هبوطاً ناعماً وأممياً ..! بقلم:عبدالمنعم عثمان

هبوطاً ناعماً وأممياً ..! بقلم:عبدالمنعم عثمان


07-16-2021, 07:04 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1626458641&rn=0


Post: #1
Title: هبوطاً ناعماً وأممياً ..! بقلم:عبدالمنعم عثمان
Author: عبد المنعم عثمان
Date: 07-16-2021, 07:04 PM

06:04 PM July, 16 2021

سودانيز اون لاين
عبد المنعم عثمان-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




بنعومة الثعابين وخبثها ،استطاعت قوى الثورة المضادة فى الداخل والخارج نسج الهبوط الناعم بصورة تدعو للاعجاب والتعجب ! فقد بدأ الامر بمحاولات فرض الامر الواقع بتسييد العسكر وجنرالات المليشيات, ولكن قوى الثورة استطاعت ، وقتها والثورة فى اوجها ،أن تنتصر انتصارا جزئيا يعبر عن توازن القوى وقتها بين المنضمين اليها فى شوطها الاخير ومسانديهم من القوى الاقليمية والدولية ،ومن كانوا ولايزالون يدعون الى ثورة مكتملة الاركان تمهد لسودان جديد استمر سعيهم اليه منذ الاستقلال ومرورا بانتفاضتى اكتوبر وابريل . ولأن الانتصار كان جزئيا ، فقد جاء بالتحالف الاعرج بين قوى الانتفاضة والعسكر الذين ادعوا مساندة الثورة وبرهنت مواقفهم بعدها عكس ذلك . وأيضا لأنه كان جزئيا ، فهو لم ينه نوايا ومقاصد القوى الخارجية المساندة ، ولكنه فقط أدى الى تغيير التكتيكات المرحلية انتظارا للوقت والظرف المناسب للانقضاض من جديد !
تنوعت تلك التكتيكات داخليا وخارجيا ولكنها كانت دائما تلتقى عند نقطة اجهاض الثورة ، او بالاحرى ، فرملة سعيها لأكمال تنفيذ شعاراتها فى بناء السودان الجديد ، الذى ان حدث ، فستكون نتيجته الحتمية هى اجهاض احلام وتطلعات قوى الثورة المضادة فى الداخل والخارج . فقد بدأت تكتيكات الداخل بمحاولة الخنق المستمرة للجماهير فى اسباب عيشها اليومية ، ظنا منهم ان الجماهير قد خرجت فى ثورتها اساسا لتدهور الحال الاقتصادى والمعيشى ، وانها بالتالى ستثور ضد الحكومة الانتقالية لنفس الاسباب ! وقد خاب ظنهم . فبالرغم من وصول الاحوال المعيشية الى درجة مقارنتها بما كن قبل الثورة من سوء ، الاأن شعارات الثورة ظلت مرفوعة كما كانت : حرية وسلام وعدالة . واضيفت اليها شعارات أخرى من مثل " الجوع ولا الكيزان " ، وذلك تعبيرا عن وعى الثوار الذى خيب ظن الثورة المضادة . ومع ذلك فقد استطاع مسوقو الهبوط الناعم استغلال تلك الاوضاع المعيشية المتدهورة قصدا وعمدا لجذب الكثيرين من ممسكى منتصف العصاة ، وذلك بالاستعانة بالقوة المساندة فى الخارج لتوفير ماهو حق للانسان من لقمة العيش والوصول الى مكان عمله ورشوة الاسر بالبرنامج الذى يسند كل فرد بما يكفيه لشراء كيلو من اللحم شهريا او الوصول الى مكان عمله فى يومين متتاليين ! وقد تصل تلك المساعدات الخارجية حد انشاء بعض مشروعات البنية التحتية ، بل وتوفير لقمة العيش بأفضل مماكان على العهود السابقة، ولكن يبقى السؤال الذى كان دافعا لكتابة هذا المقال : هل من اجل هذا قامت الثورة وضحى شهداؤها منذ الثانى من يوليو 1989 وحتى التاسع عشر من ديسمبر 2019 ، بل وحتى الامس فى بورتسودان ؟! لقد ظل المسئولون فى السلطة الانتقالية يؤكدون لنا بأن الاحوال فى جميع المجالات ستعود ، ان شاء الله ، الى ماكانت عليه قبل الانقاذ وكأن هذا هو غاية المنى . ولعلى فى هذا ارى الفرق بين ماتسعى اليه ثورة ديسمبر – المتفردة – وماكان قبلها. وقد يقول قائل من مساندى نهج السياسات الجارية اصلا او تعبيرا عن عدم الوعى بمخاطر هذه المساندة على مستقبل البلاد ، قد يقول : وماذا يضر ان قبلنا هذه السياسات مؤقتا ،ثم انتقلنا من بعد الى تنفيذ شعارات الثورة وبناء السودان الجديد ؟!
وللاجابة بصورة مفصلة ، لابد منها لأيصال الفكرة بحذافيرها ، دعونا ننظر اولا فى ما ظللنا نصف به ثورة ديسمبر من الوعى والتفرد . وقد ذكرت فى كثير من مقالات سابقة الى ان ذلك التفرد ينبع من وعى الجماهير من خلال تجاربها فى اكتوبر وابريل ، حيث كان توازن القوى يسمح لقوى الثورة المضادة بالانتصار السريع والانتكاس بشعارات الثورة الى اوضاع ماقبلها ، بضرورة التمسك بتلك الشعارات مهما كلف الامر ، اذ انه يستحيل بغير ذلك بناء سودان جديد يقوم على شعارات الحرية والسلام والعدالة . فلقد كان مبدأ الحرية أول ما يعبث به بعد شهور قلائل من الانتكاس على شعارات الثورة . اليس هذا ما حدث بعد ثورة اكتوبر ، حيث جاءت الانتخابات المعبرة عن وجه من وجوه تلك الحرية بحكومة طردت نوابا منتخبين من نفس الجماهير التى اوصلت تلك الحكومة الى السلطة ، ولم يقف الامر عند هذا الحد بل ان نفس الحكومة رفضت حكم السلطة الثالثة فى الحكم الديموقراطى الحق ، الا وهى سلطة القضاء ! وفى ابريل : الم تتمكن قوي الاسلام السياسى من سرقة الثورة ومن خلال نفس الهيئات التn اعتمدت عليها ثورة اكتوبر ، وقد كان ذلك نتيجة لما قامت به مايو قبل سقوطها من اضعاف للقوى الثورية من احزاب يسارية ونقابات ، ومن تقوية للوجود الاسلاموي فى جميع مجالات السلطة والحياة ؟!ثم ماذا كانت النتيجة لكل هذا ؟ اليس استيلاء الجبهة القومية الاسلامية على كامل السلطة لمدة ثلاثين سنة ،مما أدى الى ارجاع البلاد لقرن كامل الى الخلف، بما جعل الكل يسعى اليوم الى الوصول الى ماكان عليه الحال قبلها ؟!
اذن فنحن لا نسعى الى قبول مايحدث الآن من سياسات نعلم انها لن تؤدى ، بحسب تجاربنا خلال سنوات مابعد الاستقلال وتجارب آخرين ، الا الى استمرار الحال على ماكان عليه على احسن الفروض فى عهود ماقبل الانقاذ . ونكون فى هذه الحالة وكأننا يابدر لارحنا ولاجينا ، اذ اننا لن نكون قد فعلنا بذلك غير العودة الى مربع الدائرة الشريرة ! ان تفرد ثورة ديسمبر يأتى من تمسكها بشعاراتها لخلق سودان مختلف تماما عما كان وذلك بالتحقيق الحقيقى لشعاراتها من حرية وسلام وعدالة ، وهو مايدور حوله الصراع بين قوى الثورة والثورة المضادة . وهو صراع استمر بأطول وافضل مما حدث خلال انتفاضتى اكتوبر وابريل بمايدل على تبدل فى ميزان القوى لصالح قوى الثورة ، ولكن استمراره دون حسم كامل انما يدل على ان كفة الميزان لاتزال تميل لصالح قوى الثورة المضادة ، وهو ما يدعو قوى الثورة الى مزيد من التوعية لمن لايزالون فى الطرف الآخر بسبب عدم الوعى بما يحاك وكذلك الاستفادة من اجواء الحرية النسبية المتوفرة للنضال فى كل الجبهات ضد مايحاك ومن اجل تنفيذ شعارات الثورة .وهذ طريق يفارق الطريق التقليدى " فراق الطريفى لجمله " وبالتالى فانه لايمكن ان يقبل السياسات المؤدية الى الرضوخ لكل طلبات القوى الاستعمارية ويامل فى نفس الوقت الى التحرر منها أوقبول عطاياها التى لاتسمن ولايؤدى المقابل !
وأخيرا فان تعجل قيادات القوى الثورية لحسم الامر قبل توفر الظروف الموضوعية له قد يؤدى الى انتكاسة بمثلما حدث فى عديد المواقف فى تاريخنا السياسى ، لن يكون مثالها الوحيد هو تخلف الدكتور قرنق عن سند جبهة كل القوى السياسية التى تجمعت وعزلت الجبهة الاسلامية بعد اتفاقية ميرغنى\ قرنق ، بم كان سببا لتعجل الجبهة بانقلاب يونيو ، الذى كانت خسائره فى جبهة الجنوب وحدها هى فقدان ملايين الارواح وانفصال الجنوب !!