يوليو أقسى الشهور طُرا بقلم:عبد الله علي إبراهيم

يوليو أقسى الشهور طُرا بقلم:عبد الله علي إبراهيم


07-18-2021, 05:01 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1626580899&rn=0


Post: #1
Title: يوليو أقسى الشهور طُرا بقلم:عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 07-18-2021, 05:01 AM

04:01 AM July, 18 2021

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر




Thepast is never dead. It's not even past.
William Faulkner

الماضي لا يندثر أبداً. إنه ليس ماضياً بعد (وليام فولكنر).

قال إليوت الشاعر الإنجليزي إن ابريل هو الشهر الأكثر قساوة. ولكن شهر أحزاننا نحن في اليسار هو يوليو الذي نحن فيه. ففي العشرة الأواخر منه في 1971 طال القتل صفوة حزبنا الشيوعي من الرجال الذين وصفتهم مرة بأنهم من اخترعوا "الشعب". كان قبلهم شتات في شيع وقبائل وطوائف وأحزاب فألف ما بينهم تأليفا في منظمات ديمقراطية غراء. ولم تقم لنا قائمة من يومها إلى تاريخه. وبلغ هذا التدهور حداً وصفه المؤرخ جبرائيل واربورق بإرتداد حزبنا بعد يوليو القاسي إلى "طفولة" ثانية. ولو لم يعلم الناس قاطبة بعد ما فقدوا في يوليو القاسي فلسوف يعلمون. وربما علموا.

أنا محزون بيوليو القاسي وواع. فما زلنا "نتبلغ" غصصه. ولكن يوليو ذهب ايضاً بحياة جماعة من ضباط القوات المسلحة أسرهم الانقلاب تحفظاً بزعم موالاتهم لنميري. وتلك مذبحة بيت الضيافة التي سار بذكرها الركبان. ولن يسلم الشيوعيون من ذنب هؤلاء الشهداء حتى لوصدقت رواية "الانقلاب الثالث الخفي" الذي سعى لتصفية الشيوعيين والمايويين معاً. فطالما كانوا في ذمة الضباط الشيوعيين يوم ماتوا، فهم في ذمتهم للأبد.

تبنيت منذ عقود دعوة لطي سجل انقلاب 19 يولي ومذبحة بتحر تاريخي يضع الأمر في نصابه. واقترحت لجنة مؤهلة للغرض. وقد أوحى لي بهذه الدعوة الأستاذ كمال الجزولى الذي كان تلقى رسائل في يوليو الماضي من الدكتور عثمان، ابن المرحوم العميد صالح أورتشي، ضحية قصر الضيافة، ومن أماني بنت الرائد فاروق حمد الله الذي أعدمه نظام نميري العائد في 22 يوليو 1971. فكلاهما يتيم معجل لأب طواه عنف السياسة المستفحل عندنا. ثم اتصل بي خلال عرضي لمشروعي بطي الصفحة الأستاذ عثمان ابن المقدم سيد أحمد حمودي، ضحية المذبحة، ووجدته في حال اليتم ذاته. فقد ساء الثلاثة أنه متى حلت ذكرى يوليو القاسي لم يظفروا بغير لجاج الاتهامات والاتهامات المضادة حول اغتيالات بيت الضيافة ومدافن الشهداء. ولم يجدوا في هذا التنابذ ما ينقع غلتهما للحقيقة. والعطش للحقيقة مر.

تأخر هذا المبحث عن حقيقة 19 يوليو ومترتباتها جداً. ومن حق ضحايا 19 يوليو جمعاء وأسرهم ألا نضيع دقيقة أخرى تأجيلاً. ولن تستكمل لهذه اللجنة عدة البحث مالم تفتح لها الدولة خزائن أوراقها والتمويل. فتضع تحت تصرفها كل وثائقها من حصيلة لجان التحقيق، ومضابط تحريات قسم القضاء العسكري. وسجلات المحاكم العسكرية الإيجازية. وأن تزودها بتسجيلات الإذاعة والتلفزيون، وقسم التصوير الفوتغرافي، وصحف تلك الأيام الصعبة. وأن تستمع للشهود الأحياء وكل راغب في الحديث للجنة في الشأن مباشرة أو بواسطة موقع على الشبكة العنكبوتية.

نريد بهذا أن "نقطع دابر" هذه الواقعة التي جعلت الخصوم أسرى رواياتهم الخاصة عنها يجترونها كل ما حلت الذكرى من يوليو. لقد تمكن منا هذا التظاهر بالتاريخ بدلاً عن الامتثال للتاريخ بشغل خبراء ينظرون إلى ما بعد هذه التظاهرات، ويركِّبونها، وينهون القطيعة بينها للاحاطة بهذا الحادث الجلل من جوانبه كلها. لا سبيل للدولة ألا أن تسارع بتكوين هذه اللجنة لتنجز شغلها بأعجل ما تيسر على شرف الذكرى الخمسين لها غداً. فمتى اتصل عمل اللجنة وأثمر سنجد أن الماضي الغشيم هو عدونا الأول. فثأرات الماضي الغفل هي التي تسد دروبنا إلى بعضنا البعض.