في مهزلة إضراب القضاء بقلم د.أمل الكردفاني

في مهزلة إضراب القضاء بقلم د.أمل الكردفاني


03-25-2020, 04:16 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1585149404&rn=0


Post: #1
Title: في مهزلة إضراب القضاء بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 03-25-2020, 04:16 PM

04:16 PM March, 25 2020

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




قبل ايام أحد كوادر قحط استمرأ ممارسة عدوان لفظي ضد أحد الأشخاص في أم روابة وكان كلما مر بهذا الشخص نعته بالأمنجي وكان الشخص الآخر يصمت متحرياً عدم تصعيد القضية. غير أن قيادي قحط -ولحظه السيئ جداً- كان يمر بالمكان فلم يجد ذلك الشخص بل وجد شقيقه، وشقيقه هذا مجرد ميكانيكي غلبان، لا يعرف قحط ولا يعرف حتى من هو رئيس دولة الحمام الغمران هذه، فبادر القحاطي بالعدوان اللفظي بدون مبرر، فما كان من الميكانيكي إلا ان حمل جنزيره وهبت القحاطي هبت، وعلقه علقة كاربة.
القحاطي وكعادة هذا النظام الأكثر كذبا من نظام الكيزان، أشاع بأنه تعرض لمحاولة اغتيال وخلق بطولة وهمية.
ليس هذا بعيداً عن ما فعلته رئيسة القضاء اليوم وهي تخلق من مشاجرة حدثت في محطة بنزين، معركة عالمية. واصدرت بياناً ركيكاً حتى في صياغته، لا يتناسب مع أبسط حكم كان يصدر من محاكم أول درجة زمان، فخلت صياغته من أي أسلوب من بلاغة وفصاحة. وانتهى البيان بإعلان الإضراب الشامل تضامناً مع قاضي تشاجر مع عساكر في محطة بنزين. يتم تضييع حقوق مئات الآلاف من المتقاضين وتأخير حقوقهم، ومنهم العمال البسطاء والمطلقات والأرامل والأطفال اصحاب النفقات، والنزاعات ذات الطبيعة المستعجلة بالغة الخطورة من أخذ حقوقهم، لمجرد مشاجرة حدثت بين شخص وآخرين في مشكلة واضح أنه لا علاقة لها بوظيفته كقاضٍ (لا بسببها ولا بمناسبتها)، وكان على مولانا نعمات، فقط أن تحتكم لمجرى القانون الطبيعي، ويمكنها في حالة الخطورة القصوى أن تشكل لجنة تحقيق، لأن القاضي الذي ينحدر لمستوى الشجار مع الناس في محطة بنزين لمجرد أنه يملك بطاقة قاضي، فهو أساساً من يجب أن تتم مساءلته فهو لا يعرف حساسية مهنته. ففي العالم كله، تعمل القوانين عل عزل القضاة من الاحتكاك بالغوغاء، بل يجب على القاضي من تلقاء نفسه أن يمتنع عن الاختلاط بالناس لأقصى حد ممكن، ذلك أن طبيعة الوظيفة القضائية تعتمد على حيدة القاضي وخلوه الذهني من أي تأثيرات، والدول التي تعرف معنى وقيمة تلك المهمة الشاقة للقاضي تجزل له العطاء، وتجعله في رغد من العيش حتى لا يختلط بالناس في صفوف البنزين وطوابير العيش ثم يتناوش معهم كأي جلابي جاهل...
وللأسف انساقت رئيسة القضاء إلى الفوضى الضاربة على الدولة ، فاستخدمت أسلوباً يستهيف المسار القانوني السليم، وهذا في حد ذاته خطر، فإذا كانت رئيسة القضاء تعتقد أن القانون لا قيمة له، فعليها إذاً أن تقدم استقالتها فوراً.
أنا مدرك تماماً بأنه ما كان لرئيسة القضاء أن تثق في نظامنا القانوني، فهو في الواقع نظام يعتمد على مبدأ القوة. فالقانون في السودان يطبق على الضعفاء، أما الأقوياء فيدوسون على القانون بنياباته وقضائه وبرلمانه بالحذاء دون أن يطرف لهم جفن. وهذا عن تجربة، فكم من حصانات رفضت حكومة القحاطة سحبها من منسوبيها من مقترفي الجرائم، وكم من أشخاص من أصحاب الحقوق المهضومة لم يتم قبول بلاغاتهم المرفوعة ضد مغتصبيها لمجرد أن لهم علاقات مع القحطعسكر. في وضع اسوأ مما كان عليه الأمر ايام الكيزان.
نعم نعرف أن رئيسة القضاء لا تثق في النظام القانوني في الدولة، ولكنها لو كانت لا تثق فعليها أن تكشف ذلك للشعب، فهذا واجبها، فلا يمكن أن نطالب الشعب باللجوء للقانون، ومؤسسات القانون التي يلجأ لها الشعب هي نفسها لا تثق في نفسها. فهذا أمر مثير للسخرية. ومؤلم في نفس الوقت.
وفقاً للمجرى العادي للأمور ووفقاً للقانون:
كان على رئيسة القضاء أن تسمع أولاً وجهة نظر الخصم الآخر. وأن تطرح الوجهتين معاً للفحص، ثم بعد ذلك تتخذ الإجراءات القانونية المناسبة وفقاً للقانون. وهي رفع بلاغات جنائية وشكوى إدارية ضد الجهة التي يتبعها الخصم، ثم طلب رفع الحصانة من رئاسة جهته إن كان محصَّناً، فإذا رفضت تلك الجهة، ووصلت المسألة لطريق مسدود، حينها كان بإمكان رئيسة القضاء أن تقف هذا الموقف وتعلن للناس كافة، أن الدولة أصبحت محكومة بمنطق قانون الغاب. وكان إضرابها مبرراً أمام الشعب وأمام اصحاب الدعاوى والمصالح التي ستتعطل بسبب الإضراب.
لم تكترث رئيسة القضاء لهؤلاء، وذلك لكي تضع القحاطة في زاوية ضيقة. فالقحاطة كانوا غاضبين منها، ولأنها في موقف شجاع يحسب لتاريخها المهني، رفضت محاولات القحاطة لانتهاك استقلال القضاء والقيام بتعيين أقاربهم بالمحسوبية. ويبدو أن رئيسة القضاء اضحت تستند لكتلة القُضاة كحماية لها من قيام القحاطة بالغدر بها وبالقضاء..خاصة أنهم سخروا اقلام الشيوعيين لتوسيخ سيرتها المهنية بالأكاذيب والتلفيقات التي عهدناها من الشيوعيين عبر تاريخهم الطويل.
نعم نحن في فوضى قانونية كبيرة، والنظام العدلي يكاد يكون منهار. ولكن الإضرابات غير المبررة تزيد الطين بلة، وعلى رئيسة القضاء أن تمارس القانون حتى تبلغ به آخره، فإن فشلت أمكنها أن تتجه لطريقة لي الذراع..فهي تملك القوة المماسبة.

ولكن السؤال:
ماذا سيفعل الغلابة من أمثالنا الذين لا يملكون لا سلطة ولا ثروة؟
من سيحمينا نحن من أي عدوان؟
كيف نضغط على أصحاب القوة والنفوذ إذا كانوا هم فوق القانون؟
الشعب السوداني الغلبان، ظل منذ الاستقلال خاضعاً لمنطق الغاب، ولذلك فكل شرذمة تصل للسلطة تضطهد أختها وتسكب عليها مزيداً من البنزين لتحرقها أمام الأشهاد.
من سيحمي الشعب في محطات البنزين يا ترى؟