انتخابات مبكرة.. مخرج طوارئ بقلم:د. ياسر محجوب الحسين

انتخابات مبكرة.. مخرج طوارئ بقلم:د. ياسر محجوب الحسين


05-15-2021, 02:34 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1621085699&rn=0


Post: #1
Title: انتخابات مبكرة.. مخرج طوارئ بقلم:د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 05-15-2021, 02:34 PM

02:34 PM May, 15 2021

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة

مع سيل دماء جديدة تحت مقصلة الصراعات السياسية في السودان بعد فض ثانٍ لمتظاهرين ليلة 29 رمضان المنصرم قرب قيادة الجيش السوداني بالعاصمة الخرطوم، بدت تعقيدات الأزمة السودانية شاخصة بعد انسداد كلي في مخارج الحلول؛ فهناك واقعٌ مأزوم أصبح يستعصي على فهم كل من تحدثه نفسه الاحاطة به؛ وهو برمته مشهد بانورامي مدهش أو بالأحرى مفزع، أشبه بلوحة سيريالية ألوانها متداخلة بشكل فوضوي، تناقضات وتقاطعات بدون نهايات أو خواتيم، إنها حلقة مفرغة ودوامة تبتلع كل أمل في فجر جديد.
حادثة الفض أشعلت من جديد الصراع بين طرفي السلطة الانتقالية المدنيين والعسكريين، فالمدنيون وهم قلوبهم شتى وجهوا سهام الاتهام للعسكريين لا سيما ما يعرف بقوات الدعم السريع، بينما قال العسكريون انه "تم قفل محيط القيادة العامة من مبدأ حماية المواطنين وحتى لا يتم استغلال المسيرات من جهات لها أجندة ترمي لإجهاض مسيرة الانتقال وخلق فتنة بين الشعب وقواته المسلحة". لكن الحقيقة تقول ان الشباب الغض الذين يُدفع بهم في أتون صراع عدمي، بينما المحرضون يقفون من وراء حجاب، هم ليسوا إلا وقودا لهذا الصراع. إن إشكالية السلطة تكمن في أنها رغبة جامحة عند بني البشر بيد أن بعضهم ينحو إلى انتزاعها بغير الوسائل الشرعية، والسلطة السياسية.
وإزاء تلك الحالة ألقى العسكريون بورقة الانتخابات في وجه المدنيين الذين يحاذرونها ويخشونها؛ فقد جدد الجنرال شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة عدم تمسك وتشبث الجيش بالسلطة، مبينا أنه بموجب الوثيقة الدستورية التي تحكم فترة الانتقال، شريكة في الحكم، ولا تمانع في حال اتفاق الجميع على تقليص الفترة الانتقالية والدخول في انتخابات مبكرة يتم فيها التداول السلمي للسلطة من خلال خيارات المواطن للفائز فيها.
وسواء كان عرض الانتخابات كلمة حق أريد بها باطل أو دعاية سياسية ظرفية وخلط الأوراق، فإن كل أدوات التغيير تبدو غير مجدية لا المحاولات الانقلابية ولا حتى الانتفاضة الجماهيرية في ظل غياب أي تأمين ضد سرقتها كما حدث في ثورات الربيع العربي وكذلك في 2019 عقب الاطاحة بالرئيس السابق عمر البشير؛ فلم يبق إلا بروز صراع قبلي وجهوي مسلح سيقضي حتما على ركائز الدولة السودانية.
ليس التخلف الاقتصادي في السودان والذي كان مدعاة للاحتجاجات التي أطاحت بالبشير، كان بسبب نقص الموارد الطبيعية، ولكن كان ولا يزال بسبب عجز الحكومات المتعاقبة بعد الاستقلال عن إدارة الموارد التي تزخر بها البلاد. لا يذكر السودان إلا وتذكر خيراته الزراعية والحيوانية والمائية فضلا عن مخزونات هائلة من المعادن أبرزها الذهب، ويزخر إقليم دارفور وحده بكميات هائلة من اليورانيوم. لكن هذه الثروات لا تنعكس على اقتصاد البلاد بسبب سوء إدارتها، فعدم الاستقرار السياسي كان السمة الغالبة لفترة ما بعد الاستعمار أي (65) عاماً. كذلك فالسودان بلد متعدد القبائل واللغات والاعراق والأديان وبدلا أن يكون هذا التنوع مصدر قوة إلا أن النظام السياسي في السودان فشل في إدارته ومن ثمّ تحول هذا التعدد إلى عامل ضعف.
بعد مرور نحو 8 أشهر على اتفاقية السلام الموقعة بين السلطة الانتقالية وعدة جماعات سودانية متمردة، بهدف إنهاء سنوات من الصراعات المسلحة في البلاد في اكتوبر 2020 لا يبدو أن مقايضة تقسيم غنائم السلطة بالسلام بيع رابح إذ تضمن الاتفاق بروكوتولات لتقاسم السلطة، وتقاسم الثروة. لكن قوات هذه الجماعات دخلت العاصمة بعد الاتفاق ودون الشروع في بروتوكول الترتيبات الأمنية مما يزيد من خطر انفجار الصراع المسلح داخل المدن هذه المرة.
ومع بريق ورقة الانتخابات الملوح بها من قبل العسكريين إلا أنها تبدو حاليا حلما من أحلام اليقظة ليس لعدم جدية كل أطراف الحكم الحالي الذين نالوا مكاسب بدون هذه الانتخابات في ظل شكل من أشكال الحكم الشمولي فحسب، ولكن الانتخابات تبدو بعيدة المنال، ففقهاء القانون الدستوري يقولون ان جدية الانتخابات تعرف من "مجموعة الخطوات التي تبدأ بتحديد موعد الانتخابات وتنتهي بالاعلان الرسمي عن نتائجها" وهذا ما لم يتم البت فيه بل حتى الحديث عنه حتى من باب الدعاية السياسية، فلم تشكّل السلطة الانتقالية حتى اللحظة مفوضية قومية للانتخابات.
ولو صلُحت نوايا الحاكمين في الخرطوم اليوم وهذا أمر مشكوك فيه، فإن عملية الانتخابات قضية حتمية لتأسيس حكم راشد لمصلحة الشعب والدولة لكون الانتخابات محصلة لحالة ديمقراطية يفترض أن تتوافر فيها شروط وضمانات وحريات وحقوق ثابتة، خاصة وأن غياب الديمقراطية كان الأمر الغالب على فترة ما بعد الاستقلال الأمر الذي تسبب في حالة عدم الاستقرار المزمنة في البلاد. فالنظم العسكرية كانت تريدها مسحوقاً تجميلياً يخفي الكوابح المفتعلة في طريق التبادل السلمي للسلطة. وظلت سمة الأنظمة العسكرية السابقة، ان ﺭﺋﺎﺳﺔ ﺍﻟﺤﺰﺏ الحاكم الذي تصنعه على عجل ﻫﻲ ﺭﺋﺎﺳﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، في الوقت الذي يفترض فيه أن الرئاسة هي ﺑﻨﻴﺔ ﻭﻫﻴﻜﻞ وليست شخصا، وغالبا ما تكون هناك ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻏﻴﺮ ﺭﺳﻤﻴﺔ غير منظورة تقوم بدور ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ.
إن الأصل الفلسفي لقيام الانتخابات يتمثل في رغبة الفصل بين الحاكم كشخص، وبين السلطة باعتبارها وظيفة، ليصبح الأساس في ممارسة السلطة التفويض الشعبي بما يترتب على ذلك من تقييد لسلطات الحاكم، استنادا إلى مبدأ حكم القانون. فالانتخابات هي الوسيلة التي تمكن المواطنين من المشاركة، في عملية اتخاذ القرارات. وعن طريقها يمكن لهم قبول أو رفض الخيارات السياسية، وفي الوقت ذاته قبول أو رفض من يطرحون هذه الخيارات. وطالما الهدف ارساء الديمقراطية فالانتخابات تأتي أولا لا تسبق الديمقراطية بأي حال من الأحوال.