الحلة الجديدة قصة قصيرة للقاص يوسف العطا

الحلة الجديدة قصة قصيرة للقاص يوسف العطا


02-05-2003, 08:33 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=5&msg=1044430416&rn=0


Post: #1
Title: الحلة الجديدة قصة قصيرة للقاص يوسف العطا
Author: albagir altahir
Date: 02-05-2003, 08:33 AM

الحلة الجديدة
يوسف العطا .....
غداة وصولنا غرسنا نخلتين أمام دارنا ، وكان قد جاء بهما جدي من بلدتنا يلف جذعيهما بجوال مبلل .. كانتا بعضاً مما آخذناه معنا الي دارنا الجديدة هذه . في نموهما شبتا بالقامة لصق الحوش تظلان بالجريد زريبة بهائمها من بلدتنا في الشمال ، بهائم مولودة علي جدتي غزيرة اللبن تكاد أثدائها لا تجف طوال العام ، ولم يكن لبائع اللبن أن يطرق بابنا كل صباح طرقاته المألوفة في حارتنا . ومما أتينا به أيضاً أن لهجتنا لم تتغير ،فهي مائلة البنيان والتراكيب تنكسر أواخرها في حدة بانزلاقها علي ألسنتنا ،ولم أجد في أمي ولا أخوتي تغييراً كبيراً : ما زالت رءوسهن مضفورة أثوابهن ملفوفة حول القامة يسارعن إليها إن كن بدونها إذا طرق غرفتهن طارق . وإن خلون لانفسهن تركنها الي فساتين طويلة تكاد تغرق أجسادهن . يثرثرن طوال النهار في لغط لا ينتهي في جلوسهن علي ( عناقريب ) خشبية نسيجها الحبال . وما أزال اذكر جدي قبل مماته في أنتقالة معنا الي الحلة الجديدة كان أكثرنا تصلبا وتمسكا واقربنا الي الغضب . يداه في خشونتهما قدمان جلدهما تخين ، والي جانب الرسوم الطبيعية فيهما قامت دروب أخري بأثر المعاول ، امحت عن راحتيهما خطوط بفعل المقابض . وإن نظرت إليهما تكشفان لك في التو انهما لمزارع شقق الماء والبرد أطرافه إلى مجري الدم في جسده ، ولعل مجري التصلب والشدة الي لدي الجدي مرجعه الي رقاده اليوم بطولة في حجرة الاستقبال علي سرير حديدي بملاءة بيضاء . تجده والناس قد انصرفوا الي عملهم يقلب بكفية واصابعة قبضاً وبسطاً ، يحرك الساقين ثنيا ومدا كأنما عنكبوت عظيم شل قدرته . ولقد استحال مرقده شوكاً وقع فيه . وفي هذا الذي يأتيه من الحراك اليائس لغة يفهمها هو ، في حاضرة أضحي العاجز وهو في ماضية مبسوط السلطان علي امتداد رقعة الساقية . في أهلة كان أول من يزرع ، وسابقهم الي الحصاد فأن هبط ناحية النهر بمعوله أدرك قومه أن الموسم الزراعي قد بداء . وأن انتهي الحصاد صعدوا معه الي البيوت بدوابهم وثيرانهم ، وما عاد له من ماضيه إلا مرقد . ماتت أمراته . ذهبت ساقيته . وخلع الأطباء أسنانه أستاصلوا الطوحال منه .
(2)
بعد مماته وشيكا لحقت به النخلتان . في سنوات حياته كانتا قد كبرتا بالقامة – وعهد الي انا الصغير وقتها – أن اعني بهما . وازود عنهما القارضات من أغنام وسابلة . بنيت حولهما مهداً من اللبن ظللت هامتيهما بالجوالات المبللة . رويت ظمأهما فضربتا عميقاً في الأرض وعالياً في السماء ، بدنا كمنقطع بهما عن ضفاف النيل ، ومن عجب نشأتا عقيمين . بهما أقيس عمري في الحلة الجديدة أشبه أيامي فطول قامتهما وهيئتهما زمن حياتنا هنا . في ظلهما كان مأتم جدي . عندهما بهائمنا . تجد الظل منهما صباح عند بيوت وبعد الزوال يرتمي الي بيوت الساقان منهما مرمي كنده أطفال . وكم لعبنا بينهما في زمن غابر .
وذات صباح جاءنا أمر باستئصالهما . في طولهما رأوا تهديداً لتمديدات الكهرباء فوق الجريد . وإذ اجتثا أخذ أبي عوديهما لسقف المنزل حال نجديده . وكان بقاء البهائم رهن بظلهما إذ في يونيو جاء عمال البلدية بمعاولهم يشقون مصرفاً مر من أمام البيوت علي امتداد الشارع أسعداداً لقدوم الخريف . وللصالح العام أمر سكان الحارة بسحب بهائمهم الي داخل البيوت فكان أن انشانا سقيفة الجريد والأعواد في ركن من الحوش تربط الي أوتادها بهائمنا . وبهذا يجد الداخل دارنا بهائم ودجاجاً وحماماً وكلباً وقطاً وأبوي وأخواتي الثلاثة .
(3)
في دارنا أن اقبل مساء الصيف اقتسمنا مساحة الحوش نسحب أسرتنا من جوف الغرفتين ، وقد كان مرقدي وجدي أمام حجرة الرجال ، وفي هذا الحيز أيضاً متسع للضيوف إن باتوا عندنا ن وقلما تخلو الدار من رائح أو غاد من مسافرين يمكثون ليلة أو ليلتين قبل ذهابهم الي بلدتنا في الشمال . ومن الأهل من يقدم من تلك الأنحاء لقضاء شأن من الشئون في الخرطوم وما اكثر تلك الشئون . وفي أوقات كثيرة التحف الثري أو أشاطر جدي سريره ليبقي للضيوف متسع . وبعد غياب جدي أخذت مكانه وغطاءه أما ابي فكان وامي في الناحية الخلفية من حجرة الاستقبال فيما تنام اخواتي الثلاث شرق الغرفة الأخرى . ولئلا تقع أبصار الضيوف عليهن قمن بعمل ساتر من العيدان ليفصل الفراغ بين حجرة الاستقبال _ المضيفة كما تسميها أمي وبين حجرة النساء شرقها اخواتي وفي مرقدي يتناهي الي شخير ابي أن كانت نافذة الغرفة مفتوحة ويطفي صوت المذياع طوال الليل وفي ليل الصيف اظماء والسبيل الي إطفاء الظماء يجشمني السعي الي زير الماء عند زاوية من زوايا الحوش حيث يقوم مطبخ صغير واعبر بأخواتي النائمات وأبى وأمي ومذياعهما كما قط صغير وخشية أن يستيقظ من أظنهم نياماً كنت أمشي علي رءوس أصابعي ثم فهت ضمناً ألا اذهب للسقيا في جنح الليل حين تكفلت أمي بتامين كوب من الماء عند مرقدة . ولئن نسيت هي ذلك تعين علي السعي الي صنبور الماء في الحمام استقي منه مباشرةً عوضاً عن تجميع الماء في كفي لئلا يحدث صوتاً وهكذا ارضع الماء النحاسي وكأنما الصنبور في فمي الرضيع ثدي من جسد الحمام .
وفي دارنا وأن أدركنا ليل الشتاء القارس توارينا الي غرفتين ، ومرقد اخواتي المطبخ تتدثر الكبريان بغطاء ثخين حفظ من شتاء سابق لكل شتاء قادم . أما الصغري فلا تجد باساً من تجميع كل الملابس الباقية من أمي واخوتي الي البالي من جلابيب أبي وتلوذ بالجميع في برد الحلة الجديدة .وفي غياب الضيوف عنا . ونادراً ما يفعلون تنعم اخوتي بمشاطرتي حجرة الاستقبال وطال ما بقي الشتاء يكمن ابواي في الغرفة الاخري في بيات شتوي وبهذا لا يحظر علي السعي أنا شئت ليلاً . وفي هذا اجد الشتاء افضل الفصول عندي .
(4)
تتميز أخوتي وأمي بأنهن لا يقضين حوائجهن الطبيعية الا أناء الليل ، وقد اوتين مقدرة عجيبة علي الامساك طوال النهار .و والعلة في امساكهن كرهاً أن الركن الذي نقضي فيه حواتجنا لا يتعدي ساتراً طينياً قصير القامة . اعني دورة المياه رغم أن زواينا هذه لا ماء يدور فيها . هي من لبن وبئر عميق مطلل بقالب خرصاني فيه فتحتان أما الساتر نفسه فلا سقف ومفتوح في جانب منه ولما كان بلا باب يتعين علي الجالس لقضاء حاجته أن ينحنح بالحنجرة أو يطقطق بالاصابع أو يبرز يده بالمد أو له أن يتمخط في حال سماع وقع اقدام أتيه صوبه . وتلك لغة وأمارات حلتنا الجديدة معلومة وقد فضلت النساء الامساك عليها .
أما الحمام فيفصل الزاوية تلك بباب خشبي جمع من صناديق البضائع وكونه البناء الوحيد في دارنا الذي قوامه الطوب المحروق وسقفة لوح زنك وخلفه تجويففي الارض يفيض بالماء كلما اغتسل غاسل حتي ليمس اساس البناء بالتسرب فتساقط الجير عن باطن غرفة النساء واقرب الغرف اليه وكان الماء السائل والجير المتساقط والغرفة الائلةللسقوط وغيرها من اعراض تثير جميعا حفيظة ابي ويزعق وناسي معه أن الدار قد تسقط وشيكا علي رءؤسنا .
(5)
كأن الساعة تقوم في حارتنا اللوريات في يونيو ما تنفك تنقل اليها اطناناً من روث البهائم وتبن القمح والرمال والتراب . ومن هذا الخليط يقوم البناءون في هذا الموسم بكسي الجدران زبالة لزجة سميكة لا يزيلها مطر هتان .
وفي زمن الخريف ادركنا ان الدار لا تسقط بماء الحمام ولكن بدفقات المطر الذي تجمع علي السطوح فابتل الحصير اثر تحلل الطبقة الروثية علية . فات علينا قيبل الخريف تفقد الكزاريب فقد بنت فيها العصافير اعشاشها فلم تعد ترشح . ولم يكن الخطر الماحق يجي من المطر الذي فاض في المساحة الداخلية وتسلل الي الغرفتين وغوض زاوية الحوش ببئرها ولكن نشاء الضرر عن ما تجمع من ماء بالخارج وغمر الشوارع فقمنا ندفعة باقامة المتاريس وفي ذلك الصباح لم تكن الحلة الجديدة سوي رجال شمروا سراويلهم الي الركبتين وفي ايديهم المعاول ، ونساء حاسرات الرأس بجرادل ومغارف ، وصبية أنصاف عراة يتقاذفون بالطين ويتراشقون بالماء . أضحي الشارع في عيني نهراً ممتلئاً تتزاحم البيوت عند شاطئه وكانت تعكس في مائة خيال مراكب ممسوكة بالوحل والطين . وبدأت تلك المراكب في عين خيالي لا تعبر براكبها من ضفة الي أخرى



















































الحلة الجديدة
يوسف العطا .....
غداة وصولنا غرسنا نخلتين أمام دارنا ، وكان قد جاء بهما جدي من بلدتنا يلف جذعيهما بجوال مبلل .. كانتا بعضاً مما آخذناه معنا الي دارنا الجديدة هذه . في نموهما شبتا بالقامة لصق الحوش تظلان بالجريد زريبة بهائمها من بلدتنا في الشمال ، بهائم مولودة علي جدتي غزيرة اللبن تكاد أثدائها لا تجف طوال العام ، ولم يكن لبائع اللبن أن يطرق بابنا كل صباح طرقاته المألوفة في حارتنا . ومما أتينا به أيضاً أن لهجتنا لم تتغير ،فهي مائلة البنيان والتراكيب تنكسر أواخرها في حدة بانزلاقها علي ألسنتنا ،ولم أجد في أمي ولا أخوتي تغييراً كبيراً : ما زالت رءوسهن مضفورة أثوابهن ملفوفة حول القامة يسارعن إليها إن كن بدونها إذا طرق غرفتهن طارق . وإن خلون لانفسهن تركنها الي فساتين طويلة تكاد تغرق أجسادهن . يثرثرن طوال النهار في لغط لا ينتهي في جلوسهن علي ( عناقريب ) خشبية نسيجها الحبال . وما أزال اذكر جدي قبل مماته في أنتقالة معنا الي الحلة الجديدة كان أكثرنا تصلبا وتمسكا واقربنا الي الغضب . يداه في خشونتهما قدمان جلدهما تخين ، والي جانب الرسوم الطبيعية فيهما قامت دروب أخري بأثر المعاول ، امحت عن راحتيهما خطوط بفعل المقابض . وإن نظرت إليهما تكشفان لك في التو انهما لمزارع شقق الماء والبرد أطرافه إلى مجري الدم في جسده ، ولعل مجري التصلب والشدة الي لدي الجدي مرجعه الي رقاده اليوم بطولة في حجرة الاستقبال علي سرير حديدي بملاءة بيضاء . تجده والناس قد انصرفوا الي عملهم يقلب بكفية واصابعة قبضاً وبسطاً ، يحرك الساقين ثنيا ومدا كأنما عنكبوت عظيم شل قدرته . ولقد استحال مرقده شوكاً وقع فيه . وفي هذا الذي يأتيه من الحراك اليائس لغة يفهمها هو ، في حاضرة أضحي العاجز وهو في ماضية مبسوط السلطان علي امتداد رقعة الساقية . في أهلة كان أول من يزرع ، وسابقهم الي الحصاد فأن هبط ناحية النهر بمعوله أدرك قومه أن الموسم الزراعي قد بداء . وأن انتهي الحصاد صعدوا معه الي البيوت بدوابهم وثيرانهم ، وما عاد له من ماضيه إلا مرقد . ماتت أمراته . ذهبت ساقيته . وخلع الأطباء أسنانه أستاصلوا الطوحال منه .
(2)
بعد مماته وشيكا لحقت به النخلتان . في سنوات حياته كانتا قد كبرتا بالقامة – وعهد الي انا الصغير وقتها – أن اعني بهما . وازود عنهما القارضات من أغنام وسابلة . بنيت حولهما مهداً من اللبن ظللت هامتيهما بالجوالات المبللة . رويت ظمأهما فضربتا عميقاً في الأرض وعالياً في السماء ، بدنا كمنقطع بهما عن ضفاف النيل ، ومن عجب نشأتا عقيمين . بهما أقيس عمري في الحلة الجديدة أشبه أيامي فطول قامتهما وهيئتهما زمن حياتنا هنا . في ظلهما كان مأتم جدي . عندهما بهائمنا . تجد الظل منهما صباح عند بيوت وبعد الزوال يرتمي الي بيوت الساقان منهما مرمي كنده أطفال . وكم لعبنا بينهما في زمن غابر .
وذات صباح جاءنا أمر باستئصالهما . في طولهما رأوا تهديداً لتمديدات الكهرباء فوق الجريد . وإذ اجتثا أخذ أبي عوديهما لسقف المنزل حال نجديده . وكان بقاء البهائم رهن بظلهما إذ في يونيو جاء عمال البلدية بمعاولهم يشقون مصرفاً مر من أمام البيوت علي امتداد الشارع أسعداداً لقدوم الخريف . وللصالح العام أمر سكان الحارة بسحب بهائمهم الي داخل البيوت فكان أن انشانا سقيفة الجريد والأعواد في ركن من الحوش تربط الي أوتادها بهائمنا . وبهذا يجد الداخل دارنا بهائم ودجاجاً وحماماً وكلباً وقطاً وأبوي وأخواتي الثلاثة .
(3)
في دارنا أن اقبل مساء الصيف اقتسمنا مساحة الحوش نسحب أسرتنا من جوف الغرفتين ، وقد كان مرقدي وجدي أمام حجرة الرجال ، وفي هذا الحيز أيضاً متسع للضيوف إن باتوا عندنا ن وقلما تخلو الدار من رائح أو غاد من مسافرين يمكثون ليلة أو ليلتين قبل ذهابهم الي بلدتنا في الشمال . ومن الأهل من يقدم من تلك الأنحاء لقضاء شأن من الشئون في الخرطوم وما اكثر تلك الشئون . وفي أوقات كثيرة التحف الثري أو أشاطر جدي سريره ليبقي للضيوف متسع . وبعد غياب جدي أخذت مكانه وغطاءه أما ابي فكان وامي في الناحية الخلفية من حجرة الاستقبال فيما تنام اخواتي الثلاث شرق الغرفة الأخرى . ولئلا تقع أبصار الضيوف عليهن قمن بعمل ساتر من العيدان ليفصل الفراغ بين حجرة الاستقبال _ المضيفة كما تسميها أمي وبين حجرة النساء شرقها اخواتي وفي مرقدي يتناهي الي شخير ابي أن كانت نافذة الغرفة مفتوحة ويطفي صوت المذياع طوال الليل وفي ليل الصيف اظماء والسبيل الي إطفاء الظماء يجشمني السعي الي زير الماء عند زاوية من زوايا الحوش حيث يقوم مطبخ صغير واعبر بأخواتي النائمات وأبى وأمي ومذياعهما كما قط صغير وخشية أن يستيقظ من أظنهم نياماً كنت أمشي علي رءوس أصابعي ثم فهت ضمناً ألا اذهب للسقيا في جنح الليل حين تكفلت أمي بتامين كوب من الماء عند مرقدة . ولئن نسيت هي ذلك تعين علي السعي الي صنبور الماء في الحمام استقي منه مباشرةً عوضاً عن تجميع الماء في كفي لئلا يحدث صوتاً وهكذا ارضع الماء النحاسي وكأنما الصنبور في فمي الرضيع ثدي من جسد الحمام .
وفي دارنا وأن أدركنا ليل الشتاء القارس توارينا الي غرفتين ، ومرقد اخواتي المطبخ تتدثر الكبريان بغطاء ثخين حفظ من شتاء سابق لكل شتاء قادم . أما الصغري فلا تجد باساً من تجميع كل الملابس الباقية من أمي واخوتي الي البالي من جلابيب أبي وتلوذ بالجميع في برد الحلة الجديدة .وفي غياب الضيوف عنا . ونادراً ما يفعلون تنعم اخوتي بمشاطرتي حجرة الاستقبال وطال ما بقي الشتاء يكمن ابواي في الغرفة الاخري في بيات شتوي وبهذا لا يحظر علي السعي أنا شئت ليلاً . وفي هذا اجد الشتاء افضل الفصول عندي .
(4)
تتميز أخوتي وأمي بأنهن لا يقضين حوائجهن الطبيعية الا أناء الليل ، وقد اوتين مقدرة عجيبة علي الامساك طوال النهار .و والعلة في امساكهن كرهاً أن الركن الذي نقضي فيه حواتجنا لا يتعدي ساتراً طينياً قصير القامة . اعني دورة المياه رغم أن زواينا هذه لا ماء يدور فيها . هي من لبن وبئر عميق مطلل بقالب خرصاني فيه فتحتان أما الساتر نفسه فلا سقف ومفتوح في جانب منه ولما كان بلا باب يتعين علي الجالس لقضاء حاجته أن ينحنح بالحنجرة أو يطقطق بالاصابع أو يبرز يده بالمد أو له أن يتمخط في حال سماع وقع اقدام أتيه صوبه . وتلك لغة وأمارات حلتنا الجديدة معلومة وقد فضلت النساء الامساك عليها .
أما الحمام فيفصل الزاوية تلك بباب خشبي جمع من صناديق البضائع وكونه البناء الوحيد في دارنا الذي قوامه الطوب المحروق وسقفة لوح زنك وخلفه تجويففي الارض يفيض بالماء كلما اغتسل غاسل حتي ليمس اساس البناء بالتسرب فتساقط الجير عن باطن غرفة النساء واقرب الغرف اليه وكان الماء السائل والجير المتساقط والغرفة الائلةللسقوط وغيرها من اعراض تثير جميعا حفيظة ابي ويزعق وناسي معه أن الدار قد تسقط وشيكا علي رءؤسنا .
(5)
كأن الساعة تقوم في حارتنا اللوريات في يونيو ما تنفك تنقل اليها اطناناً من روث البهائم وتبن القمح والرمال والتراب . ومن هذا الخليط يقوم البناءون في هذا الموسم بكسي الجدران زبالة لزجة سميكة لا يزيلها مطر هتان .
وفي زمن الخريف ادركنا ان الدار لا تسقط بماء الحمام ولكن بدفقات المطر الذي تجمع علي السطوح فابتل الحصير اثر تحلل الطبقة الروثية علية . فات علينا قيبل الخريف تفقد الكزاريب فقد بنت فيها العصافير اعشاشها فلم تعد ترشح . ولم يكن الخطر الماحق يجي من المطر الذي فاض في المساحة الداخلية وتسلل الي الغرفتين وغوض زاوية الحوش ببئرها ولكن نشاء الضرر عن ما تجمع من ماء بالخارج وغمر الشوارع فقمنا ندفعة باقامة المتاريس وفي ذلك الصباح لم تكن الحلة الجديدة سوي رجال شمروا سراويلهم الي الركبتين وفي ايديهم المعاول ، ونساء حاسرات الرأس بجرادل ومغارف ، وصبية أنصاف عراة يتقاذفون بالطين ويتراشقون بالماء . أضحي الشارع في عيني نهراً ممتلئاً تتزاحم البيوت عند شاطئه وكانت تعكس في مائة خيال مراكب ممسوكة بالوحل والطين . وبدأت تلك المراكب في عين خيالي لا تعبر براكبها من ضفة الي أخرى