في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية الإنتقالية (1 - 100)

في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية الإنتقالية (1 - 100)


08-31-2019, 05:36 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=500&msg=1567269391&rn=0


Post: #1
Title: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية الإنتقالية (1 - 100)
Author: حسين أحمد حسين
Date: 08-31-2019, 05:36 PM

05:36 PM August, 31 2019

سودانيز اون لاين
حسين أحمد حسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية الإنتقالية (1 - 100)

تقديم

من التمارين الديمقراطية العصيبة للمفاوض المدني لثورة ديسمبر 2018، هِيَ أن يحمل هتافات المتظاهرين الساخنة الطازجة لردهات التفاوض الباردة طقساً وأعصاباً، وأن يحمل خلاصات التفاوض الخديجة من تلك القاعات الباردة لشارع يتلظَّي بالقتل والجراح والانتهاكات المستمرة والظلم والغبن والاحباط وحمارة الغيظ. ولا غروَ أن تأتي تلك النتائج بما لا يشتهي المتظاهرون: فجاءت الوثيقة السياسية خرقاء والوثيقة الدستورية عرجاء.

ويُمكن إرجاع ذلك لعدد من الأسباب التي تناولها كثيرٌ من النَّاس؛ كضعف قدرات المفاوض المدني، نَصَب المفاوض/المعارض المدني، الإرتكان للأديولوجيا والمحاصصات حول المكاسب المتوقعة، إحتماء المفاوض العسكري الضعيف القدرات هو الآخر بعدد من المستشارين من أعوان النظام الذين لهم مصلحة حقيقية في تعطيل التفاوض، التدخلات الخارجية عن طريق تزويد لجنة البرهان الأمنية بالسلاح وتزويد بعض المدنيين بالرِّشى لصالح قضايا غير وطنية، والمحاولات المستميتة لتعطيل تجريم لجنة البرهان الأمنية بما اقترفت في قتل المعتصمين - محاولةً وصلت استلهام البرهان ذات نفسه للعفو الذي تمَّ بين الهوتو والتوتسي في رواندا.

وبعد توقيع الوثيقة الدستورية بعِلَلِها وعلاَّتِها والتبديل فيها نتمنَّى أن تكون لجنة البرهان الأمنية - والتي هي الآن جزء من المجلس السيادي - قد قرأت حلم الشباب السوداني (الذين يمثلون 63.2% من المجموع الكلي لشعب السودان) المتمثِّل في حكومة مدنية قراءة صحيحة؛ والذين من بينهم بطبيعة الحال أبناء أعضاء هذه اللجنة الأمنية أنفسهم. ونرجو أن يعني الشق العسكري في مجلس السيادة ما يقول حين صرح أحد أعضائه قائلاً: "عهد الخلافات بين العسكريين والمدنيين ولَّى بلا رجعة"؛ ونتمنَّى أن يكون ذلك اتفاقاً لمصلحة المدنية لا لمكاسب شخصية ولا لديمومة إنقلاب لجنة البرهان الأمنية وخرقه للبناء المدني.

ونرجو أن تكون رسالة قوى الحرية والتغيير التي تلاها الأصم حين قال لأعوان النظام المتساقط: "لن نكون أمثالكم، سنقاضي مجرمَكم، ونطهر فاسدَكم، ونقتصَّ لشهدائنا منكم، وبعد ذلك من أراد أن يلحق بركب المدنية فيفعل" قد فُهِمت في سياقها الإشتمالي بلا تفريط. كما آمل أن تكون رسالة حمدوك التصالحية العظيمة المبثوثة في عبارته "بعد أدائي للقسم، فأنا رئيس وزراء كل السودان" قد فُهِمَتْ فهماً إيجابياً يليق بعظمتها؛ فهي تستبطن تجربة جنوب أفريقيا ورواندا وإثيوبيا وزمبابوي وغيرها، من غير إفصاح.

ولعمري العقلية التصالحية (Accomodationist mentality) المبثوثة في قول حمدوك بعاليه هِيَ أولى لَبِنات بناء الدولة المدنية والنظام المدني؛ وهي التي، مع ما جاء آنفاً من قول قوي الحرية والتغيير، قد حثَّتْ مجموعات من النظام المتساقط (لعلها مجموعات شبابية) لإلتقاط هذا القول الواعي فبادروا واتصلوا مؤيِّدين لحكومة حمدوك المدنية ولو سِرَّا. ولعلَّ هذا الإتجاه التصالحي هو الذي يجعل الفترة الإنتقالية خالية من العوامل التي يُمكن أن تُحدث شرخاً في البناء المدني.

هذا الواقع يتطلَّب من لجنة البرهان الأمنية (الشق العسكري من المجلس السيادي) أن يقطع صلته بالنظام السابق تماماً، وأن يكون مستعداً لمحاكمته على ما اقترف من فساد وجرائم في حق الشعب السوداني، وألاَّ يتدخل في استقلالية السلطات والمؤسسات (القضاء، النيابة العامة، ديوان الحسابات، المراجع العام، والضرائب؛ المالية، وبنك السودان، وغيرها) وبذلك يكون الشق العسكري في مجلس السيادة قادراً على أداء وظيفة مدنية ومنحازاً للدولة المدنية بالتمام والكمال رغم صفته العسكرية. وسيكتب التاريخ يومها أنَّ مجموعة من الضباط الوطنيين قد ساهموا مع إخوتهم المدنيين في بناء أعظم دولة مدنية سودانية في التاريخ؛ نتعهد نحن المغتربون السودانيون أن نضخ في جهازها المصرفي، بعد الإجراءات اللازمة لتعافيه، ما يفوق الـ 10 مليار دولار كدفعة أولية عبر بنك المغتربين السودانيين (Sudanese Expatriate Bank - SEB) الوشيك الإنشاء.

كما أنَّ هذا الواقع يتطلَّب من قوى الحرية والتغيير أن تتحرَّر بالتمام والكمال من الأيديولوجيا، وأن تنفصل تماماً من عراها الحزبية لصالح البناء المدني السوداني. ويجب أن تُطوِّر حكومة حمدوك الإنتقالية نظاماً مدنياً متيناً للمتابعة والتقويم يشرف على كلِّ قطاعات الدولة (Civilian Monitoring and Evaluation System – C “M and E” S)، ويكون شديد الحساسية تجاه الإنحرافات والشروخ التي قد تُصيب البناء المدني والإقتصاد المدني من هذا الطرف أو ذاك؛ كما يجب أن يتبع هذا النظام لرئيس مجلس الوزراء مباشرة.

يُتْبَع ...

Post: #2
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 09-03-2019, 06:43 PM
Parent: #1

النظرة الحزبية الضيقة تعطل الحكومة المدنية في السودان.

Post: #3
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 09-05-2019, 08:56 PM
Parent: #2

في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية الانتقالية (2-100)

تعريف ومحددات الدولة المدنية وكيفية تعاطيها مع المعتقدات

تعريف الدولة المدنية (مدنياااااو)

حينما نادى الشهداء والمفقودون وأصحاب الجراح النبيلة بالدولة المدنية وبذلوا أرواحهم وأجسادهم في سبيلها كانوا يعنون بذلك:

“جملة الإجراءات القانونية والمؤسسية المُتَوَصَّل إليها ديمقراطياً، وِفق دستورٍ ديموقراطىًّ (انتقالي/دائم)، ومُنبثقٍ عن عقدٍ إجتماعىٍّ مدنىٍّ جامعٍ وديمقراطيٍّ أيضاً، ومعبِّرٍ عن إرادة المجتمع بكل تنوعاته (من قالوا: مدنياااااو)؛ مهمتها إنجاز الحقوق والواجبات المتبادلة بين الدولة المدنية والمجتمع المدني فى إطار دولة القانون والمؤسسات، ودولة المواطنة، ودولة الحرية والديمقرادية وحقوق الانسان المنصوص عليها بكل المواثيق الدولية، ودولة سيادة الثقافة المدنية (السلام الاجتماعي وقبول الآخر واحترام خصوصياته)؛ وتتعامل مع تنوعات ذلك المجتمع بالطريقة التى لا تخل مطلقاً بتلك الحقوق والواجبات لكافة المواطنين؛ وأن تتعامل معهم على قدمِ المساواة بلوغاً لاستدامةِ تجانس الاقتصاد القومي، واستقرار العملية السياسية وتكريس الوعي المدني، وبالتالي تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية بمعناها الليبرالي وترسيخها واستدامتها في نهاية المطاف أيضا”ً.

محددات الدولة المدنية

يمكننا من حيثيات التشكل الاقتصادي الاجتماعى والسياسي في السودان (حسين 2018)*، ومن القراءة الدلالية لمفهوم الدولة المدنية عند مُبتكِرها المفكر المرحوم محمد إبراهيم نقد (1988، 2003، 2012)*، ومن بعض الكتابات التي تناولت موضوع الدولة المدنية (د. زايد 2011)*، ومن التعريف الوارد أعلاه، أن نعيِّن محددات الدولة المدنية وأركانها التى إنْ غاب أحدُها إنزلقَ مفهوم الدولة المدنية إلى الدولة الدينية أو العلمانية. وهذه المحددات هى:

1- يُمثل تجانس واتزان معادلة الاقتصاد القومي الكلية (العمل/العمال والقوى الحديثة والمهنية + رأس المال/رجال الأعمال وروَّاد الأعمال + التنظيم/المهنيين + الأرض/بورجوازية الدولة = الإنتاج = العملية الإنتاجية = الثورة الوطنية الديمقراطية فى نهاية المطاف) وديمقراطيتها واستدامتها أهم محددات الدولة المدنية. ولن يكون بمقدور معادلة الاقتصاد القومي أن تحوي كلَّ هذه الصفات فى ظل غياب “تنظيمات المجتمع المدنى” – الحارسة لكلِّ عنصر من عناصر إنتاج هذه المعادلة – عن الأرينة السياسية.
وإذا نظرنا للواقع الاقتصادى والسياسي والاجتماعي السوداني نجد فيه غياب تام لحزب يُمثل العمال بكلِّ شِعَبِهِم والقوى الحديثة والمهنية فى السودان، ليقف على حراسة استحقاقات عنصر العمل والديمقراطية بالأصالة لا بالوكالة.

وبالتالي من أهم محددات الدولة المدنية هو قيام حزب للعمال والقوى الحديثة والمهنية ليكون مفتوحاً على كلِّ التحالفات التي من شأنها أن تجعل الاقتصاد والسياسة القوميَيْن متجانسين ومتوازنين وديمقراطيين ومستدامين. فالعمال والقوى الحديثة والمهنية أكثر انتفاعاً من الديمقراطية التي تمنع استغلالهم، إذا ما قارناهم بالرأسماليين الذين ينتفعون في أزمنة الديكتاتوريات باستغلال هذه الفئات وابتزازها. وبالتالي غياب هذا الحزب يجعل الديمقراطية أقصر عمراً والدولة المدنية أبعد منالا في السودان (حسين، المرجع أعلاه).

2- من أهم محددات الدولة المدنية هو رغبة المجتمع فى الخروج من البوهيمية إلى الحال المدنى ((Civil state، بالتوافق على عقد اجتماعى يشمل كافة قطاعات المجتمع، ويتحوَّل فيما بعد إلى دستورٍ (مؤقت/دائمٍ) مُعبرٍ عن إرادة ذلك المجتمع وإجماعه، فى صورة مؤسسات وقوانين لا تطالها تأثيرات القوى المجتمعية أيَّاً كان مصدرها: الفرد أو الجماعة أو الطائفة أو المذهب أو مجموعات الضغط؛ غايتها تنظيم الحياة العامة وحماية الملكية الخاصة وتنظيم العقود وشمولية تطبيق القوانين على كافة أفراد المجتمع دون استثناء لذى جاهٍ أو سلطان.

3- من أهم سمات الدولة المدنية هى أنَّها دولة القانون والمؤسسات التى تحتاج إلى القضاء المستقل، والمؤسسات العدلية الأُخرى المستقلة عن المؤسسات السيادية والتشريعية والتنفيذية المستقلة هى الأُخرى كلٍّ على حدة؛ وذلك لضمان إرساء المبادئ العدلية وشموليتها. ولعلَّ أهم سمة من سمات دولة القانون هى ألاَّ تخضع حقوق الفرد فيها لأىِّ انتهاك من قِبَل أى طرف آخر، وذلك لأنَّ سُلطة الدولة دائماً حاضرة وهى فوق سلطة الأفراد، ويلجأ إليها كل أفراد المجتمع حينما تُنتهك حقوقهم أو تكون قابلة للانتهاك.

4- من سمات الدولة المدنية هى تنامى الوعى المدنى والعقيدة المدنية التي تنبني على السلام والتسامح وقبول الآخر واحترام خصوصياته والمساواة فى الحقوق والواجبات والثقة فى عمليات التعاقد والتبادل المختلفة. وهذه القيم تمثل ما يُطلق عليه “الثقافة المدنية”، وهى ثقافة تخلقها استدامة حكم القانون والديمقراطية، أىْ العيش في واقع الثورة الوطنية الديمقراطية، وهى تقوم على مبدأ الاتفاق والتراضى، وتعززها أعراف وأنساق عديدة غير مدونة تمثل عصب الحياة اليومية للمواطنين (وما أعظم هذه الأعراف والأنساق عند أهل السودان التي جسدها اعتصام القيادة العامة)، تصوغ لهم “مبادئ التبادل القائم على النظام لا الفوضى” (ارفع ايديك فوق التفتيش بالذوق)، “وعلى السلام لا العنف” (سلمية سلمية ضد الحرامية)، “وعلى العيش المشترك لا الفردى” (العندو يخت والماعندو يشيل)، “وعلى القيم الإنسانية العامة لا الفردية ولا العنصرية ولا المتطرفة” (يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور).

فالثقافة المدنية تخلق من المواطنين نشطاء مثقفين مدنياً (مجتمع الاعتصام وشباب شارع الحوادث ونفير مِثالاً) يعرفون ما لهم وما عليهم، ويساهمون بفعالية فى تحسين ظروف مجتمعاتهم، بحيث يرتقون بوعيهم المدنى بشكلٍ مستدام، ويُمجِّدون كلَّ ما هو عام: “كالأخلاق العامة، الصالح العام، الملكية العامة، المبادئ العامة، ويحرصون دائماً على كل ما يتصل بالخير العام”.

5- من سمات الدولة المدنية أنَّها دولة مواطنة، يُعرَّفُ الفردُ فيها تعريفاً قانونياً اجتماعياً على أنَّه مواطن (بدون ألقاب) فى المجتمع له حقوق وعليه واجبات يتساوى فيها مع جميع المواطنين. وإذا كان القانون يؤسس فى الدولة المدنية قيمة العدل، وإذا كانت الثقافة المدنية تؤسس فى الدولة المدنية قيمة السلام الاجتماعى، فإنَّ المواطنة تؤسس فى الدولة المدنية قيمة المساواة والقيم الإنسانية جميعها.

6- ومن أهم سمات الدولة المدنية ومحدداتها هى الديمقراطية، وهى بالتالى الصمام الذى يمنع أخذ السلطة بالقوة والغصب بواسطة فرد أو نخبة أو عائلة أو أُرستقراطية، أو نزعة أيديولوجية. إنَّ الديمقراطية التي تبدأ من معادلة الاقتصاد القومي هى سبيل الدولة المدنية الوحيد لتحقيق كلِّ ما هو عام، كما أنَّها هى وسيلتها للحكم العقلانى الرشيد وتفويض السلطة وانتخابها وتداولها سلمياً. وأنَّ الديمقراطية تتيح التنافس الحر الخلاَّق بين الأفكار السياسية المختلفة للمواطنين، وذلك بما ينبثق عنها من سياسات وبرامج مكرسة لتحقيق المصلحة العليا للمجتمع، ويكون الحَكَم النهائى لهذا التنافس هو الشعب؛ لا بصفة شخوصه، ولكن بما يطرحونه من برامج وسياسات لتحقيق تلك الأهداف العليا (اقتصادية، اجتماعية، سياسية وغيرها) بالنسبة للوطن بالشكل المتجانس الديمقراطي المتوازن والمستدام.

فالديمقراطية بهذا الفهم تُزَكى الثقافة المدنية التى تَرْقى بالمجتمع وتحسِّن ظروفه المعيشية. ولا تتحقق الديمقراطية إلاَّ بمزيدٍ من الديمقراطية (بالثورة الوطنية الديمقراطية)؛ أىْ بقدرة الدولة المدنية على خلق مناخ عام للمناقشات والتبادل والتواصل الاجتماعى بين المجموعات المدنية المختلفة والآراء المختلفة وغيرها. ويشمل هذا المناخ العام فى المستوى الجزئى لجان المقاومة والجماعات الفكرية والأدبية والروافد الثقافية، ويتدرج ليشمل الجمعيات الأهلية والتعاونيات والمنتديات والمؤتمرات العامة، وصولاً إلى النقاشات التى تدور فى أروقة النقابات وجماعات الضغط ومنظمات المجتمع المدنى الأخرى والحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية.

هذا المناخ العام يجب أن يكون مستقلاً ومدنياً وغيرَ مُحَرَّضٍ بالأيديولوجيا، ليكون بمستطاعه القدرة على طرح الفهوم والأفكار بشكل ناضجٍ وحُرٍ ونزيه. وبالتالى هذا المناخ العام هو الذى يُحرِّض المجتمع على ابتداع الأساليب المدنية النوعية فى التثاقف العام والتواصل الجمعى، ويخلق من الحوارات المتنوعة والمتباينة فُسيفساء مدنية مُقترنة بالهم العام. ويتأسس هذا المناخ المدنى العام بالفعل التواصلي الحوارى الذى يقوم على احترام أفعال الآخرين وأفكارهم ومعتقداتهم والاستجابة إليها بشكل مدنى عقلانى من غير فوضى أو رفض.
موقف الدولة المدنية من المعتقدات (الشريعة الإسلامية مثالاً):

لا تقوم الدولة المدنية بمعاداة معتقدات النَّاس (أىِّ معتقدات) كما كان الحال على عهد الدولة العلمانية الإلحادية فى الأتحاد السوفياتى السابق، كما لا تسمح الدولة المدنية باستغلال المعتقد لمصلحة دنيوية وبالتالى تجرح قُدُسِيَّتَهُ وتستهزء به كما فعلت الإنقاذ فى السودان وغيره من الدول المسماة اسلامية. كما لا تتسربل الدولة المدنية بدِين/لا- دين أغلبية ولا بدين/لا- دين أقلية كما هو الحال فى بعض نماذج دول العلمانية السياسية كبريطانيا.

ولكنَّ الدولة المدنية تؤكد على أهمية الدين كجزء لا يتجزأ من منظومة الحياة المدنية، وكقيمة إيمانية روحية بالغة التأثير فى حياة النَّاس، ومعزِّزة لجوهر الثقافة المدنية من جهة كون أنَّ المعتقد هو الداعم الأهم للأخلاق والحاض على الاستقامة والالتزام لا سيما فى الشئون التعاقدية؛ بل هو عند البعض الباعث على حب الخير للنَّاس والاخلاص فى العمل والنجاح فى الحياة عموماً.

إذاً، فالدولة المدنية لا تتسامح مطلقاً مع استخدام المعتقد لتحقيق أهداف سياسية (تنتهي في العادة إلى أهداف إقتصادية كما في حالة الانقاذ وغيرها)، وبالتالى تحويله إلى موضوع خلافى وجدلى وإلى تفسيرات تُسئ إليه وتبعده عن عالم القداسة، وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة الزائلة. فالمعتقد فى ظل الدولة المدنية هو أسمى القِيم فى الفضاء المدنى، وتتطور علومُهُ وفهومُهُ بقوة فكره ومنطقه الداخلى القويميْن؛ بعيداً عن منطق التطرف والعنف اللَّذيْن لا يُسمح بهما البتة فى إطار الدولة المدنية والثقافة المدنية.

وبهذا الفهم فإنَّ الدولة المدنية لا تتعامل مع الأديان (الشريعة الإسلامية مثالاً) بالمنطق المتعسف التى تمارسه دولة العلمانية الإلحادية أو الدولة الدينية، ولكنَّها تلجأ إلى التخيير كقيمة مدنية ديموقراطية محقِّقة لشروط المواطنة. وبالتالى من حق المواطن (أى مواطن) أن يختار معتقده والشرائع/القوانين التى يود أن تُطبَّق عليه انبثاقاً من ذلك المعتقد أو غيره؛ سواء أكانت شرائع/قوانين دينية (إسلامية، مسيحية، يهودية، بوذية، إلخ) أو وضعية، ويجب أن تُسجَّل فى سجلِّه المدنى ويحويها رَقْمُهُ الوطنى وهويته الشخصية. كذلك فإنَّ الدولة المدنية تكْفُل له الدخول تحت الشِّريعة والقانون الذى يُريد، وتكْفُل له الخروج منهما متى ما يريد؛ تحت ضوابط تكفل احترام المعتقدات فى الحالتين.

ولعل فضيلة التخيير التي تُتيحها الدولة المدنية ستُساعدنا فى منع متاجرة الدولة الدينية بالأديان (والتى تود أن تفرض قوانينها الدينية بمنطق الإكراه والوصايا والإملاء البشري للحاكمية الإلهية من وجهة نظرها الآحادية الضيقة والمحدودة)، ومنطق الأغلبية والنخبوية والأُرستقراطية التي تنتهي إلى لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية كما أسلفنا. كما يُساعدنا ذلك التخيير بالنفاذ إلى حرية الاعتقاد، احترام المعتقدات، حرية الانتقال بين المعتقدات، وتحرير المعتقد من عسف السياسة وتركه للفضاء المدنى.

وصحيح، ربما تكون هناك مشكلة فى ذهن المشرِّعين متعلقة بكثرة الشرائع وكثرة القوانين، ولكنَّها فى نهاية المطاف تعبِّر عن تنوعنا (لكلٍ جعلنا منكم شِرعةً ومِنهاجاً) بشكل مدنى ديموقراطى خالى من التعسف والإكراه والجبرية، ويجب أن يكون الدستور الدائم للسودان معبِّراً عن هذا الواقع أيضاً. كما أنَّ تعدد القوانين وتعدد الشرائع، أهون على النَّاس من أن يكون التعسُّف السياسي القائم على التعسف العقدي سبباً فى حروب وفتن لانهائية.

لقد جرَّب السودان التعسُّف والحَيْف منذ الإستقلال إلى يومِ النَّاسِ هذا؛ وكانت النتيجة فُرقة أبناء الوطن الواحد، واحترابهم الدائم وانفصال جزءٍ عزيز من بلدهم، وبُغِّضَ إليهم كلُّ ما هو دينى، فلماذا لا نجرِّب التخيير؟ فبدلاً من أنْ تُطبَّق علىَّ الشريعة إكراهاً كما هو قائم الآن، فلتُخيِّرُنى الدولة المدنية بمسلك مدنى ديموقراطى متحضر ومحقق لشروط المواطنة فى القوانين التى أحب أنْ تُطبَّق علىَّ: قوانين الشريعة (الإسلامية، المسيحية، اليهودية، البوذية وغيرها)، القوانين الوضعية، أو أى قوانين أُخرى. وهنا تظهر عدد من الحقائق التى لا يراها المتعسف الديني ولا المتعسف العلماني:

1- ستتبدَّى للنَّاس لِأَوَّل مرة سماحة الشريعة الإسلامية فيكثُر أتباعُها (أو وجاهة القوانين الوضعية فيزداد أنصارها). وإذا كان اللهُ عزَّ وجلَّ مُتِمَّاً نوره ولو كَرِهَ الكافرون، فَفِيمَ الخشية من التخيير؟ هل هى بسبب خوف الحاكم إذا لم يُكره النَّاس على الشريعة سيصبح كافراً وظالماً وفاسقاً؟ فكيف نفسِّر الكفر/الإلحاد والظلم والفسوق المصاحب لتطبيق شرع الله في البلدان التي تتنطع بتطبيقه! أم هل هى بسبب خشية الحاكم من الله لأنَّه أتاح شرائعاً أخرى إلى جوار شرع الله الاسلام، والتي من شأنها أن تُبعد النَّاس عنه؟ وهنا أيضاً كيف نفسر تزايد أعداد المعتنقين للإسلام في بلاد “الكفار” بالقدر الذي بدأ يُقلق الاستراتيجيين (5000 يدخلون الإسلام سنوياً في بريطانيا) رغم عدم الاكتراث للأديان هناك، والتنفير عن الإسلام الذي أحدثه الإرهابي أُسامة بن لادن فيها!

فالشاهد، أنَّ النَّاس يهجرون دين الله بسبب القدوة السيئة التى تتعبَّد بالأيديولوجيا الدينية وتهجر جوهر الدين (وبالتالي تستخدم الدين كغطاء للفساد والإفساد)، وبسبب الإكراه أكثر مما لو خُيِّروا. والدليل على ذلك هو الظهور العلني لـ 1200 ملحد – وفي روايات أخري مليون – في السودان بالتزامن مع التطبيق الشائه لشرع الله، كما أنَّ التخيير والقدوة الحسنة هي التي تجعل الاسلام في الغرب في تزايد الآن.

فحينما ينتقل النَّاس من أُفقِ الأيديولوجيا الضيق الدموى إلى أُفقِ المناخ المدنى السلمي الخصيب، ستنشط فيه حرية الفكر المحرَّضة بالعقل الحر والتفكير الحر بغرض إنتاج المعرفة الدينية الحقة الناصعة، وسوف يتطوَّر الفكر الدِّينى وسيتم إخراجه من حالة التكلُّس التى يعيشها الآن. ووقتها (ووقتها فقط) ستتبدَّى سماحة الشريعة الإسلامية التي لم تتكشَّف ولم تتطور في موطنها عبر قرونها الطِوال إلاَّ لأنَّ أهلَها أكثرُ اشتغالاً بالسلطان وأيديولوجياته من الاشتغال بالفكر الحر عبر العقل الحر الذي من شأنه أن يُجلي سماحة شرع الله الحنيف.

2- وفى إطار الدولة المدنية لن يُسمح بأى نوع من أنواع العنف الدينى أو الثقافى أو الإثنى أو اللغوى، أو العنف الأيديولوجى/السياسى/الاقتصادى أو الجسدى أو اللفظى المُجيَّر لخدمة أى شرخ فى البناء المدنى، وسوف يُفسح فقط للفكر الحر والتفكير الحر ليكونا مُدْخَلَيْنِ مُهِمَّيْنِ فى مجال المعرفة المعلومة الأدوات فى إطار الدولة المدنية.

وبهذه الكيفية سيكون بالإمكان حل كل مشاكل السودان المصيرية بأُفقِ الدولة المدنية ذى القدرة الحقيقية على حماية التنوع فى البيئة السودانية الغير متوفرة لدى الدولة الدينية والدولة العلمانية معاً. وبالتالى فى إطار هذا الأفق المدنى يمكن ان يعود الجنوب إن رغِب، ومن ثم نسعى إلى آفاق جديدة من التماسك والاستقرار واللُّحمة والانطلاق نحو مستقبل مزدهر.

3- فى إطار الدولة المدنية، ستنتهى حالة النفاق الدينى/الاجتماعي وتطبيق الشريعة على اللاَّ – إخوانويين واستثناء الإخوانويين من تطبيقها عليهم، وسيُحاسب النَّاس بالشرائع التى اختاروها ومضمنة فى سِجِلِهِم المدنى، ولا مجال هنا للمحاباة والمحسوبية فى إطار القضاء المستقل والسلطات الأخرى المستقلة.

وعليه يجب أن نعلم أنَّ الإنقاذ ترفض الدولة المدنية – لا لأنَّها “إسم دلع” للعلمانية وقد جاء بها الشيوعيون كما تروِّج هِىَ لذلك – لأنَّ الشريعة الإسلامية حينما تكون فى يد القضاء المستقل والنزيه فى إطار الدولة المدنية، ستُطبَّق على الوجه الأكمل على الإخوانويين (الفاسدين بطبيعة الحال؛ قال د. حسبو عبد الرحمن: “كلُّ أعضاء حزبه فاسدون”) وعلى من اختاروها على قدم المساواة.

4- حينما تكف الدولة عن حشر أنفها سلباً فى طريقة تدين النَّاس وإثنياتهم وثقافاتهم ولُغاتهم، تخمد الفتن والحروب القائمة على أساسها، وتتحول ميزانية هذه الحروب بالنسبة للدولة إلى ميزانية مواطنة؛ ميزانية مدنية تخدم إيجاباً ذات التنوع الدينى والإثنى والثقافى واللغوى في الفضاء المدني الرحيب.

5- فى إطار الدولة المدنية؛ دولة المواطنة والديموقراطية؛ ستكون البرامج الحزبية (خاصةً في إطار الكيانات السياسية الفتية الجديدة: حزب العمال والقوى الحديثة والمهنية السوداني، حزب الحرية والتغيير، حزب سودان المستقبل ((Sudan NextGen، إلخ) ملحمة من التنافس على كيفية خدمة كافة المواطنين، وستكون هذه البرامج مُكرَّسةً لعكس استحقاقاتهم من حقوق المواطنة وواجباتها بما يخدم التوازن الكلي للمجتمع، ولن تكون مكرَّسة تمكيناً للأنا السياسية أو الاقتصادية أو الأيديولوجية أو الإثنية أو الجهوية أو اللغوية أو لمطامع حزبية أو فردية؛ فالكلُّ رابح فى ظل الدولة المدنية وبشكلٍ ديموقراطى متوازن ومستدام وفي كامل السلام الاجتماعي.

خاتمة

إنَّ الدولة المدنية منتج سوداني خالص، وهو أحد صادراتنا للعالم في مجال العلوم السياسية، ولها ميزاتها على الدولتين الدينية والعلمانية كما رأينا من قبل؛ وذلك بجعل الدين/المعتقد أعلى القيم في الفضاء المدني، وفي نفس الوقت تصونه بعيداً عن الدولة والسياسة، وعن هوى السياسيين المنحرفين.
___________

* محمد ابراهين نقد: “حوار حول الدولة المدنية”، الحوار المتمدن، 2003.

* (دكتور أحمد زايد: “ماذا تعنى الدولة المدنية”، الشروق الألكترونية، 26 فبراير 2011).

* محمد ابراهيم نقد: حوار حول الدولة المدنية، الشركة العالمية للطباعة، الخرطوم – السودان،
2012.

* حسين أحمد حسين: التشكل الاقتصادي الاجتماعي في السودان وآفاق التغيير السياسي (قراءة في الاقتصاد السياسي السوداني)، مركز آفاق جديدة للدراسات، مانشستر – بر يطانيا 2018.

Post: #4
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 09-09-2019, 07:16 PM
Parent: #3

في شأن تعضيد الإقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية الانتقالية (100 - 3)

كيفية الانتقال من الكينزية العسكرية إلى الكينزية المدنية

يحتاج المرء بالضرورة لمعرفة كيفية إدارة العالم من حوله (Global Governance)، ليتكيَّف مع المآلات والعواقب المتأتية من ذلك بأقل الأضرار. والمجتمعات التى لا تستطيع أن تواكب كيفية التحكم في مصائر الشعوب، سوف تسقط في الفِخاخ التي سَتُرْسَم لها لا مُحالة.

حيثيات

1- في عالمنا الرأسمالي المُحدِّد لحركة التاريخ والمهيمِن عليها الآن، وجدنا أن طريق التطور الرأسمالي يتبعُ نموذجاً محدَّداً لتطوير قواه المنتجة وبالتالي المحافظة على البقاء الآني (إشباع الحاجات) والاستراتيجي (استدامة إشباع هذه الحاجات لأكبر فترة ممكنة مع تحقيق أرباح). ويُمكن تلخيص هذا النموذج في الصيغة التالية:-

"تناقص الأرباح/الكساد - الحرب - التسوية الاقتصادية الجبرية - تناقص الأرباح/الكساد من ثان - ثم الحرب من جديد، وهكذا دواليك".

غير أنَّ الحرب الظاهرة في هذا النموذج قد تمَّ الاستعاضة عنها فيما بين المراكز الرأسمالية الغربية ،خاصة عقب الحرب العالمية الثانية، بالمنافسة الاقتصادية - ما يُعرف بالكينزية المدنية (يقول الفيلسوف العمالي المرحوم توني بن 1925 - 2014: إذا كان بمقدورنا أن نصل حالة العمالة الكاملة بقتل الألمان، فلماذا لا يصبح بمقدورنا تحقيق العمالة الكاملة ببناء المستشفيات والمدارس). أما المنافسة بين المراكز الرأسمالية خارج الدول الغربية (في مسارح العالم الثالث) فقد تجنح لإشعال الحروب لتحقيق أهداف اقتصادية - ما يُعرف بالكينزية العسكرية (Cox, in Middleman (ed) 1997).

ولذلك فإنَّ ميل الأرباح للتناقص والزيادة فيها قد صارا مؤشرين مهمين في إطار عمل هذا النموذج، خاصةً بعد اكتشاف قوانين تناقص الغلة الصناعي والتجاري والخدمي وغيرها، إلى جوار قانون تناقص الغلة الزراعي المكتَشف منذ عهد الاقتصاديين الكلاسيك.

فمثلا،ً مؤشر زيادة الأرباح في إطار دورة الأعمال (Business Cycle) في المراكز الرأسمالية الغربية دائماً ما يكون موسماً لمبارزة ومنافسة الأحزاب السياسية لخدمة شعوبها ومن ثمَّ موسماً لإعلان الانتخابات. في حين أنَّ مؤشر ميل الأرباح للتناقص دائماً ما يتبعه إعلان حرب في دولة ما من دول العالم الثالث، خاصةً تلك الغنية بالموارد.

فالرأسمالى الشره في المراكز الغربية من الممكن أن يشعلَ حرباً ضد رأسمالي غربي آخر منافس له في دول العالم الثالث على مسرح العالم الثالث (حالة إيران الآن)، لمجرد أنَّ أرباحه من المتوقع أنّْ تميل للتناقص بعد حين. وسوف لن تتوقف تلك الحرب إلاَّ إذا أوجد تسوية اقتصادية تُغنيه عنها.

2- في هذه الحرب نفسها ما عادت الجيوش الغربية تتلاحم لتفنِي بعضها البعض كما حدث في الحربين الكونيَّتين الأولى والثانية، ولكن الحرب في الجيل الثاني من الحروب قد تطورت إلى الحروب بالوكالة (الحرب العراقية الإيرانية، الحرب الكورية، حرب فياتنام)، ثمَّ في الجيل الثالث منها قد وصلت إلى مرحلة الحروب الذكية/الحروب الداخلية/الحروب بين النَّاس (Smith 2005) (وما أكثرها هذه الأيام فى السودان والصومال وأفغانستان والوطن العربى؛ على سبيل النذر لا الحصر).

ولقد وجدنا أنَّ هذا النموذج يعمل بهذه الكيفية منذ اقتداح الأوروبيين للحروب الدينية في القرن الخامس عشر. ولعل خلطة هذا النموذج من الكينزية المدنية والكينزية العسكرية قد تم استخدامها لإعادة صياغة الشعوب وفق الهوى الرأسمالي منذ ذلك التاريخ. وأعظم إفعال لإعادة صياغة العالم فى التاريخ المعاصر هو رسملة المعسكر الاشتراكى/الشيوعى؛ حيث ما عاد العالم الآن منقسماً بين دول رأسمالية وأُخرى شيوعية فيما بعد الحرب الباردة (Duffield 2008).

3- ما أريد أنْ اُؤكِّد عليه عند هذا المستوى من التحليل، هو أنَّ نموذج/متلازمة رأس المال - الحرب المذكور بعاليه، لم يُستخلص من مفاهيم نظرية أداتية وترف أكاديمى بحت، ولكنه مسنود بمسطورات التاريخ.

فمن واقع تحليلنا المادى لحروب رأس المال، اتضح لنا "أنَّ الحرب العالمية الأولى سبقها تناقص أرباح/كساد حاد - كما أخبر عنه أوبراين ووِليامز (O'Brien and Williams 2007) - أدى بدوره لتنافس الدول ألأوربية على المستعمرات واندلاع الحرب العالمية الأولى 1914. وقد وصل العالم بعد تلك الحرب كما هو معلوم إلى تسوية فراساى عام 1919م وإنشاء عصبة الأمم. ثم حلَّ بالعالم بعد تلك التسوية ما يُعرف بالكساد الكبير 1929م، والذى أدى بدوره إلى الحرب العالمية الثانية في العام 1939. وأعقب الحرب العالمية الثانية تسوية بريتون وودس (Bretton - Woods) عام 1945. ومنذ بريتون وودس، فإنَّ النظام الرأسمالى قد مرَّ بعدة مراحل من الكساد التي أدَّتْ إلى الحروب بالوكالة والحروب الذكية/الداخلية/الحروب بين النَّاس كما جاء بعاليه؛ وآخرها كساد 2008 الذى ظل مستمراً إلى نهاية العام 2017، والذي من أجل تلافيه قامت الحرب بين السعودية ومن حالفها ضد اليمن وأحلافها" (أُنظر الرابط أدناه)*.

وهكذا يعمل نظام التطور الرأسمالى فى إطار حلقتِهِ المُفرغة: الكساد - الحرب - التسوية - الكساد - الحرب من جديد منذ زمانٍ ليس بالقريب. فالشاهد أنَّ الغربيين فى المراكز الرأسمالية الغربية يتنافسون على تطوير بلدانهم بمواردنا، ونحن فى الأطراف نتنافس على القِتلةِ المتطورة بأسلحتهم.

4- يجب الإنتباه إلى أنَّه بمقتضى هذه المتلازمة قد لا يكون هناك فكاك من الحروب في طريق التطور الرأسمالي، والعاقل من الحكام فى دول العالم الثالث (if any)، هو من يتجاوزها بالدلوف إلى التسوية (إلى الكينزية المدنية) ليُجنِّب شعبه ويلات الحروب كما كان يفعل الملك عبد الله بن عبد العزيز - أبو مُتْعِب رحمه الله. ويا تُرى ماذا في كنانة السيد رئيس وزراء السودان الجديد (د. عبد الله حمدوك) وكوكبة وزرائه المستنيرين من سياسات، ليُجنِّبوا بها شعبَ السودانِ ويلاتِ الحروب؟ ... ولعمري ننتظر منهم الكثير.

أقول ما أقول، وأنَّ التسوية أحيناً لا تبعد شبح الحرب، وذلك حينما تكون الحرب سلعة تتحدد بالعرض والطلب والفرصة البديلة (Comparative Advantage) كما يقول ميشيل فوكو. و بالتالي إذا كانت الحرب أربح من التسوية، فليس ثمة مناص منها (Hirshleifer 2001)، وأيضاً أُنظر (الرابط أدناه)*.

5- بناءاً على ما جاء بعاليه من وقائع، علينا ألاَّ نكون طرفاً في أيِّ حربٍ في محيط إقليمنا إذا ما استطعنا لذلك سبيلا، ويكفينا أن نكون دعاةَ سلامٍ وتسويات؛ فتلك حروب رأسمالية من الدرجة الأولى، وليست حروباً مقدسة كما يصوِّرها ويتصوَّرها البعض، وليست بالتالي لها أيَّ علاقة بالحرمين الشريفين لا من قريب ولا من بعيد. ولو كان الأمر كذلك - أقول كما قلتُ من قبل - لعبر السودانيون بحر المالح قبل أن يحدثهم عن قداستها البشير أو البرهان أو حميدتي أو أيُّ أحدٍ غيرهم.

وعليه، فلنا العديد من القضايا المعلقة مع بعض الدول المجاورة كإثيوبيا ومصر والسعودية وغيرها، التي يجب أن ننظر في أمرها عبر بوابة القانون والتحكيم الدوليَيْن والتسويات التي تصب في مصلحة السودان في المقام الأول والأخير، وعلينا ألاَّ نستجيب لأيِّ بادرة حرب من هذه الدول مهما كان من أمر.

6- شكراً للحكومة المدنية بشقيها المدني والعسكري أن وضعت أولويتها في الداخل للسلام. وعلى حاملي السلاح عدم التأخر عن ركب السلام، حتي تتمكن حكومة حمدوك من مَدْيَنة الموازنة العامة بتحويل الـ 77% منها التي كانت تذهب للقوات النظامية، لتذهب للمدنيين. والـ 33% منها التي كانت تذهب للمدنيين، لتذهب للقوات النظامية.

7- يجب أن تبتعد القوات النظامية من السياسة والاقتصاد معاً، وبالتالي يجب أن تؤول كل الشركات التابعة للقوات النظامية لوزارة المالية على الفور، ويجب أن تضطلع هذه القوات بالمهام التي تقع تحت دائرة اختصاصها فقط.

وبالمقابل، نتمنى أن تحوِّل حكومة د. حمدوك القوات النظامية إلى قوات تقنية عالية الدِّربة والتدريب، ويجب أن تتحول الكليات التي تتخرج منها قوات الجيش والشرطة والأمن إلى أكاديميات تتبع للتعليم العالي ويتم القبول فيها وفق المعايير الصارمة للقبول بالجامعات، وأن يكون كل المتخرجين منها من حملة البكالاريوس. كما يجب أن تتحول القوات النظامية من الآن فصاعداً إلى قوات حامية للنظام المدني الديمقراطي وليست مقوِّضةً له.

خاتمة

قال تعالى: "كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله" (المائدة 64).
_________

* (https://firstlook.org/theintercept/2015/03/20/asked-iran-deal-potentially-slowing-military-sales-lockheed-martin-ceo-says-volatility-brings-growth/ (

(في هذا التقرير وفى الفيديو المصاحب له، تتوجس البنوك الغربية وشركات الأسلحة من الوصول إلى اتفاق نووى مع إيران، الأمر الذى قد يقلِّل من مبيعات الأسلحة وبالتالى الأرباح؛ حيث أنَّ الحرب أو التهديد بالحرب هو أمر جيد لتجارة الأسلحة. ويُطمئن أحد المتحَدِّثيْنِ الآخر بقوله: "لا تبتئس، فثمة حالات مهولة من عدم الإستقرار ستحُلُّ بالمنطقة، كما تشى بذلك "بُنية الحوافز الضارة" التى هى من صميم سوق الأسلحة الدولية" (
Lee Fang"BIG BANK’S ANALYST WORRIES THAT IRAN DEAL COULD DEPRESS WEAPONS SALES" The Intercept: 20/03/2015).

يُتبع ...

Post: #5
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 09-13-2019, 04:51 AM
Parent: #4

في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية ( 4- 100)

إنفاذ قيومية وزارة المالية على المال العام: مسائل إجرائية

1- للتخفيف العاجل لأعباء المعيشة على أهل السودان، فلابد من تنصل وزارة المالية بشكل واضح وعلني من الرسوم والضرائب الجزافية التي تُحصَّل من المواطنين لصالح متنفذين إنقاذيين من غير وجه حق (أغلبهم من جهاز الأمن)؛ والتي بلغت 173 ألف رسم ضريبي لا يُحصل عن طريق أورنيك (15) كما صرح بذلك الأمين العام السابق لديوان الحسابات القومي الإخوانوي هشام آدم مهدي. وبالتالي حصائل هذه الضرائب لا تدخل الخزانة العامة، وإلغاؤها لا يُنقِصُ من خزانة الدولة فلساً واحداً؛ لأنَّ الدولة ببساطة لم تفرضها.

وهذا التصريح طالما أعلنه إخوانوي كهشام آدم مهدي، فذلك يعني أنَّ الرقم المذكور هو ما اختُلِف عليه فظهر، أما ما أُخفيَ فأعظم من ذلك بكثير.

وفي شأن ديوان الحسابات القومي هذا، وددتُ لو تملأ خانة الأمين العام الأستاذة الجليلة زينب موسى طالما كنا معنيين بتحقيق أهداف الثورة؛ فهيَ صاحبة المواقف المشهودة ضد فساد وكيل وزارة المالية الأسبق د. حسن أحمد طه، حينما منعته – أى السيدة زينب موسى - من تصديق حافز ميزانية لنفسه (قدره 10 مليون جنيه) لأنَّ ذلك يخالف قانون الإجراءات المالية والمحاسبية لوزارة المالية والاقتصاد الوطني؛ والذي نقلها على إثر ذلك للنائب العام نِكايةً بها وأتي بمن يمرِّر فساده وإفساده؛ كتعيين 442 مؤقتاً من أبناء أوسلي وما جاورها على حساب تنفيذيي وزارة المالية المشهود لهم بالكفاءة.

2- لابدَّ من المعالجة الفورية والجذرية لواقع الهدر القانوني والمؤسسي والإجرائي وبالتالي المالي؛ الذي طال وزارات ومؤسسات القطاع الاقتصادي بخاصة (وكل الوزارات والمؤسسات الأخرى) لأجل السيطرة التامة على المال العام وموارده وتجييره للإخوانويين دون سواهم.

وفي الحقيقة سيطرة الإخوانويين على المال العام وموارده (معظم صادرات البلد الحيوية والمؤسسات الحكومية الرابحة) وإدارته خارج الموازنة العامة، قد أعاقت دورة بناء الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة (وفرة في الإنتاج من السلع والخدمات – صادرات تفوق الواردات – موازنة عامة بميزان تجاري موجب = قدرة الدولة على بناء احتياطي نقدي من العملات الصعبة تؤمن الحياة الاقتصادية الاجتماعية والسياسية للبلد)، وجعلت البلد في وضعية الانكشاف الاقتصادي المزمنة (أى عجز الدولة المستمر عن بناء احتياطي نقدي من العملات الصعبة والذهب، يكفي لمقابلة الواردات السودانية من السلع والخدمات للمواطنين والدولة لفترة زمنية أقلّها ستة أشهر).

3- إعداد موازنة بديلة للربع الأخير من الموازنة العامة للعام 2019 ومَدْيَنَتها (ليكون نبراساً لمدْيَنة موازنة العام 2020) بفطم/فصال القوات النظامية من 77% من مواردها وتحويلها للمدنيين، وتحويل ما كان مخصصاً للمدنيين (وهو 33%) ليذهب للقوات النظامية، خاصةً وأنَّ هناك المئات من المدارس والمستشفيات التي دمرتها الأمطار وأفسدت محتوياتها.

4- إيجاد موارد حقيقية لربع الموازنة الأخير بإدخال حصائل الصادرات بكل أنواعها (خاصةً الذهب والبترول والماس واليورينيوم والصمغ العربي والحبوب الزيتية والمنتجات الزراعية الأخرى والحيوانية) في الدورة الاقتصادية للبلد، وبإلغاء كافة صناديق الدعم (دعم الولايات، دعم الشريعة، دعم الطلاب، دعم المعاشات، وما شاكلها كلها) وتجنيب الإيرادات والإعفاءات الضريبية والجمركية والزكوية والإتاوية وتحصيلها بأثر رجعي بالقدر الذي يدرأ ما أحاطها من فساد ومحاباة وبالعدم مصادرتها؛ ومركزتها كلها بوزارة المالية (هناك إعفاءات صادرة من مجلس الوزراء بقوانين خاصة، وإلغاؤها يقع تحت مسئولية السيد رئيس مجلس الوزراء د. حمدوك مباشرة)، وبإلغاء الصرف البذخي على الأجهزة الأمنية وبعض المؤسسات الحكومية؛ وتوجيهها إلى الصرف على الخدمات الاجتماعية للمواطنين (الصحة، التعليم، الإسكان) والدعم الفوري للحد الأدنى للأجور بالفئات التي قدمها تجمع المهنيين السودانيين بعد مراجعتها أخذاً في الاعتبار معدلات التضخم الحقيقية والغير مطبوخة التي كان يقدمها المركز القومي للإحصاء السوداني.

كما يجب على حكومة حمدوك مساعدة المغتربين السودانيين بإنشاء بنكهم بالخارج (دفع إيجار مبنى لمدة سنة (مسترد) في إحدى البلاد الحرة) وبفرع رئيس بالداخل (بنك المغتربين السودانيين – Sudanese Expatriate Bank - SEB). فالمغتربون راغبون في دعم الحكومة المدنية بحماس منقطع النظير، ولكنَّ النظام المصرفي السوداني مازال منفِّراً وغَيرَ موثوقٍ به، خاصةً مع عجز البنك المركزي عن السيطرة على الكتلة النقدية، ومع المعدلات العالية للتضخم وتذبذبها، ومع انعدام احتياطي نقدي من العملات الصعبة والذهب ليُتخذ كغطاء للعملة التي في أيدي الجمهور (حالة الانكشاف الاقتصادي).

5- يجب أن تسيطر وزارة المالية والاقتصاد الوطني وبنك السودان (والإسراع في تسمية محافظه) سيطرة تامة على شركة طباعة العملة (وربما إلغائها وطباعتها بالخارج) ومصادرة المطابع الخاصة التي يمتلكها بعض متنفذي النظام السابق وتجريمهم بتهمة الخيانة العظمي وتخريب الاقتصاد القومي.

6- الإسراع في معالجة انهيار القطاع المصرفي بالتدابير التي تُعيد ثقة المودعين فيه؛ سيطرةً تصل مرحلة التأميم المؤقت في حال فشل البنك المحدَّد في إرجاع ودائع العملاء المسروقة وتوفير السيولة لمقابلة السحوبات أيَّاً كان حجمها (كما فعلت إنجلترا عام 2008)؛ على أن يتم إرجاع البنك المصادر لأفراد القطاع الخاص المستأمنين علي ودائع العملاء (ليس بالضرورة للمالكين الأوائل)، والداعمين للثورة والقادرين على المحافظة على ودائع العملاء باستثمارها في سلع مصرفية بالطريقة التى لا تهدم ثقة المواطنين في النظام المصرفي.

ويجب أن يعقب هذا الإجراء تغيير مفاجئ وسري للعملة السودانية بقصد السيطرة على السوق الموازي مرة واحدة وللأبد، وإجبار الناس على فتح حسابات مصرفية وايداع أموالهم فيها. كما يجب تحريم وتجريم الاحتفاظ بالعملات الصعبة والذهب والمعادن النفسية (عدا تلك التي للزينة) خارج النظام المصرفي إلاَّ بإذن من سلطات الدولة المختصة (فقانون حيازة العملة الصعبة الحالي يحتاج إلى مراجعة لأنه لا يمنع حيازة العملة مطلقاً)؛ تحريماً وتجريماً يصل إلى درجة الإعدام (كما فعلت الصين عند بداية نهضتها). وعلى سلطات الجمارك والشرطة والأمن مراقبة بيوت الإخوانويين ومزارعهم (ففي داخل أيِّ بيت من هذه البيوت غرفة مسلحة – strong room - للعملات الصعبة والذهب والمعادن النفسية الأخرى كما أخبرنا من قام بتنفيذ هذه المباني) وكل الثغور مراقبة محكمة لمنع التهريب.

وعلى المغتربين الراغبين في الاستثمار في البلد وضع ودائعهم وتحويلاتهم ببنك المغتربين الذي لن يسمح باستخدام هذه الودائع والتحويلات إلاَّ في مشروعات منتجة تدر على المغتربين وذويهم أرباحاً مستدامة واستثماراً منتجاً لهم وللبلد. وعلى الدولة تحفيز المغتربين على الاستثمار المنتج؛ تحفيزاً يدرُّ المزيد من العملات الصعبة للبلد كما فعلت الصين، وأنجولا، وإثيوبيا ورواندا.

فمثلاً، إذا حوَّل المغترب 50 ألف جنيه استرليني في السنة، تقوم الدولة بإعطائه مشروعاً استثمارياً (فردياً أو جماعياً) أو قطعة سكنية درجة أولي في المكان الذي يختاره، بالقدر الذي يخلقُ عرىً للترابط الأمامي والخلفي في الاقتصاد القومي (أي يوليد المزيد من الشروعات) فيزيد الإنتاج وتقل البطالة.

وبهذه الطريقة استطاعت إثيوبيا – مثلاً – أن توجد محفظة عظيمة من العملات الصعبة الموجهة للمشروعات الحيوية في القطاعات المنتجة، والتي على إثرها استطاعت أن تُعلن في لافتات ضخمة عبارة: "يوجد تمويل لأيِّ مشروع صناعي". وقد رأيت ذلك بأُمِّ عيني في أديس أبابا في سبتمبر 2017م.

7- يجب الاعتماد على قانون الإجراءات المالية والمحاسبية لوزارة المالية الصادر في سنة 1977 ليكون القانون الأساس وما أُضيفت إليه من تعديلات إيجابية في فترات الحكم النزيهة، خاصةً وأنَّ الإنقاذ قد مسخت العديد من القوانين المالية والمحاسبية لتلعب لعبة التمكين.

8- يجب أن يكون البنك المركزي السوداني والجهاز المركزي للاحصاء السوداني جهازين مستقلَّين عن وزارة المالية والمؤسسات التنفيذية والسيادية والتشريعية؛ استقلالاً يعكس الواقع الاقتصادي كما هو. وَلَكْم أتعجب ألاَّ تُسمي الحكومة محافظاً لبنك السودان ولا مديراً للجهاز المركزي للاحصاء من المهنيين الداعمين للثورة حتى الآن.

ويجب أن يعود الجهاز المركزي للإحصاء السوداني لسيرته الأولى على عهده في فترة العالم الجليل بروفسير صديق ناصر (برغم إخوانويته) 1991 – 1997، دون طمسٍ للحقائق كما كان يفعل د. يس الحاج عابدين (2007 – 2016).

وعلى وزير المالية د. إبراهيم البدوي الاستعانة بالمجموعة التي عملت مع المرحوم د. عبد الوهاب عثمان بوزارة المالية والاقتصاد الوطني (الأستاذة نجوي، د. أمين صالح يس، وبقية الكوكبة) والمجموعة التي عملت مع بروفسير صديق ناصر بالجهاز المركزي للاحصاء، إذا مازالوا موجودين حتى الآن؛ فهم مهنيون خُلّصَ وقلبهم على الوطن.

9- على رئيس مجلس الوزراء أن يجعل على قمة ديوان الضرائب د. عادل عبد المنعم – نائب الأمين العام للديوان حالياً وأركان سِلْمِهِ من أمثال الاقتصادي الضليع معتصم محمد صالح نصر ورصفائه، فهم خبراء بعمل الديوان، ويعرفون حجم رأس المال المتراكم بالإعفاءات الضريبية لشركات الإخوانويين (خاصةً صاحبة الحظوة الأولى البالغ عددها 8683 شركة المعفاة من كل شئ حتى الزكاة، والتي لا تزيد مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي على 3.5%) بالقوانين الخاصة وغيرها معرفة دقيقة، ويعرفون كيفية استرداد هذه الضرائب بأثر رجعي للخزانة العامة.

فخذ مثلاً على سبيل النذر لا الحصر، أنَّ شركة التأمين الإسلامي، لم تدفع فِلساً واحداً للخزانة العامة لأكثر من أربعٍ عشرين سنة، بحجة أنَّهم لم يجدوا مسوقاً شرعياً يجعلها تدفع الضرائب؛ وبالتالي بموجب إعفائها من الضرائب وما راكمته من أموال قد أصبحت أكبر مالك - على الإطلاق - للعقارات في العاصمة المثلثة، وبالتالي أكبر مخرِّب للاقتصاد القومي.

10- إعادة النظر الفورية في جميع المشروعات المخصخصة التي شكَّلت أولى حلقات التمكين لكليبتوقراط الإسلام السياسي في السودان؛ لأنَّها نقلت مشروعات الدولة الحيوية الرابحة (The Commanding heights of the economy) لهذه الجماعات الفاسدة المفسدة مُسعَّرةً بالقيمة الدفترية، وتمَّ شراؤها بقروض حسنة مقترضة من بنوك الدولة (وبعضها أُهلِكَ تمكيناً)، وقد بيعت لهم بيعاً آجلاً، مقسَّطاً وخالي من الضرائب، والبعض تمَّ تأهيلها بمئات الملايين من الدولارات ثمَّ بيعت لهم بيعاً مُبتخساً (مدبغة النيل الأبيض مثالاً)، والبعض تمَّ إهداؤه من غير فلوس حتى، كالمشروعات التي آلت لمنظمة الشهيد وبعض الولايات (راجع: حسين 2001).

وما يدلِّل على عمليات البيع البخس هذه ما ورد على لسان رئيس اللجنة العليا للتصرف فى مرافق القطاع العام في صحيفة النيلين 12/06/2014 أمام البرلمان من أنَّ حصيلة خصخصة (139) مِرفَق حكومى ما بين 1990-2012 بلغت (1) مليار و (34) مليون جنيه سودانى (مقربة لأقرب مليون) (للمزيد راجع https://ara.alrakoba.net/1713381/سؤال-للسيد-وزير-المالية-ورئيس-اللجنة-ا/https://ara.alrakoba.net/1713381/سؤال-للسيد-وزير-المالية-ورئيس-اللجنة-ا/.

خاتمة

على كلِّ فرد من أفراد الشعب السوداني داعمٍ للحرية والتغيير (كلٌ في مجال تخصصه) تزويد الوزير الذي يليه بكافة المعلومات التي من الممكن أن تساعد في تسيير وزارته بالسلاسة المطلوبة. ويجب أن يتحول كل فرد من أفراد شعبنا الكريم الذين ذاقوا الأمرَّيْن من النظام السابق، إلى مخبرين ضد أفراد تنظيم الإخوانويين المرجوسين أينما وُجدوا، وذلك لأجل صالح البلد العام ولأجل الدولة المدنية.

يُتبع ...


Post: #6
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 09-14-2019, 11:11 AM
Parent: #5

وأنا أقوم بجمع المعلومات ألأولية لكتابة الماجستير عن الاقتصاد السياسي للخصخصة في السودان (بالتركيز على بعدي الدولة والطبقة) في مطلع التسعينات، قمت بتنفيذ مقابلة مع مدير عام البنك التجاري السوداني، وسألته السؤال التالي: هل البنك التجاري خاسر؟ فكان رده أن أجهش بالبكاء.

استحيتُ من مواصلة الأسئلة، واعتذرتُ له عن إثارة شجونه. وفي أثناء أدائي للبحث عرفتُ لاحقاً أنَّ البنك التجاري السوداني كان أربح البنوك في السودان. وقد تمَّتْ خصخصته بطريقة لا تخطر على بال أعتى عقليات كافة ضروب المافيا المعلومة لدى دوائر مكافحتها في العالم.

قامت مجموعة من الإخوانويين بأخذ قرض مرابحة (قرض حسن) من البنك التجاري السوداني ذات نفسِه وتساوي قيمته المعلنة بواسطة اللجنة العليا للتصرف في مرافق القطاع العام؛ وقد تمَّ تسعيره بالقيمة الدفترية وليس بسعر السوق في تلك اللحظة. قامت المافيا الإخوانوية بشرائه وفق ذلك السعر، بدفع آجل مقسَّط، وفيما بعد أُهْلِكَ جزءٌ من القرض تمكيناً.

ذلك يا سادتي أحد وجوه خصخصة القطاع العام السوداني بواسطة مافيا أولاد هدية وزبانيتهم.

يُتبع ...

Post: #7
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 09-18-2019, 09:15 PM
Parent: #6

في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية الانتقالية (100 - 5)

حول الوديعة الدولارية، دولار الكرامة، وما شاكلها من القَرَعَة الممدودة

لعناية وزير المالية والاقتصاد الوطني، وأنا هنا أستعير لغة السيد الإمام الصادق المهدي، لأقول لك: تحويلات المغتربين لا يمكن اجتذابها بنظام "نقطة الحِنَّة وكشف الفُراش" ويجب أن تسبقها العديد من الإجراءات المؤسسية المُحكمة.

ودعني أقول لك من الآخر: إذا كنتَ ترغب في أن يكون كل موظفي وزارة المالية (في الداخل والخارج) في خدمتك فأهلاً وسهلاً؛ فقط كُن متناغماً مع رؤية د. حمدوك التقدمية لخلاص الوطن. وإذا كنت تود أن تطبق فينا "اقتصاد سيدك"، كما قال بروفسير علي عبد القادر علي (نتمنى له كامل الشفاء وعاجله) من قبل لدكتور بشير عمر في النصف الثاني من ثمانينات القرن الفائت بدار الإقتصاديين والإداريين، فوزارة المالية بها من الخبراء التقدميين القادرين على الأخذ بيدِ الوطن إلى برِّ الأمان. وبالتالي إذا كنت تريد منا - نحن المغتربين "وديعة دولارية"، فلنا مطلوبات.

مطلوبات الوديعة الدولارية

1- لابد أن يكون للحكومة المدنية الانتقالية قضاءاً مستقلاً وقائماً بذاته المستقلة عن كل المؤسسات التنفيذية والسيادية والتشريعية وغيرها؛ استقلالاً يساعد القائمين على الأمر في تصفية وتفكيك الشمولية التى فرختها الانقاذ، لتتم تهيئة الوطن لولادة الديموقراطية والحريات العامة وحرية التملك ودولة القانون ودولة المواطنة ودولة المؤسسات، واحترام العقود. ولا نشك، ولو لِلَحظةٍ واحدة، في أنَّك تعرف أنَّ كلَّ ما جاء بعاليه هو من شروط صحة التنمية (Masaki and van de Welle 2014).

غير أنَّه من المؤسف أنَّ الرأسمالية الخراجية التي انتخبتك للفترة الانتقالية لا تحفل بالديموقراطية، إذْ ما نالته بالديكتاتورية لم (ولن) تنله بالديموقراطية التي تمنع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان؛ والتى تعنى تجانس/توازن/عدالة وديمقراطية واستدامة العملية الاقتصادية، وتوزيع العائد منها بشكلٍ عادلٍ متناسبٍ مع استحقاقات عوامل الإنتاج. ويكفي هذه الرأسمالية من الإثم ما تُحيكه من تآمر على الفترة الانتقالية بالخارج الآن.

كما أنَّ المؤسف أكثر أنَّ برنامجك العبر - ولائي المطروح لتطوير مناطق الصمغ العربي هو برنامج لدعم ناخب حزب الأمة في المقام الأول (في مناطق نفوذ حزب الأمة تلك) في إطار ذات الرأسمالية الخراجية والعقل الريعي، من غير أيِّ تطوير للسعات الإنتاجية لاقتصاده هناك. إذ خلا برنامجك هذا من أيِّ إشارة للمشروعات التي يمكن أن تخلق قيمة مضافة لاقتصاد الهامش في تلك المناطق. وكأنِّي بك تخشى أن يتحول عمال طَقّ الهشاب إلى صنايعة يتناغمون مع حزبٍ آخر قد يرث ولاء حزب الأمة في مقبل الأيام؛ ونرجو من السيد د. عبد الله حمدوك الانتباه لذلك.

2- وإذا كنتَ ترغب في ودائعنا والودائع الأخرى يا سعادة وزير المالية، فعليك قبل كلِّ شئ أن تساعد حمدوك في تسمية محافظ للبنك المركزي ليس له صلة بالنظام السابق. وعلى د. حمدوك قبل كلِّ شئ (وعلى الأقل) أن يغربل وزارات القطاع الاقتصادي وبنك السودان المركزي والجهاز المركزي للإحصاء من عناصر النظام السابق ليكون هناك تناغم في تنفيذ البرنامج الاقتصادي للفترة الانتقالية.

وذلك لأنَّ الفساد، وتعقيد الإجراءات جراء هذا الفساد، وغسيل الأموال، والمخدرات، والارهاب والإتجار فى البشر وأعضائهم، وتجارة الجنس وغيرها (أى عوامل انعدام الأمن)، كلها عوامل منفرة للأموال القادمة من الخارج؛ سواء من المغتربين أو المستثمرين الأجانب.

3- تآكل الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة وبالتالي انكشاف الاقتصاد القومى، الذى يصعب معه مقابلة واردات المجتمع والدولة من السلع والخدمات ولو لستة أشهر، ويصعب معه أيضاً الوفاء بالالتزامات الخارجية (تحويل أرباح الشركات الأجنبية العاملة فى السودان، والوفاء بأقساط الدين الخارجى، العلاج بالخارج، الدارسين بالخارج، بعثات السودان الدبلوماسية، إلخ)، لهو من أهم المشاكل المضرة بالعملية الاستثمارية بالنسبة للمغترب والمستثمر الأجنبي حتى إن وصلتك ودائعُهُما من قبيل الهبات.

4- تذبذب معدلات التضخم وارتفاعها، هما من أعدى أعداء "الوديعة الدولارية" وكافة التحويلات والاستثمارات الآتية من الخارج (المغترب والمستثمر الأجنبي). وتذبذب معدلات التضخم أضر على الإقتصاد القومى من ارتفاعها كما تعلم يا سيادة الوزير، وذلك لجبن رأس المال (خاصةً الأجنبي) الذى عادة ما يكون شديد الحساسية تجاه توقعات عدم الاستقرار. ودونك الشركات الصينية والهندية والماليزية وغيرها التي بدأت تخرج من السودان في الأسابيع الفائتة.

وقطعاً سيزداد الأمر سوءاً بسبب تردد الحركات المسلحة من الانضمام لحكومة حمدوك، وضبابية مواقف الشق العسكري في مجلس السيادة تجاه استحقاقات الدولة المدنية، وغيرها.

5- فقدان الثقة فى النظام المصرفى (أي انهيار النظام المصرفي) يشكل عقبةً كؤوداً للأموال الآتية من الخارج؛ من المغتربين وغيرهم طالما مَدَدْنا القَرَعَة للـ "الوديعة الدولارية".

فمثلاً، إذا كان تغيرا العملة السودانية الأول والثانى قد أدَّيا إلى أن يكون 85% من حجم النقود خارج النظام المصرفى على حد قول المدير العام للبنك السودانى الفرنسي، فإنَّ الإجراءات المتهورة التى قام بها الرئيس الساقط لمنع المودعين من سحب ودائعهم؛ وبذلك انحازَ لملاَّك البنوك على حساب المودعين، قد أطلقت على النظام المصرفى (الذى لا تتجاوز فيه أعداد الحسابات الجارية وغيرها المليون حساب بحسب د. النور حمد) رصاصة الرحمة، ودخول فلول الجنجويد وبعض أفراد القوات المسلحة إلى بنك السودان وأخذ العملة منه بالقوة قبيل عيد الفطر المبارك قد حررت شهادة وفاته؛ الأمر الذي جعل بعض الدوائر تفيد بأنَّ 96% من الكتلة النقدية الآن خارج النظام المصرفي.

وإذا كان الأمر كذلك (أي أنَّ الحكومة فاقدة تماماً للسيطرة على الكتلة النقدية)، فما الذي يجعل السيد وزير المالية على هذه الدرجة من اليقينية في أنَّ المغتربين سيضعون أموالهم في نظام مصرفي غير موجود أصلاً وجل أعضائه فاسدون، وفوق ذلك محاط بكل ذئاب الفساد في السودان.

6- النظام الساقط جعل السودان في حالة فقدان للهوية السياسية والخط السياسى العام المتمحور حول مفهوم عدم الانحياز، بتقافزِهِ بين الأحلاف، وبالتالي فقدان الدبلماسية المهنية، والاعتماد على دبلماسية مخاتلة وبذيئة سياسياً، الأمر الذي أدَّى إلى نوع من الحالة الضبابية التى تحجب المستثمر القادم من الخارج (مغترب وغيره) عن القراءة الصحيحة للواقع واستقراء التوقعات (وكما تعلم أنَّ الاقتصاد علم قائم على التوقعات). وبالتالي في هكذا واقع، فإنَّ المعلومات تكون مرتبكة ومربكة ومنافقة.

وللأسف ذات المشهد يتكرَّر الآن بالتعقيدات التي تبنتها لجنة البرهان الأمنية قبل تكوين الحكومة المدنية بانحيازها لحلف السعودية علي حساب الحلف القطري بعد أن رشاها الأول بثلاثة مليار دولار. بل ويضغط الآن الشق العسكري في الحكومة المدنية على التناغم مع حلف السعودية؛ الأمر الذي أدي لارتباك وزيرة الخارجية السودانية؛ أتستعير رؤية حمدوك أم الشق العسكري للرد على صُحافيي العالم السائلين عن موقف الحكومة من الأحلاف في الإقليم؛ وتلك عين البذاءة السياسية التي وزيرتنا – التي لا نشك في قدراتها مطلقاً – في غنىً عنها.

7- تحدث معاليكم بأن "الوديعة الدولارية" مستردة بعد ثلاث سنوات؛ حسناً. فما هي ضماناتك لذلك في ظل بِني تحية متهالكة، ونظام مصرفي غير موجود، ودولة في حالة انكشاف اقتصادي وبالتالي عاجزة عن السيطرة على الكتلة النقدية والتضخم؟ ماهي ضماناتك للاستقرار السياسي في ظل دولة منذ أنِ ادَّعت قواتها المسلحة الانحياز للشعب السوداني قامت دولتها العميقة والفاسدة المفسدة بخمسة انقلابات عسكرية في ظرف تسعة أشهر كما تقول لجنة البرهان الأمنية ذات نفسها؟ ما هي ضماناتك للاستقرار السياسي وعناصر النظام السابق الفاسدة تسيطر على كل مفاصل الاقتصاد في البلد بما فيها بنك السودان الذي سوف توضع فيه الوديعة؟ ماهي ضماناتك والحكومة التي يُفترض أنَّها مدنية، مشلولة ومغلولة اليد برغبات عسكر ولاؤهم للنظام السابق (لأكل تُراثه) أكثر من ولائهم للدولة المدنية التي جزءٌ مِمَّن يدَّعون الانحياز إليها يتآمرون عليها مع أحلاف إقليمية في القاهرة الآن؟ وختاماً، في ظل هكذا واقع ما هى ضماناتك لاستثمار هذه الوديعة استثماراً منتجاً ومُحفزاً لِلعُرى الأمامية والخلفية للاقتصاد القومي (Forward backward linkages)؟

لعمري أنَّ الضامن الوحيد يا سيادة الوزير هو (أن تكون الوديعة الدولارية بالخارج) ما طرحناه علي حكومتكم في المقال الرابع من هذه السلسلة، وهو – مع الإجراءات الأخرى - إنشاء بنك السودانيين العاملين بالخارج (Sudanese Expatriate Bank - SEB) في الخارج الحر الديمقراطي المؤسسي، وبفرع رئيس بالداخل. على أن تساهم الحكومة فيه باستئجار مقر لمدة سنة واحدة في إحدى الدول الغربية. وهذا الايجار مسترد القيمة من أرباح البنك في الخارج؛ دعك عن أرباح فرعه الرئيس المحتملة بالداخل.

فالشاهد أنَّ الحكومة هى التى مناط بها وجوباً قاطعاً أنْ تدعم مواطنيها وليس العكس. وبالتالي فكرة أنَّ الشعب السوداني يعمل للحكومة "كَشِف" فكرة مخجلة وغير موفقة ومنفرة للاستثمار الأجنبي من الأجانب والمغتربين بدرجة أكثر مما تتصور، لأنَّها ببساطة تنم عن حالة مزمنة من الهدر المؤسسي.

خاتمة

بنك السودانيين العاملين بالخارج هو الحل.

Post: #8
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 09-26-2019, 08:08 AM
Parent: #7

في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية ( 6- 100)

تحليل وتقييم عناصر الطلب الكلي في إطار ما رشح من البرنامج الإسعافي لوزير المالية حتى يونيه 2020

جاء بالراكوبة الالكترونية في 23/09/2019 (بتصرف) أنَّ السيد وزير المالية د. ابراهيم البدوي قد ذكر أنَّ الحكومة الانتقالية ستطلق في مطلع اكتوبر من هذا العام خطة إنقاذ اقتصادي مدتها تسعة أشهر بغرض: "إعادة هيكلة الموازنة وكبح التضخم، معالجة ضعف قيمة الجنيه السوداني (الذي تساوي 45 جنيهاً منه دولاراً واحداً في السوق الرسمي، وتساوي 69 جنيهاً منه دولاراً واحداً في السوق الموازي؛ وسيتم توحيد السعرين بعد البرنامج الاسعافي)، ضمان توفير السلع الأساسية مدعومةً حتى يونيو حزيران 2020 وبعدها نسعى للانتقال من الدعم السلعي إلى الدعم النقدي المباشر للأسر الفقيرة، إعادة هيكلة الجهاز المصرفي، وترشيد الإنفاق الحكومي وزيادة إيرادات الدولة بمراجعة الإعفاءات الضريبية (60% من الأنشطة الاقتصادية معفاة من الضرائب)، ومحاربة الفساد الفردى والمؤسسي". وقال د. البدوي: "سنطلب دعماً بقيمة ملياري دولار للسودان (من قيمة 8 مليار دولار ذكر د. حمدوك أنَّه يحتاجها في العامين القادمين) من البنك الدولي للقيام بذلك.

بعضُ التوضيح لأهمَّ قضايا الإقتصاد الكلى

لا شك في أنَّ قضايا الإقتصاد الكلى هى بحق أهمَّ القضايا التى تشغل بال الحكومات على الدوام على هذا الكوكب، وهي التي بسببها تفوز هذه الحكومات وتسقط. والجدير بالذكر أيضاً أنَّ قضايا الاقتصاد الكلي – كونها ذات طبيعة حيوية ومرتبطة بالحياة اليومية للشعوب - هي أيضاً أكثر القضايا التي يختلف عليها الاقتصاديون ويذهبون حولها مذاهب شتى.

ومما يُعمق من هذه الاختلافات بطبيعة الحال هو صعوبة التنبؤ بمآلات قضايا الاقتصاد الكلي، ولارتباطتها بتوقعات المجتمع تفاؤلاً وتشاؤماً، وكذلك لارتباطها بالإطار السياسي الذي يسوس هذه القضايا في صفة انحيازه لبعضها دون سواها أو حيدته عنها.

وعليه سنتناول بالتحليل جميع عناصر الطلب الكلي؛ كلَّاً على حدة (التضخم، وميزان المدفوعات ومعدل سعر الصرف، النمو الاقتصادي، البطالة، الحسابات القطاعية (الحسابات الرئيسة التي تعكس الموقف المالي للأفراد والشركات والهيئات والمنظمات والدولة وللأمة جميعاً)، والاستقرار المالي)، وسنتناول كيفية عملها مجتمعة فى إطار سياسة الاقتصاد الكلي للحكومة الانتقالية؛ أي في علاقة ارتباطها الدينمائية بالطلب الكلي في إطار البرنامج الإسعافي لدكتور البدوي؛ أي في إطار معادلة الاقتصاد/الإنتاج القومي: عمال/قوى حديثة/قوى مهنية + رأسمال/روَّاد أعمال + (...) = الإنتاج القومي/العملية الإنتاجية القومية/الاقتصاد القومي/الثورة الوطنية الديمقراطية فى نهاية التحليل.

وكما هو معلوم أنَّ غاية سياسة الاقتصاد الكلي (زور – نور، أي في الحقيقة أو للاستهلاك السياسي) هي الوصول: لمعدل نمو اقتصادي مرتفع ومستقر، لنسبة بطالة منخفضة، لمعدل تضخم منخفض، لتفادي عجز ميزان المدفوعات وحدة تقلبات معدل صرف العملة مقابل العملات الأخرى، ولنظام مالي مستقر.

ومن سوء حظ الحكام ووزراء ماليتهم أنَّ العناصر المكونة لسياسة الاقتصاد الكلي/الطلب الكلي متضادة، وتتطرَّف في التضاد في أزمنة الشرعية الأيديولوجية (أنا ضد تسمية الشرعية المصاحبة للتغييرات الراديكالية بالشرعية الثورية، لأنَّ الثوريَّ المُحَقِّق لا يأخذ ما لا يستحق باسم التغيير) المصاحبة لبوليتيك الفترات الانتقالية كما هو الحال في السودان الآن.

فمثلاً إذا نَحَتْ الحكومة منحىً يعجِّل بزيادة النمو الاقتصادي (ومعه بالضرورة تقل البطالة)، فإنَّ ذلك لا مُحالة سيتبعه إقراض مفرط وزيادة في معدل التضخم واختلال ميزان المدفوعات، وربما اضطراب السياسة المالية والحسابات القطاعية.

وبالتالي تظل سياسة الاقتصاد الكلي/الطلب الكلي المعلنة بواسطة السيد د. البدوي، اختباراً حقيقياً لقدرة وزراء القطاع الاقتصادي السوداني في الفترة الانتقالية على التوليف بين هذه المتغيرات المتضادة وإدارتها باتجاه مصلحة كافة شركاء العملية الإنتاجية القومية (عمال/قوى حديثة/قوى مهنية + ورجال أعمال/روَّاد أعمال) من غير الانحياز لشريك دون الآخر.

ويجب أن نُّنوه هنا إلى أنَّ التوليف بين مكونات عناصر الطلب الكلي ممكنٌ والتنمية ذاتها ممكنة؛ فقط إذا وُجدتْ الإرادة السياسية؛ تلك التى سنحاول تلمُّسها بتحليلنا لخطاب وزير المالية والاقتصاد الوطني الانتقالي المُقتَبَس بعاليه، للعثور على هامش جدية ولو بشكلٍ ضئيل، للوصول لذلك.

تحليل وتقييم برنامج البدوي الإسعافي المعلن كسياسة للاقتصاد الكلي

بالنظر للبرنامج الإسعافي لوزير المالية السيد د. ابراهيم البدوي الوارد في مقدمة هذه الأطروحة، نجده ينحى بشكلٍ صريح باتجاه السيطرة على التضخم واختلالات ميزان المدفوعات وتقلبات سعر الصرف وضبط السياسة المالية والحسابات القطاعية واستقرارها، مما يعني أنَّ هذا النموذج سيكون على حساب زيادة النمو الاقتصادي واستقراره وبالضرورة على حساب تقليل البطالة؛ وهوَ بذلك يُمثِّل الوصفة التقليدية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي أدت إلى عدم الاستقرار في العديد من الدول وأسقطت العديد من الحكومات الغير مرغوب فيها في ثمانينات القرن المنصرم أبَّان سيادة الرأسمالية الأُصولية في العالم.

ولن يشفع لهذا المنحى - الذي سيؤدي حتماً للعديد من أسباب عدم الاستقرار - دعمُ السلع المستهدف لتسعة أشهر قادمة ولا هيكلة النظام المصرفي ولا تقليل الإنفاق ولا إلغاء الإعفاءات الضريبية ولا محاربة الفساد الفردي والمؤسسي. وذلك لأنَّ الحكومة إلى الآن لم تتخذ الاجراءات المؤسسية والقانونية الاحترازية التي تجعلها تسيطر على موارد حقيقية تدعم بها هذا البرنامج الإسعافي. وليس ثمة ضمان (كما قالت الحكومة نفسها) للحصول على قرض من مؤسسات التمويل الدولية والسودان مازال محاصراً اقتصادياً ومالياً بسبب وجود اسمه ضمن القوائم الداعمة للإرهاب.

ونرجو ألاَّ يكون هذا البرنامج ذا ارتباط بالتآمر الذي تقوم به شرائح رأس المال وأحزابها التي اتخذت من مِصرَ مقراً لهذا التآمر، أكثر منه تناغماً مع أهداف الثورة والثوار/العمال والقوى الحديثة والمهنية وسائر مجتمع الاعتصام. ونستثني من ذلك الشريحة التجارية/الحزب الديمقراطي الأصل التي أعلنت بالأمس دعمها اللامشروط لحكومة حمدوك المدنية.

المخرج/العبور إلى مرحلة الانطلاق

بلا أدنى شك أنَّ التغيير الذي نحن بصدده هو أمر منوط بكل شُركاء العملية الإنتاجية وشرفائها في إطارها القومي/الجمعي. وبالتالي الميل لصالح جزء من شركاء العملية الإنتاجية (لصالح شرائح رأس المال مثلاً) دون الآخر (شرائح العمال والقوى الحديثة والمهنية مثلاً) هو مسألة غير موفقة ولا تتناغم مع أشواق التغيير التي تبحث عن نموذج اقتصادي متوازن وديمقراطي ومستدام.

وبالتالي على بورجوازية/شريحة الدولة أن تقف على مسافة متساوية من شركاء العملية الإنتاجية وتكتفي بنظام التحفيز المُوصِّل للأهداف الاستراتيجية؛ إذ أنَّ العبور إلى مرحلة الانطلاق لا تنفع معه ديكتاتورية رأس المال ولا ديكتاتورية البروليتاريا.

وقد تعلمنا من تجارب العالم أنَّ التغيير والعبور إلى مرحلة الانطلاق يحتاج لشرائح رأس المال (القطاع الخاص المنتج الخلاَّق وليس الخراجي الريعي) بشكل رئيس؛ ولكن تحت إشراف الدولة وتخطيطها الاستراتيجي وتحفيزها لكي لا تنزلق سياسة الاقتصاد الكلي نحو الرأسمالية الأُصولية كما فعلت الإنقاذ التي أفرطت في التحرير الاقتصادي فوق ما تطمع مؤسسات التمويل الدولية ذات نفسها، وفي نفس الوقت علي الدولة أنْ تُحفِّز العمال والقوى الحديثة والمهنية؛ ومن الممكن أن يتم ذلك عن طريق التعليم المجاني والطبابة المجانية والسكن المدعوم والتدريب والتأهيل ورفع القدرات التي هي جميعها ذات ارتباط وثيق بزيادة الإنتاج والإنتاجية.

خاتمة

يجب أن نُنَوِّه للمرة "المَدَنِيْتُمية" أنَّ هذا البرنامج يمكن تمويله بأموال سودانية خالصة من الداخل لو فقط أدخلنا حصائل صادرات الذهب والبترول (ومعهما الزكاة) في الدورة الاقتصادية للبلد ناهيك عن السلع الأخرى (http://www.sudanile.com/110914)،http://www.sudanile.com/110914)،http://www.sudanile.com/110914)،http://www.sudanile.com/110914)، كما يمكن تمويله بأموال سودانية خالصة من الخارج عن طريق تحويلات السودانيين العاملين بالخارج (https://sudaneseonline.com/board/500/msg/1566333576.html) لو فقط استطاعت الحكومة المدنية وضع فكرة بنك السودانيين العاملين بالخارج ضمن أجندتها ودعمتها بالترويج لها (عفينا الحكومة من مسألة استئجار مقر للبنك لمدة سنة)؛ وبالتالي لن نحتاج أن نقترض من البنك الدولي وغيره.

يُتبع ...

Post: #9
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 09-26-2019, 11:41 PM
Parent: #8

قالت صحيفة (التيّار) الصادرة في الخرطوم (Via Alrakoba)، إن هناك حالة من الاستياء وسط العاملين بوزارة المالية وديوان الضرائب والبنك الدولي {ربما المقصود البنك المركزي} من قرارات وزير المالية إبراهيم البدوي.

وأوردت الصحيفة في عددها يوم الخميس، أنّ معظم قرارات الوزير غير موفقة ولم تجد القبول داخل الوزارة إضافة لعدم استشارة العاملين بها واكتفاءه بالاستشارة من خارج الوزارة.

ونقلت الصحيفة عن مصادرها قولهم، إنّ تعيين مدير عام لديوان الضرائب ولجنة مراجعة الإعفاءات الضريبية ووكيل التخطيط بالوزارة قوبل تعينهم برفضٍ واسع من جميع العاملين.

المصدر: (https://www.alrakoba.net/31325149/صحيفة-سودانية-تكشف-عن-حالة-من-الاستياء/https://www.alrakoba.net/31325149/صحيفة-سودانية-تكشف-عن-حالة-من-الاستياء/.

Post: #10
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 10-05-2019, 03:59 AM
Parent: #9

في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية ( 7- 100)

اتخاذ القرارات عبر آلية الإجماع السوداني – The Sudanese Consensus

لقد سئمنا يا سادتي من اتخاذ القرارات السقيمة بالطريقة القديمة العقيمة التي يباشر بها وزير المالية والاقتصاد الوطني د. ابراهيم البدوي وزارته والشأن الاقتصادي عموماً في البلد. فنحن لا نريد وزيراً يجلس القرفصاء على علمه ومهنيته ويتحول إلى شخص ممن يقول لهم الإمام الصادق المهدي عليه السلام: "أدُّوني إضنينكم وعطلوا حواسكم الباقية". ... فما جدوى أن يتحوَّل عالم اقتصاد إلى شخص عاطل عن المواهب، عاطل عن الوطن؟

حيثيات

1- في الشأن العام عموماً نقول للسيد حمدوك ووزير ماليته وهما سيِّدَي العارفين: قد انتهى زمن القرارات الفوقية الـ (top down)، وصار الناس عبر ثورة المعلومات وثورة التواصل كلهم أصحاب رأى مهم وكلهم متخذي قرارات (bottom up). وبالتالي علينا أن نمحص قراراتنا بهذه الآلية المدنية الديمقراطية دون وصاية من أحد، ودون أن يتأنَّق علينا أحد.

ويجب أن نتذكر أنَّ مفردة التنمية (كمقابل لمفردة التخلف التي وردت لأوَّل في تقرير موظف منظمة العمل الدولية عام 1942 وليام بنسون) التي ملأت الدنيا وشغلت العالم خاصة المتخلف منه، قد التقطها الرئيس الأمريكي ترومان عام 1949 من فَمِ موظفٍ صغيرٍ وفي درجةٍ وظيفيةٍ متواضعةٍ في أثناء اجتماعٍ له بموظفي الخدمة المدنية الأمريكية. وقد اقترح عليه ذلك الموظف أن يُعمِّم المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لدول أمريكا اللاتينية في شكل "برنامج تنموي" يشمل جميع فقراء العالم.

وبالرغم من سخرية الرئيس الأمريكي ترومان من اقتراح الموظف، وعدم حمله محمل الجد (took it as a public relation gimmick)، إلاَّ أنَّ العالَم قد تفاجأ في صبيحة اليوم التالي لذلك الاجتماع الموافق 20/01/1949م بأنَّ الرئيس ترومان قد سمَّي خطابه الرئاسي باقتراح ذلك الموظف الصغير في الخدمة المدنية وقد سماه "عصر التنمية – The Development Age". (أُنظر حاشية جيلبرت رست - cf Rist 2002, p, 109).

ونود أن نؤكد للسيد وزير المالية والاقتصاد الوطني أنَّنا لن نُبالي أن تغمطنا حقنا كما أغمط الرئيس ترومان الحق الأدبي وحق الملكية الفكرية لذلك الموظف الصغير (ولعله لم يُبالِ)، طالما كان ذلك لمصلحة الوطن.

2- ونقول للسيد وزير المالية والاقتصاد الوطني أيضاً أنَّ هذا الشعب من كثرة تتبعه للخطاب الشفاهي لسيئة الذكر الإنقاذ، وذلك الخطاب الموالي الصادر من حلف القوى الاقتصادي (شرائح رأس المال) خلال الثلاثين سنة الفائتة، قد صار ذا دِرْبَة عالية في تحليل هذا الخطاب وتفكيكه، وفرز مَنْ قال ماذا، ومَن استشار مَن. وبالتالي هذا الشعب يستطيع أن يفرز قولك من قول الصادق المهدي دون عناء، وقولك من قول مستشاريك الكيزان من دون عنت؛ لا يعنيه أنَّك آتٍ من البنك الدولي أو من القمر الدولي.

وعليه نحن نطالب الحكومة الانتقالية ووزراء القطاع الاقتصادي أن يستمعوا لموظفي القطاع الاقتصادي في الداخل والخارج فيما يتعلق بالاقتصاد، وفي فضح الكيزان وكاموفلاجاتهم وأشباههم المبثوثين في هذا القطاع لتثبيط أيِّ خطة اقتصادية في الفترة الانتقالية لا تصب في مصلحتهم (وكمثال لذلك الكوز الذي عُيِّن على رأس ديوان الضرائب الآن).

وبالتالي حجة وزير المالية في أنَّه لا يُريد أن يشرد شخصاً كُفؤاً لمجرد انتمائه السياسي، فهى حُجة داحضة لسببين: الأول، أنَّ الكيزان قد شردوا هذا الشعب وأذلوه وفق خطة محكمة للتشريد والإذلال (أُنظر وثيقة الأستاذة يسرية محمد الحسن)، والتي بموجبها تم تشريد جميع كفاءات السودان لصالح أهل الولاء الحزبي الإخوانوي المرجوس. والثاني أنَّ جميع من تم إحلالهم محل هذه الكفاءات ما كانوا معنيين بتطوير قدراتهم وكفاءاتهم وبالتالي تطوير العمل. بل كان كلُّ همهم أن يكونوا قريبين من مصدر اتخاذ القرار في كلِّ وزارة على حدة ليُحْظَوْا بالامتيازات والترقيات والحوافز والسفر وبدلاته والإعفاءات والقطع السكنية وبدلات السكن والقروض المُيَسَّرة وخدمات الكهرباء والمياه المجانية. وعليه كانوا يُوكلون كلَّ مهامهم الوظيفية لملح الأرض من الموظفين الفنيين الحقيقيين مقابل حوافز تافهة تشي بأنَّ الكيزان كانوا يستخدمون زملاءهم فيما يشبه السُخرة.

3- كنا نتوقع من السيد رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك أن يُعْلَن عن آلية جامعة لاتخاذ القرارات في كل قطاع على حدة خاصة القطاع الاقتصادي إذا كنا بالفعل معنيين بالتمارين الديمقراطية التي لطالما تحدث عنها السيد حمدوك. وقد اقترحنا منذ زمن بعيد (والآن نجدد الاقتراح) بأن تكون هناك آلية لإشراك الجميع تتكون من ثالوث الأكاديميا، المهنيين، والسياسيين (لجان المقاومة - حبات العيون في منبر شات والمنابر المشابهة - النقابات - والمجلس التشريعي أوان قيامه).

فالمستوى الأكاديمي مناط به الطرح العلمي حول مشروع أو برنامج ما، والمهنيون مسئولون من فحص قابلية المشروع أو البرنامج للتطبيق أم لا، والسياسيون عليهم توفير الزخم السياسي لما يقره علماؤنا ويجيزه مهنيونا من مشاريعَ وبرامج. وبالتالي هذه المستويات الثلاثة يُمكن أن تُشكِّل ما نسمية بالإجماع السوداني (The Sudanese Consensus).

ولذلك وددنا لو أن يعلِن السيد وزير المالية والاقتصاد الوطني عن انعقاد مؤتمر اقتصادي جامع يضم هذه المستويات الثلاثة من المهتمين بالشأن الاقتصادي، ونظرائهم من الخبراء الأجانب والسودانيين العاملين بالخارج؛ وليس فقط إعلان وزير المالية والاقتصاد الوطني عن برنامج يخصه، ويعتبره قرآناً منزلاً وعلينا اتباعه في المنشط والمكره. لا وألف لا؛ وما هكذا تُوردُ الإبل يا رباح.

4- أنا أُحرِّض علماءنا في الجامعات أن يتركوا تأدُّبَ العلماء ويدلوا بدلوهم في برنامج البدوي الذي يُمثل وجهة نظره الآحادية بطبيعة الحال؛ "فلا شئ يعدل الوطن". خاصةً إذا كان هذا البرنامج لا مُحالةَ مفروضاً علينا (ربما) بسبب عدم وجود موارد مالية لتمويل مؤتمر مثلاً، ولإحجام المغتربين عن ضخِّ أموال إضافية لسلطة عملياً يُسيِّطر على مفاصل اقتصادها كليبتوقراط الاسلام السياسي.

خاتمة

ما أجمل المشاركة الجماعية في عمليات اتخاذ القرار (ما كنتُ قاطعةً أمراً حتى تشهدون – الآية الكريمة).

Post: #11
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 10-11-2019, 08:30 PM
Parent: #10

في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية ( 8- 100)

إعاقة دورة بناء الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة تضع البلد في حالة الانكشاف الاقتصادي

مقدمة

ذكرنا في المقال (4 -100 ) أنَّ سيطرة كليبتوقراط الإسلام السياسي على المال العام وموارده المتمثلة في صادرات البلد الحيوية وعائدات المؤسسات الحكومية الرابحة ومعهما الزكاة وإدارتها لصالحها خارج الموازنة العامة قد أعاقت دورة بناء الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة (وفرة الإنتاج من السلع والخدمات – صادرات تفوق الواردات – موازنة عامة بميزان تجاري موجب = قدرة الدولة على بناء احتياطي نقدي من العملات الصعبة تؤمن الحياة الاقتصادية الاجتماعية والسياسية للبلد)، ووضعت البلد في حالة الانكشاف الاقتصادي.
ويجب أن نعلم أنَّ وضعية الانكشاف الاقتصادي مُنفرة للمستثمرين الأجانب والسودانيين العاملين بالخارج بصورة أكبر مما يفعل التضخم، وذلك لأنَّها ترتبط عضوياً بحلقات الفساد اللولبية لكليبتوقراط الإسلام السياسي، وبالتالي تُعيق إمكانية وجود توليفة مُثلى من عناصر الطلب الكلي وإدارتها بما يحقق المصلحة العامة للبلد ولسائر مواطنيه دون تمييز. وبالتالي على حكومتنا المدنية الموقرة الإسراع بعمل القليل اللاَّزم – كما وضحنا في مقالات سابقة وكما هو موضح في خاتمة هذا المقال - لتجاوز هذه المحنة بأسرع وقت ممكن.
تعريف الانكشاف الاقتصادي

الانكشاف الاقتصادي هو عدم قدرة الدولة على بناء احتياطي نقدي من العملات الصعبة يكفي لشراء واردات المواطنين والدولة من السلع والخدمات لمدة ستة أشهر على الأقل. وهذه الستة أشهر هي الزمن القياسي المرن الذي حدده الاقتصاديون لجلب الواردات التي تغطي الاستهلاك المحلي للمواطنين وللدولة من السلع والخدمات من أي مكان في العالم؛ الأمر الذي يجعل البلد بعد هذه النقطة الزمنية مكشوفة للأزمات، والمجاعات، الفوضى، والثورات.

وقد حدث هذا فى سودان الانقاذ، ليس من انعدام موارد النقد الأجنبى ولكن، بسبب سرقة كليبتوقراط الإسلام السياسي لتلك الموارد من العملات الأجنبية بفِرية التمكين. فهم يحتكرون عائدات البترول والذهب والمعادن النفيسة الأخرى، وحصائل صادرات البلد الزراعية والحيوانية والصناعات التجميعية لأتباع تنظيمهم، ويقيمون أود المواطنين المغلوبِ على أمرهم بالتسوُّل وبالهبات وبالبضائع المنتهية الصلاحية المجلوبة من الأسواق العالمية التافهة، وبيعها لهم بأثمان أعلى مِمَّا هى عليه فى أسواق العالم المتحضر.

ومن الممكن أن يستمر هذا الانكشاف الاقتصادي في ظل حكومة السيد حمدوك ومن الممكن أن يسقطها حتى، إذا لم تتخذ حكومة حمدوك ووزارة المالية والاقتصاد الوطني الإجراءات اللازمة السريعة التي تجعلها قيَّومة على المال العام. وما يزيد من قابلية هذا الانكشاف للاستمرار هو امتناع المؤسسات المالية الدولية ودول الجوار الإقليمي (المنهكة بحروب رأس المال في المنطقة والمتشككة في حكومة حمدوك) عن منح الحكومة الانتقالية أي قروض أو هبات جديدة لذات سبب الانكشاف الاقتصادي، ولنزوع شريحة رأس المال المالي/كليبتوقراط الإسلام السياسي لافتعال الأزمات برمي المواد الغذائية والمحروقات وغيرها من السلع الضرورية في مياه النيل وبدفنها في مطاميرَ بالصحراء.

وضعية الانكشاف الاقتصادي فى ظل حكومة الإنقاذ والحكومة الانتقالية

إذا نظرنا إلى أرقام الإحتياطى النقدى لسنىِّ الإنقاذ وبنود التجارة الخارجية ومحصلتها فى الجدول أدناه، سنجد أنَّ السودان فى أغلب سنوات الإنقاذ، بالرغم من عائدات بترولها ومعادنها النفيسة المهولة وحصائل صادراتها الأخري، كان فى حالة انكشاف اقتصادى مستمرِّة ومزمنة فى بعض الأوقات، عدا فى السنوات 1995، 1996، 1997 التى كان فيها الشريف العفيف المرحوم د. عبد الوهاب عثمان وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني.

ولعلَّ السبب المباشر لذلك هو النَّهب المتواصل لمقدَّرات الاقتصاد السودانى وسرقة موارده من العملات الصعبة، والافتقار للنظرة الاستراتيجية وعدم الاكتراث لبناء احتياطى نقدى من تلك العملات للاستفادة منه فى جذب المستثمرين الأجانب وتحويلات السودانيين العاملين بالخارج؛ الأمر الذي جعل كُلفة اجتذاب رؤوس أموال خارجية للعمل في السودان باهظة للغاية (والتأمين عليها باهظ جداً) وماسَّة لسيادة البلد.

كما أنَّ البلد منذ عام 2006 إلى عام 2014 فى حالة انكشاف اقتصادى مزمنة وبدأت تأخذ طابعها الحرج منذ العام 2011 إلى 2014، وتكاد تعمل الحكومة بواقعٍ من "رزق – اليوم – باليوم". فالدولة لا تملك أىَّ غطاء نقدى من العملات الأجنبية يقابِل حتى الاستيراد الشهرى لمتطلبات المواطنين والدولة كما هو ظاهر بالجدول أدناه، دعك عن الستة أشهر. ولو لا ضخ الخليجيُّين لبعض المال فى دورة الاقتصاد السودانى فى عام 2015 و2016 لظلَّ الانكشاف الاقتصادى فى السودان فى حالته الحرجة تلك؛ حيث الاحتياطى النقدى لا يغطى الواردات الشهرية للدولة والمواطنين؛ ولسقط النظام وقتها.

ولقد كان من غير المنظور أن يخرج السودان من حالة الانكشاف الحرجة والمزمنة مع دعم الخليجيين المتحفِّظ للإنقاذ بسبب عدم الثقة المطلقة فى البشير ونظامه، وبسبب الفساد الضارب بأطنابه لدى متنفذى الإنقاذ، وبسبب وقائع الحروب الرأسمالية التى تمولها دول الخليج فى المنطقة. ولذلك شهد العام 2017 والأشهر الأولى من العام 2018 عجز/امتناع الحكومة التام عن القيام بواجباتها من توفير السلع والخدمات لمواطنيها ولنفسها؛ وهى بعد تملك من عائدات الذهب والبترول والزراعة والثورة الحيوانية والصناعات التجميعية ما يغطى وارداتها ويزيد. ولكنَّها كانت تفضل تجييرها لصالح الرئيس السابق وزمرته لإدارتها خارج الدورة الإقتصادية للبلد، وحرمان بقية الشعب منها.

هذا الواقع من عدم وجود الاحتياطى النقدى من العملات الصعبة، جعل الحكومة فى غاية التخبط: الانتقالات المُفاجئة الحادة بين الأحلاف، الدبلوماسية البذيئة والمناداة ابتزازاً بالتطبيع مع إسرائيل، رفع يد الدولة عن معظم الخدمات الاجتماعية، رفع الدعم عن المحروقات وفرض ضرائب عليها بالعملات الصعبة فوق سعرها فى الأسواق العالمية (فرض 16 دولار على برميل البترول مدفوعة من جيوب المواطنين حينما انخفضت أسعار البترول عالمياً وهي مستمرة إلى اليوم)، المناداة بخروج الدولة من الزراعة نهائياً، بيع ممتلكات الدولة للأجانب، وترك البلد (كل البلد) لرحمة قطاع خاص لا يرقبُ في المواطنين إلاَّ ولا ذِمَّة، ولا يتردد فى إغراق البلد بالبضائع الفاسدة والأدوية المنتهية الصلاحية.

وتزداد طينة هذا الواقع بِلَّة حينما نجد أنَّ السودان - بكلِّ المقاييس المستقلة والمحايدة التى قامت بها بعض الأجهزة العالمية المختصة كمجموعة البنك الدولى فى عام 2016 - مازال واحداً من الدول الأكثر تعقيداً فى العالم من حيث البدء فى مشروعات استثمارية، ويحتل الرقم 146 من جملة 189 دولة فى العالم طُبقت ذات المعايير فى السنة الجارية (http://www.doingbusiness.org/data/exploreeconomies/sudan/http://www.doingbusiness.org/data/exploreeconomies/sudan/. كما أنَّ السودان من حيث الفساد وعدم الشفافية يحتل ثالث أسوأ المراكز فى العالم فى عام 2015، هو المركز 165من بين 167 دولة فى العالم (https://www.transparency.it/wp-content/uploads/2016/01/Corruption-Perceptions-Index-2015-report_EMBARGO.pdf. بالإضافة إلى ذلك فإنَّ السودان فى نظر كثير المراقبين الدوليين يُعتبر من أكثر الدولة عُرضةً للبلبلة السياسية، وبالتالى يصبح مكاناً غير جاذب للاستثمار (http://store.bmiresearch.com/sudan-and-south-sudan-country-risk-report.html. وعلاوة على ذلك فإنَّ السودان من حيث درجة الملاءة الإئتمانية هو رابع أسوأ دولة من بين 177 دولة فى العالم قامت بهذا الاختبار، ويحتل المركز رقم 174 (https://www.kpmg.com/Africa/en/KPMG-in-Africa/Documents/Sudan.pdfhttps://www.kpmg.com/Africa/en/KPMG-in-Africa/Documents/Sudan.pdf. ولا يختلف هذا الوضع فى السنوات 2017 و 2108 و2019، إذ أنَّه مازال مستمراً.

مآلات المساس بالاحتياطى النقدى من العملات الصعبة

إنَّ حقائق الانكشاف الاقتصادى المذكورة فى الجدول أدناه وتلك اللاحقة له، لهِيَ حقائق جد خطيرة، وتتمثل خطورتِها فى الآتى:

1- إنَّ أهمية الغطاء النقدى من العملات الصعبة تكمن فى كونه غطاء العملة السودانية لدى الجمهور، وفى كونه رصيد الدولة للوفاء بالتزاماتها تجاه المستثمرين الأجانب والعالم الخارجى، ورصيدها لشراء السلع والخدمات التى يحتاجها المواطنون والدولة لأطول فترة زمنية ممكنة إذا، لا قدَّر الله، حدثت كارثة عطَّلت الحياة الاقتصادية بالكامل، ورصيدها لتمويل البعثات الدبلماسية السودانية والدارسين والمتعالجين فى الخارج.

وبالتالى، فإنَّ المساس بالاحتياطى النقدى (جراء الجهل بالاستراتيجي) له أثر سلبى تراكمى وتراكبى على مستوى الاقتصاد والسياسة والعلاقات الخارجية. وما من دولة تسرِق/تهمل بناء احتياطيها النقدى من العملات الصعبة إلاَّ هجرها الاستثمار (الأجنبي والمحلي) الجاد المنتج الخلاَّق، وأصبحت بالتالي قبلة للأموال القذرة؛ وإلاَّ انهارت منظوماتها الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي ازدادت القابلية فيها لاشتعال الثورات.

وهذا التحليل (مع عوامل أخري بطبيعة الحال) هو الذي جعلنا نقضي في 01/01/2018 في هذا المنبر الكريم ومن واقع تحليل موازنة العام 2018 نفسها، بأنَّ هذ العام هو عام اسقاط النظام. وقد كررنا نفس العبارة في يوم 12/12/2018 في مقال آخر بذات المنبر وقلنا فيه: "بالرغم من أنَّ المتبقي من موازنة 2018 بضعة أيام، إلاَّ أنَّنا مازلنا على قناعة تامة بأنَّ هذا العام هو عام اسقاط النظام". والحمد لله لم يخزِنا الله جلَّ جلاله في رؤيتنا وتحليلاتنا، ولم يخذلنا شعبنا فقد قام باقتداح الثورة في اليوم التالي لذلك المقال، أي في 13/12/2018.

والآن نقول: على حكومتنا المدنية الانتقالية أن تنتبه إلى حقيقة أنَّها تسير على ذات المنوال إذا لم تتدارك نفسها بقرارات ثورية تجعلها قيومة على المال العام وقيومة على إدارته لصالح كل الشعب السوداني.

2- إنَّ خطورة الانكشاف الاقتصادي تتمثل كذلك في عجز الدولة عن التأثير فى عرض النقود، وبالتالى عجزها عن التأثير فى سعر الصرف، والذى ينتهى بعجزها عن التأثير فى ضبط التضخم. فحين تعجز الدولة عن بناء احتياطيها النقدى من العملات الصعبة، فذلك يعنى أنَّ جزءاً من الطلب الكلى يجب التخلى عنه خاصةً ذلك المتعلق بالفقراء (ولا غرو أن وصل عدد وفيات ولاية الخرطوم وحدها 1700 متوفَّى يومياً)، لأنَّنا يجب أن نسحب المكوِّن المحلى للجزء الذى أخذته الدولة من الإحتياطى النقدى، وهنا يتعطل الاقتصاد وينكمش. وإذا لم نسحب المكون المحلى للاحتياطى النقدى الذى أُخِذ سيكون الاقتصاد فى حالة تضخم. وإذا زادت الدولة من سعر صرف عملتها للحد من الطلب عليها، هرع الجمهور إلى السوق الموازى ليشترى منه العملات الصعبة وغيرها (كان مدراء بعض البنوك يبيعون الكاش للجمهور بالتنازل عن 10% منه) لتلبية احتياجات الطلب الكلى من السلع والخدمات. وإذا أُغرِقَ السوق بسلع عالية الأثمان، ستضطرَّ الدولة إلى تخفيض وطباعة عملتها (دون غطاء من العملات الصعبة بطبيعة الحال) وبالتالى يزداد الأثر التضخمى أيضاً مع وجود سلع وخدمات لا يستطيع الجمهور شراءها، فيدخل الاقتصاد فى حالة ركود؛ وهذه الحالة من تزامن الركوض والتضخم تُسمَّى بالركود التضخمى (Stagflation).

3- إنَّ إضعاف قدرة البنك المركزى على ضبط التضخم، يضطرَّه إلى مضاعفة أثر السياسة النقدية بالتغيير فيها من وقتٍ لآخر، وبالطبع يقع جلُّ أثر ذلك على القطاع الخاص، حيث يُعيق هذا النوع من المساس بالاحتياطى النقدى تنمية القطاع الخاص الذى عادة ما يكون شديد الحساسية تجاه عدم الاستقرار النقدى وضعف ملاءة الدولة المالية والإئتمانية. وكما هو معروف، فإنَّ هذا الأمر سيؤدى إلى مناخ غير ملائم للاستثمار على مستوى الاقتصاد القومى.

4- إنَّ المساس بالإحتياطى النقدى يجعل الدولة ضعيفة الملاءة المالية والإئتمانية وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه طالبى العملات الصعبة من المواطنين والأجانب لشتى الأغراض المشروعة كالعلاج بالخارج. ويُعزِّز من هذه الحقيقة أنَّ الدولة قد اضطرت فى بعض الأحيان أنْ تعطى بعض شركات البترول سلعاً للصادر بدلاً عن العملات الصعبة لأنَّها فى حالة انكشاف اقتصادى؛ ولكى ترغِّبَهم فى القبول بذلك فقد عفتهم حتى من ضريبة الصادر التى هى واحدة من أهم مصادر تمويل الخزانة العامة وبناء الاحتياطي النقدى ذات نفسه.
ثم انظر قارئى الكريم إلى خطل أن تُطل فى أسواق صمغنا العربى العالمية، على سبيل المثال لا الحصر، شركة ماليزية أو صينية أو قطرية.

5- إنَّ المساس بالإحتياطى النقدى – بدلاً عن مضاعفته - فى ظل الظروف المحيطة بوطننا داخلياً وخارجياً، ينم عن عقلية إنقاذية فى غاية اللامبالاة واللامسئولية بأمر المواطن السودانى، وينم عن عقلية فى غاية السفه والجهل بأهمية الاستقرار المالى والاقتصادى والسياسى وكل ما هو استراتيجي للمستثمر المحلى والأجنبى والسودانى المغترب، خاصةً فى المدى القصير.

فكيف يستثمر عندك الأجانب وأنتَ لا تملك غطاءاُ نقدياً من العُملات الصعبة يضمن لهم تحويل أرباحهم؟ كيف يستثمر عندك المغتربون السودانيون وأنتَم قد أدخلتَم الجيل الأول من تحويلاتهم فى مشروعات البترول والمعادن النَّفيسة وحرمتموهم من عائداتها ووزعتموها حِكراً على عناصر تنظيمكم؟ من الذى يُلْدَغُ من جُحْرِكم مرتين يا هؤلاء!

6- هذا الأمر سيقود البلد إلى انتهاج دبلماسية مرهِقة (يا أستاذة أسماء)؛ تنافق العالم بأنَّ الوضع الاقتصادى فى السودان سيكون على ما يُرام، وربما بُذلت فى سبيل ذلك المشروع واللامشروع من الأقوال والأفعال. والعالم من حولنا يعلم تمام العلم من واقع احتياطينا النقدى من العملات الصعبة أنَّ البلد فى حالة انكشاف اقتصادى مزمن وحرج. ولكن الوفود تلو الوفود، ستسافر وستتفاوض وتتسول لسد رمق المواطنين شهراً بشهر، واسبوعاً بإسبوع؛ والأمر ذاته يُراوح مكانه.

عليه يجب أن تنتبه حكومة السيد حمدوك إلي أنَّها لم تَرِث دولة، بل ورثت مسخاً مشوهاً من كل شئ: الهدر المؤسسي والعبث والفساد والفوضى منذ ميلاد سيئة الذكر الإنقاذ إلي يوم النَّاسِ هذا. وما لم تتدخل الحكومة المدنية الانتقالية بعملية جراحية شاملة لكل جسد الإنقاذ الآن؛ لا سيما جهاز أمن الساقط البشير، فإنَّ عاقبة أمرنا لن تكون حميدة مع هذا السرطان الإخوانوي.

خاتمة

للتذكير مرة ثانية، يجب مَرْكَزة الإيرادات والمصروفات العامة بوزارة المالية والاقتصاد الوطني الاتحادية وتحريم وتجريم التجنيب، ويجب إخلاء طرف وزارات المالية الاتحادية وفي الولايات من الصرف على أكثر من 3000 منظمة إخوانوية هلامية ومشبوهة وتتطفل على المال العام، ويجب الامتناع عن الصرف على جيوش المؤقتين في كل الوزارات والوحدات الحكومية، ويجب أن تدفع كل الشركات المعفاة من الضرائب في فترة سيئة الذكر الإنقاذ كل ضرائبها وبأثر رجعي (ولنبدأ بشركة التأمين الاسلامي التي أصبحت بالإعفاءات أكبر مالك للعقارات في العاصمة المثلثة على الإطلاق) أُسوةً بأصحاب الدرداقات والأورنيشية والباعة المتجولين، ويجب أن تتبع كل شركات القوات النظامية وأشباهها إلى وزارة المالية والاقتصاد الوطني، ويجب إعادة النظر في المشاريع الحكومية التي تمت خصخصتها كلها وإرجاع حصائل أرباحها بأثر ارتدادي إلى الخزانة العامة، ويجب أن تُسيطر الحكومة على كل موارد البترول والذهب والمعادن الأخرى (النفيسة وغيرها) وأن تكون محتكرة للدولة إلى حين النظر في العقود الممنوحة للشركات الخاصة الأهلية والأجنبية منها، ويجب ضرب السوق الموازي في مقتل (تغيير العملة).

كما يجب أن تتنصل وزارة المالية صراحةً من 173 ألف رسم ضريبي (ذكرها ديوان الحسابات) لا يتم تحصيلها بأورنيك 15، وذلك لأنَّها سرقةٌ صريحة وقد قصمت ظهر المواطن. كما يجب حل جهاز المخابرات العامة الحالي أو استبداله بالمفصولين تعسفياً من القوات النظامية إذا رغبوا في ذلك؛ فهو أُسُّ الفساد في فترة الانقاذ وأساسها.

حالة الإنكشاف الإقتصادى فى ظل حكومة الإنقاذ

(الأرقام بملايين الدولارات)

حالة الإنكشاف الإحتياطى النقدى محصلة التجارة الخارجية صادرات واردات السنة

- 15913142 - - - 1989

- 11414227 - - - 1990

- 7614304 - - - 1991

يغطى أقل من 3 شهور. 27518807 +415000000 527000000 112000000 1992

يغطى أقل من 4 شهور. 37430696 +469000000 585000000 116000000 1993

يغطى أقل من 3 شهور. 78155913 +192000000 544000000 352000000 1994

لا يوجد إنكشاف. 163360978 +209000000 435000000 226000000 1995

لا يوجد إنكشاف. 106782703 +325000000 513000000 188000000 1996

لا يوجد إنكشاف. 81564279 +242000000 364000000 122000000 1997

أقل من 4 شهور. 90623305 +36000000 67000000 31000000 1998

أقل من شهرين. 188738167 -820000000 580000000 1400000000 1999

يغطى أقل من شهرٍ واحد. 137814239 +254000000 1807000000 1553000000 2000

أقل من 3 شهور. 49736273 -602000000 1699000000 2301000000 2001

أقل من شهرين. 248935516 -497000000 1949000000 2446000000 2002

أقل من 5 شهور. 529445722 -340000000 2542000000 2882000000 2003

أقل من 4 شهور. 1337996808 -297000000 3778000000 4075000000 2004

يغطى 3 شهور. 1868587866 -2477690566 4971303329 7448993895 2005

يغطى شهرين فقط. 1659926272 -3699976520 5930483790 9630460310 2006

أقل من شهرين. 1377921603 -1014022945 9389652902 10403675847 2007

أقل من شهرين. 1399041060 +1326815089 12087993690 10761178601 2008

أقل من شهرين. 1094178603 -2047805936 8581142973 10628948909 2009

يغطى شهراً واحداً. 1036243575 +274460811 11646421263 11371960452 2010

أقل من شهر. 192529863 +23125000 10488424062 10465299062 2011

أقل من شهر. 192632629 -4737082584 5536603930 10273686514 2012

اقل من شهر. 192957046 -4709950986 6047707929 10757658915 2013

أقل من شهر. 181457792 -4311170341 5855640063 10166810404 2014

يغطى 3 شهور. 172400000 -3700000000 2900000000 6600000000 2015

المصدر: الأرقام مجمعة من موقع البنك الدولى، وموقع المخابرات المركزية الأمريكية.

الجدول أعلاه أوضح على الرابط التالي:
(https://www.alrakoba.net/2269091/سرقة-الإحتياطى-النقدى-تضع-السودان-فى-ح/https://www.alrakoba.net/2269091/سرقة-الإحتياطى-النقدى-تضع-السودان-فى-ح/.


Post: #12
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 10-24-2019, 09:04 AM
Parent: #11

في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية ( 9- 100)

التعاطي مع التضخم كأحد أهم عناصر الطلب الكلي (أ)

تعريف التضخم:

التضخم هو ببساطة إرتفاع عام فى الأسعار على مستوى الاقتصاد القومى (لبلدٍ كالسودان)، وبالتالى معدل التضخم يقيس النسبة السنوية فى زيادة الأسعار، لا سيما أسعار التجزئة. وعلى الدولة أن تنشر مِقياس شهرى لأسعار التجزئة كما يفعل الجهاز المركزى للإحصاء السودانى الآن، وبالتالى معدل التضخم يصبح هو نسبة الزيادة فى ذلك المِقياس على سبح الإثنَىْ عشر شهراً.

ومن الممكن أن يوفر الجهاز المركزى للإحصاء معدلات تضخم لأىِّ نوع من الأسعار المختارة، فمثلاً: يمكن نشر مقاييس شهرية للسلع الرأسمالية، الغذائية، المنازل، سلع الوارد، السلع بعد أخذ الضرائب، وعلى ذلك قِسْ. وبالتالى المعدلات المتتالية للتضخم لهذه السلع، هى ببساطة الزيادات فى النسبة المئوية لهذه المقاييس. وبنفس القدر يمكن أن نعطى معدل تضخم لمعدلات الأجور، ويسمى تضخم الأجور.

ودعونا نلقى بعض الضوء على مصطلح التضخم. فحين تزيد الأسعار، فهذه الحالة تُسمى "تضخم"، وحين تنخفض الأسعار، فهذه الحالة تُسمى "تضخم سلبى"، أكثر منها حالة من الانكماش. إذ أنَّ مصطلح الانكماش عادة ما يُستخدم فى حالة تدخل الدولة بسياساتها المعروفة (المالية والنقدية والائتمانية) لتقليل الطلب الكلى؛ أىْ بالسياسة المُصمَّمة لخفض الإنفاق الزائد فى الإقتصاد.

وهنا علينا ألاَّ نخلط بين زيادة ونقصان التضخم، بالزيادة والنقصان فى الأسعار. فالزيادة فى التضخم تعنى الزيادة السريعة فى الأسعار، والانخفاض فى التضخم يعنى الزيادة البطيئة فى الأسعار؛ وهى زيادة ما بقِىَ التضخمُ موجباً.

وعليه، فالأسئلة التى يجب مواجهتها: كيف نحسب التضخم، وماهى أسبابه، وما هى خطورته، وما هي أنواعه، وما هى علاقته بأهداف/متغيرات الاقتصاد الكلى الأُخرى، وماذا بوسع الحكومة لمكافحته، وهل من أعراض جانبية لتلك المكافحة؟
كيفية حساب التضخم

من جدول السلع الاستهلاكية المُتَمَثَّلة التالي يمكننا حساب المستوي العام للأسعر (وهو سعر السلع في سنة ما / (على) سعر السلع في سنة الأساس مضروباً في 100) وبعد ذلك يمكن لنا حساب التضخم، وهو من السهولة بمكان.

2019 2018 2017 2016 السنة/السلع

140 120 111 108 الفول
160 131 113 110 الخضروات
300 250 210 200 اللحم

600 501 434 418 المجموع

وكما جاء بعاليه أنَّ التضخم يقيس معدل التغير في المستوى العام للأسعار (أي فهو يقيس نسبة الزيادة السنوية للأسعار – أسعار التجزئة). فمعدل التضخم = المستوى العام للأسعار في السنة الحالية – المستوي العام للأسعار في السنة السابقة (سنة الأساس) / (على) المستوى العام للأسعار في السنة السابقة (سنة الأساس) مضروباً في 100.

وفي الجدول أعلاه سوف نتخذ العام 2016 كسنة أساس. وبالتالي المستوى العام للأسعار (م ع س) لسنة الأساس (م ع س 2016) = 418/418 في 100 = 100، م ع س 2017 = 434/418 في 100 = 104، م ع س 2018 = 501/418 في 100 = 120، و م ع س 2019 =600/418 في 100 = 144 (المحصلات مقربة لأقرب رقم صحيح).

عليه من أرقام المستوى العام للأسعار بعاليه نستطيع أن نحسب معدل التضخم بين أىِ عامين. فمثلاً معدل التضخم بين 2016 و2017 = م ع س 2017 - م ع س 2016 / م ع س 2016 في 100= 4%، ومعدل التضخم بين 2017 و2018 = م ع س 2018 - م ع س 2017 / م ع س 2017 في 100= 20%، ومعدل التضخم بين 2018 و2019 = م ع س 2019 - م ع س 2018 / م ع س 2018 في 100 = (144 – 120/120 في 100) = 44%.

أسباب التضخم فى السودان:

التضخم فى السودان يكاد يكون أحد متلازمات الاقتصاد السودانى منذ أوائل الثمانيات الفائتة (راجع التقرير القطرى لصندوق النقد الدولى 12/299، نوفمبر 2012). ولعلَّ أهمَّ أسبابه ومحدداته التى تضمنها تقرير الصندوق عن حالة السودان هى: معدل سعر الصرف، أموال الاحتياط، التسييل النقدى/ضخ السيولة، والأجور.

والشاهد، أنَّ الصندوق يُولى معدل سعر الصرف أهمية أكبر فى التأثير على التضخم فى السودان وذلك فى تقديرى من واقع تأثُّرِ معدل التضخم بالعالم الخارجى مرتين؛ المرة الأولى لكون السودان دولة مُفْرِطة فى التحرير والإنفتاح على العالم الخارجى، وبالتالى هذا الحلول فى الرأسمالية العالمية يجعل التضخم فى السودان شديد الحساسية والتأثر بما يطرأ من تغيرات عالمية ذات صلة بمعدل سعر الصرف داخلياً. والمرة الثانية لحقيقة أنَّ معدل سعر الصرف يساعد داخلياً أيضاً على معرفة التوقعات التضخمية ومحاولة التأقلم معها، وهذا من شأنه أن يزيد فى معدلات التضخم أيضاً (سنعرف لاحقاً أنَّ التضخم من الممكن أن يرتفع - مع ثبات العوامل الأخرى لارتفاعه - لمجرد أن يتوقع النَّاس ارتفاعه).

أما السياسة المالية فتبقى ذات تأثير غير مباشر على التضخم، اللَّهُمَّ إلاَّ حين تبدأ فى التأثير على الأجور، وضخ السيولة الذى قد تلجأ إليه الحكومة عند الضرورة. أما أموال الاحتياط فتكون ذات تأثير بالغ على التضخم فى الأزمنة التى ترتفع فيها معدلات التضخم بشكلٍ كبير (التضخم ذو الخانتين العشريتين، كحالة السودان الآن).

وإذا أمعنا النظر لمعدل التضخم فى السودان، سنجد السِّمة الغالبة لذلك المعدل هى التذبذب، وذلك لعمرى هو أخطر المظاهر السالبة للتضخم على الإطلاق، لتأثيره السلبى المباشر على الاستثمار (خاصةً الأجنبى) وبالتالى على معدل نمو الاقتصاد القومى (فمعدل تضخم كبير مستقر، خيرٌ من معدل تضخم متأرجح بين الصعود والهبوط).

ففى خلال التسع وثلاثين سنة المنصرمة، نجد أنَّ التضخم قد وصل فى النصف الأول من ثمانينات القرن المنصرم إلى 40%. ووصل إلى 130% فى عام 1991، و140% فى عام 1992، وأكثر من 150% (فعلياً 166%) فى عام 1996. وفى هذا الفترة تطلَّب الإفراط فى الانفتاح على العالم الخارجى (بما يعنيه ذلك من توحيد سعر الصرف بين السوق الموازى والرسمى) إلى تخفيض قيمة الجنيه السودانى 2000% (المرجع أعلاه).

أما فى عام 1998، فقد انخفض التضخم تحت إشراف صندوق النقد الدولى إلى 17%، وإلى 8% فى عام 2000م. غير أنَّ التضخم ذا الخانتين عاود الظهور منذ عام 2006 حيث بلغ 19% فى 2011، 37% فى 2012، واستقر على هذا المنوال إلى يوم النَّاس هذا.

وبالرغم من أنَّ أداء الاقتصاد الكلى كان مُرضياً فى الفترة ما بين 1999 - 2010 (معدل نمو حقيقى وصل 6%، والاختلالات المالية والمصرفية كانت متواضعة وانحصرت فى حدود الـ 2%، و4% على التوالى كنسب من الناتج المحلى الإجمالى)، إلاَّ أنَّ التضخم شذَّ عن هذا الواقع وظل مرتفعاً فى المتوسط، أى بلغ 13% (المرجع أعلاه).

ولم يبقَ الحال كما هو عليه قبل انفصال الجنوب، إذ بدأ معدل التضخم فى ارتفاعٍ مضطرد، حتى بلغ فى العام 2013م 36.5% (موقع الجهاز المركزى للإحصاء، مارس 2014م)، أما معدل التضخم للسنة 2014م فقد بلغ فى المتوسط (لِـ 4 أشهر) 42.2% (المحصلة عُملت من معلومات مأخوذة من: سودانتربيون: 13/10/2014)، وبحسب بنك السودان فقد وصل التخضم في 2015 12.6%، وفي 2016 بلغ 30.5%، وفي 2017 وصل 25.2%، وفي العام 2018 بلغ معدل التضخم في يوليو 63.94% (وبحسب ستيف هانك وصل 182%). أما معدل التضخم في يوليو 2019 فقد وصل 52.59% بحسب سودان تريبيون 08/08/2019 (ولكنه بحسابات ستيف هانك في 15/08/2019 قد وصل 64%).

وبالرغم من أنَّني لا أثق مُطلقاً في كيفية حساب التضخم التي يقوم بها الجهاز المركزي للإحصاء في ظل حكومة الإنقاذ (وقد بينت سبب عدم الوثوق في كيفية حساب التضخم في ظل حكومة الإنقاذ في مقال سابق حيث يقوم المركز القومي للإحصاء، لإعطاء معدل تضخم غير حقيقي ومطبوخ، باللَّعِب في سلة السلع التي يُحسب على أساسها المستوى العام للأسعار- مجموع السلع التي يستهلكها سائر المواطنين)، إلاَّ أنَّ الأرقام بعاليه تعكس ما قلناه آنفاً عن أخطر مظاهر التضخمً، أىْ التذبذب فى معدل التضخم. وذلك بالضرورة يعكس فشل السياسات الضابطة له، ويعكس حالة من عدم الاستقرار الاقتصادى والسياسى المُنَفِّرة للاستثمار المنتج الجاد المحلي والأجنبي.

والسؤال المهم: هل مع هكذا وضع، توجد أيُّ إمكانات فعلية في برنامج البدوي الإسعافي للشهور التسعة القادمة (حتى يونيو 2020) لجعل معدل التضخم مستقراً فى الإرتفاع أو (حبذا) فى الإنخفاض، أم أنَّ الأمر كلَّهُ لا يتجاوز اليَنبغِيَّات؟ وسيستبين ذلك حين الحديث عن دينمائية الطلب الكلى في الجزء (ب) إن شاء الله.

الآثار السالبة للتضخم:

1- تكمن مشكلة التضخم فى أنَّه يحد من قدرة الإقتصاد القومى على النمو إذا كان النَّاس متطلِّعين لتحقيق مستويات معيشية عالية (كالتحوُّل من الفتَّة إلى الهوت دوغ، وما شاكله)، وحين تقل معدلات النمو تزداد البطالة. وبالطبع تكون البطالة مشكلة للمتبطلين أنفسِهِم وللمجتمع ككل؛ ذلك الذى انخفضت منتاجته، وفى نفس الوقت عليه أن يدعم العاطلين عن العمل (هذا إذا كنا دولة مثالية ومسئولة كما كان عليه الحال على أيام بند الهندى).

ولو كان بمقدور النَّاس التنبؤ بمعدل التضخم، وبالتالى عدَّلوا الأسعار والدخول آخذين فى الإعتبار معدل التضخم، فكُلفة التضخم ستكون بسيطة نسبياً. غير أنَّ ذلك يتعذَّر فى أرض الواقع؛ حيث يُخطئ النَّاسُ تقديرَ معدل التضخم، وبالتالى يكونون غير قادرين على التَّأقلم معه. بعبارة أخرى مكرورة، خطورة التضخم تكمن فى حالة التذبذب التى تلازم معدله بالقدر الذى يعجز النَّاس على أخذ ذلك المعدل فى حُسبانِهم وحساباتهم، خاصةً إذا كان معدل التضخم كبيراً (من خانتين كما كان مستطرداً للعام الأول (2015) من البرنامج الخماسي 2015 - 2019).

2- من التداعيات الخطيرة للتضخم هى حالة كونه يعيد توزيع الدخل بعيداً عن أصحاب الدخول الثابتة (كأرباب المعاشات والمفصولين تعسفياً، العمال، والموظفين وأصحاب الأعمال الهامشية: الذين ليست لهم نقابات ومنظمات مجتمع مدنى تمثلهم، وإن وُجدت فهى مخصية فى إطار نقابة المنشأة التى إبتدعتها الإنقاذ)؛ ويُعطيه للذين لهم قوى اقتصادية (كالشرائح الرأسمالية، ولا سيما الشريحة ذات الهيمنة) وقدرة على الدفع، والإيجار، وزيادة الأرباح (المَمَكَّنين رأسمالياً).

وكذلك فإنَّ التضخم يزيد مداخيل أصحاب الأُصول الرأسمالية كالعقارات (شركة التأمين الإسلامية مثالاً؛ تلك التى عُفِيَتْ من الضرائب منذ أكثر من 24 عاماً، فصارتْ بذلك صاحبة قدرة هائلة على التراكم الرأسمالى، مِمَّا جعلها أكبر مالِك للعقارات فى العاصمة المثلثة على الإطلاق)، والتى تزداد قيمتها سريعاً فى أوقات التضخم، ويُوزِّعُهُ بعيداً عن ضعيفى القدرات التفاوضية والمساومة الذين يملكون مُدَّخراتٍ فى مصارفَ تدفع معدلات فائدة أقل من معدل التضخم، الأمر الذى يؤدى إلى انجراف قيمة تلك المدخرات بالتضخم.

وبالتالى يتضح من هذه القراءة أنَّ أكثر الفئات - على الإطلاق - ذات الدخل المحدود تأثراً بالتضخم هم أرباب المعاشات والمفصولين تعسفياً، وقد رأينا أساطين الخدمة المدنية المتقاعدين والمفصولين للصالح العام وهم يتكفَّفون النَّاس فى الطرقات فى عهد الإنقاذ المشئوم (ولعلكم تذكرون ذلك القاضي ولاعب الكورة الذيْن اضطرتهما تداعيات فصلهما والتقاعد للتسول).

3- من الممكن أن يؤدى التضخم إلى اختلال فى ميزان المدفوعات. ففى حالة معاناة البلد من معدل تضخم عالٍ نسبياً (من خانتين)، فإنَّ صادراتها ستكون أقلَّ منافسة فى الأسواق العالمية، وفى نفس الوقت تكون الواردات أرخص من السلع المصنوعة محلياً. وبذلك تقل الصادرات وتزداد الواردات، وهذا يقود إلى اختلال ميزان المدفوعات، وإلى انخفاض سعر صرف العملة المحلية.

وقد رأينا بنك السودان مِراراً وتكراراً يعجز عن توفير العملات الصعبة للشركات الأجنبية التى تريد تحويل أرباحها خارج السودان، فتضطر الحكومة تعويضها بإعطائها سلعاً من سلع الصادر بدلاً عن العملات الصعبة. وبالتالى تكون هذه الشركات قد استفادت من الإعفاءات الجمَّة الممنوحة للمستثمرين (كشركات البترول والذهب وغيرها، المعفية من كل الضرائب) والمصدرين معاً (الإعفاء من ضريبة الصادر)، أما المزارع والخزينة العامة فيطلع كلاهما "فاعلَ خير"، وتتعمق الاختلالات.

فتخيل العملات الصعبة التى يجنيها المستثمر فى قطاع البترول جراء الإعفاء من الضرائب، وحينما يأخذ أرباحه فى شكل سلع صادر. وتخيل تأثير ذلك على النمو وبناء احتياطي من العملات الصعبة، حينما لا يعود بتلك الأموال الطائلة إلى السودان (فهى لها مستقر آخر آمِن ومحبَّب لهذا المستثمر الأجنبى) فى شكل سلع رأسمالية وتكنولوجيا؛ التى كان من الممكن أن تسد فجوة بناء القاعدة الاقتصادية للبلد.

4- التضخم يزيد من ارتفاع معدلات الأخطار وإحجام الاستثمار وبالتالي يزيد من مخاوف المستثمرين، خاصةً مع تذبذب معدله، وقد رأينا بعاليه كلما كان معدّل التضخم عالياً (من خانتين)، زادت قابليته للتذبذب. وبالتالى كلما صَعُبَ على الشركات/الأعمال التنبؤ بالتكاليف والعائدات، قلَّتْ شهيتهم للاستثمار فى البلد؛ وهذا بدوره يقود إلى انخفاض معدل النمو. وحين يجئ الحديث عن عمل كل المتغيرات (كمجموع) فى إطار الإقتصاد الكلى، سنكتشف أنَّ السياسات التى ستتبعها الدولة لخفض التضخم، قد تؤدى هى الأخرى إلى خفض معدل النمو الاقتصادى، خاصة فى المدى القصير (فى حدود السنتين)، وبذلك تتعاظم محنة الحكومة.

وبالتالي على النَّاس أن يتوقعوا أنَّ برنامج د. البدوي لن يؤتي أكله في الفترة الانتقالية وليس بمصمَّمٍ لها أصلاً، فهو برنامج يعمل لما بعد الانتخابات العامة، ويجب أن يعلم الثوار ذلك بكل شفافية.

5- لن تكون كُلفة التضخم عالية إذا كان آحادىَّ الخانة (أى تمَّ ضبطه فى خانة واحدة، تسعة فأقل)، وقد تحتاج الدولة إلى مزيد من الموارد لتأجير خبراء (كبعثة صندوق النقد الدولى المستقرة فى السودان لعقود بطلب من الحكومة الساقطة للمساعدة فى مراقبة أداء برامج السودان الاقتصادية) يُساعدونها على التأقلم مع واقع عدم الاستقرار الذى يخلقه التضخم، خاصة إذا زاد عن الخانة الواحدة، أو إذا وصل إلى طور التضخم الجامح (كما حدث فى زيمبابوى). وعندئذٍ يزداد الضغط على الموارد: فالشركات تزيد أسعارها لتغطية تكاليفها، والعمال يطلبون زيادةً فى الأجور لتغطية تكاليف المعيشة المتصاعدة. وبالتالى تصبح الأجور فى طِراد مع أسعارٍ تضخمية ولولبية الصعود. وعند هذا الحد يزهد الناس فى ادخار النقود التي لن تغطي طلبهم على السلع والخدمات، بل ويُسارعون إلى إنفاقها كى لا تفقد قيمتها، وقد يستعيضون عنها بالمقايضة.

وفي العموم، حينما ترتفع الأسعار فإن النَّاس يلجأون إلى: إحلال الصادرات بالواردات، قد يحجم الأفراد عن الإنفاق واللجو إلى المقايضة مما يؤدي إلى خفض الطلب الكلي، حينما يضطر المستهلك لدفع أسعار عالية والشركات لدفع أجور عالية، سيزداد الطلب على النقود؛ وفي هذه الحالة ستلجأ البنوك لرفع سعر الفائدة لتقليل الطلب عليها؛ وذلك أيضاً سوف يؤثر سلباً على الطلب الكلي.

يُتبع ...

Post: #13
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 10-26-2019, 10:57 AM
Parent: #12

ملاحظة صغيرة عن سنة الأساس

سنة الأساس هي السنة - من بين سلسلة من السنوات - التي يُقاس عليها أداء المؤشرات الاقتصادية (التضخم مثالاً) والمالية والائتمانية، وعادة ما تُعطي قيمة متفق عليها (تحكيمية) تساوي 100؛ وتسمى أيضاً بالسنة المرجعية.ويجب أن يُتوخَّى في اختيارها أن تكون أسعارها غير متطرفة في الصعود أو الهبوط (لأيِّ سببٍ كان). ويجب ألاَّ تعتمد الدولة على سنة أساس قديمة وبالتالي تعطي معلومات خاطئة مقصودة كما كانت تفعل سيئة الذكر الإنقاذ. ولابد من تغيير سنة الأساس من وقتٍ لآخر، وذلك لعكس صورة واقعية للتغيُّر في الأسعار.

وقد فاتني بعاليه أن أقول بأنَّ إحصائيِّي الإنقاذ - كما كانوا يتلاعبون في سلة السلع التي على أساسها يُحسب المستوى العام للأسعار فالتضخم (نرجو مقارنة سلع تلك السلة بسلع سلة برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأغذية العالمية وبالتالي يجب مقارنة معدل التضخم الذي يسجله ستيف هانك للسودان بمعدل التضخم الذي ينتجه المركز القومي للإحصاء السوداني لملاحظة الفرق واللعب على الذقون)، فإنهم أيضاً يعمدون إلى تغيير سنة الأساس بما يوافق أهواءهم (لا مصلحة البلد) ليُعطوا صورة غير واقعية لمعدل التضخم في السودان.

وعليه لابد من تحديد سنة الأساس قومياً بآلية الإجماع السوداني (Sudanese Consensus: the Think Tank, the Professionals and the Politicians) المذكورة في المقالات بعاليه، وبالعدم بواسطة كل وزراء القطاع الاقتصادي وليس بواسطة المركز القومي للإحصاء السوداني وحده، الذي مازال تحت قبضة الكيزان؛ ويا للأسف.

Post: #14
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 11-07-2019, 02:41 AM
Parent: #13

في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية (100 - 10)

التعاطي مع التضخم كأحد أهم عناصر الطلب الكلي (ب)

أنواع التضخم

للتضخم ثلاثة أنواع رئيسة هى: تضخم يسببه الطلب الكلي (demand - pull inflation) ويمكن أن نسميه اختصاراً بتضخم الطلب، وتضخم يسببه العرض الكلي (supply- push inflation) ويمكن أن نطلق عليه تضخم العرض، وتضخم يسببه تحرك الطلب الكلي ويسمى التضخم البنيوي/أو الهيكلي (structural demand shift inflation).

فحينما يتساوى الطلب الكلي بالعرض الكلي يكون الاقتصاد القومي في حالة توازن. ولكن حينما تكون هناك زيادة في الطلب الكلي تفوق العرض الكلي تحدث زيادة في الأسعار. وهذه الزيادة من الممكن أن تكون مدفوعة بتحركي الطلب الكلي إلى أعلى باتجاه اليمين، أو بالعرض الكلي إلى أعلى باتجاه الشمال، أو بالإثنين معاً. وعندما تستمر هذه التحركات في الطلب الكلي والعرض الكلي بشكل دؤوب تحصل وتتأكد الزيادة في الأسعار وبالتالي يكون التضخم عالياً.

وحينما ينتج التضخم من التحرك باتجاه اليمين إلى أعلى في الطلب الكلي يسمى التضخم حينها بالتضخم بسبب الزيادة في الطلب الكلي (أو يسمى بتضخم الطلب)، وحينما ينتج التضخم من التحرك باتجاه اليسار إلى أعلى في العرض الكلي يسمى التضخم حينها بالتضخم بسبب الزيادة في العرض الكلي (أو يسمى بتضخم العرض).

أما التضخم الهيكلي فينتج عندما تحدث نقلات نوعية في السعات الإنتاجية لبعض الصناعات في القطاعات المحددة والتي من شأنها أن تغيِّر في نمط الطلب (أو العرض) على مستوى الاقتصاد القومي؛ وسوف نوضح ذلك بالتفصيل أدناه.

1- تضخم الطلب

ينتج تضخم الطلب كما أسلفنا بالزيادات المستمرة في الطلب الكلي (أي بالتحرك الدؤوب لمنحى الطلب إلى أعلى باتجاه اليمين) كما مبيَّن بالشكل على هذا الرابط (https://www.facebook.com/hussein.a.hussein.391https://www.facebook.com/hussein.a.hussein.391.

وهذه الزيادات في الطلب الكلي من الممكن إرجاعها للزيادة في طلبات المستهلكين، أو للزيادة في الإنفاق الحكومي، أو للزيادة في استثمارات الشركات، أو للزيادة في طلب الأجانب المقيمين على صادرات البلد، أو للزيادة المتزامنة في أيِّ إثنين من أنواع زيادة الطلب هذه.

ويختلف الاقتصاديون حول هذه الأسباب؛ فالبعض يرى أنَّ الزيادة في الطلب الكلي ترجع إلى الزيادة في عرض النقود (Monetarists)، والبعض الآخر يرى أنَّ العلاقة بين الزيادة في عرض النقود والزيادة في الطلب الكلي علاقة ضعيفة وواهية، وذلك - في نظرهم - لأنَّ الزيادة في الطلب الكلي قد تحدث من غير زيادة في عرض النقود. فمثلاً قد تحدث زيادة في الإنفاق الاستهلاكي للمواطنين بشكل ملحوظ لو قللت الدولة ضريبة الدخل بنسبة 2-3%، أو بسبب زيادة مفاجئة في ثقة رجال الأعمال باقتصاد البلد وبالتالي يزداد الإنفاق الاستثماري. وبالتالي علينا دائماً أخذ الاختلافات بين التغيرات النقدية والغير نقدية في الحسبان حينما نجري مثل هذه المقارنات.

وفي العموم التضخم المصاحب للطلب الكلي يحدث عندما يكون الاقتصاد في حالة انتعاش وازدهارٍ (بالزيادة في معدل النمو)، الأمر الذي يحتم بالمقابل انخفاض معدلات البطالة، على عكس ما في حالة الكساد كما ذكرنا ذلك في الجزء (أ).

(2) تضخم العرض

من الممكن أن يحدث التضخم بسبب الحركة اليسارية إلى أعلى في منحى العرض الكلي. ويحدث ذلك في حالة زيادة تكاليف الإنتاج بمعزل عن الطلب الكلي. فلو واجهت الشركات زيادة في أسعار تكاليف الإنتاج، فسوف تقوم جزئياً بتحميل المستهلك لتلك التكلفة، وجزئياً بخفض الإنتاج كما هو واضح بالشكل أدناه (من 1y إلى 2y)؛ وذلك يعتمد بالأساس على شكل منحني الطلب الكلي أي مرونته كما هو موضح أدناه (https://www.facebook.com/hussein.a.hussein.391https://www.facebook.com/hussein.a.hussein.391.

فعندما يكون منحنى الطلب أقل مرونة، تقل المنتجات بسبب إرتفاع الأسعار وبالتالي تُحمَّل التكاليف للمستهلك ويُستقطع الإنتاج؛ وفي هذه الحالة يقل النمو وتزداد البطالة. وهذه الزيادة في التكاليف والتضخم المصاحب لها له عدة أسباب:

1- التضخم المصاحب للزيادة في الإجور كما تنادي به نقابات العمال وتجمع المهنيين السودانيين، بمعزل عن الزيادة في الطلب على العمل (wage – push inflation).

2- التضخم المصاحب للزيادة في أسعار المنتجات بمعزل عن الزيادة في طلب المستهلك عليها كما تقوم به احتكارات ما يُسمى بالدولة العميقة (profit – push inflation).

3- التضخم المصاحب للزيادة في أسعار الواردات بمعزل عن مستوى الطلب الكلي؛ كذلك المترتب على الحظر الاقتصادي على السودان الذي يؤدي إلى ارتفاع كُلفة الواردات وارتفاع كُلفة التأمين عليها؛ أو كذلك المترتب على تدخل كتلة اقتصادية للتأثير على أسعار الواردات كما فعلت أوبك عامي 1973 و1974؛ إلخ (import price – push inflation).

وفي الأمثلة أعلاه يحدث التضخم لأنَّ شبكة/كتلة اقتصادية أو مجموعة شبكات/كتل استخدمت قوتها الاقتصادية أو الجمعية لفعل ذلك. وقد تتفاقم المشكلة حينما تكون لهذه الكتل الاقتصادية قوة عسكرية إلى جانب قوتها الاقتصادية (بقايا نظام الانقاذ ومليشياته العسكرية، كتلة جبل عامر وجنجويدها) وبالتالي يكون الموقف برمته قابل للتصعيد والمواجهات. وهذا قد يؤدي بطبيعة الحال إلى تسابق النقابات والشركات للحصول على أكبر حصة من الدخل القومي، وبالتالي تتنافس الإجور والأسعار.

4- قد يحدث التضخم بسبب الزيادة المضطردة في الضرائب التي تعقِّد تكاليف المعيشة (ضريبة القيمة المضافة والضرائب الجزافية – 173 ألف رسم ضريبي جزافي يفرضها أعوان النظام الساقط على الشعب السوداني دون علم وزارة المالية والاقتصاد الوطني تؤخذ من غير أورنيك 15).

5- التضخم المصاحب لنضوب الموارد الطبيعية (exhaustion of natural resources) أو السيطرة عليها بواسطة قوى اقتصادية موازية للدولة وادعاء نضوبها أو التهديد بتعطيل المشروعات/الآليات التي تعمل على استخراج تلك الموارد، شح الموارد لأسباب بيئية كالتحصر الذي بدأ يطرأ على مناطق السافنا في السودان؛ الأمر الذي يتحرك معه منحنى العرض الكلى يساراً وإلى أعلى بمعزل عن الطلب الكلي.

والأمثلة على ذلك كثيرة: إدارة صادرات الذهب والبترول بواسطة قوى الإنقاذ الاقتصادية خارج الموازنة العامة حتى تاريخ اللحظة، الصيد الجائر في البحر الأحمر في المياه السودانية، والتصحر وعدم التوازن البيئي بسبب الحرب في الجنوب وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وانتشار ظاهرة قطع الأخشاب الداخلة في صناعة الأثاثات والفحم وغيرها، وبالتالي قلة المعروض من منتجات البلد المحصولية والبستانية خاصة في المدى القصير. وبطبيعة الحال سوف تؤدي هذه العوامل إلى اختلال التوازن في العرض الكلي بمعزل عن الطلب الكلي مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم المرتبطة بميل الموارد الطبيعية للنضوب.

وبالتالي حينما نادينا في المقالات السابقة بضرورة تدخل الحكومة الانتقالية الصارم (والحديث موجه لوزراء القطاع الاقتصادي – وزير المالية مثالاً) لمعالجة هذه الاختلالات المضيعة لحقوق سائر المواطنين، لم يكن ذلك من قبيل النزق السياسي ولكن لجملة الأسباب المذكورة بعاليه.

تزامن تضخم الطلب مع تضخم العرض

كما ظللنا نذكر منذ العام 2014 بأنَّ دورة الإقتصاد السوداني حُبلى باقتصادين مختلفين: اقتصاد "محمد أحمد" الضعيف الهزيل، واقتصاد "أخوان نسيبة" السمين المَبغبغ. وهذا الواقع من شأنه أن يخلق تواجداً متزامناً بين تضخم الطلب مع تضخم العرض في الاقتصاد القومي السوداني. وذلك - قد حدث - ويحدث الآن لأنَّ الزيادة في الإجور (أو الإرهاص بزيادتها) والأسعار بسبب الزيادة في الطلب الكلي قد حدثت متزامنة مع الأسباب التي تدفع بزيادة تكاليف الإنتاج بمعزل عن الطلب الكلي.

والشاهد حينما تبدأ العملية التضخمية بسبب الطلب أو العرض (the interaction between cost - inflation and demand - pull inflation)، فإنَّنا نجد من الصعوبة بمكان فصل الإثنين عن بعضهما البعض. فمثلاً التضخم المدفوع بزيادة أولية في تكاليف الإنتاج، قد يحض الحكومة للتوسع في الطلب الكلي للتغلب على الزيادة في معدلات البطالة. وبالمقابل فإنَّ التضخم المصاحب للطلب قد يقوي من قدرة بعض المجموعات على زيادة أسعار السلع المستوردة والمنتجات المحلية بالمجاورة كما هو موضح بالشكل أدناه (https://www.facebook.com/hussein.a.hussein.391https://www.facebook.com/hussein.a.hussein.391.

وبما أنَّ محصلة ذلك ستكون ضعيفة جداً على معدل النمو والتوظيف، ولكنها قد تزيد الأسعار بشكل كبير. فلو زادت وتيرة التحركات في منحنى الطلب الكلي والعرض الكلي قد تنتج عنها زيادة لولبية في الإجور: النقابات وتجمع المهنيين قد يطلبون أجوراً أعلى، والشركات سوف ترفع أسعارها لتغطية زيادة تكاليف الانتاج. والدولة في محاولتها لتجنب البلد الكساد قد تلجأ لاحتواء الأزمة بطباعة النقود، وهنا تتنافس الأجور والأسعار في الارتفاع وعندها يزداد معدل التضخم لا محالة.

التضخم الهيكلي (The demand – shift inflation)

حينما يحدث تغيير في نمط الطلب (أو العرض) في الاقتصاد القومي فإنَّ بعض الصناعات قد يشهد زيادة في الطلب على منتجاته والبعض الآخر قد يشهد شُح/قلة في الطلب على منتجاته. فلو الأسعار والأجور انخفضت بشكل غير مرن في الصناعات شحيحة/قليلة المبيعات، ولو زادت في الصناعات كثيفة المبيعات، فإنَّ محصلة مستوى الأسعار والأجور سوف ترتفع. وقد تتفاقم المشكلة لو العرض أصبح أقل مرونة للاستجابة لهذه التغيرات.

وبالتالي كلما كان هناك تزايد في التغيرات الهيكلية في الاقتصاد، فقد تصاحبه بطالة هيكلية متزايدة وتضخم هيكلي متزايد (الصناعات القائمة على الثورة الرقمية والكمبيوتر كالاتصلات والتعدين وغيرها، في مُقابل الصناعات التقليدية). وعليه فالتضخم المصاحب للصناعات المنتعشة قد يعم وينتشر على تلك الغير منتعشة.

التوقعات والتضخم

من المعلوم من الاقتصاد بالضرورة أنّ العمال ورجال الأعمال (شركاء العملية الإنتاجية) دائما ما يضعون في حسابهم وحسبانهم معدل التضخم المتوقع في نقاشاتهم حول زيادة الأجور والأسعار. غير أنَّ السؤال المهم هو: ماهِيَ محددات توقعات النَّاس للتضخمَ؟

وعلى أى حال الإجابة على هذا السؤال حوله الكثير من الجدل والاختلاف، غير أنَّ الاقتصاديين قد رصدوا أنَّ التضخم من الممكن أن يزداد لمجرد أنْ توقعَ النَّاسُ زيادته، حتى لو انعدمت الأسباب الأخرى لارتفاعه.

سياسات مكافحة التضخم (وهي متعلقة بالطلب الكلي والعرض الكلي):

سياسات جانب الطلب الكلي لمكافحة التضخم:

تتمثل سياسات جانب الطلب الكلي في السياسة المالية والسياسة النقدية. أما السياسة المالية فهى تتطلب التغيير في الإنفاق الحكومي أو الضرائب. فالطلب الكلي من الممكن تقليله بخفض الإنفاق على أيٍّ من عناصر الطلب الكلي الرئيسة، أو بالزيادة في الضرائب وبالتالي خفض الإنفاق الاستهلاكي للجماهير؛ وهاتان الآليتان تمثلان السياسة المالية الانكماسية بالنسبة للدولة (والسياسة المالية من الممكن استخدامها لانعاش الاقتصد أيضاً لو كانت هناك مشكلة متعلقة بالبطالة. وفي هذه الحالة على الحكومة زيادة الإنفاق وخفض الضرائب).

وفي حالة السياسة النقدية فالأمر يتطلب التغيير في عرض النقود على مستوى الاقتصاد القومي، أو بالسيطرة على أسعار الفائدة (المرابحات، والمضاربات والمشاركات وأشباهها). فالحكومة من الممكن أن تُقلِّل من الطلب الكلي بخفض النقود المعروضة على مستوى الاقتصاد القومي وذلك بتقليل النقود الموجودة لللإنفاق، أو بزيادة سعر الفائدة وجعل الاستدانة من النظام المصرفي عالى الكُلفة؛ وهاتان الآليتان تمثلان السياسة النقدية الانكماشية بالنسبة للدولة (if people borrow less they will spend less).

سياسات جانب العرض الكلي لخفض التضخم:

في العموم الغرض من هذه السياسات هو تقليل معدل الزيادة في تكاليف الانتاج. وهذه السياسات بطبيعة الحال سوف تساعد في تقليل حركة منحنى العرض الكلي إلى أعلى جِهة اليسار. ويمكن عمل ذلك بالسيطرة على الدولة العميقة واحتكاراتها ومليشياتها ومنعها من التأثير على الأسعار والأجور بتقييد الأسعار والجور (wage and price control)، بضبط النقابات، بمنع التركُّز الرأسمالي والاندماجات، وبمنع المغالبات الرأسمالية المقصودة وإخراج بعض المستثمرين قسراً من حلبة السوق بمصيدة الضرائب والشيكات الطائرة كما كانت تفعل سيئة الذكر الإنقاذ (deliberate crowding out).

أيضاً من الممكن عمل ذلك بتصميم سياسات تزيد من الإنتاجية (إعطاء المزيد من المزايا الضريبية، تطوير البحث العلمي، إعطاء الشركات منح للاستثمار في أحدث المعدات، تدريب العمال؛ وهذه أيضاً يختلف عليها الاقتصاديون كما سنبين قي مقالات لاحقة إن شاء الله).

خاتمة

أود أن أكرر حديثي للسيد وزير المالية والاقتصاد الوطني د. إبراهيم البدوي؛ والمذكور في المداخلة رقم (100- 4) من هذه السلسة وهى حول: "إنفاذ قيومية وزارة المالية على المال العام :مسائل إجرائية"؛ أنَّ هذا المطلب لم يكون من قبيل النزق السياسي على الإطلاق (مكرر)، ولكن من واقع الوعي بالحقائق الاقتصادية الواردة في هذا المقال والذي سبقه على وجه التعيين. ومازلنا في انتظار أن تضع وزارة المالية والاقتصاد الوطني يدها على كل المال العام (ولا تنسى صندوق دعم الولايات، صندوق دعم الشريعة، صندوق المعاشات، صندوق دعم الطلاب – الذي لا يجب أن يتبع لبروفسر صغيرون بل لوزارة المالية، وكافة الصناديق السائبة التي في أيادي الإخوانوية المرجوسة وعلى رأسها الزكاة التي يجب أن تدخل في الدورة الاقتصادية للبلد إما بتبعيتها لوزارة المالية والاقتصاد الوطني أو لوزارة الشئون الاجتماعية).

Post: #15
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: توفيق عيسى مكي
Date: 11-07-2019, 05:47 AM
Parent: #14

اتشرف بأن أكون في وطن انت احد مفكريه ...
ليتني ان اطال ان أكون احد تلاميذك لاعرف أكثر ...

Post: #16
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 11-08-2019, 00:36 AM
Parent: #15

Quote: اتشرف بأن أكون في وطن انت احد مفكريه ...ليتني ان اطال ان أكون احد تلاميذك لاعرف أكثر ...


الأستاذ توفيق عيسى مكي تحياتي،

يا سيدي كرَّم اللهُ وجهَك على هذا الكلام الذى لا أستحق منه شيئاً؛ فأنا يا عزيزي مجرَّد خادم مدني لهذا السودان وأهله. وأين أنا من اقتصادييِّ هذا المنبر المُترف بالخبرات الاقتصادية وغيرها، وصدقني أنا فقط أُحاكي الرجال.

لك مني عظيم الشكر والتبجيل يا سيدي.

Post: #17
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 12-26-2019, 02:16 AM
Parent: #16

في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة المدنية (11- 100)

رفع الدعم الذي تنادي به "موازنة البدوي" ليس له علاقة بمعالجة اختلالات الاقتصاد الكلي، ولكنه مرتبط بالانتخابات المبكرة.


مقدمة

في النصف الثاني من ثمانينات القرن المنصرم حينما رفع وزير المالية د. بشير عمر الدعم عن السلع تحت ضغط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أقام بروفسير على عبد القادر على (نسأل الله له عاجل الشفاء بقدر ما قدم للإنسانية من علم) ندوة بدار الاقتصاديين والاداريين بوزارة المالية، فنَّدَ فيها إجراءات الحكومة الخاطئة على نحوٍ مُبهِر يليق بقامة بروفسير على عبد القادر على الذي هو عندي في قامة منظري مدرسة التبعية بلا غُلُوٍّ وإطراء. وقد كان د. بشير عمر يجلس في الصف الأمامي حضوراً لتلك الندوة، التي انتاش فيها البروف سياساته انتياشاً مباشراً لا هُوداة فيه، ولم يترك له جنباً ينقلب عليه.

وحينما انتهت الندوة قام د. بشير عمر يسعى ليسلِّم على أستاذه بروف على عبد القادر على، إلاَّ أنَّ البروف نفضَ يده منه نفضاً ودفعه بعيداً عنه ممتنعاً عن مبادلته التحية وقائلاً: "دا ما الاقتصاد الدَّرَّسناهو ليك في الكلية، دا اقتصاد سيدك".

ولو كان البروف اليوم في تمام عافيته (نسأل الله له تمام العافية)، لا أخاله إلاَّ قال للدكتور ابراهيم البدوي مثل ما قال لدكتور بشير عمر من قبل؛ ولعنة الله على هذا التاريخ الذي يُعيد نفسه بهذه الوتيرة الفوضوية ليجعل شرائح رأس المال تنقض في كل مرة على فتراتنا الديمقراطية في السودان.

عليه، ليس لنا معك حديثاً كثيراً هذه المرة يا دكتور البدوي؛ بل هي مجرد ساندوتشات خفيفة ومن ثمَّ نعود لمناقشة عناصر الطلب الكلي التي اجترحنا الحديث عنها من قبل في هذه السلسلة.

حيثيات

1- أرجو من القارئ الكريم أن يرجع للمقال رقم (6) من هذه السلسلة (لأهميته) الذي ذكرنا فيه أنَّ عناصر الطلب الكلي متضادة، بحيث أنَّنا إذا اتَّبعنا سياسات اقتصادية تزيد من معدل النمو وتحِد من البطالة بطبيعة الحال، فإنَّ ذلك سيقودنا بالضرورة إلى الإفراط في الاستدانة وزيادة معدل التضخم، واختلال ميزان المدفوعات، وربما اختلال السياسات المالية والحسابات القطاعية.

وبالنظر لموجهات "موازنة البدوي" فهي تتبنى سياسة السيطرة على التضخم واختلال ميزان المدفوعات وتقلبات سعر الصرف وضبط السياسة المالية والحسابات القطاعية واستقرارها (وصفة صندوق النقد التقليدية)، على حساب زيادة النمو وتقليل البطالة (الوظائف المتاحة في برنامج البدوي جُلُّها مؤقت).

وقد ذكرنا أنَّ هذه السياسة قد أسقطت العديد من الدول في ثمانيات القرن المنصرم بما فيها حكومة الصادق المهدي نفسها في العام 1989، وقادت لهبة سبتمبر 2013، وعصيان 2016 و 2017 وأخيراً إلى إسقاط هُبل في إطار ثورة الوطن الوسيمة 2018/2019. وبالتالي هذه الوصفة مجربة في عملية اسقاط الحكومات مهما كان جبروتها، ومهما حاول البدوي من إضفاء البُشارات عليها.

2- من جانبنا نقول لشعبنا عليك أن تعي أنَّ أيَّ دعم يُبشِّر به د. البدوي (سعلي أو نقدي) سيؤول أثرُهُ إلى الصفر، وإلى ما دون الصفر بمجرد رفع الدعم عن المحروقات. ووقتها ستخرجون على مدنيَّتِكم بأنفسكم وستخربونها بأيديكم؛ والفلول والعسكر وأثرياء الحرب ودعاة الانتخابات المبكرة ينظرون إليكم ويضحكون؛ ولا عذرَ لمن أُنذِر.

3- يمكننا أن نثبِتْ لشعبنا عبر مناظرة مفتوحة مع وزير المالية فحواها أنَّ الحكومة لو (مَلَتْ هدومة) فرضت هيبتها على كل مفاصل الدولة بالطريقة التي شرحناها في مقالات هذه السلسلة، تستطيع أن توفِّر لنفسها أكثر من 19 مليار دولار سنوياً من قطاعين اثنين فقط هما البترول والذهب (ناهيك عن أيِّ قطاع آخر، وناهيك حتى عن تحويلات السودانيين العاملين بالخارج).

وهذا المبلغ كافٍ لتغطية الواردات، وكافٍ لبناء احتياطي نقدي من العملات الصعبة يفوق الـ 12 مليار دولار؛ وبالتالي يُمكِّن الدولة من إزالة تشوهات الاقتصاد الكلي، وإبعاد شبح الانكشاف الاقتصادي، ويمكِّنها من تحسين ملاءتِها المالية بدرجة عالية جداً تجعلها قِبلة لاستثمارات رأس المال الأجنبي.

4- قلنا ونقول الآن، بأنَّ شرائح رأس المال لا ترغب في الديمقراطية؛ إذ ما نالته بالديكتاتورية لم (ولن) تنله بالديمقراطية. خاصةً أنَّ الديمقراطية تسعي إلى معادلة اقتصادية عادلة ومتوازنة ومستدامة بين كل فئات المجتمع، وشرائح رأس المال دائماً ما تغنى على حساب الفقراء في ذلك المجتمع (ما غني غنيٌّ إلاَّ على حساب فقير) خاصةً في غياب حزب يمثلهم بالأصالة لا بالوكالة.

وهذا الواقع يجعلها تتعامل مع الفترات الديمقراطية كفترات مؤقتة لتحديد موضع الهيمنة فيما بينها تحت ضغط الجماهير باتجاه التغيير، الذي تعلم أنَّه لن يدوم خاصةً في ظل غياب ذلك الحزب الذي يجمع هذه الجماهير تحت مظلة واحدة.

وما أن يتعين موضع الهيمنة هذا، تبدأ هذه الشرائح الرأسمالية في الشروع في الانقضاض على الديمقراطية من جديد. وبالتالي شرائح رأس المال هي المسئولة عن كل الانقلابات العسكرية في السودان، وليس المؤسسة العسكرية (حسين 2018).

5- إذا نظرنا للأشياء بدون الانجراف لهالة وهلُّولة وزراء المنظمات الأممية (ما أسميه بالحدس السلبي عند البعض منا)، وبحثنا عن المستفيدين الحقيقيين من رفع الدعم عن المحروقات سنجدهم: فلول النظام، أثرياء الحرب الذين يُحاولون التموضع في موضع الهيمنة بقوة السلاح، دعاة الانتخابات المبكرة، بورجوازية قحت الصغيرة، والمنظومة الرأسمالية العالمية. وبالتالي لا مكان للثوار صُنَّاع الثورة الحقيقيين بين هؤلاء الجلاوزة بحال من الأحوال.

6- إذا نظرنا للمحاولات المحمومة التي بدأ يشتغل عليها الصادق المهدي لتلميع السفاح قوش كرجل للمرحلة، والتي بحمد الله باءت بالفشل حينما طلبته العدالة الدولية؛ وإذا نظرنا للمحاولات الحثيثة الجارية الآن من قِبَل ذات الشخص لتلميع مجرم الحرب الجنجودي القتِل، الملطَّخ بدماء شهدائنا في كل مكان (لا سيما في الاعتصام)، "الحبيب دَقَلو" كما يُنتَظر أن تناديه أسرة ذلك الشخص في مقبل الأيام؛ وإذا نظرنا لتقاعس وزير المالية (المرشَّح من قِبَل حزب الأمة/شريحة رأس المال الزراعي) المتعمَّد عن وضع يده على المال العام المهدر بالتمكين ووضعه تحت قيُّومِيَة وزارة المالية بحسبان أنَّ شرائح رأس المال لا تُقصي بعضها البعض إقصاءاً نهائياً في لعبة السياسة؛ وإذا نظرنا لبطئه في اتخاذ الخطوات الكفيلة بإصلاح الجهاز المصرفي وعلى رأسه بنك السودان وإلغاء الصناديق المالية الكثيرة المنثورة خارج وزارته (صندوق دعم الولايات، صندوق دعم الطلاب، صندوق دعم الشريعة، إلخ)؛ وإذا نظرنا لتجاهله عن المساهمة في إنشاء بنك للمغتربين لتجميع قدراتهم المالية والاستفادة منها في ظل الحكومة المدنية الحالية؛ وإذا نظرنا لغض طرفه عن ذهب جبل عامر والبترول الذي تحت سيطرة عناصر النظام الساقط؛ وإذا نظرنا لغض طرفه عن مصادرة كُبريات شركات الفلول الخاصة (8683 شركة) التي خرَّبت الاقتصاد السوداني ولا تساهم في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 3.5%؛ وإذا نظرنا لتقاعسه عن إرجاع المؤسسات الحكومية المخصخصة تمكيناً، خاصةً التي كانت مرتبطة بالتمويل الحرج في الدولة كالموانئ البحرية والطيران المدني والسلكية واللاسلكية والبنوك وغيرها من شركات الدولة الحيوية الرابحة (The Command Heights of the Economy)؛ سنجد أنَّ رفع الدعم عن المحروقات ذو ارتباط وثيق الصلة بالانتخابات المُبكرة أكثر من ارتباطه بمعالجة اختلالات الاقتصاد الكلي المذكورة على سبيل النذر لا الحصر في هذه الفقرة.

وذلك لأنَّ رفع الدعم من دون هذه الإجراءات سيقود البلد حتماً إلى البلبلة السياسية والفوضي، التي سوف تؤجِّجها شرائح رأس المال بحجب الأغذية والوقود والخبز ورميها في البحر أو تهريبها إلى دول الجوار، ومن ثم تهرع للمؤسسة العسكرية لاستلام السلطة عبر مغامرين تختارها هذه الشرائح بعناية لهذه المهمة (وهكذا تصنع شرائح رأس المال الانقلابات العسكرية في السودان خاصةً في ظل غياب حارس الديمقراطية والمستفيد الأول من استدامتها أى الحزب الذي يجمع العمال والقوي الحديثة والمهنية (حزب مجتمع الاعتصام)، والذي كان من الممكن أن يقف سداً منيعاً ضد تحريض شرائح رأس المال للمؤسسة العسكرية لاستلام السلطة).

7- وبالتالي على آلية الإجماع السوداني (The Sudanese Consensus) المتمثلة في السياسيين (من لجان المقاومة إلى أعلى الهرم) والأكاديمييين (Think Tank) والمهنيين ألاَّ تنجرف وراء عملية رفع الدعم عن المحروقات من غير ربطها بإزالة تشوهات الاقتصاد الكلي المذكورة بالفقرة (6) اعلاه.

وليعلم الجميع أنَّ اللحظة التي سيتم فيها رفع الدعم عن المحروقات بدون عمل اللازم تجاه هذه التشوهات الهيكلية، ستكون بداية العد التنازلي العنيف لحكومة د. حمدوك المدنية التى أرجو أن نعضَّ عليها بالنواجز.

خاتمة

لعناية د. حمدوك: نحن غير راضين عن أداء وزيري الإعلام والمالية، لأنَّهما غير متناغميْن مع روح الثورة؛ والقراءة الدلالية الأولى تقول أنَّهما مصابان بسرطان الكوزنة. ويجب أن يخضعا لفحوصات عاجلة للتثبُّت من ذلك.

Post: #18
Title: Re: في شأن تعضيد الاقتصاد المدني ودعم الحكومة
Author: حسين أحمد حسين
Date: 12-28-2019, 02:01 PM
Parent: #17

الباب يفوت جمل يا عمك

كشفت مصادر مطلعه عن عزم إبراهيم البدوي وزير المالية والتخطيط الاقتصادي تقديم استقالته من منصبه، إلا أن المصادر أشارت إلى وساطات قادها الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة أقنعه فيها بالعدول عن الاستقالة.
ويواجه البدوي هذه الأيام انتقادات من بعض قوى إعلان الحرية والتغيير بسبب موازنة العام 2020م والتي تم تأجيل إجازتها لحين البت في أمر رفع الدعم عن الوقود.

اليوم التالي