أولاد شوارع .. ! بقلم:هيثم الفضل

أولاد شوارع .. ! بقلم:هيثم الفضل


09-09-2021, 04:34 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1631158496&rn=0


Post: #1
Title: أولاد شوارع .. ! بقلم:هيثم الفضل
Author: هيثم الفضل
Date: 09-09-2021, 04:34 AM

03:34 AM September, 09 2021

سودانيز اون لاين
هيثم الفضل-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر



صحيفة الجريدة

سفينة بَـــوْح –



الحقيقة التي لا مناص من قولها ولا يستحي من قولها جيلنا نحن الذين تجاوزنا منتصف الأربعينات والخمسينات والستين ، أن الشارع السوداني الأصيل في زماننا ذاك قد أسهم مساهمة بارزة في تربيتنا وتأصيل سلوكياتنا القويمة تجاه العديد من القضايا التي تربطنا بالمجتمع و تفاعلاتنا معها ، ففي ذلك الزمان الخصيب من حيث الأخلاق والقيَّم والمُثل الراقية ، كان الشارع آمناً ومُكتظاً بالوُعاظ والمُربين ، حتى أن أمهاتنا كُن إذا بالغنا في الصخب والإزعاج و(الشيطنة) ينهرننا بغلظة ويقُلن بكل إطمئنان (أطلع ألعب في الشارع) ، ففي شارع ذلك الزمان كان الرجال والنساء من المارة الذين هم في سن آبائنا وأمهاتنا لا يتورعون في حال أن بدر منك الخطأ الجسيم عن تعنيفك وأحياناً ضربك وتأديبك ، هكذا بكل بساطة وأريحية ، ولم يكن أحداً منا يُفكر مجرد تفكير في بث شكواه لوالده أو والدته ، لأن النتيجة كانت بالتأكيد ستكون عكسية ولن تخرج عن معاودة العقاب لأنهم أيي والديك كانوا دائما على ثقة بأن ما من شخص في عمر والدك قام بتعنيفك أو معاقبتك في الشارع إلا لديه من الأسباب المنطقية التي تدعوه لفعل ذلك وبالتاكيد في مقدمتها إنحيازه المُطلق إلى سلامتك ومصلحتك ، وعلى ما يبدو أن الناس في ذلك الزمان كانت (فايقة) و مُستبشره ومتفائله ، إذ كانت الهموم بسيطة وعلى قدر حاجة العقول والأفئدة التي كانت مُضمَّخه بالوُد المبدئي والتعاضد الإجتماعي والإلفة الأسرية بمعناها العام ، أقول هذا الكلام وأنا أنظر إلى شارع اليوم الذي أصبحنا فيه نخاف على أطفالنا من أهواله ومصائبة التي تترى أخبارها كل يوم في الصحف ووسائط النشر الإلكتروني ، إغتصاب الأطفال إناثاً و ذكوراً وهم في سن مبكرة والتحرش بهم في المدارس والدكانين وخلاوي تحفيظ القرآن ، ثم الخطف وما ينتشر من شائعات متعلٍّقة ببيع الأعضاء هذا فضلاً عن مخاطر الإكتظاظ المروري وإستباحة الرقشات للساحات والأزقة الداخلية للأحياء بالقدر الذي جعل من أمر تواجد الأطفال بالشارع يمثل خطراً على حياتهم ، وفي ذلك إنعكاس كبير على التكوين النفسي والعقلي والجسدي للطفل ، إذ أن معظم تجاربه القيَّمية خصوصاً تلك المُتعلِّقة بالأخلاقيات والواجبات والحقوق الإجتماعية ستصبح مجرد نظريات وحبر على ورق ، أو نصائح شفويه يتلقاها الطفل من أفواه أبويه أو عبر المسلسلات والبرامج التي تبثها الفضائيات ، فعلى سبيل المثال عندما كان الشارع في زماننا آمناً مارسنا فعلياً فضيلة مساعدة المكفوف على قطع الطريق ، ومارسنا فعلياً التحلي بفضيلة الأمانة إذا ما وجدنا مالاً أو شيئاً ذو قيمة مُلقىً على الطريق ، وفضيلة إحترام الأكبر سناً وتوقيره وإعطاءه الأولويه في المتاجر والأسواق والمرور في الطريق ، أين يجد أطفالنا مثل هذه التجارب العملية لممارسة الفضائل والأخلاق الحميدة ونحن إضطراراً نسجنهم داخل البيوت والشقق شأنهم شأن أولاد المغتربين خوفاً عليهم من مخاطر الشارع ، ما حدث للشارع السوداني من تداعيات سلبيه أودت بأمنه وحميميته وأخرجته من دائرة البيئة الإجتماعية التي طالما أسهمت في بناء جوانب إيجابية كثيرة في شخصياتنا ، هو في حقيقية الأمر إنعكاس طبيعي لحالة الفساد السياسي والثقافي الذي فرضه طغيان النظام البائد منذ العام 89 وإلى يومنا هذا ، فما حدث من إنهيار أخلاقي وإقتصادي جعل الباب مُشرعاً أمام الشريحة الأكثر تأثراً وتضرراً من الحروب الإقليمية والفساد الإداري والمالي وتفشي المحسوبية وإتساع دائرة العطالة ورقعة الفاقد التربوي نتاج الفقر وإنفلات عقد الأسرة ، يصبحون بين ليلة وضحاها مُهدِّداً أمنياً إجتماعياً يتخذ من الشارع العام ساحةً للجريمة وإنفراط السلم والأمن وتداول المخدرات، فضلاً عن تراجع و إنهزام القيَّم والأخلاقيات الفاضلة ، يا هؤلاء أعيدوا لنا شوارعنا مثل ما كانت.

<أولاد شوارع.docx>
<هيثم الفضل - Copy.jpg>