ذكريات السفر والغربة:

ذكريات السفر والغربة:


07-18-2020, 01:24 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1595075041&rn=0


Post: #1
Title: ذكريات السفر والغربة:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-18-2020, 01:24 PM

01:24 PM July, 18 2020 سودانيز اون لاين
محمد عبد الله الحسين-
مكتبتى
رابط مختصر

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});الاثنين، أي السفر و الغربة، هما من أعذب(من العذوبة)، و أعذب(من العذاب) وأجمل وأحلى وأمر التجارب التي تمر على الإنسان. ...

......لأنها من ناحية تتضمن الاغتراب و البعاد وكذلك هي أكثر لحظات الحياة حزناً وقسوةً..وهي لحظات الفراق ولحظات الوداع..و تساقط الدموع و انفطار القلب و الإحساس بالفقد

و الضياع. فالسفر والغربة يتضمنان متعة السياحة والمغامرة والاكتشاف ومعايشة مجتمعات جديدة وأشخاص مختلفين فتتسع المدارك والمعارف، وتتعمق الخبرات، ومعرفة البشر

و أسرارالحياة.ده الكلام النظري..

............طيب القرين ده شنو ودخله شنو..؟القرين ده الخيال البيتابعك ويوسوس ليك أحيانا.. وأحيانا يحرِّشك وأحيانا يخوفك. هو موجود وملازم لي دائماً..ب..

.......س ما عارفه هو موجود وين..لكن بيتكلم معاي و بسمع كلامه ، ومرات اوافقه ومرات أخالفه، و مرات أنهره فيصمت..

القرين ده أول مرة تبهت لوجوده كان خلال رحلة لي قبل تلاتة سنوات و نص إلى بعض الدول الأوروبية لأول مرة..و كنت قد تحدثت عنه خلال كتابة مذكرات رحلتي لايطاليا

..و ده موضوع تاني..

Post: #2
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-19-2020, 06:37 AM
Parent: #1


إن أنسى لا أنسى ذكريات تلك الأيام في عروس المتوسط .....الاسكندرية..في الأيام الأخيرة لحكم السادات الله يرحمه..

طبعا لا جوالات و واتس اب ولا ستالايت..

- يعني كيف بتقضي اوقاتكم؟

- ما تقول لي كلها قراية وكلام من ده..

طبعا ما كلها قراية..

بالجد ساعات القراية شوية..لكن بالرغم من كده بننجح و نجيب درجات عالية تحيّر..

في الشقة معانا عوض خليل و احمد حسن وواحد من أربجي (طيب القلب ) الله يطراهم جميعا بالخير..

كان العود هو الصديق المشترك...لم أكن أغني و لا أسكر..و لكن كنت جالس في كل تلك الجلسات اليومية التي يتخللها الغناء و الابداع و

النوم محتى ساعات الصباح الأولى..بعدين كل واحد كان عنده أغنية بيجيد غناءها( فرمالة) يعني حاجة واحدة..

أنا كان فرمالتي عزيز دنياي لابراهيم عوض و عود لينا يا ليل الفرح للطيب عبدالله

ولد اربجي طيب القلب كان عنده فرمالة واحدة ..وهي أغنية خليل اسماعيل ( يا الجمالك زينة بادسي يا المعاك راحة فؤادي..

كان يحتفظ بصورة لقريبته ..كان بيحبها لكن أعتقد ادته شاكوش حااار خلاس..

فكان لما يغني الأغنية دي تحس بلمعان الدموع في أطراف عينيه..

مسكين ..يحنن.. لكن طبعا الحب ما فيه مجاملة ...أقصد البت ..شكلها اختارت شخص آخر أو

ربما يكون هو ليس من الاستايل بتاعها ..

المهم هي أيام مضت ...

وزي ما بقولوا كل فولة و ليها كيال

الله يسعد الجميع..

لكن بالجد أي شاكوش حار مهما كان نوعه ..بلدي و الا ياباني و الا حتى صيني ذاته..

ربمناسبة الشاكوش دي ظهر كتاب هذه الأيام بعنوان لماذا الحب يجرح..

سأمر عليه لاحقاً..


Post: #3
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-19-2020, 06:46 AM
Parent: #2


هو كتاب كتبته إيفا إيلوز

لماذا يجرح الحب؟ ليس مجرد سؤال عابر على غلاف كتاب، بل هو رحلة سنوات من البحث والقراءة والغوص في زمن تغير فيه كل شيء على يد الإنسان المعاصر الذي حول

كل شيء إلى آلة مبرراً ذلك بشروط الحداثة المزعومة وسطوتها على القلب. لقد تحول الإنسان إلى كائن جريح، يتسول العاطفة والشفقة والحنين إلى حضن دافئ وإلى لحظة

حب ولو عابرة. لكن الحب، مثله مثل كل شيء في الأنظمة الليبرالية الحديثة، لديه مقابل مادي وسوق خاصة وضحايا بالملايين. تحاول إيفا إيلوز أن تتناول الحب من زوايا سوسيولوجية

وفلسفية وأدبية، وتعتمد في بحثها على مساءلة تداعيات الحداثة والأنظمة الرأسمالية على عواطف الإنسان وحياته اليومية. فتأخذنا في رحلة شيقة داخل أعماقنا، محاولة أن تتلمس

الجرح قليلاً وأن تحاول رتقه برقة دون أن توقظ في داخلنا آلامنا الخفية وأسئلتنا التي لا تتوقف أبداً.كتاب مرجعي ومهم، تُرجم إلى أكثر من عشرين لغة وما زال إلى اليوم محل بحث

ونقاش في الأوساط الأدبية والأكاديمية في العالم. كما لقبتها مجلة غرينيكا بأنها أعظم مفكرة في القرن الواحد والعشرين.



Post: #4
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-19-2020, 10:32 AM
Parent: #3

الموت و الغربة

كنا بالطبع شباباً يافعين ..لم نكن ندرك كنه الحياة كما يجب..لم نكن ندرك الجانب الآخر من الحياة..الحقيقة التي يهرب منها الإنسان في الغالب..وهي مواجهة النهاية المحتومة..

كنا شبابا منطلقين ننظر للحياة من جانبها الوردي..الابتهاج ..السرور..السعادة ..التفاؤل ..النظرة إلى المستقبل و كأنه مفروش بالأمنيات والتطلعات و الطموحات الشابة..

لم يكن الدين عندنا يشكل هاجساً..كما أنه لم يكن مكتمل الأركان..لا أذكر هل كنت أصلي أم لا..

في الغالب لم أكن أصلي إلا صلاة الجمعة..
الزواج والارتباط لم نكن نفكر فيه كنا نراه بعيداً..و إن كان البعض يراه قريباً..بل لازما و ضرورياً..

و أذكر هنا قصة الشاب الذي نسيت اسمه بسبب طول المدة ..بالإضافة إلى أنه لم يكن يدرس معنا و لكنه كان صديق لصديقي..

أذكر ذلك اليوم الذي كان يوم نحس عليه..
ففي ذلك جاءه والده من السودان خصيصاً....جاءه وهو في الجامعة.. التي ذهب اليه محنناً و مدخناً و بكل ألق العريس...

....الحصل تزوج الطالب من إحدى الفتيات في الاسكندرية و هي من أصول سودانية.

فتحت العروس الباب لتجد الحاج واقفا في الباب كأنه القدر..لم تعرفه ...

كانت فاتحة الباب نصف موارب..

-أ ين فلان؟(ابنه)

- في الجامعة؟

- و إنتِ منو؟

- أنا زوجته؟ قالتها بفخر..ولم تكن تدرك ردة فعله ولا ما يخبئه لها القدر..

- أنا زوجته؟

إذن الخبر الذي سمعه صحيحاً..و هو الذي جعله يأتي من السودان.

.طبعا السفر كان رخيص الأيام ديك....عني ماهية شهر لموظف عادي ممكن

تقطع ليك تذكرة سفر بالطائرة ذهاب و اياب..

نهاية اليوم..كان العريس قد أخذ عدة كفوف من والده..مع العزم أن يقطع الدراسة ويعود للسودان...ا


لبالمناسبة أبوه كان برسل ليه مبالغ ضخمة..ا أدري بعد ذلك ماذا حدث.. للعروس و التي أظن أنها.....

شوفوا خليت قصة الغربة و الموت عشان قصة الولد ده ما تطير مني..لمّا نسيت سيرة الموت ذاته ..

خلاص حنرجع تاني لسيرة الموت في الغربة

Post: #5
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-20-2020, 05:00 AM
Parent: #4

الموت والغربة

لم تكن فكرة الموت تداعبني أبداً إلا حينما أتذكر أمي و أبي و إخواني فأدعو الله أن لا يموتوا من خلفي..

أذكر أنه في أحد العصريات و أنا أسير في الطريق إذ أرى جنازة يحملها بضعة أشخاص و هم يهلِون ويكبِّرون...

فانفطر قلبي واستيقظ فزع مفاجيء في داخلي.. لم أكن أظن أن الموت سيكون معنا هنا..

فلازمني خوف هلامي و كآبة وإحساس ممزوج بالمرارة وفقدان الطعم لمباهج الحياة..

فحاولت أن أدس خوفي و كآبتي في الاندماج من جديد في تفاصيل و روتين الحياة لطالب مغترب وقاريء نهم للشعر و الروايات ممتليء عقله و جوانحه بحب الناس والحياة ..

متفائل كان ومحب للحياة..

كان يحرص على التقاط أي كلمة او نغمة تقوده للنشوة والسعادة.

لكنه كان بريءٌ, بريء براءة طالما أدخلته في مشاكل لم يكن يتوقعها..وفي حرج لم يعمل له حساب..خاصة إذا وقعت تحت يدي من لا يرحمك..

المهم مضت تلكم الأيام بخيرها و شرها..وبقيت أطياف الذكرى ..ولواعج الندم التي تراكمت في الذهن والوجدان لتكوِِّن خبرتي في الحياة..

بالرغم من ذلك تظل ثقتي في البشر كامنة و حبي للناس سارية و معرفتي بضعفهم و تهافتهم لا يتطرق إليها شك.




Post: #6
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-20-2020, 07:18 AM
Parent: #5


ثم جاءت الطامة الكبرى بموت أحد زملاء الدراسة .وهو من أبناء مدني ..وكان من أصدقائنا الجدد، ويدعى حسن.....

كان شابا ظريفا كالشهدة...متطلعاً للحياة بكل ألقهاا..مشرئباً لأحلام مضمخة بالحرية و التقدم في أيام النميري.

لكن كان صدره دائماً يئز من نوبات ربوٍ عنيف تلازميه دوماً..

و كانت نوبات الربو تلك لا تأتيه إلا عندما يدخل إلى حدود مدين الاسكندرية..

الغريبة هذه ليس الحالة الوحيدة ..فكثير من الطلاب لم يكن لديه ربو إلا عندما يجيء إلى يدخل إلى مشارف مدينة الاسكندرية.

سهر معنا (حسن) يوم الخميس وذهب ..صباح الجمعة عرفنا أنه داهمته نوبةُ ربوٍ عنيفة.. وتم أخذه ذ للمستشفى.....

لكنه و للوعتنا جميعاً ...توفي ..وترك قلوباً واجفة و أسئلة صاخبة في رؤس شباب لم يقوى بعض على تقبل فكرة الموت...

كيف يموت شاب مثله؟

كيف يموت من كان غضاً وندياً؟

كيف يموت من كان انيقاً ووسيماً؟

هذه أسئلة أرسلها الموت إلى نفوسنا الغضة البريئة اللاهية اللاعبة..

ولكنها رسائل استغرقت بضع أيام ..ثم أنستنا الحياة والدراسة و تسلسل الأيام..و تسربها من بين أيدينا..

و هنا دعوني اتذكر كلمات المسلس الجميلة(ليالي الحلمية) لأنور عكاشة ...

الكلمات التي لحنها المبدع ذات الكلمات الوجودية العميقة في مقدمة المسلسة رغم أنها مصاغة بعامية مصرية بسيطة..

وذذلك حينما يقول:
( ما تسرسبيش يا سنينا من بين ايدينا

ولا تنتهيش ده احنا يا دوب ابتدينا

واللى له أول بكرة حيبان له آخر

وبكرة تفرج مهما ضاقت علينا

ولفين ياخدنا الأنين

لليالي مالهاش عينين

ولفين ياخدنا الحنين

لواحة الحيرانين

لابد من بكرا اللى طال أنتظاره

ده مهما طال الليل بيطلع نهاره

ومهما طال درب الهموم والمساخر

لابد ما يعود المسافر لداره)

في آخر كلمات القصيدة التي يقول مطلعها:
منين بيجي الشجن .. من اختلاف الزمن

ومنين بيجي الهوى .. من ائتلاف الهوى

ومنين بيجي السواد .. من الطمع والعناد

ومنين بيجي الرضا .. من الايمان بالقضا

من انكسار الروح في دوح الوطن

يجي احتضار الشوق في سجن البدن

من اختمار الحلم يجي النهار

يعود غريب الدار لـ أهل وسكن

ليه يا زمان ما سبتناش أبرياء

وواخدنا ليه في طريق ما منوش رجوع

أقسى همومنا يفجر السخرية

وأصفى ضحكة تتوه في بحر الدموع

ولفين ياخدنا الأنين

لليالي ما لهاش عينين

ولفين ياخدنا الحنين

لواحة الحيرانين

( ما تسرسبيش يا سنينا من بين ايدينا

ولا تنتهيش ده احنا يا دوب ابتدينا

واللى له أول بكرة حيبان له آخر

وبكرة تفرج مهما ضاقت علينا

ولفين ياخدنا الأنين

لليالي مالهاش عينين

ولفين ياخدنا الحنين

لواحة الحيرانين

لابد من بكرا اللى طال أنتظاره

ده مهما طال الليل بيطلع نهاره

ومهما طال درب الهموم والمساخر

لابد ما يعود المسافر لداره)

Post: #7
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-20-2020, 10:43 AM
Parent: #6



وكما ذكرت سابقاً لم تكن الاخبار تصل إلينا من السودان الا بعد اسبوع او اسبوعين ومن خلال الخطابات فقط..في تلك الفترة..

فكنا ننتظر الخطابات الواردة من السودان على احر من الجمر..و نتسابق لمكتب البريد في الكلية ..

ومن يأتيه خطاب كأنه ربح الجائزة.و من لم يأتيه يشعر بالحسرة..كما يشعر بالقلق خوفاً بأن يكون حدث مكروه لأي من أعزائك.

أذكر أن زميلي محمد... كانت تأتيه الخطابات والمصروفات بانتظام من شقيقه في السعودية ..و فجأة انقطعت خطاباته لمدة ..

ثم صارت تأتيه الخطابات والمصروفات من صديق أخيه بدلاً من أخيه..فلم يشك في الأمر ..فقال لربما كان مسافراً لذا لم يعد يرسل الخطابات..

فجأة يتصل عليه أحد أقاربه ليقول له ان اخوه بخير و في السودان و انه لا زال تحت العلاج..فجن جنونه..وبدأ القلق يدب في نفسه..ويتساءل عن مرض أخيه

وهل هو مرض عادي أم مرض ميئوس منه؟ ولم يعرف ماذا يفعل..

أخيراً عرف أن أخيه أصيب بمرض نفسي..وأنه الآن بدأ في التشافي.

من اتصل به كان يعتقد أنه يعرف أن شقيق مرض تم ارجاعه للسودان ..و أظنه ندم ندماً شديداً على مجاملته تلك..أو على تسرّعه.

هذا التسرع في المجاملة في العزاء بالذات أحيانا تكون صادمة مرّ بي مرة حادثة مشابهة شلت الفاتحة مع ابن المرحوم و زوجة المرحوم ظنا مني أنهم عرفوا الخبر.. ا

اتاريهم لسه ما عرفوا..بس الكويسة ما انتبهوا...

غايته ده كان أكثر موقف محرج و موقف صادم.. وكان ستكون نتائجه صادمة..و إمكن كارثية.

بس ربك ستر..علماً أني لم أكن مخطئ..لم أحكي الملابسات ستضح الصورة لما أحكيها لاحقاً.

Post: #8
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-20-2020, 07:18 PM
Parent: #7

نسيت عم مِدْسُو؟midsu

ترى أين أنت الآن يا عم مدسو؟

أغلب الظن أنك الآن تحت الثرى..خاصة بعد مرور تلك السنوات ..العلم عند الله.

غريبة ان يلتقي هذا الشاب الي القت به المقادير ليكون هائما في تلك الأمسية في لك الشارع العميق..وأبخرة أمطار الشتاء تصعد من الأسفلت ومن الأفواه والأنوف.

الشاب الغريب تلسعه الغربة والبعد عن الأهل و الصحاب.. وحيدا يسير وهو يدندن بأغنيات الحب والعشق التي حفظها من الراديو ومن كتاب زهرة الأغاني لهندي عوض الكريم..

لم تكن صور العشق لديه إلا قصص غرام باهتة أذكتها الأغاني وباقة أفلام رومانسية كان الشاب الغرير يجد فيها ما يُشبع توقه لعشق لم يتبلور بعد نحو محبوبة بعينها..

لكنه كان عشقا هلامياً تائهاً غير محدد الملامح...

ألفح برد الشتاء يتغلغل في الحنايا و الأيدي داخل المعطف ...أدندن بما تجود به الذاكرة من مقاطع..للجابري ..للكابلي ..ثنائي النغم..

وفجأة أشاهده على الضفة اليسرى من رصيف الشارع..

أتوقف عند الرصيف لأسلم على عم مدسو...

_اليوم عم مدسو موجود؟

- أهلا...بلهجة يونانية مكسرة

كان دوماً يضع على رأسه كاب على الطرية اليونانية أو الإيطالية..قصير ونحيف هو..في حوالي منتصف الخمسينات.أو يزيد..في ذلك الوقت لم أكن أعرف تقدير العمر.

على الرصيف كان يقوم يضع موقد الفحم الطويل ويوقد النار بهبابة الريش..

فجأة أجده يلف سنتدوتش الكفتة الدافيء ..دون أن أطلبه.

يا عم مدسو أنا جئت ماري بالطريق...

بس عايز أسلم عليك...

- لأ ...خد.... خد ...

لم يكن معي نقود اصلا في الحوالة لم تصل بعد ..كما يحدث دائماً

لكن عم مدسو لا يسأل عن القروش..

حينما تسأله مع من تعيش ..تطفر الدمعات الحرى على الخدود اليونانية المغضّنة

لتكشف للشاب الغرير قسوة الحياة التي لم يعرفها بعد و لوعة فقد الشريكة..

مدسو يعيش لوحده ...يناجي وحشة الليل...و ليل الوحدة قاسي (كما يقول عثمان حسين في أغنية عارفينه حبيبي)

...مسكين يعيش لوحده بعد أن أخلفت شريكته الميعاد وسافرت دون وداع في رحلة مجهولة الأمد..

حيا الله عم مدسو إن كان حياً..

و حيا الله تلكم الأيام التي كانت فيها الحياة حلوة و الأمل وحب الحياة فارد جناحه فوق نفوسنا..وفي جوانحنا.



Post: #9
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-21-2020, 06:35 AM
Parent: #8


قليل من اللوعة كثير من الرومانسية

الاسكندرية في الثمانينات ...ولوعة الفتاة العاشقة

كانت الفتاة تمسح دموعا غزار تتساقط من عينيها تباعاً..كأنها فقدت عزيزاً...كانت تجلس على الكرسي .... وأنا اتابع المنظر متعجباً...كانت في حوالي الثامنة عشر أو العشرين

جميلة الملامح ..ترتدي ملابس أنيقة..لا تناسب ملابس الشغالة..حسب ما أعرف..

فعرفت مؤخراً أنها نوع خاص من الشغالات...

في تلكم الأيام كانت الفنانة وردة الجزائرية تحتل فضاء الأغنية المصرية بعد وفاة عبدالحليم وأم كلثوم...كما كانت تحتل أفئدة الشباب والمراهقين بأغنيات عذبة الألحان خفيفة

مع عبقرية اللحن من بليغ حمدي و عبقرية الأداء.. من وردة.
نزلت ضيفاً على زميل لنا سبق أن ترافقنا في مرحلة الثانوي..نزلت معه ضيفاً لمدة أسبوع..كنت كقروي يحضر لأول مرة إلى المدينة..

كل شيء في هذه المدينة مختلف ..الحياة و الناس و المعيشة و ملامح المدينة..حتى التعبير عن العشق..من الفتيات..

ففي ذلك الوقت كانت عذارانا مسكونات بالحياة مجللات بالخجل..وكما يقول شاعرنا محمد المكي ابراهيم ( حتى صيحات اللذة عن عواهرنا عذراء... محض ثغاء) ..

كان منظر غريباً..والمسجل تنطلق منه أغنية وردة .. فكانت الأغنية هي المسئولة عن ذلك السيل من الدموع و إحمرار الوجه وسيلان الأنف..و التنهدات الساخنة.

فكانت كلمات الأغنية تتحدث عن الهجر..وما أحر الهجر..وهو الذي جعل إيفا ايلوز تستفرد كتابا لها و مبحثاً عن (لماذا يجرح الحب)..

تعرفت في تلكم الأيام على حجم الشجن والرومانسية الذي تختزنه صدور الفتيان والفتيات و عرفت لماذا انتحر ذلك العدد عند موت عبدالحليم المتحدث الرسمي باسم الحب

والهيام ولوعة الحب..في تلكم الأيام ...........في الستينات و السبعينات..

كان الزمان غير اليوم..كانت الأحلام واسعة لدى الشباب والحياة بسيطة وغول الرأسمالية لم يطل برأسه بعد..ولا عصر الانفتاح ..فكان إيقاع الحياة هاديء..والصدق في المشاعر ..

هو العملة المتداولة....كان الشارع محتفظاً بهدوء و احترام...غير ما نجده اليوم.

لفتت نظري كلمات الأغنية التي لازلت أحفظ كلماتها حتى اليوم..

........و قد كانت مدخلا لي لاتابع أغاني وردة و أتذوقها:

كانت كلمات الأغنية تقول:

لو صادفوك صحابي و سألوك عليّ

ما تقولش هجرت..و تشمِّتهم فيّ

بتعز عليّ.... العِشرة يا عني

وكلام الناس علينا وتجريحهم فيّ

وداري يا حبيبي على الجراح

زي ما بتداري على الأفراح

وكفاية ياغالي صبر الجرح ليالي

كفاية كفاية

ليه تشمِّت عُزَّالي فيّ

..وفي اللي جرالي...
.....

Post: #10
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: الطيب عباس
Date: 07-21-2020, 11:18 AM
Parent: #4

Quote: شوفوا خليت قصة الغربة و الموت عشان قصة الولد ده ما تطير مني..لمّا نسيت سيرة الموت ذاته ..

خلاص حنرجع تاني لسيرة الموت في الغربة


تحياتي يا استاذ .. انا كنت قايل ابوهو وقع ميت من الخلعه ... ههههههههههههههه


المهم متابع

Post: #11
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-21-2020, 02:19 PM
Parent: #10

الأخ الطيب كيفك
شكرا على المتابعة

خلاص حاحكي قصة الموقف التاريخي.. المحرج..

Post: #12
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-22-2020, 08:53 PM
Parent: #11

فوق

Post: #13
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-23-2020, 04:59 AM
Parent: #12


عفوا سأحكي القصة التي وعدت بها و هي لا علاقة لها بالغربة..و لكن الشيء هي غربة أو سفر من نوع آخر.وفي نفس الوقت هي غلطة غير مقصودة لكن ربك سلّم إذ

كان يمكن أن تؤدي الى ما يحمد عقباه..

كان محمد الملقب ب:تودي من اهالي دنقلا و يسكن لوحده مع جيراننا في بيت أخت زوجته..كان يعمل قومسنجي في السوق الشعبي.. و زوجته و اولاده في دنقلا ....

لكن ظروف العغمل جعلته يقيم بالخرطوم.. كان رحمه الله رجلا ودودا كريما ينثر كرمه على الجيران جميعهم نحن منهم..لذلك لكان محبوباً..يخرج الصباح و لا يعود إلا بعد المغرب..

فجأة مرض تودي.. و تم حجزه بالمستشفى لإجراء العملية.. و العملية لا أذكر نوعها..ولكنها في المعدة ..و لم تكن عملية خطيرة ..و أجريت العملية بنجاح..

وتم اخطار زوجته و اولاده في دنقلا بأنه سيخرج يوم غدا الجمعة.شاء الله نفس يوم الخميس حدثت له مضاعافات ..و توفي إلى رحمة مولاه صباح الجمعة..نفس اليوم الذي ستحضر

فيه زوجته و ولده..

بعد وفاته قام اخيه باجراءات نقل الجثمان و الدفن و اقام العزاء بمنزله في الصحافة..وليس في بحري حيث كان يقيم المرحوم..

طبعا جيراننا ذهبوا جميعهم للعزاء في الصحافة و لم يفكروا ان زوجته وولده قادمون لكي يحاولوا مقابلتهم..و إخبارهم بالوفاة..حتى لا ينصدموا..

الوفاة كانت في أول ساعات الصباح...وبص دنقلا وصل بعد الظهر..وفيه الزوجة و الإبن حيث توجهت الزوجة لمنزل اختها حيث كان يقيم زوجها..

وطبعا لم يجدوا أحد...لكنهم لم يشكوا أصلاً أنه الرجل توفي و ان اصحاب البيتن ذهبوا للعزاء..و لما كانت علاقتنا بهم جميعا علاقة قوية..جاؤا إلينا..

حوالي الساعة اثنين ظهرا و أنا جالس في البرندة المواجهة الباب الخارجي..أتفا<ا بزوجة المرحوم وولده...يفتحون الباب و يدخلون ..و في وجوههما وعثاء السفر و التعب.. ..

........و شيء من القلق و التوجس و هم ينقلون خطاهم ببطء و ينظرون في وجهي لقراءة ما حدث..لأنهم تفاجأوا بعدم وجود أحد بمنزل أختها..

حتى تلك اللحظة لم اعرف ما هي الإجراءات التي أتخذت تجاه أسرة المرحوم..بس كنت متأكد إنهم على علم..لأني ظننت أنه ربما اخطروهم أو ذهبوا للمستشفى و عرفوا خبر الوفاة...

.....لم أشك لحظة أنهم لا يعرفون. فطوالي وقفت على حيلي و بكل ثقة بعد ان رسمت ملامح الحزن على وجهي..وطوالي شلت معاهم الفاتحة....

.................لم تنتبه الزوجة و ظنت أني أشيل الفاتحة لوفاة أختها التي كانت قد توفيت أختها قبل شهور ولم أقابلها بعد الوفاة. وطبعا كان من الواجب أن أشيل معاها الفاتحة..

لذا لم تفاجأ..لكن الولد و كان شابا صغيرا..كان قد اتسعت عيناه دهشة و لكنه ظل صامتا واكيدا خائفا..أجزم أن تلك أفظع اللحظات التي مرت عليه و لن ينساها أبداً.

جلس الاثنان في السرير و أحضرت لهم ماء..الكويس لم يكن أحد غيري موجود ..و إلا لحدثت الكارثة..

بعد لحظات سألتني الزوجة ..وين ناس منى؟ اللي هي أختها..في اللحظة ديك عرفت إنه ربنا ستر..و لكن كيف التصرف ..كيف أنقل لكم الخبر الحزين و غير المتوقع..

فقلت ليهم مشوا الصحافة..(اظن اعتقدوا أن ابوهم خرج من المستشفى لمنزل اخيه بعد أن شفي و ليس جثة)..

كان عندي عربية .زعلى طول قلت ليهم يلا أوديكم ليهم.. طوال الطريق بديت استرجع القصص التي كثير ما سمعتها عن كيفية نقل خبر الوفاة..و كان داك اول مرة و أنا شاب

صغير لم أمر بمثل تلك التجربة. و أنا سايق كانوا صامتين ..ولا كلمة..و الجو من حولي ثقيل..و الصمت يزيد من حجم المسئولية..

ظللت أنا صامتا حتى وصلنا الصحافة و قبل شارع فقط..بدأت أتكلم..: والله تودي تعب شوية امبارح.....و في المستشفية قالوا يعملوا ليه عملية تانية

لكنه تعب ... بعدين دخل في إغماء ..و حاولوا ينقلوا ليه دم.. بعد كل جملة كنت اصمت لثواني...

وكنت اتكلم دون ان التفت اليهم..لكن شعرت انه الخبر سيكون أخف إلى حد كبير..

و وانا داخل على الشارع لمحت من بعيد طرف الخيمة فعرفت البيت..

-غايته الأيام لما تكمل....-الموت نهايتنا كلنا.. ثم رميت القنبلة و كنت أسأل الله أن لا تنفجر: وفي الصباح توفي..

و هنا أنفجر الاثنان بالبكاء.. وع ذلك كنا أمام الخيمة..و نزل المسكينان..

رحمه الله....و بعد سنة توفيت الزوجة كذلك..

لهم الرحمة جميعهم..

Post: #14
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-23-2020, 07:41 AM
Parent: #13


الاسكندرية..حياة الطلبة.. السكن، و عم سعيد
************************************
غريبة أن أتذكرك فجأة هكذا يا عم سعيد بعد كل هذه السنوات:

هل هي صحوة ضمير متأخرة أم هو طيفك الحاني من أيقظني اليوم من سباتي الحياتي وغفلتي؟ ‏

هل يا ترى أيقظتني روحه الرحيمة لتنال قسطاً من دعاءٍ هو تستحقه؟ ليدُ سلفت منك يوماً و نحن طلاباً في أول الشباب مغتربون ...وظروفنا كما ميزانية بلدنا ...

يوم في العالي و أيام في الواطي.....

بالرغم من ذلك لم نكن مهمومين و لا قلقين. إذا فلسنا فصاحب البقالة يمد يده ليكتب ما نستدين..وصاحب كشك الجرائد (أظن اسمه أحمد له التحيات النواضر، أو الرحمات الممطرات

سحائبا، ورحمة و مغفرة، إن كان ميّتاً)..سأجيء فيما بعد لصاحب كشك الجرائد ..

يدخل علينا عم سعيد دائما في خفة القط هيّناً ليّناً ....دائماً يأتي في الأمسيات في وقتٍ غير مزعج..يجلس بكل احترام منتظرا حقه في الإيجار..لكنه لا يطلبه بالحرف ..بل بعد مقدمة ..

كمقدمة ابن خلدون يسأل عن الحال والأحوال و الدراسة.....

-والله يا عم سعيد الحوالة ما وصلت ...نقولها و نحن خجلى منكسرون ..فيجيء رده::

ما مشكلة ..على راحتكم..لما تجيكم الفلوس. سلموها لابني في البقالة..

والبقالة في نفس المبنى..ابنه هذا لم نكن نحبه..نظراته ليست ودودة كأبيه..

المهم كنا في السنة النهائية و لم تتحسن ظروفنا او لم نهتم بدفع حق الإيجار لا أتذكر...لكنه دين معلق في رقبتنا..

في الأخير رحلنا ..و لم نعد....وسافرنا و لم نفِ بالوعد..

للحيث بقية ..كما تقول مذيعة الجذيرة

Post: #15
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: Faisal Fadhlallah
Date: 07-23-2020, 11:05 AM
Parent: #13

الأستاذ محمد الحسين
بعد التحية،،
حكي ممتع ، أنا مستمتع بالسرد حد الثمالة
واصل لا كُسِر يراعك ولا نضب معين خيالك ولا انحسر سيل ذكرياتك.

Post: #16
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-23-2020, 03:35 PM
Parent: #15

الأخ فيصل

لك خالص الشكر على كلماتك اللطيفة ..

و ربنا يجعلنا دائماً عند حسن الظن..
Quote: الأستاذ محمد الحسين

بعد التحية،،
حكي ممتع ، أنا مستمتع بالسرد حد الثمالة

واصل لا كُسِر يراعك ولا نضب معين خيالك ولا انحسر سيل ذكرياتك.


خالص المودة لك يا عزيزي

Post: #17
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-24-2020, 00:09 AM
Parent: #16

بالمناسبة كتبت عن سعيد قبل كده بالعنوان ادناه.فاستسمح من يتابع ان أعيد ما كنت قد كتبته:

عم سعيد لك الرحمة : غريبة أن أتذكرك فجأة: أهي صحوة ضمير متأخرة بعد كل هذه السنين أم؟ ‏

فكان هذا ما كتبته مع قليل من التعديل و التصويب:

‏غريبة فعلا...

ما السر وراء هذا الإلحاح الذي اجتاحني ولا أعرف مصدره ؟:

‏أهي حاجة منك للدعاء، وأنت تحت الأرض؟

أم هي إحدى غرائب الميتافيزيقيا؟

أم هو اندياح روحاني مفاجيء ساق روحانا لتلتقيا؟

أم هو تخاطر (توارد خواطر قبل تعديل بوساطة اساطين اللغة؟)

أم هو تواصل بين الأحياء والأموات؟


أم يا ترى هي دعوة ربانية من وراء الحجب لكي أدعو لك ..
لأنك تستحق أن يُدعى لك...‏؟

أم هي صحوة ضمير مني متأخرة تجاه يدُ منك سلفت ودينٌ مستحقٌّ؟

أبعد كل هذه السنين تناجيني الذكرى لأتذكر سيرة هذا الرجل الاستثنائي؟؟

فاسترجع هما ما قاله المعرّي وهو يتخيّل نفسه مسافراً، فيخاطب ناقته التي داهمها حنين مفاجئ لأوطانها:

(أبَعْدَ حَوْلٍ تُناجي الشّوْق نَاجيةٌ

هَلاّ ونحنُ على عَشْرٍ من العُشَر؟)


غريبة أنتِ أيتها الحياة....و بحان ربي علام الغيوب عالم الغيبة و الشهادة...

هو موضوع شخصي بحت. و لكن رأيت أن أطرحه في المنبر لمزيد من الاستئناس بالآراء و لإلقاء الضوء على جانب خفي ‏من حيواتنا قد لا نلتفت له كثيرا..

هو جانب يرتبط بعلاقة الأحياء بالأموات وبموضوعات أخرى...

جانب يمكن أن يدرج ضمن ‏الغيبيات الميتافيزيقيات.. التي تعتبر تحدياً للإنسان لتفسيره ...وللعلماء والفلاسفة .

منذ أول أمس تطرق ذهني بشدة و إلحاح صورة العم سعيد...

غريبة عم سعيد الذي انقطعت صلتي به منذ حوالي ثلاثين عاما و أغلب الظن أن ‏يكون قد توفيَ يلح على ذهني صباح مساء..و اراه أمامي.. ‏

و صرت أدعوا له منذ ثلاثة أيام أذكره بالخير...و ذلك لأنه عمل معنا معروفا لا أنساه و لا أدري زملائي الباقين هل يذكرونه أم نسوه.

يلح علي ‏الخاطر بأن أدعو له ...و أن أتصدق له بمبلغ ثلاثين جنيه...ثلاثين جنيه مصري...كانت تمثل في بداية الثمانينات. مبلغ محترم.‏

فمن هو سعيد ؟؟ هو رجل كان في حوالي الخمسينات في ذلك الوقت كنا نستأجر أنا و زملائي الثلاثة شقته في الاسكندرية..‏

كانت الأحوال غير الأحوال ..كانت المصاريف تصلنا متقطعة.. ‏

و كان هو يدخل علينا الشقة هو وزوجته الثانية ..وجلس معنا خمسة أو عشرة دقائق .. ‏

و كنا نتضايق لأن أسئلته عن حالنا وأحوالنا و الدراسة كانت بتمهل .. ولم نكن في أغلب الأحوال جاهزين لزيارة من أجنبي أوغريب.

.. و ‏حتى الشقة لا تكون جاهزة لاستقبال الضيوف..‏

كنا نعتذر دوما بأن الفلوس لم تصل..فكان يقول لنا:‏

‏- ... أنتم زي أولادي...وأتخيل أن اولادي تغرّبوا مثلكم...‏

‏- ....ما مشكلة..لما تصل مصاريفكو أدفعوا..

الغريبة أن هذا الأمر تكرر كثيرا..‏

و لكن في نهاية السنة خرجنا من الشقة ولم ندفع الإيجار...على أمل أن ندفع لاحقا...و لكن لم يحدث ذلك..‏
وأمس وجدت نفسي دون تفكير ...أن معظم الدعاء في الصلوت مخصصة له دون أن أدري. كأنني أعمل بتوجيه وبإرادة خارجية..

فقلت لنفسي ...لعل روحاً منه زار( كما قال السياب في ذكرى أمه المتوفاة) برحمة من الله جزاء فعلته ...لكي يكافئه...

كيف يأتي الحلم؟ و كيف تتكون الرؤى؟ وكيف تتولد الذكريات ؟

و كيف يتم التخاطب أوjتوارد الخواطر ( و الذي اختصر ب: التخاطر telepathy

و كيف تثب إلى هدوئك في لحظة عابرة ملامح شخص من بين الحجب والغيب لتُقلِق عليك منامك أو ليُوقِظَ فيك مشاعر جميلة ؟

سبحان الله هذا الإنسان اللجوج المكابر الشديد الجدال والحِجاج ، و صدق المولى الكريم حين قال:(.. و كان الإنسان أكثر شيئا جدلا( …

في الختام

نسأل الله لعم سعيد الرحمة و المغفرة ...وأن يجزيه عنا خير الجزاء...


Post: #18
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-24-2020, 07:16 PM
Parent: #17

من ضمن ذكريات السفر مشاكل الدخول و الخروج في المطارات المختلفة..

وغالباً بسبب تطابق اسمي الذي سبب لي كثير من المشاكل بسبب التطابق..

فاسم محمد عبدالله محمد اسم مشكلة في أي مكان لكثرة هذا الاسم..

فهناك كم مهرب و ارهابي و تاجر مخدرات و معارض سياسي يحملون نفس الاسم..

فقد رأيت بعيني قائمة تطابق الاسماء لنفس الاسم..

من لحظات السفر التي لا انساها لحظات القلق والخوف في بوابات المطارات بانتظار الدخول أو المغادرة...

ففي سوريا مثلاً لم استطع المغادرة إلا بعد أن قابلت مسئول الاستخبارات في ذلك الحي الذي تحرس مداخله وشوارعه مليشيات مدنية تحمل الرشاشات.

كانت ايام رعب حقيقي.(قبل الحرب السورية طبعاً).

وكذلك لحظات منعي من السفر في السودان..وجدلي مع مدير أمن وانزال عفشي من الطائرة..

و منعي الدخول لمصر إلا بعد كتابة الاسم الرابع....

وشك ضابط الجوازات الهندي في أني قد اكون مجاهد سابق في افغانستان.


Post: #19
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-25-2020, 05:29 AM
Parent: #18


أقف منتظراً دوري في الصف ...بعد أن سلمت جوازي.. أنظر إلى رجال الجوازات العسكريين و هم يدخلون ويخرجون...

سيماهم تذكرني الشخصية النمطية لرجل الشرطة في الأفلام المصرية، لا أود أن أفسِّر..لا أود أن أقول بسطاء و نصف سذج او غير ذلك ...طبعا لا يخلو الأمر من هذه الصفات...

و لكنيهم يتصرفون كأنهم يؤدون أدواراً روتينية لا يكادون ان يخرجوا عن الخط المرسوم..فالبلد كانت( ولربما لا زالت- بل أكيد لا زالت) يتحكم فيها الأمن والاستخبارات..

هنا مطار دمشق...مطار متوسط في كل شيء، لكنه يؤدي دوره ....الصفوف لنيل التأشيرة طويلة نوعاً ما..الصمت هو سمة الجميع.

وأنا في زيارة بزنس...بزنس صغير..لأنه كلمة بزنس دي بتعطي تصوّر كبير شوية ..كلمة فيه سمة الرأسمالية والبرجزة و أنا بعيد عن ذلك ..كنت موظف على قدر حالي..

كنت أقوم بعمل زيارات مكوكية لجلب قطع غيار السيارات مستقطعا من اجازاتي الاسبوعية والمحلية والسنوية ما أمكن لكي أحشو جيب إمكاناتي (الموظفة) بما استطيع

أن أمشِّي به شؤن أسرتي الصغيرة الناشئة.
أعرف أن اسمي مثير للشبهات والانتباه خاصة لدى رجال الجوازات الذين لا يستطيعون بل يخافون أن يسمحوا بدخول شخص مثير للشبهات....

........... ولا يستطيع أي فرد منهم في ظل ظروف بوليسية كاملة الدسم كتلك ...أن يتصرّف أو يتخذ قرار بدخول أي شخص مشتبه به أو حامل اسمه مطابق مثل حالتي..

بالمناسبة الاسم المطابق أو الشخص المشتبه به ..في كل المطارات التي تعرضت فيها للتأخير أو الاستجواب، سواء في الخرطوم أو القاهرة أو دمشق أو بومباي..

.....باختصار كلهم ليس لديهم أي تفاصيل سوى الاسم ..لا جنسية..لا عمر..لا مؤهلات..ولا أي صفة تساعدهم في التعرف على الشخص المعني ...ولكن لديهم فقط اسم معلّق في الهواء ...

.........عشان يبهدلوا أولاد الناس ..ويشرشحهوهم..
يغيب شرطي الجوازات مدة طويلة داخل الغرفة المكتوب عليها(المحفوظات) أي الارشيف..ثم يعود معتقلاً جوازي..
حضرتك عديت من قبل على مكتب..... (لا أتذكر الاسم) ..لكن له علاقة بالاستخبارات و ماشابه ذلك

- لا..لم يحدث

- طيب..تروح هناك ..بتقابل العميد.......... في منطقة ..... العنوان مكتوب....

بس تبرز هذا الخطاب لهم و سيسمحون لك بمقابلته..

إذا ما جبت خطاب من عندهم مش حتطلع من البلد..مفهوم؟

أكيد مفهوم ....معقول يكون ما مفهوم يعني؟

استلمت الخطاب المعني وأدخلته بكل عناية وحذر طبعاً ، في حقيبتي الصغيرة.

تبخرت في لحظات كل أحلامي في ان استمتع بسياحة صغيرة في دمشق لازور سوق الحميدية و اتناول وجبة دسمة في مطعم ابو كمال بمزاج و التنزه في منطقة المزرعة...

و أي أحلام و مزاج يا ابوحميد و انت مصيرك في كف عفريت؟

من خوفي قررت أذهب للسفارة السودانية لأخبرهم بالأمر فلربما ساعدوني ويكلموا الجماعة(إياهم) أنني شخص بريء، وكل مشيِ على الحيطة..

قابلت المسئول في السفارة فقال لي:

- عادي امشي هناك وما في مشكلة..

عرفت إنه الموضوع عدم اهتمام من مسئول السفارة.....واحتمال هم ذاتهم عاملين حسابهم وما بِدخِّلوا نفسهم في الحتت دي..

يعني باختصار خلوني أنا المسكين براي اواجه مصيرا مجهول..

اليوم انتهى و بكرة حأمشى للجماعة ديل..و الله كريم..

ما عارف اليوم داك عدّى كيف...بدون طعم ..قضيته في تفكير وتصور لكافة السيناريوهات المحتملة ..الله لا يورِّيها حبيب و لا قريب..

خلاص بكرة نشوف بيحصل شنو..

تصبحوا على

Post: #20
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-26-2020, 05:49 PM
Parent: #19

للأعزاء المتابعين:
سأتوقف عن المتابعة..

Post: #21
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-28-2020, 06:27 AM
Parent: #20

فوق

Post: #22
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 07-31-2020, 08:42 AM
Parent: #21

كل عام و انتم بخير

و عيد مبارك

يعود يا رب على الجميع بالخير و الصحة و
العافية

Post: #23
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 08-02-2020, 12:57 PM
Parent: #22

أولاً كل عام والجميع بخير وعافية..

اواصل ما حدث بخصوص مقابلة الضابط الذي طلبوا مني مقابلته.... والذي يتوقف قراره على مغادرة سوريا او عدم مغادرتها.......................

ولربما يتبع ذلك السجن أو أشياء أخرى..و الذي يقع مقر مكتبه في تلك المنطقة من الحي التي حسب ما شاهدت لاحقاَ تسيطر على شوارعه ومداخله مليشيات ترتدي الزي المدني..

لابد أنم أنوه هنا بأنه الكلام ده قبل نشوب الثورة السورية بعدة سنوات.

صباح ذلك اليوم الشتائي البارد من صباح دمشق ولفحة الهواء البارد تلسع الوجه والخدود والاذنين..توكلت على الله وخرجت من الفندق..استعداداً لمقابلة الباشا المعني..

حاولت اتمشى قليلاً حتى أبدد توتر داخلي لم يتبدد منذ لحظة اخطاري بضرورة مقابلة الضابط الكبير....ولكن هيهات.

طبعت قرات كثيرا من قبل عن سيطرة الجهات الامنية وعن طول يدها..

وقفت في رصيف الشارع اوقفت تاكسي و رميت له بالعنوان..

تردد لحظات ثم سألي في استغراب:

- ليش ماشي هناك؟ ايش عندك هناك و انت اجنبي.؟؟

قلت له في سري السؤال ده كان تسال جماعتك..

-انا مش حأوصلك للمنطقة ديك بالظبط ..بس قريب منها

-؟؟؟
- يعني حأنزلك قبل شارع أو شارعين..

-طيب ........ما مشكلة.

- أصله المسافة قريبة بعد أنزلك..

بعد حوالي ربع ساعة وقف التاكسي واشار الي الى ناصية الشارع البعيد حيث رأيتشخص مدني يحمل الكلاشينكوف عند طرف الشارع..

يا ساتر! خلاص بدينا ؟يحلني حلال العقد...

معقول حي كامل مطوّق؟

كان منظرا غريبا بالنسبة لي لم اعتد على مشاهدته و إن كنت قرأت عنه..

Post: #24
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: adil amin
Date: 08-02-2020, 02:30 PM
Parent: #23

كتابات ظريفة والله
انت بس اكتب
واكتب
واكتب
الكتابة عمل سامي
فقط الزمن الذي يمر به السودان والبورد
لا يساعد في التجول في هذه الحديقة من الذكريات
ولكنها كتابات قيمة جدا
في اول عقد للبورد
كانت هذه الكتابات بتاعة الغربة والرحلات سيدة السوق والدنيا كانت عوافي
الان نحن نصارع من اجل بقا جدار يوشك ان ينقض
https://top4top.io/
واصل توثيق تجربتك

Post: #25
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 08-03-2020, 10:17 AM
Parent: #24

شكرا الأخ عادل.. كلك ذوق و احساس
شكرا هذا يدل على عمق احساسك و مشاعرك يا كلس..
كلس دي ذكرتنا عزيزنا منى عمسيب الله يطراها بالخير..
السياسة و بقاء جدارنا صامدا همنا أيضا.. واظن ما يكتبه الآخرون يكفي وزيادة..
تسلم حبيبنا الجميل..

Post: #26
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 08-03-2020, 01:29 PM
Parent: #25

نزلت من التاكسي وتقدمت الى منتصف الشارع حيث بوابة يقف امامها شخص وفي الداخل عدة اشخاص..وقفت امام الرجل الذي يرتدي بنطلون رمادي وقميص نص كم أبيض..

الغريبة كانت ملامحه عادية ليس فيها اي من مظاهر الدهشة مما يعني انه معتاد على زيارة اشخاص مثلي..يعني شيء روتيني..فبددت هيئته و ذقنه الحليق وخدوده اللامعة

المكتنزة معظم مخاوفي.ولكن نظرة الى الكلاش الذي يحمله بجانبه اعاد تذكيري بأن الموضوع لا زال في البداية و دي المناظر بس..

أمسك الرجل الخطاب وقرأه بتمعن واشار إلي بأن أمشي على اليسار في الشارع الثاني ثم الى اليمين في الشارع الذي يليه..

الشوارع صامته رغم ان الوقت ضحىً..وحاملوا الكلاشات ينتصبون عند اطراف الشارع و في بعض بوابات المنازل التي يبدو عليها الفخامة و كذلك الرهبة..

و في كل زاوية يوقفني شخص ويقرا الخطاب ويشير الي بالوصف..إلى أن وصلت لمبنى فخم لامع البياض كانه قصر او ما شابه ذلك.

عند مدخل البوابة الفخم هرع نحوي احد المدججين و بقي اثنان متحفزان يراقبان..بعد فحص كتابي اشار إلي في حركة روتينية محفوظة بالدخول. ورافقني للداخل الشخص الذي بادرني

باللقاء عند المدخل...دخلنا إلى صالة واسعة وفخمة كذلك.. ثم اشار إلي بأن انتظر.ثم دخل لمكتب داخلي..وبعد دقائق جاءني رجل في حوالي الخامسة والاربعين أو الخمسين، متين البنية،

طويل القامة.، لا يشبه العسكريين ..بل هو للدبلوماسيين أو الإعلاميين اللامعين أقرب. ...

إنه الباشا إذن كما يطلق المصريون على رجال الأمن والمخابرات المشهورين والغامضين و الذين لهم في القلوب رهبة،وفي النفوس رجفة.

Post: #27
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 08-04-2020, 12:59 PM
Parent: #26

القى تحية سريعة و تناول الخطاب. وأشار إلى بالجلوس. حاولت أن أقرأ في ملامحه ماذا سيكون وضعي او مصيري. ولكني فشلت..

.............كانت ملامحه جامدة لا توحي بشيء ولا يمكنك أن تتنبأ بدواخله رغم سمته النضير والخدود الممتلئة والعيون السوداء اللامعة و كما يقولون:

(إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ)..جلست مستسلماً لمصيرٍ لا أعرفه..ويمكنني أن أتوقع أي شيء..

فجأة سألني الرجل ولكن بلهجة منبسطة قليلة:

- أين درست الجامعة.؟ و ماذا درست؟


لما قلت له انني تخرجت من اكلية ..... تفاجأت بانفراج اساريره.. ثم قال لي:

-اكتب في هذا الدفتر سيرة حياتك ومراحل و اماكن دراستك بالتفصيل الممل..

جاءت عبارته الاخيرة تحمل شيئا من البشرى..(إن بعد العسر يسرى)..

وهنا تحرك قريبني ليقول:

- الحمد لله فرجه قرّب

لم التفت لما قاله القرين و لكن ارتاح داخلي قليلاً..

وبدأت اكتب في سيرة حياتي ...الحمد لله الموضوع بقى كتابة....ما حاجة تانية..

..و أنشغل هو بأوراق في طاولة مكتبه..

ثم فجأة نظر إلي و قال..

- ساقف بجانبك او معناه.. فانتبهت لتلك الجملة التي اعجبتني..لانها تحمل البشريات..

-لأنك مثلي تخرجت من كلية ...... الحمد لله ..ألآن وجدت من يقف معي..

و هنا بدأ قريني وكانه قد اغتاظ مني:

-يقف معك؟ وما الجرم الذي ارتكبته أنت أصلاً؟

- ياخ ما مشكلة..الحمد لله الأمور حتمشي..ما تعقدها بالله..أنا أصله عارفك فقُر..

- خلاص على كيفك..انت اصلك زول مسالم و ما بتاع مواجهات..

-هههههه...مواجهات؟ مواجهات مع منو يا بتاع المواحهات أنت؟

-بعدين دي بلدي؟؟ هسه لو دخلوني في أي سجن منو البلحقني؟

قبل أن أكمل السيرة قال لي الضابط ..

- وريني إيش كتبت ؟

أمسك بالورقة وبدأ يقرأها بصمت و سرعة.. وثم فجأة و لدهشتي ... وقّع عليها...

و اخرج من أوراقه ورقة جاهزة.. و بدأ يكتب عليها..اسمي ورقم جوازي..و تعليق بما معناها إنني لست الشخص المعني.. ثم ختم الورقة ...

-قبل لا تسافر تمشي لمكتب( لا أذكر اسمه) ....قرب المطار قبل أن تذهب للمطار..

مؤخراً عرفت ان ذلك المكتب هو من يحق له مخاطبة المطار(روتينب عجيب)..

ثم اعطاني الخطاب وودعني بابتسامة كانت خير زاد ٍ لي فيما تبقى لي من ساعات و ايام في سوريا.

وبعد دقائق كان الشارع يشهد شخص آخر ..شخص جاء مهموماً مغموماً..
والآن يعود من جديد ..منتشياً، ممتليً فرحة وسرورا .....

كانت كل دواخلي تمتلي نشوة... بل للحق ِكدتُّ أطير من نشوة الفرح والفرج (الذي لم يكن لي في أي دور) ....

خرجت بعد ذلك الامتحان مزهواً بالنصر الاستروبيا..

كنت امر من خلال شوارع ذلك الحي الصامت ، المخيف، الغامض متبخترا كأنني انتصرت في معركة كرري..

ولربما غشيت الدهشة هؤلاء الحراس المدججين بالسلاح الصوارم والجاهزين لكافة الاحتمالات أو هكذا تخيّلت...وهم يرونني أمر بهم غير مكترثا بهيئتهم كما كنت

حين دخولي للحي اول مرة . بسرعة اوقفت تاكسي الى الفندق.. لكني بدلا من ان ادخل الفندق فضّلت ان اتمشى قليلا، ربما مدفوعا بما ملأجوانحي من ارتياح.

وخلال نصف ساحة من التسكع الكسول وجدت نفسي امام سوق الحميدية ..دلفت داخل في شوق..ومن ثم إلى محلات بكداش الشهير لأكافئ نفسي بكاس من البوظة بالمكسرات

.. جلست في المحل وانا اتلفت يمنة ويسرة مستسلماً لذلك الاحساس بالأمن والأمان الذي فارقني منذ ايام ثلاث .

وما كنتَ لدي وأنا اخطو صباح اليوم التالي الى داخل مطار دمشق في ثقة وانشراح وكأنني اتمشى في صالة بيتي..

Post: #28
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 08-06-2020, 11:56 AM
Parent: #27

من بين ذكريات السفلر و التي لازالت عالقة في الداكرة هي قصة ذلك البحّار السوداني الدي وجدت في احد فنادق القاهرة الشعبية يوما ما...

ما جعلني اتدره رغم مرور السنوات هو تعاطف غريب مني تجاهه لا أدري سببه...

و بالتالي لم انساه و لم انسى مقابلتي له وما حكاه لي ...

المهم وجدت نفسي أكتب رسالة لدلك البحار الغريب مع علمي أنه لن تصله و لن يقرأها..

الرسالة فيما يلي:

Post: #29
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 08-08-2020, 06:15 AM
Parent: #28

ترى أين أنت أيها البحّار الغريب: أم أنها لعنة الغجر؟
25 أكتوبر، 2017



هي قصة ذلك البحار السوداني الذي قابلته يوما خارج البلاد

فأثار في النفس كثير من ‏المشاعر ‏و الخواطر. و من بينهم هذه الخاطرة .‏

أيها البحار الغريب ذو الجسم الاسمنتي المتين ترى أين أنت ؟

في أي البحار تحلق أنت الآن كما النورس ؟

في أي الموانيء؟ في أي الأرصفة؟ وفي أي المحطات؟

أم سئمت من البحار و الموانيء إذ لم تجد فيهن الدفء الذي تريد؟

أم ترى وجدته في صدر عاشقة حنون؟

أم ترى صرتَ كائنا برمائياً بعد أن أنهكك السفر و التسكع في المواني الغريبة ؟

أم يا ترى رجعت لحبيبتك التي التقيتها يوما ما في مرسيليا؟..‏

تلك الزوجة الطارئة التي التقيتها في ذلك الميناء المزدحم …‏

ذلك البلد الذي شهد التقاء نُطَفُكما لتنجبا كائنا هجينا …‏

‏….كائنا غريبا عن الميناء و عنك و عنها …كائن ضائع الهوية…‏

ترى هل لا زلت أسيراً ل(لعنة الغجر)؟- (لعنة الغجر) تعبير التي ذكرها الشاعر مصطفى سند في قصيدته ‏التي يقول فيها: ‏

فى الصبح حين يرجع المهاجرونْ

من آخر البحار، فجأةً يسافرون‎

لأن لعنة الغجر‎

منقوشةٌ على عيونهم‎

لأن في عيونهم سحابة الضجرْ

الوقائع:‏

لعلك يا (س) لا تذكرني و لا تذكر إنك التقيت بي.. ‏

كما أنك من المؤكد لن تتذكر اسمي(ليس لأنك لم تسألني ‏عنه)….‏

لن تتذكره فقد كنت سارحا بعيدا …لربما في نقطة آخر البحار.‏

و لكني أنا أذكر ذلك ، كأن ذلك حدث بالأمس…‏

في منتصف التسعينات و صهد النهار القاهري يلهب الظهور بالعرق السخين ….‏

و رطوبة الجو تطرد ‏النوم النهاري العنيد من العيون المتعبة ..‏

و أنت في غرفة الفندق ذو الثلاثة النجوم المزروع في أحد الشوارع الجانبية…‏

و أنا كنت ُشابا يافعا أجمع شتات خبرة مبعثرة عن مبادئ التجارة المختلطة بالرغبة في ‏التسواح ‏و التجوال الشبابي المراهق..‏

هل تذكر ذلك؟ أعرف أنك لن تذكره…‏

‏ لعلك لا تعرف أن ما جذبني لاقتحام خلوتك في ذلك اليوم ، و الحديث معك كان شيئا غريبا…‏

كان شيئاً غريبا لا ‏تصدقه…إنه شخيرك. نعم شخيرك المخيف الذي يكاد أن ترتجف منه ‏أوصال ذلك الفندق الصغير ذو ‏الطابقين…‏

شخيرك و جسمك العملاق العريض اللذان كانا مصدر فرجة للعاملات في الفندق إ كان باب ‏الغرفة مفتوحاً

أشفقت عليك حينئذ !‏

إي والله أشفقت عليك برغم أنني أصغرك بأكثر من عقد من الزمان..‏

أشفقت عليك بالرغم من جسمك الاسمنتي المتين………‏

نعم أشفقت عليك بالرغم من صدرك الواسع الأرجاء و ‏طولك الفارع المهيب.‏

اقتحمت عليك وحدتك و سكونك لأحذرك من ترك باب غرفتك مفتوحاً…‏

‏…لأحذرك خوف السرقة و أنت تنام في ‏كهفك العميق لا تسمع صوتا و لا تحس ركزا…‏


و لكن لنترك كل ذلك جانباً: يا ترى أين أنت الآن؟

‏ كانت ملامح وجهك بمنخاره المربع و خدودك المنتفخة و وجهك العريض يوحيان بكل ‏براءة ‏الدنيا و بكل بساطة أهلنا الطيبين…‏

‏ فدونت منك معبّرا عن صداقةِ الغريبِ للغريب.. في البلد الغريب…‏

‏…..و قبِلْتَها أنت دون تأفف أو تردد..‏

و جلسنا..و تعارفنا ..و تسامرنا و ربطت الألفة المؤقت الطارئة بين قلبينا…‏

و لكن أيضا كان يفصل بيننا فراغ…فحاولت ملئه بالتعارف لنزداد إلفة و وثوقاً: ‏

‏- لماذا أتيت للقاهرة؟ تجارة أم عمل؟

‏- أنا أعمل بحار…‏‏. جاءت مركبنا للسويس لمدة ثلاثة أيام..‏

‏- هل تجيء القاهرة كثيرا

‏- احيانا..‏‏ لأن معظم سفرنا في أوروبا..‏

‏- منذ كم سنة و انت تعمل في البحار؟

‏- حوالي عشرين عاما.‏

‏- طبعا متزوج…. و لديك أبناء…( كان يناهز الخمسين من العمر تقريباً)‏

و هنا صمتَ طويلا حتى خلته لن يجاوب..‏

‏…. و لُمتُ نفسي على فضولها و سذاجتها و على طيش صاحبها…و صمتُّ أنا كذلك..‏

أشعل غليونا غليظا. و عدّل من جلسته… ثم ابتسم و هو ينظر لدخان غليونه…‏

‏… تنحنح قليلاً مُسَلِّكاً حنجرته الضخمة حتى خلته سيحكي لي تاريخ العالم أجمع…‏

لا أدري لماذا داهمتني عندئذٍ صورة القرصان المخيف في قصة جزيرة الكنز ‏treasure ‎island‏ .....

بالرغم من ضخامة (صديقي) إلا أن كل شيء فيه يبدو مسالما، وديعا ‏و وأليفاً…‏

ثم فجأة بعد فترة صمت و تفكير قال:‏

‏- البحارة عادة لا يتزوجون.. و لا يعشقون.. ( ثم ضحك)‏

‏-؟؟؟
‏- ….لأنهم قد عشقوا البحر و تزوجوه.. ‏

ثم واصل حديثه

‏- لكني في إحدى زيارات مركبنا لمرسيليا قابلت (ليز) و هي من إحدى جزر الكاريبي و ‏التي ‏تعيش في فرنسا…‏

‏-؟؟

‏- تزوجنا و أنجبنا إبناً..و لكننا انفصلنا بعد عام…‏

‏- لماذا انفصلتم ؟ لعله عدم التوافق؟..أو لأنك تعشق البحر و لا تحب الاستقرار…‏

ضحك و قال:‏

‏- لا ..لا …‏ثم واصل:‏

‏- هل تصدق أن سبب الانفصال كان أني أردت أن أسمي الولد على اسم أخي( يحي) ..‏

و هي تريد أن تسميه على أخيه (خوان).فاختلفنا و غضبت أنا و تركتها…‏

‏- و لكن بعد ذلك اكتشفت أن اسم يحي بالعربي هو نفس اسم خوان بالاسبانية ..‏

‏- دنيا غريبة

‏- و لم تقابلها بعد ذلك؟

‏- لم يحدث مطلقاً

‏- غريبة1 و ابنك تركته لها؟

‏- لم اتركه لها و لكني تركته للزمن

لم أفهم جملته تلك ….يبدو أن البحارة حتى لغتهم غريبة..و ليس تفكيرهم فقط…‏

‏- ابنك هذا مسئولية تربيته تقع عليك انت..لو صار لصا او مجرما..‏

‏- الآن عمره يكاد يكون ستة عشر سنة ..سأذهب خلال الشهور القادمة لألتقي به…‏

كان ذلك اللقاء قد ألقى ظلاله في نفسه و بث تساؤلات عديدة في ذهن شاب يافع مثلي . ‏‏.. شاب ‏كان ينظر للحياة بمنظار مثالي …‏

لم أكن أظن أن ما نقرأه في القصص يحدث أغرب منه في الواقع..‏

ساهرت تلك الليلة و نمت متأخرا..‏

و في الصباح ذهبت لاصطحابه في رفقة كوب صباحي…‏

‏….و لكني فوجئتت بغرفته فارغة…. و حقيبته ‏الوحيدة غير موجودة.‏
‏-؟؟؟؟
وقفت مشدوها أنظر إلى فراغ الغرفة…..لم انتبه إلا لجملة بلكنة مصرية:‏

‏- صاحبك سافر الصبح ‏

التفتُّ لأجد موظف الاستقبال يقف غير بعيد مني..‏

‏ – ترى هل سافرت لآخر البحار؟

‏- إذن هكذا أنتم أيها البحارة كطيور النورس تعشقون فقط الموانئ و البحار…و تكرهون المدن

‏- تسافرون فجأة و عيونكم تحدق فقط في البحار العميقة و السماء الزرقاء…‏

‏- آه …الآن عرفت السبب : لأن لعنة الغجر منقوشة على عيونكم.‏

‏- أخي الغريب الذي لم أعرف اسمه حتى.. ‏

‏- لقد دعوت لك في سري بكل صدق … دعوت لك بأن تُشْفَى من لعنة الغجر..‏

و دعوت لك بأن تعود لتحضن من جديد …..ابنك (يحى) أو خوان لا فرق ‏و لكنه ابنك. ابنك الذي تركته ذات يوم في المدينة الكبيرة .

Post: #30
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 08-16-2020, 11:10 AM
Parent: #29

قطار الشوق، وسفراً مكتوب ما بيتأخر:الزمان: كان زمناً جميلاً...لكنه مليء بالأحداث و المفاجآت محلياً، وإقليمياً، ودولياً..

محلياً: أيام حكم المشير جعفر محمد نميري رحمه الله

اقليميا : في عقابيل زيارة السادات للقدس وانقسام الدول العربية إلى دول الصمود والدول المؤيدة للزيارة .

دولياً: أيام سيطرة القطبين العالميين على العالم، وخفوت الحرب الباردة..

في ذلك اليوم، نهض باكراً الفتى (الذي لم ينم إلا قليلاً). كانت الشنطة جاهزة والشهادات التي جاهد الايام الماضية لاستخراجها وتجهيزها

وتوثيقها..و أمس ليلاً ودعه الصحاب والأحباب. نظم الاصدقاء حفلة وداع تخللتها الاغاني التي شارك فيها الجميع..

كيف لا و كان ما بينهم و بين الفتى ك علاقات صادقة و عميقة و أصيلة..علاقات لم يخالطها رياء، ولا نفاق، ولا مصلحة.

من ناحية أخرى كانت تلك الفترة بالنسبة للفتى، هي فترة العِشق المراهِق للفتى، والعلاقات العاطفية العابرة و المتعددة، بلا عمق أو

التزامت ما، وكيف تكون هناك التزامات وهو لا يزال طالباً؟

باختصار كانت علاقات غير ناضجة . هكانت علاقات يجللها الخجل ويسودها الاحترام، والأدب. كانت العلاقات مع الجنس الآخر بدون أبعاد أو

تحديد أو معاني محددة، هي علاقات يمكن أن تسميها علاقات ليبرالية، في وجود الاحترام وحِراسة الاحتشام امن الطرفين. كنا بريئين

كالعصافير نفوسنا طيبة وعلاقات لا تحمل من قيود الارتباط إلا كلمة الشرف التي لا تحتاج للنطق بها. كانت علاقات متعددة ولكنها غائمة،

صادقة لكنها عائمة وضبابية بلا تمييز، أو تركيز. باختصار كانت عبارة عن مشاعر مبهمة يختلط فيها الإعجاب، بالميل والنزوع الطبيعي بين

الشباب، وبالاستلطاف المتبادل ، بوالشغف الذي لا يبحث عن الارتواء، ..كان كل ذلك معزّز بالخيال الرومانسي، وكلمات الأغاني العاطفية

التي يبثها المذياع خاصة ساعات الضحى وينالأغاني المنشورة في كتاب (زهرة الاغاني) للهندي عوض الكريم.

باختصار كانت العلاقة مع الجنس الآخر بريئة ،شفافة ولطيفة..لكنها بالرغم من ذلك تحس بالارتباط نحو أشخاص مميزين تحبهم ويحبونك،

يهتمون بك و يسألون عن أحوالك.في الصباح كان الصبي قد رتب كل شيء حتى ما بقي في الوجدان ذكريات الامس من أحلام و أشجان الليلة

الماضية ،ليلة الوداع.. طواه بحذر وحب ليعود إليه لاحقاً بعد أن يجد الوقت ليستعيد تلك اللحظات التي من المؤكد ستكون زاده طوال فترة

بعاده عنهم، و ستظل باقية في حناياه وخياله و وجدانه.. وأخيراً جاءت لحظة الوداع التي تنهار فيها كل اسوار الجَلَد والصمود أمام لحظات

وداع الإخوة و الوالدين..اللحظات التي كان يتحاشى ان يتخيلها طيلة الايام الماضية. لحظات وداع الأعزاء من أفراد الأسرة الذي لم يتخيّل خياله

البريء الغافل أن يجيء يوماً ليفترق عنهم أو يفترقوا عنه.....

وهنا أزجي التحيات النواضر و الدعوات الطيبات لتلك التي كانت يوماً تأخذ بألبابي و التي لا يستقيم سفري إلا بعد وداعها لي فقد كانت كلماتها زادي طيلة العام و إنجيلي الذي اردده حتى أعود في الإجازة...و أذكر أنني أجلت سفري أيام لأنني لم أودعها رغم أني الكل جاء لوداعي و الكل كان مدرك اني
مسافر صبيحة ذلك اليوكم و الجميع اندهش لتاجيل سفري.....

كانت أيام....

اواصل

Post: #31
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: Biraima M Adam
Date: 08-16-2020, 03:55 PM
Parent: #30

ألف شكر يا ول أبا دكتور محمد عبد الله

حكي يرد الروح .. رائع ..

بريمة

Post: #32
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 08-16-2020, 08:12 PM
Parent: #31

ول ابا الباشمهندس بريمة
شكرا يا وريف على شعورك النبيل
الذي لا يصدر الا من روح جميلة
لك الود كله

Post: #33
Title: Re: ذكريات السفر والغربة وأشياء أخرى:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 08-17-2020, 07:01 AM
Parent: #32

آسف : حاجة لشوية تعديل و تصويب و إضافة للفقرة السابقة:

قطار الشوق، سفراً مكتوب ما بيتأخر:
الزمان: كان زمناً جميلاً...لكنه مليء بالأحداث و المفاجآت محلياً، وإقليمياً، ودولياً..
محلياً: كان أيام حكم المشير جعفر محمد نميري رحمه الله.

اقليمياً : في عقابيل زيارة السادات للقدس وانقسام الدول العربية إلى دول الصمود والدول المؤيدة للزيارة .

دولياً: كانت أيام سيطرة القطبين العالميين على العالم، وخفوت الحرب الباردة.....
في ذلك اليوم، نهض باكراً الفتى (الذي لم ينم إلا قليلاً). كانت الشنطة جاهزة والشهادات التي جاهد الايام الماضية
لاستخراجها وتجهيزها وتوثيقها..و أمس ليلاً ودعه الصحاب والأحباب.
وما كنت لديهم و الصحابر قد اقاموا حفلة وداع لصديقهم الاثير ...و البعض يردد أغنية البلبل :قال لينا مسافر للدار مغادر
سألناه إمتى ..زقال لينا باكر...ثم يتردد المقطع التالي أكثر من مرة مع غمزات و ضحكات و بسمات:(تعود يا أميرنا حامل الشهادة) تخللتها الاغاني التي شارك فيها الجميع.. كيف لا وكان ما بينهم وبين الفتى علاقات ود صادقة و أُخُوّة عميقة و نبيلة..
علاقات لم يخالطها رياء، ولا نفاق، ولا مصلحة.

من ناحية أخرى كانت تلك الفترة بالنسبة للفتى، هي فترة العِشق المراهِق للفتى الهمام ، والعلاقات العاطفية العابرة
والمتعددة، بلا عمق أو التزامت ما، قل لي كيف تكون هناك التزامات وهو لا يزال طالباً؟
باختصار كانت علاقات غير ناضجة .
كانت علاقات يجللها الخجل ويسودها الاحترام، والأدب. وكانت العلاقات مع الجنس الآخر بدون أبعاد أو تحديد أو معاني محددة، هي علاقات يمكن أن تسميها علاقات ليبرالية، في وجود الاحترام وحِراسة الاحتشام امن الطرفين.
كنا بريئين كالعصافير نفوسنا طيبة وعلاقات لا تحمل من قيود الارتباط إلا كلمة الشرف التي لا تحتاج للنطق بها.
كانت علاقات متعددة ولكنها غائمة، صادقة لكنها عائمة وضبابية بلا تمييز، أو تركيز. باختصار كانت عبارة عن مشاعر مبهمة
يختلط فيها الإعجاب، بالميل والنزوع الطبيعي بين الشباب، وبالاستلطاف المتبادل ، والشغف الذي لا يبحث عن الارتواء، .
.وكان كل ذلك معزّز بالخيال الرومانسي، وكلمات الأغاني العاطفية التي يبثها المذياع خاصة ساعات الضحى والأغاني
المنشورة في كتاب (زهرة الاغاني) للهندي عوض الكريم. باختصار كانت العلاقة مع الجنس الآخر بريئة ،شفافة ولطيفة.
.لكنها بالرغم من ذلك تحس بالارتباط نحو أشخاصو مميزين تحبهم ويحبونك، يهتمون بك و يسألون عن أحوالك.

في الصباح كان الصبي قد رتب كل شيء حتى ما بقي في الوجدان ذكريات الامس من أحلام و أشجان الليلة الماضية ،ليلة
الوداع.. طواه بحذر وحب ليعود إليه لاحقاً بعد أن يجد الوقت ليستعيد تلك اللحظات التي من المؤكد ستكون زاده طوال
فترة بعاده عنهم، و ستظل باقية في حناياه وخياله و وجدانه..
وأخيراً جاءت لحظة الوداع التي تنهار فيها كل اسوار الجَلَد والصمود أمام لحظات وداع الإخوة و الوالدين..اللحظات التي
كان يتحاشى ان يتخيلها طيلة الايام الماضية. لحظات وداع الأعزاء من أفراد الأسرة الذي لم يتخيّل خياله البريء الغافل أن
يجيء يوماً ليفترق عنهم أو يفترقوا عنه.....
وهنا أزجي التحيات النواضر و الدعوات الطيبات لتلك التي كانت يوماً تأخذ بألبابي و التي لا يستقيم سفري إلا بعد وداعها
لي فقد كانت كلماتها زادي طيلة العام و إنجيلي الذي أظل اردده حتى أعود في الإجازة..
.و أذكر أنني أجلت سفري أيام لأنني لم أودعها رغم أني الكل جاء لوداعي و الكل كان مدرك اني مسافر صبيحة ذلك اليوم
و الجميع كان مندهشاً لتاجيل سفري.....كانت أيام.
...اواصل

Post: #34
Title: Re: ذكريات السفر والغربة:
Author: الطيب عباس
Date: 08-17-2020, 12:10 PM
Parent: #1

فووق

تحياتي

Post: #35
Title: Re: ذكريات السفر والغربة:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 08-18-2020, 06:00 AM
Parent: #34

الأخ الطيب عباس

كيفك يا صديقي

شكرا لك ولي ُوّدك القديم

كلك ذوق و طيبةكما عهدتك من اول يوم قابلتك

شكرا للمتابعة

Post: #36
Title: Re: ذكريات السفر والغربة:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 09-14-2020, 03:26 PM
Parent: #35

بعد توقف مدة سأعود ...
طبعا محتار هل أورد قصة السفر للدراسة أم أنتقي بعض مقتطفات من سفريات متعددة مقتطفاً أجمل و أعذب ما فيها..؟؟
في الحقية في مقتطفات كتبتها وجدت رواج و مداخلات كثيرة في أول أيام انضمامي لسودانيزاون لاين واحدة عن إيطاليا و الأخرى عن أثيوبيا..

واحتمال أكون نزلتها مرة أو اثنين...لكن ما مشكلة.. زي ما بيقولو المصريين الحلو ما بيكملش( لو استعمالي للمثل صحيح)

و بعدين الناس ما بتذكروا..انا عارفهم و مجربهم و ..و كمان..عاجنهم و خابزهم..ههههههه أقصد خابرهم.

Post: #37
Title: Re: ذكريات السفر والغربة:
Author: ابو جهينة
Date: 09-14-2020, 06:04 PM
Parent: #36

تحياتي اخي محمد

متابعة لصيقة

موضوع يشجعني على سكب اغتراب وسفر خلال سنوات طويلة من الترحال شرقا وغربا

Post: #38
Title: Re: ذكريات السفر والغربة:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 09-14-2020, 09:47 PM
Parent: #37

سلامات أستاذ أبوجهينة

Quote: تحياتي اخي محمد

متابعة لصيقة

موضوع يشجعني على سكب اغتراب وسفر خلال سنوات طويلة من الترحال شرقا وغربا


شكراً على المتابعة ...وفي انتظار كتاباتكو ذكريات السفر و الترحال..

Post: #39
Title: Re: ذكريات السفر والغربة:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 09-14-2020, 10:09 PM
Parent: #38

هذه مقتطفات من موضوع سابق(بوست) عن زيارة لي لأديس ابابا عام 2017و كان البوست بعنوان:

هذه السحب الخطاطيف الطوال هل تمنعنا السفر؟وداعا اديس ابابا:
مقتطف(1)
عند الرابعة صباحا كنا داخل الطائرة الاثيوبية و هي تتهيأ للإقلاع...‏
جُلْتُ في الوجوه من حولي.. الوجوه بعضها سوداني و بعضهااثيوبي و جنسيات أُخر...‏
ساعة و نصف من الطيران تفصلنا عن ارض النجاشي الذي وصفه نبينا الكريم بأنه لا يُظلم عنده أحد..‏
و و تذكرت بلال المؤذن....و هجرة الصحابة إليها....‏
‏( أعرف بعض آثارٍ من شوفينية ضيقة تحاول أن تضيّق واسعا بنسبة هجرة الصحابة إلى السودان ..‏
‏...و هناك آراء متعددة في هذه المسألة و في اختلافها نظر)..‏
‏ ‏
و تذكرت اسطورة بلقيس و زواجها من سيدنا سليمان..‏

قصة بلقيس التي تنسبها المصادر الاثيوبية لها ......‏

‏...بل و تربطها بتاريخها السياسي من خلال ابتداع تسلسلٍ لتاريخ حكامها لوطنيين...‏

تذكرت معاركنا مع اثيوبيا خلال المهدية...‏و‏ و تذكرت اكسوم الذي يقال بانه دمر مروي..‏

و تذكرت معارك كرن و مصوع...خلال الحرب العالمية الثانية...‏

‏ و تذكرت بمناصرتنا للثورة الاريترية حتى نالت استقلالها دون أن يترك ذاك عداء و احقادا بيننا و بين اثيوبيا .‏

تذكرت ت ضمن ما تذكرهيلاسولاسي و امان عندوم و منجستو هايلاماريام...‏

و لم انسى فنانيهم العظام الذين كانوا يعطرون ليالي العاصمة من لدن منليك،وفرقة الجيش الإثيوبي، وغيره و الفرق الاثيوبية...‏

‏.....يا إلهي الهذه الدرجة نحن مرتبطون ماضيا و حاضراً؟؟

و على حين غرة الميكرفون الداخلي يصدح بلغة احاول أن أفهم منها كلمة و لا استطيع......‏

‏...و خلال دقائق كانت فتيات سمهريات القوام يأمرننا بربط الأحزمة....‏مررن من بين الصفوف برشاقة و بتسامات مشرقة تشع من بين الأاسنان

اللؤلؤية ..

خلال دقائق كانت الطائرة تلامس أرض المطار ،و منظر الخضرة الداكنة تحيط بجوانبه ..‏الاجواء خارج الطائرة تشي بمتعة و نشوة لأجواء الخريفية

ومتعة التوقّع مع متعة النظر.. ‏
***********************************************************

في الفندق صباح اليوم الثاني:

بعد نصف ساعة من مقاومة الخروج في تلك الصباحية المبكرة .......‏

‏.....تغلب عليّ إحساسي بقصر المدة المحددة لي في اديس ابابا.....‏

‏........... كما تغلبت عليّ بصورة أكبر: الرغبة في التعرف والاكتشاف و الإندياح و الاندماج العفوي التلقائي في ‏عالم الله الواسع بالخارج مع البشر

في حيويتهم المحببة و معركتهم اليومية الأزلية مع الحياة.....‏‏....لذا قررت النزول من الطابق العلوي إلى الاستقبال...‏

جون يجلس في مقعد موظف الاستقبال و ابتسامة مندهشة لنزولي المبكر تطرح تساؤلا بيّناً... ‏

في تلك اللحظات أجد بجانبه سيدة اثيوبية في حوالي الخمسين.....بادرتني هي بتحية صباحية معطرة:‏

‏- صباح الخييير (بلهجة عربية مكسرة)‏
الملامح اثيوبية قحة ،الوجه مستدير،اللون الذيس يميل للأصفر..العيون شبه خضراء مع لون غير محدد (سلامة ‏النظر.....عمى ألوان....

...............(ذكرني لون العيون لون عيون سكان الاسماعيلية و المنصورة إن لم أكن مخطئاً)..‏
قلت في نفسي : بداية مشجعة ‏
قال لي جون: هذه صاحبة النُزُل
رددتُ التحية بأجمل منها (بدلاً من بمثلها).‏
قالت بابتسامة ودودة:‏
‏- هناك فطوووور و شاي و قهوة ...كلو فري (مجانا)‏
قالتها بصوت ترويجي مهذب.‏
‏- تفضل للمطعم قالتها مادة يديها للأمام ...مطعم الفندق جزء من الفندق ......كان محل لبيع الملابس من قبل.‏
‏. عرفت لاحقا أنها صاحبة العمارة الصغيرة المكونة من طابقين يضمان الفندق و ثلاثة محلات)..‏
خلال خمسة دقائق كان الطعام جاهزاً......‏
‏..............الفطور بسيط عبارة عن بيض مقلي مع الخبز أو فول مصري..‏
طلبت فول مصري...كان الطبق شهيا جدا معمول بشكل لذيذ...‏
‏....الفول مقشور و عليه طبقة علوية(رشة) من الصلصة الخفيفة و الليمون مع التتبيل...‏
حقيقة لم أذق مثل هذا الطبق من قبل...حقيقة طبق شهي جدا..‏
بعد قليل تم تقديم الشاي...ثم اعقبتها بلهجة مرحة و كأنها تتفضل عليّ:‏

‏- (فِري ..فِري.)، أي مجاناً، قالتها لي الفتاة التي تعمل في المطعم مرتين..‏

عرفت لاحقا أن لصاحبة الفندق ابنة تدير المطعم و أخرى تعمل في الاستقبال للفترة النهارية..‏

Post: #40
Title: Re: ذكريات السفر والغربة:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 09-16-2020, 09:32 AM
Parent: #39

اواصل ذكريات أيامي في أديس ابابا
وأنا أجلس في استقبال الفندق لأستريح قليلا قبل أن أنطلق في لجولة صغيرة(بروفة)‏..استرعى انتباهي وجود شخصين يبدو أنهما سودانيان..‏
بدأت بتحية (سودانية) متحفظة...بعدها ابتسامة ، فكلام اذاب الجليد بيننا ..ثم الأسئلة التقليدية...من وين؟ ماشي وين؟ أول مرة تجي ..؟‏
احد الشابين( أكثرهما تلقائية وعفوية) سألني: جاي من السودان؟
إن شاء الله جاي مع أولادك؟ ‏
الله! سؤال عجيب! ‏
لكني فيما بعد عذرته فقد عرفته لاحقا انسان جميل و بسيط ....من لهجته ..فهو ينتمي إلى الريف في أقصى الشمال..‏
‏.حضر من السعودية للقاء عروسه( الحنة في يديه لكن و الله ما شفتها إلا بعد كلمني...بعدين هو انا جاي اتفرج على السودانيين و لا ‏الاثيوبين؟
السودانيين أنا شبعاااان منهم....هههههه.‏
في الحقيقة عذرته...عذرته عشان تلقائيته ..و لانه جاي في مهمة خاصة...للقاء عروسه ...( فهمتوا؟؟)..
قد قابلته فيما بعد مع عروسه خلال اليوم..‏كانت تلبس البرقع.....
.لكنها رغم البرقع و التخفي ..تبادلت معي الحديث و التعليق..و بكل أدب و احترام.. ‏
و هنا أدعو لهما بالتوفيق و أن يرزقهما الله الذرية الصالحة..‏
أما الشاب السوداني الآخر الذي كان يجلس في الاستقبال مع العريس ... ‏
‏...كان شكله عاصمي أو من إحدى المدن الكبيرة ...عرفت أنه مسافر في نفس الليلة إلى السعودية...‏
‏..قال لي ذلك الشاب و كأنه يلقي إلى باكتشاف خطير:
‏ - في مطعم سوداني قرييب... ‏ ثم واصل في سرور:‏
‏-.بيعمل وجبات سودانية ...مفروكة ..و شية بالصاج.‏
لم اعلق..لأني لما اسافر برة لكي أجري وراء الوجبات السودانية التي تركناها ورانا..
تابعت حديثه دون أن أهتم ( مرات الواحد بيكون ثقيل غصبا عنه...لكن ما قرضمة)‏
تابعت حديثه و لم أرد ..و لكن القرين همس لي في أذني : ‏
‏- انتوا السودانيين ديل تسافرو برة.. و بدل ما تجربوا حاجات جديدة....‏تمشوا تفتشوا على الحاجات الخليتوها وراكم ...لي (عواليقكم دي؟)..
لما شافني حمّرت ليه . اعتذر بسرعة :
- آسف على كلمة عواليق دي...لكن تزهجوا عدييل كده..لكن
‏ كأنكم لا سافرتوا ولا حاجة؟ ‏
بالجد بعد دقائق، أنا عارف إنه كلام القرين صاح ، لكن ما حبيت اتنازل ليه( حِميَة الجاهلية و كده)...فقلت بيني و بين نفسي
‏- مطعم سوداني شنو؟ ووجبات سودانية شنو؟ ومفروكة شنو؟؟
لكني احتراما للشاب الذي كان يود أن ينقل لي معلومة مفيدة ... لم أعبّر له عما بداخلي..‏
و لكني بدلا منها قلت: ‏
‏- إن شاء الله..حأمشي و شوف المطعم‏
لكنه بعد ثواني واصلو اضاف :‏
‏- الراجل صاحب المطعم ...عامل المطعم في بيته ..‏
‏- ..و هو متزوج مرتين واحدة سودانية و واحدة اثيوبية..‏
و هنا فقط بدأت أركِّز ..و استيقظت لدي حاسة البحث و الاستكشاف( و ليس الشمار وحده)...‏
علما أنني من زمااان اهتم بكل ما يتعلق بالبزنس ..وظروفه. واحاول أن أتعرف على ظروف نجاح أي عمل تجاري و‏كذلك أسباب فشله...‏
و أهتم بالأفكار الجديدة والابتكارات في مجال الأعمال...‏
كل ذلك هواية و تنظير بدون تطبيق عملي....و لكن قد يجيء يوما استفيد من كل هذه المعلومات و الأفكار..‏
المهم قلت في نفسي :‏
‏- إذن سأذهب لهذا المطعم و سأقابل صاحبه..‏
‏-.. و ما مشكلة سأتناول وجبة من وجباته السودانية ‏
‏( رغم إني جاي من السودان و شبعان ..شية و مفروكة و قراصة و لقمة..).....‏‏....لكن بس ما هسه ...ولا الليلة كمان....لأني بالجد تعباان ،ومحتاج لي راحة....
.....و كمان الجسم مكسر..‏

- الجسم مكسر؟؟؟؟؟؟ ‏ طيب ليه ما تمشي أعمل مساج؟؟
- إنت يا القرين بتجيب الأفكار دي من وين؟ صحي إنت شيطان عدييل.
- الحق عليّ أنا....بس لإني شفت محلات المساج كتيييرة.. ليه ما تجرب؟
خلاص اوكي..فكرة جميلة...‏....

Post: #41
Title: Re: ذكريات السفر والغربة:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 10-02-2020, 07:06 AM
Parent: #40

مواصلة للسياحة في أديس ابابا

الساعة الآن حوالي العاشرة صباحاً
الشوارع هادئة و لكن المارة يذرعون الشوارع في نشاط... ‏
اندهشت لكون أن سكان أديس ابابا يستيقظون مبكرا جدا...‏
و لكن بعض المحلات ..خاصة محلات بيع الملابس تتأخر في فتح أبوابها...‏
أشعر بنعاس و خدر و ثقل في الأرجل و تكسر في العضلات ...كيف لا؟
كيف لا و منذ يومين و أنا انتقل ما بين وداع للأصدقاء و الاقارب و ما بين شراء احتياجات السفر للدوحة...‏
سوف أسير قليلا بهذا الشارع شبه الرئيسي..‏
شارع تقف على جانبيه العديد من المحلات... محلات لبيع الملابس ...محلات بسيطة و لكنها منظمة و راقية ...‏
يقم بالبيع فيها( و ربما أيضا هم أصحابها) فتيات فائقات الأناقة و الجمال...‏
الفتيات يقمن بتنظيف الواجهات بأنفسهن و هن يضعكن...الملابس ضيقة و محزقة( غض البصر للضمان واجب)...‏
و لكن أحيانا و إجباراً( و ليس اختياراً) تنزلق العين.. حتى بعد النظرة الأولى...استغفر الله العظيم..‏

بلد يبدو أن الأيدي العاملة في معظمها هي من النساء الشابات و الفتيات اليافعات...( لعن الله الفقر و الحاجة)...‏

Post: #42
Title: Re: ذكريات السفر والغربة:
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 10-02-2020, 07:26 AM
Parent: #41

- . ...خطوات وأنا أسير في ذلك الشارع الواسع الذي تقطع هدوءه بين الفينة و الفينة مرور السيارات نصف المسرعة و نصف المتعجلة....
فجأة أجد اللافتة بالإنجليزي والأثيوبية ( مساج...بالزيوت العطرية)‏
- يا اللللله!
شعرت بالانجذاب التلقائي نحو العنوان و نحو ما وراءه...
و دون أن أشعر أجد أرجلي تقودني لكي أقف ( مثل القروي الساذج) أمام اللافتة لأعيد قراءة الكلمات وأتأكد مما ‏تعنيه...‏
البوابة ضخمة ومفتوحة على مصراعيها على عدة غرف في الداخل( كما يبدو للناظر من الخارج)....‏
السور الخارجي من الحجر الأنيق... هناك ساحة أمامية واسعة ...ورائحة العطور الآسرة ‏ تدخل الخياشيم (رغم انسداد الجيوب الألأنفية)... مبالغة مش؟؟
تدخل الروائح العبقة هكذا دون استئذان، وهي الروائح التي لا أدري هل هي آتية من الداخل، أم من ‏صفوف الازاهر المتراصة على حواف السور و المداخل....‏
‏..المنزل يذكرني بمباني سكن اساتذة جامعة الخرطوم ذات الطراز الانجليزي العتيق...‏
المكان والرائحة و تعب الجسم كلها تهتف بي : أدخل..‏أدخل...
هذه أول مرة أجرب فيها مساج في مكان عام...‏(هذا بخلاف المِسِّيد المجاني الذي يقوم به الصغار)..

وأخيرا....... قررت الدخول...