ماذا وجدت يا جلال الدين؟

ماذا وجدت يا جلال الدين؟


04-17-2006, 06:53 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=50&msg=1145253202&rn=0


Post: #1
Title: ماذا وجدت يا جلال الدين؟
Author: أبوذر بابكر
Date: 04-17-2006, 06:53 AM

جميع الفلاسفة متصوفة، وكل المتصوفة فلاسفة

عبارة قد تحتمل الكثير من الجدل، مع التسليم بحقيقة أن فيها صحة جلية، واشياء غير ذلك ايضا، فقد يصح القول مع بن عربى وإبن رشد والسهروردى والحلاج وحتى بن الفارض
ولكن ماذا عن الجاحظ ومعلمه الكبير، واصل بن عطاء؟

يبقى السؤال وتظل العبارة تحمل فى أحشائها الكثير

كان الوقت نارا
كل أبواب المدن ملطخة بالعويل والدماء وأشلاء الحياة

كان هولاكو، بعقله المحشو بالصخر وأوحال الجهل، قد بدأ مسيره صوب غرب الأرض، وكانت الأرض تحت سنابك خيله وجهله، تستحيل رمادا وأيتاما وأحزان

ووقتها، وبعد أن أكمل الفتى سنينا عددا من عمره، قرر والده النزوح من بلخ والتوجه نحو نيسابور أو سمرقند، ايهما أيسر فى الوصول، اللهم ليتجنب ذلك البطش البليد

جاء الأب وإبنه لوداع معلم الفتى، فقال المعلم للأب

إعتن جيدا بإبنك، فإنه سوف يحرق العالم

وقعت الوصية كصاعقة على الأب الذى تشتعل فى مخيلته وعقله حرائق هولاكو وقومه، فتعوذ من الشيطان، وتملكه الخوف

لم يكن المنطوق بذات المعنى المراد، وهذه هى معضلة الفلاسفة الدائمة، يلقون بكلامهم الى من لا يستوعبه ومن لا يعيه، ولكن من كان ذاك المعلم يا ترى؟

كان فريد الدين العطار

وكان الإبن التلميذ، جلال الدين الرومى

غادر جلال الدين مع أبيه واتجها نحو وجهتهما، وبعد حين إنضم جلال الدين لمعلم آخر ودرس على يديه ما أتيح من علم ومعرفة، ثم درس بنفسه ما لا يتاح لغيره، كان يمتطى العقل ويهوم به نحو آفاق عليا

ثم وقبل إجازة الطالب فيما درسه، قام أستاذه الجديد بحبسه إنفراديا لمدة أربعين يوما كاملة، لا يرى فيها أحدا ولا يراه أحد، وبعد إنقضاء الحبس، جاءه استاذه وأخرجه من حبسه، وسأله سؤالا واحدا فقط

ماذا وجدت يا جلال الدين؟

كانت إجابة الرومى أيضا فى جملة واحدة

وجدت أنه بإمكان الإنسان أن يدرك الكون كله ويراه، إذا نظر فى داخله.

إذا نظر فى داخله؟

الآن يبدأ حريق العالم

حريق من نوع آخر، وإن إنضمت النار أيضا اليه، ربما كانت شبيهة بنار "بروميثيوس" لكنه فى الأصل حريق تشعله الأفكار والرؤى بتوهجها وفورة لهبها

ما عناه جلال الدين الرومى بجملته تلك، يعنى شيئا وحيدا، أن يعمل الإنسان عقله دون أى شئ آخر، أن ينظر ويتفكر ويحلل ويستنطق، أن يحلل ويفك ويركب ويؤالف ويجتهد، لا أن يتبع جامد القواعد بغريزة البهائم والهوام، فالعقل مفتاح ابواب الدخول الى الكون وما حوى، العقل هو سلطان المعرفة وسيدها، هى دعوة ونداء، أن يا بنى الإنسان دونكم العقل، دونكم العقل، فخذوه بقوة، بأقوى ما تستطيعون، إعملوه فى كل شى وأى شئ، لتدركوا كنه حقيقتكم ومعنى وجودكم، وهناك من لبى النداء وهناك من تجاهله، ولسؤ الحظ فإن الغلبة كانت لتغييب العقل وإغتياله، أصبح فج التفكير أداة للتكفير، غاب التدبر والتبصر، أغلقت الأذهان وتبلدت الأبدان، أصبح الحشو والنقل بديلا للفكر والعقل، ومتى ما وحيثما غاب العقل وساد النقل، كشرت الفجيعة عن قبيح وجهها، وأنشب الجهل والتغييب أنيابه فى عضد الذهن، ليموت العقل، وما نحن الآن إلا من زمرة أهل المأتم

ألسنا كذلك يا جلال الدين؟