حكم الشعب إنهمام فلاسفة السياسة بالوهم بقلم:د.أمل الكردفاني

حكم الشعب إنهمام فلاسفة السياسة بالوهم بقلم:د.أمل الكردفاني


07-13-2021, 04:28 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1626146881&rn=0


Post: #1
Title: حكم الشعب إنهمام فلاسفة السياسة بالوهم بقلم:د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 07-13-2021, 04:28 AM

03:28 AM July, 13 2021

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




إن الإنسان كائن تراتبي وطامح، وبما هو كذلك فإن "حكم الشعب" كلمة ذات بعد أدبي فقط، وليس سياسي. فالشعوب لا تستطيع أن تحكم نفسها، كما لا يمكن أن تحيا بلا سُلطة تملك الحق في ممارسة الإكراه.
إن كل نظريات الحكم مثالية جداً، ويتم تصدير الدموقراطية باعتبارها النظرية المُثلى، غير أن هذا التصدير نفسه يتم عبر القوة المنتصرة في الصراع، كما يتم تصدير مستتبعاتها باعتبارها نهاية التاريخ، في صراع الحضارات، هذه البلاهة الفوكايامية والعنجهية الهنتنجتونية، تؤكد عكس ما قاله الرجلان، وأخبرني أحدهم بأن فوكاياما تراجع عن أوهامه مؤخراً. هناك الكثير من مثل تلك المصطلحات اللطيفة كالحداثة وما بعد الحداثة وما بعد بعد الحداثة، وموت المؤلف، وكل تلك الخزعبلات التي تصيبني بالصداع، ولكنها تسعد محبي إدعاء الثقافة. فالواقع هو الواقع. تمتلك أمريكا ما يسمى بالبناء الموازي على مستوى العدالة الجنائية، والبناء الموازي ليس سوى مؤسسات موازية تعمل على تحطيم ضمانات المشتبه بهم، كضمانات الحق في الصمت وقاعدة ميرندا، والمعقولية في الإشتباه، وأصل البراءة...الخ. لذلك منظمة هيومان رايتس ووتش، وضعت تقريراً شاملاً حول هذا البناء الموازي، الذي يعمل على منح السلطة أدوات القمع بالتحايل على ضوابط القانون. وإذا كانت هذه الضوابط قد رسمها الدستور الأمريكي عبر تعديلاته المختلفة طوالي عشرات السنين، فكيف هو الحال فيما يتعلق بالبناءات الموازية الأخرى على مستويات أخطر من ذلك، كالمؤسسات الإقتصادية والسياسية.
فكرة "حكم الشعب"، قرأتها إبان دراستي للقانون في مصر، وهناك قرأت مقدمة الأحكام والتي تتزين في مقدمتها بجملة "باسم الشعب".. وكنت مندهشاً وأنا في حداثة عهدي بهذه الكلمة، إذ لم يكن هناك أي رابط بين تلك الأحكام وبالشعب، بدءاً من القوانين التي تستند إليها وانتهاء بمؤسسات تطبيق وتنفيذ تلك القوانين.
إن المهزلة مستمرة في هذا العالم الذي يعتمد على المصطلحات الرنانة، والخالية في نفس الوقت من أي معنى، تماماً كالإعلانات التجارية لصابون غسيل الملابس، حينما تنقسم الشاشة لملابس متسخة تتحول بلمسة الصابون السحرية إلى جلد الملائكة.
هذا العالم غارق في الأكاذيب، والأكاذيب ليست مقتصرة فقط على أنظمتنا العسكرية وأنظمة الحزب الواحد أو الحزبين كما في أمريكا، إنها في كل مكان. سنجد الشعوب تعشق الشعارات، كالإسلام هو الحل، ثم سنعبر وننتصر، وكأمة واحدة ذات رسالة خالدة،..الخ هذا بؤس إنساني، ولكنه يؤكد في كل الأحوال زيف جملة "حكم الشعب". إذ أن الشعوب لا يمكن أن تخضع لحكم إلا على أكتاف الضحايا، سواء كان هؤلاء الضحايا أغلبية في حكم بوليسي، أم أقلية في حكم أغلبية. وحتى تلك الدموقراطيات لا يمكنها أن تتحرك دون سيطرة مركزية، تمنع انتهاك الخطوط الحمراء التي يضعها الطرف المنتصر في اللعبة، وقد يتم ذلك المنع بشكل بارد عبر البناءات الموازية ، أو يكون منعاً قمعياً كما في العهد المكارثي الأمريكي.
لا يوجد شعب يحكم نفسه، فكلمة شعب نفسها محل نظر. إن فكرة الشعب ظلت معضلة كبرى بالنسبة للسياسيين الكذبة أنفسهم، ومحاولات بناء قوميات أفضى إلى دعم التفكك بدلاً عن إيجاد عقدة اللحام بين الرابضين فوق رقعة جغرافية واحدة. إن لبنان ظلت المثال الساخر ولكن في الواقع كل الدول عبارة عن لبنانات كامدة، تم قمعها لفترة مؤقتة عبر شعارات ما. وكل الدول قابلة للإنفجار، أكثر من لبنان التي خاضت تجربتها العنيفة فاكتسبت مخاوفها الخاصة التي عززت من حساسيات السياسيين أثناء الإدلاء بتصريحاتهم.
ما الذي يمكن أن يوحد الشعوب؟
هذا هو السؤال الذي كان يجب أن يسبق اكذوبة الدموقراطية وفلسفة التنوير التي دعمتها الرأسمالية منذ عائلة روتشيلد اليهودية التي قبضت على ياقات أوروبا ونتاج الثورة الصناعية وقبلها ميديتشي المسيحية التي مهدت انتصار البرجوازية على الأرستقراطية.
وعائلة روتشيلد هي التي تنتج رؤساء أوروبا ومنهم ماكرون رئيس فرنسا، وهذا ما يراد اتباعه اليوم في السودان عبر عائلة داوود. وكلهم أصحاب روابط يهودية لا تخفى على العين.
لكن؛ لا يمكنك إقناع الشعوب بكل شيء، إن السياسي الحصيف هو الذي يتماهى مع عاطفة الشعوب، هو الذي يتحدث بكثر عن كلمات كالدموقراطية وحقوق الإنسان ودم الشهداء والله والدين..إن هذه الكلمات وغيرها لا تخضع لتقييم فلسفي لدى الشعوب ولا تقوم تلك المجموعات البشرية بالوقوف عليها لدراستها دراسات متعمقة. إن الشعوب فقط تكتشف الخطأ بعد حين كما حدث للشعب الفرنسي الذي يحمل روتشيلد كل التراجيديا السياسية اليوم. لقد انهزمت الثورة الفرنسية، وتنهزم كل الثورات أمام انفجار الحقيقة، فتفجع الشعوب، كما صور أناتول فرانس تلك الفجيعة في تحفته الروائية الآلهة عطشى.
ترفض الشعوب التصديق وتمارس تعنتها المجنون، مقاومة الطبيعة، ومن يقاوم الطبيعة خاسر لا محالة.
(يتبع يوماً ما)..