الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.

الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.


02-20-2020, 10:57 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1582192630&rn=27


Post: #1
Title: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-20-2020, 10:57 AM
Parent: #0

09:57 AM February, 20 2020

سودانيز اون لاين
محمد قسم الله محمد-
مكتبتى
رابط مختصر



سلسلة يكتبها الصحفي الهندي

Post: #2
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-20-2020, 11:00 AM
Parent: #1

آخر سنوات “البشير” (1)

لم يكن رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” هو الحاكم (الأوحد) للسودان خلال العشرية الأولى من عقود حكم الإسلاميين الثلاثة، ابتداءً من 30 يونيو 1989م وحتى سقوط النظام في 11 أبريل 2019م، فقد كان واضحاً للمراقبين أن تنظيم الحركة الإسلامية بقيادة الدكتور “حسن الترابي” هو صاحب القرار السياسي والاقتصادي والأمني، عبر مكاتب وأمانات متخصصة تديرها قيادات وكوادر مدربة ومتخصصة في كل مجال، من الأمن إلى التجارة والصناعة، إلى الصحة والتعليم .. وإلى توزيع التموين عبر البطاقة التموينية في المحليات والأحياء في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي.
ورغم أن النظام وُوجِه بحرب مستعرة من الجيش الشعبي لتحرير السودان ومليشيات المعارضة الشمالية، مدعومة دولياً (الولايات المتحدة ودول أوربية) وإقليمياً (يوغندا، كينيا، إثيوبيا، إريتريا ومصر) في جبهات قتال متعددة في جنوب وشرق السودان، إلَّا أن النظام استطاع أن يصمد في مواجهتها ويحشد مئات الآلاف من الشباب المجاهدين للقتال على مساحات واسعة من جبال النوبة إلى أحراش بحر الغزال، أعالي النيل وأدغال الاستوائية، وشرقاً على طول الحدود مع إثيوبيا وصولاً إلى تخوم “الكرمك” و’قيسان”، وامتداداً على حدودنا مع إريتريا، حيث كانت جيوش التجمع الوطني الديمقراطي تقاتل على الجبهة الشرقية من داخل الأراضي الإريترية.
استغل التنظيم الحاكم حالة الاستهداف الغربي والعربي لشعارات الدولة الإسلامية في تلك الحقبة، فأفلح في تعبئة ملايين السودانيين لصالح تأمين الدولة، والذود عن حياضها، وتقديم الأنفس والأموال فداءً للمشروع الإسلامي، فحققت القوات المسلحة مدعومة بالمجاهدين انتصارات متتالية في مختلف مسارح العمليات، وقدم الإسلاميون نحو (26) ألف شهيد قُبروا في أرض الجنوب العزيزة في أوقات ومواقع متفرقة .
لم يكن القرار السياسي خلال السنوات العشر الأولى من عمر (الإنقاذ) يصدر في القصر الجمهوري ومجلس الوزراء، فقد كانت مطابخ التنظيم وحزب المؤتمر الوطني الذي تشكل في النصف الثاني من التسعينيات، هي التي تصنع القرار وتحيله إلى مجلس قيادة الثورة، ثم إلى رئاسة الجمهورية، بعد حل المجلس وانتخاب “البشير” رئيساً للجمهورية في أول انتخابات أجراها النظام عام 1996م .
ومثلما كان للقرار السياسي مطابخ تحت إشراف الشيخ “الترابي”، فقد كان للاقتصاد أمانة تضم خيرة الكفاءات الاقتصادية من ذوي الخبرات المحلية والدولية، تعمل على تصميم البرامج الاقتصادية وتدرس الحلول للأزمات كافة، وتقدم مقترح القرار للجهاز التنفيذي للدولة لإعلانه وتنفيذه. وذكر لي وزير المالية الأسبق الراحل الدكتور “عبد الوهاب عثمان” أنهم كانوا يجتمعون كمكتب اقتصادي للحركة الإسلامية والحزب لاحقاً، إلى الساعات الأولى من الصباح لدراسة الوضع الاقتصادي في الدولة، ثم يتخذون بعد مداولات طويلة القرار المناسب (ظل سعر الدولار إلى نهاية التسعينيات يعادل جنيهين فقط، وذلك قبيل استخراج وتصدير البترول) .
اختل هذا النسق التنظيمي الدقيق بعد المفاصلة بين رئيس الجمهورية “عمر البشير” ومناصريه في التنظيم من جهة، وأمين عام المؤتمر الوطني رئيس البرلمان “حسن الترابي” في ديسمبر 1999م من جهة أخرى، ( قرارات الرابع من رمضان) .
بدأ المشير “البشير” في استعادة كل السلطات والصلاحيات التي كانت موزعة على الحزب ودوائره ، واسترد معظم المساحات التي كانت تتحرك فيها أجهزة التنظيم السرية والعلنية، باستخدام سلطته كرئيس للجمهورية، وقوته كقائد أعلى للقوات المسلحة السودانية وقوات الشرطة والأمن .
أعلن المشير “البشير” أحكام الطوارئ في البلاد مساء 1999/12/12م، وقرر حل البرلمان في بيان أذاعه بنفسه مرتدياً البزة العسكرية، في خواتيم ليلة شتوية قاسية، وتردد البيان الزلزال عبر أثير الإذاعة والتلفزيون القومي!
عندما أصبح الصبح، حاول “الترابي” بعناده المعروف، تحسس جدية قرارات الرئيس ودرجة الانصياع لها، بنفسه.. دون الركون لتقارير، فوضع جلبابه ناصع البياض واعتمر عمامته وطلب من السائق التوجه إلى مبنى البرلمان في أم درمان. مع مدخل المجلس الوطني فوجئ الشيخ بدبابةٍ تسد المدخل، ومنعت قوة الحراسة العسكرية سيارته من دخول المبنى، اقترب ضابط شاب من السيارة وأبلغ رئيس البرلمان المحلول بأدب جم أن التعليمات لديه واضحة، ولا يمكنه السماح لأي شخص بالمرور إلى الداخل!!
سقطت يومها (دولة التنظيم) بعد عشر سنوات من الحكم المنفرد والولاء المطلق، وعاد زعيم الإسلاميين من أم درمان عابراً جسراً حديدياً قديماً أنشأه الإنجليز عشرينيات القرن الماضي، و هو بين مصدق ومكذب، استجمع أنفاسه في مقر الحزب الحاكم (عمارة مستأجرة بشارع (59) – العمارات)، وجلس يخاطب الصحفيين، وقد تبدى عليه التعب وإلى جواره ذراعه الأيمن الدكتور “علي الحاج”.. ثم قالها دون تردد :(إنه انقلاب عسكري)!!

نواصل غداً .
الهندي عز الدين

Post: #3
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-20-2020, 12:31 PM
Parent: #2

Quote: آخر سنوات “البشير” (2)
منذ 38 دقيقة0
لم يبدأ الصراع بين رئيس الجمهورية “عمر البشير” وأمين عام الحركة الإسلامية الراحل الدكتور “حسن الترابي” في ديسمبر 1999م، تاريخ قرار الرئيس بإعلان حالة الطوارئ وحل البرلمان ثم حل الأمانة العامة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، لكنه بدأ (مكتوماً) في وقت مبكر من تسعينيات القرن الماضي، مباشرةً بعد حل مجلس قيادة الثورة، حيث يرى “الترابي” ضرورة الإسراع نحو الانتقال للحكم المدني وعودة العساكر إلى ثكناتهم، وهي فكرة مركزية ظلت واضحة في تفكير زعيم الإسلاميين، فهو وإن استخدم الجيش في الانقلاب على الديمقراطية الثالثة (1989-1986)، في ما كانت تعتبره الجبهة الإسلامية رداً على (انقلاب) مذكرة قيادة الجيش إلى رئيس الوزراء السيد”الصادق المهدي”، إلَّا أن “الترابي” لم يكن يؤمن باستمرار حكم العسكريين في السودان، ولهذا لم يكن يسمح بتقدم رئيس الجمهورية على الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني في هياكل التنظيم الحاكم، ما خلق حالة (حكم الرأسين) .. الرأس السياسي التنظيمي والرأس التنفيذي .
في ديسمبر 1998م، قاد عدد من تلاميذ “الترابي” يتزعمهم “بهاء الدين حنفي” و”سيد الخطيب” انتفاضةً ضد الأمين العام ، وقدموا مذكرةً ضده داخل اجتماع هيئة الشورى عُرفت بـ(مذكرة العشرة). المذكرة طالبت بتوسيع مواعين الشورى وتوحيد القيادة ضمن جملة من المطالب الملحقة بمقترحات عملية لتعديل النظام الأساسي للحزب.
صاغ “الخطيب” و”حنفي” المذكرة وانضم إليها “غازي صلاح الدين”، “إبراهيم أحمد عمر”، “نافع علي نافع”، “مطرف صديق”، “أحمد علي الإمام”، “عثمان خالد مضوي” ، “حامد تورين” و العميد الركن “بكري حسن صالح” وزير رئاسة الجمهورية الذي سهّل مهمة أصحاب المذكرة في مقابلة الرئيس وإقناعه بها ووضعها في أجندة اجتماع الشورى.
كان موقعو المذكرة متبرمين من انفراد (الشيخ) بالقرار في الحزب، وتعيينه مجموعة من الأمناء غير جديرين بالأمانة (حسب رأي مجموعة المذكرة)، أو هناك من يفوقهم خبرة ودربة وتجربة.
بوغت “الترابي”، فلم يكن يعرف أمر المذكرة التي صيغت من وراء ظهره، فاعتبرها محاولة للانقلاب عليه، وقد حقق الرئيس مكاسب عديدة بإجازة مقترحات المذكرة التي طالبت بتوحيد القيادة ورئاسته للمكتب القيادي مع استمرار منصب الأمين العام.
بعد أقل من عام، عاقب “الترابي” موقعي المذكرة من خلال أعمال المؤتمر العام للحزب الذي انعقد في أكتوبر 1999م، فاتفق مع أمناء الولايات على إسقاطهم جميعاً في انتخابات التصعيد لهيئة الشورى، وبالفعل سقطوا جميعاً، ولم يتأهل سوى “غازي صلاح الدين” عن مقاعد العاصمة، بعد مساعدة صديقه والي الخرطوم، أمين الحزب في الولاية الراحل الدكتور “مجذوب الخليفة”. وكان “مجذوب” يمثل في تلك الفترة مركز قوة سياسي وتنظيمي استعصى على (الشيخ) ومساعديه.
بعد أن أبعد الأمين العام المجموعة المخالفة له من هياكل الحزب، بدأ ينظم خطواته باتجاه (القصر الجمهوري)، حيث يجلس هناك نائبه في الحركة الإسلامية “علي عثمان محمد طه” في مقعد النائب الأول لرئيس الجمهورية.
تسربت معلومات في تلك الأيام تفيد باتجاه (الشيخ) لترشيح الدكتور “علي الحاج محمد” نائباً أول للرئيس بديلاً للأستاذ “علي عثمان محمد طه” المتهم بموالاة أصحاب مذكرة العشرة ، وإن لم يوقع عليها، بل إنه لم يشهد الجلسة التي تلا فيها “سيد الخطيب” المذكرة العاصفة، منشغلاً ببرنامج حكومي أقل أهمية، ما اعتبره البعض هروباً من ساحة المواجهة، بعد أن عرف بما كان يُدبر!!

نواصل غداً.

Post: #4
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-20-2020, 12:33 PM
Parent: #3

Quote: آخر سنوات “البشير” (3)

ظل الشيخ “حسن الترابي” ومساعدوه وأتباعه في حزب المؤتمر الشعبي بعد انقسام الحركة الإسلامية في العام 2000م، يحمِّلون الأستاذ “علي عثمان محمد طه” مسؤولية قرارات الرابع من رمضان، كانوا ناقمين عليه أكثر من نقمتهم على رئيس الجمهورية الفريق – وقتها- “عمر البشير”. مشكلتهم لم تكن مع “البشير” .. مشكلتهم الأساسية وإلى وقت قريب كانت مع “علي عثمان” !!
في تلك الأيام العصيبة ،وكنتُ صحفياً بصحيفة (ألوان) حاورت نجل زعيم الإسلاميين (المغدور) “عصام الترابي” ، كان أكثر أبنائه غضباً وظهوراً في الإعلام . قال لي خارج التسجيل ما لا أنساه :(والدي كان في الأعياد يشتري مركوبين ، واحد له والثاني لعلي عثمان ، ما كنا نتوقع منه ذلك)!!
كثيرون كانوا وما يزالون يعتبرون “علي عثمان” مهندس (مذكرة العشرة) التي أفضت إلى انقسام الحزب الحاكم إلى حزبين ، لكن الثابت أن “علي عثمان” انسحب من جلسات الشورى وتعمد الارتباط ببرنامج حكومي آخر ، لكي لا يكون جزءاً من جلسة الصراع.
وقد حدثني الدكتور “غازي صلاح الدين” وهو أحد (العشرة)، ذات جلسة خاصة قبل سنوات في ثنايا نقاش عن أحداث (المفاصلة) ، أنه لحق بالأستاذ “علي عثمان” بعد انفضاض اجتماع الشورى العاصف، وأغلظ عليه في النقد والتأنيب، لعدم مشاركته في جدل الشورى بعد المذكرة حول توحيد القيادة وتوسيع مواعين الشورى وتعديل النظام السياسي. كان رد “علي عثمان” أنها (فتنة) ولن تنتهي بنهاية ذلك الاجتماع .
في تقديري ومما توفر لي من معلومات ومتابعات في تلك الفترة ، أن “علي عثمان” كان على علم وإحاطة بالمذكرة ، لكنه كان متردداً في دعمها.. خائفاً من مآلاتها ، رغم اتفاقه مع موقعيها على ما جاء فيها من مطالب موضوعية ، ولحساسية وضعه كنائب لأمين عام الحركة الإسلامية الذي قفز به وتخطى به رقاب شيوخ الحركة أمثال “أحمد عبدالرحمن” ، “يس عمر الإمام” ، “عثمان خالد مضوي”و”مهدي إبراهيم” ، وقدّمه عليهم نائباً له في التنظيم، وزعيماً للمعارضة من داخل برلمان التعددية الثالثة (1989-1986) وعُمره قد تخطى الأربعين بقليل! كان وضعه حرِجاً في مواجهة شيخه،وحرِجاً أمام رئيسه في القصر رئيس الجمهورية الذي هو نائبه الأول!!
لكن “علي عثمان” تحوّل من خانة الانسحاب ومحاولة التوسط بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان الساعي لتخفيض سلطات الرئيس ، إلى خانة المواجهة بعد أن رأى ما حاق بالعشرة الموقعين على المذكرة من سقوط في انتخابات الحزب وإبعاد عن هياكله، فدعا إلى مؤتمر صحفي وقليلاً ما يدعو إلى مؤتمرات ،أطلق فيه جملةً حاسمة تلخص موقفه عندما قال :(لن نسمح بانتقال التصفيات من الحزب إلى الجهاز التنفيذي)!!
وقد ذكر لي المدير الأسبق لمكتب الرئيس”البشير” الوزير السابق “كمال عبداللطيف” في حوار جانبي في العام 2004م أن “علي عثمان” كان يؤجل قرارات الطوارئ وحل البرلمان المعروفة بقرارات الرابع من رمضان ، وكلما ألح عليه الرئيس كان رده : (اصبروا شوية) .

نواصل غداً .

Post: #5
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-20-2020, 12:36 PM
Parent: #4

Quote: آخر سنوات “البشير” (4)

بُعيد المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني في أكتوبر 1999م الذي شهد إسقاط الموقعين على (مذكرة العشرة) في انتخابات الترقي لمجلس الشورى، بتوجيه من الأمين العام الراحل الدكتور “حسن الترابي”، كتبتُ مقالاً في صحيفة (ألوان) عنوانه: (الرسالة الأخيرة إلى الدكتور الترابي) ومن بين العناوين الفرعية (احذروا رجل القصر الصامت .. فإنه يملك المفاتيح) ، وكنت أعني “علي عثمان” النائب الأول لرئيس الجمهورية . أثناء عملية (تصميم) الصفحة على الورق ولم تكن صحافتنا قد وصلت وقتها مرحلة التصميم أو الإخراج على جهاز (ماك)، كان زميلنا الأستاذ “النور أحمد النور” موجوداً في المكان ، وكان يكتب بالصحيفة ، غير أنه لم يكن متفرغاً لها ، لانشغاله بمهام سياسية وتنظيمية مختلفة ، فقد كان قريباً من قيادة الحركة الإسلامية خاصة الدكتور “علي الحاج محمد”، قبل أن يفارق العمل التنظيمي بعد (المفاصلة) ليصبح أقرب ميلاً إلى (المعارضة غير الحزبية)، وأكثر انغماساً في العمل (المهني) كمراسل لصحف وقنوات عربية. نظر “النور” إلى الصفحة وقال لي ساخراً :(صاحبك دا – يقصد علي عثمان- ما عندو مفتاح غير مفتاح عربية الخضار .. بوكس “دبل كاب” بتاعت البيت)!! ضحكنا ، ثم ذهب المقال إلى المطبعة، ولم يمض شهران على نشره حتى أطاح “البشير” و”علي عثمان” بالشيخ “الترابي” !
كانت التقارير التي تصل “الترابي” من الأمن الشعبي والمكتب الخاص للحركة الإسلامية تؤكد بأن “البشير” لا يستطيع الانقلاب على الأمانة العامة وأن الجيش في أيدٍ أمينة!!
انخرطتُ تلك الأيام في نقاشات مطولة مع مجموعة من الصحفيين الإسلاميين – ولم أكن عضواً معهم في التنظيم- عن مآلات توتر العلاقة بين (القصر) و(المنشية) ، كان المشهدُ بالنسبة لي واضحاً ، وكنتُ مسانداً في مقالاتي اليومية صف “البشير” – “علي عثمان” لاعتبارات مختلفة ، قلتُ لهم :(الرئيس سينقلب على الشيخ مسنوداً بالجيش) . رد علي أحدهم (يعمل رئيس تحرير الآن) بثقة : (الجيش في يد “عمر عبدالمعروف” وزير الدولة للدفاع)!! وكان “عمر” مدنياً ، لكنه اختير لهذا المنصب العسكري لعلاقته بالمكاتب الخاصة للحركة الإسلامية .
عندما أذاع الفريق “عمر البشير” بيانه الليلي الصادم مساء الرابع من رمضان الموافق 12/12/1999م ، وأعلن حالة الطوارئ في البلاد وتجميد الدستور وحل البرلمان ، أُصيب غالبية الإسلاميين بحالة ذهول و(خُلعة) تشبه حالتهم يوم 12 أبريل 2019م قبل وبعد أن تلا الفريق أول “عوض ابن عوف” بيان الإطاحة بالنظام السابق واعتقال “البشير” وقادة الحكم . ما كان غالبهم يصدِّق أن ما حدث في التاريخين سيحدث!!
دانت السلطةُ للرئيس بعد قرارات رمضان، وانتقل “الترابي” إلى السجن (حبيساً) للمرة الثانية، وظل “البشير” في القصر (رئيساً) لنحو عقدين آخرين.
أصبح “علي عثمان محمد طه” النائب الأول للرئيس هو الحاكم الفعلي في البلاد في الفترة من العام 2000م إلى العام 2005م تاريخ التوقيع على اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) .
ترك الرئيسُ لنائبه الأول الجملَ بما حملَ في كل ما يتعلق بالجهاز التنفيذي ،ولم يشغل نفسه بالتفاصيل، كما أنه كان يريد الاستقواء بـ”علي عثمان” كقيادة تنظيمية، والاحتفاظ بسند الحركة الإسلامية حتى لا تتسرب العضوية بما فيها من كوادر عسكرية وأمنية وموظفي خدمة مدنية في كافة القطاعات المهنية، وتنتقل من دعم الدولة إلى معارضتها تحت راية الشيخ “الترابي” .
في تلك الأيام من العام 2000م ، استقبلتُ مكالمةً هاتفيةً من مدير مكتب النائب الأول للرئيس “إبراهيم الخواض” وكان ضابطاً بجهاز الأمن، ترقى إلى رتبة (لواء) قبل أن يتقاعد قبيل ثورة ديسمبر 2018م . قال لي “الخواض” : (السيد النائب الأول عاوزك تقابله في القصر .. سنحدد لك موعداً ونفيدك) . وبالفعل اتصل مرةً ثانية بعد يومين وذهبتُ إلى القصر لمقابلة نائب الرئيس ، وفكري حائر وبالي مشغول :(تُرى ماذا يريدُ الحاكمُ؟!) .

نواصل غداً .

Post: #6
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-20-2020, 12:37 PM
Parent: #5

Quote: آخر سنوات “البشير” (5)

كنت أسأل نفسي وأنا في الطريق إلى القصر الجمهوري لمقابلة النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ “علي عثمان محمد طه” ، ماذا يريد مني الحاكم الفعلي للبلاد؟!

لم تكن المرة الأولى التي ألتقي فيها “شيخ علي”، فقد سبقتها مقابلة في مكتبه بمقر رئاسة الوزراء (القديم) بشارع “المك نمر” جوار مستشفى الأسنان، وقد آل المبنى إلى وزارة الصناعة في وقت لاحق . في المقابلتين كان بالمكتب النائب الأول وشخصي ، لا ثالث بيننا.

كنتُ أكتب بقوة وقتذاك داعماً لموقف الرئيس “البشير” ونائبه في مواجهة خط الراديكاليين في الحركة الإسلامية الذين كانوا يظنون ،كما يظن قادة (قحت) ومشايعوها اليوم، أن قادة الحكم من (العسكريين) مجرد (أُجراء) لا (شُركاء)، وأنهم قد أدوا مهاماً محددة باستلام السلطة بالقوة العسكرية ، وعليهم الذهاب إلى بيوتهم مشكورين مأجورين .

مارس الشيخ “الترابي” ضغطاً مكثفاً على الفريق “البشير”، بنهاية العشرية الأولى لحكم (الإنقاذ)، لكي يتخلى عن البزة العسكرية ويتنحى عن قيادة الجيش، لو أراد الاستمرار رئيساً للجمهورية لدورة ثانية . كانت تحليلات المقربين من زعيم الإسلاميين تُرجِّح استقالة “البشير” نتيجة ضغط “الترابي” الذي لحق بسلطات الرئاسة وأصر على إجراء تعديلات دستورية أهمها انتخاب ولاة الولايات، نازعاً سلطة تعيينهم من رئيس الجمهورية. لكن تقديرات (الشيخ) لم تكن صحيحة والمعلومات التي كانت تصله من مكاتب معلومات الحركة الإسلامية كانت مخلوطة بحبر التحريف والتزييف الذاتي ، تماماً كما كان يحدث في تقارير الأجهزة الأمنية التي كان يتلقاها الرئيس “البشير” في آخر سنوات حكمه ، وقد أكد مدير جهاز الأمن والمخابرات الأسبق الفريق أول”صلاح قوش” هذا الزعم في حوار صحفي بعد إقالته من رئاسة الجهاز بقوله :(80% من المعلومات التي تصل جهاز الأمن غير دقيقة)!!

استقبلني النائب الأول للرئيس في ذلك اليوم من العام 2000م بترحاب حار، سألني عن أحوالي كالمعتاد ، ثم قال لي 🙁 أها .. ح تشتغل مع الجماعة ديل ؟) يقصد أفراد مكتبه . لم أجبه . قال لي : (أنا عاوزك تمسك الجانب الإعلامي في المكتب كمستشار صحفي ، وكمان تشتغل سكرتير سياسي لي في دائرتي الانتخابية “الخرطوم غرب”، وتكون مشرفاً على المساعدات المالية للفقراء والمحتاجين بالنسبة للطلبات التي تأتينا بالتنسيق مع ديوان الزكاة ، وكذلك تكون مسؤولاً عن ترتيب مقابلات زعماء القبائل ومشايخ الطرق الصوفية الذين يأتون لزيارتي في البيت)، ثم أضاف :(الجماعة ديل يدوك عربية وموبايل) !!

كنت في حالة مفاجأة ولم أكن مهيأً للإجابة ، فقلت له (خير إن شاء الله) . لكنني تعجبت من كثرة التكاليف وهي تمثل معظم ملفات العمل السياسي للنائب الأول ، باستثناء ملفات الجهاز التنفيذي الذي كان يقوده عملياً كرئيس للوزراء دون تسمية وتوصيف دستوري .

خرجتُ منه وأنا مثقل بهموم هذه المهام المركبة ، لم أكن سعيداً بها غير أنني لم أرد أن أخذل مَن وضع عليَّ آمالاً عِراضاً واختارني من بين مئات وربما آلاف كانوا ينتظرون فرصةً كهذي. اتجهتُ إلى مكتب مدير المكتب التنفيذي “إبراهيم الخواض” ، وسردتُ عليه تكاليف النائب الأول لي ، فاعترض “الخواض” وقال لي 🙁 لا .. أنت ستكون مسؤولاً عن الجانب الصحفي والإعلامي فقط ، بقية الملفات ماسكنها ناس تانين)!! قلت له أيضاً :(خير إن شاء الله) .

ظللتُ أمارس مهمتي كمستشار صحفي في مكتب النائب الأول لرئيس الجمهورية لمدة (شهر) . لم يصدر قرار رسمي بتعييني مُعمماً إلى الجهات المختصة في القصر والدولة وأجهزة الإعلام ، وكنتُ متعجباً للأمر مع أنني لم أسأل ، غير أنني عرفتُ السبب لاحقاً ، وهو أن (الدولة العميقة) في التنظيم لم تكن موافقة على تخطيها في اختيار شخص لموقع حساس من خارج دائرة التنظيم ومن غير علمها . كان الدكتور”أمين حسن عمر” هو المسؤول الأعلى عن الإعلام في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، لسنوات طويلة، حتى بعد أن غادر مقعد (أمين الإعلام) ظل هو الآمر الناهي في كافة شؤون إعلام الدولة والحزب ، إلى أن قفزت في السنوات الأخيرة مجموعات جديدة من الكوادر إلى قيادة الإعلام الحزبي والرسمي ونازعته في مُلكه ، مجموعة يقودها “محمد حاتم سليمان” مدير التلفزيون المعروف وسكرتير الرئيس الصحفي وتضم هذه المجموعة “مها الشيخ” زوجة مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق أول “محمد عطا” ،وهناك مجموعة أخرى تضم وزير الدولة وأمين الإعلام بالحزب في إحدى الدورات “ياسر يوسف” ووكيل وزارة الإعلام “عبدالماجد هارون” ، ويتحرك إعلاميو التنظيم بين هذه المجموعة وتلك حسب المتغيرات السياسية وانتقال النفوذ بانتقال القيادات من موقع إلى آخر !!

لم يكن “أمين” مرتاحاً لاختياري للموقع، خاصةً أنني كنت أهاجمه كثيراً في الصحف وأحمِّله مسؤولية فشل مؤسسات إعلامية حكومية عديدة ، وكان يعاونه كتلميذ نجيب ضابط الأمن المسؤول عن الإعلام “محمد أحمد دنقل” الذي ترقى إلى رتبة (لواء) ثم أُحيل للتقاعد برتبة (فريق) قبيل ثورة ديسمبر ،وكانت آخر وظائفه مدير شركة (الأقمار) التابعة لوزارة الإعلام ، وهي شركة حكومية مهمتها احتكار الإعلان الحكومي وتوزيعه وفق حصص محددة للصحف الموالية للنظام ومعاقبة المناوئة . لم تكن (المجهر) ضمن الصحف المصنفة في القائمة (أ) التي تُمنح حصة أكبر من الإعلان ، فوضعوها في القائمة (ب) ، بموجب تصنيف (الملكية) ومستوى الموالاة ، وفق رؤى ذاتية ومنطلقات شخصية، وليس بمعيار (الانتشار) ، فبينما كانوا يتفضلون على ثلاث صحف توزيعها أدنى من (المجهر) لسنوات بشيك شهري لا يقل عن (250) ألف جنيه، يوقع عليه الفريق “دنقل” ، كان نصيب (المجهر) الأعلى توزيعاً من الصحف الثلاث من (80) إلى (100) ألف جنيه فقط !!

أقر لي الفريق “دنقل” بعد سنوات طويلة، أنهم رفعوا وقتها تقريراً للنائب الأول لرئيس الجمهورية ، ضد تعيين مستشار صحفي له ، حتى لا يحصل تضارب بين مكتبي الرئيس والنائب، والدولة لم تهدأ أنفاسها بعد من صراع (المفاصلة) العنيف!

ظللت أؤدي مهامي بإعداد تقرير يومي عن اتجاهات الصحافة بخط اليد وأسلمه إلى النائب الأول ، صباح كل يوم لنحو شهر. كان يعتمد عليه ولا يطالع الصحف ، فعندما أسلمه التقرير بنفسي ومعه الصحف، يقول لي :(خليها معاك).

ذات يوم .. لاحظتُ تصريحين مختلفين لوزيري الدفاع الفريق “عبدالرحيم محمد حسين” والخارجية الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” ، إذ أعلن “عبدالرحيم” عن وجود حشود إريترية على الحدود مع السودان ، بينما نفى “مصطفى” خبر الحشود . نقلت ملخص الخبرين ووضعت لوناً أحمرَ على العنوانين . لم أكن أعلق في التقرير ولكن كنت أرسم إشارات .

صبيحة اليوم التالي ابتسمتُ وأنا أرى وزيري الدفاع والخارجية يدخلان مكتب النائب الأول بعد استدعائهما بواسطة مدير المكتب. كان “شيخ علي” حاسماً جداً وحازماً وكان مهاباً في الحزب و(القصر) .



نواصل غداً .

Post: #7
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-20-2020, 02:59 PM
Parent: #6

عايز يقول شنو (البنوآدم) ده؟؟
هل يريد القول انه كان قريباً ومطلوباً بشدة من دوائر القرار أم انه يريد أن يبرئ نفسه منهم ويقدم نفسه في موقف المعارض الذي كانت تحاربه دوائر الإسلاميين المتشابكة؟؟
أم هل يريد ان يتلبّس لبوس المؤرخين المعاصرين؟؟ أم يقدم نفسه كناقد ومؤلف كتاب يضع لبناته عبر هذه السلسلة على ما فيها من تناقضات حيث يبدو تارة هنا وتارة هناك.؟؟
أم أنها محاولة تسويق جديدة؟؟؟؟
على أية حال ننتظر إلى نهاية مقالات الهندي.

Post: #8
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: abdulhalim altilib
Date: 02-20-2020, 03:32 PM
Parent: #7

اخي محمد

سلامي وتحياتي ،،،


كلها أسئلة منك في محلها ، وتساؤلات في الصميم عن هذا الصحفي والذي يلبس الآن لبوس المؤرخ
المحايد ، والذي يعرف الخبايا والخفايا والأسرار في دوائر صنع القرار في سنوات التيه التي عاشتها
بلادنا تحت زمرة الكيزان ، والذين كان هو واحداً منهم ، يدافع عنهم ليلاً ونهاراً .

أم تظنه يريد أن يحاكي في كتاباته هذه الدكتور منصور خالد والذي ألف عدة كتب عن نظام وسنوات
حكم العسكر في زمن النميري ؟ ربما .

مودتي ،،،


( ليمو )

Post: #9
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-22-2020, 09:40 AM
Parent: #8

Quote: أم تظنه يريد أن يحاكي في كتاباته هذه الدكتور منصور خالد والذي ألف عدة كتب عن نظام وسنواتحكم العسكر في زمن النميري ؟ ربما .

مع فارق السنوات الضوئية بطبيعة الحال بين الاثنين دكتور منصور خالد كمفكر وأكاديمي متميز والهندي.
تحياتي أخي عبد الحليم

Post: #10
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-23-2020, 08:27 AM
Parent: #9

الهندي يواصل نظراته ونظرياته في آخر سنوات البشير
الحلقة 6

Post: #11
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-23-2020, 08:29 AM
Parent: #10

Quote: آخر سنوات “البشير” (6)

• من العام 2000م ، بُعيد المفاصلة والإطاحة بالشيخ “الترابي”، وانتقاله إلى خانة زعيم المعارضة، وإلى العام 2005م، ظلت قيادة الدولة السياسية والتنفيذية موحدة وقوية بلا خلافات لا في الحزب ولا في الدولة . كان القرار يصدر بشكل أساسي عن ثلاثة أشخاص هم الرئيس “البشير”، ونائبه الأول الأستاذ “علي عثمان محمد طه” وأمين عام المؤتمر الوطني الحاكم البروفيسور”إبراهيم أحمد عمر” . وكان هناك تناغم كبير بين الثلاثة الكبار، فالرئيس ظل إلى آخر أيام حكمه في أبريل 2019م يثق ثقة مطلقة في بروف “إبراهيم”، كما ارتبط شيخ “علي” بعلاقة ود واحترام متبادل قديمة بشيخ”إبراهيم” ، وكان “علي” يزور “إبراهيم” كثيراً في بيته المتواضع بحي “القلعة” بأم درمان القديمة – محطة “مكي ود عروسة” ، حسب ما يسميها أهل (البقعة) القدامى ومنهم جدتي لأمي “فاطمة مصطفى” المولودة في “ود أرو” ، رحمات الله عليها ورضوانه . حدثني أحد أصهار بروف “إبراهيم” أن “علي” عندما كان يزورهم كان الرجلان يغلقان عليهما الصالون العتيق لساعات . وهذه الرواية تتسق تماماً مع شخصية “علي عثمان” شديدة الحرص والحذر . لم يكن يتكلم في شؤون السياسة (على راحته) في أي مجلس خاص إذا لم يكن على معرفة تامة وثقة في جميع الحاضرين. على نقيض ذلك ، كان “الترابي” رحمه الله، منفتحاً ومنبسطاً ويرسل الكلام كيفما أراد، دون تحسب أو معرفة بمن يجالسه ، خاصةً بعد أن بلغ به الغضب والحنق على تلاميذه مبلغاً بعد المفاصلة . في صيوان عزاء أستاذنا الكبير “محمود أبو العزائم” بالحارة الأولى بمدينة “الثورة” في العام 2008م ،كنتُ جالساً إلى جوار الشيخ “الترابي” بطلب من ابن المرحوم الأخ الأستاذ “مصطفى أبو العزائم” ،وكنا نعمل معاً في صحيفة (آخر لحظة)، وقد شهدت أم درمان وقتها أحداث غزوة حركة “العدل والمساواة” ، وسرت وقتها شائعة تقول إن “خليل إبراهيم” مختفٍ في الحارة الأولى ، قريباً من موقع العزاء !! أردتُ استدراج (الشيخ) للحديث السياسي ، وأعرف أنه لا يحتاج مني لكثير جهد حتى يتكلم، قلتُ له :(يُقال إن قوات خليل التي دخلت أم درمان مدعومة من الرئيس التشادي “إدريس ديبي” ؟!) . قال لي دون تردد 🙁 “إدريس ديبي” أم “القذافي” ؟! .. جماعتكم ديل بخافوا من ‘القذافي” .. ما بقدروا يقولوا الحقيقة)!! في اليوم التالي حضر للعزاء مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق أول “صلاح قوش” مع نائبه الفريق “محمد عطا المولى” في رتل من سيارات الحراسة المشددة ، وكان كل منهما يمتطي سيارة “بي أم دبليو” بلون مختلف. وكان الرئيس ‘البشير” قد شهد -كعادته- مراسم دفن المرحوم”أبو العزائم” في مقابر “أحمد شرفي”.
• خلال الخمس سنوات التي تلت المفاصلة، شهدت الدولة استقراراً سياسياً واقتصادياً كبيراً ، فقد تزايدت معدلات إنتاج النفط في السودان حتى بلغت أكثر من (450) ألف برميل يومياً ، من حقول الجنوب والشمال . شارك “البشير”و”الترابي” في احتفال تصدير أول باخرة نفط سوداني من ميناء “بورتسودان” في العام 1999 ، لكن “الترابي” للأسف لم يكن جزءاً من الدولة بعد أشهرٍ قلائل من ذلك الاحتفال .
• أفلح وزير الطاقة والتعدين الدكتور “عوض أحمد الجاز” في تحقيق إنجاز اقتصادي كبير عجزت عن تحقيقه كل الحكومات الوطنية منذ إعلان الاستقلال . ورغم تصاعد الآمال الشعبية منذ منتصف (سبعينيات) القرن الماضي، خلال حكم الرئيس الأسبق “جعفر محمد نميري” بقرب استخراج البترول ، حتى أننا كنا ونحن تلاميذ بالمدارس الابتدائية (الأساس) نسمع عبر الإذاعة والتلفزيون أناشيد وأغانٍ في المناسبات الوطنية تبشِّر بالبترول السوداني، حيث كانت تعمل شركة (شيفرون) الأمريكية على الاستكشاف في مناطق بغرب كردفان وجنوب السودان ، إلاّ أن الشركة غادرت البلاد بعد اندلاع الحرب عام 1983م ، ولم تستخرج نفطاً لا في عهد “النميري” ، ولا في عهد حكومات السيد “الصادق المهدي” الائتلافية المضطربة في فترة الديمقراطية الثالثة من العام 1986 إلى العام1989م .
• استطاع “عوض الجاز” بدعم الرئيس ونائبه الأول، ورغم استمرار الحرب في مناطق واسعة بالجنوب، أن يكسر الحصار الأمريكي -الأوربي ويتجاوز العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ العام 1997م ، بإقناع حكومات “الصين” و”ماليزيا”و”الهند” وشركة “كندية”(انسحبت لاحقاً تنفيذاً للعقوبات) على الاستثمار المشترك (كونسورتيوم) في مشروع النفط بالسودان في مربعات مختلفة .
• مصالح “الصين” في البترول السوداني أضعفت العقوبات الأمريكية كثيراً ، فلم يكن لها أثر مع حصول حكومة السودان على مئات الملايين من الدولارات (شهرياً) .واستقرت قيمة الجنيه السوداني لنحو (10) سنوات ، فتراوح سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق السوداء من (جنيهين) فقط إلى (خمسة) جنيهات لا غير ، على مدى عقد كامل !!
• انتعش الاقتصاد الوطني بصورة غير مسبوقة ، وبدت على المجتمع السوداني بمختلف طبقاته مظاهر الترف والنعمة،وقامت في الخرطوم مدن جديدة ومربعات ومخططات وتسابق السودانيون في البنيان، وشيدت الدولة مئات المشروعات التنموية والخدمية من طرق وكباري وسدود (سد مروي) ، ومطارات ولائية (دنقلا ،مروي ، نيالا ، الفاشر، كسلا ، الأبيض والجنينة)،ومستشفيات ومدارس وجامعات في كل ولايات السودان .
• كان الجنيه السوداني يساوي (4) جنيهات مصرية حتى العام 2010 ، وكان المصريون مندهشون لهذه النقلة الاقتصادية الهائلة في السودان ،كنتُ كلما استقليتُ تاكسياً ذات زيارة لـ”القاهرة “، يبادرني السائق بعد رد السلام :(هو صحيح الجنيه السوداني بأربعة جنيه مصري ؟!) .. سمعت هذا السؤال كثيراً خلال رحلاتي إلى المحروسة ، مع أن الاقتصاد المصري كان في أفضل أحواله ، إذ لم يتجاوز سعر الدولار (6) جنيهات مصرية قبل ثورة يناير عام 2011 م.
• نواصل غداً .

Post: #12
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: أيمن دياب
Date: 02-23-2020, 09:18 AM
Parent: #10

Quote: الهندي يواصل نظراته ونظرياته في آخر سنوات البشير
الحلقة 6

حديث لا يفيد بعد السقوط

Post: #13
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: أيمن دياب
Date: 02-23-2020, 09:20 AM
Parent: #10

Quote: الهندي يواصل نظراته ونظرياته في آخر سنوات البشير
الحلقة 6

حديث لا يفيد بعد السقوط

Post: #14
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: abdulhalim altilib
Date: 02-23-2020, 11:27 AM
Parent: #13

Quote: حديث لا يفيد بعد السقوط

أخي العزيز أيمن
سلامي وتحياتي ،

هو فعلا قد لا يفيد ، وإن كان يوضح في بعض مناحيه قليلاً من الخفايا ومكامن الفساد والذي ضرب بأطنابه
في بلادنا خلال وقبل وبعد المفاصلة بين الاخوة الأعداء ..

مودتي ،،


( ليمو )

Post: #15
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-24-2020, 07:17 AM
Parent: #14

Quote: حديث لا يفيد بعد السقوط

أختلف معك يا أخي أيمن..
الحديث عن أية فترة أيَاً كانت لا ينتهي بسقوطها..
وهي تحليلات وربما نظرات وفي حالة الهندي ننتظر إتجاهات تحليلاته لفترة سنوات البشير كما يراها بمنظاره..
أستاذنا البورفيسور قيصر موسى الزين كان يدرسنا التاريخ الاقتصادي في جامعة الخرطوم وكان يقول إنّ التأريخ لأية فترة ضرورة لا بد منها ..
ويقول إنّ النظر وتحليل الأحداث يتسم بالموضوعية والشمولية كلما تباعدت السنوات بمعنى أنّ تحليل الأحداث يكون أجود كلما كانت الاحداث التي يتم تناولها قد انقضت عليها سنوات..
وفقاً لذلك فسنوات البشير لم يحن الوقت بعد لتناولها من زاوية موضوعية يعتد بها..
ولكن ذلك لا يمنع بأي حال تناولها ولو من باب الخواطر المتناثرة أو الانطباعات كما يفعل الهندي حتى الآن.

Post: #16
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-24-2020, 07:29 AM
Parent: #15

Quote: آخر سنوات “البشير” (7)

لم تتشكل أجنحة ومراكز قوى داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم وحكومته من بعد المفاصلة نهاية العام 1999م لعدة سنوات، وظلت القيادة السياسية موحدةً إلى أن حل على الخرطوم مبعوث أمريكي عجوز هو السناتور الجمهوري “جون دانفورث” الذي مارس ضغوطاً مكثفةً لحمل الحكومة على الانخراط في مفاوضات جدية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل “جون قرنق دي مبيور” في العام 2002م .
قاد مستشار الرئيس لشؤون السلام الدكتور “غازي صلاح الدين العتباني” وفد الحكومة إلى المفاوضات التي احتضنتها ضاحية “مشاكوس” الكينية ، فيما ترأس وفد الحركة نائب قائد الحركة “سلفاكير ميارديت” . بعد شهر بالضبط ، وقع الطرفان برتوكول” مشاكوس” في 20 يوليو 2002م ، البرتوكول نص على موافقة حكومة السودان على حق مواطني جنوب السودان في تقرير المصير بنهاية الفترة الانتقالية ومدتها (6) سنوات تسبقها فترة تمهيدية عمرها (6) أشهر ، كما أقر البرتوكول اعتماد المواطنة وليس الدين أساساً للحقوق والواجبات، وأجاز تولي غير المسلم لرئاسة الجمهورية .
بعد توقيع الاتفاقية ، ومع بدء الجولة الثانية للمفاوضات ، احتلت قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان مدينة “توريت” الإستراتيجية في الأول من سبتمبر 2002م . كانت الحركة تسعى للضغط على الحكومة لتقديم المزيد من التنازلات في ملفي قسمة السلطة والثروة ، فكانت تلجأ لتحقيق انتصارات على صعيد الميدان لتعينها على طاولة التفاوض!! ذات المنهج الذي تعمل به إلى اليوم الحركة الشعبية – جناح “الحلو” وحركات دارفور إتباعاً لمنهج أستاذهم الراحل “جون قرنق” .
غضب الرئيس “البشير” لاحتلال “توريت” وأمر بسحب وفد الحكومة المفاوض من كينيا ، وعقد اجتماعاً طارئاً مع قيادة الجيش ، ثم أعلن عبر الإذاعة والتلفزيون أنهم قرروا إطلاق يد الجيش في كل مكان ، وأنه لا عودة للمفاوضات إلا بعد تحرير “توريت”. الحركة الشعبية على لسان الناطق باسمها “سامسون كوانجي” قالت إن قوات الحكومة لم تتوقف عن قصف مواقع الجيش الشعبي طيلة المفاوضات ، فلماذا غضبوا اليوم عندما أسقطنا “توريت” ؟!
عاد “غازي صلاح الدين” إلى الخرطوم ولم يكن راضياً عن قرار سحب الوفد . وأذكر أنني زرته والزميل الأستاذ “محمد الفاتح أحمد” في منزله الحكومي بشارع البلدية بالخرطوم ذات مساء بعد عودته من كينيا ، كان مستاءً جداً من قرار الرئيس ، ووجه انتقادات لاذعة لقيادة الجيش ، وقال ساخراً :(يقولوا ليك جيش الحركة عندو دبابات “برمائية” دخل بيها توريت !!) .
ظل “غازي” في كل المحطات والمناصب التي تقلدها في الحكومة والحزب منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي وإلى أن فارقهما في العام 2013م، ظل معتداً بنفسه ، قوياً في آرائه ومواقفه ، لم يُعرف عنه تزلفٌ أو تقربٌ للرئيس لأجل منصب أو امتياز، وربما خلقت حالة اعتداده بنفسه حاجزاً بينه و”البشير” حتى عندما كان مستشاره السياسي ثم مستشاره لشؤون السلام . وقد بدا لي أن “غازي” كان يتعامل مع معظم قادة الحكم في تلك الفترة بمن فيهم رئيس الجمهورية باعتبارهم أدنى منه معرفةً وأضعف فكراً. أُنتخب “غازي” أميناً عاماً للمؤتمر الوطني في العام 1996م ولمدة عامين ، كأول أمين عام من رموز الحركة الإسلامية بعد أن كان العمل السياسي محدوداً وحصرياً على العسكريين في سنوات (الإنقاذ) الأولى ، حيث ترأس العميد “حسن حمدين” الواجهة السياسية قبل “غازي” بذات الاسم . وخلف الشيخ “حسن الترابي” تلميذه “غازي” في أمانة الحزب في العام 1998م .
ثم نافس دكتور”غازي” الأستاذ “علي عثمان” في انتخابات أمانة الحركة الإسلامية عام 2004م ، واعتقد البعض وقتها أن “غازي” كاد أن يفوز على النائب الأول لرئيس الجمهورية لو لم يتحرك البعض ويهتفوا داخل جلسة المؤتمر : (سقوط علي عثمان .. سقوط الدولة) !!
بعد انسداد أفق المفاوضات في كينيا ، نشط الوسطاء الكينيون مع المبعوث الأمريكي لحمل الطرفين على العودة للطاولة ، بدلت الحكومة قيادة الوفد في العام 2003م ، فأصبح “علي عثمان” رئيساً للوفد بديلاً لـ”غازي صلاح الدين” ، واستقال “غازي” من منصب مستشار الرئيس في ديسمبر 2003م .
وغير تفاعلات الداخل ومواقف “غازي”، فإن الوسطاء أرادوا ترفيع مستوى الوفدين ليسهل اتخاذ القرار والوصول السريع لاتفاق سلام ، فأشاروا على الرئيس للدفع بنائبه الأول ، على أن يأتي “قرنق” رئيساً لوفد الحركة.

نواصل غداً .

Post: #17
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-25-2020, 01:06 PM
Parent: #16

Quote: آخر سنوات “البشير” (8)

انتقلت قيادة وفد الحكومة لمفاوضات السلام من مستشار الرئيس للسلام الدكتور “غازي صلاح الدين” إلى النائب الأول للرئيس الأستاذ “علي عثمان محمد طه” في مطلع سبتمبر 2003م ، وشهدت العاصمة الكينية “نيروبي” أول لقاء جمع بين النائب الأول وزعيم الحركة الشعبية “جون قرنق” بترتيب من وزير الخارجية الكيني الذي أصبح لاحقاً نائباً للرئيس “كالنزو مسيوكا”.
انخرط “علي عثمان” يعاونه فريق الحكومة في جولات طويلة وعسيرة من المفاوضات مع وفد الحركة الشعبية ، و ظل متنقلاً بين ضاحية (نيفاشا) الكينية والخرطوم لنحو عامين من الزمان أبرم خلالهما بروتوكولات السلام على مراحل وجولات متلاحقة، وانتهى المشوار بتوقيع الحكومة والحركة على اتفاقية السلام الشامل في التاسع من يناير عام 2005م .
ذهب “علي عثمان” إلى كينيا قوياً ومسيطراً على مفاصل القرار في الحزب والدولة ، فعاد بعد عامين بين حضور وغياب ، ليجد أن الأشياء لم تعد هي الأشياء ، صعدت أسماء إلى واجهة الفعل السياسي واقتربت أكثر من الرئيس ، فباشر معها قيادة الدولة والمؤتمر الوطني دون حاجة إلى وجود شيخ “علي” أو حتى مشاورته !!
أضر غياب النائب الأول بنفوذه كثيراً ، تماماً كما جرى مع مدير مكتب الرئيس الفريق “طه عثمان الحسين” عندما انشغل برحلات طويلة وكثيرة إلى “الرياض” و”أبوظبي” في عامه الأخير في خدمة الرئيس “البشير” في الفترة من 2016 إلى 2017م.
وصل شريك السلام “جون قرنق دي مبيور” الخرطوم وأدى القسم نائباً أول لرئيس الجمهورية في التاسع من يوليو عام 2005م . لم يكمل “قرنق” ثلاثة أسابيع في القصر الجمهوري، فغادر إلى يوغندا في زيارة ما زالت دواعيها وتفاصيلها غامضة حتى اليوم ، لم يستقل “قرنق” طائرة الرئاسة السودانية من مطار الخرطوم باعتباره المسؤول الثاني بالدولة، ولم يسافر إلى “عنتيبي” وفق قواعد البروتوكول وإجراءات الحراسة المتبعة في زيارات الرئيس ونائبيه خارج البلاد . تحطمت طائرة “قرنق” وهي مروحية تابعة للرئاسة اليوغندية، بعد دخولها الأجواء السودانية في طريق عودته ليلاً إلى الجنوب !! لقي “قرنق” مصرعه ، تناثرت أشلاء ركاب الطائرة قرب منطقة “نيو سايت” أحد معاقل الحركة الشعبية وذهب الصندوق الأسود إلى لجنة تحقيق دولية ،وماتت الأسرار مع موت الراحل الكبير .
بغياب “قرنق” عن المشهد ، تلقى “علي عثمان” اللطمة الثانية ، فبعد أن تراجع مركزه السياسي بفعل تجاذبات قادة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية أثناء مفاوضات السلام ، مع وضد تفاصيل اتفاق (نيفاشا) ، وذكرت وزيرة التعاون الدولي النرويجي وسيط السلام “هيلد جونسون” في كتابها عن خفايا المفاوضات، أن “علي عثمان” قال لها : (إن المفاوضات التي دخلها في الخرطوم داخل المؤتمر الوطني أصعب من المفاوضات في نيفاشا) وفي حديثه إشارة واضحة إلى نمو مراكز قوى داخل الحزب في مواجهته !!
وكان الاختفاء المفاجئ والصادم لشريكه في مشروع السلام بمثابة صدمة كبيرة هزت قواعد البنيان الشامخ الذي شيده على مدى عامين كاملين في المنتجعات الكينية.
قفز “سلفاكير ميارديت “على مقعد رئيس الحركة الشعبية، دون سابق إنذار ، ولم يكن في حسبان فريق الحكومة لمفاوضات السلام التعامل مع هذا المتغير الذي نسف كل الخطط والأفكار المصممة على شخصية “قرنق” الوحدوية الطامحة إلى رئاسة دولة سودانية واحدة موحدة .
ظهر وجه “سلفاكير” الانفصالي منذ أيامه الأولى في القصر ، وظل يحتجب في “جوبا” لأسابيع ، غير مبالٍ بمنصبه كنائب أول لرئيس جمهورية السودان . انسحب “سلفا” بالحركة الشعبية جنوباً ، فيما تولى أمين عام الحركة “باقان أموم” ونائبه لقطاع الشمال”ياسر عرمان” مهمة (التغطية) على الانسحاب بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع في الشمال ، بافتعال مشاكل سياسية مستمرة مع شريكهم في الحكومة (المؤتمر الوطني) . وعبأت قيادة الحركة قواعد الجنوبيين بجرعات كراهية مكثفة للشمال ، طوال الستة أشهر السابقة للفترة الانتقالية ، وقد تجلت إفرازات صناعة الكراهية في مشهدين ، الأول يوم استقبال “قرنق” بالساحة الخضراء وما صاحبته من عمليات اعتداء غريبة وغير مبررة على عامة الشماليين في مناطق محيطة بموقع الاحتفال ، والثاني يوم إعلان مقتل “قرنق ” في 30 يوليو 2005م ، ويومها خرج عشرات الآلاف من الجنوبيين إلى شوارع الخرطوم يحملون الأسلحة البيضاء ، يفتكون بالشماليين أينما وجدوهم ، فسقط عشرات الضحايا ومئات الجرحى، دون ذنب جنوه ، والسبب اعتقاد خاطئ وشائعة (مصنوعة) في مطابخ الحركة تحت إشراف (غربي) سرت بكثافة في أوساط الجنوبيين بأن الحكومة السودانية وليس اليوغندية هي المسؤولة عن اغتيال “جون قرنق” !! في اليوم التالي تسلح الشماليون في الأحياء السكنية بالسلاح الأبيض وفعلوا بالجنوبيين ذات ما كان بالأمس من عدوان دموي آثم !!
كلما تعرض السلام لمطلبات وأزمات ، تغيرت موازين القوى داخل المؤتمر الوطني ، وعلا صوت ومركز التيار المناوئ لاتفاق السلام .
صعد نجم الدكتور “نافع علي نافع” وأصبح رجل الدولة الأقوى والأقرب للرئيس ، بعد أن كان يدين بالولاء والاحترام والتقدير لـ”علي عثمان” . وأذكر أنني هاتفتُ “نافع” عام 2004م أثناء وجوده في مفاوضات (نيفاشا) وكنتُ مديراً لتحرير صحيفة (الأنباء) ، أسأله عن سير المفاوضات ، فرد علي قائلاً بالنص : (أنا بره الجلسة .. لكن “شيخ علي” كان مجتمع مع “قرنق” قبل شوية .. أديك “الدرديري” عندو تفاصيل أكتر) !! وكان وزير الخارجية السابق السفير “الدرديري محمد أحمد” قائماً بأعمال سفارتنا في “نيروبي” وعضواً مهماً في وفد الحكومة .
كان “نافع” يسميه (شيخ علي) في 2004م ، فصار “علي” من غير (شيخ) في 2007م !!

Post: #18
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-25-2020, 01:08 PM
Parent: #17

Quote: آخر سنوات الرئيس (9)

بعد نحو عامين من التوقيع على اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) بدا واضحاً للمراقبين أن الجنوب يتجه تدريجياً نحو الانفصال، فقيادته الجديدة الممثلة في الفريق “سلفاكير ميارديت” انسحبت جنوباً ولم تعد معنية بملفات الشمال ولا مهتمة بقضية (الوحدة الجاذبة) ، بينما كان قطاع الشمال التابع للحركة الشعبية يعبث بالشراكة السياسية والتنفيذية بين الحركة والمؤتمر الوطني ويزرع على طريقها الألغام. وغاب فريق (نيفاشا) عن المشهد الذي كان يضم :(سيد الخطيب ، إدريس عبدالقادر، أمين حسن عمر ، الدرديري محمد أحمد، عبدالرحمن الخليفة والمرحوم يحيى حسين) لم يخرجوا منافحين ومدافعين عن اتفاقهم إلاّ قليلاً . كنتُ من أوائل المهاجمين للاتفاقية ، وكتبتُ سلسلة حلقات في جريدة (الصحافة) بعنوان :(السلام المثقوب) ، ثم واصلت نقدي لـ(نيفاشا) في صحيفة (الوطن) عام 2006م، وكان الراحل الكبير الأستاذ “سيدأحمد خليفة” يحتفي بتلك المقالات ويضعها عناوين على الصفحة الأولى. في تلك الفترة كنتُ أتلقى على هاتفي رسائل نصية تشيد بالمقالات من المهندس “الطيب مصطفى” ، لم يكن كاتباً راتباً بالصحف ، كان وزيراً للدولة للإعلام ومديراً لهيئة الاتصالات. ما زلت أذكر رسائله :(تربت يداك .. لا فض فوك .. حفظك الله) .
وتزايد عدد الناقدين لاتفاقية السلام من قيادات المؤتمر الوطني، وتعرض النائب الأول للرئيس “علي عثمان محمد طه” لهجوم مكثف في الصحف وداخل اجتماعات الحزب الحاكم ، وقد تزعم تيار المعارضين له مستشار الرئيس السياسي ومدير المخابرات الأسبق القيادي بالحزب الدكتور “قطبي المهدي” ، ورغم أن البعض أحال هجوم “قطبي” المستمر على نائب الرئيس إلى تراكمات شخصية قديمة في العلاقة بين الرجلين، إلاّ أن البعض الآخر رأى أن الرئيس “البشير” كان راضياً عن خط “قطبي” ومشجعاً له من وراء حجاب ، خاصةً أن الرئيس ومستشاره ينتميان إلى منطقة واحدة هي ولاية نهر النيل التي ينحدر منها عدد مقدر من قيادات الدولة مثل “نافع علي نافع” ، “الزبير أحمد الحسن” ، الراحل”مجذوب الخليفة” ، “علي كرتي”، اللواء دكتور “الطيب إبراهيم- سيخة”، وغيرهم مع اختلاف قبائلهم .
في عام 2007م كنتُ ضمن مرافقي النائب الأول لرئيس الجمهورية “علي عثمان” في رحلة بالطائرة إلى الولاية الشمالية ، وبدأت الرحلة من أقصى الشمال في “حلفا القديمة” ، ثم اتجه الوفد جنوباً لافتتاح عدد من المشروعات الخدمية والتنموية ، نزلنا في “عبري” و”دلقو” ثم توجهنا إلى “دنقلا” بنهاية اليوم الأول للزيارة التي تمتد لثلاثة أيام .
ضم الوفد الصحفي الزميلين الأستاذين “ضياء الدين بلال” وكان يعمل بصحيفة “الرأي العام” ، و”الطاهر ساتي” يمثل جريدة “الصحافة” ، كنتُ وقتها أعمل في وظيفة نائب رئيس التحرير بصحيفة “آخر لحظة” . عانينا من إهمال ظاهر في محطات تلك الرحلة ، حيث كنا وقوفاً في كل البرامج والافتتاحات بينما بقية أعضاء الوفد من الدستوريين جلوساً ، وعندما هبطنا في مطار “دنقلا” قبيل المغرب ، حملت عربات الولايات الشمالية – الـ”كروزرات” الفارهة – السيد النائب الأول والوفد المرافق له في سرعة فائقة واختفت عن أنظارنا، بينما تبقت حافلة واحدة حملتنا مع (العفش) إلى أحد المنازل الحكومية لنقضي فيه ليلتنا . بلغ بي الغضب مبلغاً ، خاصةً أننا فوجئنا بأن المنزل ذاته مغلق الأبواب ، فاضطر سائق الحافلة إلى تسور الحائط القصير ليفتح لنا الباب !! وجدنا أسرة مفروشة في حوش الدار ، استلقى “الطاهر ساتي” مباشرة على أحدها ، بينما كان “ضياء الدين” يشاركني الاحتجاج:(مفروض يحترمونا ويقدروا أنو معانا نائب رئيس تحرير)!! لم أكن في حاجة إلى تحريض ، فاتصلتُ بالمرحوم الأستاذ “مؤمن الغالي” وهو بالمناسبة شقيق الأستاذ الصحافي “مرتضى الغالي”، وهما أبناء أسرة أنصارية في ودنوباوي ، فتزوج شقيقهما الدكتور “عبدالرحمن” من كريمة السيد “الصادق المهدي” الأستاذة “رباح” .
كان “مؤمن” كاتباً راتباً في صحيفتنا “آخر لحظة” ، وكنت أعلم أنه جاء معنا للشمالية ضمن وفد آخر من وزارة الطاقة والتعدين في طائرة تجارية فخيمة استأجرتها الوزارة الثرية ، ولا تشبه طائرة النائب الأول الحكومية البائسة !! كان وزير الطاقة الدكتور “عوض الجاز” يهتم بكتابات “مؤمن” رغم يساريته المعلنة وخطه (الأحمر)، ورغم نقده الكثير لـ(الإنقاذ) إلاّ أن المرحوم “مؤمن” كان كثيراً ما يشيد بإنجازات “الجاز” ، فنشأت بينهما علاقة من على البُعد . سألتُ “مؤمن” عبر الهاتف :(وين أنت ؟!) . قال لي : ( أنا في طائرة وزارة النفط في المطار .. ستقلع بعد نصف ساعة .. والطيارة فاضية) . قلت له :(انتظرونا .. سنرجع الخرطوم معكم) . أقنعتُ “ضياء” و”ساتي” بالعودة إلى الخرطوم دون حاجة للاستئذان من وفد النائب الأول . وبالفعل .. عندما كانت الساعة تقترب من التاسعة مساءً ، كان ثلاثتنا نمرح بسياراتنا في شوارع الخرطوم صوب بيوتنا.
كان لابد من تسجيل موقف قوي يحفظ للصحافة مقامها واحترامها ، وقد اتفقنا على عدم نشر خبر عن قطعنا زيارة النائب الأول والاكتفاء بالموقف . سرت المعلومة في أجهزة الدولة العليا ، وهاتفني مدير مكتب النائب الأول مستفسراً وقلقاً جداً بعد أن سأل منا السيد النائب :(وين الصحفيين؟!) . كما اتصل وزير الدولة بمجلس الوزراء “كمال عبداللطيف” بالزميلين “ضياء” و”ساتي” . وأصدر مدير إعلام الرئاسة وقتها اللواء شرطة “محي الدين محمد علي” تصريحاً قال فيه إن عدداً من الصحفيين خرقوا البروتوكول ، وقطعوا رحلة رسمية للنائب الأول للرئيس ، لكن التصريح تم حجبه في اللحظات الأخيرة بتعليمات عليا. في ذات اليوم كانت طائرة الرئيس “البشير” العمودية تتجه نحو “شندي” ، وكان ضمن الوفد رئيس تحرير “آخر لحظة” وقتها الزميل “مصطفى أبوالعزائم” . في الطائرة اقترب وزير رئاسة الجمهورية الفريق “بكري حسن صالح” من “أبوالعزائم” وسأله بطريقته المعهودة في الدعابة :(شنو حكاية الصحفيين القطعوا رحلة النائب الأول؟!) .
لم يكن “علي عثمان” يحتمل وقتذاك أية ضغوط سياسية وإعلامية جديدة ، فقدرنا أن نكتفي بالموقف وقد وصلت الرسالة .
ومنذ ذلك التاريخ في العام 2007 م ، لم يحدث أن سافرتُ في رحلة لرئيس الجمهورية أو النائب الأول إلاّ ووجدت اسمي وأسماء الوفد الصحفي تزين مقاعد الصف الأول أو الثاني في موقع الزيارة ، حسب البرتوكول ، وقد ارتفع مستوى الاهتمام بالصحفيين المرافقين لرأس الدولة ، حيث خُصصت لهم مقاعد الكابينة الوسطى في طائرة الرئاسة ويجلس فيها عادة وزراء الدولة ومدير مكتب الرئيس ، يليهم في الكابينة الثالثة قائد الحرس والياور ومدير مراسم الدولة وأي قادة عسكريين ، بينما يجلس الرئيس في الكابينة الأولى مع ثلاثة أو أربعة وزراء من أعضاء الوفد ، وكان يفصلنا عنهم باب مفتوح ، نسمع أصواتهم ويسمعون بعض كلامنا .

نواصل غداً .

Post: #19
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-26-2020, 02:26 PM
Parent: #18

Quote: River Nile
كلام الهندى كلام فارغ لا يقدِّم ولا يؤخِر.
لا أريد أن أسمع عن تفاصيل علاقات عصابة الإنقاذ فيما بينهم ، فكلهم مجرمون .
هل يصدق الهندى فيحدثنا عن تفاصيل الفساد
ومن الذى سرق ونهب ، وكم سرق ونهب ؟
وعن التمكين ، ومن تمكَّنَ ، وكيف؟
وعن الإعتقالات التعسفية والتعذيب ؟
ومن الذي أمَرَ بالتعذيب ، ومن الذى نَفَّذَ التعذيب الذى هو الإثم المُخزى لِمَنْ خدعوا الناس بالدين.
ثُمّ من الذى أمَرَ بسياسة المذابح الدموية فـي دارفور ، وجبال النوبة ، ومن الذين ٫نَفَّذوها ؟
وذلك إلى جانب أسئله كثيره ، مسكوت عن الإجابة عليها ، وكأن ما حدث خلال ثلاثين سنه من حكم الإنقاذ ، لم يحدث إلا فى الخيال !!!

شكرا River Nile

Post: #20
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 02-27-2020, 01:30 PM
Parent: #19

Quote: آخر سنوات “البشير” (10)

أحدثت اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) شرخاً في جدار المؤتمر الوطني، وهزة في جسر الثقة الرابط بين قيادات الدولة، ابتداءً من الرئيس ونائبيه ومساعديه وإلى عضوية المكتب القيادي .
اخترق الغرب الأمريكي والأوربي الدولة التي كانت صخرة صماء في عقد التسعينيات، وذلك تحت ستار دعم ورعاية (مفاوضات السلام في السودان)، وما تزال هذه اللافتة البراقة المتحركة هي غطاء اختراق الكتلة السياسية الحاكمة في بلادنا من زمن “البشير” وإلى عهد الحكم الانتقالي الحالي بقيادة “البرهان” – “حمدوك” .
فبعد أن تراجعت أسهم “علي عثمان محمد طه” في البورصة الأمريكية، ارتفعت أسهم “نافع علي نافع” باعتباره الرجل القوي في النظام عند نهايات الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام .
في منتصف يونيو 2011م، كنتُ ضمن الوفد المرافق لرئيس الجمهورية السابق المشير “عمر البشير” في رحلة إلى “أديس أبابا”، للتفاوض مع رئيس حكومة الجنوب الفريق “سلفاكير ميارديت” بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بانفصال جنوب السودان، وقبل ثلاثة أسابيع فقط من الاعتراف به دولةً مستقلةً ذات سيادة بحلول يوم التاسع من يوليو عام 2011م .
موضوعات التفاوض كانت تتركز على ملف منطقة “أبيي” الشائك، والسلام في منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق وحسم ترسيم الحدود بين الدولتين .
جرت المفاوضات بين الرئيسين في قصر الإمبراطور “هيلاسلاسي”. كان الرئيس يصعد على “الأسانسير” إلى قاعة التفاوض، ثم يعود مرهقاً يرافقه مدير مراسم الدولة النشط “عاطف عبد الرحمن” إلى صالون ينتظر فيه وفد الحكومة. كنتُ أجلس قُبالة المصعد، وأتفرسُ في وجه “البشير” عندما يمر بنا عابراً إلى داخل الصالون العتيق، فلا أقرأ في ملامحه بشارةً وانفراجة، ولطالما عانى “البشير” في التواصل والتفاهم لست سنوات طويلة مع نائبه السابق، متقلب المزاج.. كثير العناد “سلفاكير ميارديت” !! تعب “البشير” من “سلفا” وأضناه الجدل مع “الدينكاوي” الفارع دون طائل، فأمر بالاستعداد لرحلة الإياب الخاسرة إلى “الخرطوم”. وبينما كان الوفد يعيش حالة ارتباك، وصلت رسالة عاجلة من السفارة الأمريكية في “أديس أبابا” تفيد بأن وزيرة الخارجية السيدة “هيلاري كلينتون” التي كانت في طريقها إلى إثيوبيا ضمن جولة أفريقية، تطلب اللقاء بمساعد الرئيس الدكتور “نافع علي نافع” !!
اختار الأمريكان “نافع” دون غيره من أعضاء الوفد رفيع المستوى، وقد ظلوا يحرصون على عدم مقابلة “البشير” بعد صدور مذكرة اعتقال ضده من المحكمة الجنائية الدولية في العام 2009م ، رغم أن الولايات المتحدة ترفض التوقيع على ميثاق المحكمة ولا تعترف بها !!
تقول الأوروبية الحسناء وزيرة التعاون الدولي الأسبق في “النرويج” “هيلدا جونسون” التي كانت أهم وسطاء مفاوضات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية في ضاحية (نيفاشا) الكينية ، تقول في ثنايا كتابها عن المفاوضات: (اتصل الرئيس الأمريكي “جورج دبليو بوش” بالرئيس “عمر البشير” حوالي (10) مرات، أثناء سير مفاوضات السلام لحثه على تجاوز العقبات). كانوا يلهثون وراءه عند حاجتهم الماسة له، فإذا ما نالوا ما أرادوا.. قلبوا له ظهر المجن واعتبروه مجرد مجرم حرب !!
ذهب دكتور “نافع” للقاء “هيلاري كلينتون” يرافقه عضو الوفد، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية الأستاذ “سيد الخطيب”. ظل “الخطيب” الرجل الأهم في كل جولات التفاوض في “نيفاشا” قريباً جداً من “علي عثمان”، وهاهو أيضاً موثوقاً جداً لدى “نافع علي نافع” . كان “سيد الخطيب” من كوادر الحركة الإسلامية المعدودة التي ابتعثها زعيم الحركة الدكتور “حسن الترابي” رحمه، للدراسة بأمريكا في سبعينيات القرن الماضي، بترتيب من الدكتور “التجاني أبوجديري” الذي كان يعمل بالمنظمات الدولية، وأجاد “الخطيب” الإنجليزية كأفضل من يتحدثونها في الطبقة السياسية السودانية، كما برع في الكتابة بالعربية، وعمل رئيساً لتحرير صحيفة (الإنقاذ) في مطلع تسعينيات القرن الماضي. ويتميز “سيد” بشخصية قوية واعتداد بالنفس، وزهد في الوزارات، خلافاً لمعظم قيادات الإسلاميين الذين كانوا يحبون المناصب حباً جماً، كان يميل إلى العمل من وراء ستار، وقد حدثني من أثق فيه أن “سيد” قد تعلم اللغة “العِبرية”، كما تعلم “غازي صلاح الدين” الفرنسية على كِبر.
عاد وفد الرئيس من “أديس”، وبقي “نافع” و “سيد” وآخرون في المدينة الجميلة الناعمة، بعد لقاء “كلينتون”. وقد التقت الوزيرة الأمريكية بالرئيس “سلفاكير” أيضاً، وطلبت منه المساعدة في قفل ملف المنطقتين.
بعد أسبوعين بالضبط من التفاوض بين “نافع” و رئيس الحركة الشعبية – قطاع الشمال “مالك عقار”، وقّع الطرفان (الاتفاق الإطاري للشراكة السياسية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية – شمال، والترتيبات السياسية والأمنية في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق) .. كان هذا هو عنوان اتفاق (نافع – عقار) .

Post: #21
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-03-2020, 12:40 PM
Parent: #20

Quote: آخر سنوات “البشير” (11)

في ساعة متأخرة من ليل يوم 28 يونيو 2011م ، وصلني نص اتفاق (نافع – عقار) الإطاري باللغة الإنجليزية، كنتُ في مكتبي بصحيفة (الأهرام اليوم) التي أسستُها نهاية عام 2009م وعملتُ بها رئيساً للتحرير لنحو ثلاث سنوات، كُنا على وشك إرسال عدد اليوم التالي إلى المطبعة ، فقد اكتملت الصفحة الأولى وأرسلتُ عمودي إلى الصفحة الأخيرة . اجتهدتُ في ترجمة الاتفاق ، وهالني أنه اتفاق كبير وخطير ولم تصل تفاصيله إلى معظم صحف الخرطوم ، فصدرت (الانتباهة) المهتمة بأخبار الحركة الشعبية وقد نشرته صغيراً في الصفحة الثانية تحت عنوان (اتفاق أمني بين الحكومة وقطاع الشمال حول منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق)!!

صغتُ من نص الاتفاق خبراً للصفحة الأولى بعد أن عدلتُها، وجعلته (مين شيت) العدد :(نافع وعقار يوقعان “نيفاشا 2”) . ثم كتبتُ مقالاً جديداً أطلقتُ فيه ذخيرةً كثيفةً على الاتفاق، وحرضتُ الرئيسَ “البشير” وأعضاءَ المكتب القيادي على رفضه جملةً وتفصيلاً .

كان الرئيسُ السابقُ في رحلة إلى “الصين” ، فصادفت عودته صباح يوم (الجمعة) ، استقبله في المطار نائب الرئيس وعدد من الوزراء أبرزهم وزير الدفاع الفريق “عبد الرحيم محمد حسين”. رافق “عبدالرحيم” الرئيس إلى مقر إقامته في بيت الضيافة بالقيادة العامة للجيش، وقد أبلغه برفض واسع وسط قادة القوات المسلحة للاتفاق ، ذات الموقف اتخذته غالبية عضوية المكتب القيادي للمؤتمر الوطني. من بيت الضيافة توجه الرئيس بصحبة وزير الدفاع إلى مسجد النور بـ”كافوري” حيث أدى صلاة (الجمعة) ، وعقب الصلاة خاطب المصلين معلناً ما نقله تلفزيون السودان على الهواء مباشرةً رفضه للاتفاق الإطاري الذي وقعه مساعده “نافع” في “أديس أبابا” مع رئيس الحركة الشعبية- شمال “مالك عقار” .

عندما عاد دكتور “نافع” إلى الخرطوم وجد (الدنيا مقلوبة) ، ولم تكن الأوضاع في الحزب و(القصر) كما تركها ، أو كما يحب ويشتهي ، كان المشهدُ قريباً من عودة “علي عثمان” من “نيفاشا” ، مع فارق أن “علي” غاب عامين ، بينما غاب “نافع” أسبوعين!!

وخلافاً لما كان يظن كثيرون ، لم يُعنى الاتفاق الإطاري بترتيبات أمنية خاصة بجبال النوبة والنيل الأزرق، بل كان يتحدث في صدره عن (شراكة سياسية) بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية – قطاع الشمال ، على نمط (نيفاشا) في ما يتعلق بقسمة السلطة والثروة وتوزيع المناصب في حكومتي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ، ولهذا أسميتُه (نيفاشا 2) في عنوان عريض هز الخرطوم صبيحة التاسع والعشرين من يونيو عام 2011م .

وصل وفد قطاع الشمال بقيادة “ياسر عرمان” إلى الخرطوم، وسارع كعادته إلى الإعلام في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من روح الاتفاق الذي دخل غرفة الإنعاش !! عقد “عرمان” مؤتمراً صحفياً محضوراً دافع فيه عن الاتفاق الإطاري بقوة، وقال فيما قال :(وقعنا هذا الاتفاق مع قيادة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، والحركة الإسلامية التي نعرفها يمثلها “سيد الخطيب” ولا يمثلها “الهندي عزالدين”)!! وقد رددتُ عليه في مقال بأنني لا أمثل الحركة الإسلامية ولكنني أزعم أنني أمثل نبض الشارع السوداني الذي لا يمكنه أن يكرر الخطأ مرتين ويُلدغ من ذات الجحر مرتين ، ويكفي أن جنوب السودان قد مضى من بين أيدينا إلى المجهول بفعل ممارسات الحركة الشعبية ، خاصةً قطاع الشمال .

كانت مجموعةُ حول “نافع” صورت له من وحي خيالها وأوهامها أنني هاجمتُ الاتفاق وقدت ضده حرباً شعواء ، بإملاء من نائب الرئيس “علي عثمان محمد طه” !!، وإنني أشهد الله أن “علي عثمان” لم يحدث طوال معرفتي به أن وجهني بالكتابة مع أو ضد “زيد” أو “عبيد”، كما أنني قد لا أقابله لنحو عامين، وقد كان حذراً وحريصاً على عدم ربط مواقفه بكاتب أو صحيفة محددة، ورغم ذلك فإنني قابلته في العام الأخير قبل ثورة ديسمبر (ثلاث مرات) ، مرتين بطلب منه ، ومرة بمبادرة مني قبيل الإطاحة بالنظام بشهرين فقط، وكانت المظاهرات مشتعلة في مطلع فبراير 2019م ، ناشدته فيها بحضور الزميل “يوسف عبدالمنان” ، أن يتحركوا في قيادة المؤتمر الوطني قبل فوات الأوان لإعلان موقف سياسي واضح يؤكد عدم ترشح “البشير” لدورة انتخابية قادمة في العام 2020م، وتشكيل حكومة قومية . في المرتين الأوليين كان شيخ “علي” يحاول أن يوصل فكرة واحدة ظل يرددها في مجالسه الخاصة ، مفادها أن السودان في ظل ظروفه السياسية والاقتصادية بالغة التعقيد لا يتيسر حكمه إلاّ في ظل شراكة سياسية مع قيادة عسكرية . وأظن أن ما حدث بعد ثورة ديسمبر يؤكد ما ذهب إليه نائب الرئيس السابق.






Post: #22
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-03-2020, 12:42 PM
Parent: #21

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (12)



في منتصف العام 2013م ، قاد الدكتور “غازي صلاح الدين عتباني” حراكاً إصلاحياً من داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وطرح وثيقةً حوت مبادئ وأفكاراً عامة أهمها الدعوة إلى قومية مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية ،ونبذ القبلية التي استشرت كداءٍ عُضال في جسم الدولة ،وأن تكون الدولة على مسافة واحدة من جميع الأحزاب والقوى السياسية . أعقب الحراك الإصلاحي وثيقته بخطاب إلى الرئيس السابق “عمر البشير” طالبه فيه بتبني إصلاحات سياسية وتنفيذية كبيرة ، وإطلاق مبادرة قومية للوفاق الوطني . ونشطت مجموعات شبابية داخل الحزب والحركة الإسلامية في تحرير مذكرات إصلاحية مشابهة ، غير أن الرئيس “البشير” ونائبه في الحزب الدكتور “نافع” لم يأبها لها كثيراً ، وجرت عمليات استقطاب وترضية لعدد مقدر من الشباب المحتج فحظي عدد منهم بمناصب وزراء دولة ومعتمدين في الولايات ومديرين في شركات .
غير أن قرار الحكومة في عهد وزير المالية “علي محمود عبدالرسول” رفع الدعم جزئياً عن البنزين والجازولين، في سبتمبر 2013م، أحال الخرطوم إلى جحيم ، إثر اندلاع احتجاجات واسعة في جميع مدن العاصمة ، سادتها أعمال شغب وتخريب للمؤسسات العامة والخاصة ، لم تسلم منها أعمدة الإنارة ولوحات المرور ومحطات الوقود وعدد من فروع البنوك وشركات الاتصالات .
أسبوع من الرعب والحريق عاشته الخرطوم ، زادت خلاله قوات الأمن من درجات العنف في التعامل مع المحتجين، فسقط أكثر من (مائة) شهيد وجُرح المئات ، قبل أن تعود الأحوال إلى طبيعتها ، وتستعيد الأجهزة الأمنية سيطرتها على الشارع.
لكن ما حدث في سبتمبر الدامي ، لم يمر بسلام، ومثّل ضغطاً كثيفاً على “البشير” لتسريع خطوات الإصلاح السياسي داخل الحزب والإصلاح الحكومي في الجهاز التنفيذي، فجرت محاولات حثيثة لتطوير وثيقة الإصلاح الأولى، وخلصت في النهاية إلى ضرورة إطلاق دعوة جادة للحوار الوطني مع كافة القوى السياسية، بالتزامن مع تجديد دماء الحزب الحاكم وتقديم الشباب في مواقع الحرس القديم .
في تلك الفترة، قاد “البشير” اتصالات (سرية) مع عرّاب النظام في (عشريته) الأولى أمين عام المؤتمر الشعبي المعارض الدكتور “حسن الترابي” الذي شجعه على المضي قدماً في مشروع الإصلاح ودعوة القوى السياسية للحوار الوطني . في مسار آخر ، تواصل الرئيس السابق مع زعيم حزب الأمة القومي السيد “الصادق المهدي” ، فشكّل “المهدي” و”الترابي” جناحي الحوار الوطني الذي انطلق من قاعة الصداقة ، مطلع العام 2014م .
حاصر “البشير” الحرس القديم في الحزب تحت لافتة (الإصلاح) ، حيث قرر المكتب القيادي بإجازته للوثيقة عدم التجديد لأي قيادي أكمل دورتين في أي موقع سياسي أو تنفيذي .
وبالاتفاق،استقال “علي عثمان” من منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، كما تنحى “نافع علي نافع” عن منصب نائب رئيس الحزب مساعد رئيس الجمهورية ، وغادر “أحمد إبراهيم الطاهر” رئاسة البرلمان لصالح “الفاتح عزالدين”، فأصدر “البشير” في ديسمبر 2013م مراسيم جمهورية بتعيين الفريق أول”بكري حسن صالح” نائباً أول للرئيس ، و”حسبو محمد عبدالرحمن” نائباً للرئيس بديلاً للدكتور “الحاج آدم يوسف” ، وبدا كأن اتفاقاً قد انعقد في الحزب أن يؤول منصب نائب الرئيس لأحد أبناء دارفور . كما وافق المكتب القيادي في ذات الاجتماع الذي أجاز تعيين “بكري” و”حسبو”، على ترشيح البروفيسور “إبراهيم غندور” نائباً لرئيس الحزب ومساعداً لرئيس الجمهورية بدلاً عن الدكتور “نافع”. بعد انفضاض اجتماع المكتب القيادي خرج “نافع” -نفسه- إلى الصحفيين وأعلن اعتماد الحزب للتغييرات في إطار تنفيذ وثيقة الإصلاح الداخلي.
قبل يوم واحد من اجتماع المكتب القيادي ، كنتُ والأستاذ “يوسف عبدالمنان” في زيارة مسائية إلى د. “نافع” بمنزله في “بُري”، أكرمنا بكأسين من لبن الإبل (قارص)، كعادته مع ضيوفه. وأذكر أنني سألته بطريقة مباشرة : هل صحيح ما تردد في مجالس الخرطوم من تقديم أمين قطاع الطلاب “جمال محمود” نائباً لرئيس الحزب بديلاً عنك؟! وكانت قد سرت معلومة عن ترشيح “جمال” على نطاق واسع، وأكدها لي أحد أعضاء المكتب القيادي. لم أكن أعرف “جمال” و لم يسبق لي مقابلته، قبل أن ألتقيه لاحقاً بعد أن أصبح وزيراً للدولة بمجلس الوزراء .
رد علي “نافع” :(نعم .. كان في اتجاه لاختياره .. لكن وقفناه ..وأنا اتكلمت مع الرئيس .. سنظلمه لو عيّناه في الموقع دا طوالي كدا) .
ثم واصل حديثه : (أفتكر زول زي “غندور” مناسب .. أنا ممكن أساعده في تولي لجنة الانتخابات) . أعجبني هذا التداعي والأريحية مع الرجل الخطير ، فقلت له 🙁 غندور أو مصطفى عثمان .. الاتنين مناسبين) ، فقال لي :(مصطفى كويس .. لكن بكري سيكون النائب الأول، فما ممكن يجي مصطفى برضو في الحزب .. والاتنين من دنقلا) .
كان “نافع” دائم الاهتمام بالموازنات القبلية والجهوية . وبالفعل اختار الحزب في اليوم التالي “غندور” نائباً لرئيسه، فتيقنتُ أن “نافع” كان وراء الترشيح .

نواصل غداً .

Post: #23
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-03-2020, 03:05 PM
Parent: #22

الأكرم صاحب الملف

الهندي عزالدين هو صورة من البشير
وهذا غسيل لما يكتب عله يشفى

Post: #24
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-04-2020, 10:14 AM
Parent: #23

Quote: الأكرم صاحب الملف

الهندي عزالدين هو صورة من البشير
وهذا غسيل لما يكتب عله يشفى


صورة كروكيه.

شكرا على المرور أستاذنا.

Post: #25
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-04-2020, 10:37 AM
Parent: #24

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (13)
في ديسمبر 2012م ، أجرت الحركةُ الإسلاميةُ السودانيةُ تعديلاً مهماً ومفاجئاً في هيكلها القيادي بعد انتخاب مجلس الشورى والمؤتمر العام لوزير المالية الأسبق “الزبير أحمد الحسن” أميناً عاماً للحركة ، خلفاً للأستاذ”علي عثمان محمد طه” ، فدخلَ الفريق “بكري حسن صالح” الهيئة القيادية للحركةِ وأصبح نائباً أول للأمين العام للحركةِ الإسلاميةِ !!
كان دخول ضابط المظلات والاستخبارات كابينة قيادة (التنظيم) لأول مرة، أمراً مُثيراً للتساؤلات. في اليوم التالي لإعلان خبر تعيين”بكري” ، زارني بالمكتب زميلان صحفيان قريبان من دوائر معلومات الحركة الإسلامية وأجهزتها الخاصة ، وقد تعودتُ على مثل هذه الزيارات الاستطلاعية، جرى بيننا نقاشٌ طويلٌ حول مستجدات الساحة السياسية، غير أنهما ركزا على معرفة رأيي في اختيار وزير رئاسة الجمهورية الجنرال “بكري حسن صالح” نائباً لأمين الحركة الإسلامية ، كنتُ أعرف أن أحدهما على الأقل، مُكلف برصد وتحليل المعلومات حول هذا الموضوع، وأنه بالتأكيد يستكشف معلوماتي أو وجهة نظري . تعودتُ أن (أعمل رايح) واستغل مثل هذه المقابلات المرتبة أو التي تأتي مصادفة لإبلاغ رسائلي الخاصة في الشأن العام بكل جرأة، دون وجل أو تردد . قلت لهما : (حسب معلوماتي وتحليلي .. فإن الرئيس “البشير” يريد تصعيد “بكري” في الحزب والجهاز التنفيذي، ولهذا لابد أن يلحقه بهياكل الحركة الإسلامية والحزب تمهيداً للمرحلة المقبلة). رد عليّ أحدهما 🙁 لا.. لا .. أنا سألت “الزبير أحمد الحسن” .. وقال لي الموضوع عادي ومتعلق بأهمية التنسيق مع “بكري”) . قلت له : (في رأيي .. هذه الخطوة ستتبعها خطوات لتصعيد “بكري” ليكون مرشح الحزب والحركة الإسلامية لانتخابات الرئاسة في العام 2015م) .
وبالفعل .. وبعد عام بالضبط .. في ديسمبر 2013م .. أصدر “البشير” مرسوماً جمهورياً بتعيين الفريق أول “بكري حسن صالح” نائباً أول لرئيس الجمهورية، وصار بالتالي نائباً لرئيس حزب المؤتمر الوطني للشؤون التنفيذية، فضلاً عن احتفاظه بمقعد النائب الأول لأمين عام الحركة الإسلامية.
ولا أدري ما سر شهر (ديسمبر) وارتباطه بأحداث سياسية كبيرة في السودان، فمذكرة العشرة ضد الدكتور “حسن الترابي” في مجلس شورى المؤتمر الوطني رُفعت في ديسمبر 1998م، وقرارات الرابع من رمضان التي أطاحت بالشيخ “الترابي” وقسّمت الإسلاميين على حزبين أحدهما (وطني) والثاني (شعبي) كانت في ديسمبر 1999م ، واختيار “بكري” نائباً لأمين الحركة الإسلامية كان في ديسمبر 2012م ، وتنحي “علي عثمان” و”نافع”، وتعيين “بكري” نائباً أول للرئيس واختيار بروفيسور ” إبراهيم غندور” مسؤولاً عن الحزب كان في ديسمبر 2013م ، كما اندلعت الثورة التي أسقطت نظام (الإنقاذ) السابق في ديسمبر 2018م .
حسب ما يصدر عنه في تلك الفترة، بدا لي أن “البشير” كان جاداً في التنحي عن السلطة في 2015م وتقديم “بكري” لخلافته، وظل هذا هو السيناريو الأرجح حتى منتصف العام 2014م .

نواصل غداً .

Post: #26
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: Al Sunda
Date: 03-05-2020, 04:56 AM
Parent: #25

Quote: ولهذا أسميتُه (نيفاشا 2) في عنوان عريض هز الخرطوم صبيحة التاسع والعشرين من يونيو عام 2011م .



الأنا المضخمة في سلسلة المقالات من قولة تيت
ليته عنون السلسلة ب
أنا وآخر سنوات البشير

Post: #27
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-07-2020, 11:00 AM
Parent: #26

شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (14)

عندما أصدرنا العدد الأول من صحيفة (المجهر السياسي) في نسختها اليومية في 16/4/2012م، كان الـ(مين شيت) مأخوذاً من حوار خاص أجريته مع الدكتور “الترابي” حول موضوع خلافة الرئيس “البشير” ، وكانت صيغته كالآتي :(الترابي يجيب : مَنْ هو خليفة الرئيس “البشير” ؟) . وقد سألتُ زعيم الإسلاميين وأستاذهم في كل الحوار عن قيادات الصف الأول في الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني ، واحداً واحداً ، ليقرأ لنا شخصياتهم ويحاول أن يجد من بينهم (خليفة) لرئيس الجمهورية “عمر البشير”، الذي أعلن أكثر من مرة في حوارات تلفزيونية وصحفية سابقة أنه لن يترشح مرة أخرى لرئاسة الجمهورية في العام 2015م .
ربما لغضبه عليهم ، كانت خلاصة حواري المنشور بهذه الصحيفة مع الشيخ “الترابي” .. أنه لا أحد من قيادات المؤتمر الوطني أفضل من “البشير” في القدرات والإمكانيات القيادية ! سخر من معظمهم .. وشهد لكل من “غازي صلاح الدين” و”أمين حسن عمر” بالقدرات الفكرية وقال بالنص :(“أمين” أميزهم) .
لكننا لم نقنع من المساعدة في البحث عن بديل “للبشير”، فمضينا في نشر سلسلة الحلقات تحت عنوان :(من هو خليفة “البشير” ؟) ، أفردنا فيها صفحات لشخصيات سياسية وعسكرية يمكنها أن تملأ المقعد الذي يُفترض أن يشغر في العام 2015م ، وكان من ضمن عناوين الأعداد اللاحقة (هل يصبح اللواء كمال عبدالمعروف رئيساً للجمهورية؟). وكاد الفريق “عبدالمعروف” القائد العسكري عالي التأهيل أن يصبح رئيساً بعد سبع سنوات، في (11) أبريل 2019م ، لكنه جارى الفريق أول “عوض ابن عوف” وغادر معه في هوجة ما بعد الإطاحة بالنظام ، وحدث ما حدث !!
لم نتعرض لأي مضايقة أمنية أو سياسية ، ولم يصادر جهاز الأمن أي عدد تناول قضية ترشيح رئيس جديد للجمهورية ، بينما صادر أعداداً كثيرة ناقشت قضايا أخرى يعتبرها الجهاز (خطوطاً حمراء) ، وأوقفت (المجهر) عن الصدور لأجل غير مسمى (5) مرات في العامين 2013 و 2014م ، بسبب مؤامرات صغيرة وكيد من قيادات عليا في الدولة وليس بسبب خرقها خطوط الأمن القومي الحمراء، وامتدت فترات الإيقاف من أسبوع إلى شهر .
أوقفوها مرةً بدعوى أنني هاجمتُ الفريق أول “بكري حسن صالح” بعد تعيينه نائباً أول للرئيس بأيام ، وأبلغوا “البشير” في تقرير قبيح ، معلوماته مطبوخة طبخة نيئة، أنني أعمل ضد تعيين الفريق “بكري” لصالح “علي عثمان”!! ولم يكن متاحاً للأمن إيقاف صحيفة عن الصدور إلاّ بعلم وموافقة الرئيس ، ولكن بمقدوره مصادرة عدد واحد ثم إبلاغ قيادة الدولة بأسباب المصادرة فيما بعد .
عرفتُ مصدر المؤامرة ، فقد كتبتُ قبل قرار تعليق الصدور عن ضرورة إقالة مديري مكاتب الرئيس ، ونائبه الأول “علي عثمان” ومساعده “نافع” ، تبعاً للتغييرات التي طالت قيادة الدولة بمغادرة “علي” و”نافع” . في تلك الفترة بدأ نفوذ مدير مكتب الرئيس “طه عثمان أحمد الحسين” يتصاعد ، وكان تأثيره على مدير جهاز الأمن الفريق أول “محمد عطا المولى عباس” كبيراً ، خاصةً أن “طه” كان السبب الأساسي في الإطاحة بالمدير السابق الفريق أول “صلاح قوش” عام 2009م وتعيين نائبه “عطا” مكانه .
لجأتُ إلى شقيق الرئيس الرجل المهذب المحترم المهندس “علي حسن” ، تربطني به معرفة سابقة ، إذ سافرنا معاً ضمن وفد إعلامي إلى “دمشق” لحضور تدشين مسلسل “قمر بني هاشم” عندما كان “علي” رئيساً لمجلس إدارة قناة (ساهور) التي أنتجت هذا المسلسل عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولـ”علي” اهتمامات صوفية ومحبة خالصة لخاتم النبيين والمرسلين.
كان اليوم (جمعة) ، حوالي الحادية عشرة صباحاً ، توجهتُ ومعي الزميل “يوسف عبدالمنان” صوب منزل شقيق الرئيس بحي “كافوري” ، زرته قبلها مرة واحدة قبل سنوات، ونادراً ما أزور المسؤولين وقيادات الدولة في منازلهم ومكاتبهم إلاّ عند (الشديد القوي) ، وكنتُ يومها أواجه ظلم (لوبي نافذ وخطير) فقررت مواجهته بنفس السلاح .. سلاح الرئيس .
طرقنا على الباب الداخلي ، بعد أن (دفرنا) الباب الخارجي .. أي والله (دفرناه) .. فانفتح، بعد أن اعتذر شرطي الحراسة عن مساعدتنا ، ويبدو أنه رأى صورنا في الصحف والشاشات وعرفنا ، فتركنا نتصرف وفق ما نرى، لكنه مأمور بعدم العبور إلى الداخل والقيام بدور سكرتارية . أطلت إحدى بنات “علي البشير” ، وقالت :(بابا نايم) .. قلتُ ليها 🙁 صحي .. وقولي له : الهندي عزالدين في الباب) . قالت لنا : (تفضلوا .. دقائق بس) .. دخلنا الصالون .. وخلال دقائق جاءنا صاحب الدار .. هاشاً باشاً وأخذنا بالأحضان .
رغم كل اللغط الذي يثار عن أشقاء الرئيس السابق، إلاّ أنهم يتميزون كشقيقهم “عمر البشير” بتواضع نادر ،وأريحية وطيبة تشبه طيبة عامة السودانيين قبل أن تصدمنا مؤخراً موجة الكراهية السياسية، وأمراض النفس التي استشرت في مجتمعنا انتشار السرطان في الجسد .
استقبلنا الرجل بحرارة وكرم رغم أنه لم يقابلنا لسنوات ، ولم تكن بيننا تلفونات ولا مراسلات ، وكان بإمكانه ألا يفعل وألا يغادر سريره ، كما فعل ويفعل آخرون كُثر ليسوا من أخوان الرئيس ولا من أصحاب الحظوة والقرب من الدائرة العليا.
طرحتُ على المهندس “علي” مظلمتي وطلبتُ منه نقلها إلى الرئيس ، ثم زودته بنسخة من العدد المُصادر الذي قيل في التقرير (المفبرك) انني هاجمتُ فيه الفريق “بكري” . وفي اليوم التالي أرسلتُ نسخةً من ذات العدد إلى الفريق “بكري” عبر سكرتيره الخاص “أبوالقاسم” ، فاتصل الجنرال الفارع برئاسة الجهاز قائلاً 🙁 لو وقفتوا الجريدة دي عشاني .. فكوها) !!
دخلت نسخة من عدد (المجهر) إلى غرفة الرئيس بعد صلاة فجر اليوم التالي ، بعد أن أبلغه شقيقه بما جرى ، فقال له الرئيس 🙁 الجماعة كاتبين عنو تقرير سيء) !!
نادى الرئيس على مدير مكتبه الفريق “طه عثمان” وقال له :(كلم محمد عطا .. يرجعوا الجريدة دي بكرة) .

نواصل غداً .

Post: #28
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-07-2020, 12:34 PM
Parent: #26

Quote: أنا وآخر سنوات البشير

أنا والمشير

Post: #29
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-08-2020, 01:20 PM
Parent: #28

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (15)

بعد تعيين ضابط الأمن السيد “طه عثمان أحمد الحسين” مديراً لمكتب رئيس الجمهورية خلفاً للواء الشرطة -وقتها- “هاشم عثمان الحسين”، بعد ترقية “هاشم” إلى رتبة (فريق أول) وتعيينه مديراً عاماً لقوات الشرطة ، أصبح “طه” (الكُل في الكُل)، وتقدم على (رجال حول الرئيس) في درجة القرب والتأثير في اتخاذ القرارات الرئاسية .
بنهاية شهر ديسمبر عام 2013م ، خرج كلٌ من “علي عثمان محمد طه” ، “نافع علي نافع” ، “عوض أحمد الجاز”، “أحمد إبراهيم الطاهر” و”أسامة عبدالله محمد الحسن” من الدائرة العليا المحيطة بالرئيس ، وذلك في إطار تطبيق سياسات الإصلاح الحزبي والحكومي التي تنحى بموجبها عددٌ من رجال الصف الأول في حزب المؤتمر الوطني لإتاحة المجال لقيادات شابة .
كان الرئيس يسعى لاستبقاء وزير الكهرباء والسدود “أسامة عبدالله” في موقعه أو موقع آخر كوزارة التعدين، لكنه واجه ضغوطاً مكثفة داخل اجتماع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني الذي أجاز التعديلات . طُرح اسم “أسامة” للتصويت، فلم يوفق في نيل أصوات غالبية المكتب القيادي، فأُسقط في يد الرئيس الذي كانت أمامه مهمة أخرى أهم هي تمرير اسم الفريق أول “بكري حسن صالح” نائباً أول لرئيس الجمهورية بديلاً للأستاذ”علي عثمان” الذي كان يتزعم تيار الإصلاح ويصر على مغادرته وآخرين لمواقعهم في الدولة والحزب ، وكان الرئيس منشغلاً أيضاً باحتفاظ خليله وصديقه ومرافقه الفريق أول “عبدالرحيم محمد حسين” بمنصب وزير الدفاع .
ظل “البشير” طوال السنوات الأخيرة من حكمه يفرض على المكتب القيادي أن يترك له أمر اختيار وزيري الدفاع والداخلية ، باعتباره أعرف بالعسكريين، تماماً كما فعل المكون العسكري في مجلس السيادة مع شركائه في قوى الحرية والتغيير.
غير أن المكتب القيادي تدخل هذه المرة في ترشيح “عبدالرحيم” نفسه ، وكان اجتماعاً عاصفاً ارتفعت فيه مستويات الجرأة في مواجهة الرئيس ، ربما لأن المغادرين وعلى رأسهم “علي” و”نافع” لم يكن لديهم ما يخشونه ، و(المفارق عينو قوية) !!
بعد شد وجذب ، وافق الرئيس على استحداث منصب وزير دولة للدفاع تولاه الفريق “يحيى محمد خير”، رغم تحفظ الفريق أول”عبدالرحيم” على وجود هذا المنصب الذي يخصم من سلطات الوزير الأول . وعرف “يحيى محمد خير” بأنه عسكري من الطراز الأول، كان قائداً لمنطقة النيل الأزرق العسكرية إبان تمرد رئيس الحركة الشعبية – قطاع الشمال والي الولاية “مالك عقار” في سبتمبر عام 2011م بُعيد انفصال جنوب السودان . وقاد “يحيى” عملية عسكرية واسعة طارد فيها قوات الجيش الشعبي إلى تخوم “الكرمك” و”قيسان” ، ولولا وجود عسكري بشجاعة وجرأة “يحيى” في تلك الظروف السياسية والأمنية بالغة التعقيد ، لربما سقطت “الدمازين” وأرجاء واسعة من الولاية في يد التمرد . وقد لفت نظري أداء الجنرال “يحيى” عند زيارتي للدمازين بعد أيام من تمرد “عقار”، وكانت المدينة يومها كالأطلال، فقد فرّ مواطنوها وخلت شوارعها من المارة، وانتشر الجيش في كل مكان، فكتبتُ عنه وعن أحداث الولاية، وظللتُ أصفه بـ(أسد الجيش الهصور) . وقد كتبتُ خلال سنوات عن ثلاث قادة عسكريين مشيداً بقدراتهم وهم “عماد الدين مصطفى عدوي” ، “كمال عبدالمعروف” و”يحيى محمد خير” ، والحمد لله أن ثلاثتهم وصلوا رئاسة هيئة أركان القوات المسلحة وتقاعدوا في رتبة (فريق أول) ، وقد كنا ننتظر منهم المزيد لأجل حماية الوطن واستقراره .
صعد “طه عثمان” إلى وظيفة مدير مكتب الرئيس بعد أن قرر “البشير” ذات مساء من صيف عام 2009 إعفاء الفريق أول “محمد نجيب الطيب” من منصب مدير عام الشرطة . في ذلك المساء المُكفهر .. كان الرئيس غاضباً بسبب معلومات وردت إليه عن ما يجري في أروقة رئاسة الشرطة ، فقرر إحالة “محمد نجيب” للتقاعد فوراً ، فنادى على سكرتيره “طه” ، وقال له : (شوف لي هاشم وين .. يجي الآن) .. ويحكي لي الفريق “طه” – نفسه – أنه اتصل هاتفياً بـ”هاشم” فوجده في زيارة عائلية في “شندي” وكان الوقت عطلة نهاية الأسبوع ، فعاد مسرعاً إلى الخرطوم تلبية لنداء الرئيس ، حيث صدر قرار جمهوري بإعادته إلى الشرطة بعد ترقيته وتعيينه مديراً عاماً .
أصبح “طه” مدير المكتب الرئاسي في القصر الجمهوري بعد أن كان سكرتيراً في مكتب الحزب وبيت الضيافة .

نواصل غداً .

Post: #30
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-16-2020, 10:06 AM
Parent: #29

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (17)

بعد انتخابات شورى المؤتمر الوطني في أكتوبر 2014م التي كانت نتيجتها المُعلنة والأخرى المخفية تؤكدان رفض قطاع واسع في الحزب الحاكم لإعادة ترشيح “البشير” لدورة رئاسية جديدة في العام 2015م، بدأ الرئيس يبتعد عن الحزب ويقترب أكثر من مدير مكتبه الفريق “طه عثمان” الذي صار قريباً جداً من القيادتين السعودية والإماراتية .
واتخذ الرئيس السابق قرارات سياسية ودبلوماسية كبيرة .. منفرداً مع “طه” ، دون مشاورة قيادات الحزب والدولة، خاصةً على مسار التحالف السعودي – الإماراتي ، ففي سبتمبر عام 2014م أصدرت رئاسة الجمهورية قراراً باغلاق الملحقيات الثقافية الإيرانية في السودان بدعوى أنها تنشط في نشر المذهب الشيعي . وفي الرابع من يناير عام 2016م فاجأ “البشير” ومدير مكتبه قيادات الدولة والحزب ، قبل أن يفاجأوا العالم ، بقرار طرد السفير الإيراني في الخرطوم وإغلاق السفارة، وسحب سفير السودان من “طهران” !!
لم يشاور الرئيس وزير الخارجية البروفيسور “إبراهيم غندور” في القرار الذي صدر على طريقة الرئيس الأسبق “جعفر نميري” الذي اشتهر بإعلان قرارات تعيين وإعفاء الوزراء عبر نشرات أخبار الإذاعة والتلفزيون !
اتصل الفريق “طه” بولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” وأبلغه – حسب ما نقلت وكالة الأنباء السعودية- أن السودان قرر طرد السفير الإيراني وقطع العلاقات الدبلوماسية مع “طهران”، تضامناً مع المملكة إثر تعرض سفارتها وقنصليتها في إيران لاعتداءات من قبل متظاهرين ،دون أن توفر السلطات الإيرانية الحماية للبعثة السعودية، وفق القوانين والأعراف الدولية .
سبقت السودان دولة (خليجية) واحدة في قرار قطع العلاقات مع إيران ، هي مملكة “البحرين”،وكان الفارق بين القرارين سويعات ، إذ صدر القراران السوداني والبحريني في يوم واحد ! فيما قررت دولة الإمارات تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إيران إلى مستوى قائم بالأعمال ، ولم تقطع علاقاتها مع جمهورية (الملالي).
واكتفت دول مثل الكويت ومصر وقطر والأردن والمغرب باستدعاء السفير الإيراني لديها وإبلاغه الاحتجاج على الاعتداءات التي تعرضت لها السفارة السعودية في “طهران” والقنصلية في مدينة “مشهد” .
وبالإضافة إلى السودان والبحرين ، قطعت كل من جيبوتي والصومال علاقتيهما مع إيران.
بدا واضحاً للرأي العام السوداني من ذلك اليوم أن “البشير” ومدير مكتبه “طه” قد انفردا بحكم الدولة ، وتركا المكتب القيادي للحزب والأمانة العامة للحركة الإسلامية يتفرجان !!
تباعدت الشُقة بين الرئيس ومساعديه في الحزب ، ولم يعد يثق في كثير منهم ، كما لم يعد هو مقبولاً عند أكثريتهم، وإن نافقه البعض خوفاً من فقدان المنصب ، وجامله البعض الآخر ، حرصاً على دولة قدموا للحفاظ عليها وعلى مشروعها الفكري والسياسي أكثر من (26) ألف شهيد روت دماؤهم أرض جنوب السودان، ورغم ذلك ذهب الجنوب بخديعة السلام، فلا يريدون أن تذهب كل الدولة من بين أيديهم بمفاصلة جديدة مع الرئيس .
لقد ظل هاجس (مفاصلة الرابع من رمضان) يلجم قيادات المؤتمر الوطني عن مواجهة “البشير” لسنوات طويلة منذ ديسمبر 1999م.
كانوا خائفين جداً .. من انشقاق ثانٍ قد يعصف بالدولة التي تعبوا في بنائها وتأسيسها عقدين ونيف ، ولذا كانوا في الغالب يتجاوزون أخطاء “البشير” ويكظمون غيظهم ، يهمهمون ويغمغون في مجالسهم الخاصة، لكنهم لا يصلون معه حد المواجهة في اجتماعات الشورى والمكتب القيادي ، لا في الحزب .. ولا في الحركة الإسلامية . وكان هو أيضاً يحرص على عدم الانقلاب عليهم دفعة واحدة، فهو يعلم أنهم من حوله، عن يمينه وعن يساره، وبمقدورهم الإطاحة به إذا اتفقوا عليه، فكان يخشى منهم ومن اتفاقهم .

نواصل غداً .

Post: #31
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-16-2020, 10:08 AM
Parent: #30

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (18)

في مطلع يونيو 2015، أصبح البروفيسور “إبراهيم غندور” وزيراً للخارجية بديلاً للسيد “علي كرتي” ، ضمن تعديلات وزارية وحزبية واسعة، انتقل بموجبها “البروف” من منصب نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني ومساعد الرئيس في القصر الجمهوري ، ليحل محله المهندس “إبراهيم محمود” .
شهدت فترة “غندور” في الحزب حدثين مهمين هما انطلاقة مؤتمر الحوار الوطني في العام 2014 ، حيث استمرت لجانه تعمل إلى أن رفعت توصياته النهائية إلى الرئيس السابق في العام 2016، الحدث الثاني هو انتخابات 2015 التي فاز فيها “البشير” بدورة جديدة مدتها (5) سنوات ، كان مأمولاً أن تنتهي في العام 2020 .
واجهت مهمة “غندور” في وزارة الخارجية معضلة تدخل رئاسة الجمهورية (المباشر) في ملف العلاقات مع دول الخليج، خاصةً ما يلي السعودية والإمارات ، والسبب أن مدير مكتب الرئيس الفريق “طه عثمان” كان قد بلغ مدًى بعيداً في الاتصال المباشر مع الديوان الملكي في “الرياض” ، ورئاسة الدولة في “أبوظبي”، بعلم الرئيس ودون تنسيق مع الخارجية !
غابت كثير من المعلومات عن وزير الخارجية، واتخذ الرئيس ،كما ذكرنا آنفاً، قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وطرد سفيرها من الخرطوم ، دون مشاورة الوزير المختص ودون علم قيادة الحزب الحاكم .
ومع تصاعد حدة التنافس على الملفات الخارجية بين القصر والخارجية، ابتدعت حاشية الرئيس مصطلح (الدبلوماسية الرئاسية)، فروّجت له بعض الصحف وكتبت بعض الأقلام الصحفية تستحسن إنجازات الدبلوماسية الرئاسية ، وتبخِّس جهد الخارجية ، مع أن الثابت في كل دول العالم أن الرئيس يدير علاقات الدولة مع محيطها الإقليمي والدولي عبر وزارة الخارجية ، وليس عبر مكتبه !
حقق “غندور” إنجازاً ثالثاً بصدور قرار مهم من الرئيس الأمريكي السابق”أوباما” برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان ، قبل أسبوع واحد من مغادرته البيت الأبيض، في يناير 2017م ، واكتملت إجراءات القرار في أكتوبر 2017م .
ورغم أن بعض المراقبين والمحللين أشاروا إلى دور محوري لعبته كل من السعودية والإمارات في تشجيع الإدارة الأمريكية على اتخاذ القرار، إلاّ أن المبعوث الأمريكي إلى السودان “دونالد بوث” أكد في حديث تناقلته وكالات الأنباء بعد أيام من صدور قرار “أوباما” أن الاختراق في الحوار بين الولايات المتحدة والسودان حدث في زيارة “غندور” لواشنطن عندما كان مساعداً للرئيس في نوفمبر 2015م .
نواصل غداً .

Post: #32
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-18-2020, 12:26 PM
Parent: #29

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (16)

كل القرائن والشواهد كانت تؤكد أن الرئيس “البشير” كان يهيئ الأجواء ويفتح الطريق لرفيقه في سلاح المظلات لسنوات طويلة الفريق أول “بكري حسن صالح” ليحل محله مرشحاً عن حزب المؤتمر الوطني في انتخابات العام 2015م، فاستغل موجة الإصلاح الحزبي والحكومي وأبعد لاعبين كباراً مثل “علي عثمان” و”نافع” من تشكيلة النهايات، ليخلو المكان للجنرال الفارع .
غير أن تطورات لاحقة جرت في العام 2014م، أدت إلى تراجع فكرة تقديم “بكري” في ذهن الرئيس (الحزب لم يكن طرفاً في الخطة)، أهمها صعود نجم الفريق “طه عثمان” بعد زيارته الأولى لدولة الإمارات العربية المتحدة في يونيو 2014م كمبعوث من رئيس الجمهورية، بصحبة شيخ الطريقة المكاشفية بأم درمان “الأمين عمر الأمين”، استقبلهما في تلك الزيارة بمكتبه نائب رئيس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة الشيخ “منصور بن زايد”، وكان لقاءً ودياً واستكشافياً، ومنه انطلق “طه” كالصاروخ وبلا توقف، ليصبح موضع ثقة القيادتين في الإمارات والسعودية .
أفلح “طه” في ردم الهوة (النفسية) بين حُكام الإمارات والرئيس “البشير”، ثم اقترب من القيادة السعودية بتزكية إماراتية، وصار موثوقاً لدى ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، وتجاوز الملف السوداني ليصبح معاوناً لوزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” في تطوير علاقات المملكة مع عدد من الدول الأفريقية ورافقه كثيراً في رحلات خارجية .
زار الرئيس “البشير” الإمارات بعد طول قطيعة في شتاء العام 2015م، تلبيةً لدعوة الرئاسة الإماراتية لحضور فعاليات معرض الدفاع الدولي (آيدكس) الذي تستضيفه “أبوظبي” كل عامين ، وتشارك فيه بجناح هيئة التصنيع الحربي السودانية.
كنتُ ضمن الوفد الصحفي المرافق للرئيس في تلك الزيارة المهمة، حيث استقبله في المطار الشيخ “منصور بن زايد”، فيما استقبله ضمن الرؤساء المدعوين عند مدخل ساحة المعرض الشيخان”محمد بن راشد” نائب رئيس الدولة و”محمد بن زايد” ولي عهد أبوظبي .
ويبدو أن شيخ “منصور” قد تولى ملف العلاقات مع السودان، ففي الزيارة الثانية أيضاً كان “منصور” في استقبال “البشير”، وقد كنتُ أتساءل: لماذا لا يأتي لاستقباله شيخ “محمد” رجل الدولة والجيش القوي ؟!
يبدو أنها كانت ترتيبات سياسية خاصة بالأسرة الحاكمة في “أبوظبي”، فعندما اكتملت الترتيبات استقبل الشيخ”محمد بن زايد” الرئيس “البشير” في المطار في فبراير 2017م، كما أقام له دعوة خاصة مع حرمه في “قصر البحر”، وفيها مدح ولي عهد أبوظبي ضيفه “البشير” بحضور عدد كبير من شيوخ الإمارات في كلمة مشهورة تناقلتها وسائل الإعلام العربية، وفيها قال :(أود أن أقول كلمة للتاريخ في حق فخامة الرئيس “عمر البشير”، عندما اشتدت الأمور في اليمن.. السودان وقف مع التحالف العربي من دون طلب.. هذا الرجال مو غريب علينا.. ومثل ما نقول في الإمارات (يا فازع) .. وهذا الموقف لن ننساه له.. و ح نخلفو على عيالنا وعيال عيالنا) .
في تلك الزيارة، كنتُ ألحظ أن علاقة الفريق “طه” بشيوخ الإمارات تجاوزت حدود المراسم والبرتوكولات، فبينما كان الوفد الرسمي لحكومة السودان ينحشر ضمن وفود الدول في زاوية ضيقة بصالون استقبال المعرض قبيل حفل الافتتاح، كان “طه” يمسك تارةً بيد شيخ “منصور”.. و يداعب تارةً شيخ “محمد بن زايد”.. ويهمس إلى شيخ “محمد بن راشد” !!
تراجعت أسهم الجنرال الفارع “بكري”، و(أحلّوت السلطة) – كما يقول المصريون- مع انهمار الدعم السعودي الإماراتي! وكأني بالرئيس وكاتم أسراره يتناجيان ثم يتساءلان :(بعد ما لبنت نديها الطير؟!).
في هذه الأثناء ، بلغ الصراع حول الرئيس أشده، بين تيار غالبه يرفض التجديد له في العام 2015م ، وتيار يرى ضرورة استمراره في الحكم حفاظاً على وحدة الحزب واستقرار الدولة .
في أكتوبر 2014م، انعقد مجلس شورى المؤتمر الوطني بعد اجتماع المجلس القيادي الذي رفع قائمة المرشحين لرئاسة الحزب ورئاسة الجمهورية، كما تنص لائحة الحزب .
كانت جلسات الشورى بقاعة الشهيد “الزبير” ساخنة، والمواجهة عنيفة، وقد تزعم “علي عثمان” تيار التجديد للرئيس منطلقاً من فكرته أن السودان بظروفه المعقدة لا يُحكم إلَّا لعسكري. غاب “البشير” عن الجلسات الأولى وجلسة الانتخابات، ويبدو أنه كان غاضباً لما بلغه من تصاعد الضغط داخل الشورى رفضاً لترشيحه في العام 2015م .
بعد نهاية الجلسات أعلن نائب رئيس الحزب البروفيسور “إبراهيم غندور” للصحفيين أن “البشير” فاز بأعلى الأصوات، وأن ترتيب المرشحين كان كالآتي: “البشير”، “بكري”، “غندور”، “نافع” ثم “علي” !!
غير أنني ذهلتُ بعد سقوط النظام عندما أكد لي قبل شهور، أحد قيادات الحزب، أن نتيجة انتخابات الشورى (الحقيقية) في العام 2014م كانت فوز “نافع علي نافع”.. و سقوط “البشير” !!
إذن .. ويا للعجب.. المؤتمر الوطني – نفسه- أسقط “البشير” قبل (5) سنوات من موعد الثورة السودانية في ديسمبر 2019م !!

نواصل غداً .

Post: #33
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-18-2020, 12:28 PM
Parent: #32

Quote: آخر سنوات “البشير” (19)

1.
في أغسطس 2014م ، كتبتُ مقالاً من “برلين” من وحي لقاء مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني بروفيسور “إبراهيم غندور” بأعضاء الجالية السودانية في ألمانيا ، بعنوان (“غندور” رئيساً !!) . كانت إجابات “غندور” على أسئلة ومداخلات الحاضرين وأغلبهم معارضون للنظام ، قوية ومقنعة ومهذبة في ذات الوقت ، فلمع نجمه في تلك الليلة في سماء “برلين”، وأعجب حديثه وطلته شابة ألمانية من أصول سودانية كانت تجلس إلى جواري ، فعلقت قائلة ، بلكنة (خواجاتية) وعربي مُكسر :(الراجل دا ينفع رئيس) !! التقطت الفكرة من ثنايا حديث الشابة المولودة في ألمانيا ، ولا يربطها بتفاصيل السياسة في السودان رابطٌ ، غير أنها حسب ما علمت منها استمعت إلى عدد من الساسة السودانيين ، على منصات الجالية ، فخلصت إلى نتيجة مفادها تناسب “غندور” والرئاسة ، وهي نتيجة يشاركها فيها كثيرون .
لكن مقال (“غندور” رئيساً) سبب للرجل مشاكل في الحزب ورئاسة الجمهورية ، وأثار غيرة وحفيظة البعض، فحرّضوا عليه الرئيس السابق “عمر البشير” ، بزعم أن البروف يسعى حثيثاً لرئاسة الجمهورية، فاضطر إلى دحض تلك الفكرة التي سعى لترسيخها خواص “البشير” في ذهنه، فقال “غندور” في أكثر من حوار صحفي (أنا لا أرغب .. ولا أصلح لمنصب رئيس الجمهورية)!!
بالتأكيد .. لم أشاور “غندور” قبل كتابة المقال ، فقد قفل راجعاً إلى الخرطوم وظللتُ بعده لأكثر من أربعة شهور في ألمانيا بغرض العلاج، وتصادف أنني بدأت إجراءات السفر إلى “برلين” الجميلة قبل أن يطلب مني مساعد الرئيس مرافقته ، فما أن انتهت الرحلة الرسمية (خمسة أيام) حتى بدأت رحلة الاستشفاء الخاصة ، فقد كانت تأشيرتي تسري لمدة (شهر) ، بينما مدة تأشيرة الوفد الرسمي (5) أيام .
لم يكن الرئيس “البشير” مرتاحاً إلى مقال (غندور رئيساً) ، وكانت فكرة التنحي وتقديم الفريق “بكري حسن صالح” للرئاسة قد تراجعت كثيراً بعد تطور العلاقات مع السعودية والإمارات .
وقد تجلى لي استياء الرئيس من ترشيح “غندور” رئيساً ، عندما رافقته مع عدد من الزملاء في رحلته الأولى إلى “أبوظبي” مطلع العام 2015م . كانت مقابلته لي غير ودودة عكس مرات سابقة، وعندما جلسنا نحاوره بجوف الطائرة في رحلة العودة، انفجر غاضباً فينا ، وكان قد وجه قبلها بيوم بمصادرة (14) صحيفة على خلفية اختفاء صحفي من صحيفة (الدار). كنتُ أجلسُ قبالته في الحوار ، فقال وهو ينظر إليَّ شذراً :(صحفي يدس نفسو في عطبرة .. عشان يجوا يقولوا اعتقلوه ناس الأمن ؟!) ثم مضى في غضبته:(نحنا أفسد نظام في المنطقة؟!)، السفير السعودي -(يقصد السفير فيصل معلا) – قال لي : (صحافتكم بتصوركم للعالم كأفسد نظام في أفريقيا والحقيقة غير كدا) .. وعندما التقطنا معه صور تذكارية وجلستُ إلى جواره ،التفت قال لي بدعابة تعبر عن ما يجيش بخاطره :(نحنا زاتنا ح نقفل الجرايد دي كلها .. لا (مجهر) ولا غيرو .. بس نخلي جريدتين (الرأي العام) و(الصحافة) كأسماء تاريخية)!! حاولت مجادلته ، بينما ابتعد بقية الزملاء وعادوا إلى مواقعهم! المهم رسالته وصلت .. فهمتها ولم أعمل بها .
وكان قد رشحني لتلك الرحلة سكرتيره الصحفي الأستاذ “محمد حاتم سليمان” ، وكانت شخصيته قوية ومؤثرة على الرئيس . عندما نزلنا في المنطقة الغربية لإمارة أبوظبي لزيارة محطة كهربائية تعمل بالطاقة الشمسية، وأثناء تجوالنا بالموقع ، اقترب مني مدير مكتب الرئيس الفريق “طه عثمان” وقال لي :(أنا قلت ليهم .. “الهندي” لازم يجي الزيارة دي .. دي زيارة مهمة)!! التفتَ فوجد خلفه “محمد حاتم” ، فعاد وقال :(محمد حاتم برضو قال كدا)!
لم تكن علاقتي مع “طه” ودية ، فقد كتبتُ في العام 2013م مطالباً بإقالته هو ومدير مكتب “علي عثمان” اللواء أمن “إبراهيم الخواض” ومدير مكتب “نافع” اللواء أمن “الهادي مصطفى” ، فهؤلاء كانوا يحكمون الدولة -عملياً – في تلك الفترة ، إذا أضفت لهم اللواء أمن “عبدالغفار الشريف” .
لكن علاقتي مع الفريق “طه” تحسنت خلال عدد من الرحلات الداخلية والخارجية ، فهو رجل بسيط ، تلقائي، دؤوب، غزير النشاط ، موفور الطاقة، لا يعرف السكون، وقد يبدو لمن يقابله للوهلة الأولى (درويشاً) ، محدود المعرفة والموهبة، لكنه يتمتع بقدرات فائقة في اختراق الآخر ، أياً كان، والوصول إليه، كما يمتلك خاصية إرضاء المسؤول الأول وسلب عقله ونيل كامل ثقته، فعل ذلك مع معتمد العاصمة القومية الأول في عهد (الإنقاذ) العميد “محمد عثمان محمد سعيد” ، وسلب عقل البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” عندما كان وزيراً للتعليم العالي، ثم حين تولى منصب الأمين العام للمؤتمر الوطني بعد (المفاصلة) في العام 2000م . والبروف “إبراهيم” هو الذي قدّم ابنه المطيع “طه عثمان” إلى “البشير”، أثناء أداء الرئيس للعمرة في العام 2007م ، وقال له :(الزول دا هدية مني ليك) . وقد كان .
ظل “طه” مخلصاً وحارساً أميناً “للبشير” بعد تعيينه سكرتيراً في الحزب وبيت الضيافة ، وإلى أن ترقى مديراً لمكاتب الرئيس بدرجة وزير دولة منذ العام 2009م وإلى يونيو 2017م . نختلف معه كثيراً ، ولكنه كان (درقة) “البشير” ، وبقدر ما أضر “طه” بالرئيس السابق باتخاذ مواقف وقرارات سياسية متعجلة وغير مدروسة، كما أوحى له بالحذر والتوجس من مؤامرات تحيط به، إلا أن إقالة “طه” من منصب وزير الدولة مدير مكاتب الرئيس جعلت الرئيس في (الصقيعة) .. بلا سند سياسي وأمني ، واكتمل سقوط الرئيس يوم إعفاء الفريق أول “بكري حسن صالح” من منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية ، وتعيين الفريق أول “عوض ابن عوف” .
كاريزما “بكري” ونفوذه وشعبيته الطاغية في الجيش كانت عصية على أي انقلاب عسكري ، مهما كانت ترتيباته .
فقدَ الرئيسُ قرني استشعاره بذهاب “طه” إلى السعودية مغضوباً عليه ، وفقد سيطرته على الجيش بإحالة الجنرال “بكري” إلى التقاعد ليلزم بيته ، فيخلو المكان ويحلو الزمان للثورة .. ثم للانقلاب ، واعتقال الرئيس، دون حاجة إلى إطلاق طلقة واحدة !!

نواصل غداً.

Post: #34
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: عمر سعيد علي
Date: 03-18-2020, 03:18 PM
Parent: #33

Quote: وقد تجلى لي استياء الرئيس من ترشيح “غندور” رئيساً ، عندما رافقته مع عدد من الزملاء في رحلته الأولى إلى “أبوظبي” مطلع العام 2015م . كانت مقابلته لي غير ودودة عكس مرات سابقة، وعندما جلسنا نحاوره بجوف الطائرة في رحلة العودة، انفجر غاضباً فينا ، وكان قد وجه قبلها بيوم بمصادرة (14) صحيفة على خلفية اختفاء صحفي من صحيفة (الدار). كنتُ أجلسُ قبالته في الحوار ، فقال وهو ينظر إليَّ شذراً :(صحفي يدس نفسو في عطبرة .. عشان يجوا يقولوا اعتقلوه ناس الأمن ؟!) ثم مضى في غضبته:(نحنا أفسد نظام في المنطقة؟!)، السفير السعودي -(يقصد السفير فيصل معلا) – قال لي : (صحافتكم بتصوركم للعالم كأفسد نظام في أفريقيا والحقيقة غير كدا) .. وعندما التقطنا معه صور تذكارية وجلستُ إلى جواره ،التفت قال لي بدعابة تعبر عن ما يجيش بخاطره :(نحنا زاتنا ح نقفل الجرايد دي كلها .. لا (مجهر) ولا غيرو .. بس نخلي جريدتين (الرأي العام) و(الصحافة) كأسماء تاريخية)!!


وفرحااااان خالص بالحكاية دي يعني . .
سبحان الله في ناس بتحب تعيش في الاوضاع دي . .
الرئيس نهرني واتصل علي وهو غاضب وشتمني بيعتبرو ده شرف ليهم يفتخرو بيهو . .

Post: #39
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-21-2020, 01:02 PM
Parent: #34

Quote: الرئيس نهرني واتصل علي وهو غاضب وشتمني بيعتبرو ده شرف ليهم يفتخرو بيهو . .

وكثيرون من الصحفيين عندهم متلازمة الحالة الهندية هذه..
ولاحظ في معرض سرده (كميات) الرحلات التي اتاحتها له رئاسة الجمهورية..
ترى كم تبلغ نثريات وحوافز كل رحلة لكل صحفي؟؟؟!!!!!!!

تحياتي اخي عمر سعيد

Post: #35
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-21-2020, 08:21 AM
Parent: #33

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (20)

فكرة إعادة ترشيحه رئيساً للجمهورية في انتخابات 2020م ، كانت تمثل بداية النهاية للنظام الحاكم ، وللرئيس السابق “عمر البشير” داخل حزب المؤتمر الوطني، وخارجه على مستوى الرأي العام .
فإذا كانت انتخابات مجلس شورى الحزب الحاكم (السرية) في أكتوبر من العام 2014م ، لاختيار رئيس الحزب ومرشحه لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2015م، قد كشفت عن تراجع كبير في شعبية “البشير” داخل حزبه وحاضنته السياسية، وأظهرت النتائج التي حجبتها لجنة الانتخابات خوفاً من تصدع الحزب وانهيار الدولة، أظهرت فوز الدكتور “نافع علي نافع” على خصمه رئيس الحزب والجمهورية المشير “البشير”، فكيف يصر رجال حول الرئيس على إعادة ترشيحه في العام 2020؟!
لو أن “البشير” سمع للعقلاء والحكماء وتقاعد في العام 2015م ، لكانت دورة “نافع” في رئاسة الجمهورية قد انتهت في عامنا هذا (2020م)، ولربما تغير الحال السياسي وتبدل الواقع الاقتصادي، وتجددت دماء الحزب التي تكلست بانسداد شرايينه التاجية، وضمور عضلات قلبه ، فصار غالب نشاطه خاملاً .. شكلياً واستعراضياً ، يدور حول أرقام فلكية ، وتقارير مطبوخة، وقواعد ضعيفة الولاء ، وحشود تنفض بانتهاء البرنامج ، ورغم ذلك يظل قطاع التنظيم بالحزب يفاخر في أجهزة الإعلام بعقد الآلاف من مؤتمرات الأساس والمناطق والمحليات والولايات بمشاركة ملايين الأعضاء ، حتى إذا ما اندلعت مظاهرات احتجاجية لشهور بسبب أزمات اقتصادية، تبخرت مؤتمرات الأساس واختفت ملايين العضوية!!
في “إيران” .. طال عمر دولة (الملالي) لأكثر من (40) عاماً، ابتداءً من العام 1979م بقيادة “الخميني” ، لسبب واحد، هو قدرتهم على تداول السلطة سلمياً في ما بينهم، وليس بسبب القهر والبطش واستخدام آلة العنف، فجميع الأنظمة التي استخدمت أجهزة الأمن وقوات الشرطة لقمع الثورات الشعبية بمنطقة الشرق الأوسط .. سقطت ، أو انهارت الدولة وتفككت ، كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن .
كان متاحاً للإسلاميين في السودان أن يمارسوا تداول السلطة في ما بينهم كمرحلة أولى ، قبل أن يقتنعوا بممارستها مع القوى السياسية الأخرى في السودان ، فينزل الشيخ “الترابي” في انتخابات الرئاسة في مواجهة المشير “البشير” ، ويسمحوا بمنازلة دكتور “نافع” للرئيس تحت الأضواء الكاشفة ، كما فعل رئيس بلدية “طهران” الشاب “محمود أحمدي نجاد” عام 2005م منافساً لرئيس الجمهورية الأسبق آية الله “هاشمي رفسنجاني” ، فهزمه شر هزيمة ، وكان “نجاد” يمثل التيار المحافظ في الدولة، بينما يقود “رفسنجاني” جناح الإصلاحيين ، وكلاهما مرجعهما واحد .. وهو مرشد الجمهورية الإسلامية !!
تنازع “البشير” و”الترابي” فانشق الحزب والحركة الإسلامية ، إلى حزبين وحركتين بنهاية العام 1999م .
وأصر “البشير” بتشجيع من مديري مكتبه الأسبق الفريق “طه عثمان” والسابق الأستاذ”حاتم حسن بخيت” ، بدعم عدد من قادة الحزب والدولة وولاة الولاة الحريصين على مناصبهم، أصروا على ترشيحه مجدداً رئيساً لانتخابات 2020 ، متخطياً عامه (الثلاثين) في القصر الجمهوري ، فكان لابد من ثورة تبدأ من الحزب الحاكم نفسه .. إلى جهاز الأمن .. إلى الجيش .. وتنتهي في الشارع.
افتتح والي جنوب دارفور المهندس “آدم الفكي” مزاد (2020) في زيارة الرئيس السابق لنيالا في العام 2017م ، فخطب الرئيس في الجمع الغفير وقال 🙁 آدم الفكي قاعد في الولاية لحدي2020)!!
أصبحت الشفرة المفهومة عند ولاة الولايات أن من يريد البقاء في منصبه ومرافقة “البشير” إلى نهاية الشوط ، فعليه إعلان دعم جماهير الولاية عبر وثيقة (عهد وميثاق) يحملها رموز الولاية ، لإعادة ترشيح الرئيس في 2020 . كنا نرافق الرئيس في تلك الجولات الولائية في العام 2017 ، وكان مهندس تلك الحملات رئيس قطاع التنظيم وزير ديوان الحكم الاتحادي دكتور “فيصل حسن إبراهيم” بالتعاون مع ساعده الأيمن “حامد ممتاز” ومدير مكتب الرئيس “حاتم حسن بخيت” .

نواصل غداً .

Post: #36
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-21-2020, 08:22 AM
Parent: #35

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (21)

لم يُحسِن التيار الكبير الرافض لترشيح “البشير” رئيساً للحزب ومرشحاً عنه لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2020م ، اختيار الوقت والأدوات المناسبة لمواجهة حملة التجديد للرئيس ومحاصرتها، دون استفزاز الرجل المعروف عند قيادات الحزب بالعناد و(ركوب الرأس) .
وبدلاً من إدارة حوار داخلي والتواصل مع المجموعة المؤيدة لإعادة الترشيح ، بقيادة النائب الأول الأسبق الأستاذ “علي عثمان محمد طه” ورئيس البرلمان البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” ، إضافة إلى المجموعة الصغيرة المحيطة بالرئيس التي تضم باستمرار الفريق أول “عبدالرحيم محمد حسين”، فإن نائب رئيس الحزب المهندس”إبراهيم محمود حامد” قد اختار الخروج إلى الإعلام لمحاصرة الرئيس والتأكيد مراراً وتكراراً أن الحزب لم يحسم أمر التجديد للرئيس ، ثم تبعه الدكتور “أمين حسن عمر”برفض فكرة إعادة ترشيح الرئيس، إلى أن جاء وزير الدولة بمجلس الوزراء القريب من الفريق “بكري حسن صالح” ليعلن لصحيفة (الأخبار) أن الحزب لديه خيارات عديدة لخلافة “البشير”!!
كل هذه التصريحات أغضبت “البشير” وجعلته في حالة استفزاز وإحساس بمؤامرة. فتصاعد التوتر داخل المؤتمر الوطني ، خاصة عندما نما إلى علم الرئيس أن الدكتور”نافع علي نافع” هو من يقود التيار الرافض للتجديد، مؤازراً في الخفاء تقديم “بكري حسن صالح” مرشحاً لرئاسة الجمهورية .
تحفزت مجموعة رجال حول الرئيس للمواجهة، وظل الفريق “عبدالرحيم” قريباً إلى قلب “البشير”وضيفاً مسائياً يومياً في بيت الضيافة الرئاسي، غض النظر عن موقعه في الدولة ، سواء كان وزيراً للدفاع أو وزيراً لرئاسة الجمهورية أو وزيراً للداخلية ،أو والياً للخرطوم، أو رئيساً للمجلس الأعلى للاستثمار، وهي آخر وظيفة تقلدها في النظام السابق . كما ضمت المجموعة لاعباً جديداً حل على القصر منقولاً من مجلس الوزراء في يونيو 2017م، وهو ابن خال الرئيس .. الأستاذ “حاتم حسن بخيت” الذي أصبح مديراً لمكاتب الرئيس، بعد إقالة الفريق “طه عثمان أحمد الحسين” في أحداث درامية مثيرة .
كان الفريق أول “بكري حسن صالح” أهم رجال هذه المجموعة إلى أن غادرها في العام 2018م إثر تعثر حكومته في مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة ، فضلاً عن تنامي شكوك الرئيس حول مجموعة “نافع” وتحالفها مع “بكري” .
ويُعد الفريق “بكري” العضو الوحيد الذي تبقى إلى جوار “البشير” من أعضاء مجلس قيادة إنقلاب 30 يونيو 1989م ، وقد عمل الرجل لسنوات إلى جوار قائده “البشير” في سلاح المظلات، قبل استلام السلطة ودخولهما القصر الجمهوري مترافقين لثلاثين عاماً طويلة .
لكن الجنرال (النوبي) الفارع لم يوفق في مهمة رئيس الوزراء، المنصب المُستحدث في العام 2017م ،تنفيذاً لتوصيات الحوار الوطني ، فقرر الرئيس في سبتمبر 2018م حل حكومته بعد عمر لم يتجاوز عاماً ونصف العام ، ليأتي محله الدبلوماسي الشاب وزير الكهرباء والموارد المائية “معتز موسى”، وهو أيضاً من أسرة الرئيس .
ظلت ثقة “البشير” في “بكري” لا تحدها ولا تشوبها شائبة، لسنوات طويلة، فهو رجل مطيع وضابط منضبط، ولا يتدخل في ما لا يعنيه. وأذكر أن سكرتيره الخاص “أبوالقاسم” وهو ضابط برتبة (نقيب) بالقوات المسلحة، قد طرح عليَّ مشكلة تتعلق بمنطقته في ولاية النيل الأزرق ، وكان ذلك في العام 2010م ، وكان الجنرال يشغل وقتها منصب وزير رئاسة الجمهورية ، فكتبتُ عن القضية وكانت سياسية طرفها والي الولاية، وتم حل المشكلة لاحقاً ، وقابلتُ بعدها “أبوالقاسم” في إحدى الرحلات الخارجية ، فقال لي :(المشكلة الحمد لله اتحلت .. و الله سيادتو بكري دا قدر ما قلنا ليهو تدخل ، قال هو ما بتدخل في شغل المؤتمر الوطني) !!
غير أن توتر العلاقة بين النائب الأول للرئيس الفريق أول”بكري” ومدير مكتب الرئيس الفريق أمن “طه عثمان”، كانت لها تأثيراتها على درجة حرارة الرئيس وتقلب الطقس في القصر الرئاسي .
ملف العلاقة مع السعودية والإمارات وتضخم شخصية “طه عثمان” مقابل تراجع دور قيادات الدولة والحزب ومدير جهاز الأمن والمخابرات ، أدى إلى تعجيل المواجهة بين الفريقين ، وكان الجميع يتكتل ضد “طه” الذي انفرد بالرئيس وحجبه عن الجميع، فلم يعد يرى سوى ما يرى الساحر “طه عثمان”!!
سألني أحد المقربين من “طه” في تلك الأيام الملبدة بالغيوم : (ما رأيك في هذا الصراع المكتوم؟) . قلت له : (“طه” نجح في إقصاء الفريق “قوش” من المشهد، ثم أبعد صديقه “محمد حاتم” من القصر إلى الحزب ، وقبله أبعد “محجوب فضل بدري” من وظيفة السكرتير الصحفي للرئيس، لكن النهائي في هذا الدوري ستكون مباراة “طه” ضد “بكري” ، وسيكسبها “بكري” لأهمية وجوده في القوات المسلحة التي يحسب لها الرئيس ألف حساب) .
وبالفعل .. خرج “طه” من الملعب تحت ضغط “بكري” ومدير المخابرات “محمد عطا” ، مستغلين معركة السعودية والإمارات ضد قطر ، وانحياز “طه” الواضح مع التحالف والتزامه للسعوديين بمقاطعة “الدوحة” وهو ما لم يحدث.
كان “طه” أول ضحايا حصار قطر !!
بعد عام .. تلقى “بكري” – نفسه – ضربةً موجعة بإقالته من منصب رئيس الوزراء ، ثم تلقى القاضية في نهاية فبراير 2019م، بإعفائه من منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية الذي ظل يحتفظ به منذ العام 2013م .

نواصل غداً .

Post: #37
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-21-2020, 08:24 AM
Parent: #36

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (22)

تصاعد تيار التحفظ على إعادة ترشيح الرئيس السابق “عمر البشير” لدورة جديدة في انتخابات 2020، داخل المكتب القيادي ومجلس شورى المؤتمر الوطني خلال فترة المهندس “إبراهيم محمود” الذي لم يتحمس لطرح القضية داخل الحزب. ويرى هذا التيار الذي يقف خلفه الدكتور “نافع علي نافع” أن الوقت لم يكن مناسباً في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتبرم الشعب من الضائقة المعيشية، وتطاول سنوات حكم “البشير” ، أن يتبنى الحزب إعادة ترشيحه .
ولأن دستور البلاد وكذا النظام الأساسي للحزب لا يسمحان بدورة إضافية للرئيس، كان لابد من تعديل الدستور والنظام الأساسي للحزب ، وهي معركة طويلة استمرت إلى ما بعد إقالة “إبراهيم محمود” من منصب نائب رئيس الحزب ، وتصعيد رئيس قطاع التنظيم الدكتور “فيصل حسن إبراهيم” ليصبح نائباً لـ”البشير” في الحزب في فبراير 2018م .
وتهمس لي بعض المصادر أن “فيصل” اقترب من الرئيس في أواخر عام 2017م بعد تعيين “حاتم حسن بخيت” مديراً لمكتب الرئيس، مفارقاً تيار الدكتور “نافع” و”إبراهيم محمود” الذي يضم أكثر من نصف أعضاء المكتب القيادي . التقى “فيصل” بالرئيس عدة مرات ، وأصبح رجله في الحزب، وظل عضواً أساسياً في كل رحلات الرئيس في الولايات باعتباره وزير ديوان الحكم الاتحادي، بينما كان الهدف الأساسي من وراء تلك الرحلات استنفار هياكل الحزب في الولايات لدعم ترشيح “البشير” في العام 2020م ، وتزعم عدد من الولاة الحملات باعتبارهم رؤساء الحزب في الولايات .
رافقتُ الرئيس السابق في العام 2017 م في عدد من الزيارات الولائية ، منها زيارته إلى “كسلا” ، “بورتسودان” و”مدني” ومحليات ولاية الجزيرة . كانت الفقرة الأساسية في اللقاء الجماهيري الحاشد في كل زيارة هي تقديم رموز الولاية ونظار القبائل وثيقة عهد وميثاق لإعادة ترشيح الرئيس لدورة جديدة في الانتخابات المقبلة .
لم يكن نائب رئيس الحزب في المركز “إبراهيم محمود” سعيداً بتلك الحملات الاستباقية التي تسعى لفرض خيار وحيد على أجهزة الحزب ، قبل أن يحين أوان الترشيح ، في آخر مؤتمر شورى قبل انعقاد المؤتمر العام في العام 2019م .
خرج “إبراهيم محمود” متحدثاً في الصحف مجدداً تأكيداته بأن حزب المؤتمر الوطني لم يحسم بعد قرار إعادة ترشيح الرئيس لدورة إضافية ، فزادت المسافة النفسية بينه و”البشير” .
إذن .. يواجه الرئيس مأزقاً في الحزب ، فكيف يمكن تخطيه ، وعدد الرافضين والمتحفظين على تجديد رئاسته ، داخل المكتب القيادي أكبر من المؤيدين؟!
وخارج الحزب تشكلت مجموعة أخرى في الجهاز التنفيذي تضم النائب الأول للرئيس الفريق أول “بكري حسن صالح” ومدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق أول “محمد عطا المولى عباس” وعدد من الوزراء والتنفيذيين على مستوى أدنى، مثل وزير الدولة بمجلس الوزراء” جمال محمود” الذي شغل من قبل وظيفة أمين قطاع الطلاب بالمؤتمر الوطني . هذه المجموعة أيضاً أقرب إلى الدكتور “نافع” ، وترى في “بكري” الخليفة الأنسب لـ”البشير” .
في ظل هذا المشهد المضطرب ، بدأ مدير جهاز الأمن السابق الفريق أول “صلاح قوش” الاقتراب من المسرح، انتظاراً للحظة المناسبة للوثوب على خشبته، وتمثيل دور (البطل المُخلِّص) !
اقترب “قوش” أكثر ، ودخل لعبة (2020)، وتحيّن فرصة زيارة “البشير” للولاية الشمالية لافتتاح مهرجان “البركل”، في منتصف ديسمبر 2017م ، وقدم مع أهله من أعيان الولاية، وثيقة عهد والتزام بإعادة ترشيح الرئيس لدورة جديدة ، بينما لم يكن والي الولاية المهندس “علي العوض” متحمساً لتقديم الوثيقة !! لم يعمِّر “العوض” في المنصب كثيراً ، فغادره في أول تعديلات على مواقع الولاة .
بعد أقل من شهرين ، في فبراير 2018م عاد الفريق “قوش” الذي كان متهماً بتدبير محاولة انقلابية في العام 2011م ، عاد إلى مكتبه الذي غادره في العام 2009م .. مديراً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني !

نواصل غداً .

Post: #38
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-21-2020, 08:28 AM
Parent: #37

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (23)

قاد المهندس “علي حسن” شقيق الرئيس السابق “البشير” وساطة غير معلنة لتقريب الشُقة بين الرئيس والفريق “صلاح قوش” وردم الهوة السحيقة التي فصلت بين الرجلين إثر اتهام مدير المخابرات السابق بتدبير محاولة انقلابية مع عدد من ضباط الجيش والأمن أبرزهم العميد (م) “محمد إبراهيم عبدالجليل”الشهير بـ(ود إبراهيم) القائد السابق للحرس الرئاسي و أحد أبرز قادة العمليات في جنوب السودان .
تواصل عدد محدود من أعيان الولاية الشمالية مع شقيق الرئيس وطلبوا تدخله للمساعدة في إطلاق سراح “قوش” الذي يتمتع بقبول واسع في الشمالية ، خاصةً وسط أهله في محلية “مروي” ، وقد يبدو غريباً للبعض أن يرتبط رمز نضالي وشاعر ثوري مثل “محمد الحسن سالم حُميد” بعلاقة صداقة وود عميقة بمدير الأمن والمخابرات ! شهد “قوش” في نهاية العام 2011م ، حفل تدشين ديوان “حُميد” الموسوم (أرضاً سلاح) بقاعة الصداقة بالخرطوم. فحاورت صحيفة (الأهرام اليوم) التي كنتُ أرأس تحريرها وقتذاك ، صاحب العُرس ، فقال “حُميد” عن “قوش”:( هو ابن منطقتي ويصغرني في العمر ، قوش أهلو بحبوه لأنه خدمهم ، وأنا بتعامل معه كإنسان عادي، وقادر بأشعاري أستقطبه للخير والجمال) !
أفلحت وساطة “علي حسن” وآخرين في إقناع الرئيس بالعفو عن مدير الأمن المتهم بمحاولة انقلابية والمعتقل منذ نوفمبر 2012م ، فأصدر وزير العدل مولانا “محمد بشارة دوسة” قراراً بإطلاق سراحه مع اللواء أمن (م) “صلاح الدين أحمد عبدالله” ، فغادرا سجن “الهدى” غرب أم درمان في يوليو 2013م .
وما بين 2013 وفبراير 2018م ، تفرغ “قوش” لإدارة أعمال تجارية خاصة بين “الخرطوم” و”دبي” و”القاهرة” ، كما حرص على حضور جلسات البرلمان من حين لآخر ، باعتباره نائباً عن دائرة “مروي” ، مع نشاط محدود داخل أمانة العاملين في حزب المؤتمر الوطني .
وعندما اشتد الحصار في الحزب على الرئيس “البشير” خلال العام 2017م ، وشعر بأن قيادات الحزب والحركة الإسلامية بدأوا في التفلت من قبضته ، بحث عن شخصية قوية تعيد له التوازن ، ففكر ، ودبر ، واستقر رأيه ، على إعادة الفريق “قوش” للخدمة بعد (9) سنوات من التقاعد!!
ويحدثني مصدر من داخل دائرة الرئيس السابق أن رئيس شركة (زين السودان) الفريق طيار “الفاتح عروة” كان أول الذين أوعزوا للبشير بإعادة “قوش” لجهاز الأمن. وتربط “عروة” صداقة عميقة بالرئيس السابق، وكان يشغل منصب مستشار الرئيس للشؤون الأمنية مع بدايات (الإنقاذ)، في الفترة من 1989م إلى العام 1995م ، ثم عيّنه “البشير” وزيراً للدولة بوزارة الدفاع في العام 1995 ، لكنه لم يقض بالمنصب أكثر من عام ، فغادره بسبب خلافات في قيادة الجيش حول طريقته في العمل ، فضلاً عن أن النافذين في الحركة الإسلامية كانوا يعتبرونه وافداً غريباً على التنظيم ، ولم ينسجموا مع فكرة قيادته للعمل العسكري في مرحلة بالغة التعقيدات ، واجه خلالها النظام حرباً إقليمية شاملة على طول الحدود في جنوب السودان ، فبعث الرئيس صديقه إلى “نيويورك” سفيراً ومندوباً دائماً للسودان لدى الأمم المتحدة ، وظل يعمل في دهاليز المنظمة الدولية حتى العام 2005م . ومع تقلده منصب العضو المنتدب لشركة (زين) في السودان ، بمساعدة “البشير” و”قوش” في العام 2008م ، أصدر الرئيس قراراً جمهورياً بإعادة اللواء معاش “الفاتح محمد أحمد عروة” إلى الخدمة ،وترقيته إلى رتبة (فريق)، ثم إحالته مرة أخرى للتقاعد في ذات القرار ! وللعسكريين في السودان غرام خاص مع رتبة (فريق) ، مثلما لأساتذة الجامعات وكبار الأطباء عشق قديم للقب العلمي (بروفيسور) !
لكن (الإنقاذ) ابتذلت رتبة (فريق) في سنواتها الأخيرة بشكل مُستفِز لقدامى العسكريين ، إذ تقاعد معظم أعضاء مجلس قيادة انقلاب مايو 1969م برتبة (رائد) ، كما استلم ضباط انقلاب 30 يونيو 1989م السلطة وأغلبهم برتب (رائد) و(مقدم) و(عقيد) ، وكان قائدهم “البشير” برتبة (عميد) !
عاد “قوش” مديراً لجهاز الأمن بعد أن كان المقترح الأول عودته للجهاز التنفيذي في منصب وزير ديوان الحكم الاتحادي ، وقد أبلغه الدكتور “فيصل حسن إبراهيم” قبل أيام من القرار برغبة الرئيس في تعيينه وزيراً .
لكن الرئيس غيّر رأيه وقرر الإطاحة بالفريق أول “محمد عطا المولى” ، بعد جملة أخطاء متلاحقة وقع فيها في تلك الآونة ، أهمها ما تسرب من تقارير عن حشود عسكرية “مصرية” في إريتريا ، ثبت لاحقاً عدم صحتها ، بالإضافة إلى حادثة اختراق النظام المصرفي في دولة الإمارات عبر رجل أعمال شاب يدعى “أيمن المأمون” حاول تتبع حسابات المدير السابق لمكتب الرئيس الفريق “طه عثمان” ، ما أغضب القيادة الإماراتية ، وأدى إلى توتر جديد في العلاقات بين “الخرطوم” و”أبوظبي” .

نواصل غداً .

Post: #40
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-23-2020, 12:46 PM
Parent: #38

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (24)

خلافاً لفترتي الفريق “صلاح قوش” الأولى والثانية في إدارة جهاز الأمن والمخابرات ، فإن حقبة الفريق “محمد عطا المولى” شهدت توترات أمنية متفرقة في علاقات السودان بجارته الشمالية “مصر” .
ومع أن النظام السابق ظل يعزو توالي الأزمات بين البلدين إلى مؤامرات ظل يحيكها جهاز المخابرات العامة المصرية ، إلاّ أن الفريق “عطا” لم يكن لديه استعداد نفسي للتعاون مع الجانب المصري ، بينما كان منفتحاً في التعامل مع المخابرات الإثيوبية وعموم المخابرات الأفريقية، ونشط في استضافة اجتماعات مديري أجهزة المخابرات الأفريقية (سيسا) بالخرطوم، ومهتماً بملف العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وكان له دور مهم بالتشارك مع وزير الخارجية الأسبق بروفيسور “غندور” في إقناع الإدارة الأمريكية بإصدار قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان قبل أسبوع واحد من مغادرة الرئيس “أوباما” البيت الأبيض في يناير 2017م .
ويتميز “محمد عطا” عن زميله في نهاية سبعينيات القرن الماضي بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم “صلاح قوش”، بأنه أكثر مهنيةً والتزاماً بمحددات الوظيفة (الأمنية)، لا تتنازعه طموحات سياسية ، ولا يميل إلى النشاط الإعلامي والاستعراضي ، يحب العمل في صمت ، يتحدث بهدوء ، يتحرك دون أن تسمع وقع أقدامه على الأرض ، حاد الذكاء ، لا يبدو عليه الانفعال والتوتر .
خلال سنواته الأولى في قيادة الجهاز بعد أن ترقى من منصب نائب المدير إلى المدير العام في العام 2009م ، طغت شخصية مدير مكتب الرئيس الفريق “طه عثمان” على شخصية مدير الجهاز ، مع أن مدير المكتب الرئاسي هو أحد ضباط الجهاز !
كان “طه” يباشر الاتصالات في ما يتعلق بملفات الرئيس السياسية والأمنية مع صديقه مدير دائرة الأمن السياسي اللواء “عبدالغفار الشريف” ، لكن “محمد عطا” لم يُبد تبرماً من تشكل دائرة أمنية تعمل من ورائه ، بعلمه أو دون علمه ، ما دام الرئيس يعلم . وربما ساعدت سياسة النفس الطويل التي انتهجها “عطا” في أن يبقى مديراً للجهاز لفترة طويلة امتدت لـ(9) سنوات ، شهدت الكثير من التحولات على الصُعد السياسية ، العسكرية والأمنية ، ولم تشهد البلاد في عهده اختراقات أمنية تذكر ، بل تعاظم دور جهاز الأمن عبر (هيئة العمليات) في العمل العسكري بالجبهات بأطراف دارفور وجنوب كردفان ، ثم نشأت قوات الدعم السريع تحت مظلة جهاز الأمن في العام 2013م ، بعد أن كانت قوةً مسلحةً تتبع لحرس الحدود تساند الجيش في مواجهة التمرد بولايات دارفور .
بالمقابل ، فإن شخصية الفريق “قوش” تبدو صدامية ومتمددة ، ويغلب عليها طموحه السياسي الزائد ، ورغبته التي لا تفتر في الوصول إلى كرسي رئيس الجمهورية .
ويتمتع الفريق “قوش” بطاقة هائلة وقدرة على العمل لساعات طويلة، وعُرف عنه بقاؤه في مكتبه برئاسة الجهاز جنوب القيادة العامة للجيش إلى وقت الفجر ، خاصةً بعد عودته الأخيرة ، محاولاً بكل جهده الإمساك بما تفلت من خيوط السياسة والاقتصاد .
أعاد “قوش” المياه إلى مجاريها مع المصريين ، وبينما لم يكن “محمد عطا” عضواً بوفد الرئيس في عدد من زياراته إلى “القاهرة” ، كان “صلاح قوش” ضمن الوفد الرئاسي إلى مصر بعد أقل من شهر على تعيينه الثاني مديراً للجهاز .
كنتُ ضمن وفد الرئيس مع عدد من الزملاء رؤساء التحرير في تلك الرحلة في مارس 2018م . احتفى الرئيس “عبدالفتاح السيسي” بضيفه الرئيس”البشير” احتفاءً فوق العادة ، وجرت محادثات مغلقة بين الرئيسين بقصر الاتحادية ، خرجا منها وقد علت الابتسامات وجهيهما ، تحدثا للصحفيين عن أهمية تطوير العلاقات الأزلية بين البلدين، وأكد “البشير” دعمه لـ”السيسي” في الانتخابات التي كانت تدق الأبواب بعد انتهاء الدورة الأولى للرئيس المصري ، ثم حضر الرئيسان احتفالاً فنياً باهراً أقامته جمعية الأسرة المصرية في صالة ملحقة باستاد “القاهرة”، ونقلته على الهواء عدد من الفضائيات المصرية والسودانية.
كانت معنويات “البشير” عالية جداً عقب تلك الرحلة .

نواصل غداً .

Post: #41
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-24-2020, 01:31 PM
Parent: #40

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (25)

في رحلة العودة من القاهرة ، وكما جرت العادة ، طلب مدير مكتب الرئيس الأستاذ “حاتم حسن بخيت” من الرئيس السماح للوفد الصحفي المرافق ، بتحيته والجلوس إليه لإجراء حديث صحفي، أو تنوير عام عن الزيارة ، بعضه للنشر وبعضه للعلم فقط.
انتقلنا من مقاعدنا إلى مقصورة الرئيس في مقدمة الطائرة، وفيها أربعة مقاعد متقابلة ، وعلى الجهة الأخرى مقعدان جلس على أحدهما وزير رئاسة الجمهورية الدكتور “فضل عبدالله” وإلى جواره زير الخارجية بروفيسور”غندور” يقابلهما في مقعد ثالث مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق أول “صلاح قوش”.
ضم الوفد الصحفي الأساتذة “إبراهيم الصديق” رئيس تحرير (الصحافة)، “محمد الفاتح أحمد” رئيس تحرير (الأهرام اليوم) و”الطاهر ساتي” الكاتب بصحيفة (السوداني) وشخصي . وكانت السلطات المصرية في مطار القاهرة قد منعت “ساتي” كما منعت صحفيين سودانيين آخرين قبله، من دخول الدولة وأعادته إلى الخرطوم قبل أشهر سبقت رحلة الرئيس ، على خلفية مقالات معادية لمصر ، حسب تقييم الأجهزة المصرية. أضاف “حاتم حسن بخيت” اسم “ساتي” إلى قائمة وفد الرئيس “البشير”، فخرج من مطار القاهرة هذه المرة في سيارة رئاسية مرسيدس سوداء ، حملته في (كونفوي) إلى داخل قصر (الاتحادية) الكائن بمدينة مصر الجديدة في طريق المطار ، وكنتُ أشاركه ذات السيارة الفارهة.
بدا الرئيس مرتاح البال ، منشرحاً .. منبسط الأسارير ، فعرفنا أن الزيارة ناجحة ، على الأقل من الناحية المعنوية .
ابتدرتُ الحديث مع الرئيس “البشير” بقولي :(السيد الرئيس .. يبدو أنها زيارة ناجحة ؟) .. ابتسم وقال : ( “السيسي” على المستوى الشخصي ، عندو رغبة حقيقية في تطوير العلاقات مع السودان ،لكن المشكلة في جهاز المخابرات .. “خالد فوزي” هو سبب التوترات) ! قاطعته بسؤال جاد :(منو خالد فوزي؟) .. رد عليَّ : (مدير المخابرات السابق . هسه شالوه .. جاب مدير مكتبه “عباس كامل” ودا بدأ معانا كويس) . دار الحوار مع “البشير” حول قضايا السياسة والاقتصاد ، ثم انسحبنا إلى مقاعدنا والطائرة تقترب من الهبوط في مطار الخرطوم .
وكما ذكر الرئيس السابق، فقد بدا لنا جلياً من خلال الحركات والسكنات مستوى التناغم والتجانس السريع الذي بلغه في وقت وجيز كلٌ من “قوش” و”عباس كامل” ،رغم أن كليهما تسلم منصب مدير المخابرات في بلده قبل أسابيع قلائل من ميقات تلك الزيارة !! فقد انتحيا جانباً أكثر من مرة ، وتهامسا كثيراً ، وكأنهما صديقان حميمان منذ سنوات طويلة !!
ارتبط “قوش” في عُهدته الأولى بجهاز المخابرات التي امتدت من العام 2004 إلى العام 2009م ، بعلاقات جيدة مع مدير المخابرات المصرية الأشهر اللواء “عمر سليمان” في عهد الرئيس “حسني مبارك”، ما ساعده على العبور سريعاً إلى المدير الجديد “عباس كامل”، فالمصريون يعرفونه ويثقون فيه، وقد رحبوا بتعيينه ، وسعدوا لإقالة “محمد عطا” الذي لم يكن متعاوناً معهم .
وحكى لي “قوش” في وقت سابق أن اللواء “عمر سليمان” هو الذي تولى إقناع السعوديين بتأمين عبور طائرة “البشير” في الأجواء السعودية في أول رحلة إلى “الدوحة” بعد صدور مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه ، كما ساعد اللواء “سليمان” بطلب من “قوش”، في تأمين مرور الطائرة فوق المياه الدولية في البحر الأحمر.
ورغم النشاط الخارجي الكثيف لـ”قوش”،إلاّ أن الراجح عندي من جملة معلومات وتحليل، أن الرئيس السابق لم يأت بالفريق “قوش” مديراً للمخابرات للمرة الثانية ، في قرار زلزل أركاناً كثيرةً في الدولة والحزب، لتحقيق أهداف خارجية كترميم العلاقة مع “مصر” ، أو تعميقها مع “السعودية” و”الإمارات” ، ودليلي على ذلك أن خصم “قوش” العنيد الفريق “طه عثمان” كان يرابط على البوابتين السعودية والإماراتية، وبالتالي يتعذر دعم مقترح إعادة “قوش” للجهاز على تلك الرافعة الخارجية .
وكما أشِرتُ آنفاً ، قفز “قوش” على قطار حملة انتخابات (2020) في محطة “مروي”، عند افتتاح الرئيس لمهرجان “البركل” للسياحة نهاية العام 2017م .
أراد “البشير” مقارعة صقور المكتب القيادي للمؤتمر الوطني بقيادة “نافع” برجل من ذات العيار. كانت أكثرية قيادة الحزب ترى في منح الرئيس دورة إضافية عام 2020 كارثة محدقة تهدد مستقبل الدولة والحزب ، وكانوا محقين، لكنهم لم يطرحوا الأمر داخل اجتماعات المكتب القيادي بصورة واضحة خوفاً من تصدع الحزب ، فعبروا عن رفضهم بأشكال مختلفة .
في إحدى جلسات مؤتمر شورى الوطني ، قام عضو المجلس “الزبير أحمد الحسن” وكان يشغل منصب الأمين العام للحركة الإسلامية ، وتحدث غاضباً وساخراً من حملة التجديد للرئيس :(الناس البتكلموا عن ترشيح الرئيس زي ما عملوا أخوانا في ولاية الخرطوم وشباب حول الرئيس .. ديل عورا .. القرار دا بتتخذه مؤسسات الحزب .. ما بالطريقة دي) !!، ورفض المجلس المقترح الذي تقدم به المحامي “محمد الحسن الأمين” عن اللجنة السياسية المنبثقة عن الشورى، بتعديل النظام الأساسي وترشيح “البشير” لدورة جديدة . فقدم والي شمال كردفان وقتها “أحمد هارون” مقترحاً للحل الوسط يقول (إن مجلس الشورى أخذ علماً بتنادي أحزاب وقوى سياسية واجتماعية وطرق صوفية لإعادة ترشيح رئيس الحزب “البشير” ، والحزب يثمن مسعاهم، وسينظر في المقترح في أوانه) .
من الأصوات الرافضة للتجديد لـ”البشير” لدورة جديدة ، برز أمين الحركة الإسلامية “الزبير أحمد الحسن” ، ونائب رئيس الحزب الأسبق”إبراهيم محمود” ، والدكتور “عصام أحمد البشير” رغم أنه كان خطيب مسجد”النور” بكافوري الذي يصلي فيه الرئيس صلاة الجمعة، والدكتور “الأمين دفع الله” ، والدكتور “أمين حسن عمر” ، والأستاذة “سامية أحمد محمد” والدكتورة”إنتصار أبوناجمة”وهي حرم السفير “أحمد شاور” مدير مكتب الرئيس الأسبق.

نواصل غداً .

Post: #42
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-26-2020, 12:48 PM
Parent: #41

Quote: آخر سنوات “البشير” (26)

لمواجهة التكتل الذي تشكل في المكتب القيادي للحزب ضد إعادة ترشيحه، قرر “البشير” الإطاحة بنائب رئيس الحزب “إبراهيم محمود” بعد قراره إعفاء مدير الأمن الفريق “محمد عطا”.
انتهت المهمة في الجهاز بعودة “قوش” ، وتبقت مهمة ثانية بإجراء تعديلات على قيادة الحزب، بحيث يصعد إلى المنصة المؤيدون لبقاء الرئيس في كرسيه ، لدورة جديدة تبدأ في 2020م .
تولى “قوش” فور تسلمه قيادة الجهاز ، ملف تصنيف وتقييم عضوية المكتب القيادي ، فقد كانت كل حسابات مجموعة (القصر) تؤكد أن أغلب الأعضاء سيصوتون ضد إقالة المهندس “إبراهيم محمود” ، وربما سقط مقترح الرئيس بترشيح الدكتور “فيصل حسن إبراهيم” !
في تلك الأيام نشطت مجموعات حول الرئيس في التواصل مع أعضاء المكتب القيادي وزيارة بعضهم في البيوت لتليين مواقفهم ، والحصول على موافقتهم على اختيار بديل لـ”إبراهيم” الذي يعارض حملة (2020) ، ويصرح في الصحف أن الحزب لم يقرر إعادة ترشيح ‘البشير” وأنه أمرٌ سابق لأوانه.
تزعم كلٌ من وزير ديوان الحكم الاتحادي “فيصل حسن إبراهيم” والأمين السياسي للحزب “حامد محمد النور ممتاز” ووزير رئاسة الجمهورية الدكتور “فضل عبدالله” ومدير مكتب الرئيس “حاتم حسن بخيت” ، حملة التجديد للرئيس، بالتواصل مع قيادات الحزب في المركز والولايات .
كان “فيصل” يجمع – كما جرى العرف في الحزب- بين وظيفتي رئيس قطاع التنظيم ووزير الحكم الاتحادي ، وعندما أجرى “إبراهيم محمود” تعديلات على عدد من القطاعات، وجاء بالدكتور”أزهري التجاني” رئيساً لقطاع التنظيم في يوليو 2017م ، كان المفروض تعيين “أزهري” القريب من “نافع” وزيراً للحكم الاتحادي بدلاً عن “فيصل” ، لكن الرئيس لم يصدر قراراً بإقالة “فيصل” الذي اقترب منه عبر مدير مكتبه “حاتم” ، وانتظر حتى فبراير 2018م ليعيّنه نائباً لرئيس الحزب ومساعداً لرئيس الجمهورية !!
كل ما شعر “البشير” بأن أمراً يُحاك ضده أو من ورائه ، يتطرف في مواقفه ويمضي في الاتجاه المعاكس .
خلال أسابيع معدودة ، أفلح “قوش” في استقطاب عدد من قيادات الحزب ، وأقنعهم بطرق مختلفة بتمرير ترشيح “فيصل” نائباً لرئيس الحزب ، بعد أن تأجل اجتماع المكتب القيادي عدة مرات خوفاً من سقوط المقترح .
وبالفعل ، مرّ قرار تكليف “فيصل” بمنصب نائب رئيس الحزب دون اعتراضات تذكر ، و(سردبت) مجموعة “نافع” وانحنت لعاصفة (البشير – قوش) ، ريثما ينجلي الغبار ! بل إن بعض المحسوبين على هذه المجموعة، مثل الدكتور “عيسى بشري” تحدثوا في الاجتماع مشيدين بدكتور “فيصل” وشخصيته الإدارية وقدراته التنظيمية .
وما أن استلم الطبيب البيطري قيادة الحزب ، حتى علم الناس أن حليفه الأول القيادي الشاب “حامد ممتاز” سيركب معه في سرج واحد .. وقد كان !
بعد أيام ، أجرى المكتب القيادي تعديلات على القطاعات والأمانات بناءً على مقترح قدمه نائب رئيس الحزب ، فأصبح “ممتاز” رئيساً لقطاع التنظيم ، وانتقل بالتالي من منصب وزير دولة بوزارة الخارجية إلى وزير ديوان الحكم الاتحادي، ليصبح مسؤولاً عن كل ولاة السودان .
صار أمر الحزب محسوماً ما بين “فيصل” و”ممتاز” ، وتتوفر لهما حماية (مظلية) رئاسية يتابع تفاصيلها وزير رئاسة الجمهورية “فضل” ومدير مكتب الرئيس “حاتم” .. هذا (الرباعي) هو الذي تولى كبر حملة (2020) ، وجمّل في رأس الرئيس فكرة ألا خيار غيره ، وألا رئيس بعده ، وأن السودان سيصبح ليبيا واليمن وسوريا إن غادر مقعده إلى داره الخاصة في “كافوري” !!
هناك آخرون كان يدعمون هذا (الرباعي) من وراء الكواليس، أبرزهم الأستاذ”علي عثمان” والبروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” منطلقين من ذات القناعات !
قبل أن يكمل (الرباعي) عاماً على (التعاون المشترك) اندلعت الثورة في ديسمبر 2018م .
على صعيد الجهاز التنفيذي في تلك الفترة .. كانت أزمة الاقتصاد تأخذ بخناق الحكومة ، وازداد الحصار الخارجي ، فتوالدت الأزمات.
لم تفلح حكومة الجنرال “بكري” في معالجة الأزمة ، بل زادتها بقرارات كارثية اتخذها وزير المالية الفريق “الركابي” في يناير 2018م برفع قيمة الدولار الرسمي من (6) جنيهات إلى (18) جنيهاً ! اشتعلت الأسواق .. وانطلق الدولار دون رجعة .
تمسك “بكري” بوزيره “الركابي” .. فحدث ما حدث !!

نواصل غداً .

Post: #43
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-26-2020, 01:00 PM
Parent: #42


Post: #44
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-26-2020, 01:04 PM
Parent: #42


.
Quote: لم تفلح حكومة الجنرال “بكري” في معالجة الأزمة ، بل زادتها بقرارات كارثية اتخذها وزير المالية الفريق “الركابي” في يناير 2018م برفع قيمة الدولار الرسمي من (6) جنيهات إلى (18) جنيهاً ! اشتعلت الأسواق .. وانطلق الدولار دون رجعة .


ربما هذه الجزئية من أصدق ما أورده الهندي في سلسلة حلقاته او فلنقل خواطره..
فالركابي هو الذي دقّ إسفين الانهيار الاقتصادي الذي لا يزال ماثلاً حتى اليوم منذ تسنمه لمنصب لم يكن يستحقه إطلاقاً

Post: #45
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-26-2020, 01:06 PM
Parent: #42

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (27)

مثلت ميزانية 2018م التي قدمها وزير المالية الفريق دكتور “محمد عثمان الركابي” بمعاونة وزير الدولة للمالية الدكتور “عبد الرحمن ضرار” ، الصدمة الثانية للاقتصاد السوداني في عهد النظام السابق ، بعد صدمة انفصال جنوب السودان في العام 2011م . وظل سعر الدولار في السوق الموازية يرتفع بوتيرة متسارعة حتى بلغ (40) جنيهاً ، ومما زاد الوضع سوءاً اتجاه بنك السودان المركزي لشراء الذهب من المعدنين في مناطق الإنتاج وسوق الذهب بالخرطوم بما توفر من احتياطي النقد ، ما أحدث أزمة في (السيولة) غير مسبوقة ، فحددت البنوك التجارية سقفاً لعملائها لسحب النقد من حساباتهم ، ثم تفاقمت الأزمة بعد أشهر ، فلم تعد البنوك قادرة على توفير(ألف جنيه فقط) لأي عميل ، فيما جفت الصرافات الآلية تماماً وتوقف العمل في أكثرها .
بالمقابل ، بدا أن حكومة الجنرالين “بكري” و”الركابي” لا تتعامل مع الأزمة الخانقة بشكل جاد ، وكان رأي بعض النافذين في الحكومة أن طباعة المزيد من النقد تعني المزيد من التضخم والمزيد من ارتفاع الدولار، حيث ضربت قطاعات واسعة من الشعب حمى تحويل كل جنيه مدخور إلى دولار !! وانهارت ثقة الجمهور في البنوك ،وتوقفت عمليات الإيداع تماماً ، واستمرت أزمة السيولة في حقبة الحكومة التالية التي ترأسها وزير الموارد المائية والكهرباء الشاب “معتز موسى”.
في أواخر عهد حكومة “بكري” زار رئيس الجمهورية السابق ولاية الجزيرة ، كنتُ والزميل “ضياء الدين بلال” ضمن الوفد المرافق له ، فيما دعا والي الولاية “محمد طاهر أيلا” عدداً كبيراً من الصحفيين والإعلاميين لتغطية الزيارة التي شملت عدة محليات .
كان الدولار يتصاعد في تلك الأيام بشكل مزعج، فهمس لنا مدير مكتب الرئيس “حاتم حسن بخيت” بأن نثير كصحفيين قضية الدولار على مائدة إفطار الرئيس .
نزل “البشير” والوزراء المرافقون له بقصر الضيافة الحكومي بمدينة “ود مدني” ، واستضافت الولاية الصحفيين في شقق فندقية بوسط سوق المدينة . كنت أقول للزملاء 🙁 ولاية مافيها فندق خمسة نجوم ولا أربعة نجوم .. مهرجان السياحة ليها شنو؟!) .
عند الثامنة صباحاً ، حملتنا – أنا وضياء الدين – سيارة إلى قصر الضيافة لنشارك السيد الرئيس الإفطار ، قبل أن ينطلق الوفد في رحلة بالهليكوبتر إلى محلية المناقل .
المبنى قديم وغير مُحدّث، صعدنا الدرج إلى الطابق الأول حيث وجدنا طاولة طعام تسع حوالي عشرة أشخاص. وجدنا الرئيس قد أخذ مكانه في مقدمة الطاولة، سلّمنا وجلسنا. أخذ الوالي “أيلا” مقعده على يمين الرئيس ، وعلى يساره وزير الرئاسة “فضل عبدالله” ، حسب ما أشار مدير المراسم الدؤوب “عاطف محمد عبدالرحمن” ، ثم جلس على المائدة وزير الحكم الاتحادي “فيصل حسن إبراهيم”، وزير الكهرباء “معتز موسى” ومدير مكتب الرئيس “حاتم حسن بخيت” .
كان الفطور بائساً ، فول مصري وبيض مسلوق وجبنة وزبادي وحبات زيتون!! قلتُ في نفسي :(دكتور “أيلا” يريد أن يمارس علينا التقشف)!! تناولتُ قليلاً من الفول مع بيضة مسلوقة، لمحتُ الرئيس فوجدته يعجن في طبق أمامه كسرة بزبادي !
دارت الونسة حول الزيارة واستقبال أهل الجزيرة الحار للرئيس، وعلق هو أن استقبال أهل “مدني” له كان فاتراً في سنوات سابقة!!
ثم رفع الرئيس رأسه ووجه كلامه لي 🙁 “الهندي” كتب كم مرة إنو الجزيرة مظلومة) ! قلت له 🙁 نعم يا ريس) .. ثم واصلت :(هسه شوف كم وزير من دارفور أهل أخونا دكتور “فضل” .. بينما وزير واحد أو اتنين من الجزيرة) . لم يعلق دكتور “فضل” فالرجل معروف بتهذيبه العالي . فعلق الرئيس :(هسه أنا حاسبني من وين .. الجزيرة ولّا نهر النيل ؟) . ضحكت وقلت له 🙁 انت نُص نُص .. يا سعادتك) .
بدأ “ضياء” الحديث حول ارتفاع الدولار ، فأضفتُ إليه أن استمرار تدهور الجنيه يهدد استقرار الدولة كلها ، كان الرئيس يستمع ، ثم قال :(ح نعمل اجتماع للموضوع دا أول ما نرجع الخرطوم) . بعد تلك الجلسة، وجه “البشير” مدير مكتبه بالدعوة لاجتماع طارئ يضم النائب الأول للرئيس، رئيس الوزراء “بكري” ، وزير الرئاسة، وزير المالية، وزير التجارة، مدير جهاز الأمن ، محافظ بنك السودان ، لبحث الأوضاع الاقتصادية بالبلاد. وظلت الاجتماعات أسبوعية برئاسة رئيس الجمهورية، وقد كان ذلك أول تدخل مباشر وظاهر في ملفات رئيس الوزراء، وأول تعبير عملي من الرئيس على عجز مجلس الوزراء عن معالجة الأزمة.

نواصل غداً .

Post: #46
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-26-2020, 01:24 PM
Parent: #45

Quote: عند الثامنة صباحاً ، حملتنا – أنا وضياء الدين – سيارة إلى قصر الضيافة لنشارك السيد الرئيس الإفطار


بدون تعليق !!!!

Quote: فعلق الرئيس :(هسه أنا حاسبني من وين .. الجزيرة ولّا نهر النيل ؟) . ضحكت وقلت له 🙁 انت نُص نُص .. يا سعادتك) .


بدون تعليق كذلك فالعبارة تكفي للتدليل عن نفسها وقائلها وفيها توصيف للحالة برمتها!!!
في الحلقات المقبلة نتمنى أن يبين لنا الهندي نثريات الرحلات المتعددة الداخلية والخارجية التي كان يتقاضاها الصحفي للرحلة الواحدة.

Post: #47
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-29-2020, 01:04 PM
Parent: #46

Quote: نزل “البشير” والوزراء المرافقون له بقصر الضيافة الحكومي بمدينة “ود مدني” ، واستضافت الولاية الصحفيين في شقق فندقية بوسط سوق المدينة


الوالي السابق ايلا كان يدمن الصحافة والظهور الاعلامي وكانت له جوقة صحفيين توالي تلميعه في صحافة الخرطوم وفي مقدمة هؤلاء الطاهر ساتي.

Post: #48
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 04-14-2020, 11:09 AM
Parent: #47

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (28)

• في مطلع سبتمبر 2019م ، أصدر الرئيس السابق المشير “عمر البشير” مراسيم جمهورية بحل حكومة الفريق أول”بكري حسن صالح” ،وتعيين “معتز موسى” رئيساً للوزراء .
• قبل صدور المراسيم الجمهورية، عقد المكتب القيادي للمؤتمر الوطني اجتماعاً مهماً لإجازة مقترحات الرئيس بحل الحكومة، واختيار رئيس وزراء، واعتماد المرشحين لمناصب الوزراء ووزراء الدولة.
• بُعيد منتصف الليل ، خرج نائب رئيس الحزب الدكتور “فيصل حسن إبراهيم” ليعلن للصحفيين ومراسلي التلفزة المحلية والأجنبية من مقر الحزب الحاكم بشارع أفريقيا ، اعتماد المكتب القيادي لـ”معتز موسى” رئيساً للوزراء ، مع استمرار الفريق أول”بكري حسن صالح” في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية . وتلا “فيصل” أسماء الوزراء المرشحين على عجل ، وبدا مرهقاً ومضطرباً وهو يواجه الكاميرات ليقدم تلخيصاً لقرارات المكتب القيادي . كان مفاجئاً للجميع ذكر اسم دكتور “عبدالله حمدوك” وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني !!
• لم يكن أحد من الصحفيين الواقفين أمام “فيصل” يعرف شيئاً عن “حمدوك” ، كما لم يسمع اسمه معظم رؤساء التحرير القابعين في المكاتب أو البيوت ينتظرون بفارغ الصبر إعلان تشكيلة (حكومة الفرج) التي ربما تفلح في إصلاح ما أفسدته حكومة (بكري – مبارك الفاضل – الركابي)، وقد كان هذا الثلاثي مسؤولاً بصورة مباشرة عن ميزانية 2018م الكارثية التي مثّلت بداية انهيار النظام .
• دار نقاش داخل اجتماع المكتب القيادي حول ترشيح السكرتير التنفيذي السابق للمجلس الاقتصادي للأمم المتحدة بأفريقيا ومقره “أديس أبابا” وزيراً للمالية ، وكان “البشير” قد طرح اسم “حمدوك” مشيراً إلى خلفيته الأكاديمية وخبراته الدولية. وذكرت لي مصادر متطابقة أن وزيرة الرعاية الاجتماعية الأسبق السيدة “أميرة الفاضل” التي تعمل مفوضة للشؤون الاجتماعية بالاتحاد الأفريقي هي من رشح “حمدوك” للرئيس “البشير” ورئيس الوزراء “معتز” ، باعتباره كفاءة اقتصادية يمكنها المساعدة في علاج أزمة السودان الاقتصادية التي بدأت مؤشراتها في التصاعد مع مطلع العام 2018م .
• ويبدو أن صداقةً نشأت حديثاً بين أسرتي “أميرة الفاضل” وزوجها سفير السودان لدى إثيوبيا “الصادق بخيت” وأسرة الموظف الأممي الدكتور “حمدوك”، وقد توثقت الصلات الحميمة في كنف مدينة الدفء والحنان ، فتلاشت الولاءات السياسية بين (الأخ وزوجته الأخت المسلمة) و(الشيوعي السابق) في غُربةٍ مخملية بطعم القهوة الحبشية تحت رزاز المطر الفاتر !!
• في اجتماع المكتب القيادي الذي تحمس فيه “البشير” و”فيصل” لترشيح “حمدوك”، تحفظ عضو المكتب الدكتور”نافع علي نافع” على ترشيح “حمدوك” وإعلانه ، وقال في مداخلته :(انتوا يا جماعة .. “حمدوك” دا وافق ليكم..لأنو حسب معلوماتي الرجل دا شيوعي؟!) فرد “فيصل” بأنه وافق مبدئياً ، وقد عزا البعض في الحزب لاحقاً حماس “فيصل” لترشيح”حمدوك” إلى منطلقات جهوية ، وأن الرجلين من “كردفان” وليس إلا !
• غير أن “نافع” أصر على موقفه وقال في الاجتماع :(حقو الناس تتريث قبل إعلان اسمه) ، لكن الاجتماع لم يأبه لكلام “نافع” ما دام الرئيس موافقاً وكذا نائبه في الحزب، فأعلن”فيصل” اسم “حمدوك” وزيراً للمالية ، ولم يبال !
• اعتذر “حمدوك” عن المنصب بعد يومين، بخطاب رقيق موجه إلى رئيس الجمهورية السابق ، حدد فيه أسباباً خاصة اضطرته للاعتذار ، ولم يشر لموقف سياسي، وشكر “البشير” على ثقته فيه .
• في ظل حالة الارتباك السياسي التي كانت تضرب الدولة في تلك الفترة ، خاصة بعد اعتذار عدد من المرشحين للوزارات أبرزهم المرشح لمقعد وزير الدولة للخارجية السفير “عمر مانيس”، احتفظ “معتز موسى” بحقيبتي رئيس الوزراء ووزير المالية !! وأخذ بعض حارقي البخور لرئيس الحكومة الجديد يبررون لاحتفاظه بالمنصبين ، باستدعاء نماذج من التاريخ ، منها جمع الرئيس الأسبق “جعفر نميري” بين رئاسة الجمهورية ووزارة المالية لبضعة شهور في سبعينيات القرن الماضي !!
• وكما كان متوقعاً .. فشل “معتز” بخبراته المحدودة وتجاربه الإدارية المحصورة في ملف تخطيط وتمويل “سد مروي” في إصلاح ما أفسده سابقوه ، فزاد الطين بلة ، وأطلت أزمة السيولة النقدية في البنوك بشكل غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث !! وتحولت المصارف وصرافاتها الآلية إلى خرابات .. خاوية خزائنها من جنيه !!

• نواصل غداً .

Post: #49
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 04-14-2020, 11:10 AM
Parent: #48

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (29)

قبيل تعيين “معتز موسى” رئيساً للوزراء بأيام ، راجت معلومات انتشرت على نطاق واسع عن اتجاه “البشير” للدفع بالدكتور “عوض أحمد الجاز” لمنصب رئيس الحكومة خلفاً للجنرال “بكري حسن صالح” ، وليته فعل !

يتمتع دكتور “الجاز” بخبرات تنفيذية عالية، وقدرات هائلة على المتابعة والإنجاز، مع همة لا تفتر مع تقدم العمر ورهق السنين . ويكفي الرجل فخراً ورصيداً في سجلات الإنجاز على مرّ الحكومات الوطنية منذ الاستقلال المجيد في يناير 1956م ، أنه مُفجِّر ثورة البترول السوداني، وصاحب امتياز أهم مشروع اقتصادي نقل بلادنا من خانة الاستهلاك إلى قائمة الدول المصدِّرة للنفط ، بشراكة ذكية مع جمهورية “الصين”، ابتداءً من نهاية العام 1999م إلى العام 2011م ، تاريخ انفصال جنوب السودان، والتحاقها بنادي الدول الفاشلة، رغم حيازتها لثلثي بترول “عوض الجاز” الذي سهر وشقي عليه عشر سنوات طويلة، قبل أن يأتي مناديب الولايات المتحدة الأمريكية و(الماسونية) العالمية، تحت ستار (اتفاقية السلام الشامل)، لينسفوا بنيان دولة البترول الناهضة، ويحيلوا ورثتها (السودان وجنوب السودان) إلى دولتين فقيرتين فاشلتين!!

كان الرئيس”البشير” قاب قوسين أو أدنى من تعيين “عوض الجاز” رئيساً للوزراء، وذكرت لي مصادر قريبة من (القصر) أن الرئيس ألمح له بذلك قبل يوم واحد من اجتماع المكتب القيادي المخصص لتعديل الحكومة.

غير أن معلومة مفخخة طارت إلى الرئيس في لحظة فاصلة، حملت إليه بخبث تفاصيل تفاهمات جرت بين “الجاز” ومدير جهاز الأمن”صلاح قوش” ورئيس القطاع السياسي للحزب “عبدالرحمن الخضر” للعمل على دعم ترشيح “الجاز” لرئاسة الوزراء، فانقلب “البشير” من موقفه الأول بزاوية (180) درجة، وغضب لما بلغه من تكتل يحمل ملامح (قبلية)، فالثلاثة المذكورون ينحدرون إلى مناطق “الشايقية” بالولاية الشمالية!

أفسد أحد رجال الرئيس كل ترتيبات (إعادة الروح) إلى حكومة في مهب الريح، فقدت قدرتها تماماً على معالجة الأزمة الاقتصادية المستفحلة يوماً بعد يوم، وبدأت ملامح انهيار الدولة تلوح على الأفق، وكان لابد من رجل دولة قوي يحيي الأمل في نفوس الملايين المُحبَطة، ولم يكن في كنانة المؤتمر الوطني غير “عوض الجاز” يقوم مقام رجل (الإنقاذ)، أولاً : لشخصيته الإدارية الصارمة، ثانياً : لخبرته في قطاع النفط، ثالثاً : لعلاقته الوثيقة والعميقة بالقيادة الصينية التي تثق فيه وتفضل التعامل معه، وكان مأمولاً دخولها معه في شراكات اقتصادية جديدة بعد الشراكة الأولى الناجحة في مشروع البترول، لانتشال السودان من وهدته الثانية !

لجأ الرئيس إلى (الخطة ب)، وقدّم المرشح الثاني من (قائمة الثقة) وزير الموارد المائية والكهرباء “معتز موسى”، وهو من أسرة الرئيس من قرية “صراصر” بولاية الجزيرة.

كان واضحاً خلال سنوات حكم “البشير” الأخيرة، أنه كان يميل إلى ترفيع أصحاب (الولاء الشخصي) له، على مرشحي الحزب والحركة الإسلامية ، كما أنه أكثر من إبعاد (النجوم) أصحاب النفوذ و(الكاريزما) وجمع إليه شلةً من الضِعاف بشخصيات باهتة، وكان أبرز نموذج تجلت فيه هذه الحالة، مضايقة الرئيس المستمرة لوزير الخارجية الأسبق البروفيسور “إبراهيم غندور”، لما نُقِل إليه من أصحاب الغرض بأن “غندور” يطمح إلى كرسي رئاسة الجمهورية !! ورغم أن الرجل نفى للإعلام رغبته في الرئاسة أكثر من مرة، إلاّ أن “البشير” لم ينس تلك (القوالة)، فعمد إلى توزيع ملفات الخارجية على لجنة برئاسة “عوض الجاز” للإشراف على العلاقات مع دول(BRICS) ، البريكس، وهي البرازيل،روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا، وتعتبر أسرع دول العالم نماءً اقتصادياً . وإذا لم يكن وزير الخارجية مسؤولاً عن تطوير العلاقات مع دول عظمى مثل روسيا والصين ، فما هي أهمية الوزارة، وهل ينحصر دور الوزير في تنمية العلاقات مع تشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى ، علماً بأن ملف العلاقة مع دول (الخليج) يتبع للرئيس ومدير مكتبه!!

لم يكن مفيداً للدولة ولا للدكتور”عوض الجاز” أن يرأس لجنة بدرجة مساعد رئيس ، تتنازع سلطات وملفات مجلس الوزراء ووزارة الخارجية ، وقد كان هذا أحد أخطاء الرئيس السابق الفادحة.

لم يستطع “الجاز” أن يعمل بحرية في لجنة “البريكس”، وفي ذات الوقت أثار نقل الملفات من الخارجية إلى اللجنة غضب الوزير “غندور”، وكان من حقه أن يغضب وأن يرفض إدارة السفراء من وراء ظهره .

وغير نقل الملفات المهمة إلى لجنة “البريكس”، فإن رئاسة الجمهورية مارست تضييقاً مالياً على وزارة الخارجية، فتأخرت مرتبات السفارات لستة أشهر، ما اضطر الوزير إلى مخاطبة البرلمان في جلسة علنية عن الحالة المتردية التي تعاني منها سفارات السودان بالخارج، لدرجة أن بعض السفراء طلب من الوزير السماح لهم بالعودة إلى السودان، بسبب العجز عن الوفاء بالمتطلبات المعيشية في تلك الدول.

أعفى الرئيس وزير الخارجية “غندور”، بسبب خطابه (المُتعمد) أمام البرلمان، وفي ذات الوقت لم يُعيِّن “عوض الجاز” رئيساً للوزراء، فمضى إلى حتفه المحتوم ، يقود سفينةً مثقوبة في بحر لُجيٍ متلاطم الأمواج .





نواصل غداً






Post: #50
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 04-14-2020, 11:12 AM
Parent: #49

Quote: شهادتي لله
آخر سنوات “البشير” (30)

تصعيد “البشير” لأصحاب (الولاء الشخصي) له، تجلى في تعيينه “معتز موسى” رئيساً للوزراء، وهو أحد أفراد أسرته، رغم انتمائه الجاد في سن مبكرة لتنظيم الحركة الإسلامية ، كما ظهر في اختيار “فيصل حسن إبراهيم” نائباً لرئيس الحزب، بعد خلافه مع مجموعة دكتور “نافع” وهي تمثل التيار الأكبر داخل الحزب. وفي وقت لاحق ، وأثناء اندلاع ثورة ديسمبر ، دفع الرئيس بأحد المخلصين له والمختلفين باستمرار مع قيادة الحزب، وهو والي الجزيرة “محمد طاهر أيلا” لمنصب رئيس الوزراء، وسط دهشة الكثيرين داخل وخارج المؤتمر الوطني .
انطلقت شرارة الاحتجاجات الشعبية على تردي الأوضاع الاقتصادية من مدينة “الدمازين” في أقصى الجنوب يوم (13) ديسمبر، وقادها تلاميذ المدارس لعدم توفر الخبز لوجبة الإفطار ثم انتقلت الاحتجاجات بسبب الخبز أيضاً إلى “عطبرة” و”بورتسودان” بعد أن قرر الوالي في كل من نهر النيل والبحر الأحمر رفع سعر الرغيفة إلى جنيهين! وكانت أزمة الخبز قد ضربت كل مدن البلاد بما فيها العاصمة “الخرطوم” ، فأطاحت الأزمات الثلاث (الوقود ، السيولة والخبز) مع توالي ارتفاع الدولار مقابل الجنيه بحكومة “معتز موسى” .
تدخل جهاز الأمن والمخابرات بقيادة الفريق أول “صلاح قوش” بطلب من الرئيس في متابعة ملفات الأزمة الاقتصادية (الدقيق ، السيولة والوقود)، وبينما بذل “معتز” مجهوداً كبيراً في السعي لحل الأزمة، بالتواصل اليومي مع محافظ بنك السودان “محمد خير الزبير” الذي جيء به مرة أخرى محافظاً للبنك المركزي في محاولة للاستفادة من خبراته الطويلة، إلاّ أن “معتز” كان يعمل وحده، ويرهق نفسه في زيارات ميدانية لإدارة المخزون الاستراتيجي للوقوف على موقف احتياطي القمح، وصندوق الإمدادات الطبية للاطمئنان على وضع الدواء، ومصفاة الجيلي للتعرف على كميات الإنتاج من البنزين والجازولين والغاز، كما زار عدداً من الصرافات الآلية في الخرطوم للتأكد من توفر النقد في بطونها ، وغالباً لم يكن يجد نقداً !!
كان “معتز” يقود حكومة ضعيفة ، اختارها بنفسه بحيث لا تضم (ماكينات كبيرة) ولا نجوماً معروفة، حكومة سقفها في الخبرة والنجومية الشاب “معتز”، فكان مفهوماً أن تتعثر .
بالمقابل، لم يكن واضحاً للمراقبين أن جهاز الأمن كان يساعد “معتز” في إنجاح مهمته لتجاوز الأزمات والعبور بالبلاد إلى بر الأمان !
كان دور الجهاز غامضاً ، فرغم تولي أفراده مسؤولية الرقابة على محطات الوقود ومطاحن الدقيق والمخابز في العاصمة والولايات ،إلاّ أن تقارير مؤكدة كانت تشير إلى استمرار تسرب الوقود من الشركات ومحطات الخدمة إلى السوق السوداء، بالتزامن مع بيع حصص دقيق المخابز إلى مصانع البسكويت والمكرونة والشعيرية !!
بدا أن هناك أيادٍ خفية كانت تعطل عمل “معتز” ، وتتقاطع معه في إدارة الجهاز التنفيذي للدولة، وسرت في تلك الأيام معلومات عن خلافات بين “قوش” و”معتز” ، فاضطر الأخير إلى نفيها في أجهزة الإعلام !
كان صخب الثورة يتصاعد في شوارع الخرطوم، ورئيس الحكومة عاجز عن فعل شيء في مواجهة سيل الأزمات المتلاطم ، وعاجز كذلك عن مساعدة (خاله) رئيس الجمهورية في تقديم مقترحات عملية لاحتواء حالة الانفجار السياسي بالتواصل مع قادة المعارضة .
في تلك الأثناء.. كان “قوش” يفتح مساراً آخر نحو التغيير ، يتجاوز حكومة الدبلوماسي البريء “معتز موسى” الذي تاه في زحام الصراع الساخن ، ولم يجد (الكرة) ليسدد بها هدفاً في مرمى الأزمات !
لقد أخفى “قوش” الكرة عن الرئيس وعن قريبه المتحمس رئيس الوزراء !!

نواصل غداً .

Post: #51
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 04-14-2020, 11:36 AM
Parent: #50

يتواصل السرد من الهندي
والملاحظ حتى اللحظة انه لم يتعرض في سلسلة مقالاته لحميدتي وقوات الدعم السريع التي برز نجمها ونجم قائدها حميدتي في سنوات البشير الاخيرة ولم يتناول حيثيات انقلاب السحر على الساحر..
لم يتناول الهندي مطلقاً كذلك القوات النظامية وفي مقدمتها الجيش والشرطة وتأثيرات..
يركز الهندي جداً على الحزب والصف الثاني من رجال البشير الذين وللحقيقة عجلوا بقصم ظهره بهذه الطريقة الدراماتيكية المذلة التي انهار بها النظام الكرتوني أبريل الماضي.

Post: #52
Title: Re: الهندي عز الدين .. آخر سنوات البشير.
Author: ناذر محمد الخليفة
Date: 04-15-2020, 09:47 PM
Parent: #1