إستعانة سياد بري بشجرة النميري بقلم خالد حسن يوسف

إستعانة سياد بري بشجرة النميري بقلم خالد حسن يوسف


04-07-2020, 01:31 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1586219512&rn=0


Post: #1
Title: إستعانة سياد بري بشجرة النميري بقلم خالد حسن يوسف
Author: خالد حسن يوسف
Date: 04-07-2020, 01:31 AM

01:31 AM April, 06 2020

سودانيز اون لاين
خالد حسن يوسف-الصومال
مكتبتى
رابط مختصر



خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين وقعت عشرات الانقلابات العسكرية على مستوى العالم، وكان من ضمنها انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩ في السودان ومثيله في الصومال بتاريخ ٢١ أكتوبر ١٩٦٩، الضباط السودانيين الذين قادوا الانقلاب كانوا من ذوي الرتب المتوسطة، بينما قاد المجموعة الصومالية ضباط ذوي رتب عالية في الجيش والشرطة.

في حين أنهم جميعا أكانوا في الخرطوم أو مقديشو إتجهوا مباشرتا لتقارب مع الاتحاد السوفيتي، بهدف تأمين أنظمتهم، إلا أن النميري تحديدا لم يوفق في ذلك، حيث باغثه انقلاب ١٩ يوليو ١٩٧١، والذي كانت من نتائجه قطيعة نظامه مع السوفيت، في حين وجدت موسكو إستقرارا في الصومال وصولا إلى عام ١٩٧٨، وكانت المحصلة قطيعة السوفيت مع جعفر محمد نميري ومحمد سياد بري على التوالي.

وغلب على الانقلاب الذي تم في الخرطوم الدموية وتخلله الكثير من الأحداث، بينما تم إختراق انقلاب مقديشو بهدوء قبل شهرين من الحكم على قادته، وحدث واده مبكرا قبل تحركه المباشر، وغير معلوم ساعة الصفر للمحاولة الانقلابية، إلا أن المتهمين بشأنها تم إعدامهم بتاريخ ٣ يوليو ١٩٧٢، ولم يكون ذو طبيعة إيديولوجية أو سياسية، وجاء في سياق تصفية الحسابات السياسية بين أعضاء المجلس وطغيان النعرات القبلية.

محاكمات الشجرة في الخرطوم التي تمت بعد القبض على المجموعة الانقلابية، أسفر عنها أحكام عسكرية أصبحت فيما بعد كأحكام عامة لجئ إليها النظام في السودان، ونظرا لصلة التحالف ما بين سياد بري وجعفر النميري، إتجه حاكم الصومال للاستعانة بها، عند إجهاض تحرك انقلاب نائب رئيس المجلس الأعلى للثورة محمد حاجي عينانشي جوليد ووزير الدفاع صلاد جابيري كاديه والعقيد عبدالقادر ظيل عبدولي في عام ١٩٧٢.
وذكرت مريم حاجي علمي خلال حوارها مع الإعلامي حسين دعاله في برنامج الذاكرة Xusuus Reeb على Horn Cable TV "لقد استعان النظام الصومالي تلك التشريعات التي شملت ٢٦ فقرة وتم إدراجها تحث مادة ٥٤ في ظل أحكام محكمة الإنقاذ الوطني، وكان مضمونها حماية أمن النظام وتعزيز دوره سياسيا وأمنيا."(١)

وذكرت الرئيسة الإتحاد الديمقراطي لنساء الصومال آنذاك مريم حاج علمي والزوجة السابقة لنائب رئيس المجلس الأعلى للثورة إسماعيل علي أبوبكر، في حوارها مع نفس المصدر السابق "أن قادة الانقلاب اعضاء المجلس ممثلين بالجنرالات محمد حاجي عينانشي وصلاد جابيري والمقدم عبدالقادر ظيل عبدولي، قد تم محاكمتهم على خلفية تلك الأحكام التي جلبها سياد بري من السودان."(٢)

والجدير بالذكر أن الرئيس المجلس العسكري الحاكم حينها اللواء محمد سياد بري، لم يستعير الأحكام وحدها من نميري، بل أنه استعان فكرة المحكمة ذاتها، وفي حين كان معسكر الشجرة في السودان موقعا للمحاكمة لاعتبارات أمنية، في المقابل كانت محكمة الإنقاذ الوطني ذات الطابع العسكري مقرا للمحاكمة، وكانت عبارة عن محكمة عهدتها البلاد فيما بعد على صعيد القضايا ذات الصلة بالأمن الوطني وأمن النظام السياسي، وأحكامها عادتا كانت قاسية تتراوح ما بين الإعدام والسجن لفترة طويلة، ونظرت في قضايا ذات ارتباط بأمن النظام والدولة وحماية المال العام.

محكمة الشجرة كانت في موقع عسكري وهو معسكر سلاح الدبابات وحاكمها محمد أحمد حسن عسكري برتبة عقيد، بينما إنعقدت محاكمة انقلابيو الصومال في مقر محكمة الإنقاذ الوطني، وقد ترأسها العقيد محمود جيلي يوسف عضو المجلس الأعلى للثورة، والذي عمل لفترة طويلة كرئيسا لتلك المحكمة، الفارق ما بين المحكمتين أنه تم التعامل مع المحاكمين في الشجرة بصورة شابها التجاوز والاستفزار كما تؤكد الأدبيات السودانية ذات الصلة بالواقعة، في حين ساد مسار محاكمة الإنقاذ الهدوء وتمت بصورة سلسة، والمفارقة أن حاكمها كان يدرس القانون في كلية الحقوق بالجامعة الوطنية.

إلا أن الأهم هو أن تلك التشريعات التي أخذها النظام في الصومال من رحم محكمة الشجرة، قد أثرت فيما بعد على الحياة العامة في الصومال، حيث شكلت مرجعية تشريعية، ونفذت أحكامها على الكثيريين من الصوماليين أكانوا عسكريين أو مدنيين، وظلت تشريعاتها سارية المفعول ما بين الفترة ١٩٧١-١٩٩١، والجدير بالذكر أن أعضاء المجلس الأعلى للثورة كانوا أقروا تلك الأحكام قبل حدوث انقلاب عام ١٩٧٢.

كما أن تلك التشريعات قضت على المشاركين في انقلاب ٩ ابريل ١٩٧٨، والذي حكم على ١٧ منهم بالإعدام وأبرزهم محمد شيخ عثمان، ومحاكمات كثيرة تمت في العاصمة مقديشو والمحافظات الأخرى، ومنها ذات الصلة بمؤيدي حركات المعارضة السياسية القبلية لا سيما في المنطقة الوسطى وشمال غربي الدولة، على المستوى السياسي تحديدا، بينما بلغ أدائها كل أرجاء البلاد.

وانتهى مسمى الإنقاذ الوطني كمحكمة سياسية بمعزل عن العودة إلى القيم الدستورية أو القضائية، بل كانت تستند إلى تشريعات غير قانونية في خلفيتها، حيث كانت تنظر في تلك القضايا المتباينة انطلاقا من أبعاد سياسية وإيديولوجية، وقامت بإصدار أحكام إعدام في حق الكثيريين، وعدم صحة الكثير من أحكامها، ولم تكون أصلا ذات مشروعية لكي تمارس نشاطها الذي كان سياسيا بالدرجة الأولى، وفي ظل عدم قانونيتها وتخطيها الدستور.

النتيجة أن حكم الرئيس محمد سياد بري ظل متكئا على شجرة النميري خلال الفترة الطويلة من حكمه، حيث طغت على المواثيق الصادرة عن المجلس الأعلى للثورة، وشكلت مرجعية على قطيعة مع الدستور السابق للبلاد، والذي تم إلغائه مع صبيحة ٢١ أكتوبر ١٩٦٩، وجاء تأثيرها على الحريات العامة،المنظمات الجماهيرية،التجمعات الأهلية،الإعلام المستقل،والحياة السياسية، والمفارقة أن النظام في لحظاته الأخيرة راح يروج لتعددية السياسية في عام ١٩٩٠.

وكما سقطت الدولة الصومالية بصورة مأساوية، كانت أيضا نهاية أخر رئيس لمحكمة الإنقاذ الوطني، كذلك، حيث كانت نهاية رجل الأمن العقيد إسماعيل ماخري دامية، من قبل ميليشيات المؤتمر الصومالي الموحد(القبلي)، وهكذا اختتمت سيرة محكمة أمن الدولة وضاعت سجلاتها ووثائقها، ولم يبقى منها غير أثرها السيئ في المجتمع.
أما ما يمكن التوقف أمامه فهو أن تلك اللوائح لم يتم تجاوزها بعد، حيث أن دور المجلس الأعلى للقضاء في الصومال لا زال غائبا، والجدير بالإشارة أن الحكومات الإنتقالية التي مرت على البلاد، أعاقت إنشاء المحكمة الدستورية وعمل القضاء، وهكذا فإن تركة الشجرة لا زالت حاضرة ولم تبارح الصومال بعد.


خالد حسن يوسف