مذاق المشاوير : بقلم يوسف عزت الماهري

مذاق المشاوير : بقلم يوسف عزت الماهري


05-06-2002, 08:28 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=5&msg=1020713281&rn=3


Post: #1
Title: مذاق المشاوير : بقلم يوسف عزت الماهري
Author: bunbun
Date: 05-06-2002, 08:28 PM
Parent: #0

الجميل

لم اكن أنا الذي يتحدث طوال المسافة من أطراف المدينة حتى قلبها ، فقد تركت لثرثرتها العذبة أن تنساب بحرية ، وهي تشدني كوتر ربابة مع كل كلمة تخرج من قوس شفاهها ، أتلصص خلف مفرداتها الشاردة علني اعثر علىّ ، وميادة تدفق حلمها على الإسفلت فأغرق فيه واحلف بالطلاق على رهانها الذي يبدو ضبابا .

تنتصب شعيرات جسدي ، ويتلعثم الجو المحيط بنا كلما تسألني عن رأي في أحلامها ، فأكتم إجابتي حتى لا أتوه في دهاليز أسئلتها الغامضة ، أخاف أن اكشف سر صمتي وأحلامي مكشوفة الظهر ، أخاف أن افقد خطوتي معها أو يختلف مذاق المشاوير .

اعرفها اكثر من أي شخص آخر في هذا الكون ، (غلباوية ) ، وجامحة في رؤيتها للأشياء ، وعصيّ حلمها على الترويض ، وتسألني رأي في هذا الوقت العصيب ، ماذا تكون إجابتي والمدينة تهمس بأنباء الأحداث وتفوح من أزقتها رائحة الخوف وأدخنة البنبان ، وقت ثمل بالتوقعات ونحن عائدون في هذا الليل الموحش ، الشوارع تأخذ حذرها اللازم حين نعبرها لا شئ يثيرنا غير أضواء الشموع الخافتة وحركة المارة أمام (الكناتين ) في الأزقة الضيقة ، قالت لي : جو مثير

قلت مداعبا : أنتي اكثر إثارة

هذه أول مرّة تخرج من صمتي كلمة متعددة التفاسير لكني لم أشـعر باحتجاجها بل قالت بهزل : خلاص ...خلاص ما صدقته لقيت مدخل.. وضحكت فأدركت أن ميادة تسللت إلى سر صمتي فأشعلت سيجارتي لأسكن ارتباكي ..والارتباك بائن في جبين المدينة .

فقدت رأس خيط اللغة فكيف ارتق الفتق بيني وبينها ، رغم المشاوير وطعم الالفة بيننا ، رغم الحذر المشترك فشلت أن اعبر إلى عالمها . وفي لجّة متاهتي هذه قالت : لماذا لا يسألنا أحد من انتم ؟ أو ماشين وين ؟

ميادة تحب الأسئلة لتجاوبها ، دائما تقول : إن اكثر ما يخيفها هو عدم طرح الأسئلة ، لأنها تعرف ما تقول في كل الأوقات ، ولا تخاف إلا مما يطلبه المحققون بعد قفل دفاتر أسئلتهم ، أو قبل فتحها ، ميادة تخاف دقائق الصمت الرهيب مثلي .

حين جاءتني وهي تسابق خطوها وأنا انتظرها في نهاية الشارع ، ناولتني لبانة فرفضتها بكبرياء رجولي زائف ، وسألتها عن السجائر فقالت : ما قدرته اشتري سجائر ، الناس يقولوا علي شنو ؟

فقلت لها الآن فقط تستسلمين لأنوثتك ، لماذا تهربين منها كل هذا الوقت ، وتأتيني الآن بقول الناس ، أنا خرمان وعايز سجاير ، وبشتريها لو حتى تنكشف كل الأشياء ،.

قالت : يا أهبل نحن من الناس ديل ، عايزني أفوتهم يعني ؟ ، وأنا مهما سويت حيقولو علي مطلوقة وخلاص .

مت من الضحك ، ميادة تختلف الآن عن همسنا داخل الغرف داكنة اللون ، وهي القائلة إذا الجماهير ما عايزة تتعلم بالكلام نعلمها بالأسلوب العملي في التجاوز .

اذكر ذلك الاجتماع العاصف ، وحديث ميادة الذي اصبح قول مأثور حتى بين الذين لم يحضروا الاجتماع أعلنت لها استغرابي فقالت : أنا ما بقصد نعلمهم تدخين البنات السجائر

قلت لها : وهل ح تدخنيها انتي لو جبتيها لي ؟

سكتت حتى تمادت في الصمت اكثر من ما توقعت ، ومشيت في دروب أفكاري حتى سمعتها تهمس بأغنية (الممشى العريض) فسقطت في سلّم لحنها ، وهي تعرف كيف تولجني عوالم لم أتعود الولوج أليها في هذه الأجواء المشحونة بالقلق والخوف .

وبمحاذاة النهر وقفت تكمل لحنها بتأمل صوفي ، ثم قالت تخاطب النـهر : متى ستغير مجراك ؟

قلت لها : اتركيه ستخرج المدينة لتغسل دموعها على شاطئيه ، ويبدأ العشاق ابحارهم .

كنت أحاول أن استلف أحلامها ، أرى ما تراه ، لكني اجدني ابحث وأدور في فلك المهام اليومية ، فترتد بصيرتي لأبصر الخراب ، حسير الخطوة امشي إلى واقعي ، قلت لها : إذا لم يصل أبو الفال في مواعيده ماذا سنفعل بكوم الأوراق المكدس في حقيبتك ؟

كنت أفكر في الفشل المحتمل ، أفكر فيها وهي لاهية عن خوفها ، لا تعرف أن ورقة واحدة إما أن تطيح برأس البلاد أو بر أسينا معا ، أين نخبئ أوراقنا ونداري رائحة الحبر والتوجس في مدينة يقلق نومها طنين أجهزة الاتصال ؟؟

قالت لي : ما تخاف أختك كوبية !!

سألتها : هل تريدين تسجيل ملاحم بطولية جديدة ؟ أنا لا أخاف ولكن لا بد من حذر أن لم يكن من اجلي فمن أجلهم .ولا أبحث عن إضافة بطولة في رصيدي .

قالت : الذين يؤثرون السلامة ولا يريدون تسجيل بطولات سيهزمهم خوفهم !

هكذا وبكل بساطة حكمها تلغي إيماني العميق بالمثل القائل (درب السلامة للحول قريب ) وتربك احتياطاتي .

اقتربنا من موقف المواصلات ، حافلة واحدة تقف كأنها شاهد إثبات على حياة المدينة بعد الساعة الثامنة مساء ، ينادي مناديها على الغائبين ، عبرت ميادة جسر الطوب الأحمر ، فوق ركام الغازورات والمياه المتمردة على شرايين المدينة ، وقالت لي: نلتقي في الباب ، مشت كأنها لم تكن تركتني ورائها ،فبانت لي ملامح قوامها النّخلي ، واهتزت بقلبي أوتار اللحن القديم ، كلما ابتعدت خطواتها ذادت اقترابا إلى قلبي ، وقبل أن تختفي التفتت تودعني ، فرفعت يدي وقلت لها : أخوك كوبي انتظريني في عتبات الدرب ، أشعلت سيجارة البرنجي الرطبة لأرطب جفاف حلقي ، ومشيت في متاهاتي .


bunbun حاشية من
مصطلح كوبي = الزول الما عندو قشة مُرة - لول

Post: #2
Title: Re: مذاق المشاوير : بقلم يوسف عزت الماهري
Author: hanouf56
Date: 12-23-2002, 10:52 PM
Parent: #1

up

من 160

Post: #3
Title: Re: مذاق المشاوير : بقلم يوسف عزت الماهري
Author: sentimental
Date: 12-24-2002, 06:54 AM
Parent: #1

ya yousif,

salam I hope you in a good condition. I took your email from Salah aburoof but it seems it is the old one. Dr. Bushra is saying u hello, mohammed madani, all the artists and others. i still keep your stories...

sentimental

Post: #4
Title: Re: مذاق المشاوير : بقلم يوسف عزت الماهري
Author: Elkhawad
Date: 06-08-2003, 01:45 PM



بعد مرور عام نرجع بها الي الامام لنعيد بها ذكريات جميله
تسلم بن بن



Post: #5
Title: عودة بن بن
Author: خالد العبيد
Date: 06-08-2003, 03:11 PM
Parent: #1

العزيز بن بن
لك التحايا واهلا بعودتك
وعودة العزيز عزت
ارجو ان لاتحرمنا من ابدعات هذا الابالي الجميل
خالد