المثقف وحقول الألغام.! بقلم الطيب الزين

المثقف وحقول الألغام.! بقلم الطيب الزين


07-18-2020, 05:07 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1595088428&rn=0


Post: #1
Title: المثقف وحقول الألغام.! بقلم الطيب الزين
Author: الطيب الزين
Date: 07-18-2020, 05:07 PM

05:07 PM July, 18 2020

سودانيز اون لاين
الطيب الزين-السويد
مكتبتى
رابط مختصر




من الإشكاليات المطروحة في الساحة السياسية السودانية، منذ القرن التاسع عشر، الذي شهد بدايات تبلور وتشكل الدولة السودانية الحديثة بعد مخاضات التحرير الأولى من الهيمنة الأجنبية، مرورا بمحطة الإستقلال الوطني وثورة إكتوبر وإنتفاضة مارس أبريل وإنتهاءاً بثورة ديسمبر المجيدة، كلها محطات تاريخ نضال عنيف وشرس مخضب بالدماء وعرق النضال، توقا للحرية والتحرر من شروط الحياة وظروفها الصعبة،حلما بواقع أفضل في السياسة والإقتصاد وتحسين معاش الناس في أكلهم وشرابهم في امنهم وتعليمهم وصحتهم وثقافتهم، حلم غنت وهتفت له حناجر الملايين، وسالت لأجله دماء غزيرة.
رغم مرور السنين، وتعقد المشهد السياسي وتدهور الوضع الإقتصادي ظل حلم التغيير وبناء الوطن المعافى من الإنقلابات العسكرية والحروب وإنتهاكات حقوق الإنسان، والفقر والجوع والجهل والتخلف، حلما يانعاً حمله صناع 21 أكتوبر، ومارس أبريل، و19 ديسمبر، إيقونة على الصدور ونبراسا في العقول لمجابهة تحديات الحياة وتعقيداتها، التي فرضت حياة قاسية وصعبة على شعبنا المسكين، الذي يعاني ظروف في غاية الصعوبة والتعقيد، في ظل إنشغال الساسة بشؤون الحكم ورهق السياسة.
يأتي دور المثقف والمبدع ليعبر عن هموم الملايين التي تعاني وتكابد من أجل الحصول على لقمة العيش، عبر الكاريكاتير والريشة والقصيدة والمقال، والأغنية، وخشبة المسرح من أجل أن ينقل واقع الحياة اليومي إلى الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، الفيس بوك، والواتساب وغيرها من طرائق التعبير، تعبيرا عن وعيه وإضطلاعا بدوره الوطني
تنبيها للحكومة وحاضنتها السياسة قوى الحرية والتغيير، عبر خطاب ثقافي إستشرافي يخترق حجب الواقع ، ويفتح مصاريع المستقبل.
رافضا أن يكون مجرد عتال ثقافة، أو شاهد زور في مجتمع مازال يعيش واقع الأزمة.!
وبلادنا تمر بمرحلة مخاض صعبة مرحلة تحول من نظام ديكتاتوري جثم على صدور شعبنا ثلاثة عقود مظلمة، إلى نظام ديمقراطي واعد.
المثقف الحقيقي، لا يجامل أحد حتى لو كان يدعم الحكومة، لانه يفرق بين الحكومة والوطن، لذلك دعمه سيكون مشروطا بتحمل الحكومة لواجباتها ومسؤولياتها، وخروجها من الغرف المغلقة بأن تنزل إلى الشارع، وتسمع الشارع ماذا يقول ...؟ وماذا يريد ..؟ كما رأينا د. يوسف أدم الضي والي الخرطوم ووزير الحكم الإتحادي المكلف في الشارع واقفا مع عمال النظافة في الأسبوع الماضي ، هذا النموذج من المسؤولين هو الذي يشعرك بأنه مهتم بمعاناة الناس يسمع منهم مباشرة.
الثورة لم تأت من أجل أن تشغل القوى السياسية الشعب بصراعاتها ومشاكلها، وإنما جاءت من أجل أن تنشغل الأحزاب والحكومة بهموم الشعب وتبذل قصارى جهدها لتحسين مستوى حياته ومعاشه.
ما رأيناه من مزايدات و مناورات، بين القوى السياسية، لا يعبر عن روح الثورة، لذلك لابد للمثقف أن يواصل مسيرته، شاقا طريقه وسط حقول ألغام السياسة والسياسيين، مستخدما ملكته وطاقاته لإبراز حقيقة الواقع المأزوم كما هي دون مواربة أو تزويق وروتش، مسلطا الأضواء تشريحا ونقدا للمفاهيم المشوهة والظواهر السالبة في الساحة السياسية والثقافية والإجتماعية، بغرض تعرية المواقف والنهج الذي يحاول أن يفرغ ثورة ديسمبر المجيدة من مضامينها الوطنية، ويحولها إلى محاصصة بائسة، وسلام زائف لا يحقق سوى مصالح أمراء الحرب وتجار السياسة، مع إستمرار واقع الأزمة، ومفاقمة معاناة الملايين من الفقراء، الذين يفتقدون لأهم ضروريات الحياة، على رأسها الأمن والإستقرار والسلام، بجانب غلاء الأسعار وتدهور الخدمات العامة ومخاطر تجدد الحرب والصراعات القبلية التي شهدتها أغلب الولايات.!
أمام هذا الواقع المأزوم، لا يمكن للمثقف أن يصمت، لابد له أن يعبر وينقد سعيا منه، لإعادة تعريف الصراع الإجتماعي القائم على أنه صراع قضية، وليس مصلحة، كما يفكر بعض الإنتهازيين الذين يحاولون أن يجيروا الصراع لخدمة أجندتهم السياسية الضيقة، على حساب الحقائق الموضوعية، والقيم والمعاني الوطنية العليا التي من أجلها قدم الشعب مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين والمفقودين، لإيجاد بديل منطقي وواقعي يحقق تطلعات الشعب في التحول الديمقراطي الكامل الذي يمكن الشعب السوداني من ممارسة حقوقه السياسية وإنتخاب حكومته المدنية التي تحافظ على وحدته الوطنية، وتصون سيادته وتحقق تطلعاته المشروعة في حياة حرة كريمة، بعيدا عن التحيزات الضيقة والدعوات الزائفة التي تقدم حلولا مشوهة وزائفة، لأزمة حقيقية ما زالت تنتظر المداخل الصحيحة.! وحتى ذلك الحين، التحية لك يا وطن، والتحية للملايين الواطية جمر المعاناة.!

الطيب الزين