حكومة الخرطوم.. اليأس المفرط بقلم:د. ياسر محجوب الحسين

حكومة الخرطوم.. اليأس المفرط بقلم:د. ياسر محجوب الحسين


08-22-2020, 08:02 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1598079765&rn=0


Post: #1
Title: حكومة الخرطوم.. اليأس المفرط بقلم:د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 08-22-2020, 08:02 AM

08:02 AM August, 22 2020

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة





حالة من اليأس المفرط تعيشها الحكومة السودانية برئاسة عبد الله حمدوك بعد فشل شاخص لا تخطئه إلا عين بها رمد.
فشل سياسي واقتصادي عمّ القرى والحضر ولم يستثن أي مجال من المجالات فلا تكاد تحس حتى بوجود الدولة، فالدولة مهمتها توفير الأمن والخدمات للمواطنين وهو ما يصعب الإقرار به.
ومعروف أن اليأس أو انعدام الأمل نقيض الرجاء، حيث يشعر اليائس بعدم القدرة على الإنجاز والعطاء.
ولم يكن من الصعب تشخيص حالة اليأس الذي ضرب بأطنابه في السلطة الانتقالية منذ وقت مبكر، فقد كانت محاولة اغتيال حمدوك المزعومة في مارس الماضي تمثيلية سيئة الإخراج كان الغرض منها فك الحصار عن حمدوك وحكومته وتخفيف الضغط عنها وإعادة إنتاج محاولات الشحن العاطفي واستدرار عطف وشفقة الجماهير الغاضبة بسبب الضائقة المعيشية.
وشهد الأسبوع الماضي أغرب حادثة مرت على وزارة الخارجية السودانية منذ نشأتها، وبلغ من غرابتها أنها كانت مثل خليط عبثي جمع كل أشكال الدراما؛ الميلودراما والمونودراما والميتادراما بل حتى التراجيديا والكوميديا في آن واحد.
مساء الثلاثاء خرج المتحدث باسم وزارة الخارجية حديث التعيين عبر التمكين السياسي الجديد مفاجئا وزير الخارجية المكلف بقوله في تصريحات صحفية "إن الاتصالات قائمة بين السودان وإسرائيل من أجل تطبيع العلاقات، وأضاف أنه في حال توقيع اتفاق سلام فإن السودان "سيكون أهم بلد تطبّع معه إسرائيل، حتى أهم من مصر". وبسرعة خاطفة عاجله الوزير المكلف وقال في تصريح صحفي إن الوزارة "تلقت بدهشة" تصريحات حيدر بدوي صادق الناطق الرسمي.
وشدد على أن "أمر العلاقات مع إسرائيل لم تتم مناقشته في وزارة الخارجية بأي شكل كان، ولم يتم تكليف السفير حيدر بدوي للإدلاء بأي تصريحات بهذا الشأن". وتلى ذلك إقالة الناطق الرسمي من منصبه.
ومع ذلك لم يرعوِ الرجل الـمُــقال فأتبع قرار إقالته بتصريحات لقناة الجزيرة مباشر وقد ذرف خلالها دمعا شجيا قال إن ذلك حب للسودان وشعبه ولولا حبه هذا لما تجرأ على قول تلك التصريحات الفاجرة.
وقال فيما قال من قول يناقض بعضه البعض، إنه بالفعل قد خرج عن النظم والضوابط التقليدية لأنها معوقة وضد التطوير وعندما تكون كذلك يمكن الخروج عليها لكنه عاد وقال إنه يحترم قرار الإقالة.
وهو قرار جاء بكل تأكيد وفقا لتلك النظم التي يعترض عليها.
وذهب الرجل أبعد من ذلك حين قال إن الدولة كلها لا تسير وفق "التثوير" المطلوب وأنه يجب إطلاق العنان لأمثاله.
وبدون الدخول في تفاصيل الخطأ الذي وقع فيه الناطق الرسمي المقال فهناك للأسف خطوات وإجراءات عملية تمت بعضها أعلن عنه والآخر لم يعلن عنه، على سبيل المثال السماح للطيران الإسرائيلي بعبور أجواء السودان.
والمنطق يقول إذا كان رأس الدولة الجنرال عبد الفتاح البرهان قد قابل رأس السلطة التنفيذية في إسرائيل بنيامين نتنياهو فبراير الماضي فما هي جريمة تصريحات ربما رعناء من موظف في وزارة الخارجية؟ فليس بعد الكفر ذنب.
إذن ليست الغضبة المضرية على الناطق الرسمي كانت بسبب الاختلاف المبدئي معه ولكن كانت بسبب التوقيت وجرعة الجرأة الزائدة.
إن الجنرال البرهان الذي قابل نتنياهو وفتح باب التطبيع والتزلف لإسرائيل على مصراعيه لم يكن ليحمل أي تفويض وقد زعم أن لقاءه مع نتنياهو جاء من موقع مسؤوليته تجاه تحقيق "المصالح العليا" للشعب السوداني. ليس السودان دولة من دول الطوق أو حتى من الدول القريبة جغرافيا من إسرائيل بل يعتبر خارج نطاق المحور الشرق أوسطي وتعقيداته فلا مجال لأن يتعلل البعض بضرورات الجغرافيا السياسية ويتخذ ذلك ذريعة للتعاطي مع الدولة العبرية.
اليوم يقود رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حكومة عرجاء فمنذ نحو شهرين أجبر 7 من وزرائه على الاستقالة بسبب وصفه لهم بضعف الأداء وهم وزراء الخارجية والمالية والصحة والطاقة والزراعة والبنى التحتية والثروة الحيوانية.
بيد أنه لم يكن جاهزا بالبديل، كما يواجه حكام الولايات الذين عينهم مؤخرا رفضا شعبيا تطور في بعض الولايات إلى أعمال عنف مما استدعى فرض حظر التجوال.
ولا يكاد يوم يمر في الخرطوم دون مظاهرات وإغلاق للشوارع وإشعال الحرائق وهو ما خلق حالة عدم استقرار وغياب لهيبة الدولة لم يشهد السودان لها مثيلا.
الدولة السودانية اليوم برمتها تغالب خطر الانهيار الذي تدل عليه مؤشرات جلية وواضحة؛ فالاقتصاد يتدهور بمعدل مخيف والعملة المحلية تتراجع أمام العملات الأجنبية بشكل كارثي.
فضلا عن الانفلاتات الأمنية وتفاقم النزاعات القبلية في العديد من أنحاء البلاد. مع تزايد حالات الاقصاء السياسي والإبعاد والعزل للعاملين في الخدمة المدنية من خارج منظومة الأحزاب الحاكمة وبروز خطاب الكراهية تجاه مكونات سياسية مهمة ومتجذرة مجتمعيا.
إنها المونودراما كما هو الحال في مسرحية "أغنية التم" للكاتب الروسي "أنطوان جيكوف" وتجسد المسرحية حياة ممثل كان مشهوراً في شبابه ومحبوباً لكنه عندما أصبح شيخاً لفظه جمهوره واضطر لأن يعمل مهرجاً في مسرح صغير في إحدى المدن المنسية واعتاد على أن يقضي الليل في غرفة الماكياج ثملا يستعيد ذكريات نجاحاته المسرحية مظهراً حنقه على النفاق الاجتماعي ويقرر في نهاية المسرحية أن يهجر المسرح، لأن جمهوره قد هجره.
بيد أننا في مسرح السياسة السودانية أمام ممثلين لم يكتسبوا نجاحا أصلا بل ظلوا يعانون بشعور زائف بالتضخم؛ فالنفاق هنا شيمة الممثلين والصدق وحسن الظن كان من نصيب الجمهور الذي يبدو أنه في سبيل استعادة وعيه.
إن البرهان وحمدوك ورهطهم الحاكم لا يمثلون السودان وقيمه ومبادئه ولذا كان الفشل حليفهم ويتحملون مسؤولية تاريخية تجاه الأخطار التي تواجه الدولة السودانية بسبب سوء إدارتهم والتمدد في صلاحيات محددة بظرف زمني انتقالي والإذعان لأهواء ورغبات المحاور الإقليمية.