الوظيفة أم العمل الحر : سؤال العصر .شكراً بقلم د. محمد حسن فرج الله

الوظيفة أم العمل الحر : سؤال العصر .شكراً بقلم د. محمد حسن فرج الله


06-08-2021, 12:53 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1623153203&rn=0


Post: #1
Title: الوظيفة أم العمل الحر : سؤال العصر .شكراً بقلم د. محمد حسن فرج الله
Author: محمد حسن فرج الله
Date: 06-08-2021, 12:53 PM

12:53 PM June, 08 2021

سودانيز اون لاين
محمد حسن فرج الله- السعوديه
مكتبتى
رابط مختصر




الوظيفة في القطاع العام أو الخاص قد تكون هي البداية الصحيحة لأنها توفر الخبرة العملية و المهارة الاجتماعية و القيادية في التعامل مع مجموعات زملاء العمل و مع المستفيدين ، كما انها تتيح بناء اطياف وشبكات متنوعة من العلاقات و قد تستجيب لبعض الاحتياجات الاساسية المهمة للمبتدئين، وقد تتيح الحصول علي رأس المال لبعض الناس و لكنها مع مرور الزمن و تقدم العمر تواجه مفارقات صعبة ربما يكون الانتقال الي فضاء العمل الحر هو الاجابة الوحيدة عليها ومنها :

مفارقة الدخل و المنصرف
مع مرور الزمن يتقاصر المدخول المادي عن تلبية احتياجات الموظف التي تتزايد مع تقدمه في السلك الوظيفي و المترافق مع احساس متنامي بالاستحقاق بعد كل هذه السنوات في الخدمة و مع تسنم مواقع وظيفية غالباً لا تتناسب مخصصاتها المالية مع درجتها الوظيفية أو مع التطلعات الي حياة اكثر رخاءً و أقل عناءً ، مضافاً الي ذلك زيادة عدد افراد الاسرة و تقدم الابناء في المدرّج التعليمي و ما يرتبط بذلك من ضغط مادي إضافي.

مفارقة التقدير و الهيكل الوظيفي
الرضا الوظيفي لا يرتبط بالدخل المادي فقط و لكن ربما كان العامل الاهم في تحققه هو الحصول علي التقدير المعنوي والذي تكمن أهم تجلياته في الحصول علي ترقيات و ظيفية و قيادية تمنح صاحبها طبيعة عمل اقل اعتمادا علي الجهد البدني و علي تنفيذ رؤي و استرتيجيات و افكار قد لا تتوافق بالضرورة مع مرئيات الموظف و مقارباته لجوهر وشكل المشاكل و التحديات في العمل و الواجبات الوظيفية ، و كل هذه التوقعات غالباً ما تصطدم بواقع التصميم الهرمي للهياكل الوظيفية التي تضيق الي الأعلي ولا تفسح مكاناً إلا لقلة قليلة من المحظوظين

مفارقة تضارب القيّم
في بداية الحياة العملية يكون هم الحصول علي أي عمل هو الشغل الشاغل لأي مبتدئ ، و سيغطي هذا الهم علي أي جوانب أخري و يبعدها عن الدائرة المرئية سواء بشكل واع أو غير واع أو ربما يؤجلها علي احسن الفروض الي أوقات أخري ، صراع الإنسان مع الطبيعة القاسية عبر القرون علّمه أن التأجيل لا يمكن تجنبه في كل الأوقات ومع مرور الزمن علي مقعد الوظيفة سيطفو الصراع المؤجل بين قيم المؤسسة الوظيفية و القيم الذاتية الي السطح ، و حينها يختار البعض الحل الأسهل و يسبح مع التيار مسلماً عقله و ضميره و احلامه الي مبررات الواقع و يختار آخرون الخيار الاقرب الي المستحيل و يحاولون ان يقودوا التغيير داخل مؤسساتهم بينما يمضي قلة من الشجعان الي الخيار الأصعب و يغادرون مرافئ الوظيفة الآمنة إلي لجج الحياة و العمل الحر و أهواله ، و هذا خيار أصعب من البقاء و محاولة التغيير ، وفي بعض الأحيان تكون محاولة المستحيل التي تظل محاولة يمكن التراجع عنها ، أسهل من المضي قُدماً الي ارتياد طريق العمل الحر الموحش و المفتوح علي كل الاحتمالات عدا احتمال العودة و التراجع.

مفارقة ما أريده و ما يريده لي الآخرون
الحياة رحلة طويلة لابد أن تصل فيها العربة يوماً الي خط النهاية ، هذا قضاء محتوم علي بني الإنسان ، وعندما تلوح رايات النهاية ربما كان السؤال الاهم الذي سيسأله كل واحد لنفسه هو : هل عشت كما أردت أن أعيش أم كما أراد لي الآخرون ، و ربما كانت الإجابة علي هذا السؤال هي المحدد الأساسي لمقدار المحصلة النهائية لغلِة السعادة و الرضا في لحظة الخروج من ضيق الحياة الدنيا إلي سديم الأبدية و يالها من لحظة تتقاذم دونها كل اللحظات، و الطريق الي الحياة الحرة لا يمكن أن يمر إلا عبر العمل الحر الذي لا يخضع للاملاءات و لا التنازلات ولا التلفيق الزائف أو التوفيق الجبان.

ما العمل ؟
الإختيار بين البقاء في الوظيفة أو الذهاب الي العمل الحر ليس خيارًا مطلقاً لا يعتمد علي المتغيرات ، و لكنه يخضع للفروق الفردية في السمات الشخصية و ما يترتب عليها من تفضيلات في التعامل مع الآخرين و مع الروتين و في الجنوح الي المغامرة و تحمل المخاطرة ، كما أنه بالضرورة محكوم بتوفر الظروف الأسرية و المادية المناسبة و قد يكون الخيار الأمثل لبعض الناس هو تغيير المؤسسة الوظيفية بدلاً عن هجرة العمل الوظيفي كله ، و من البديهي أن ما يناسب البعض قد لا يناسب الكل ، ولكن الفهم الصحيح و العميق للنفس و المعرفة المبصرة بنقاط الضعف و القوة و بالظروف التاريخية هو المدخل الحقيقي للاختيار الصحيح الذي يمكن تحمل عقابيله لأن الاختيار يفضي إلي المسئولية و لا مناص من الإختيار ، فأختار لنفسك فإنه لا خيار لمن لا يختار !



د. محمد حسن فرج الله
إستشاري الطب النفسي