مين قال ليك هل يا ترى: مظاهرة عطبرة في 1924 بقلم عبد الله علي إبراهيم

مين قال ليك هل يا ترى: مظاهرة عطبرة في 1924 بقلم عبد الله علي إبراهيم


06-30-2020, 05:09 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1593490143&rn=0


Post: #1
Title: مين قال ليك هل يا ترى: مظاهرة عطبرة في 1924 بقلم عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 06-30-2020, 05:09 AM

05:09 AM June, 29 2020

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر




هذى
الشوارع لا تخون
هي الشوارع علمتنا ان نفيق
أن نَبِر البرتقالة أو نموت فداء للرحيق

قَلّ من درس هذه التظاهرات التي علمتنا أن نكون كدراما. وهي دراما مدن. فلم تعرف القرى والبادية التظاهر بينما لها سبلها للتعبير عن الاجتماع للتضامن مثل النفير والفزع. ومن فرط أن المظاهرة حدث بندري استغرب له الناس في أول مرة لوقوعه في 1924 أن أطلق الناس على الطيب بابكر، عضو جمعية اللواء الأبيض في شندي، ب"المتظاهر" لقيادته الجمهرة المحتجة.كان حدثاً يؤرخ له.
حين أسمع الشباب يسترجع ذكريات ثورة ديسمبر أجد، بجانب الاحتجاج السياسي، وكأنهم مروا بسبر عبور. وهو الطقوس التي تكتنف نشأة المرء عبر الطفولة والصبا والشباب والكهولة والشيخوخة. تسمعهم فرحين بطقس تدشينهم في حب وطن استعادوه بكلفة فادحة.
وجدت تحليلاً للمظاهرة كطقس في كتاب عن أول ممارسة لنا في الأخذ إلى الشارع وهو "الحركة الوطنية المضاعة: الثورة، والذاكرة، والحركة المعادية للاستعمار في السودان" (2015) للدكتور إلنا فيزاديني عن ثورة 1924. ووجدتها التفتت بصورة ربما غير مسبوقة لدراسة مظاهرات 1924 كدراما. فالجمهرة لا تعرض في المظاهرة أشواقها على مسرح الشارع فحسب، بل تتخلق هذه الجماعة بذاتها في التظاهرة إئيذاناً ببداية التغيير. فقالت المؤلفة إن التظاهرة أكثر من مسيرة. هي طقس علماني. ولا نقول طقساً ناظرين لمفردات مثل رفرفة الرموز كعلم البلاد فوق سمائها. فالعلم نفسه ليس قطعة قماش بل رمز جيد السبك للقيم الأساسية للأمة.
وقالت إن سببنا للقول إن التظاهرة طقس لأنها هي نفسها رمز في كلياتها. فهي احتفال أفراد في المجتمع معاً بحالهم في يومهم وبحالهم كما يريدونه أن يكون في المستقبل معاً. ونظرت المؤلفة في كيروقرافي (حركات) الجسد في التظاهرة ووجدته يكشف عن علاقة فيزيائية بالظلم الواقع عليه. فالتظاهرات تُسَبِك المشاركين فيها في مجتمع-جماعة بإعطائهم الفرصة للكفاح معاً في مغامرة خطرة واستثنائية.
كما تناولت فيزاديني التظاهرة كدراما سياسية. فمظاهرة المدرسة الحربية في ثورة 1924 عندها غاصة بالرموز مثل التوقف عند بيت علي عبد اللطيف، وعند سجن كوبر لتعزيز على عبد اللطيف المعتقل، ثم إلى محطة السكة حديد لإذاعة خبر التظاهرة ينقلها المسافرون. وطلباً للمساواة في الخطر والقيمة في طقس التظاهرة نزع طلاب الكلية الحربية الشارات الدالة على رتبهم بمعنى زهدهم في التراتبية.
واستنكر الإنجليز والأعيان معاً دراما المظاهرة، دراما الأجساد. وهي دراما للأجساد في تشكيلها الصميم المُقَاوم في فضاء منشق عن الوضع القائم. فالمظاهرة الأولى عندنا كانت ممارسة للسياسة ب"وضع اليد" بعد أن احتكرها الإنجليز وبيوت الزعامات التقليدية. واتفق الإنجليز والأعيان على وصفها ك"شغل عيال". فقال الإنجليز عن المتظاهرين إنهم رجرجة مجانية يقودها مشبوهون يتبعهم أطفال بلا أدب. وبدا انزعاج طبقة الأعيان من تظاهرات اللواء الأبيض في مقال جريدة الحضارة فسمت المشتركين فيها ب "أولاد الشوارع".
ولم نحسن نحن أولاد الشوارع لأنفسنا والوطن مثل بقائنا على عهد التظاهرة التي هي تخيل درامي شفيف مكلف وخطر شغفاَ بمجتمع منتظر ترنو له مجموعات ركبت مسرح الشارع.


الصورة لمظاهرة جرت في عطبرة في 1 سبتمبر اغسطس 1924 على شاطيء الأتبراوي. بدأت بتمرد كتبية السكة حديد المصرية وانضم لها أعضاء اللواء الابيض في المدنية. ولم تنقطع ليومين حتى استدعت الحكومة قوات من الخرطوم فقمعتها بخسائر في الأرواح وضحايا آخرين. وظهرت الصورة على غلاف كتاب فزداني المار ذكره. ونبهني الصديق كمال حامد إلى أن الصورة لمظاهرة في عطبرة اثبتت المؤلفة أصلها وفصلها. وتكرم الصديق بالبحث عنها جلية لا كما في غلاف الكتب.