الديمقراطية الأمريكية تتألم بقلم:د. ياسر محجوب الحسين

الديمقراطية الأمريكية تتألم بقلم:د. ياسر محجوب الحسين


01-09-2021, 01:55 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1610153757&rn=1


Post: #1
Title: الديمقراطية الأمريكية تتألم بقلم:د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 01-09-2021, 01:55 AM
Parent: #0

00:55 AM January, 08 2021

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة




فيما وقف العالم مذهولا الاربعاء الماضي أمام الأحداث التي شهدها مبنى الكونغرس الأمريكي إثر اقتحامه من طرف أنصار الرئيس دونالد ترامب المنتهية ولايته؛ أبى المثل الشهير (علي وعلى أعدائي يا رب) إلا أن يستبد عندما يتمنى شخص الشر لنفسه، إذا ما كان سيلحق الضرر بأعدائه أيضاً، فعندما أراد شمشون الجبار الانتقام من أعدائه الذين أرادوا إهانته، اقتلع عمودا وسط القاعة التي جمعتهم به، وصرخ بصوت عال قائلا: علي وعلى أعدائي يا رب، فأطبق سقف القاعة على شمشون والآخرين فماتوا جميعا.

لقد بدت فترة رئاسة ترامب المنتهية في 20 يناير الحالي من فرط عجائبها ومفارقاتها، وكأنها نوع من الدراما، ليس هذا فحسب، بل دراما أدب مفارقات الملهاة وهي الكوميديا، حيث تكون فيها المقدمات مخالفة للنهايات ويحار المشاهد لشخوص وأداء الممثلين.

وبلغت سوء خاتمة رئاسة ترامب درجة بعيدة حين شن الرئيس الأمريكي الأسبق الذي ينتمي لحزب ترامب جورج دبليو بوش، هجوماً عنيفاً على القادة الجمهوريين من بينهم ترامب، وقال "إنهم أججوا حالة التمرد التي شهدها مبنى الكونغرس والتي تليق بـجمهوريات الموز وليس بجمهوريتنا الديمقراطية". وجمهورية الموز مصطلح ساخر يطلق لازدراء دولة غير مستقرة سياسيا، وقد يعتمد اقتصادها على عدد قليل من المنتجات كزراعة الموز مثلا، ومحكومة بمجموعة صغيرة ثرية وفاسدة.

فقد صدم العالم حقا أمام مشاهد اقتحام فوضوي لإحدى ركائز الديمقراطية في الدستور الأمريكي وهو الكونغرس، الذي كان بصدد عقد جلسة مشتركة للمصادقة على فوز الرئيس المنتخب الديمقراطي جو بايدن، واضطر ممثلو الشعب إلى قطع الجلسة المهمة بسبب الاقتحام قبل أن تستأنف في وقت لاحق، وتتم المصادقة على فوز بايدن.
ويعتبر الكونغرس المؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية والهيئة التشريعية في النظام السياسي ويتألف من مجلسي الشيوخ والنواب (535 عضوا)، وقد تأسس قبل نحو ما يزيد على 3 قرون تحديدا في عام 1789.

لقد كانت حادثة احتلال الكونغرس محاولة لقلب نتائج انتخابات نزيهة وحرة، مما اعتبر أمرا إجراميا وخطيرا ومضادا للديمقراطية الأمريكية، وقد كانت محاولة مدفوعة بأفعال وأقوال الرئيس ترامب نفسه، والذي لم يدن ما جرى في أول إفادة له بعد الحدث المفجع، بل خاطب المقتحمين قائلا لهم بما يشبه التشجيع والاشادة بفعلتهم: "إني أحبكم وأعلم أنكم تتألمون فاذهبوا لبيوتكم". واعتبرت مواقع فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام، وسناب شات أن ترامب يدعو للعنف، فعلقت حساباته فيها خاصة بعد مخاطبته مؤيديه.

لقد كانت ردود الافعال الداخلية والخارجية الغاضبة دليلا على خطورة الحدث الذي لا مثيل له في الولايات المتحدة لأكثر من 200 عام. الرئيس المنتخب جو بايدن قال إن الديمقراطية الأمريكية بهذه الأحداث تكون قد تلقت ضربة موجعة، إذ تعرضت إلى هجوم غير مسبوق، وأعرب زعماء العالم عن مشاعر الذهول والصدمة، فقد وصف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي تمتع بعلاقة خاصة بترامب، اقتحام الكونغرس بأنه مُخزٍ، وذهبت وزيرة الداخلية البريطانية إلى أبعد من ذلك حين رأت أن لهجة ترامب في الاعتراض على خسارته للانتخابات الرئاسية كانت سبباً مباشراً للعنف المروع عند مبنى الكونغرس.

وأعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن حزنها بل غضبها، محملة ترامب قسماً من المسؤولية، بتأجيج الشكوك حول نتائج الانتخابات مما أثارت أجواء مهدت لاقتحام الكونغرس، ووصف وزير الخارجية الإيرلندي الأحداث في واشنطن بأنها هجوم متعمد على الديمقراطية من قِبل رئيس لا يزال في منصبه وأنصاره ومحاولة لقلب نتيجة انتخابات حرة ونزيهة. وقال أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة إنه "أحزنه" ما جرى من وقائع في مبنى الكونغرس الأمريكي. وأضاف "في هذه الظروف من المهم أن تغرس القيادات السياسية في أذهان أتباعها ضرورة الإحجام عن العنف واحترام الإجراءات الديمقراطية وسيادة القانون"، وتوالت ردود الفعل الغاضبة من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

وقفز من سفينة ترامب الغارقة عدد من موظفي إدارته، فقد أعلن كبير موظفي البيت الأبيض السابق والمبعوث الخاص الحالي إلى أيرلندا الشمالية، ميك مولفاني استقالته من منصبه، وجاءت استقالة مولفاني بعد استقالة شخصين اثنين على الأقل من الموالين لترامب، من منصبيهما في البيت الأبيض، كما استقال نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي مات بوتينجر من منصبه في البيت الأبيض، لينضم إلى عدد من المسؤولين المنسحبين من إدارة ترامب.

لقد حجز ترامب لنفسه مكانا في تاريخ الولايات المتحدة، ولكن بشكل لا يليق بالرؤساء الأمريكيين. وأمام هذا الوضع السياسي المضطرب، طرح الأمريكيون تساؤلات مشوبة بالكثير من القلق حول ما سيجري في الأيام المتبقية لترامب في البيت الأبيض، وقد تنبهت القيادة في الحزب الجمهوري فضلا عن قيادة الحزب الديمقراطي لخطر تصرفات ترامب، وتزداد المخاوف مما يمكن أن يفعله ترامب وضرورة اتخاذ تدابير تلجم أي مغامرة قد يخوضها ترامب.

وفي الحقيقة إن حاضر وماضي ترامب السياسي يقفان بدون ساقين، فليس للرجل ماض سياسي يعتد به؛ فهو في الأصل رجل أعمال وملياردير، وشخصية تلفزيونية، حيث قدم برنامج الواقع على قناة إن بي سي، وهناك القليل جدا عن نشاط ترامب السياسي إذ قرر في عام 2000 خوض الانتخابات الرئاسية عن حزب الإصلاح الأمريكي لكنه لم يحظ بشعبية كافية وانسحب من السباق، كما تراجع عن خوض انتخابات 2012 عن الحزب الجمهوري، وذلك قبل ترشحه الأخير الذي أفضى إلى فوزه بصعوبة على هيلاري كلينتون في رئاسيات 2016.