قراءة في دفاتر سبتمبر

قراءة في دفاتر سبتمبر


08-31-2018, 09:17 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=499&msg=1535703432&rn=0


Post: #1
Title: قراءة في دفاتر سبتمبر
Author: محمد حيدر المشرف
Date: 08-31-2018, 09:17 AM

09:17 AM August, 31 2018

سودانيز اون لاين
محمد حيدر المشرف-دولة قطر
مكتبتى
رابط مختصر


ما بين الاسى والخيبات الوطنية الكبيرة, وبين اضمحلال قدرة الاستلهام لصناعة مستقبل وطني يليق بذلك الوطن الحزين. تمر علينا ذكرى انتفاضة سبتمبر وتطوف بمخيلتنا صور الشهداء الابرار وتلك الملحمية التي الهبت فينا كل خلايا الحس الوطني و حركت اطرافنا العصبية بالانفعال الوطني كما لم يحركها شيء طوال هذا العهد الغيهب.

اولا لا املك الا وصف "انتفاضة" للاشارة لذلك الحراك الوطني الذي انتظم الوطن. وتعبير انتفاضة تعبير سوداني عريق كما اعتقد. وفي البال انتفاضة مارس/ابريل المجيدة. بيد ان انتفاضة سبتمبر جاءت في اطار زمني يخص ثورات الربيع العربي. واكتسبت احد اهم ميزاتها المتمثلة في الدور الفاعل والكبير لوسائل التواصل الاجتماعي .. الفيسبوك تحديدا.

كانت وسائل التواصل الاجتماعي وكأنها مفتاح الحل في تلك الايام. وخارطة الطريق على النموذج التونسي الياسميني الناعم تبدأ من محطة البوعزيزي لتمر عبر الفضائيات قبل ان تستلم وسائل التواصل الاجتماعي المهام اللوجستية للثورة وتحريك الجماهير.

لم يكن مقدرا لنا ذلك النموذج الياسميني في السودان .. طبيعة المنظومة الحاكمة طبيعة تتمتع بشراسة مطلقة وشراهة ممتدة للسلطة, وهي كذلك طبيعة تحالفية بين قوى الاسلام السياسي والعسكر الرسمي (جيش+أمن) والمرتزقة مما ساهم في تخليق نظام ديكتاتوري متعدد القطبية يتيح وجود قاعدة عريضة من اهل السلطة الاصلاء في انتمائهم للنظام الحاكم. فالمسالة اذن ليست نظام ديكتاتوري يمثل الدكتاتور قطبه الوحيد والمستمر, وانما هو نموذج معدل لو صحت العبارة يحتفظ فيه (الرئيس القائد) بقطبيته التي يتحلق من حولها الانتهازيون والحزب الحاكم, بيد انه يسمح بوجود اقطاب اخرى تمثلها في اعتقادي الحركة الاسلامية (ذات وجود مستقل عن الحزب الحاكم خارج اطار الارتباط الشكلي بالحزب الحاكم) .. بينما تمثل قوات الدعم السريع قطبا ثالثا وبوجود مستقل.

داخل هذه الطبيعة التحالفية الثلاثية توجد تحالفات هامشية غير معلنة .. منها تحالفات ذات طبيعة قبلية وجهوية وسياسية نجح النظام في اقامتها وربطها ارتباطا عضويا بالنظام على اساس المصالح المشتركة .. الشاهد في الامر ان هذا النموذج الانقاذي يعد احد اهم اسباب الفشل في ادارة الدولة السودانية .. نموذج مترهل ويفتقر للتجانس ويشكل بطبيعته بيئة طاردة للكفاءة اينما وجدت. ومحفزة للفساد اينما وجد.. ومكرسة للفشل كما هو موجود ... ولكن, وعلى الرغم من ذلك, يتمتع هذا النموذج بقدرة هائلة للاستمرار بخلفية امتلاكه لادوات العنف, وقدرة هائلة على استخدام هذه الادوات لقمع اي مهدد لوجوده واستمراره

بكل هذه الخلفيات .. خلفية التنظيم الداخلي للنظام الحاكم بشقيه العسكري والمدني, خلفية الفشل الاداري والاقتصادي والسياسي (انفصال الجنوب), خلفية انعدام الوازع الوطني والاخلاقي للنظام متى ما تعلق الامر بوجوده واستمراره, خلفية ثورات الربيع العربي ورغبة الجماهير في الانعتاق والحرية .. خلفية الاستخدام المفرط للعنف والقوة العسكرية تجاه الجماهير .. بهذه الخلفيات جاءت وكانت انتفاضة سبتمبر.

هل يكون من المدهش هنا مقتل اكثر من مئتي شاب وشابة سودانية في مقتبل اعمارهم في ظرف 3 ايام؟!

تم قمع الحراك الوطني بصورة لم تشهدها ثورات الربيع العربي الناعمة في تونس ومصر بسبب ان النظام السوداني ذا الطبيعة التحالفية البذيئة جدا بين العسكري والمرتزق والكوز لا يتمتع باي وازع وطني او اخلاقي تجاه الوطن .. وتجاه الجماهير .. لسنا هنا في معرض تقديم شهادة اخلاقية لنظام حسني مبارك مثلا .. بيد انهم يمتازون فيما بينهم بدرجات السوء ليس الا. وتحوذ الانقاذ اعلى درجات السوء وانعدام الوازع الوطني والاخلاقي

كان اعلاه جانب واحد من المسألة.. الجانب الآخر وبلا شك يكون ذلك الضعف المثير للغثيان حقيقة والذي ميز اداء الاحزاب السودانية المعارضة .. وفي البال (الكذوب) ان الحياة السياسية السودانية واحزابها اكثر نضوجا من مثيلاتها. فلو انجز الشباب التونسي والمصري ثورتاهما الناعمتان بدون وجود عمق سياسي كبير .. كان من الممكن للشباب السوداني ان ينجز ثورة اكثر عنفا بوجود عمق سياسي كبير متمثل باحزاب المعارضة ..

دخول الاحزاب السياسية على الخط الثوري كان سيغير كثيرا من المعادلة التي كانت موجودة في ارض سبتمبر 13 .. ومن عدة نواحي اهمها البعد الجماهيري والبعد الخارجي. في يقيني ان السيد الصادق المهدي لو ارتقى لقامة تكليفه الوطني لتغيرت المعادلات على الارض. لو امتلكت كل احزاب المعارضة القدرة على اتخاذ القرار الصحيح بالالتحام بجماهيرها في الشوارع. لتغيرت المعادلات على الارض. لو اتخذت كل الحركات المسلحة قرار فوريا بالانحياز للحراك السلمي السبتمبري .. لتغيرت المعادلات على الارض. نعم كان حجم التضحيات ليكون كبيرا ولكن ما هي الثورة في نهاية الامر الم يكن صدرها مزينا بنياشين التضحية والفداء.

هذه مجرد خواطر لم ادعي صوابها وانما اطرحها للنقاش والمسائلة والتصحيح .. والفكرة .. كل الفكرة .. محاولة استلهام ما كان, نحو ما يمكن ان يكون .. لا يجب ان تضيع تلك الدماء الزكية هدرا في نهاية المطاف.

التحية والتجلة للشهداء والشهيدات من ابناء ذلك الوطن الحزين