إدوارد سعيد: مثقف في الهرج بقلم عبد الله علي إبراهيم

إدوارد سعيد: مثقف في الهرج بقلم عبد الله علي إبراهيم


03-07-2020, 06:43 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1583559792&rn=0


Post: #1
Title: إدوارد سعيد: مثقف في الهرج بقلم عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 03-07-2020, 06:43 AM

05:43 AM March, 06 2020

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر




(كتبت هذه الكلمة في 2004 بعد قراءة لكتاب "مسألة فلسطين" للمرحوم الدكتور إدوارد سعيد (1935-2003) الأكاديمي الأمريكي من أصول فلسطينية وعضو هيئة التحرير الفلسطينية. وأعيد نشرها لأنها تطعن تهافتنا على إسرائيل في مقتل بعلم تخطى الوطنيات والعنتريات إلى صهيل في التاريخ والروح والجمال. وترانا كبونا بجلاجل حين تقاصرنا عنه).
قال الشيخ محمد فضل الله أننا لم نعلم عن اسرائيل كثير شيء على أننا لم نعرف سواها لنصف قرن من الزمان. فقد أعمانا حقنا الصريح في فلسطين عن الإحاطة الدقيقة بهذا العدو اللئيم. فالحق عندنا يعلو ولا يعلي عليه وما ضاع حق وراؤه مطالب. ولكن سيبقي السؤال إن كنا قد تصفحنا أوراق حقنا هذا لا كعقيدة وطنية وقومية ودينية مجردة بل كثقافة نسربها الي العالم فيصبح حقنا جزءاً من وعي العالم بذاته، ومن احترامه لآدميته، وغضبته للحق. ولذا قال المرحوم إدوارد سعيد أن فلسطين هي قضية العالم. ولم تكن هذه القضية في أحسن حالاتها نبلاً ومصداقية مثل يوم أجازت الأمم المتحدة قراراً أدخل الصهيونية في العقائد المعادية للجنس البشري. مثلها مثل النازية ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ثم أنحدرنا تدريجياً من هذه القمة الي سفح انكمشت فيه القضية إلى حجم عربي، أو فدائي بالأحرى، لا صدي مذكوراً له في جنبات العالم.
من المعلوم أن فلسطين شاغل عربي محرج وقديم. ولكني لا أعرف إن كنا جعلنا فلسطين محورأ للتعليم المدرسي أو العام عندنا. وهو تعليم يتجاوز إلحاحنا على حقنا فيها لمعرفة أدق بالعالم الذي تمخض عن إسرائيل فولد مصيبة. اقتحمتني هذه الأفكار المراجعة وأنا أقرأ كتاب المرحوم إدوارد سعيد "مسألة فلسطين" بعد وفاته في العام الماضي لأول مرة. وتحسرت على تباطؤي في قراءته. فقد قرات له "الاستشراق" و"الإمبريالية والثقافة" وغيرها من الكتب النظرية في وقتها. وقدرت أنني إستبعدت كتبه عن فلسطين لأنني ربما اكتفيت بالمعلوم بالضرورة من حقنا المغتصب فيها.
وعلمت من الكتاب بعد قراءته لا عن هذا الحق المغتصب فحسب بل عن منطقه الغَلّاب الذي إن بلغ العالم بالحكمة والموعظة الحسنة لهدي العالم الي الأقوم. فمن رأي سعيد أن إسرئيل هي من عمل العالم والغرب بالطبع. فهي بالنسبة للغرب إستثمار مزدوج. فمن جهة هي استثمار في الماضي في تلك الأرض المقدسة التي لم يهدأ للغرب بال وهي ما تزال في يد العرب أو المسلمين. وهي من الجهة الأخري إستثمار في المستقبل. فالغرب أراد ان يجعلها وطناً لليهود ممن أخذوا بثقافته ومناهجه حتى تكون منارة غربية ديمقراطية في صحراء العرب المسكونة بالاستبداد الشرقي.
وهنا ينبه سعيد بذكاء الي "تحالف" عجيب بين الماضي والمستقبل لقتل الحاضر: فلسطين. ففي إسرائيل، في قول سعيد، شحنة خيالية وعقائدية غربية ثقيلة حولت فلسطين من حقيقة الي شبح، ومن حضور الي غياب. فإسرائيل عنده هي تأويل للماضي ورجم بالمستقبل لم يطرأ الحاضر الفلسطيني لمهندسيها. فهي، أي إسرائيل، في نظر سعيد هي التأويل الذي غطي على النص الذي هو الفلسطينيون. وقول سعيد هذا في عمومه معروف لدي معظمنا ولكن بربك أنظر كيف أحكم سعيد تأطيره بحيث يسوغ لكل ذي نظر وفؤاد.
أعجبني أيضاً قول سعيد إن إسرائيل مستعمرة من نوع جديد. فالمعلوم عن الاستعمار بالضرورة أن من استعمرهم من الأهالي هم جزء من مشروعه الحضاري المزعوم. فهو يريد أن يأخذ بيدهم من "وهدتهم" كما زعمها إلى مراقي التحديث والتمدين. خذ مثلاً مشروع الجزيرة. فهو قد قام لخدمة مصلحة إنجليزية معلومة ولكن كان السودانيون مادة مهمة فيه. أما إسرائيل فهي مستعمرة لم تضع الأهالي (الفلسطينيون) في حسبانها. فليس في مشروعها إدخالهم في أي خطوة تمدينية. فهي وطن لليهود. وقد حال ذلك دونها ودون الاستثمار في مستقبل الأهالي الذين استولت على ديارهم. فقد كان الأوربيون كمستعمرين قساة على الأهالي الذين ينكصون عن السير الي المستقبل المرسوم لهم متذرعين بالتراث ومتمسكين بالماضي. أما إسرائيل فتقسو على الفلسطينيين الذين ينقدون مشروعها الذي لا سند له سوي الماضي والحجة الإنجيلية. فإسرائيل في الاستعمار بنت وحدها.
إن فقد سعيد لفقد والله. فقد خلق الله قلمه الذكي لمنعطف الهرج والخنا والتبذل العربي الراهن. وهو منعطف أصبح فيه التهافت على إسرائيل عادة علنية. وأصبح الاصطلاح معها حق شرعي. فأنت تسمع أليس من حقي أن أصطلح إذا اصطلح فلان. ومن يقرأ سعيد يعلم ان خصومة إسرائيل التي تاجها الظفر، بإسم الله، لم تبدأ بعد.