العون الإنساني بين الضرورة والتسييس!! كتبه د. أحمد عثمان عمر

العون الإنساني بين الضرورة والتسييس!! كتبه د. أحمد عثمان عمر


04-19-2024, 12:22 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1713525779&rn=0


Post: #1
Title: العون الإنساني بين الضرورة والتسييس!! كتبه د. أحمد عثمان عمر
Author: د.أحمد عثمان عمر
Date: 04-19-2024, 12:22 PM

12:22 PM April, 19 2024

سودانيز اون لاين
د.أحمد عثمان عمر-الدوحة-قطر
مكتبتى
رابط مختصر





(١)
معركة سياسية وإعلامية شرسة تدور حول مؤتمر العون الإنساني الذي إنعقد في باريس، في حد ذاتها تؤكد أهمية المؤتمر المذكور، الذي جاء متأخرا بعد عام كامل من إندلاع الحرب. ولا شك في أن مجرد إنعقاده أمر إيجابي ومطلوب ، ناهيك عن نجاحه في جمع أموال ضرورية جدا لإغاثة أهلنا الطيبين الذين يعانون من ويلات الحرب اللعينة. لذلك لا الصياح ولا الحملات الإعلامية ولا التخوين، من الممكن أن تخفي ما هو إيجابي ومفيد لشعبنا ويستحق الإشادة والتأييد. لكن الإيجابي أيضا ، لا يمكن أن يخفي ما هو سلبي ومؤثر بصورة فاعلة على شعبنا وراهنه ومستقبله. فالمعلوم أن العون الإنساني الذي تقدمه الدول لا تقدمه بإعتبارها مؤسسات خيرية، بل يأتي من مواقعها كمؤسسات سياسية لها مصالح ومشاريع تحمي هذه المصالح حتماً. ومؤتمر العون الأنساني في باريس ليس استثناءا بكل تأكيد.
(٢)
فالناظر للبعد السياسي للمؤتمر، يستطيع أن يرصد بوضوح ما يلي:
أ. لم تتم دعوة حكومة الأمر الواقع الناشئة عن إنقلاب أكتوبر وعن إنقسام قواه لتشكل طرفي الحرب الراهنة. وعدم الدعوة أمر محق بناءا على موقف الدول المنظمة للمؤتمر ورفضها للإنقلاب ولشرعنة السلطة التي إنبثقت عنه. واحتجاج حكومة الأمر الواقع التابعة للقوات المسلحة المختطفة من قبل الحركة الإسلامية، وصراخ إعلامييها، لن يغير من حقيقة أن الدول المنظمة لا تعترف بهذه الحكومة ولن تدعوها لفعالياتها. والغريب ان هذا الإحتجاج والصراخ، يعلو بالرغم من مشاركة مفوضة العون الإنساني لهذه الحكومة في المؤتمر الذي لم يتم دعوة الحكومة له.
ب. أن المؤتمر تم تجييره لترفيع قوى سياسية بعينها هي مجموعة "تقدم" أو "قحت الموسعة"، وتقديمها بإعتبارها القوى المدنية التي تمثل شعب السودان. ولا يغير من هذا شيئا دعوة أفراد مستقلين أو شخصيات عامة، في ظل إقصاء متعمد لقوى التغيير الجذري، وإنحياز فاضح لقوى التسوية وشراكات الدم المدعومة من المجتمع الدولي. ولا يفوت على فطنة الراصد سكوت الجنجويد عن الهجوم على المؤتمر الذي رفع قوى سياسية موقعة على إعلان أديس أبابا معهم، في ظل إجتماعات الجنجويد السرية مع السلطات البريطانية التي تم الكشف عنها مؤخرا.
ومفاد ما تقدم هو أن المؤتمر لم يكن للعون الإنساني وفي حياد تام في الجانب السياسي، بل كان لديه موقفا سياسيا واضحا رافضا لحكومة الأمر الواقع ، ومرفعا للتيار التسووي ومقصيا لتيار التغيير الجذري المتمسك بثورة ديسمبر العظيمة، وهو يعتبر مؤشراً مع أمور أخرى لإتجاهات التسوية التي مازالت تتقدم.
(٣)
فبالأخذ في الإعتبار أن العون الإنساني من المستحيل فصله عن بعده السياسي ، ومن الصعب منع تسييسه، تصبح هناك ضرورة في قراءة فعالياته في سياق معطيات الصراع السياسي وخارطته. والمعطى الرئيس في السياسة السودانية الآن هو الحرب اللعينة المفروضة من قبل فئات الرأسمالية الطفيلية الموزعة بين سلطة الأمر الواقع والجنجويد. والنشاط الرئيس هو محاولات وقف الحرب من قبل المجتمع الدولي عبر منبر جدة المتوقع عودة إنعقاده خلال ثلاثة أسابيع وما تبعه من مفاوضات في المنامة، وحراك الطرفين عسكريا وسياسيا لتحسين موقفهم التفاوضي، مع حراك " تقدم" أو "قحت" الموسعة لتصبح جزءا من التسوية بدعم دولي، وإضعاف مستمر لقوى التغيير الجذري من قبل الطرفين المتحاربين عبر حملات الاعتقالات والضغط المستمر بأشكال متعددة. وقراءة فعاليات المؤتمر الإنساني، في ظل تصريحات السفيرة الأمريكية قبله بأيام عن ضرورة تحرك مجلس الأمن لإدخال المساعدات الإنسانية لدارفور إذا لم تتراجع القوات السودانية، تحتم القول بأن العون الإنساني لن يستخدم لترفيع قوى سياسية بعينها وفرضها كشريك في التسوية، بل سيكون مدخلا لرفع العصا الغليظة في وجه حكومة الأمر الواقع وربما الجنجويد معها. فالتلويح بتدخل مجلس الأمن في إطار المساعدات الإنسانية، يعني أن هذه المساعدات ستكون رافعة للعقوبات وربما التدخل العسكري تحت البند السابع لاحقاً. وهذا ما إنتبه له بحق أحد أصوات الحركة الإسلامية الحاكمة في سياق تحذيره من مترتبات مؤتمر باريس الذي يمكن أن يكون مقدمة لها ما بعدها بالفعل. فقط يجب فهم أن المؤتمر لم يكن معزولا بل استبقته تصريحات أمريكية، وواكبته تحضيرات لعودة منبر جدة، مع تصريحات من القيادة المختطفة للجيش ضد كتائب الإسلاميين ، وتصعيد للعمليات العسكرية دون حسم، وهجمة أمنية شرسة على قوى التغيير الجذري، لنصل إلى نتيجة أن كل ذلك عمل تحضيري للتسوية القادمة التي يجب العمل على إسقاطها وإسقاط سلطتها منذ الآن.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
١٩/٤/٢٠٢٤