الفترة الانتقالية, توافق سياسي ام صراع حزبي؟

الفترة الانتقالية, توافق سياسي ام صراع حزبي؟


02-19-2021, 08:18 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1613719091&rn=0


Post: #1
Title: الفترة الانتقالية, توافق سياسي ام صراع حزبي؟
Author: محمد حيدر المشرف
Date: 02-19-2021, 08:18 AM

07:18 AM February, 19 2021

سودانيز اون لاين
محمد حيدر المشرف-دولة قطر
مكتبتى
رابط مختصر



مداميك

‫الرئيسية‬  مقالات  الانتقالية توافق تأسيسي أم صراع سياسي حزبي؟

مقالات 

محمد حيدر المشرف 18 فبراير 2021


والتقابل هنا لا يأتي في مقام النفي. نفي أحد المفهومين وإثبات الآخر. وإنما يأتي في مقام ترتيب الأولويات، ووضع إطار عام يحكم سلوك ومقاربات أصحاب المصلحة المعنيين. وهم في تقديري؛ مجمل السواد السوداني السياسي الحزبي الجماهيري والإسفيري المرتبط بثورة ديسمبر المجيدة. وعلى الرغم من مبدأ تقاسم المسؤولية التأريخية؛ إلا أن نطاق هذه المسؤولية التأريخية يتفاوت بكل تأكيد بينهم.

ومن ذلك؛ أن مسؤولية قوى إعلان الحرية والتغيير بنسختها التي أعقبت مباشرة سقوط الطاغية، تمثل هنا المسؤولية الأساسية والجوهرية الأثقل، لاعتبارات تتعلق بالوظيفة الوطنية المناطة بهذه القوى، وكونها القيادة السياسية دستورياً وسياسياً ووطنياً للفترة الانتقالية. هذا دور في غاية الأهمية، ولا يمكن التقليل من خطورته إلا عن جهل مريع بمكنيزمات صناعة الرؤية السياسية، وإنزالها على أرض الواقع.

وللإجابة عن السؤال الأساسي هنا: (الانتقالية: توافق تأسيسي أم صراع سياسي حزبي؟). وبخلفية التمهيد أعلاه؛ أود الاشارة أولاً إلى أن منهجية الإجابة تحكمها معطيات الواقع وسياق المرحلة الانتقالية، وطبيعة الثورة العظيمة التي أنجزها الشعب السوداني.

حول طبيعة الثورة؛ لا أود الدخول في متاهات الأسئلة خاوية المضمون من قبيل: أكانت هذه الثورة ثورة وعي أم جوع؟. وكأنما الجوع هنا مقابلاً للوعي. أو كأنما الثورة لا تحتمل تعدد الأسباب والتطلعات. هي ثورة ذات أبعاد متعددة وجذور مختلفة وتطلعات متباينة، شارك طيف واسع من جماهير الشعب السوداني في صناعتها ونجاحها في اقتلاع شمولية الإنقاذ البغيضة.

طبيعة الثورة السودانية المقصودة هنا هي الطبيعة السلمية للثورة، والتي تصنع وبصورة منطقية إطاراً للقوى الفاعلة فيها كالجماهير ابتداء، ومن ثم وجوب وحتمية انحياز مكون عسكري لهذه الجماهير، وتكون طبيعة هذا الانحياز -وبكل تأكيد- محكومة بطبيعة هذا المكون العسكري ومدى قومية ومهنية الجيش السوداني، والمكون الفكري السائد فيه، ودرجة العقائدية المقصودة عند الحديث عن جيش عقائدي إسلاموي، منتج ومهيكل ومصنع في معامل مجالس شورى الإسلاميين ووزرات ومؤسسات الإنقاذ.

بل وتدخل في طبيعة هذا الانحياز عوامل أخرى عديدة كالمكون الإثني والطبقي للضباط، ومدى تورط الجيش في النشاط الاقتصادي والسياسي، ومستوى الاستياء داخل المؤسسة العسكرية من حكم المشير عمر البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، لأسباب سياسية أو حتى مهنية أو تنظيمية (الاستيعاب والتقييم والترقيات والوظائف … الخ الخ).

عندما تتشكل قيادة سياسية لثورة سلمية، يتوجب عليها أن تنظر عميقاً في تفاصيل ما يعتمل في أحشاء القوات المسلحة، وتبين إمكانية الانحياز ومن ثم طبيعته. كل ذلك يجب أن يكون بصورة مسبقة، والأهم من ذلك بصورة عقلانية، في مقابل الرغبوية الـ “ساي كده” في تخيل وجود ما يدعى بالضباط الشرفاء، والذين -قطعاً- لا تخلو منهم مؤسسة كالجيش السوداني، ولكن الأمر وجوهره يكمن في تنظيمهم وإعدادهم وقدراتهم العسكرية على الحسم، وإخضاع سائر الجسم العسكري، بما في ذلك امتداداته وزوائده وأورامه السرطانية الخبيثة.

إذن؛ من طبيعة الثورة السودانية أنها سلمية ومتعددة المكونات الاجتماعية والسياسية والفكرية، ومصنوعة بواسطة طيف واسع من جماهير الشعب السوداني المتباين في درجة وعيه السياسي، ومدى الغبن الاقتصادي الذي يحركه. وأشير هنا لتعدد الأسباب والثورة واحدة، وكذلك لتعدد وتباين التطلعات والأهداف، ذلك من ناحية.

ومن ناحية أخرى؛ هي (ثورة سلمية) حتمت بمقتضياتها انحياز مكون عسكري، ومن طبيعة هذا المكون في السياق السوداني أنه لن ينحاز بطبيعة تكوينه المشوه شمولياً وفكرياً، ولأسباب تأريخية متعددة متعلقة بالنشأة. أقول: لن ينحاز انحيازاً مهنياً ووطنياً واضحاً لا لبس فيه، وإنما سينحاز (وفق منطق تكوينه ومدى مهنيته القصير) انحيازاً ناقصاً بأجندات وتطلعات وطموحات مختلفة. بيد أنه انحياز ضروري وحتمي لانتصار أي ثورة سلمية. هنا لابد من إضافة طبيعة ثالثة ساهمت في صناعة لحظتنا الوطنية الراهنة، وهي طبيعة ارتباط الثورة الوثيق بحركات النضال المسلح، والتي -وبصورة حتمية- يكون لها تطلعاتها المختلفة.

ويدخل في منهجية الإجابة كذلك؛ معرفة مكان المصلحة الوطنية العليا (مكانها وين؟)، وكيف تكون؟ وكيف ترتبط بالسؤال: (الانتقالية: توافق تأسيسي أم صراع سياسي حزبي؟).

ليس من مهمة هذا المقال تقديم الإجابة، (أعتذر عن ذلك عزيزي/عزيزتي القارئ/القارئة). سأكتفي بطرح السؤال وفقاً للمعطيات والخطوط العريضة لمنهج الإجابة.