الخرطوم وأديس على حافة الانهيار بقلم د. ياسر محجوب الحسين

الخرطوم وأديس على حافة الانهيار بقلم د. ياسر محجوب الحسين


12-19-2020, 03:14 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1608387270&rn=0


Post: #1
Title: الخرطوم وأديس على حافة الانهيار بقلم د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 12-19-2020, 03:14 PM

02:14 PM December, 19 2020

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة


تطورات دراماتيكية عسكرية على صعيد جبهة الحدود السودانية الأثيوبية خلال الـ48 الماضية؛ السودانيون اتهموا أثيوبيا بتدبير كمين ضد دورية سودانية، مما أسفر عن مقتل ضابط برتبة عميد. فيما تحرك الجيش السوداني وشن هجوما مضادا. وجاء الاحتكاك بسبب ما وصفه الجيش السوداني باسترداد مناطق سودانية ظل يتواجد فيها مزارعون إثيوبيون بشكل غير شرعي في السنوات الماضية مما عده الجيش الأثيوبي استفزازا. وفي تأكيد لخطورة الأمر تحرك الجنرال عبد الفاتح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني الانتقالي إلى الخطوط الأمامية وعقد لقاءات مع القادة الميدانيين هناك تزامنا مع إرسال الخرطوم لتعزيزات عسكرية كبيرة إلى المنطقة الحدودية. وفي ذات الوقت تقدمت الخرطوم بشكوى إلى الاتحاد الأفريقي وإلى منظمة الإيغاد، بشأن الهجوم الذي تعرضت له القوات السودانية على الحدود بين البلدين من قوات إثيوبية.
فما الذي يلوح في الأفق بين الدولتين الكبيرتين في الشرق الأفريقي المفعم بالتوتر وعدم الاستقرار؛ هل هي نذر حرب لا تبقي ولا تذر أم أنها سحابة صيف لا محالة إلى زوال؟ وما خلفيات هذا التوتر وعلاقته بتمرد إقليم التيقراي الأثيوبي المحاذي جغرافيا للسودان؟. ومعلوم أن الجيش السوداني كان قد أعلن عقب نشوب الصراع في التيقراي عن إعادة انتشار قواته والانفتاح في مناطق داخل حدود السودان بغرض الحيلولة دون استغلال أطراف الصراع هناك للأراضي السودانية، وكذلك منع انطلاق أي نوع من العمليات العسكرية وحماية الأراضي السودانية من أي مهددات.
لكن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، حاول جاهدا بلغة تصالحية لينة، التقليل من الحادث الذي تسبب في رفع حالة التوتر لاقصى درجة، وقال إنه "لن يؤدي إلى توتر العلاقة مع الخرطوم" وأن مثل هذه الحوادث "لن تكسر الروابط بين بلدينا لأننا ننتهج دائما لغة الحوار لتسوية الإشكالات". بيد أنه على صعيد آخر بدا الغضب الأثيوبي المكتوم في الفتور الذي جوبهت به زيارة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك لإثيوبيا الأسبوع الماضي واختصرت من يومين إلى بضع ساعات، ليعود إلى الخرطوم ويثير العديد من التساؤلات والتكهنات.
وحاول حمدوك جاهدا إضفاء أبعاد حميمية على الطريقة التي استقبله بها نظيره الإثيوبي عندما سُئل عن أسباب قطع زيارته التي كانت معلنة ليومين. وكان مستغربا جدا زعم حمدوك أنه بحث في تلك الساعات القليلة مع نظيره الإثيوبي 3 قضايا ملحة، شملت الحرب في إقليم تيقراي، وسد النهضة، وملف الحدود بين البلدين.
لقد ظلت علاقات السودان مع جارته إثيوبيا مستقرة خلال العقد الماضي، وظلت زيارات قيادتَيْ البلدين متبادلة على نسق منتظم، بل إن الزيارات الأخيرة التي قام بها الرئيس السوداني السابق عمر البشير إلى أديس أبابا حملت أبعاداً إستراتيجية وتكاملا وصفته كل من الخرطوم وأديس بأنه شامل لكل المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلا عن توحيد المواقف تجاه التهديدات الخارجية.
إلا أنه وبرغم ذلك، ومنذ العام 1995 يسيطر مزارعون إثيوبيون بحماية مليشيات تابعة لقومية "الأمهرة" على نحو مليون فدان من أراضي منطقة الفشقة السودانية شديدة الخصوبة والتي تبلغ مساحتها 251 كيلو متر مربع. وفشلت اجتماعات عديدة للجان المشتركة في ترسيم الحدود بين البلدين التي تحظى باعتراف الحكومة الفدرالية في أديس أبابا.
وتعترف إثيوبيا بتبعية المنطقة للسودان لكن تعقيدات المشهد الاثيوبي وصراع الاثنيات القبلية فيه جعل مليشيات قومية الأمهرة تستولي على المنطقة بوضع اليد وهي مليشيات ينتسب أفرادها في ذات الوقت للجيش الأثيوبي القومي. وظلت الخرطوم وأديس تؤجلان حل المشكلة حلا جذريا لأسباب مختلفة غير مقنعة. ومع انشغال إثيوبيا بأزمة تيقراي وجدت الخرطوم الفرصة سانحة وتقدمت قواتها نحو منطقة الفشقة وقطعت مسافة نحو 10 كيلومترات كانت تسيطر عليها قوات اثيوبية ومليشيات وعصابات ما يعرف بالشفتة التي تستفيد من زراعة اراضي المنطقة الخصبة المطيرة.
ويرى البعض أن ما أثار حفيظة أثيوبيا المناورات العسكرية السودانية المصرية الشهر الماضي بمشاركة مقاتلات "Mig-29M " المصرية المجهزة بصواريخ قتال جوي التي اطلق عليها مسمى "نسور النيل"، حيث جرت في الخرطوم وفهمتها اديس على أنها تحمل "رسائل ردع على المدى البعيد"، ثم لاحقا مناورات سيف العرب التي جرت في مصر بمشاركة السودان ودول عربية أخرى.
لعل أهمية إثيوبيا تتجلى في أكثر من معطى؛ فهي تتميز بوضعية جيوسياسية مهمة لكونها تعتبر ثانية دول أفريقيا الكبرى من حيث عدد السكان بعد نيجيريا (نحو 108 مليون نسمة)، والعاشرة من حيث المساحة، وتحادد ست دول، فيما يقع الجزء الأكبر من إثيوبيا في منطقة القرن الأفريقي الذي يبعد نحو 30 كيلو مترا فقط عن اليمن ومضيق باب المندب. وتملك إثيوبيا أهم أسلحة عصر حروب المياه؛ ويشار إليها باسم "برج المياه" في شرق أفريقيا لأن العديد من الأنهار تنبع من أراضيها المرتفعة، كما أن لديها أكبر احتياطي للمياه في القارة. ويتنوع سكان اثيوبيا تنوعا كبيرا، فهناك أكثر من 80 مجموعة عرقية مختلفة. بيد أن الاقتصاد الإثيوبي يعاني من مشاكل بنيوية جعلت ناتجه المحلي الإجمالي هو الأقل عالميا رغم مميزاته التفضيلية.
على البلدين وبمساعدة الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة، العمل الجاد على حل مشاكلهما بالحوار بعيدا عن لغة الحرب والسلاح وتجنيب المنطقة الأخطار المحدقة باستقرارها وأمنها. وأثبت التاريخ القريب أن أي اضطرابات في السودان تؤثر على الجارة إثيوبيا، كما تلقي أي توترات إثيوبية بظلالها السلبية على الخرطوم، وسبق أن تبادل البلدان في فترات مختلفة إيواء ودعم جماعات متمردة في الطرف الآخر، مثلما حدث في العام 1983، حينما دعمت إثيوبيا تمرد "الحركة الشعبية لتحرير السودان" التي قادت لاحقاً فصل جنوب السودان عن شماله. كما دعم السودان تمرد "الجبهة الشعبية لتحرير إثيوبيا" في بداية التسعينيات بقيادة جبهة تيقراي في العام 1991 في الإطاحة بنظام الرئيس الإثيوبي الأسبق منغستو هيلا مريام وسيطرت من حينها على مفاصل السلطة في البلاد.