إشكالية الحرية و الاستنارة ركيزتا البناء الديمقراطي بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن

إشكالية الحرية و الاستنارة ركيزتا البناء الديمقراطي بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن


05-01-2020, 10:08 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1588367325&rn=0


Post: #1
Title: إشكالية الحرية و الاستنارة ركيزتا البناء الديمقراطي بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمن
Author: زين العابدين صالح عبد الرحمن
Date: 05-01-2020, 10:08 PM

10:08 PM May, 01 2020

سودانيز اون لاين
زين العابدين صالح عبد الرحمن-استراليا
مكتبتى
رابط مختصر





عندما بدأ الأستاذ المفكر محمد بشير المشهور بأسم "عبد العزيز حسين الصاوي" يدون مشروعه الفكري الذي يتناول قضية " التحول الديمقراطي" في السودان قبل عقدين، ركز علي قضيتين أعتبرهما تمثلان القاعدة الأساسية لعملية التحول الديمقراطي في السودان " الاستنارة و التعليم" و أشار ألي أن التفكير في قضيتي النهضة و الديمقراطية إذا لم يحدث تغييرا شاملا في هياكل و مناهج التعليم سوف تواجهان تحديات قد تؤدي للفشل. و تناول الاستنارة كمشروع فكري ينبش في الثقافة السائدة، باعتبارها المؤثر المباشر في السلوك. و أعتبر معاوية محمد نور رمز و رائد المشروع الاستناري، و كان يجب أن يستمر من قبل آخرين بعد رحيل معاوية. لكن المشروع توقف.
أن إشكالية الاستنارة في السودان؛ أنها مشروع متقطع غير متواصل من قبل المفكرين السودانيين، باعتبار أن المشروع بدأ منذ عشرينيات و ثلاثينيات القرن الماضي و أتخذ مجلتي " الفجر و النهضة" كأدوات نشر و منابر جدل بين التيارات المختلفة. و أيضا كان منبر مؤتمر الخريجين يمثل تحول في الفكر السياسي في السودان، لأنه أسس لظهور الأحزاب السياسية. إلي جانب الجمعيات الأدبية التي سبقت ذلك في الأحياء. بعد الاستقلال أصاب مشروع الاستنار و الجدل الفكري ضمورا، حيث ظهرت قيادات كرزمية سياسية الأغلبية كانت لا تعطي للإستنارة أهتماما، و أعتبرتها ترف للطبقة الوسطى يجب أن يكون بعيدا عن الساحة السياسية. هذا التوقف كان له أثرا سالبا علي المكونات السياسية، حيث تراجع دور المفكر السياسي، و ظهرت علي المسرح السياسي العناصر التنفيذية المهتمة بعمليات الحشد و التعبيئة، دون الشغل الذهني و الاستنارة، الأمر الذي خلق هوة بين الأحزاب و القواعد الشعبية و الارتباط معها بشرايين الوعي و الثقافة.
ظهر الجدل الفكري مرة أخرى علي الساحة السودانية، في ستينات و أوائل سبعينات القرن الماضي، و هذه المرة؛ كان المثقفون و الاكاديميون الذين يشتغلون بقضايا الفنون و الأدب، هم رواد الاستنارة من خلال مدارس فكرية أدبية " الغابة و الصحراء و السودانوية" ثم كون الزملاء في الحزب الشيوعي " أبادماك" تمييزا لدور الحزب. و كان الحزب الوحيد الذي حاول أن يقدم أطروحاته الثقافية من خلال أبادماك. ثم حاولت مؤخرا أن تلحق بالركب الحركة الإسلامية تكوينها لمنظمة شباب البناء و هؤلاء كان الهدف أن يتمددوا في مواقع الإبداع. و لكن بعد قرار الشريعة 1983م وقف كل هذا النشاط بقوة السلطة الشمولية، الملاحظ أن ضعف مشروع الاستنارة الذي يعتبر أحد ركائز البناء الديمقراطية لم يكن للأحزاب السياسية السودانية مساهمة تذكر فيه إلا القليل و ربما فقط من القوى الأيديولوجية.
هذه النبذة التاريخية المختصرة لقضية الاستنارة في المجتمع مهمة، لمعرفة إسهامات النخب المثقفة في البلاد في قضية الاستنارة. إلا أن الإسهامات الحزبية و السياسية في قضية الاستنارة كانت متواضعة، رغم أن أغلبية الأحزاب ترفع شعارات الديمقراطية، و هي واحدة من الإشكاليات التي يجب إدارة حوار حولها، و الإجابة علي سؤال؛ لماذا الاسهامات الحزبية في مجالات الفكر و الثقافية ضعيفة جدا و في بعض الأحزاب تكون معدومة؟ فا لإجابة علي السؤال ربما توضح أن حالة الجدب الثقافي و الفكري داخل الأحزاب كان لها أثرا سالبا علي عملية البناء الديمقراطي في الدولة و في المجتمع و أيضا في منظمات المجتمع المدني.
بعد انتصار ثورة ديسمبر؛ أظهرت ساحة الاعتصام، أن الشباب يملكون مقدرات و أمكانيات عالية في التعبير عن الواقع من خلال أدوات مختلفة، و يملكون خيالا واسعا يؤهلهم أن يكونوا مجموعة أستنارية تسهم في عملية الاستنارة في المجتمع، و كان قد ظهر ذلك جليا من خلال الشعر و الغناء و الموسيقي و الفنون التشكيلة من خلال الجداريات و حتى الرمزيات و الإشارات الثقافية. لكن هذه التجربة تم قتلها في المهد من خلال فض ساحة الاعتصام من قبل القوى المحافظة في المجتمع، التي لها علاقة عداء مع عملية التحول الديمقراطي. و ليست هي مرتبطة بقوى سياسية بعينها أنما كل الذين يعطلون عقولهم و يتعاملون فقط مع آليات القمع و العنف هم ساهموا في محاولة قتل ذلك الإبداع.
و المراقب للمشهد السياسي، و المنتج من المصطلحات و منتشر في الخطاب السياسي و وسائل الاتصال الاجتماعي، يتأكد أنها مصطلحات تم التركيز عليها حتى لا تساعد علي عملية التحول الديمقراطي، إن إشكالية الديمقراطية في السودان تسببت فيها كل القوى الأيديولوجية في البلاد، و هي قوى سياسية لا توجد في أوراقها الفكرية أي للأخر و هي أهم عوائق الديمقراطية، و جميع شعارات القوى الأيديولوجية يمينا و يسارا تحتاج إلي مراجعات فكرية في قضيتي " الحرية و الديمقراطية" الملاحظ أن إنتاج القوى الأيديولوجية يغيب عنه الإنتاج الفكري، الذي يحتاج إلي مجهود ذهني، لذلك هي استعاضت عنه بإنتاج شعارات تعبوية لا تحمل مقومات بناء. و تجدها لجأت إلي وسائل الاتصال الاجتماعي تملاءها بمصطلحات و شعارات تخدم مصلحة حزبية و تغيب عنها المصلحة الوطنية و مرتكزات التحول الديمقراطي، مستغلين حالة الهياج في الشارع. و الملاحظ تاريخيا و معاصرا أن تجارب هؤلاء الأيديولوجين أن كانت في البلاد أو في الخارج هي تجارب فشالة، و لها عداء كامل مع الحرية و الديمقراطية. و حتى البعض منهم رفض حتى المراجعات الفكرية التي طلبتها عضويتهم داخل التنظيم، لذلك حدثت الانشقاقات الكثيرة. و أيضا هناك من قاموا بفصل المبادرين الداعين لفتح حوار بأدوات غير ديمقراطية، و رغم ذلك تجدهم رافعين شعارات الديمقراطية، و هنا يحدث التناقض في الخطاب السياسي، الذي يؤدي لتغبيش الوعي، هذا التناقض في الخطاب قد أثبتت أن هناك بون شاسع بين الشعارات المرفوعة و الممارسة. الأمر الذي يؤكد أن مشوارالحرية و الديمقراطية سوف يحتاج لوقت طويل كما قال ويلسون مانديلا.
كان الاعتقاد السائد في الوسط السياسي، قبل سقوط النظام، أن النخبة السياسية قد استفادت من التجارب السياسية السابقة، و سوف تتبع منهجا يؤسس لبناء ديمقراطي سليم، وحيث أثبتت تجربتي أكتوبر و إبريل، أن الديمقراطية لابد أن تؤسس علي قاعدة اجتماعية واسعة تؤدي للتوافق الوطني، لكن السائد الآن، يدل دلالة قاطعة أن النخب السياسية و قطاع واسع من المثقفين الأيديولوجيين لم يستفيد مطلقا من التجارب السياسية السابقة، و الدلالة علي ذلك الأوراق العديد المليئة بمصطلحات الإقصاء و العداوة و الإكراه و غيرها، مما يؤكد أن البيئة الآن غير صالحة لعملية التحول الديمقراطي، و أن النخب السياسية و الثقافية هي التي وراء هذا التهديد. و معلوم أن بعض القوى السياسية التي لا تملك قاعدة أجتماعية، و استطاعت من خلال المحاصصة أن توصل بعض كوادرها إلي وظائف قيادية، لا ترغب في نجاح الفترة الانتقالية، و تخلق هذه العوائق لكي يتسنى لها أن تمد الفترة الانتقالية، لآن نجاح الفترة الانتقالية يعني الذهاب مباشرة للانتخابات، و نتائجها سوف تبعد بعض القوى الظاهرة الآن على المسرح السياسي، و الجماهير سوف تأتي بالقيادات التي تريدها علي سدة الحكم.
كتب جون هرمان راندال في كتابه " تكوين العقل الحديث" يقول " أن القوة التي تستطيع بواسطتها أن نكون حكما، و أن نميز بين الخطأ و الصواب. و هي الحس المشترك أو العقل. متساوية بالطبيعة بين جميع الناس. و لا ينشأ التعدد في أفكارنا من أن بعض الناس هم عقليون أكثر من الآخرين. و لكن فقط من أن أفكارنا تمر بطرق متنوعة. لأنه لا يكفي أن نمتلك قوى عقلية جيدة. و لكن الأمر الأساسي هو أن نحسن أستعمالها" فهل بالفعل أن النخبة السياسية السودانية هي تحسن استخدام العقل خاصة في قضايا الحكم؟ نسأل الله حسن البصيرة.