أبا والشيوعيون: يا ود الأمام بتضربو أولادنا ونحن أنصار من شبينا بقلم عبد الله علي إبراهيم

أبا والشيوعيون: يا ود الأمام بتضربو أولادنا ونحن أنصار من شبينا بقلم عبد الله علي إبراهيم


06-22-2020, 05:51 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1592801494&rn=0


Post: #1
Title: أبا والشيوعيون: يا ود الأمام بتضربو أولادنا ونحن أنصار من شبينا بقلم عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 06-22-2020, 05:51 AM

05:51 AM June, 21 2020

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر




كتب إسماعيل الأزهري نهاية ليبرالية الوطني الاتحادي بخطبته في الحشد الذي عبأه له على عبد الله يعقوب، من قادة الإخوان المسلمين، في 12 نوفمبر 1965 يدعوهم للتظاهر لحمل الجمعية التأسيسية على حل الحزب الشيوعي وإلا نزل، وهو رئيس مجلس السيادة، في الشارع يقود الجماهير للغرض. وكان الاتحادي استرد هذه الليبراليه بعد مفاصلته مع الختمية في 1958. وأعلن تحرره من قيد الطائفية والكهنوت (مصيرو الموت). وأذاع على الملأ شعاره الداوي: "ماتت القداسة عند أعتاب السياسة" على صحيفة "النداء" التي فجرت بحق الحسيب النسيب السيد على الميرغني فرسمته حوتة في سنارة الأزهري.
كان الاتحادي، الذي أصله في حركة الأشقاء وحركة مؤتمر الخريجين، هو وريث الليبرالية الإنجليزية دون غيره من الأحزاب. وألف الأزهري كتابه "الطريق للبرلمان" (1946)، وهو كتاب إرشادي في فنون إدارة الاجتماعات، ليعد الجيل ليحسن صنعاً في البرلمان المرتقب بالحكم الذاتي. وبدا أزهري بخطبته يحرش الناخبين للهرج لحل حزب بحقه في البرلمان وكأنه يصدر طبعة مضادة للكتاب بعنوان "الطريق إلى غير البرلمان". فمن العسير أن يتوقع المرء ذلك الاستخفاف بالدستور من أزهري يعدله جزافاً للتشفي من حزب منافس وهو الذي أعلى الدستور في كتابه القديم وحرم العبث به. فجاء في الكتاب عن حرمة الدستور من الشغب وتحت العنوان الفرعي "الدستور أساس الحكم البرلماني" ما يلي:

"وقد يكون الدستور مسطوراً أو غير مسطور، وفي كلتا الحالتين يجب صيانته من العبث، وخير كفيل لذلك تربية الامة الدستورية، التي إذا رسخت وتوطدت، كانت الحافز لها لتهب في وجه العابث. ولا ضير في تعديل الدستور بالطرق المنصوص عنها فيه ليلائم تطورات ومقتضيات الزمن".

شيع أزهري في نوفمبر 1965 الليبرالية الهشة التي تلقاها الجيل عن الإنجليز برغم أنهم حرمونا منها لنصف قرن أو يزيد بينما تمتعوا بها في بلادهم. ولم تقم لليبرالية قائمة من يومها.
قصدت مظاهرة على عبد الله يعقوب التي مطلبها حل الحزب الشيوعي بيت أزهري بحي السيد المكي بعد صلاة الجمعة يوم 12 نوفمبر. فوقف أزهري على من سطح منزله وخطب فيها بما سبق ذكره. ومن ثم تحركت إلى دار الحزب الشيوعي ببيت المال بأعداد كبيرة من الأنصار ونفر من طلاب المعهد العلمي الإسلاميين والاتحاديين. وكان الشيوعيون استعدوا لها متربصين بأعلى البيوت بقنابل الملتوف بعد هجمة الأمس 11 نوفمبر. فتراجع المتظاهرون تحت وابل الملتوف الشيوعي. ولكن نفعت المتظاهرين كثرتهم فتجاوزوا الملتوف الشيوعي الذي نفد. فنزل الشيوعيون المدافعون عن دارهم من سقف الدار لملاقاة خصومهم بالعصي والأيدي العارية. وكانت معركة غير متكافئة نجح المتظاهرون في كسر صف الشيوعيين، واقتحام الدار بكسر الحائط، وإحراق جميع الأوراق بالدار. واسفرت المعركة عن إصابة 29 من الشيوعيين و8 من "الإرهابيين" كما قال الراوي. وكان أحد الرفاق ضرب أحد المهاجمين بما تبقى من ذراعه المقطوع فغاب من الوعي. ولما سئل عما حدث له قال إن أحد الشيوعيين ضربه بيد الفندك. والتقيت بالزميل "المعتدي" في اعتقال 1971 غاب عني اسمه الآن وهو من أفاضل الناس.

وكتب الفاتح التجاني الصحافي بالرأي العام بعد زيارة للدار فقال إنها: " تحطمت تماما، وانتشرت الأوراق الخاصة بها على الطريق. حتى مواسير المياه تحطمت لتسمح للمياه بالسيل في الشوارع كما سال الغضب".

وكان من المصابين في المعركة رفيقنا محجوب داؤود. وهو من نوبة الشمال تعرفت عليه لاحقاً في خلال اعتقالنا في كوبر في 1971. وأذكر طرفة منه. قال إنه جاء من بلده لا يعرف من العربية شروى نقير. وأراد مرة أن يقص شعره فذهب للحلاق. وأشكل عليه ما يقوله ليحلق شعره. وبعد لأي أشار لشعره وقال للحلاق: "كسروا". وضحكنا طويلاً.
قال محجوب في روايته في كتاب "حلة الشيوعيين" لحسن الجزولي إن المتظاهرين حاصروه في الدار، وضربوه بعصي غليظة وفرار، وعوجل بضربة ماسورة على فكه فأغمى عليه. ونُقل للمستشفى. ولما أفاق وجد عمكم صديق يوسف على سرير إلى جانبه جراء كسر مزدوج في ساقه. فأجروا لمحجوب جراحة في الفك ظل بعدها ولستة شهور مغلق الفم لا يقوى على الكلام. وقال كان بين من تفقدهم في المستشفى الشيخ على عبد الرحمن زعيم حزب الشعب الديمقراطي (الختمية) الذين كانوا في حلف جبهة الدفاع عن الديمقراطية مع الشيوعيين. كما جاء ابوه وأمه من البلد لزيارته.
واستفز الهجوم على دار الحزب جيرة الدار وأهلها. وقال فاروق مكي إن والده حمل "كوبليتة" (آله يستخدمها الشفتة في شرق السودان) للدفاع عن الدار. وقالت إحسان فقيري إن عيشة "الرفيقة" حبوبتها كانت في قلب معركة الدفاع عن دار الحزب في بيت المال. فهجم عليها أنصاري بفراره وكاد يصيبها لولا تدخل أحدهم بينهما. وقالت ليلي طلقة إن الأنصار والإخوان أخذوا الحطب من أمام دكان سيد أحمد أزرق واعتدوا به على الناس. وكسر جماعة منهم مخزنهم وأخذوا منه مالاً حتى فكروا في مغادرة البيت إلى مكان آمن. ولكن قرروا البقاء والصمود.
وخرج رجال ونساء من كل مذهب في الحي للدفاع عن الشيوعيين. وذكر الرواة من سموهن "نديدات عبد الخالق محجوب" ومعارفه مثل حاجة طيبة، وحاجة بتول، وحاجة جبرية، وحاجة نفيسة مكي، وفاطنة بكري، وعاشة بت الفضل، وزينب وخديجة، وبخيتة محمد الشيخ، وسعاد عبد الله، وفاطمة بت الفضل. وكان أستاذنا عبد الخالق قد وثق علاقته بهن خلال حملته الانتخابية في انتخابات 1965 يغشى مجالسهن، ويشرب قهوتهن، ويعرف منهن أخبار المجتمع وحالة السوق.
ولما جاء السيد الصادق المهدي ليوقف الاعتداء على دار الحزب الشيوعي واجهته بتول عبد الله الأنصارية قائلة: "نحن أنصار المهدي من شبينا. وهسع إنتو بتضربو عيالنا يا ود الإمام. الكلام دا ما أعوج منكم". وطمأنها السيد الصادق ووعدها خيراً. وفعل.
كان يوم خطبة الأزهري يوم مصرع الليبرالية. عرفنا كيف قضى عليها أزهري حين حرض الناس للضغط على الجمعية التأسيسية لتعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي. أما القضاء عليها في الحزب الشيوعي إلا من رحم فأحسن من عبر عنه شوقي محمد علي طالب معهد المعلمين العالي الذي اتهم بشتم النبي والشيوعية وما ساق إليه من حل للحزب الشيوعي. قال في مقابلة أخيرة رداً على سؤال إن كان سعيداً بحل الحزب الشيوعي الذي كان قد خرج منه. فأجاب أن سعادته ليست في حل الحزب نفسه ولكن في إثبات فشل الطريق البرلماني. فحتى لو حصلت على الأغلبية في مثل ديمقراطية السودان فيمكن لعسكريين أو ثلاثة إغلاق البرلمان بليل. فمصدر سعادته أن نظريتهم في الحزب الشيوعي "القيادة الثورية" في الكفاح المسلح صحيحة. وانتهى بالطبع في الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد تفرق القيادة الثورية.
أفرخ حل الحزب الشيوعي اتجاهات انقلابية وعنفية فيه سمى استاذنا عبد الخلق محجوب حملتها ب "اليائسين والمغامرين" في وثيقة "الماركسية وقضايا الثورة السودانية. وهم من جابو ضقلها يكركب في مايو 1969.