يوليو الناصريه ـ تراجيديا الثورة التي لم تكن ..المنظور السوداني بقلم:عبد العزيز حسين الصاوي

يوليو الناصريه ـ تراجيديا الثورة التي لم تكن ..المنظور السوداني بقلم:عبد العزيز حسين الصاوي


07-23-2021, 06:06 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1627059995&rn=0


Post: #1
Title: يوليو الناصريه ـ تراجيديا الثورة التي لم تكن ..المنظور السوداني بقلم:عبد العزيز حسين الصاوي
Author: عبد العزيز الصاوي
Date: 07-23-2021, 06:06 PM

05:06 PM July, 23 2021

سودانيز اون لاين
عبد العزيز الصاوي-UK
مكتبتى
رابط مختصر





23يوليو 1952 تاريخ ال( ثورة ) الام لسلسلة نماذج تغيير الواقع الموروث من تركيبة الاستعمار – القوي النقليديه، كانت ( ثورة ) مايو 69 في منشأها هي النموذج السوداني، مع نماذج عراقية وليبية وسورية ويمينيةالخ .. الخ ....عبر دروب متعدده جميع هذه النماذج انتهت الى مآسي عميقة الغور، عمقا وزمنا، وهي تستهدف تأسيس انظمة اشتراكية دون ديموقراطية لاتكون مستحقة لهذا الاسم إلا إذا توفرت لها بنية تحتية من التنوير = تحرير العقل . المقال أدناه يحلل ، ماوسعه ، هذه الموضوعة من خلال نموذج الثوره- الام التي تبقي راهنة بالنسبة لنا ونحن نخوض تجربة ثالثه تستهدف تأسيس ديموقراطية مستدامة دون توفير تلك البنية.
تسهيلا لادراك مايرمي اليه هذه المقال يلزم التوضيح التالي : إذا قبلنا ان الثورة تعني التغيير الشامل والجذري فأن هذا يشترط إستدامته بما لايستبعد احتمال الاخفاق ولكنه انتكاس، إخفاق غير تراجعي، خطوة الى الخلف من اجل خطوتين الى الامام. هذا يشترط بدوره الديموقراطية ضمانا لتجاوز الخلل بسلامة تشخيصه من خلال الشفافية وتعدد الاراء وايضا، لانتفاء ظروف تحرير العقل الاوروبي عندنا، وسيلة وحيدة لأعادة تكوين العقل العام بحيث يكتسب الاستقلالية والنزوع النقدي الضروريين لتحصينه ضد المخارج الخلاصية والتواكلية. الثورة، إذن، عملية تغيير مستمرة عماداها الديموقراطية وحرية العقل.
بهذا المعني الناصرية كانت مشروع ثورة مضادة بالضبط لان الإنجازات التي خلعت عليها صفة الثورة في الاستخدام العشوائي الساري لهذ المصطلح حرمتها من استيفاء شروطه الجوهرية بالمعني المستخدم هنا .الجلاء، التصنيع، مجانية التعليم، الاصلاح الزراعي الخ.. الخ.. قابَلها الانجاز المضاد المتمثل في تصفية عناصر التنوير والعقلانية، البيئة الحاضنة للديموقراطية، التي ترسبت في التجربة المصرية التاريخية منذ الحملة الفرنسية وعهد محمد علي وظهرت تجلياتها في عصر الافغاني- عبده ثم في العصر المواكب زمنيا لنشوء حركة الضباط الاحرار لدي شخصيات مثل طه حسين ولطفي السيد. إيقاف المسار الديموقراطي في يوليو 52 ثم إلغاؤه، بدلا من تنمية عوامل تصحيحه خلق الاوضاع التي أدت لوقوع العقل المديني، القائد الفعلي لمسيرة المجتمع والنهضه، فريسة تخلف الوعي العام واللاستناره. تمظهر ذلك في تجذر الاسلام السياسي الاخواني ووليده الشرعي التكفيري في شرايين وخلايا مجتمع بناء الصناعه الحربيه والمدنيه والسد العالي وحزب الملايين الواحد ليظهر بشقيه كأكبر قوة سياسيه في انتخابات عام 2012 المفتوحة بديلا لخلفاء النظام القابض بهيبة الزعيم مثلما بقهر أجهزة دولته.
علي أن هذا المسار اليوليوي لم يكن اختياريا فقيادة عبد الناصر كان محكوما عليها بالتحول الى أداة لنقض أحلامها النبيلة ووعودها الصادقة ذاتيا، وهنا تكمن التراجيديا. حينذاك الديموقراطية كانت قرينة الاستعمار الغربي الرابض علي الارض المصرية، وممثلوها الوفديون يترنحون من ورطة تشويهية لاخرى فيما يبدو إإتماراً بأمر الملك والاحتلال بينما البنية الايدولوجية للنخب المرشحة بديلا للنخب التقليدية التي أسقط الضباط الاحرار سلطتها، كانت متنافية مع الديموقراطية يمينا ويسارا. من الناحية الاخري كان نجم تيار الاشتراكية اللاديموقرطية يتلألأ خلاباً في أرجاء الكون، أنظمة فتية بقيادة الاتحاد السوفيتي تشيد المدينة الفاضلة بنهج علمي ولاتبخل بالدعم للعالم الثالث. وفوق كل ذلك، وأكثر مضاء في استبعاد الديموقراطية عن مجال النظر والاعتبار، كان أرتفاع الزعامة الناصرية وسياساتها فوق النقد علي روافع جاذبيتها الشعبية الشاهقة بمميزات عبد الناصر الشخصية وتلك المكتسبة من الانجازات المادية السريعة لنظامه ومن تجاوبه مع طموحات التنمية والوحدة العربية ومقارعة النفوذ الامريكي السائدة وقتها. وفي القوة الاستثنائية للاعلام المصري عهد ذاك بالمقارنة لغيره، مسموعا ومرئيا ومقروء، ، فضلا عن تقدم صناعة السينما وشعبية المطربين/ات المصريين، تضاعف تأثير هذه العوامل. التقاء هذه العوامل المتعددة والمتباينة رفع عبد الناصر الى مرتبة نصف الاله في الخيال الجمعي المصري والعربي التي تعززت طاقتها الترويضية للمثقفين بعدم اضطراره، في توفر هذا الرادع المعنوي، لاستخدام العنف العاري. كل هذا، مع الحضور الملموس للانجازات والمخابرات، الجزرة والعصا، أنشأ علاقة تناسب طردي بين تنامي هيبة الزعيم وتقلص مجالات الابداع والفكر النقدي وتاليا إمكانية تلافي مزالق النموذج الناصرى نحو اهتراء احشائه الداخلية بحيث تطلب الامر هزيمة مذلة وساحقة في ساحة حرب 1967 لتظهر علي الملأ مدي سطحية عملية التغيير الناصرية إذ بقي عمق المجتمع المصري علي ركوده، إن لم يكن قد ازداد تخثرا وتعفناً.
بيد ان هذا المصير الفاجع لأهم محاولات النهضة العربية بمقياس شعبيتها/ شعبويتها وتأثيرها خارج حدودها وليس الجذرية الحقيقية لإنجازاتها، لم يفلح في استئناف عصر النهضة الحقيقي من من نقطة الافغاني-عبده وخلفاؤهما لان الانتشارالتحتي للتدين الاجتماعي والسياسي التقليدي تحت أنف سلطة التغيير الناصرية وأجهزتها أفضي الى تمتين ركائز هذا التيار في العقل العام. بهذا المعني المحدد خدمت الناصرية الاسلاميين، وعطلت إمكانية النهضة الكيانية العميقة، حيث ارادت العكس. وسنجد في ظاهرة التماهي في المواقف السياسية خلال العقود الاخيرة بين الاسلاميين والقوميين، الناصريين أساسا ثم لحق بهم البعثيون، مايؤكد ذلك. وبقينا في انتظار عقد جديد في قرن جديد لتبزغ تيارات جديدة تولد معها احتمالات ربيع الاستنارة - الديموقراطية في مصر وغيرها. والخلاصة : في ظروف استحالة تكرار تجربة الاستنارة الاوروبية عربيا، الناصرية كانت ( الثورة ) الممكنة ولكن التقييم الموضوعي لميراثها يضعها في خانة الثورة المضادة.