أسباب إستحالة إصلاح الوضع في السودان بقلم د.أمل الكردفاني

أسباب إستحالة إصلاح الوضع في السودان بقلم د.أمل الكردفاني


02-17-2020, 05:36 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1581914191&rn=0


Post: #1
Title: أسباب إستحالة إصلاح الوضع في السودان بقلم د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 02-17-2020, 05:36 AM

04:36 AM February, 16 2020

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر




يبدو أن الشعب السودان يعتمد على عاطفته بشكل كامل وربما كان ذلك أول أسباب فشله..
إنه يمتلك سيكولوجية مضطربة جداً تجاه واقعه وتجاه العالم فهو يرفض العالم ويرغب في أن يكون جزءً منه وهذا مستحيل. فهو الشعب الذي يكره كل درجات اللون الأسود فهناك العبد والعريبي والفلاتي الفوطة...الخ وفي نفس الوقت يفرح حينما يصل أوباما للحكم في أمريكا أو يضطهد شديدي السواد ثم ينادي بألا يتبع العرب لأن العرب يضطهدون السواد في حين ان إسم الدولة نفسه منبثق من سواده، فكل ذلك دليل على وجود إضطراب كبير يعزوه البعض إلى إضطراب الهوية واعزوه أنا لإضطراب سيكولوجي وشعور كامن بالنقص. لقد رأيت في السوق العربي أحدهم يضرب فتاة لأنها تسير مع عبد، وهناك شباب تعرضوا لفتى يسير مع سودانية لأنهم اعتقدوا أن الشاب سوري الجنسية، وكانوا حانقين على سير فتاة سمراء معه. رغم أنهم هم انفسهم يعودون من الدول العربية محملين بمرارة الشعور بالإضطهاد خاصة من الشاميين كالأردنيين والسوريين واللبنانيين.
إنه شعب مختل العقل في الواقع ولا يستطيع تجريد أفكاره من رواسبه الشخصية تجاه كل شيء.
لقد اعجب كثيرون بالشيخ محمد عبد الكريم لمجرد أنه يتلوا بتلاوة الخلايجة وكرهه آخرون لنفس السبب، فالمسألة هنا ليست مجرد اختلاف في الذائقة بل كره عميق أو انبهار ساذج.
في السعودية دخلت على محل فطائر هندية ووجدت الهنود يشغلون تلاوة لقارئ سوداني. ويبدو أن تلاوته توافقت مع الذائقة الهندية رغم أنه لم يكن من سوداني بذلك المحل.
إنك تستطيع ان تعرف مدى تطور شعب من الشعوب حينما تلاحظ تجرده من الانفعالات العنصرية، لقد عملت مع صينيين لبعض الوقت، لاحظت فيها انهم لا يهتمون كثيراً بلون الشخص أو سنه أو جنسه، بل بنتائج عمله. أما السوداني فهو كائن إنطباعي يبني ردود أفعاله على انطباعاته الأولية البائسة المرتبطة بالعرق واللون. هي انطباعات بدائية جداً لأنها تفترض افتراضات غير صحيحة. فمثلا ظل هناك انطباع أن الجنوبيين بليدي العقل. وانطباع أن النوبة عبيد. وأن الحلب يأكلون الفسيخ...الخ. وأعرف إحدى النساء لا تأكل طعام الأقباط لأنها تشم فيهم رائحة عفنة. كل هذه اوهام يتم تركيزها منذ الطفولة وتنموا مع نمو الفرد وتتعزز بالتدافع اليومي المستمر وتخلق مناخا عاماً مسموماً.
مع ذلك فليست هذه هي الأسباب الوحيدة التي تجعل انتشال الدولة من الفشل أمراً مستحيلاً، بل تتضافر معها أسباب أخرى.
من ضمن تلك الأسباب، أسباب اقتصادية وإدارية نتجت منذ الاستقلال عندما تمت سودنة الوظائف، حيث كان خريجوا جامعة الخرطوم يمتلكون ثقة هائلة بأنفسهم وهي ثقة اكبر من حجم إمكانياتهم الحقيقية للتعامل مع تعقيدات الدولة التي أورثتها لهم بريطانيا. لا زال هناك أيضاً انطباع متخيل بأن خريج جامعة الخرطوم إنسان خارق، وهذا أيضا انطباع متوهم. ولكن لا احد يستطيع إنكاره علناً كما لا يمكن لمصري أن يطعن في صوت أم كلثوم ولا ليبي في وطنية عمر المختار. هناك قداسات ساذجة تؤثر بشكل مباشر على الحكم العام والخاص وتفضي به لأن يكون حكماً مشوهاً مجانبا للحقيقة. وإثر السودنة بدأت عملية الإنهيار في إدارة الدولة تبعها صراعات سياسية أفضت إلى واقعنا الراهن الذي اعتبره امتدادا لصراعات الماضي، تلك الصراعات المؤسسة على رواسب من الأحقاد والعنصريات والتوهان الذي يبتعد عن الطريق المستقيم كل يوم.
اليوم هناك إنهيار إداري وقانوني، ومع ذلك يظل الجميع متمسكاً بعقلية الماضي، عقلية الإستحواذ والإقصاء العنصري والجهوي والشللي والآيدولوجي...فيزداد الإنهيار القانوني والإداري فيزداد الإنهيار الاقتصادي..وهكذا دواليك.
يطالب البعض بطباعة عملة جديدة، وهم يجهلون أن هناك كم من العملة تقدر بستمائة ترليون خارج البنوك. فهل ستطبع الحكومة هذا الحجم من العملة لتستبدله بالعملة القديمة؟ بالتأكيد هذا مستحيل.
لقد تحدثنا عن مأساة معالجة وزير القحاطة لأزمة السيولة بالطباعة الترليونية، فقط لتحقيق نصر سياسي وهمي ضرره أكبر من نفعه. فلقد ظل كل السياسيين الذين يحكمون يحاولون إختلاق انتصارات وهمية متعجلة ليواجهوا بها شماتة الأعداء. فأدى بهم ذلك لمزيد من الشماتة. ومن هم الأعداء إنهم أبناء جلدتهم. ربما كان الاختلاف بينهم هو أن هؤلاء داخل السلطة واولئك خارجها. وهو مسلسل لا ينتهي من الملاحقات كتوم وجيري.
عقد الحزب الشيوعي ومعه الدقير وابراهيم الشيخ وغيره مؤتمراً يعلنون فيه رفضهم لرفع الدعم إبان حكم البشير، ثم هم اليوم أول من يدافع عنه.
إذاً؛ فلا توجد مبادئ لدى هؤلاء، وهذه مشكلة واجهت الشعب منذ الاستقلال، حيث يتم ركن المبادئ على جنب عندما تتعارض مع المصالح الشخصية. فالذين ضحكوا على جملة (رب رب رب رب) قبل بضعة أشهر هم اليوم أول من يغضب من ذكرها. وشيوعيوا الأمس هم رأسماليوا اليوم وإسلاميو الأمس هم علمانية اليوم. فكلهم أمين حسن عمر وغازي سليمان.
هناك ازمة حقيقية لا يمكن حلها إذا استمرت عقلية الإقصاء والتهميش والإحتكار.
هناك ترليونات الجنيهات حائمة في السوق. وبضعة ملايين من الدولارات في خزانة بنك السودان. مع ضعف في الصادر لانهيار كافة القطاعات الاقتصادية. والجميع يهاجمون وزير المالية كما هاجموا قبله وزراء مالية البشير.
إنهم اشبه بمن يتابع كرة القدم من مقاعد المتفرجين حيث يرغي ويزبد موجهاً اللاعبين ولاعناً لهم، بالرغم من انه لو دخل إلى أرض الملعب لما استطاع ركل الكلة لنصف متر.
عندما حذرنا كثيراً ولا زلنا من تصرفات القحاطة، لم يكن ذلك إلا لأننا نرى الفيلم الهندي يتكرر بكل تراجيديته وتفاهته وانسياقاته العنصرية والاحتكارية والتهميشية وفوق هذا سلوكيات ملؤها الحقد وشيطنة الآخرين واغتيالهم أدبيا ومعنوياً. هذا السلوك الذي ظل سمة سائدة في جينات السياسيين منذ الاستقلال وحتى اليوم.
إن الشعب لم يتغير أبداً، وقد قال القرآن حكمة بالغة:
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وما بأنفس هذا الشعب إلا السواد والأحقاد والحسد.
وهي لا تحل مشكلة بل تعرقل التفكير الهادئ السليم الذي يركز على القومية لا الشخصية ولا الفئوية ولا العرقية...
إن كل سوداني ينتظر الخلاص ولكنه لا ينتظره إلا ممن ينتمي له هو عرقاً ولوناً وديناً وحزباً وآيدولوجيا، وهو لا يدرك أن أول معرقل للخلاص هو هذه النظرة الضيقة.
إن كل سوداني يأكل أصابع الآخر...
وهذا خطأ..
صدقوا او لا تصدقوا..