الإعلان عن تصوير فيلم العمى في السودان.. بقلم د امل الكردفاني

الإعلان عن تصوير فيلم العمى في السودان.. بقلم د امل الكردفاني


10-11-2020, 03:47 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1602427676&rn=0


Post: #1
Title: الإعلان عن تصوير فيلم العمى في السودان.. بقلم د امل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 10-11-2020, 03:47 PM

03:47 PM October, 11 2020

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




تحولت رواية العمى للكاتب البرتغالي جوزيه سرماغو إلى فيلم هوليودي، وهي الرواية التي نالت شهرة واسعة، وتشكلت لها دراسات عديد لبلوغ تأويلات مقاربة للمستهدف النصي.
تتحدث رواية العمى عن الهرج والمرج الذي تبع إصابة إحدى المدن بوباء غامض يتعرض في المرء للعمى "الأبيض"، إذ لا يرى المرء شيئاً سوى وميضاً أبيضاً. وقد أدى تفشي الوباء إلى فوضى عارمة، وسيطرت العصابات على موارد المدينة، وقامت بابتزاز المواطنين واغتصاب نسائهم مقابل الطعام، مما دعا لتدخل الجيش، الذي تعرض بدوره للعمى، فهرب وترك الجماهير تمارس عنفاً مفرطاً تجاه بعضها البعض.
وفي لفتة بارعة من حكومة القحاطة، تم اختيار السودان، لتمثيل فيلم توثيقي بالفعل، مقتبس -بشكل عملي- من تلك الرواية.
فخلال الأسابيع الماضية، حدثت عمليات قتل في طوابير وصفوف الخبز، وسيطرت عصابات المشردين على المخابز، وفشلت لجان المقاومة في تنظيم انسياب الحبز وباقي السلع للمواطنين. ورغم ما تقرر من منح سكان كل مدينة كروتا لصرف الخبز، لكن المخابز رفضت الالتزام. وحصلت مشاحنات عديدة واحتكاكات، بلغت حد العنف اللفظي والجسدي.
لقد عدت لتوي من صف الخبز، وكالعادة خضت شجارات منهكة عصبياً، جراء الفوضى المتغلغلة في مؤسسات الدولة. واصبحت العنصرية فجة خاصة تجاهنا نحن الأقلية التي تسمى بالحلب. فكل شخص يحاول الحصول على سلاح لاقتلاع حقه، تماماً كما حصل في رواية العمى.
أما صفوف البنزين فحدث ولا حرج، فالصف الواحد قد يمتد لخمس كيلومترات، وتحتشد طرمبة البنزين بالمئات الذين يتشاجرون، والشرطة نفسها قد تتدخل لا لتنظيم الفوضى بل لملء سيارات منسوبيها، أو حصولهم على رغيف الخبز، هم وباقي القوات النظامية.
قبل أيام تم توقيع اتفاق وهمي اسموه اتفاق سلام بين مكونات قحط نفسها ذات الأسماء المتعددة، وتم انفاق مليارات الجنيهات على احتفالات وهمية كاذبة، بالتأكيد (خَمَشَ) منها المنظمون قرابة أربعة أخماسها، وانفقوا الخمس الأخير على التنظيم.
وفي الوقت الذي يعاني فيه المواطن من صفوف الخبز، سنجد المطاعم، لا تعاني من أي أزمة خبز، وكذلك فليس كل الشعب يبحث عن الخبز فهناك ما لا يتجاوز واحد من مائة، لا يعانون من تلك الطوابير والصفوف، وبالتالي فهم لا يحتكون بالرجرجة والدهماء والغوغاء والمسحوقين من أمثالنا. فلديهم براميل من البنزين ممتلئة دائماً في حيشان منازلهم، ويأتهم خبزهم من السماء رغداً، ببركة دعاء الوالدين.
وفي الوقت الذي نجد فيه أسر توقفت عن شراء الكهرباء وتعيش منذ ما قبل الكورونا في الظلام بسبب عدم القدرة على توفير ثمن الكهرباء، سنجد أن تلك الاقلية التي تملك كل شيء، تجوب الهايبر ماركت، وتشتري سلع بما لا يقل عن ألفي دولار يومياً، (قروش عجيبة).
لم تعد هناك طبقية في الدولة، فقد انتهت الطبقية بفضل حكم الإسلاميين ثم الشيوعيين اليوم، فهناك مساواة في الفقر المدقع، ولكن هناك بضعة مئات فقط من الأسر، تملك كل شيء. ونسبة لقلتهم فلا نستطيع أن نصنف السودان كدولة تعاني من طبقية.
لا يعاني البرهان ولا حميدتي ولا حمدوك ولا جوقة كل هؤلاء، من صفوف الخبز والبنزين، وياتهم رزقهم رغداً حيث شاءوا، هم ومن حاصصوهم أخيراً. ففلان للسيادي وعلان للبرلمان، أما نحن، لعننا الله وطلع ميتيننا، وخسف بنا الأرض، لاننا كفار تافهين وحقودين، فنواجه ابتلاءات الله اليومية، من انعدام العلاج والدواء والخبز والشرب والكهرباء والبنزين. بل حتى نعاني من انعدام السلام النفسي، ما دمنا داخل رواية سراماغو الملعونة. فعلينا أن نخوض صراع الفقر، ونحن في دولة اقتصادها اسوأ من اقتصاديات الدول التي تعاني من الحرب.
تعيش الغالبية من البشرية هنا على سرقة بعضهم البعض، ودورة المال تتحرك بين ايديهم كتسريب خراطيم الري بالتنقيط. فالمائة جنيه التي يحصل عليها الكمساري، ينفقها على بائع الزيت، والذي يكون قد استقطع منها تكلفة زجاجة الزيت ووضع فوق التكلفة هامش ربحه، ثم أن بائع الزيت ينفق المائة التي ستقل عن مائة على شراء السكر، وهكذا حتى تصبح قيمة المائة جنيه صفر، ولكنها تدور من جهتها الأخيرة، لتستمر دورتها.
هذه المائة جنيه هي التي يتقاتل عليها الجميع. أما جماعة البرهان وحميدتي وحمدوك وبطانتهم من الراسماليين والحزبيين، فامورهم (سالكة)، إذ هم من يجففون خزينة الدولة، عبر تدوير المال بينهم أو اقتسامه باتفاقيات السلام التحاصصية اللطيفة.
ويتلاعب إعلام قحط، فيرمي باللائمة على جشع التجار، أو تاجر العملة الذي يقف تحت شمس السوق العربي، وهكذا يبعد الشبهة عن التماسيح الكبيرة، التي أضحت تدير اجتماعاتها على طاولة مستديرة، ولعاب أفواههم يسيل أثناء توزيع الورق.
اتفاقيات تحاصصية (هي في الواقع اتفاقيات توزيع المسروقات). ولكن طبعا يمنحونها مسميات (وطنية، قومية). وهم كذبة.. لعننا الله ودمرنا نحن، قادر يا كريم وليس هم.
تلك المعاناة والصفوف وجرائم العنصرية والعنف والقتل، وخلافه، تتطلب منا جميعاً أن نقرأ رواية العمى.
وألتمس من سعادة الفريقين والدكتور، أن يكملوا جميلهم ويوزعوا الرواية على الشعب بسعر رمزي (مضاعف عن السعر الأصلي لأن هناك من يسترزقون من قرارات الحكومة دائماً). واتبرع أنا شخصياً، وأعوذ بالله من كلمة أنا، لعنني الله، بتسجيل الرواية صوتياً، وتوزيعها على البشرية الهمجية هذي، لكي نعرف كيف أن الرواية قد إنتهت بزوال الوباء فجأة وبدون مقدمات، فنصبر ويصبرون، وما صبرنا إلا بالله. وعلى الله فليتوكل المسحوقون.