ما اشبه اليوم بالأمس د.القراى و لوحة مايكل أنجلو و طه حسين و نظرية الشك الديكارتى بقلم:عبير المجم

ما اشبه اليوم بالأمس د.القراى و لوحة مايكل أنجلو و طه حسين و نظرية الشك الديكارتى بقلم:عبير المجم


01-10-2021, 07:35 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1610303717&rn=0


Post: #1
Title: ما اشبه اليوم بالأمس د.القراى و لوحة مايكل أنجلو و طه حسين و نظرية الشك الديكارتى بقلم:عبير المجم
Author: عبير سويكت
Date: 01-10-2021, 07:35 PM

ما اشبه اليوم بالأمس د.القراى و لوحة مايكل أنجلو و طه حسين و نظرية الشك الديكارتى


عبير المجمر (سويكت )


معركة المناهج كانت قد هدأت أمواجها و لكنها عاودة الارتفاع و الهيجان بعد انطلاق حرب البيانات ، لوحة مايكل أنجلو فى خلق ادم التى كانت ضمن قسم النهضة الأوربية فى كتاب الصف السادس قلبت الوسط السودانى رأساً على عقب ، و الضحية هو دكتور عمر القراى حامل مشعل الإستنارة و ليس الإلحاد و الكفر مدير المركز القومى للمناهج الذى يذكرنى ما يتعرض له اليوم ما تعرض له بالأمس عميد الأدب العربى طه حسين و ما أشبه اليوم بالأمس.

و ايام الجامعة كنت قد حضرت ذاكرة بحث mémoire فى كتاب (الأيام )و (فى الشعر الجاهلى) لعميد الأدب العربى طه حسين، و كتاب الأيام هو عبارة عن مسيرة الرجل الأديب يقص على الجميع ما بذله من جهد حتى أصبح ذاك الرجل العظيم و عميد الأدب العربي باعتماده على العقل و إبتعاده عن التمركز على الثوابت ، و يحكى مسيرته من القرية إلى القاهرة، هذه المسيرة التي يخترعها على الجميع حتى تصبح مسيرة نموذجية من الجهل إلى المعرفة ليقتدى بها الأخرين.

فى الأجزاء الثلاثة لكتاب الأيام نجد أن طه حسين يقص
نشأته منذ الطفولة و دراسته في الأزهر، ثم في الجزء الثاني يقص ما تعلمه في الأزهر و في الجامعة الأهلية بعد أن تخرج دكتورا و منح الدكتوراة، و نال المنحة الدراسية في باريس.

و بعد ذلك يصف رحلته في باريس، و الحرب العالمية
التى أجربته على المكوث في مونبلييه الواقعه جنوب فرنسا ، و من ثم رجوعه الي باريس العاصمة حيث نال الدكتوراة للمرة الثانية في جامعة السوربون عن رسالته ( الفلسفة الإجتماعية عن إبن خلدون) ، و كان قد سبق له و نال الدكتوراة في( ذكرى أبى العلاء)،و بالرغم من أن رسالته تلك كانت أول درجة دكتوراة منحتها الجامعة المصرية، و تعتبر في نفس الوقت اول كتاب قدم للجامعة و نال إعجاب الكثيرين إلا أن الضجة التي أحدثتها هذه الرسالة كانت أكبر حيث قوبلت باستهجان و غضب شديد في الأوساط الدينية ، حيث إتهم أحد أعضاء البرلمان المصري طه حسين بالمروق والزندقة، والخروج على مبادئ الدين الثابتة و اتهم بالإلحاد و الكفر.
و لم يتوقف الأمر على ذلك فقط بل طالبوا بحرمان طه حسين من حقوق الجامعيين بحجة أنه تجرأ على تأليف كتاب فيه إلحاد وكفر واضح ، ولكن رئيس الجمعية التشريعية بالبرلمان آنذاك سعد زغلول تدخل و أقنع النائب بعدم السماع لهذه المطالب الظالمة(يعنى على الأقل طه حسين وجد سند على مستوى المسؤولين بخلاف د.القراى)، في الوقت الذي لم يكتفي فيه طه حسين بتدخل سعد زغلول و قام هو شخصياً بالرد على هؤلاء الفئات المضللة قائلا : أن كل ما يكتوبه عنه لم يجد فيه شيئا يستحق الرد عليه، و وصفهم بأنهم يتبعون طرق معوجة في الفهم و مناهج يستخدمنوها لتكفير الآخرين.

و في الوقت الذي ألف فيه طه حسين كتابه (في الشعر الجاهلي) و ما أحدثه من ضجة و جدل في الأوساط الدينية حتى عارض الأزهر نشرالكتاب، في ذاك الوقت ساند الدستوريين الأحرار طه حسين و عل رأسهم الشيخ علي عبد الرزاق.

و كان طه حسين قد قام بجمع جميع محاضرته و الدراسة التي تلقاه في الجامعة عن الشعر الجاهلي و أصالته ،و المنهج الذي سلكه في دراسته قائلًا :(من الضروري الإعتماد على نظرية الشك الديكارتى في أنه يجب عدم التسليم بآراء سابقيه القائمة على النقل دون إعمال العقل؛ بناءً على آراء جامدة مسلَّم بها تسليمًا مطلقًا، بل يجب استنهاضها وإحيائها كرة ثانية، و الشك في كل شئ طالما أنه لم يجد الحجج و البراهين التي تؤكد على الحقيقة، و على العاقل أن يتبع هذا النهج حتى في العلوم الدينية، و التجرد من الانتماء الديني و القومية في البحث فكان قوله :( “يجب حين نستقبل البحث عن الأدب العربي وتأريخه أَنْ ننسى قوميتنا وكلّ مشخصاتها، وننسى ديننا وكلّ ما يتصل به،يجب ألا نتقيد بشيء ولا نذعن لشيءٍ إلا لمناهج البحث” المعركة شرط الجنوح أولًا إلى الإثبات ومن ثم إلى اليقين، وإن لم تسعفه أسبابالبحث والفحص، فيعمد إلى الشك، ومن ثم إلى الإنكار).

و اعتماداً على هذا النهج كانت مقدمة كتابه( في الشعر الجاهلي) :(للتوراة أن تحدثنا عن ابراهيم وإسماعيل ، وللقرآن أن يحدثنا عنهما ايضاً ، ولكن ورود هذين الاسمين فى التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي فضلاً عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة اسماعيل بن ابراهيم الى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها ونحن مضطرون الى أن نرى فى هذه القصة نوعاً من الحيلة فى إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة ، وبين الاسلام واليهود والقرآن والتوراة من جهة أخرى)، فكانت هذه المقدمة هي سبب الأزمة الكبرى في قضية طه حسين، حيث قام بنشرها في الملحق الأسبوعي في جريدة السياسة في مايو 1926،فكانت هذه المقدمة كافية لإثارة الأزمة الكبري، في الوقت الذي كان فيه الجو متوترا في مصر آنذاك بين حزب الوفد و الدستوريين الأحرار، و بين القصر و الملك، مما أسفر عن أزمة سياسية على مستوى البلد كما هو الحال الان عندما فى السودان.

فخرج طلاب الأزهر الشريف في مظاهرات عارمة كردة فعل ثائرة غضباً و احتجاجاً على كتاب طه حسين (في الشعر الجاهلي)، و توجهت تلك المظاهرة نحو بيت الأمة المقر الرئيسي لسعد زغلول زعيم الأمة آنذاك ، علماً بأنه من خريجي الأزهر، و تلميذ جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده، فما كان من سعد زغلول إلا أن أطل من شرفته ورد على ذاك الحشد العظيم قائلاً :(إن مسألة كهذه لا يمكن أن تؤثر فى هذه الأمة المتمسكة بدينها. هبوا أن رجلاً مجنوناً يهزى فى الطريق فهل يضير العقلاء شىء من ذلك؟ إن هذا الدين متين، وليس الذى شك فيه زعيما ولا إماما حتى نخشى من شكه على العامة، فليشك ما شاء، ماذا علينا إذا لم يفهم البقر؟)

و لم يتوقف الأمر عند ذلك فقط، بل صدرت العديدة من الكتب في نقد هذا الكتاب، و لاحق هذا النقد ضجة إعلامية كبيرة على سبيل المثال:مجلة الفتح، الاتحاد، المنار) و غيرها من الصحف التي كانت عناوينها بالخط العريض (طه حسين ينتحر) ،(طه حسين ينكر جود الله تعالي و لا يتفق مع الدين)، (ماذا يريدون من نشر هذا الإلحاد).

و عندما تأزم الموقف الي هذا الحد، نصح عميد الجامعة طه حسين بالذهاب للإقامة في فرنسا حتي تهدأ الأمور، و بالفعل ذهب طه حسين إلى فرنسا و أقام فيها ستة أشهر في جبل
Alpes
بخلاف د.القراى على حد قوله نُصح من قبل المستشار الإعلامي بمجلس الوزراء بان يصرح إعلاميًا فى وكالة سونا للأنباء فكانت الطامة الكبرى و تخلى عنه الجميع حتى من نصحوه ، لكن طه حسين كان قد صمت لفترة طويلة، و لكنه بعد ذلك خرج عن صمته و قام باملاء الأجزاء الأخيرة من كتابه (الأيام ) علي سكرتيره في مدة ستة أيام دون أنقطاع، و جميع من كتبوا عنه أجمعوا على أنه كان يقوم بالاملاء دفعة واحدة، و كأنما يريد أن يتحرر من عئب بداخله و عليه لماذا نلوم القراى على اخراج الهواء الساخن من داخله بدل ان يكتم نفسه ، و يقال ان طه حسين وقتها كان يسرع فى الإملاء و يكره أن يسمع من جديد ما املاءه (إستعلاج)،فكانت عبارة عن إملاء في دفعة واحدة، ثم نشرت هذه النصوص.

لكن القريب طه حسين لم يذكر شيئاً عما حدث في سنة 1926،مع العلم بأن تلك الأزمة هي التي جعلته يريد أن يقص حياته و يبدأ السيرة الذاتية، و لكن يقرا الكتاب بعد معرفة السياق الخاص حيث انه كان يقص على الجميع ما بذله من جهد حتى أصبح ذاك الرجل العظيم وعميد الأدب العربي باعتماده على العقل و إبتعاده عن التمركز على الثوابت ، و يحكى مسيرته من القرية إلى القاهرة، هذه المسيرة التي يخترعها على الجميع حتى تصبح مسيرة نموذجية من الجهل إلى المعرفة ليقتدي بها الأخرين.

فكان عنوان الكتاب (الأيام)، و هو عنوان قصير جداً و عجيب مما جعل الكثيرون يضيفون الي هذا العنوان (كتاب الأيام).
و عليه ندعو السيد القراى ان يرتاح فى هدوء و يبعد عن هذا الضجيج ثم يُعاود مع لجان المعلمين و المختصين فى مباشرة مهمته الوطنية والانسانية و الثوريه فى وضع مناهج على اسسس مهنية سليمة تعمل على نهضة البلاد و الرقى بالعباد.