هجرة الموت مأساة لم تحرك ضميرا بقلم :د. ياسر محجوب الحسين

هجرة الموت مأساة لم تحرك ضميرا بقلم :د. ياسر محجوب الحسين


05-01-2021, 05:41 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1619844096&rn=0


Post: #1
Title: هجرة الموت مأساة لم تحرك ضميرا بقلم :د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 05-01-2021, 05:41 AM

05:41 AM April, 30 2021

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة

شباب كزهور الحديقة نضارة وألقا وعطرا، رفعوا شارة النصر وهم يبتسمون أملا حيث تضيق مساحات الأمل فيما هم مقدمون عليه لتصل لحيز يقترب من الصفر. أولئك الشباب الذين لم يتعد عمر أكبرهم عشرين عاما، كانوا في حاجة إلى جبل من القوة والعزم ليعادلوا وزن حبة من الأمل. وهكذا الشباب دائما عاصف التوثب ضاري، فلم يجعلوا من اليأس الذي يمسك بتلابيب وطنهم قيدا يخنق الأمل فيهم، فقرروا ركوب رحلة الموت الزُّعاف. قبل غرقهم في بحر لجيٌّ يغشاه موج من فوقه موجه، قام أفراد عصابات الاتجار بالبشر بتصويرهم بغرض الترويج لاسم عصابتهم (التجاري) حتى يقع في براثن طمعهم المزيد من الشباب وطلاب الهجرة إلى أوروبا، فكان يطلب منهم القول بأنهم مغادرون إلى جنة أوروبا في مركب فلان بن فلان.
لم تدر تلكم الزهور اليانعة أنها بين الأباطح يغشاهم بها الغدر، فحين ضاقت بهم قساوة الأوضاع في أوطانهم. فقبل سويعات من مغادرتهم وهم قد يدرون أو لا يدرون أن ليس في هذا البحر المتوحش سِوى الروم خلف ظهرهم روم. وألا موانئ سوى الموت سيرسون فيها ويبق من بعد ذلك الأنينُ هويّة أهلهم وذويهم. لم تمض سويعات ويا ويح قلوب أمهاتهم إلا وقد امتلأت رئاهم الغضة بماء مالح، مرة بعد مرة حتى سكنت أنفاسهم للأبد.
في بحر الأسبوع الماضي وفي عرض البحر غرق قارب يحمل نحو 130 مهاجراً قبالة السواحل الليبية. بابا الفاتيكان وصف المأساة بأنها لحظة عار. فيما التزمت حكومات الدول الأوروبية الصمت ومعها حكومة موطن الضحايا. المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، قالت ان الحادث يمثل الخسارة الأفدح من حيث عدد الضحايا منذ مطلع العام الجاري. العار كذلك أبى إلا أن يكون حاضرا حتى بعد وقوع الكارثة؛ فقد كشفت المتحدثة باسم المنظمة أن عددًا من الدول لم تستجب لدعوات التحرك سريعًا لنجدة ما يزيد على مائة شخص، رغم إرسال نداءات استغاثة متكررة. بدورها اتهمت ما يعرف بمنصة "هاتف الإنذار"، السلطات الأوروبية بالتعنت الكبير فيما يتعلق بالتجاوب مع نداءات البحث عن المفقودين، والاكتفاء بما قام به خفر السواحل الليبي. وكل ما استطاعت المفوضة الأوروبية المكلفة بشؤون الهجرة عمله أنها عبرت عن حزنها لغرق قارب المهاجرين. للأسف ان جهود تجمع إقليمي مثل الاتحاد الأوروبي يحوز على امكانات مادية ولوجستية لا تحدها الحدود، انحصر في معالجة ملف الهجرة من خلال البحث الحثيث عن طرق لصد المهاجرين القادمين إلى دوله وكأنه بصدد أسراب من الذباب.
وفقا للمنظمة الدولية للهجرة أنه في العام الماضي 2020 غرق نحو 2276 شخصا أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا بحرا. وكشفت المنظمة أن أكثر من 22 ألف شخص غرقوا منذ 2014 في الطرق البحرية الأربعة الرئيسية المودية إلى أوروبا. اليوم طوفان موجات اللجوء نحو أوروبا جعل مشكلة اللجوء تقفز إلى قمة أجندة المشاكل الدولية المزمنة خلال السنوات الأخيرة، حيث ضاقت أوروبا بها ذرعا وطفقت تلتمس الحلول بكل السبل الميكافيلية وفي أي مكان وبأي وسيلة وطريقة. ولم يعد المشكل كما كان في السابق مجرد ترف تنشغل به الحكومات والمنظمات الطوعية لإظهار "إنسانية" العالم المتحضر وللتعويض النفسي جراء الشعور بالتقصير تجاه عالم استعمروه سنين عجافا فدمروا كل شيء فيه فطفق أبناؤه يزحفون نحو الجاني علهم يجدون في قلبه رأفة لكن هيهات.
الإثم الأوروبي دعا منظمة أطباء بلا حدود التي تتخذ من جنيف مقرا لها لرفض أي تمويل لأنشطتها الانسانية مصدره الاتحاد الاوروبي، وقالت ان ذلك جاء احتجاجا على سياسات الردع المخزية التي ينتهجها وتكثيفه الجهود لابعاد المهاجرين عن الشواطئ الاوروبية. ولئن لم يتمكن العالم المتحضر المزوّد بكل أسباب القوة من فرض الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة على الأنظمة الديكتاتورية بسبب تضارب المصالح، فليكن ذلك بممارسة النفاق عبر حلول جزئية تذر الرماد على العيون ولا تقرب الحلول الجذرية والمستدامة.
في عام 2016 رأت أوروبا أن أفضل استجابة لأزمة اللاجئين، التطلع إلى بلدان أخرى لحل هذه المشكلة نيابة عنها مقابل بعض الفتات المالي وربما التطبيع وكسر العزلة الدولية لدى البعض الآخر. وكشفت قناة ألمانية عن تسريب وثيقة سرية رسمية تؤكد سعي المفوضية الأوروبية للتوصل إلى اتفاق مع أربع دول أفريقية، بحيث تلتزم باستعادة لاجئيها من أوروبا. وذلك مقابل مزايا تشمل فتات مساعدات وتسهيلات بتأشيرات دخول الدبلوماسيين للبلدان الأوروبية. ولم يكن في خلد المفوضية أن تفوح رائحة هذا الاتفاق، ولولا أنه يجلب العار لما شدد سفراء الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع لهم بشأنه على أهمية عدم تسرب الوثيقة للرأي العام الأوروبي.
الأمر المدهش حقا أن وثيقة الاتفاق تعرضت لأوضاع حقوق الإنسان في الدول الأفريقية الأربع، ووصفتها بالكارثية، بيد أن سوء هذه الأوضاع - وفقا للوثيقة - لا يمنع التعاون القوي مع تلك الدول في المجالات الأمنية. منظمة هيومان رايتس ووتش ردت غاضبة: "من السخرية وغير المتصور تعاون الاتحاد الأوروبي الذي تأسس على قاعدة من القيم، مع حكومات مستبدة تحتقر الحقوق الإنسانية، لمجرد الرغبة في منع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا". ولا غرو فالميكافيلية في الأصل ثقافة أوروبية فيما يسمونه بالتنظير السياسي الواقعي وهي تسمية مخففة لسياسة "الغاية تبرر الوسيلة". نذكر أن من مقولات ميكافيلي: "إنها متعة مضاعفة عندما تخدع المخادع".
لا شك أن أولئك الضحايا قد هاجروا من وطنٍ استبد ضيق العيش وفقدان الأمن والأمان ورغم ذلك فقد أحبُّوه بكل مشاعرهم، فهي أرض طاهرة قدَّسوها بكل ما تحمل من تراث الأجداد وميراثهم.

بلادي وإن جارت عليا عزيزة وأهلي وإن ضنوا عليا كرام