رسالة لاستاذي علي المك علي سيرة جيني آن

رسالة لاستاذي علي المك علي سيرة جيني آن


12-10-2019, 04:29 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=500&msg=1575991775&rn=0


Post: #1
Title: رسالة لاستاذي علي المك علي سيرة جيني آن
Author: حسن كجروس
Date: 12-10-2019, 04:29 PM

03:29 PM December, 10 2019

سودانيز اون لاين
حسن كجروس-USA
مكتبتى
رابط مختصر



رسالة لاستاذي علي المك.
عذرا فإن آثار الجرح القديم لم تندمل.ورسالتك لجيني آن تتكرر أحداثها كل ليلة علي كل خطوط العرض والطول في الكرة الأرضية.الحب يا أستاذي لا زالت تقتله نظرات الفضول القاسية.
تذكرتها الليلة وسماء اريزونا تمطر بكسل. تذكرت اديبنا علي المك، وحديثه عن أمطار محميات الهنود الحمر في جبال نيو مكسيكو وكاليفورنيا .روائح ازهار الصبار والصنوبر تدفعها حرارة الجبال فتهبط وادي فينيكس منتصف الليل ، تمتزج ببرودة رياح خليج المكسيك فتخلق جوا سحريا يغري علي استرجاع ايام الشمال الامريكي البارده، هناك حيث تعربد الرياح و السحب فوق أرض مستوية خضراء.
الامطار الكسولة ستفتح يا صديقتي الليلة متجري للذكري والنحيب.
علي الضفاف الغربية لبحيرة ميتشيجان وديسمبر ينتصف وموسيقي أعياد الكريسماس تنبعث من السيارات والحانات والبيوت والمتاجر.روح من الغبطة والتسامح تشحن النفوس .ما أجمل أمطار الشتاء الدافئة في قري Wisconsin تهطل بغزارة فتغسل غشاوة الثلوج وغبار الملح عن خضرة اشجار الصنوبر. كان وجهك يضئ عتمة الظلام البارد ،وجسدك يرتعش داخل معطف الصوف الأسود وانت تجلسين قبالتي أمام مقهانا الدافئ الانيق .كنت تحتضنين كوب القهوة بين راحتيك وتعبثين بلمسِه الدافئ ، وانا احدق بعينيك، كلما رفعتِ راسَكِ عن كوب القهوة لدفعي للحديث ،كان يشدني ذاك اللون الأزرق الكريستالي اللامع وانت تحدقين في وجهي كأنك تخترقينه . كان Willie Nelson يغني لعيون زرقاء تبكي في المطر.
كنتُ احكي لك عن أمطار الصعيد عندما تتلهفها ارض البطانة العطشي .روائح النال و السدر والاراك واشجار الطلح .روث البهائم عندما يطفو علي سطح الارض السوداء المبتلة.
أمطارٌ لا كامطاركم، فامطارنا مثل طباعنا ،ان هي هطلت والشمس في كبد السماء تكون عنيفة تسبقها عواصف ترابية تتحول لرياح هوجاء تهب من كل الجهات .تتحول حبات المطر لسياط مائية تصفع الوجوه بعنف وان هي هطلت في عتمة الليل فامطارنا مثلنا كريمة، رزينة تتمهل الجود .تنقر سقوف الطين بكسل وهدؤ بحباتها الناعمة وصوتها الحنون خوف إيقاظ الزراع والرعاة المتعبين.
كنت اترجم لك أشعار الدوبيت البسيطة:
رعدك مغرباوي وكت بريقك شال
ناسك شالوا فوق ابلا مضي وفيال
مع الحمريب دعاشا جابلو ريحة نال

واعطف بك علي شاعر الليمون أزهري ابشام وشعره الذي لا يعرف التَكلُف سهل مثل سجع الحبوبة في أذن رضيع:
وزي ليلاّ بعد مطره
تقعدي معاه يا قمرة
دقايق شان تريديهو
كان جيعان تعشيهو
كان زهجان تحجيهو
كان نعسان تلوليهو
و إدريس جماع وجنون لوعته واشعاره التي ما عرفت ان هي جهد ذهن بشري ام وحي جن من وديان حلفاية الملوك. :
شاء الهوي ام شئت انت
فمضيت في صمت مضيت
ام هز غصنك طائر
غيري فطرت اليه طرت
وتركتني شبحا
امد اليك حبي اين رحت
وغدوت كالمحموم لا
اهذي بغير هواك انت
و التيجاني يوسف بشير ورمزيتة الذكية وروحه المتعبة التي ضاق بها جسده العليل فصارت تهرب الي الله في كل محراب:
الوجود الحق ما اوسع في النفس مداه
والكون المحض ما اوثق بالروح عراه
كل ما في الكون يمشي في حناياه الاله
هذه النملة في رقتها رجع صداه
هو يحيا في حواشيها وتحيا في ثراه

كنا نستمد الحب من هناك ونرحل شمالا مع مصطفي سعيد .في القاهرة نلتقي Mr Robinson وزوجته التي لها نفس وميض عينيك. ثم نمضي شمالا و معه نتسكع في شوراع لندن.الخضرة الداكنة وسقوف البيوت الحمراء نغشي هايدبارك ومحطة فيكتوريا. ندخل معه عالم Jean Morris وعوالم غرفته الساحره.
لكني لا كمصطفي سعيد كنت احكي لك عن بلادي التي اعرفها جيدا ،لم يكن يهمني أن تهتز الأرض تحت قدميك من الدهشة بقدر ما كنت اتسلي عنك بسيرة ملاعب صباي ومساكن روحي وحبي الذي لا يموت لاهلي وعشيرتي وحبيبتي التي فارقتها بين النيلين . كنت احكي لك عن رحلات القوافل تجوب الصحراء ،عن اغاني الرعاة وطبول الافراح والأتراح في القري الوادعة.عن السواقي والنخيل والنيل عن الليل و القمر والنجوم في سماء مابين الجبال شرقا والصحراء غربا .
ثم تسري القهوة مني في اطراف الاعصاب فاحكي لك عن الخرطوم حبيبتي الأولي في المدن عن اندفاع الأزرق ووقار الابيض،عن توتي وعناق الاقتران في سُرّة امدرمان .كنت تستمعين باهتمامٍ لضجيج نظراتي وانا احكي.
كنت انا اتتبع انزلاق بلورات ماء الامطار علي خدك الابيض الناصع الصقيل وحبات الندي والأضواء تنعكس عليه انعكاسا.كان شعرك الذهبي المبلل يلتصق بوجهك فتتركينه يحمل بعض دفء الامطار الي شفتيك .كان لون شعرك الذهبي يتقاطع مع لون فمك الزهري . يتلامع مع أضواء البروق ليبعث في قلبي لوعة وحزنا وانينا مثل بكاء السواقي. كان نصيبي من هذا الخير الوفير كنصيب مسعود في تمره، وفي حلقي حشرجة مثل شخير الحمل حين يذبح.هتفت مثل مسعود في سري اخاطب سياط شعرك الغجري الا تقطع قلب الشفة السفلي .(حفنة تمر).
ما كان اضيعني وانا اجوب معك حقول الذرة المعزولة نزور معا مزارع اهلك المهاجرين القدامي من غرب اوروبا. كنت احتمل لأجلك نظرات الريبة في عيونهم كنت اتوهمهم يرون اشتداد قوسي واستعداد سهمي للانطلاق، كنت اتحاشاهم تجنبا فيزيد صمتي وتبلدي شكوكهم.وانت كالعاده توقفين الزمان بفرحك الطفولي حين تعريفي باجدادك الذين ربما كانوا ملاكا للعبيد في اواخر القرن الماضي .كان الأمر مثل مسرحية ساخرة، لوحة تضج بالتناقضات المضحكة.
لا زال الغرب كما هو يا عزيزي علي المك- كما تركته-.وهكذا كل المجتمعات فالحب لا يقوي علي كل هذا الازدواج الإنساني. التمايز غريزة انسانية طبيعية والطبقات طِباعٌ تخلقها المجتمعات حتي عندنا في أفريقيا. فالعرق واللون اوضح أنواع التمايز، لكن اي مجموعة بشرية في اي بقعةٍ جغرافية ستبحث عن شكل من أشكال التمايز الطبقي حتي وان تشابهت الوانهم ولغاتهم لابد من نظام للتدرج الطبقي والتمايز.
ها نحن نجلس متجاورين في مطعم ما بعد منتصف الليل ضجيج ودخان المخمورين يملأ المكان، ياكلون شرائح اللحم المحترقة بنهم،فطباخ منتصف الليل عادة تحت التمرين.عمال الوردية الثالثة يحتسون القهوة بتلذُذ ونحن نجلس في صمت نحتسي عذاب الاحباط .
افترقنا ليلتها بعد أن يئس مسعاك المتفائل الحالم في هزيمة واقعيتي العاقلة.افترقنا وانت تغنين ل
Union station and Alison Krauss
( you say it best when you say nothing at all)
نعم يا عزيزتي فالصمت ابلغ من العبارة و عين الحب مفضوحة ولهذا وذاك نسمع موسيقي الجاز الناعم.عندما وقٌعَ (Legend 1900 )عازف السفينة مقطوعاته الحزينة وفضل الموت في بطنها خوفا من قسوة ظهر اليابسة.لقد كان علي حق فالارض سفينة كبيرة ويصعب فيها إجبار القلب والعقل ان يتفقا علي عشقٍ واحد .نساءٌ كثيرات جميلات وكل جمال يأتي بعدة أطوال وأحجام وألوان. العطور كذلك رائحتها نفاذة ولكل عطرٍ سحره ،فهذا بارد وذاك حار بعضه للعمل وبعضه للسهرة وهكذا كل شئ يأتي في تدرج هرمي بعضه باهظ نادر وبعضه رخيص مبتذل .
لم يعد بعد ليلتنا تلك البقاء خيارا ،فكل الطرق كانت تقود الي الفشل .لأجلك سأترك كل من أحببت في الشمال البارد ،وللهروب ستتجه سفينتي جنوبا.صرت اكره الجليد والدرجات الدنيا في نشرة الطقس.
تركتك ليلتها وانا اتحاشي دمعة تعكر صفو تلك العيون الكريستالية الزرقاء.
حسن كجروس
أكتوبر 2010


Post: #2
Title: Re: رسالة لاستاذي علي المك علي سيرة جيني آن
Author: Yasir Elsharif
Date: 12-10-2019, 08:55 PM
Parent: #1

سلام يا حسن وشكرا

Quote: كل ما في الكون يمشي في حناياه الاله
هذه النملة في رقتها رجع صداه
هو يحيا في حواشيها وتحيا في ثراه

Post: #3
Title: Re: رسالة لاستاذي علي المك علي سيرة جيني آن
Author: معاوية المدير
Date: 12-11-2019, 12:39 PM
Parent: #2

ألف شكر يا حسن .

يديك العافية يأخ ...

Post: #4
Title: Re: رسالة لاستاذي علي المك علي سيرة جيني آن
Author: Hamid Elsawi
Date: 12-11-2019, 09:19 PM
Parent: #3

ياسلام علي الإبداع
تسلم حسن و يسلم قلمك