عبد الخالق: حفاظ مر وخلق وعر بقلم عبد الله علي إبراهيم

عبد الخالق: حفاظ مر وخلق وعر بقلم عبد الله علي إبراهيم


07-28-2020, 05:15 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1595909711&rn=2


Post: #1
Title: عبد الخالق: حفاظ مر وخلق وعر بقلم عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 07-28-2020, 05:15 AM
Parent: #0

05:15 AM July, 27 2020

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر






(في ضحى هذا اليوم 28 يوليو من 49 سنة ذرفت دمعة حرى على أستاذي عبد الخالق محجوب لما حمل المذياع نبأ إعدامه في أيام الشؤم تلك. كنت في بيتي، وقد ضاقت بي الوسيعة، أنتظر قدوم الأمن لأخذي إلى أين لا أدري في كل ساعة. لم يمنعني تجملي أمام الوالد وأخي رحمهما الله اللذين كانا في زيارتي من كفكفة الدمعة. ولا زالت أدنى الدموع إلى عيني تلك التي تفيض حين أطراه. عوجلنا فيه. ومن عزائي كلمة عن مغربي نقلها الأديب محسن خالد: "أنتم السودانيون لعنكم الله قتلتم عبد الخالق". قتلته البرجوازية الصغيرة في الحزب والمجتمع التي أمسك فيها بأربعاته ألا تجازف بثورية الانقلاب ذات الصلاحية المحدودة. فقال عن هذه الثورية في بيان الحزب الشيوعي الأول في تقييم انقلاب 25 مايو 1969 إنها مهتزة وليس في استطاعتها "السير بحركة الثورة الديمقراطية بطريقة متصلة مما يعرضها للألآم ولأضرار واسعة". فجربنا ثوريتهم في أكتوبر فأسهموا في انتكاسة العمل الثوري في بلادنا.

وهذه كلمة قديمة فيها تحليل للقطر من عيني والكرب في نفسي على الرجل الوسيم).

حاربت جماعة من دار حامد بشمال كردفان جماعة أخرى. وكان السبب جملاً وضعت عليه دار حامد يدها بغير وجه حق. ونصح الشاعر أهله برد الجمل إلى أهله. فرفضوا. ونشبت الحرب. وانهزمت دار حامد وانقتل من بيت زعامتها جاروط ود تمساح. وكان وضاح المحيا جميلاً. وشق موته على صديقه الشاعر. فأطلق لسانه في أهله وقال لهم "هَدَيتكم" فأعرضتم عني. قلت لكم الزول "أدوا جميله". فركبتم رأسكم وخسرتم الحرب ومات جاروط:

وكتلتم عيل (إلا) رفيقي الكنو عروس قيلة

ومعناها إنكم بؤتم بالخسران ولم نصب من الحرب سوى مقتل جاروط الذي يشبه عروساً في يوم القيلة. وهو يوم جلوة العروس.

ويخطر لي هذا البيت من قصيدة الشاعر الحامدي كل ما تذكرت أستاذنا عبد الخالق محجوب الذي رحل عنا في العشر الأواخر من يوليو 1971 بعد هزيمة انقلاب 19 يوليو. وكان عروس قيلة. كان (وهو الرجل الأخطر في تلك الأيام التي أذهلت الناس عن الناس) حريصاً على الظهور أمام قضاته المأمورين بقتله في كامل هندامه الذي عُرف به. لم يطلب من جلاديه سوى أن يبعثوا برسول إلى زوجته لتأتيه بغيار مناسب. وقال لهم إنه لن يشرفكم ان أظهر مبهدلاً أمام الصحافة الأجنبية. وكانوا قد ساقوه بعد اعتقاله بلبسة المتفضل: جلابية حتى بلا طاقية. وقال لهم إن ذلك لن يشرف السودان أيضاً. ولم يصمدوا أمام منطفه في القيافة للسودان حتى الرمق الأخير.

ما يغيظني إلا أولئك الذين يبخسون اللغة العربية. ويفعلون ذلك غالباً كل ما أرادوا تعريب كلمة عن الإنجليزية. فيقولون: "ليست في دقة الإنجليزية. تحتاج إلى أكثر من كلمة لتنقلها إلى العربية". ومتى فحصت القائل وجدته لا يحسن لا العربية ولا الإنجليزية. وإنما هو مفتر يهرف مستصغراً ثقافته بغير بينة ولا رزانة. تداعت عليّ هذه الخاطرات وأنا اتعرف من جديد على قصيدة أبي تمام التي رثى فيها محمد بن حميد الطوسي. فظفرت منه ببيت أتمثله ينطبق على أستاذنا ويحيط بمأثرته إحاطة السوار بالمعصم. والبيت هو:

وقد كان فوت الموت سهلاً فرده إليه الحفاظ المر والخلق الوعر

فليأتني القادحون في العربية بترجمة توافي: "الخلق الوعر". وكان ذلك الخلق المُوحِد المتوكل سمة أستاذنا. جاءته السلطة على طبق في 25 مايو 1969 من بعض حوراييه. فردهم عن عجلتهم بعزيمة تربوية حفاظاً مراً على خطة الثورة والنهضة التي لا تحتمل المغامرة والمسارعة الفطيرة. كان يمكن أن "يفوت" الموت لو غض الطرف وقَبل ب (يا ريس) من حارقي البخور وصنّاعي عاهات الوطن. لم يقبل الدنية في خدمته للطبقة العاملة السودانية والكادحين ليقبل، كأمر واقع، بنظام يظن "الثورة شعار" ويتراخى يوم الزحف متى كشرت الحقائق والخصوم في وجهه.

وكان من خلقه الوعر أنه اعتني أكثر ما اعتني، والموت يكتنفه، ان يبلغ أسرته أن ترد عربته الفولكس واجن إلى مالكها الأصلي: الحزب الشيوعي. آه من سيارته الفولكسواجن رمادية اللون! وقارن بمن أصبحت السلطة عندهم صنو للتكاثر في السيارات يفاخرون بها لا أعرف من! ثم يملكونها لأنفسهم بحذق غير عادي.

هذه من قساوة يوليو على جيلي اليساري. وسيبقي من أستاذنا هذا الخلق الوعر في خاطرنا. ونعلم أن مثلنا، حتى بين خصومنا، من يؤرقه يوم في يوليو أو غير يوليو من الشهور القاسيات. ولذا دعونا إلى طي سجل تلك الأيام العصيبة بالتحري عن ظرفها كله وكشف مقابر شهدائها والإحسان إلى ذريتهم للتراضي عن بينة على قسمة الله والتاريخ.

ولكن . . . كتلتم عيل رفيقي الكنو عروس قيلة.

Post: #2
Title: Re: عبد الخالق: حفاظ مر وخلق وعر بقلم عبد الله
Author: عبدالله الشقليني
Date: 07-28-2020, 12:47 PM
Parent: #1


صدق الحاردلو حين أشعر


كَبسْ الهَمْ عَليْ لِيلِي ونِهاري مْسَّرحْ
بطنْي اشِّيمطَتْ قلْبي البِفِرْ مِجَّـرَّح
الصايْدنِي كانْ صادْ الحُجارْ بِتْمَرِّحْ


*