الحكمة الشعبية .. ونبدأها ببت المهدي

شخصية حقيقية مازالت تنثر الحكمة ببساطة رصينة في ربوع ريفنا الحبيب .. مرة تذكرني بالسرة بت عوض الكريم ..التي قال عنها الشاعر الفذ محمد الحسن سالم حميد:
مرة لا بتلاوز لا بتخاف
زي الضفاف المابتخاف ضنب التماسيح والكلاب
ونبدأ حكاوى بت المهدي .. وربما نعود للسرة .. فما أحوجنا لحكمة نساء بلادي:

كانت تبكى فقدها مع نساء الحي .. بعضهن يولول ويصوت .. والسره جالسة وعيونها مغرورقة بالدموع .. في صمت مهيب رهيب .. دخل عليهن رجل .. منفعل .. كان هذا الرجل قد سرق بقرة أبوالحسن قبل عامين .. ولسوء حظه فقد ذاع الخبر في البلد .. حتى أضطر لهجر البلد إلى الأراضي المقدسة واعتمر وطاب له المقام فأكمل عامه وعاد ملتحياوملماً ببعض الأحكام الفقهية والحلال والحرام .. ووجد أهله على حالهم .. تولول النساء عندما يأخذ الموت أحداً .. صاح بالنسوة حرام عليكن .. البكاء على الميت حرام .. الله ما قال كدي .. وخفت صوت النساء .. فنهضت بت المهدي وقالت ليهو .. هاجنا .. بصح البكاء على الميت حرام؟ أيوه يا بت المهدي حرام قطعاً .. طيب يا ولدي أنتا عرفتو حرام بعد بقرة أبوالحسن والله قُباله! فخرج وتواصل التعبير عن الحزن بصوت أعلى مما كان .. صوت إنتصار بت المهدي وسأعود .

في أيام الديمقراطية سمعت بت المهدي بأن السيد/ محمد عثمان المرغني سيزور المنطقة وانتظرت يوم حضوره على جمراً تهبو الريح شوقاً للسيد/ محمد عثمان .. الذي كثيراً ما سعت إليه في الخرطوم ولم تحظى بلقائه .. وها هو يأتي على بعد خمس كليومترات من دارها المقامة من الشعر الخالص .. تحركت فجراً على قدميها حتى أتت مكان الإحتفال المعد بعناية وأنتظرت حتى وصل الموكب ورجال الشرطة قد ملئوا المكان وبت المهدي تحاول شق الجموع للسلام علي السيد محمد عثمان وهي تردد (الما بدورك شقي) .. (المابدور سيدي علي شقي) بصوت عال وواثق ..والشرطة تمعن في صد الناس وأكثر في صد بت المهدي التي لا تسمع ولا ترى غير هدفها في لقاء السيد .. وبعد أن أصبحت على بعد أمتار منه رأى السيد محمد عثمان أن الشرطة تحاول منع أمرأة شديدة الإصرار على الوصول إليه .. فصاح طالباً أن يسمحوا لها .. وقد كان .. ووصلته وسلمت عليه وقبلت يديه قائلة: (والله يا سيدي من زمان بدور أجيك .. ومشيت الخرتوم كتير عشان أزورك لكين الطرطر ديل بحموني) .. وبعد أن تحدثت إلى السيد محمد عثمان وروت ظمأ السنين .. غفلت راجعة وقد لفت يدها بثوبها بعناية .. فسألها أحد الحضور من ناس البلد: يا بت المهدي مالك رابطة إيدك .. فردت: بدور السعلق ديل يشيلو البركة..

ما بين حكمة بت المهدي والسرة بت عوض الكريم اللات (حميد) .. علاقة الثقة التي تملأ صاحبها فلا يكون إلا هو في الضحى والضلام ..

مديت يميني أساعده
مدت يساره تباعده
قالت لي أبوي أحفض ضراعك للبلد
أحفض كرامتك يا ولد
الموقت ولا العيش المهين
ذا زمن ضلالة .. زمن حقارة .. أوانطجية .. زمن مهين
وكان ما قدرت على دا أبوي
ربلك دقين
وضحكنا زيييييييين

قبال مروق الانجليز
قلنا الظلم فات وانقضى
تاريهو كمتر وقام دقون

تغني من التعب لامن كلاك دمن
فهل يعني النهاية الموت
وينبعزق غناك سدى
أم أن الغيم حينسابق
على الأرض العزيز فدىً

الأخ محمد تحياتي
تم القبض ليلاً على اثنين متلبسين بالسكر .. وأودعوا الحراسة كي يتم محاكمتهم غداً .. فاتصل أحدهم بأهله وعلى ما أظن وزي ما بقولوا عنده ظهر في الحكومة .. فحضرت له الواسطة وأخرجوه في نفس الليلة .. وعند الصبح صحى أخينا الآخر وسأل المساجين عن زميله فقالوا له دا زول عنده ضهر .. وعنده واسطة .. وخرج منذ الأمس .. المهم عندما ذهب أخينا إلى القاضي حكم عليه بالجلد .. وعندما أرادوا أن ينفذوا فيه حكم الجلد قالوا له انبطح على الأرض ليتم جلده .. أخينا رقد على ظهره وقال أجلدوا .. فنهره القاضي وقال له أيه البتعمل فيه .. أرقد علي بطنك خلي ظهرك إلى أعلى .. فرد على القاضي بكل سخرية أنا كان عندي ظهر ما كان وصلتك هنا !!!

الأخ عادل .. تحياتي
تحياتي .. وهكذا تلد الحكمة الشعبية المكتسبةمن تجربة الحياة ما لا يستطيعه دهاقنة المعارف النظرية.