عجيبة هي الحياة

عجيبة هي الحياة


06-27-2020, 03:12 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1593223968&rn=0


Post: #1
Title: عجيبة هي الحياة
Author: المعز عبدالمتعال
Date: 06-27-2020, 03:12 AM

03:12 AM June, 26 2020

سودانيز اون لاين
المعز عبدالمتعال-الولايات المتحدة ، ولاية كونيتيكت
مكتبتى
رابط مختصر



عجيبة هي الحياة

المعا قزاز، جركانات، صفائح
هاك البايركسي يا..
كبابي شربات، صحون، غرّافات..
هاك البايركسي يا...

شعور هائل بالملل، فتحت الباب، رأيته عكس ماتوقعّت، رجل سبعيني، يجرّ حِمارًا هزيلاً، مُحمّلاً بأشياء كثيرة تُثقل حركتيهما، ناديت عليه، نظر بعينين فاترتين، تقدّم نحوي، عيناه تُقاوم حرارة الشمس، يمشي بخطوات وئيدة، وحِماره يستجيب لإيقاع خطواته الكئيب، سألني وهو يعرض بضاعته دون حماس:
- ماذا تريد؟ لديّ بضاعة مستوردة من الصين.
ضحكت قائلاً:
- بضاعة صنعتها الصين وتسوّقها على ظهر حمار في ضواحي الكلاكلة؟.
بدأ عليه الضيق، بادله الحِمار نهيقًا فادح الجلّجلة، صوت النهيق يعلو مع إنجذاب أذنيه للوراء، إزدادت فتحات أنفه بِشدّة، ثُمّ عفط، شفتاه الكبيرتان تُكشفان عن أسنانه، وصوت نهيقه في إنخفاض، مُعلناً نهاية النهيق.
عبثت قليلاً ببضاعته، لا رغبة لي في الشراء، شعر بذلك، حدسه كبائع ونظراته تدلْ على إنكشاف أمر مشترٍ كاذب، قال بضيق هائل، وهو يبالغ في إبعاد يدي عن البضاعة:
- لا رغبة لديك في الشراء، لِمْ تُبدّد وقتي دون فائدة.
إبتسمت، يداي تصد يديه دون عناد، ثُمّ جعلتُ اُمعن في النظر إليه.
كان نحيلاً، لكنّه رويان، نحولاً وليس هزالاً، نحول يُنبئ عن رهق ويُبعد عنه شُبهة الجوع، عيناه غائرة قليلاً، وجهه قمحي، يلتقي شاربه بلحيته ويتشاكسان، يرتدي جُلبابًا غريب اللون، مزيجًا من زُرقة باهتة وبقايا عطن، يتكئ على عكاز من خشب الأبنوس، كان وقورًا رغم بؤسه، قويًّا رغم نحافته، عميق النظرات.
بال الحمار، وتغوّط، عاتبه صاحبه بحنان، رابتًا على صدغه، ثُمّ إستطرد قائلاً:
- تقبّل إعتذار الحمار.
ضحكت من نباهته، دعوته لكوب شاي، تحمّس سريعًا، ربط حِماره على وتد أخرجه من جُراب، ثُمّ جلس تحت ظل حائط بيتنا.
ناديته للدخول، لبى النداء، أسرع مهرولاً رغم سنوات عمره، لا أدري مِمّ يستمد نشاطه العجيب، قاومت فضولي، جلسنا تحت عريشة فادحة الظلال، قلت له:
- كيف تطمئن لحمارك من رغبة الهرب؟.
- لن يهرب.
- لماذا؟ من أجل وتد مغروس وحبل؟
- لا، مايجمعنا حُب، حُب حقيقي، لذلك لن يهرب، أعلم أنّه يستطيع فك الحبل، والهرب، لكنّه لن يفعل.
- لماذا أحكمت وثاقه إذن؟
- حتى يشعر بالاهتمام.
ضحكت قائلاً:
- حِمار يشعر بالاهتمام!
- بلى، ولديّه إلفة عجيبة، يألف المكان والإنسان، يشعر بالزمن، ووقوع الخطر، يتحمّل أوجاعي، على ظهره أقطع المسافات لأسترزق، لا يفصلنا سوى النوم.
تعجّبت لحديثه، يبدو الرجل في كامل زهوّه بحِماره، تحدّث حديث المُحبين، حين أردف:
- لديّه إخلاص فريد، لا يتهاون في العطاء، ويستميت لأجلي.
- أحكي لي قصتك معه، متى إشتريته؟
إبتسم قائلاً:
- ساومني به أخي الأكبر، بعضًا من ورثة أبي، تحايل عليّ واجبرني على القبول به، هكذا يخدع الأخ أخاه، يخسر المرء إنسانًا مُقابل حِمار.
شعرت بالأسى، كيف يُستبدل الحيوان بالأخ، قلت بقلب موجوع:
- إلى هذا الحد؟
- وأكثر
- لايبدو لي عملك مُجزيًا، هل تربح حقًا من بيع الأواني؟
- لا.
- ولِمّ تقوم بعملٍ لا يُجدي؟
- لأنّ حياتي كلها بلا معنى، لا أسرة لي، أخًا وحيدًا خدعني في ورثة أبي، تركتُ له الدار، وقرّرت السوح في بلاد الله، أطلب لقمتي بحلال.
- تحتاج نوعًا من الإستقرار.
- الإستقرار يُذكّرني بمأساة أخي، لذا افضّل الترحال.
- عجيب أمرك.
- عجيبة هي الحياة، جمعتني بأخي عن حُب، وفرّقنا حمار.

المعز عبد المتعال سر الختم
نيو بريتن، الولايات المتحدة الأمريكية.
12 أغسطس، 2019