Post: #1
Title: مؤانسات الجمعة كافر يا استاذ بقلم د. محمد حسن فرج الله
Author: محمد حسن فرج الله
Date: 01-05-2021, 01:08 PM
12:08 PM January, 05 2021 سودانيز اون لاين محمد حسن فرج الله- السعوديه مكتبتى رابط مختصر
الباقي من العمر طلبت مني زوجته المشفقة أن أنبهه الي أهمية امتلاك منزل يجنبهم مزالق الإيجار و لؤمه و تقلب أحواله ، و أن أشجعه علي طلب ذلك وإن كان الثمن التنازل عن الحياة الرّخية التي يحيونها الآن و يمتد ظلها الي من حولهم من الناس ، فقلت له : يمكنك ان تطلب قرضاً تسدده في خمس سنوات لشراء الأرض ، ثم تلحقه بقرض آخر لبناء المنزل تسدده في خمس سنوات أخري ، ففاجأني بها : ( العمر ده فضل فيه كم خمسة يا فرج الله ! )
كافر! حكي لي خالي قصة مؤثرة و معبرة عن التشدد و عواقبه ، كان ذلك قبل خمسين عاماً عندما كانوا في مرحلة الدراسة الأولية في مدرسة داخلية في انحاء البطانة ، و كان من ضمن طاقم التدريس استاذ مصري متشدد ينتمي الي جماعة الاخوان ، و كان يصلي بتلامذته الصلوات الخمس جماعة في ساحة المدرسة التي كانت تتوسط فصول الدراسة ، و له في ذلك طقس راتب ؛ يقف بقامته المديدة و لحيته الطويلة و في يده سوط عنج ، ثم يجول ببصره في وجوه المصطفين للصلاة يحصي الحضور و يتفقد الغائبين و كأنه سليمان في يوم عرشه يوم افتقاده الهدهد ، ذلك قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام و يبدأ الصلاة.
و في مرة ، و أثناء الطقس الراتب الذي يسبق صلاة العشاء رأي الاستاذ اشباح بعض التلاميذ في الفصول التي تفتح علي الساحة ، فانتفض في غضب و اتجه في توِّه بخطوته الواسعة السريعة نحو الفصل المضاء و تبعه الصبية الوجلِين في خطوات خائفة اقرب الي الجري ، و عندما وقف الاستاذ علي الباب تفاجأ التلاميذ الذين لم تتخط اعمارهم الثمان سنوات باستاذهم الغاضب يسد عليهم الباب و في يده سوطه (العنجي) ثم يبدأ خطبة عصماء عن تارك الصلاة ختمها بترديد عبارة تشنيعية قاسية قالها و الزبد يتطاير علي فمه : " لا يوجد عذر للغياب عن الصلاة ، إلا اذا الواحد كافر ، العُذر الوحيد إنك تكون كافر ! " ثم ابتدر الصغار مرتعدي الفرائض بالسؤال : ها ...انت مالك ما حضرت الصلاة ؟ الأول : كافر ! قالها و هو يرتجف و في ظنه انها المخرج الوحيد اشار الاستاذ المصدوم للصغير بأن يخرج و وجه سؤاله للثاني : وأنت ؟ الثاني : كافر يا ستاذ ثم مرّ الثالث خفيض البصر منحني الهامة : كافر الرابع :كافر ! الخامس : كافر يا أستاذ !..
ركض الاستاذ الي مكتبه و تعالي صوته بالنشيج وكان الصوت عالياً بحيث لم يمنع الباب المغلق التلاميذ من سماع صوت بكاء استاذهم المرعب !
لم تتوقف صلاة الجماعة في الساحة بعدها ، و لكن السوط اختفي من يد المعلم و غابت عن الصلاة طقوس النظرة التفتيشية ( السليمانية ) التي كانت تسبقها ، و لم يحفل الاستاذ بعدها بالأشباح الصغيرة التي كانت تترائي له في الفصول البعيدة المضيئة بين الفينة و الأخري ، و الحقيقة أن الظاهرة لم تتكر كثيراً بعد ذلك اليوم المشهود !.
|
|