الآثار الاقتصادية لعمليات الفصل التعسفي الراهنة بقلم:د.أمل الكردفاني

الآثار الاقتصادية لعمليات الفصل التعسفي الراهنة بقلم:د.أمل الكردفاني


05-05-2021, 11:12 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1620252777&rn=0


Post: #1
Title: الآثار الاقتصادية لعمليات الفصل التعسفي الراهنة بقلم:د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 05-05-2021, 11:12 PM

11:12 PM May, 05 2021

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر





"التاريخ لا يعيد نفسه، بل عقل الإنسان هو الذي لا يتغير بسهولة، لذلك فهو ينتج ماضيه بإستمرار"

لن نتناول عمليات الفصل التعسفي لعشرات الآلاف من الموظفين اليوم من وجهة نظر قانونية. فلا حاجة بنا إلى الحديث عما هو معلوم بالضرورة. وإنما سأشير اليوم إلى الكارثة الإقتصادية التي سيزداد تفاقمها بفصل عشرات الآلاف من وظائفهم تحت مسمى الكوزنة. وقد أشير إذا سنحت الفرصة إلى الكوارث الإجتماعية لهذا الإقالات التعسفية.
دعنا نشير مبدئياً، إلى أن ما فعله الكيزان قبل ثلاثين عاماً والمطابق لما يحدث اليوم، لن يصلح مبرراً كافياً من ناحية، ومن ناحية ثانية فهو يشير إلى عدم وجود تغيير في العقلية السودانية. إذا كانت هناك رغبات توجه نحو حكم مدني، فالآن فقط قد أضحى ذلك من أحلام النوم واليقظة. فالتحول إلى المدنية يجب قبل كل شيء أن يفضي إلى الخضوع لمبادئ القانون المدني. وهذا ما لم يحدث.
على أية حال، فالآن أمامنا عشرات الآلاف من المفصولين تعسفياً..أي أننا الآن أمام عشرات الآلاف من القوى المنتجة التي تم إهدارها بتعطيلها تعطيلاً كاملاً، في دولة تكاد تكون بلا قوى منتجة، إذ أن قطاع الخدمات غلاب على قطاع الصناعة والزراعة، فوق أنه حتى القلة القليلة من العمليات الصناعية والزراعية ذات الفائدة محتكر للإقطاعيات الجدية.
المشكلة تكمن في تساؤل أساسي:
هل سيحصل هؤلاء المفصولين على مبالغ مالية مقابل ما بعد الخدمة أم لن يحصلوا؟
إن لم يحصل هؤلاء على مبالغ مالية، فهذا يعني وضعهم موضع الجوع، ومن ثم المرض.
نحن يجب أن نجري الحساب بشكل مختلف؛ فعند فصل موظف واحد، فهذا يعني ان هناك على الأقل شخص أو شخصان آخران متضرران من عطالة المفصول، كالزوجة أو الاولاد. على هذا الأساس، فنحن لا نجيع شخص واحد، ولا نفصل شخص واحد بل نجيع أكثر من شخص ونفصل أكثر من شخص. الأسر التي ستجوع ستمرض والمرض يعني مزيداً من انخفاض الانتاجية، بل ومزيداً من استهلاك الدواء، بمعنى؛ مزيداً من استيراد الدواء وبالتالي مزيداً من استهلاك الدولار، ومن ثم ارتفاع اسعار الدولار، لكن ليست هذه هي المشكلة، فحتى عندما يتم دفع مبالغ للمفصولين، ستكون هناك شواغر، وهذه الشواغر إما أن تُملأ بأشخاص آخرين (غالباً أقل كفاءة) وبمقابل مالي، أي ان مقابل كل مفصول هناك موظف جديد سيتم دفع مرتبات له، شاملة للتأمين الصحي والضمان الاحتماعي. القضية تتفاقم أكثر إن لم تُملأ هذه الشواغر، فعلى سبيل المثال، هناك قلة في عدد القضاة، البارحة تم فصل العشرات، هذا يعني أن هناك ألف قضية على الأقل ستحتاج لقضاة جدد. وبالتالي تأخير في الفصل في القضايا، فضلاً عن تعيين قضاة لديهم محاباة سياسية. وبالتالي افتقار المواطن للثقة في القضاء. القضية الأكبر هي هجرة هؤلاء المفصولين من العمل إلى الدول الأخرى، وهم يحملون معهم أموالهم إلى الخارج. أو أن الحاجة الشديدة قد تدفع بهم إلى اللجوء إلى المرابين، لذلك من المتوقع أن يزداد عدد المرابين في الدولة، وهذا ما سيفضي -بلا شك- إلى تعسر الآلاف وبالتالي دخولهم إلى السجن، وحينها ستضطر الدولة للانفاق عليهم داخل السجون من مصاريف الإدارة والحراسة والأكل والشرب والماء والكهرباء، والأسرة والمراتب...الخ.
إذا لم يهاجر المفصولون -كما حدث في عهد الكيزان- فهذه مشكلة، وإن هاجروا فهي مشكلة أكبر.
هناك آثار اقتصادية غير منظورة، مثل انخفاض الطلب على العقارات، شراء او استئجاراً، وغالباً ستزداد عروض البيع أكثر من الإيجار. بالإضافة إلى الركود في الأسواق الأخرى. مع الخلل الاجتماعي، ففي الغالب يمثل هذا الفصل وصمة عار على أبناء هؤلاء المفصولين حتى لو كانوا ابرياء -إذ لم تتم اي تحقيقات قانونية- وبالتالي مزيداً من الهجرة إلى الخارج، وانقسام مجتمعي حاد داخل العائلات والأسر. وبالتالي تقويض اللحمة الإجتماعية.
لم يواكب تلك الإقالات سن قوانين تنظمه، وبالتالي فسيحدث إنعدام للثقة في القانون وسيعزز انعدام الثقة قضاءً مسيساً، أو حتى خائفاً. وبتقويض الثقة في القانون يتأسس الفهم المضاد للقانون، أي عدم الإكتراث للقانون، مما سيعزز الفساد، والفساد في كل الاحوال مضر باقتصاد الدولة.
إذاً؛ فقرارات الفصل هذه ستفاقم الوضع الاقتصادي سوءً، كما حدث قبل ثلاثين عاماً. هذا لا يشك فيه إلا مكابر، وهذا يقودنا إلى التساؤل:
هل تم اتخاذ تلك القرارات بناء على دراسات علمية ومنهجية أم تمت اعتباطاً؟
أترك الإجابة لكم.