرٌ منها أزمات مالية وليست لديها قاعدة إنتاجية متنوعة وتعتمد في إيراداتها على الموارد الطبيعية والمعادن والديون والهبات، وتنفق على الإنفاق الجاري أكثر مما تنفقه على الاستثمار.

ولأن الأداة الأولى تعد استنزافاً للمدخرات غير محسوب العواقب، ستحذو معظم الدول الأداة الثانية وهي الاقتراض ورفع سقف الدين العام، من الأسواق المحلية والعالمية عبر بيع سندات خزانة، أو الاقتراض من صناديق دولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين وهنا يكمن الخطر.

وقد أعلن صندوق النقد الدولي بالفعل أنه ضاعف موارده للإقراض الطارئ في إطار أدوات عدة هي التسهيل الائتماني السريع "RCF" وأداة التمويل السريع "RFI" ومنح تخفيف الديون الممولة من صندوق احتواء وتخفيف الكوارث "CCRT".

وبحسب مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا، فإن 80 دولة طلبت مساعدات مالية بينها 12 دولة من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وإن الصندوق مستعد لاستخدام كامل طاقته الإقراضية البالغة تريليون دولار. وتم تقديم 750 مليون دولار لتونس و3 مليارات دولار للمغرب، وقدم الصندوق لمدغشقر 122.2 مليون وحدة سحب خاصة، وقرضاً للغابون بقيمة 108 ملايين وحدة و80 مليون وحدة لرواندا.

كثير من تلك الدول سحب على عجل قروضاً من صندوق النقد لصرفها على قطاع الصحة من مستلزمات وأجهزة ومعدات طبية، والإعانات الاجتماعية وتعويض الشركات والاستثمارات التي تكبدت خسائر كبيرة جراء وباء كورونا، وسيكون عليها إعادة أصل القرض والفائدة بعد انتهاء الأزمة، وهو ما قد يوقعها في أزمة مركبة؛ الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها أساساً ومن ثم جاءت أزمة وباء كورونا لتزيد من إيقاع الأزمة.

وبهذا أضاف الصندوق لجعبته عشرات الدول، وعلى مبعوثيه تجهيز لائحة الشروط والإجراءات للبدء في "لبرلة" اقتصاداتها وفتح حدودها وأسواقها المالية والنقدية للدول الأكثر تقدماً.
صندوق النقد الدولي يحث لبنان على إقرار خطة أزمة
إملاءات وسياسات لا تبتعد عن التدخل في القرارات الاقتصادية واستقلال الدول وربما تأتي على السيادة الوطنية، من تحرير للأسعار والسلع والخدمات المدعومة. وهو سبب وجيه جعل دولاً تبتعد عن الاستعانة بالصندوق من بين الخيارات التمويلية التي تبحث عنها للحد من آثار أزمة كورونا، كما أشارت إلى ذلك تركيا التي رفضت التوجه للصندوق واتجهت لعقد محادثات مع الولايات المتحدة للحصول على خط ائتماني إضافة لخيارات تمويل أخرى.

لم تثبت برامج صندوق النقد الدولي أي كفاءة عالية في المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الدول والشعوب المحتاجة للعون، لا في الأردن ولا في تونس ولا العراق ولا مصر، لا دول عربية ولا أجنبية.

آثار تطبيق إجراءات الصندوق على الدول تظهر مباشرة عبر تهاوي العملة وهبوط الوضع الاقتصادي والموازنة العامة وارتفاع في المديونية والعجز والتضخم والفقر والبطالة.

لست ضد الاقتراض، ولكن لا أجد مبرراً لاقتراض دولة متأزمة أصلاً وستخرج منهكة بعد أزمة كورونا، من مؤسسة مثل صندوق النقد أو البنك الدوليَين، لا تعير أي اهتمام للمقدمات وتهيئة الظروف الملائمة قبل الدخول وإغراقها بسياسات العولمة والتحرر بما لا يتناسب مع ظروف بيئتها الاقتصادية. مؤسسة تستغل الأزمات المالية، وتملي إملاءات مقابل الديون.

مؤسسة استنتجت كبيرة اقتصاديي البنك الدولي بيني غولدبيرغ، أن الأموال الممنوحة لتلك الدول لأغراض تنموية يستولي النافذون فيها على قسم من المبالغ ويحولونها إلى حسابات في الخارج، ما يعني عدم امتلاك البنك لآلية مراقبة على الأموال التي تنفقها في البلدان المعنية.

الاقتراض من صندوق النقد الدولي لا يصلح لهذه الدول، ولا توصية كينز أيضاً الذي ينقلنا إلى الاقتصادي جوزيف ستيغليتز الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد في 2001 الذي أشار إلى أن اعتماد الاقتصاد على إيرادات الموارد الطبيعية، وأزيد على الديون والهبات، يخلق أوطاناً غنية ومواطنين فقراء. حقيقة تختبرها هذه البلدان وستختبرها أكثر بعد انتهاء الفيروس حيث ستبدأ الأزمة الحقيقية.

Post: #33
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 05-13-2021, 00:06 AM
Parent: #32



عام 2017 وما قبلها كان يتبنى مفهوم الدولة التنموية، أي أن يكون للدولة الدور الأساسي في وضع الخطط والبرامج الاقتصادية، مع دور للقطاع الخاص.


الكذب، التناقض والاستهبال هي صفات لصيقة بهذا الرجل، وهذا من التجربة،
كمثال المؤتمر الاقتصادي وقضية التطبيع،
فهو يسمع بأذن ويخرج ما يسمعه بالأذن الأخرى، ويبتسم ببرود كأنه لم يحدث شيء.

Post: #34
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 04-08-2023, 06:11 PM
Parent: #33


Post: #35
Title: Re: البق الدولي وصندوق النكد الدولي: لشعبنا ا�
Author: عبد الله حسين
Date: 04-10-2023, 11:43 PM
Parent: #34

والديكتاتور التونسي أيضاً !
تونس (أ ف ب) – أكّد الرئيس التونسي قيس سعيّد الخميس رفضه "إملاءات" صندوق النقد الدولي الذي طلب من تونس تنفيذ إصلاحات اقتصادية هيكلية تشمل رفع الدعم عن عدد كبير من المواد الاستهلاكية الأساسية مقابل منحها قرضاً.

إعلان
وقال سعيّد للصحافيين في ولاية المنستير (شرق) على هامش حفل بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لوفاة أول رئيس للجمهورية الحبيب بورقيبة، إنّه في ما خصّ صندوق النقد الدولي فإنّ "الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدّي لمزيد من التفقير مرفوضة".

وأضاف ردّاً على سؤال بشأن المفاوضات مع المؤسسة المالية الدولية، أنّ البديل هو "أن نعوّل على أنفسنا".

ووصلت المحادثات بين تونس وصندوق النقد الدولي إلى طريق مسدود بسبب عدم التزام البلد بتنفيذ برنامج إصلاح صارم لإعادة هيكلة أكثر من 100 شركة عامة مثقلة بالديون ورفع الدعم عن منتجات أساسية.

وشدّد سعيّد على أنّ "السلم الأهلي ليس أمراً هيناً"، لافتاً إلى التظاهرات العارمة التي شهدها البلد خلال "انتفاضة الخبز" في 1983-1984 زمن حكم بورقيبة.

وفي كانون الأول/ديسمبر 1983 قررت السلطات رفع الدعم عن منتجات الحبوب، فارتفعت أسعار الخبز والسميد والمعكرونة، ما تسبّب في تظاهرات عنيفة وصلت إلى ذروتها في 3 كانون الثاني/يناير 1984.

وتمّ إثر ذلك إعلان حالة الطوارئ والتراجع عن رفع الدعم. وبلغت الحصيلة الرسمية لضحايا تلك الصدامات عشرات القتلى، لكنها أعلى بكثير وفق منظمات غير حكومية.

وفي 25 تموز/يوليو 2021 انفرد الرئيس قيس سعيّد بالسلطات كافة، إذ أقال رئيس الحكومة وجمّد نشاط البرلمان قبل أن يحلّه.

واقترح سعيّد دستورا جديدا أُقرّ في استفتاء في تمّوز/يوليو 2022، وأنشأ نظاما رئاسيا معززا يمنح البرلمان صلاحيات محدودة.