قـــراءة في ملــف دارفــور (2-2) - بقلم: طـه داوود

قـــراءة في ملــف دارفــور (2-2) - بقلم: طـه داوود


08-21-2020, 10:30 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1598045429&rn=0


Post: #1
Title: قـــراءة في ملــف دارفــور (2-2) - بقلم: طـه داوود
Author: طه داوود
Date: 08-21-2020, 10:30 PM

10:30 PM August, 21 2020

سودانيز اون لاين
طه داوود-
مكتبتى
رابط مختصر



قـــراءة فــي ملــف دارفــور (2-2)

بقلم / طـه داوود
samoibal@yahoo. com


• لا خوف على الهوية العربية ولا خوف على الهوية الافريقية في السودان إذا اعترفنا جميعاً بخصوصية الحالة السودانية المشتملة على ثنائية غير قابلة للفصل فعروبتنا لا تشبه عروبة مصر أو الشام أو المغرب العربي، ونفس الأمر ينطبق على الهوية الافريقية الممزوجة بالثقافة العربية. نعم، اللغة العربية لها نصيب الأسد في كل الميادين لأسباب عديدة، ولكن هذا لا يعني إغفال حقيقة الوجود المُعتَبَر والقديم للغات الإفريقية بمختلف أقاليم السودان، ومن ثمً لا أجد أي مبرر للنظرة السلبية والقلق الذي يبديه البعض تجاه هذه اللغات!

• وكمثال لهذا التنمُّر تجاه الثقافات الإفريقية، أذكر قصة سمعتها من أحد زملاء الدراسة في الجامعة، وهو من إحدى قرى المساليت في ولاية غرب دارفور. يقول هذا الزميل أن مدير مدرستهم الابتدائية الجديد والقادم من الخرطوم، حاول الحد من استخدام التلاميذ للغتهم المحلية داخل المدرسة فأصدر قراراً بمنع التلاميذ من التحدث داخل المدرسة إلا باللغة العربية ومَن يُخالِف ذلك يُعاقَب، ونتيجة لعدم إجادتهم للغة العربية في تلك السن المبكرة، قضوا ذلك اليوم الدراسي في صمت تام كما يقول هذا الزميل. ثم اضطر المدير إلى التراجع عن قراره غير المدروس.

• لا شك في أن مثل هذا الموقف السلبي من الثقافات الأخرى له تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على ذهنية هؤلاء الصبية الذين لم يتّصلوا بَعْد بأي مجتمع آخر خارج قريتهم الصغيرة. ولا أدري لما ذا لا تضع الجهات الحكومية المعنية كوزارة التربية ووزارة الثقافة والإعلام خططاً على المدى القصير والطويل لإبراز الوجه الآخر للسودان حتى لا يُفاجأ البعض، كحال مدير مدرسة زميلنا، بوجود ما لا يقل عن ١٠٠ لغة أخرى غير العربية في هذا السودان؟ لغات مكتملة الأركان والأوصاف لها أصواتها ونثرها وشعرها وأمثالها.

• لا تهديد للغة للعربية من جانب اللغات الافريقية في دارفور، بل وعلى العكس من ذلك، يجب أن يكون هذا التعدّد اللغوي مصدر إلهام وقوة للجميع، علينا أن ندرك أن اختلاف الألسن والألوان آية من آيات الله، ومن ثمّ لن تنجح محاولات التيارات الراديكالية من هذ المعسكر أو ذاك في تغيير الواقع بمنطق القوة.

• اللغة العربية لها خصائصها الفريدة التي قلّ أن يوجد لها مثيل ولها قوة ذاتية تساعدها في الانتشار لا الاندثار. يكفي اللغة العربية أنها الأغنى والأولى عالمياً من حيث المفردات التي تزيد عن 12 مليون مفردة ولا توجد أي لغة مكتوبة في هذا الكون تدانيها من حيث الثراء!
وبالتالي ليس هناك أي تهديد آني أو مستقبلي على اللغة العربية من جانب اللغات المحلية للقبائل الإفريقية في السودان، وهي لغات غير مكتوبة، وهي في أمس الحاجة إلى دعم وتشجيع مركزي وولائي ليعبِّر بها أهلها عن ثقافاتهم وأحلامهم من خلال القنوات التلفزيونية والإذاعات الولائية بما يعزز روح الانتماء ويجعل مفهوم الوحدة في التنوع (Unity in diversity) واقعاً معاشاً.

• ختاماً، أعتقد أن أي اتفاقيات لحلحلة أزمة دارفور ومن ورائها أزمة السودان، لن تصمد طويلاً ما لم تتبنى حلاً حقيقياً يعالج مشكلة الهوية من كافة الجوانب. دارفور تنتظر حلاً شاملاً يتّصف بالمصداقية والديمومة، وترفض الحلول الجزئية التي تُؤسَّس على المساومات والصفقات والترضيات.

النقاط التالية تمثِّل، في اعتقادي، جزءاً من متطلّبات معالجة أزمة دارفور.

• أولاً/
• إعطاء الأولوية لقاطني المعسكرات في الداخل والخارج، للعودة إلى قراهم ومزارعهم وحواكيرهم التي طُردوا منها ظلماً وعدواناً، مع ضرورة إعمارها وتأهيلها قبل العودة، وكذلك تعويض هؤلاء الضحايا مادياً ومعنوياً، وهي خطوات لا بد منها لرتق النسيج الاجتماعي وإعادة الثقة والطمأنينة للنفوس بعد سنوات اليأس والمسغبة والأسمال البالية في معسكرات (كلما) و(أبوشوك) و(كورني) و(عطاش) و(سلك) و(شنقل طوباي).

• ثانياً/
• وضع مشروع خاص لإعمار دارفور وتنفيذه على مراحل محددة يتم التوافق عليها مع أطراف القضية وضمان تنفيذ كل المراحل في أوقاتها المحددة، على أن تُعطى الأولوية في مشروع الإعمار للتعليم والصحة والنقل. والنقل، على سبيل المثال، يعني ربط الإقليم بشبكة من الطرق المرصوفة وشبكة من السكك الحديدية المتصلة بالشبكة القومية الواصلة الى مدن السودان وموانئه. الطرق تعني وصول منتجات الاقليم الزراعية والحيوانية الى أسواق المستهلكين في الوقت المناسب وبالسعر المناسب بما يحقق الفائدة لجميع الاطراف.
• هل فكرنا في الكميات الهائلة من الفواكه والبصل والطماطم التي ينتجها إقليم دارفور سنوياً ثم يكون مصيرها التلف بسبب العجز عن نقلها الى مناطق الاستهلاك؟

• وهل فكرنا في قطعان الأبقار والجِمال التي تُفني القبائل العربية في دارفور أعمارها في تربيتها وتسمينها بلا هدف اقتصادي في ظل انعدام البنى التحتية في الإقليم؟ لِمَ لا تبادر الدولة بإنشاء شبكة الطرق والسكك الحديدية في دارفور، حتى يجد البقارة والأبالة في دارفور وسائل وأسواق جديدة لمنتجاتهم من اللحوم والألبان تدر عليهم عوائد مالية لم تكن في الحسبان.

• ثالثاً/
• تنفيذ عمل إعلامي توعوي وتثقيفي على مستوى المركز والولايات للتعريف بدارفور ومأساة دارفور. حيث كشفت أحداث دارفور الدامية عن عدم معرفة قطاعات واسعة من المواطنين لجغرافية إقليم دارفور وتاريخه وتركيبته السكانية! عليه، أرى أن تحقيق السلام في دارفور يستلزم، ضمن لوازم أخرى عديدة، هذا العمل الإعلامي التوعوي من خلال قنوات التلفزيون والإذاعات والصحف والمسرح لتغيير الصورة التقليدية الراسخة في أذهان الناس عن إقليم دارفور، بأنه إقليم الشدة والنزاعات القبلية والتهريب.

علينا أن ندرك أن سكان المعسكرات، وبالرغم من كل ما لحق بهم من ظلم وبطش، يتطلّعون الآن إلى العدالة والسلام والتنمية، بل وتمتد تطلعاتهم وتطلعات نظرائهم المنكوبين في (جنوب كردفان) و(النيل الأزرق) إلى الحصول على فرص متساوية لعرض ما لديهم من فولكلور وعادات بلغاتهم عبر الشاشات والإذاعات بما يترجم هذا التنوع الإثني وهذه الفسيفساء اللغوية التي يعج بها السـودان.

• رابعاً/
على السلطة المركزية في الخرطوم التأكيد على حيادها الإيجابي وعلى وقوفها على مسافة واحدة من كل الأطراف في دارفور وفي غير دارفور، عليها أن توصل رسائل لا لبس فيها ولا غموض بأن الجميع سواسية في أعين السلطة، وأنه من غير الوارد بعد اليوم إستعداء طرف ضد طرف ومدّه بالسلاح والمؤن. على السلطة المركزية أن تثبت ذلك بالأفعال والمبادرات لا بالشعارات والوعود.

• نريد لدارفور أن تعــود سيرتها الأولى، دوحـة وارفـة الظلال كثيرة الثمـار، يتشارك فيها الجميـع: المحاميد والمهرية والرزيقات والتعايشة والمعاليا والسلامات والحيمات،،الخ، مع أخوانهم الفور والبرنو والتاما والزغاوة والمساليت والبرقو والفلاتـة،،الخ.

التحية،،،
20/8/2020م